الوصائل إلى الرسائل - ج ١٣

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-13-9
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

ما يعمّ الحكومة ، كما ذكرنا في اول أصالة البراءة ، وغرضه أنّ مؤدّى الاستصحاب في كلّ مستصحب إجراء حكم دليل المستصحب في صورة الشك ، فكما أنّ دليل المستصحب أخص من الاصول

______________________________________________________

مثل تخصيص : أكرم العلماء كل يوم ، باستصحاب حكم المخصص ، بل مراده من التخصيص : (ما يعمّ الحكومة) فيكون مراده بالتخصيص : مطلق تقديم الأخص على الأعّم ، سواء كان بنحو التخصيص أم بنحو الحكومة.

إذن : فمراده من كون الاستصحاب مخصصا للعمومات بنحو المسامحة : انه على عمومات الاصول العملية (كما ذكرنا في اول أصالة البراءة) ذلك ، حيث قلنا : بانه قد يتسامح في التعبير فيقال : بالتخصيص ويراد به الحكومة ، لا التخصيص الاصطلاحي ، وهنا كذلك ، فانه ليس مراد السيد من التخصيص : التخصيص الاصطلاحي بل ما يعمّ الحكومة ، وذلك بقرينة تخصيصه الكلام بالاستصحاب المخالف ، لانه لو كان مراده منه : التخصيص الاصطلاحي لم يكن وجه لتقييد كلامه بالاستصحاب المخالف ، اذ عمومات الأدلة الاجتهادية يخصّصها الاستصحاب بلا فرق بين مخالف الاصل وموافقه ، أما الذي لا يخصصه الّا الاستصحاب المخالف فهو عموم الاصول العملية ، فيكون مراده بهذه القرينة : ان الاستصحاب المخالف للاصول مخصص لعمومات الاصول.

هذا (وغرضه) اي : غرض السيد من كلامه هذا هو : (أنّ مؤدّى الاستصحاب في كلّ مستصحب) هو : (إجراء حكم دليل المستصحب في صورة الشك) فيه ، لا الاصل (فكما أنّ دليل المستصحب) كالخبر الواحد (أخص من الاصول) العملية كالبراءة ، وقد (سمّي تقدّمه عليها تخصيصا ، فالاستصحاب في ذلك

٢٢١

سمّي تقدّمه عليها تخصيصا ، فالاستصحاب في ذلك متمّم لحكم ذلك الدليل ، ومجريه في الزمان اللاحق.

وكذلك الاستصحاب بالنسبة الى العمومات الاجتهاديّة ، فانّه اذا خرج المستصحب من العموم بدليله ،

______________________________________________________

متمّم لحكم ذلك الدليل ، ومجريه) اي : مجري حكم ذلك الدليل المستصحب عند الشك فيه ومتمّمه له (في الزمان اللاحق) فيسمّى أيضا مخصصا.

مثلا : إنّ «كل شيء لك حلال» و «كل شيء طاهر» وأشباههما ، شامل لكل مشكوك الطهارة والنجاسة والحلية والحرمة ، والنص الدال على حرمة العصير بالغليان ، وعلى نجاسته قبل ذهاب الثلثين ، مختص بمورده ، فيتسامح في اطلاق التخصيص عليه ويقال : يخصص الاصل الذي هو الطهارة والحل ، بهذا الدليل الدال على حرمة العصير ونجاسته بالغليان ، مع ان الدليل إمّا وارد على الاصل ، وإمّا حاكم عليه ، فكذلك اذا شككنا في بقاء الحرمة والنجاسة فيما اذا صار دبسا ـ مثلا ـ فانه يستصحب كل من الحرمة النجاسة المستفاد من النص الدال على حرمة العصير ونجاسته قبل ذهاب الثلثين ، ويطلق عليه التخصيص ، مع ان مثل هذا الاستصحاب حاكم على سائر الاصول وانه مخصص لها.

(وكذلك الاستصحاب بالنسبة الى العمومات الاجتهاديّة) مثل قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) (١) وقوله سبحانه : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (٢) (فإنّه اذا خرج المستصحب) وهو العصير في المثال (من العموم) اي : من قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) مثلا (بدليله) الخاص وهو النص الدال على خروجه سمّي

__________________

(١) ـ سورة البقرة : الآية ٢٩.

(٢) ـ سورة المائدة : الآية ٤ والآية ٥.

٢٢٢

والمفروض : أنّ الاستصحاب مجر لحكم ذلك الدليل في اللاحق ، فكأنّه أيضا مخصّص يعني : موجب للخروج عن الحكم العامّ ، فافهم.

الأمر الحادي عشر :

قد أجرى بعضهم الاستصحاب فيما إذا تعذّر بعض أجزاء المركب ،

______________________________________________________

تخصيصا (والمفروض : أنّ الاستصحاب مجر لحكم ذلك الدليل في اللاحق ، فكأنّه أيضا مخصّص) للعموم ، فيسمّى تخصيصا.

وعليه : فإنّ قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) عام ، والاستصحاب مخرج لهذا الفرد وهو العصير بعد الغليان في ثاني الأزمنة عند الشك في ذهاب ثلثيه او كفاية الدبسية من تحت ذلك العام ، فيشبه هذا الاستصحاب المخصص ، لا انه مخصص حقيقة.

