الوصائل إلى الرسائل - ج ١٣

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-13-9
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

من حيث تنزيل الشارع الاحتمال المطابق له منزلة الواقع ، إلّا أنّ الاختفاء في تقديم أحد التنزيلين على الآخر وحكومته عليه.

______________________________________________________

من حيث تنزيل الشارع الاحتمال المطابق له) اي : للواقع (منزلة الواقع) لا من حيث انه كاشف عن الواقع ، كالخبر والاجماع والشهرة والسيرة وما أشبه (إلّا أنّ الاختفاء) علينا والشك عندنا يكون (في تقديم أحد التنزيلين على الآخر وحكومته عليه) وانه هل هذا مقدّم على ذاك ، او ذاك مقدّم على هذا؟.

والحاصل : ان الادلة على اربعة اقسام :

الاول : ما كان كاشفا عن الواقع وناظرا اليه مع اعتبار هذه الجهة فيه ، كالخبر والاجماع وما اشبه ذلك في الأحكام ويسمّى بالطريق ، وكالبينة والسوق وما اشبه ذلك في الموضوعات ويسمّى بالأمارة ، وهذا الاوّل ـ بقسميه ويسمى بالدليل الاجتهادي ـ إنّما وجد فهو مقدّم على غيره.

الثاني : ما هو وظيفة مقررة للجاهل بلا كشف عن الواقع ولا نظر اليه اطلاقا ، كالاحتياط والتخيير ونحوهما ، ويسمّى هذا القسم من الأدلة بالاصول العملية غير التنزيلية أو غير المحرزة ، وهذا الثاني متأخر عن الجميع.

الثالث : ما كان ناظرا الى الواقع وكاشفا عنه ، الّا انه اعتبر بمجرد احتمال المطابقة للواقع كالاستصحاب والقرعة ، ويسمّى هذا القسم من الأدلة بالاصول العملية التنزيلية أو المحرزة ، وهذا الثالث متأخر عن الأدلة الاجتهادية ومقدّم على غيره من الاصول.

الرابع : ما اعتبره الشارع بمجرد احتمال المطابقة للواقع ، لكنه لا كشف ولا نظر له الى الواقع ، كقاعدة التجاوز والفراغ ونحوهما ، وهذا الرابع مردّد في تقدّمه وتأخره لاختفائه علينا.

٣٦١

تقديم الاستصحاب على الاصول الثلاثة

ثم إنّه لا ريب في تقديم الاستصحاب على الاصول الثلاثة ، أعني : البراءة والاحتياط والتخيير ، إلّا أنّه قد يختفي وجهه على المبتدي.

فلا بدّ من التكلّم هنا في مقامات :

الأوّل : في عدم معارضة الاستصحاب لبعض الأمارات التي يتراءى كونها من الاصول ، كاليد ونحوه.

الثاني : في حكم معارضة الاستصحاب للقرعة ونحوها.

الثالث : في عدم معارضة سائر الاصول للاستصحاب.

______________________________________________________

اذا عرفت ذلك نقول : (ثم إنّه لا ريب في تقديم الاستصحاب على الاصول الثلاثة أعني : البراءة والاحتياط والتخيير) فانه اذا كان هناك استصحاب ، فلا مجال معه للبراءة ولا للاحتياط ولا للتخيير (إلّا أنّه قد يختفي وجهه) اي : وجه تقديم الاستصحاب على هذه الاصول الثلاثة (على المبتدي) في الاصول (فلا بدّ من التكلّم هنا في مقامات) ثلاثة ليتضح وجه التقديم :

(الأوّل : في عدم معارضة الاستصحاب لبعض الأمارات التي يتراءى كونها من الاصول ، كاليد ونحوه) مثل : أصالة الصحة وما أشبه ذلك ، فانه اذا كان هناك استصحاب ويد ، فاليد مقدّمة على الاستصحاب.

(الثاني : في حكم معارضة الاستصحاب للقرعة ونحوها) اي : نحو القرعة مما هو ناظر الى الواقع وكاشف عنه ، لكن الشارع اعتبره لمجرد احتمال المطابقة للواقع ، فاذا كان هناك استصحاب وقرعة فهل يعمل بالقرعة او بالاستصحاب؟.

(الثالث : في عدم معارضة سائر الاصول للاستصحاب) وإنّما يقدّم الاستصحاب عليها ، ولذا يقدّم على أصل البراءة والاحتياط والتخيير.