إذن : فقولنا : الاستصحاب مخصص (يعني : موجب للخروج عن الحكم العامّ) الذي هو حلية الطيبات ـ مثلا ـ وليس بتخصيص في الحقيقة.

وإن شئت قلت : إنّ الاستصحاب يوسّع دائرة التخصيص للعام ، لا انه مخصص للعام حقيقة.

(فافهم) فان السيد إذا أراد بالتخصيص هذا المعنى الذي وجّهنا كلامه به ، كان خلاف الاصطلاح ، وهو بعيد عن مثل السيد.

(الأمر الحادي عشر) في انه هل يجري الاستصحاب اذا تعذّر جزء أو شرط من الواجب المركب كالصلاة مثلا ، أم لا؟ قال المصنّف : (قد أجرى بعضهم الاستصحاب فيما اذا تعذّر بعض أجزاء المركب) ممّا يبقى معه صدق المركب على حاله تسامحا ، كما اذا لم يتمكن من قراءة السورة ، أو من ذكر الركوع ،

٢٢٣

فيستصحب وجوب الباقي الممكن.

وهو بظاهره ، كما صرّح به بعض المحققين ـ غير صحيح ـ لأنّ الثابت سابقا قبل تعذّر بعض الأجزاء : وجوب هذه الأجزاء الباقية تبعا لوجوب الكلّ ، ومن باب المقدّمة ، وهو مرتفع قطعا ، والذي يراد ثبوته بعد تعذّر البعض هو : الوجوب النفسي الاستقلالي ، وهو معلوم الانتقاء سابقا.

______________________________________________________

أو من ذكر السجود ، أو ما أشبه ذلك في الصلاة فهل حاله مثل حال ماء الكر الذي نقص منه شيء قليل بحيث لم يعلم بسقوطه عن الكرية ، أم لا؟ قال : (فيستصحب وجوب الباقي الممكن) اتيانه فيجب إذن الاتيان به.

ثم قال المصنّف : (وهو) اي : هذا الاستصحاب (بظاهره) ومع غضّ النظر عن التوجيهات الثلاثة الآتية (كما صرّح به بعض المحققين ـ غير صحيح).

وإنّما لم يكن بظاهره صحيحا لعدم بقاء الموضوع فيه ، وذلك (لأنّ الثابت سابقا قبل تعذّر بعض الأجزاء : وجوب هذه الأجزاء الباقية) الممكنة (تبعا لوجوب الكلّ ، ومن باب المقدّمة) الداخلية ، فان الأجزاء كلها مقدّمات داخلية للمجموع من حيث المجموع (وهو مرتفع قطعا) لانه لا وجوب للكل بعد عدم التمكن منه ، فلا شك لا حق حتى يصح الاستصحاب.

هذا قبل تعذّر البعض ، وأما بعد تعذّر البعض فكما قال : (والذي يراد ثبوته بعد تعذّر البعض) بسبب الاستصحاب (هو : الوجوب النفسي الاستقلالي) الذي كان سابقا حين امكان الكل (وهو معلوم الانتقاء سابقا) فلا يقين سابق ، ومع عدم يقين سابق ، أو شك لا حق ، لا يصح الاستصحاب.

والحاصل : انّه اذا تعذر جزء من المركب ، فالاجزاء الباقية منه لم يكن لها في حال التمكن من الكل وجوب استقلالي حتى يستصحب ، وإنّما كان الثابت لها

٢٢٤

ويمكن توجيهه ، بناء على ما عرفت : من جواز إبقاء القدر المشترك في بعض الموارد ، ولو علم بانتفاء الفرد المشخّص له سابقا ، بأنّ المستصحب هو مطلق المطلوبيّة المتحققة سابقا لهذا الجزء ولو في ضمن مطلوبيّة الكلّ.

______________________________________________________

هو الوجوب التبعي المقدّمي وقد انتفى ذلك قطعا لانه بعد تعذر الجزء لا يجب الكل حتى يجب هذه الأجزاء مقدمة له ، والذي يراد إبقاؤه بالاستصحاب هو الوجوب النفسي لهذه الأجزاء ، والوجوب النفسي لهذه الأجزاء الباقية مشكوك الحدوث ، ومعه فلا يتم أركان الاستصحاب حتى يستصحب ، فالاستصحاب إذن لا يصح على ظاهره.

هذا (ويمكن توجيهه) أي : توجيه هذا الاستصحاب بالمسامحة العرفية في المستصحب ، وذلك (بناء على ما عرفت : من جواز إبقاء القدر المشترك في بعض الموارد ، ولو علم بانتفاء الفرد المشخّص له) اي : المشخّص للقدر المشترك (سابقا) فان الوجوب الثابت بين الجزء والكل يستصحب بقاؤه من باب استصحاب الكلي.

وعليه : فيقال في تقريب الاستصحاب : (بأنّ المستصحب هو مطلق المطلوبيّة المتحققة سابقا لهذا الجزء) فانه لا شك ان هذا الجزء كان في السابق مطلوبا للمولى (ولو في ضمن مطلوبيّة الكلّ) اي : المطلوبية المقدّمية فتستصحب تلك المطلوبية التي هي عبارة اخرى عن الوجوب فيثبت به الوجوب للاجزاء الباقية.

إن قلت : استصحاب مطلوبية الكل الذي هو وجوب مقدمي لا يثبت الوجوب النفسي المطلوب الّا على وجه مثبت.

٢٢٥

إلّا أنّ العرف لا يرونها مغايرة في الخارج لمطلوبيّة الجزء في نفسه.

ويمكن توجيهه بوجه آخر يستصحب معه الوجوب النفسي ، بأن يقال : إنّ معروض الوجوب سابقا والمشار اليه بقولنا : «هذا الفعل كان واجبا» هو الباقي ، إلّا أنّه يشك في مدخليّة الجزء المفقود في اتصافه بالوجوب النفسي مطلقا أو اختصاص المدخليّة بحال الاختيار ،

______________________________________________________

قلت : صحيح ذلك (إلّا أنّ العرف لا يرونها) أي : المطلوبية المقدّمية التي كانت للجزء في السابق (مغايرة في الخارج لمطلوبيّة الجزء في نفسه) اي : المطلوبية النفسية له وذلك الخفاء ، فتستصحب تلك المطلوبية.

إذن : فمطلق المطلوبية ، وبعبارة اوضح : كلي الوجوب المقدّمي متحد بنظر العرف مع الوجوب النفسي لانهم يرون كل الآثار المترتّبة على الوجوب النفسي مترتبة على الوجوب الكلي المقدّمي ، وهذا القدر كاف في الاستصحاب ، فيكون حاصل هذا التوجيه هو : استصحاب الوجوب.

(ويمكن توجيهه بوجه آخر) وهو : بالمسامحة في موضوع المستصحب ، وذلك بأن (يستصحب معه الوجوب النفسي) لا مطلق المطلوبية الأعم من الوجوب النفسي والوجوب المقدّمي الذي ذكرناه في التوجيه السابق.

وعليه : فتوجيهه يكون على التقريب التالي ، وذلك (بأن يقال : إنّ معروض الوجوب سابقا والمشار اليه بقولنا : «هذا الفعل كان واجبا» ، هو الباقي) من الأجزاء (إلّا أنّه يشك في مدخليّة الجزء المفقود في اتصافه بالوجوب النفسي) اي : يشك في ان ذلك الجزاء المفقود هل له مدخلية فيه (مطلقا) حتى في حال عدم التمكن منه ممّا يكون معناه : عدم وجوب الباقي (أو اختصاص المدخليّة بحال الاختيار) فقط ، وأمّا في حال عدم التمكن فلا مدخلية له فيه ممّا يكون

٢٢٦

فيكون محلّ الوجوب النفسي هو الباقي.

ووجود ذلك الجزء المفقود وعدمه عند العرف في حكم الحالات المتبادلة لذلك الواجب المشكوك في مدخليّتها.

______________________________________________________

معناه : وجوب الباقي.

إذن : (فيكون محلّ الوجوب النفسي) وموضوعه (هو الباقي) من الاجزاء (ووجود ذلك الجزء المفقود وعدمه عند العرف في حكم الحالات المتبادلة لذلك الواجب المشكوك في مدخليّتها) اي : مدخلية الاجزاء فيه ، فالموضوع ـ كالصلاة مثلا ـ في نظر العرف هو المركب الأعم من واجد السورة المفقودة وفاقدها.

وعليه : فحال السورة في الصلاة وعدمها بنظر العرف حال التغيّر في الماء وعدمه ، فكما يرى العرف التغيّر في الماء وعدمه من الحالات المتبادلة للماء وإنّما النجاسة قائمة بذات الماء الموجود في كلتا الحالتين : التغيّر وعدم التغير ، فكذلك يرى العرف السورة وعدمها في الصلاة من الحالات المتبادلة للصلاة ، وإنّما الوجوب قائم بذات الصلاة الموجودة في كلتا الحالتين ؛ مع السورة وعدمها ، فيكون الموضوع حينئذ باقيا ويستصحب ذلك الموضوع الباقي ، فيكون استصحاب الوجوب النفسي لبقاء الموضوع تاما.

هذا ، ولا يخفى : ان الفرق بين التوجيه السابق ، وهذا التوجيه هو : ان في التوجيه السابق كنّا نستصحب كلي المطلوبية الأعم من الوجوب النفسي والمقدمي ، وفي هذا التوجيه نستصحب الوجوب النفسي ، ففي التوجيه الاول كان التسامح في المستصحب ، وذلك بأن استصحبنا كلّي الوجوب ، وقلنا : بأن هذه الاجزاء كانت واجبة بكلّي الوجوب ، فهي كما كانت في السابق باقية

٢٢٧

وهذا نظير استصحاب الكرّية في ماء نقص منه مقدار ، فشك في بقاءه على الكرّية ، فيقال : هذا الماء كان كرّا ، والأصل بقاء كرّيته ، مع أنّ هذا الشخص الموجود الباقي لم يعلم بكرّيته.

وكذا استصحاب القلّة في ماء زيد عليه مقدار.

وهنا توجيه ثالث ، وهو : استصحاب الوجوب النفسي

______________________________________________________

على وجوبها ، وفي التوجيه الثاني يكون التسامح في الموضوع ، وذلك بأن استصحبنا نفس الوجوب النفسي الخاص المتعلّق بهذه الأجزاء وقلنا بأن هذه الأجزاء كانت واجبة بوجوب نفسي ، فهي كما كانت في السابق باقية على وجوبها.