٣٦٢

أمّا الكلام في المقام الأوّل :

فيقع في مسائل :

الأولى :

أنّ اليد مما لا يعارضها الاستصحاب ، بل هي حاكمة عليه.

بيان ذلك : أنّ اليد ، إن قلنا بكونها من الأمارات المنصوبة دليلا على الملكيّة من حيث كون الغالب في مواردها كون صاحب اليد مالكا أو نائبا عنه.

وأنّ اليد المستقلة غير المالكيّة

______________________________________________________

(أمّا الكلام في المقام الأوّل) وهو عدم معارضة الاستصحاب لبعض الأمارات التي يتراءى كونها من الاصول كاليد ونحو اليد (فيقع في مسائل) :

المسألة (الاولى : أنّ اليد ممّا لا يعارضها الاستصحاب ، بل هي) اي : اليد (حاكمة عليه) اي : على الاستصحاب ، فاذا كان شيء لغير زيد ثم رأيناه في زيد وهو يدّعي انه له ، فيده حاكمة على الاستصحاب ، الّا اذا تنازعا وأثبت من كان الشيء سابقا في يده انه له.

(بيان ذلك : أنّ اليد إن قلنا بكونها من الأمارات المنصوبة دليلا على الملكيّة) حتى يكون حالها حال البيّنة في الحجية ، فان اليد إنّما تكون دليلا على الملكية لامور تالية :

أوّلا : (من حيث كون الغالب في مواردها كون صاحب اليد مالكا أو نائبا عنه) أي : عن المالك إمّا بالوكالة أو بالوصاية أو بالقيمومة أو نحوها.

ثانيا : (وأنّ اليد المستقلة غير المالكيّة) اي : العدوانية ، سواء مع علم صاحب

٣٦٣

قليل بالنسبة إليها.

وأنّ الشارع إنّما اعتبر هذه الغلبة تسهيلا على العباد ، فلا اشكال في تقديمها على الاستصحاب ، على ما عرفت : من حكومة أدلّة الأمارات على دليل الاستصحاب.

وإن قلنا بأنّها غير كاشفة بنفسها عن الملكيّة ، أو أنّها كاشفة ـ لكنّ اعتبار الشارع له ليس من هذه الحيثيّة ، بل جعلها في محلّ

______________________________________________________

اليد ام بدون علمه (قليل بالنسبة إليها) اي : الى اليد المالكية او المأذونة من قبل المالك.

ثالثا : (وأنّ الشارع إنّما اعتبر هذه الغلبة) الخارجية (تسهيلا على العباد) كما هي قاعدة المقنّنين ، حيث يعتبرون الغلبة في غالب الموارد.

وعليه : (فلا اشكال في تقديمها) اي : تقديم اليد حينئذ (على الاستصحاب) وذلك (على ما عرفت : من حكومة أدلّة الأمارات على دليل الاستصحاب).

وإنّما تكون حاكمة عليه لأنّ اليد كاشفة ، وان الاستصحاب ليس بكاشف ، ولذا قال عليه‌السلام : «والأشياء كلها على ذلك حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة» (١) فاليد حينئذ كالبينة يرتفع بها موضوع الاستصحاب الذي هو الشك ، اذ مع اليد لا شك.

هذا إن قلنا بأن اليد كالبينة أمارة كاشفة عن الملكية (وإن قلنا بأنّها غير كاشفة بنفسها عن الملكية ، أو أنّها كاشفة ـ لكنّ اعتبار الشارع له ليس من هذه الحيثيّة) اي : من حيثية الكشف (بل جعلها) اي : جعل الشارع اليد معتبرة (في محل

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٣١٣ ح ٤ ، تهذيب الاحكام : ج ٧ ص ٢٢٦ ب ٢١ ح ٩ ، وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ٨٩ ب ٤ ح ٢٢٠٥٣ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٧٣ ب ٣٣ ح ١٢.

٣٦٤

الشك تعبّدا ، لتوقف استقامة نظام معاملات العباد على اعتبارها ، نظير أصالة الطهارة ، كما يشير اليه قوله عليه‌السلام في ذيل رواية حفص بن غياث الدالّة على الحكم بالملكيّة على ما في يد المسلمين «ولو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق» ـ فالأظهر أيضا تقديمها على الاستصحاب ، اذ لو لا هذا

______________________________________________________

الشك) في الملكية ، ذلك (تعبّدا) أي : لا من حيث كونه كاشفا.