(وهذا) التوجيه الثاني : (نظير استصحاب الكرّية في ماء نقص منه مقدار ، فشك في بقاءه على الكرّية) وكان ذلك النقص قليلا بحيث لا يضر بالصدق العرفي (فيقال : هذا الماء كان كرّا ، والأصل بقاء كرّيته) من باب التسامح في الموضوع فيحكم بمطهريّته وعدم انفعاله (مع أنّ هذا الشخص الموجود الباقي) من الماء (لم يعلم بكرّيته) سابقا ، لان معلوم الكرية سابقا هو الماء الذي لم ينقص منه شيء.

(وكذا استصحاب القلّة في ماء زيد عليه مقدار) لا يضر بالصدق العرفي بحيث نشك في انه هل خرج عن القلة حتى لا يتنجس بملاقاة النجس ، او لم يخرج عن القلة حتى يتنجس بملاقاة النجس؟ فيقال : هذا الماء كان قليلا ، والاصل بقاء قلّته من باب التسامح في الموضوع ، فيحكم بانه اذا لاقى النجس تنجس.

(وهنا) ك (توجيه ثالث وهو : استصحاب الوجوب النفسي) المتعلق

٢٢٨

المردّد بين تعلّقه سابقا بالمركّب على أن يكون المفقود جزءا له مطلقا فيسقط الوجوب بتعذّره ، وبين تعلّقه بالمركّب على أن يكون الجزء جزءا اختياريّا يبقى التكليف بعد تعذّره ، والاصل بقاؤه ، فثبت به تعلّقه بالمركّب على الوجه الثاني.

وهذا نظير إجراء استصحاب وجود الكرّ في هذا الاناء لاثبات كرّية الباقي فيه.

______________________________________________________

بالموضوع المجمل (المردّد بين تعلّقه سابقا بالمركّب على أن يكون المفقود جزءا له مطلقا) في حال الاختيار وحال التعذر (فيسقط الوجوب بتعذّره) اي : بتعذر ذلك الجزء ، فلا وجوب للباقي (وبين تعلّقه) اي : الوجوب النفسي (بالمركب على أن يكون الجزء جزءا اختياريّا) فقط فاذا تعذّر (يبقى التكليف) بالمركب الفاقد للجزء المتعذر (بعد تعذّره) اي : بعد تعذر ذلك الجزء الاختياري ، كالسورة في المثال على حاله (والاصل بقاؤه) حينئذ.

إذن : (فثبت به) اي : بهذا الاصل وهو : استصحاب بقاء التكليف بالمركب الفاقد للجزء المتعذّر (تعلّقه) اي : تعلق الوجوب (بالمركّب على الوجه الثاني) وهو ما كان الجزء المتعذّر فيه جزءا في حال الاختيار فقط لا مطلقا.

ولا يخفى : ان هذا الاصل مثبت لكن الواسطة خفيّة (وهذا) التوجيه الثالث : (نظير إجراء استصحاب وجود الكرّ في هذا الاناء لاثبات كرّية) الماء (الباقي فيه) وذلك بان يقال : هذا الماء الموجود الآن في الاناء هو نفس الماء الموجود فيه سابقا ، وكان في السابق كرا فهو الآن كر ، بلا حاجة الى التسامح لا في المستصحب كما كان في التوجيه الاول ، ولا في الموضوع كما كان في التوجيه الثاني.

٢٢٩

ويظهر فائدة مخالفة التوجيهات فيما اذا لم يبق إلّا قليل من أجزاء المركّب ، فانّه يجري التوجيه الأوّل

______________________________________________________

وعليه : فقد تبين ان الاستصحاب في الاول هو : استصحاب مطلق المطلوبية الأعم من النفسي والمقدّمي ، وذلك من باب التسامح في المستصحب وهو الوجوب ، وفي الثاني هو : استصحاب الوجوب النفسي وذلك من باب التسامح في موضوع الوجوب لاثبات ان الباقي هو عين السابق عرفا ، وفي الثالث هو : استصحاب الوجوب النفسي المتعلق بالموضوع المجمل لاثبات ان الباقي هو نفس الموضوع السابق ، وان الجزء المتعذر كان واجبا في حال الاختيار فقط دون التعذّر ، يعني : بأن كان ذلك الجزء في حال الاختيار زائدا على الموضوع بحيث ان فقده في حال عدم التمكن منه لا يوجب نقصا ومعه لا حاجة الى التسامح في الموضوع ولا في المستصحب.

(ويظهر فائدة مخالفة التوجيهات) اي : اختلاف التوجيهات الثلاثة التي ذكرناها تظهر فائدتها (فيما اذا لم يبق إلّا قليل من أجزاء المركّب) وذلك كما اذا لم يبق من الصلاة الّا تكبيرة الاحرام والركوع والسجود والسلام فقط ، فانه يظهر فيها ثمرة اختلاف التوجيهات المذكورة ويظهر الفرق بينها ، بينما اذا تعذر بعض الأجزاء القليلة من المركب مثل : تعذر السورة فقط ، أو ذكر الركوع فقط أو ذكر السجود فقط ، فانه يجري فيها الاستصحاب على جميع التوجيهات من دون فرق بينها.