وإنّما اعتبرها الشارع كذلك (لتوقف استقامة نظام معاملات العباد على اعتبارها) والمراد بالمعاملات هنا ليس هو المعنى الأخص ، بل مطلق التعامل ، فتكون قاعدة اليد حينئذ (نظير أصالة الطهارة ، كما يشير اليه) اي : الى توقف استقامة النظام على اعتبارها (قوله عليه‌السلام في ذيل رواية حفص بن غياث الدالّة على الحكم بالملكية على ما في يد المسلمين) فان في ذيل الرواية ـ بعد قول السائل : «اذا رأيت في يد رجل شيئا ، أيجوز أن اشهد انه له؟ قال : نعم ، قال : قلت : فلعله لغيره؟ قال : ومن أين جاز لك أن تشتريه وتصيّره ملك لك ثم تقول بعد ذلك : هو لي وتحلف عليه؟» ـ ما يدل على أن الشارع إنّما اعتبر اليد لتوقف نظام المعاملات على اعتبارها حيث قال عليه‌السلام في ذيلها : («ولو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق») (١) والمراد بالسوق الخارجية ، لا مطلق المعاملات والتصرفات.

وكيف كان : فان قلنا بأن اليد غير كاشفة ، أو لم يعتبر كاشفيتها (ـ فالأظهر أيضا تقديمها على الاستصحاب ، اذ لو لا هذا) التقديم بأن قيل : بالتعارض والتساقط ،

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٧ ص ٣٨٧ ح ١ ، تهذيب الاحكام : ج ٦ ص ٢٦٢ ب ٢٢ ح ١٠٠ ، من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ص ٥١ ب ٢ ح ٣٣٠٧ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٢٩٢ ب ٢٥ ح ٣٣٧٨٠.

٣٦٥

لم يجز التمسك بها في أكثر المقامات ، فيلزم المحذور المنصوص ، وهو اختلال السوق ، وبطلان الحقوق ، اذ الغالب العلم بكون ما في اليد مسبوقا بكونه ملكا للغير ، كما لا يخفى.

وأمّا حكم المشهور : بأنّه لو اعترف ذو اليد : بكونه سابقا ملكا للمدّعي انتزع منه العين ، إلّا أن يقيم البيّنة على انتقالها اليه ـ فليس من تقديم الاستصحاب ، بل لأجل أنّ دعواه الملكيّة في الحال

______________________________________________________

أو قيل بتقديم الاستصحاب على اليد (لم يجز التمسك بها في أكثر المقامات) للعلم غالبا بسبق ملك الغير فيها (فيلزم المحذور المنصوص ، وهو اختلال السوق ، وبطلان الحقوق).

وإنّما يختل السوق وتبطل الحقوق (اذ الغالب العلم بكون ما في اليد) اي : ما في يد الناس (مسبوقا بكونه ملكا للغير) فاللازم ان لا يبقى لليد الّا الموارد النادرة جدا (كما لا يخفى) ذلك على أحد (و) ان قلت : اذا كانت اليد مقدّمة على الاستصحاب ، فلما ذا حكم المشهور بانتزاع المال من ذي اليد فيما اذا اعترف : بأنه اشتراه من المدّعي وأنكر المدّعي ذلك ، فإن تقديم قول المدّعي معناه : ان الاستصحاب مقدّم على اليد ، لا أن اليد مقدّمة على الاستصحاب؟.

قلت : (أمّا حكم المشهور : بأنّه لو اعترف ذو اليد : بكونه) اي : بكون ما في يده كان (سابقا ملكا للمدّعي انتزع منه العين) واعطيت للمدّعي (إلّا أن يقيم) ذو اليد (البيّنة على انتقالها اليه) ببيع أو هبة أو ما أشبه ذلك ، أما هذا الحكم (ـ فليس من تقديم الاستصحاب) على اليد.

وإنّما لم يكن من تقديم الاستصحاب على اليد ، لانه كما قال : (بل لأجل أنّ دعواه) اي : دعوى اليد (الملكيّة في الحال) فانّ من في يده العين يدّعي أنها

٣٦٦

اذا انضمّت الى إقراره بكونه قبل ذلك للمدّعي ، يرجع الى دعوى انتقالها اليه فينقلب مدّعيا ، والمدّعي منكرا.

ولذا لو لم يكن في مقابله مدّع ، لم يقدح هذه الدعوى منه في الحكم بملكيّته أو كان في مقابله مدّع ، لكن أسند الملك السابق الى غيره ، كما لو قال في جواب زيد المدّعي : اشتريته من عمرو.

______________________________________________________

الآن ملك له ، فانه (اذا انضمّت) هذه الدعوى (الى إقراره) اي : اقرار ذي اليد (بكونه قبل ذلك للمدّعي ، يرجع الى دعوى انتقالها) اي : العين (اليه) اي : الى ذي اليد (فينقلب) ذو اليد (مدّعيا ، و) ينقلب (المدّعي) الذي يقول : ان المال له ولم يعطه لذي اليد (منكرا) فتدخل المسألة في موازين المدّعي والمنكر ، فعلى المدّعي الذي هو ذو اليد البيّنة ، وعلى المنكر وهو الذي كان الملك سابقا له اليمين.

(ولذا) اي : لما قلنا : من ان الحكم بانتزاع العين من ذي اليد وتسليمها لمالكها السابق ، إنّما يكون لاجل انقلاب العنوان وصيرورة ذي اليد مدّعيا والمدّعي منكرا ، لا لتقديم الاستصحاب على اليد ، نرى انه (لو لم يكن في مقابله) اي : مقابل ذي اليد المعترف بان ما في يده كان للمدّعي سابقا (مدّع ، لم يقدح هذه الدعوى منه في الحكم بملكيّته) يحكم بأنه مالك للشيء الذي في يده ويقدّم على الاستصحاب.

هذا ان لم يكن في مقابله مدّع (أو كان في مقابله مدّع ، لكن أسند الملك السابق الى غيره) اي : الى غير المدعي (كما لو قال في جواب زيد المدّعي : اشتريته من عمرو) لا منك ، فانه يحكم بملكية ذي اليد على ما في يده تقديما لليد على الاستصحاب.

٣٦٧

بل يظهر مما ورد في محاجّة علي عليه‌السلام مع أبي بكر في أمر فدك المرويّة في الاحتجاج : أنّه لم يقدح في تشبّث فاطمة عليه‌السلام ، باليد دعواها ، تلقّي الملك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع أنّه قد يقال إنّها حينئذ صارت مدّعية لا تنفعها اليد.

______________________________________________________

والحاصل : ان هنا فرضين :

الفرض الأوّل : هو ان يقول ذو اليد : اني اشتريته من زيد المدّعي ، حيث ينقلب ذو اليد مدّعيا لمكان اقراره ، لا لأن الاستصحاب يقتضي بان المال لزيد والاستصحاب مقدّم على اليد ، ولهذا قلنا : بان ذا اليد يلزم عليه ان يأتي بالبينة في مقابل زيد.

الفرض الثاني : هو ان يقول ذو اليد : اني اشتريته من عمرو لا من زيد المدّعي ، فان زيدا المدّعي يبقى مدّعيا حينئذ ، فيحتاج هو لا صاحب اليد الى البينة ، كما لا يكون باستصحاب كونه مال عمرو لعدم ادعائه ، فلا تقديم إذن للاستصحاب على اليد.

(بل يظهر مما ورد في محاجّة علي عليه‌السلام مع أبي بكر في أمر فدك المروية في الاحتجاج : أنّه لم يقدح في تشبّث فاطمة عليها‌السلام ، باليد) اعترافها و (دعواها تلقّي الملك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (١) وذلك لاحتجاج علي عليه‌السلام مع ذلك على ابي بكر : بأنّ فاطمة عليها‌السلام ذو يد على فدك وذو اليد لا يطالب بالبينة.

هذا (مع أنّه قد يقال) هنا قولا غير صحيح وهو : (إنّها حينئذ) اي : حين اعترافها عليها‌السلام بتلقّي الملك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (صارت مدّعية لا تنفعها اليد) وإنّما لم يكن هذا صحيحا ، لانها عليه‌السلام أسندت الملك الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) ـ راجع الاحتجاج : ج ١ ص ٩٥ ـ ٩٦.