وعليه : (فانّه) في صورة تعذر اكثر الأجزاء يظهر الفرق بين التوجيهات المذكورة ، فان فيها (يجري التوجيه الاول) لان مبناه على المسامحة في نفس الوجوب الذي هو المستصحب ، لا في الموضوع ، فسواء زاد الموضوع أم نقص

٢٣٠

والثالث دون الثاني ، لأنّ العرف لا يساعد على فرض الموضوع بين هذا الموجود وبين جامع الكلّ ولو مسامحة لأنّ هذه المسامحة مختصّة بمعظم الأجزاء الفاقد لما لا يقدح في إثبات الاسم والحكم له وفيما لو كان

______________________________________________________

لا يضرّ الحكم الذي هو الوجوب ، فيقال : سابقا كان واجبا وفي الحال يكون واجبا ايضا.

(و) كذا يجري فيها التوجيه (الثالث) ايضا ، لان الثالث على ما عرفت كان مبنيا على استصحاب الوجوب المتعلّق بالموضوع المجمل.

وزيادة الموضوع ونقصانه لا يضر بالحكم الذي هو الوجوب فيكون الباقي واجبا (دون الثاني ، لأنّ) مبناه كما عرفت كان على المسامحة في الموضوع ، ومن المعلوم : انه لو تعذر اكثر الأجزاء لا يبقى الموضوع ، فكون كالكر الذي أخذ ثلاثة ارباع مائه فان (العرف لا يساعد على فرض الموضوع بين هذا الموجود) الباقي القليل (وبين جامع الكلّ) الذي كان يشتمل ـ مثلا ـ على عشرة أجزاء ثم تعذّر أكثرها وبقي منها ثلاثة أجزاء ، فان الموضوع بنظر العرف ليس بباق هنا (ولو مسامحة).

وإنّما لا يساعد على بقاء الموضوع هنا مع مسامحته (لأنّ هذه المسامحة مختصّة بمعظم الأجزاء) بقاء (الفاقد لما لا يقدح) ولا يضرّ فقده (في إثبات الاسم) كفقد السورة او ذكر الركوع أو السجود ـ مثلا ـ (و) اذا بقي معظم الأجزاء فحينئذ يثبت (الحكم له) اي : لهذا المعظم ايضا ويقال : ان الموضوع باق بنظر العرف المسامحي ، دون ما اذا تعذّر اكثر الأجزاء.

(و) كذلك يظهر ايضا فائدة اختلاف التوجيهات المذكورة (فيما لو كان

٢٣١

المفقود شرطا ، فانّه لا يجري الاستصحاب على الأوّل ، ويجري على الأخيرين.

وحيث إنّ بناء العرف على عدم إجراء الاستصحاب

______________________________________________________

المفقود شرطا) كما اذا تعذرت القبلة او الطهارة ـ مثلا ـ في الصلاة (فانّه لا يجري الاستصحاب على الأوّل) لأنّ المشروط عدم عند عدم شرطه ، فاذا تعذرت القبلة او الطهارة لا تكون صلاة ، فالوجوب المتعلق بالصلاة الجامعة للأجزاء والشرائط قد انتفى قطعا ، ووجوب آخر متعلق بالصلاة بلا شرائط ، هو مشكوك الحدوث ، فلا معنى إذن لاستصحاب كلي الوجوب هنا.

(ويجري على الأخيرين) وذلك بأن يقال : ان موضوع الوجوب النفسي على التسامح العرفي هو المركب الأعم من واجد الشرط وفاقده ، وهذا الموضوع باق بعد فقد الشرط على حالة ، كما مرّ في التوجيه الثاني ، او يقال على التوجيه الثالث : بأن نستصحب الوجوب النفسي المتعلّق بالموضوع المجمل المردّد بين ان يكون الشرط شرطا له مطلقا ، او في حال الاختيار فقط وذلك الى آخر ما تقدّم بيانه في التوجيه الثالث.

والحاصل : ان العرف يتسامح ويحكم باتحاد الواجد للشرائط والفاقد لها ، فيستصحب الوجوب النفسي المتعقل بالاجزاء الباقية ، ويستصحب الوجوب النفسي المتعلّق بالموضوع المجمل ، وذلك على التوجيهين الاخيرين : الثاني والثالث.

ولكن التوجيه الثالث كالتوجيه الاول ممّا لا يساعد العرف على صحته واليه اشار المصنّف بقوله : (وحيث انّ بناء العرف على عدم إجراء الاستصحاب

٢٣٢

في فاقد معظم الأجزاء ، واجرائه في فاقد الشرط ، كشف عن فساد التوجيه الأوّل ، وحيث إنّ بناءهم على استصحاب نفس الكرّية دون الذات المتصف بها كشف عن صحة الأوّل من الأخيرين ، وقد عرفت : أنّه لو لا المسامحة العرفيّة في المستصحب وموضوعه لم يتمّ شيء من الوجهين.

______________________________________________________

في فاقد معظم الأجزاء ، واجرائه في فاقد الشرط ، كشف عن فساد التوجيه الأوّل) المبني على عكس ذلك ، فان التوجيه الاول ـ كما عرفت ـ كان يجري الاستصحاب في فاقد المعظم ولا يجريه في فاقد الشرط.

وإنّما كان بناء العرف المذكور كاشفا عن فساد التوجيه الاول ، لان العرف هو المخاطب من جهة الشارع ، فاذا لم ير العرف انطباق أخبار الاستصحاب على هذا التوجيه تبيّن ان التوجيه فاسد.