٣٦٨

وكيف كان ،

______________________________________________________

لا الى أبي بكر ، ولم يكن المدعي مقابلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّما كان أبا بكر ، وذلك زعما منه بأنّه فيء للمسلمين : وهذا من ابي بكر مجرّد ادعاء فعليه البينة ، لا على صاحب اليد ـ وهي فاطمة عليها‌السلام ـ اضافة الى انه لو اقام ابو بكر على ادعائه هذا الف بينة ، فهو حيث لم يكن من أهل آية التطهير ـ باعتراف جميع المسلمين ـ لا ينفعه بصريح القرآن ذلك ، مقابل يد فاطمة عليها‌السلام التي هي باعتراف كل المسلمين من أهل آية التطهير ، وقد شهد الله تعالى لها بالامانة والطهارة ، وهل يجرأ أحد على ردّ شهادة الله سبحانه وتعالى؟.

(وكيف كان) فان هذه القصة تكون دليلا على ما ذكره المصنّف في الفرض الثاني بقوله : «او كان في مقابله مدّع ، لكن اسند الملك السابق الى غيره» يعني : الى غير المدعي ، فان في مقابل فاطمة عليها‌السلام كان أبا بكر ، وهي عليها‌السلام لم تسند الملك اليه ، وإنّما اسندته الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالت : انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي منحه إياها نحلة لها ، وبلغة لابنيها عليهما‌السلام ، وذلك بأمر من الله تعالى حين انزل عليه سبحانه : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (١) ولم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدعيا في مقابلها.

وإنّما قال المصنّف : «بل» الذي ظاهره الاضراب ، مع ان الرواية المذكورة في الاحتجاج موافقة للقاعدة ، لان قوله قبلها : «لكن اسند الملك السابق الى غيره» كان على القاعدة ، ومطابقا لهذه الرواية ، فيكون مقام «بل» هنا نظير قولنا : البراءة موافقة للقاعدة بل للروايات ، فهو اضراب من الادنى الى الاعلى.

__________________

(١) ـ سورة الاسراء : الآية ٢٦.

٣٦٩

فاليد على تقدير كونها من الاصول التعبّديّة فهي أيضا مقدمة على الاستصحاب وإن جعلناه من الأمارات الظنّية ، لأنّ الشارع نصبها في مورد الاستصحاب.

وإن شئت قلت : إنّ دليله أخصّ من عمومات الاستصحاب.

هذا مع أنّ الظاهر من الفتوى والنص الوارد في اليد ، مثل : رواية حفص بن غياث ،

______________________________________________________

إذن : (فاليد على تقدير كونها من الاصول التعبّديّة) وانها ليست ـ فرضا ـ من الأمارات (فهي أيضا مقدمة على الاستصحاب) حتى (وإن جعلناه) اي : الاستصحاب (من الأمارات الظنّية) لا من الاصول التعبدية.

وإنّما تكون اليد وان فرضناها اصلا مقدمة على الاستصحاب وان فرضناه أمارة (لأنّ الشارع نصبها) أي : اليد (في مورد الاستصحاب) كما ألمعنا اليه سابقا ، فلو قدّم الاستصحاب على اليد لكان اعتبار اليد لغوا أو شبه لغو.

(وإن شئت قلت : إنّ دليله) اي : دليل اليد (أخصّ من عمومات الاستصحاب) وكل دليل أخصّ يقدّم على الدليل الأعم ، لانه لو أخذ بالدليل الأعم لم يبق مورد للدليل الأخص.

(هذا) كله في بيان ان تقديم اليد على الاستصحاب لازم على كل حال ، سواء قلنا بكونهما أمارتين ، ام أصلين ، ام احدهما أصلا والآخر أمارة ، فكيف لا تقدّم اليد (مع أنّ الظاهر من الفتوى والنص الوارد في اليد) كون اليد أمارة ، كما ان الظاهر من دليل الاستصحاب انه أصل؟.

أما النص فهو (مثل : رواية حفص بن غياث) المتقدّمة حيث قال عليه‌السلام في جواب من سأله : «اذا رايت في يد رجل شيئا ، أيجوز ان اشهد انه له؟ قال عليه‌السلام :

٣٧٠

أنّ اعتبار اليد أمر كان مبنى عمل الناس في امورهم ، وقد أمضاه الشارع.

ولا يخفى : أنّ عمل العرف عليه من باب الأمارة ، لا من باب الاصل التعبدي.