هذا بالنسبة الى التوجيه الأوّل وأمّا التوجيه الثاني فكما قال : (وحيث إنّ بناءهم على استصحاب نفس الكرّية) عند الشك في الكرية فيقولون : كان هذا الماء سابقا كرا فالآن كرّ (دون الذات المتصف بها) اي : بالكرية ، فانهم لا يستصحبون وجود الماء الكرّ ، حتى يثبتوا أن ما في الحوض كرّ ، فان بناءهم هذا (كشف عن صحة الأوّل من الأخيرين) اي : صحة التوجيه الثاني ، لأنّ فيه استصحاب الوجوب النفسي المتعلّق بهذه الأجزاء ، فهناك يقال : يستصحب كرّية الماء ، وهنا يقال : يستصحب وجوب الأجزاء.

(و) امّا التوجيه الثالث : فلا يراه العرف صحيحا ايضا ، كما لم ير التوجيه الأوّل صحيحا ، وذلك لانه (قد عرفت : أنّه لو لا المسامحة العرفيّة في المستصحب وموضوعه لم يتمّ شيء من الوجهين) الأخيرين ، فتماميّتهما متوقف على رؤية العرف والعرف يرى صحة أولهما دون ثانيهما ، فيكون التوجيه

٢٣٣

لكنّ الاشكال بعد في الاعتماد على هذه المسامحة العرفيّة المذكورة ، إلّا أنّ الظاهر : أنّ استصحاب الكرّية من المسلّمات عند القائلين بالاستصحاب. والظاهر : عدم الفرق.

ثم إنّه

______________________________________________________

الثالث غير صحيح ، لان العرف في مثل الشك في الكرّية يستصحبون كرية هذا الماء على ما عرفت ، ولا يستصحبون وجود الماء الكرّ ، والتوجيه الثالث كان من قبيل استصحاب وجود الماء الكرّ.

هذا ، و (لكنّ الاشكال بعد في الاعتماد على هذه المسامحة العرفيّة المذكورة) وهو انه هل المسامحة العرفية توجب صحة الاستصحاب ام لا؟ وعلى فرضه هل يفهم العرف من اخبار الاستصحاب مثل هذه المسامحة ام لا؟ (إلّا أنّ الظاهر : أنّ استصحاب الكرّية) في الماء الذي أخذ بعضه ممّا يراه العرف هو الماء السابق مسامحة ، فهو (من المسلّمات عند القائلين بالاستصحاب و) حجيته.

وعليه : فاذا تمّ استصحاب الكرية نقول : (الظاهر : عدم الفرق) بين نقص مقدار من الكرّ ، ونقص مثل السورة ، أو ذكر الركوع ، أو السجود ، أو ما اشبه ذلك من الصلاة ، فكما يستصحب هناك الكرية كذلك يستصحب هنا الوجوب.

(ثم إنّه) لا يقال : ان استصحاب الوجوب بعد تعذّر السورة ـ مثلا ـ إنّما يتم بعد تمكن المكلّف من الصلاة بأن دخل الوقت ولم يصلّها ثم تعذرت السورة ، وامّا اذا لم يدخل الوقت بعد وكانت السورة متعذّرة لتقية شديدة او ما اشبه ، فانه لم تجب الصلاة بعد حتى يستصحب الوجوب لقوله عليه‌السلام : «اذا دخل الوقت

٢٣٤

لا فرق ، بناء على جريان الاستصحاب ، بين تعذّر الجزء بعد تنجّز التكليف ، كما اذا زالت الشمس ، متمكّنا من جميع الأجزاء ففقد بعضها ، وبين ما اذا فقده قبل الزوال ، لأنّ المستصحب هو : الوجوب النوعي المنجّز على تقدير اجتماع شرائطه ، لا الشخصي المتوقف على تحقق الشرائط فعلا ،

______________________________________________________

وجب الطهور والصلاة» (١) والمفروض : أنّه لم يدخل الوقت بعد ، فكيف يستصحب الوجوب؟.

لأنّه يقال : (لا فرق بناء على جريان الاستصحاب) عند المثبتين للاستصحاب في الباقي بعد تعذر بعض الاجزاء (بين تعذّر الجزء بعد تنجّز التكليف) بدخول الوقت (كما اذا زالت الشمس) في حال كون المكلّف (متمكّنا من جميع الأجزاء ففقد بعضها) لتعذّر أو تعسّر (وبين ما اذا فقده قبل الزوال).

وإنّما قلنا : لا فرق بينهما (لأنّ المستصحب هو : الوجوب النوعي المنجّز على تقدير اجتماع شرائطه) اي : بأن يكون تنجّزه معلقا على تحقق شروطه : من دخول الوقت وما اشبه ، وهذا الوجوب النوعي لا فرق فيه قبل الوقت وبعد الوقت ، وذلك لانه قبل الوقت متوجّه الى نوع المكلفين معلقا ، فله وجود تعليقي ، والوجود التعليقي قابل للاستصحاب فيستصحب.

(لا) الوجوب (الشخصي المتوقف على تحقق الشرائط فعلا) اي : لا التكليف المنجّز الشخصي ، حتى يقال : بأنه لم يكن واجبا ، فما ذا

__________________

(١) ـ من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٣٣ ح ٦٧ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٣٧٢ ب ٤ ح ٩٨١ وج ٢ ص ٢٥٣ ب ١٤ ح ١٩٢٩ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٤٠ ب ٢٣ ح ٤

٢٣٥

نعم هنا أوضح.