وأمّا تقديم البيّنة على اليد وعدم ملاحظة التعارض بينهما أصلا ، فلا يكشف عن كونها من الاصول ، لأنّ اليد إنّما جعلت

______________________________________________________

نعم ، قال : قلت : فلعله لغيره؟ قال عليه‌السلام : ومن اين جاز لك ان تشريه وتصيّره ملكا لك ثم تقول بعد ذلك : هو لي وتحلف عليه؟» (١) فان هذا ظاهر في (أنّ اعتبار اليد أمر كان مبنى عمل الناس في امورهم ، وقد أمضاه الشارع).

ومن المعلوم : ان العرف يرون اليد أمارة لا أصلا كما قال : (ولا يخفى : أنّ عمل العرف عليه من باب الأمارة) والكشف عن الواقع (لا من باب الاصل التعبدي) لأنّ موازين العقلاء على الأمارات ، لا على الاصول التعبدية.

هذا كله في تقديم اليد على الاستصحاب.

(وأمّا تقديم البيّنة على اليد) اذا تخالفا ، كما لو كان شيء في يد زيد فادّعاه بكر وأقام عليه البينة ، فانه يؤخذ من زيد ويعطى لبكر (و) ذلك تقديما للبينة مع (عدم ملاحظة التعارض بينهما أصلا) حتى يقال : هل هذا مقدّم أو ذاك؟ فأما هذا (فلا يكشف عن كونها) اي : عن كون اليد (من الاصول) لوضوح : ان الأمارة كما تتقدم على الاصول تتقدم على الأمارات ايضا ، كتقدم البينة على اليد.

وإنّما لا يكشف تقديم البينة على اليد كون اليد أصلا (لأنّ اليد إنّما جعلت

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٧ ص ٣٨٧ ح ١ ، من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ص ٥١ ب ٢ ح ٣٣٠٧ ، تهذيب الاحكام : ج ٦ ص ٢٦٢ ب ٢٢ ح ١٠٠ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٢٩٢ ب ٢٥ ح ٣٣٧٨٠.

٣٧١

أمارة على الملك عند الجهل بسببها ، والبيّنة مبيّنة لسببها.

والسرّ في ذلك أنّ مستند الكشف في اليد هي الغلبة ، والغلبة انّما توجب إلحاق المشكوك بالأعمّ الأغلب ، فاذا كان في مورد الشك أمارة معتبرة تزيل الشك ، فلا يبقى مورد للالحاق ، ولذا كانت جميع الأمارات في أنفسها مقدّمة على الغلبة.

______________________________________________________

أمارة على الملك عند الجهل بسببها) اي : بسبب اليد (والبيّنة مبيّنة لسببها) وقائلة : بأن الشيء ليس لذي اليد ، سواء كان متعدّيا : كالغاصب ام غير متعدّ كالجاهل القاصر.

(والسرّ في) ان اليد أمارة الملك عند الجهل بسببها هو كما قال : (ذلك أنّ مستند الكشف في اليد هي الغلبة) على ما تقدّم (والغلبة انّما توجب إلحاق المشكوك بالأعمّ الأغلب) فيما اذا لم تكن هناك بيّنة أو نحو البينة يزيل الشك (فاذا كان في مورد الشك أمارة معتبرة تزيل الشك) كالبينة (فلا يبقى مورد للالحاق).

ولهذا السبب نرى ان الاقرار يقدّم على اليد ، فيما اذا أقرّ ذو اليد على ان الشيء الذي في يده ليس له وإنّما هو لغيره ، وذلك لان الاقرار مزيل للشك ، وكذلك اذا كانت القرائن الخارجية تؤيّد عدم الملكية ، كما اذا رأينا على البحر سمكا يوزن بأطنان ويدّعيه انسان ضعيف لا يتمكن وحده من صيده.

(و) عليه : فحيث قلنا بأن الأمارة توجب زوال حكم الغلبة (لذا كانت جميع الأمارات في أنفسها مقدّمة على الغلبة) كالسوق ـ مثلا ـ فان الصحة فيه مبنية على الغلبة ، فانّها هي سبب جريان أصالة الصحة في اعمال أهله ، فاذا قامت البيّنة على ان بضاعة احدهم غصب ، قدمت البيّنة على الغلبة ، فلا يمكن اشتراء تلك

٣٧٢

وحال اليد مع الغلبة حال أصالة الحقيقة في الاستعمال على مذهب السيد مع أمارات المجاز ،

______________________________________________________

البضاعة منه.