وكذا لا فرق ، بناء على عدم الجريان بين ثبوت جزئيّة المفقود بالدليل الاجتهادي وبين ثبوتها بقاعدة الاشتغال.

وربما يتخيّل : أنّه لا اشكال في الاستصحاب

______________________________________________________

تستصحبون؟.

(نعم) جريان الاستصحاب (هنا) فيما اذا حصل التعذر بعد دخول الوقت يعني : عند تنجزّ الوجوب الشخصي على المكلّف يكون (أوضح) من جريان الاستصحاب بالنسبة الى الوجود التعليقي في الوجوب النوعي الذي كان واجبا قبل دخول الوقت.

(وكذا لا فرق ، بناء على عدم الجريان) وذلك عند المانعين من جريان الاستصحاب في الباقي بعد تعذر بعض الاجزاء فإنّه لا فرق عندهم (بين ثبوت جزئيّة المفقود بالدليل الاجتهادي) كما اذا ورد نص على ان السورة جزء (وبين ثبوتها بقاعدة الاشتغال) كما اذا شككنا في ان السورة جزء او ليست بجزء وبنينا على جزئيتها ، لانه من الشك بين الأقل والاكثر الارتباطين وقلنا فيه ـ مثلا ـ بوجوب الاحتياط باتيان الاكثر.

وإنّما قلنا : لا فرق بين القسمين : الاول والثاني ، في سقوط وجوب الباقي ـ بناء على عدم جريان الاستصحاب ـ لأنّ المانعين يرون اختلاف القضيتين : المتيقنة والمشكوكة فيما نحن فيه ، فيرون الموضوع غير باق ، فلا يجرون الاستصحاب ، سواء ثبت جزئية الجزء المتعذّر بالدليل الاجتهادي ، أم بقاعدة الاشتغال.

(وربما يتخيّل : أنّه لا اشكال في الاستصحاب) أي : استصحاب التكليف

٢٣٦

في القسم الثاني ، لأنّ وجوب الاتيان بذلك الجزء لم يكن إلّا لوجوب الخروج عن عهدة التكليف ، وهذا بعينه مقتض لوجوب الاتيان بالباقي بعد تعذّر الجزء.

______________________________________________________

لا ثبات وجوب الاجزاء الباقية (في القسم الثاني) وهو ما ثبت جزئيته بقاعدة الاشتغال (لأنّ وجوب الاتيان بذلك الجزء ، لم يكن) الدليل اجتهادي ، وإنّما لقاعدة الاشتغال ، فلا يكون وجوب اتيانه (إلّا لوجوب الخروج عن عهدة التكليف) الذي هو مقتضى استصحاب التكليف بعد الاتيان بالصلاة بلا سورة ـ مثلا ـ.

(وهذا بعينه) اي : استصحاب التكليف ، المقتضي لوجوب الخروج عن عهدة التكليف بالنسبة الى الاجزاء الباقية من الصلاة بعد تعذر السورة ـ مثلا ـ موجود ايضا ، وهو بنفسه (مقتض لوجوب الاتيان بالباقي بعد تعذّر الجزء) فيثبت وجوب الباقي ، اذ في فرض ثبوت وجوب الجزء ـ كالسورة مثلا ـ بالاستصحاب ، يحتمل ان يكون الواجب بالنسبة الى المركب من اول الامر هو عبارة عن الاقل ـ كالصلاة بالسورة مثلا ـ فتكون الصلاة بعد تعذر السورة واجبة ايضا.

وعليه : فاذا شك في ان الواجب هل هي الصلاة مع السورة او بدونها ولا دليل اجتهادي؟ فيقال : انه مع التمكن من الصلاة مع السورة فاستصحاب التكليف يقتضي : وجوب الاتيان بالاكثر فتجب السورة ، ومع عدم التمكن من السّورة فاستصحاب التكليف يقتضي : وجوب الاتيان بالباقي فيجب الباقي ، ففرق بين ثبوت الجزء بدليل اجتهادي فلا استصحاب ، وبين ثبوته بقاعدة الاشتغال فالاستصحاب جار.

٢٣٧

وفيه ما تقدّم ، من أنّ وجوب الخروج عن عهدة التكليف بالمجمل إنّما هو بحكم العقل لا بالاستصحاب ، والاستصحاب لا ينفع هنا إلّا بناء على الأصل المثبت.

ولو قلنا به

______________________________________________________

(وفيه ما تقدّم) في بحث البراءة (من أنّ وجوب الخروج عن عهدة التكليف بالمجمل) المردّد بين الأقل والاكثر المستلزم للاحتياط والاتيان بالاكثر (إنّما هو بحكم العقل) القائل بوجوب دفع العقاب المحتمل ، من باب ان التكليف قطعي ، فاذا اتي به من دون هذا الجزء المشكوك ، لم يعلم بالخروج عن عهدة التكليف ، ولذا يجب الاتيان بالأكثر ، فالوجوب إذن بحكم العقل (لا بالاستصحاب) اي : ان الأثر للشك لا للمشكوك.

هذا (والاستصحاب لا ينفع هنا إلّا بناء على الأصل المثبت) وذلك بأن نستصحب الوجوب الكلي السابق فنقول : إذن هذا الفاقد للجزء هو الواجب ، فيكون من قبيل استصحاب الكلي لا ثبات فرد منه ، وهو مثبت ، والاصل المثبت كما عرفت ليس بحجة.

وكيف كان : فانه مع التمكن من الاتيان بذلك الجزء يجب الاتيان بالمجموع لكن لا من باب استصحاب التكليف لانه مثبت ، بل من باب القول بوجوب الاكثر لقاعدة الاشتغال فيما اذا كان الشك بين الأقل والاكثر الارتباطيين كما نحن فيه ، وذلك لانه شك في اسقاط التكليف وهو مجرى الاحتياط ، بينما مثل هذا لا يجري عند الشك في وجوب الباقي بعد تعذّر بعض الاجزاء وذلك لانه شك في اثبات التكليف وهو مجرى البراءة.

هذا ، ان لم نقل باعتبار الاصل المثبت (ولو قلنا به) اي : باعتبار الأصل المثبت

٢٣٨

لم يفرّق بين ثبوت الجزء بالدليل او بالأصل ، لما عرفت : من جريان استصحاب بقاء أصل التكليف وإن كان بينهما فرق من حيث أنّ استصحاب التكليف في المقام من قبيل استصحاب الكلّي المتحقق سابقا في ضمن فرد معيّن ، بعد العلم بارتفاع ذلك الفرد المعيّن

______________________________________________________

وحجيته (لم يفرّق) في القول بوجوب الباقي (بين ثبوت الجزء بالدليل او بالأصل) وذلك لأنّ ثبوت الجزء المتعذّر سواء كان بالدليل ام بالاصل ، فان استصحاب الوجوب للاجزاء الباقية لا يثبت لها الوجوب النفسي الّا على وجه مثبت كما عرفت.

إذن : فمن جهة أنّ القول بوجوب الباقي ، لا يكون الّا على القول بالاصل المثبت ، لم يفرّق بين ان يكون الجزء المتعذر ثابتا بالدليل او بالاصل ، وذلك (لما عرفت : من جريان استصحاب بقاء أصل التكليف).

وأمّا من جهة مورد جريان الاستصحاب ، فهناك فرق بين كون الجزء ثابتا بالدليل ، وبين كونه ثابتا بالاصل ، كما قال : (وإن كان بينهما فرق).

وإنّما يكون بينهما فرق (من حيث أنّ استصحاب التكليف في المقام) وهو تعذر الجزء الثابت بالدليل الاجتهادي (من قبيل استصحاب الكلّي المتحقق سابقا في ضمن فرد معيّن ، بعد العلم بارتفاع ذلك الفرد المعيّن) وهذا هو القسم الثابت من أقسام استصحاب الكلي ، فإنّ استصحاب كلي الوجوب مع تردّده بين الوجوب المقدّمي بالنسبة الى الباقي المرتفع قطعا بارتفاع الكل ، والوجوب النفسي المشكوك حدوثه في الباقي مكان الكل ، يكون من قبيل استصحاب كلي الانسان المردّد بين زيد المرتفع قطعا لخروجه من الدار ، وعمرو المشكوك حدوثه مكان زيد لاحتمال دخوله في الدار ، والاستصحاب فيه لا يجري

٢٣٩

وفي استصحاب الاشتغال من قبيل استصحاب الكلّي المتحقّق في ضمن المردّد بين المرتفع والباقي ، وقد عرفت عدم جريان الاستصحاب في الصورة الاولى ، إلّا في بعض مواردها بمساعدة العرف.

______________________________________________________

الّا في بعض الصور المتسامح فيه عرفا.

هذا مورد جريان الاستصحاب في الاجزاء الباقية بعد تعذر الجزء الثابت بالدليل الاجتهادي والذي عبّر عنه بقوله : «في المقام».

وأمّا مورد جريان الاستصحاب في الاجزاء الباقية بعد تعذر الجزء الثابت بالاصل ، كالثابت فيما نحن فيه بقاعدة الاشتغال ، فهو كما أشار اليه بقوله : (وفي استصحاب الاشتغال) يكون (من قبيل استصحاب الكلّي المتحقّق في ضمن المردّد بين المرتفع والباقي) حيث انه من القسم الثاني من اقسام استصحاب الكلي ، مثل استصحاب كلي الحيوان المردّد بين كونه عصفورا لا يعيش إلّا سنة أو غرابا يعيش طويلا.

هذا (وقد عرفت) ممّا ذكرناه سابقا في التنبيه الاول (عدم جريان الاستصحاب في الصورة الاولى) من هاتين الصورتين المذكورتين ، وذلك لانها من القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي فلا يجري فيها الاستصحاب (إلّا في بعض مواردها بمساعدة العرف) وذلك بأن يرى العرف أنّ الفرد الباقي هو استمرار الفرد السابق ، وما نحن فيه هو من الموارد التي يرى العرف فيها ذلك ، فيصح استصحاب الكلي في هذا المورد ، لكنه لا يثبت بقاء الوجوب النفسي لبقية الاجزاء الّا على القول بالأصل المثبت ، أو فرض خفاء الواسطة ، وذلك لانه من استصحاب الكلي لا ثبات بعض أفراده.

٢٤٠