هذا حال اليد مع البيّنة اذا تخالفتا.

(وحال اليد مع الغلبة) فيما اذا تخالفتا هو : تقديم الغلبة على اليد ، بخلاف ما ذكرناه سابقا : من تقديم البينة على الغلبة.

مثلا : الدلّال ، فان الغالب فيه كون ما في يده لغيره ، بينما يده تدلّ على انه لنفسه ، وكذلك متولّي الوقف ، فان الغالب كون ما في يده للوقف ، بينما يده تدلّ على انه لنفسه ، وكذا المصدّق والمرجع والحاكم ، فان الغالب كونه ما في أيديهم أموال الناس بينما أيديهم تدل على انها لهم ، الى غير ذلك ، فان في هذه الموارد تقدّم الغلبة على اليد ، لان السرّ في مستند كشف اليد عن الملك ـ على ما قاله المصنّف ـ هي الغلبة ، وقد انعكست الغلبة هنا وصارت كاشفة عن عدم الملك فتقدّم الغلبة.

وبعبارة اخرى : ان اليد أمارة الملك عند الجهل بسببها ، وهنا لا جهل للغلبة ، فتقدم الغلبة على اليد.

وعليه : فيكون حال اليد حينئذ مع الغلبة (حال أصالة الحقيقة في الاستعمال على مذهب السيد) المرتضى الذي يرى الاستعمال علامة الحقيقة ، خلافا للمشهور الذين يرون الاستعمال أعم ، وذلك اذا تقابلت (مع أمارات المجاز) فان الاستعمال عند السيد المرتضى أمارة الحقيقة عند الجهل بسببه ، وهنا لا جهل للقرينة ، فتقدّم قرينة المجاز على أصالة الحقيقة.

إذن : فحال اليد مع الغلبة ، حال أصالة الحقيقة في الاستعمال مع القرائن

٣٧٣

بل حال مطلق الظاهر والنصّ ، فافهم.

______________________________________________________

المجازية (بل حال مطلق الظاهر والنصّ) فانه عند تقابل الظاهر والنص ، يتقدّم النص على الظاهر ، وذلك كما اذا قال : أكرم العلماء ، ولا تكرم زيدا ، فإن العلماء أمارة على أكرم زيد العالم لظهور العموم في ذلك ، بينما المخصّص لا تكرم زيدا نص في عدم إكرامه ، والظهور مقدّم ما لم يكن نص على خلافه ، وهنا وجد النص المخالف ، فيقدّم النص على الظاهر.

(فافهم) ولعله اشارة الى انه يشك في تقديم الغلبة على اليد كما في الأمثلة التي ذكرتموها ، وذلك لاطلاق دليل اليد.

لكن ربما يقال : انه لا اطلاق ، لانصراف ما دل على اليد عن مثل ما اذا كانت الغلبة هي المحكّمة عرفا ، والشارع قد صدّق الغلبة في موردها واليد في موردها ، ففي غير الدلّال وأمثاله تكون اليد مقدّمة اذا شككنا ان الشيء لذي اليد او لغيره ، أمّا في الدلّال وأمثاله فالغلبة تكون مقدّمة اذا شككنا أن ما في يده هل هو له أو لغيره؟.

ولذا حكم بعضهم ـ فيما اذا مات الزوجان ولم يعلم ان أثاث البيت لمن منهما ـ بأن يجعل ما يختص بالنساء للزوجة ، وما يختص بالرجال للزوج.

هذا تمام الكلام في بيان عبارة الكتاب : «وحال اليد مع الغلبة» لكن هناك نسخة اخرى فيها مكان لفظ «الغلبة» كلمة «البينة» فيكون الكلام على تلك النسخة واضحا ، وتكون العبارة مثالا لقوله قبلها : «ان مستند الكشف في اليد هي الغلبة ، والغلبة إنّما يوجب الحاق المشكوك بالاعم الاغلب ، فاذا كان في مورد الشك أمارة معتبرة تزيل الشك ـ كالبينة ـ فلا يبقى مورد للالحاق» ثم مثّل لذلك بقوله : «وحال اليد مع البيّنة حال أصالة الحقيقة في الاستعمال على مذهب السيد

٣٧٤

المسألة الثانية :

في أنّ أصالة الصحة في العمل بعد الفراغ عنه لا يعارض بها الاستصحاب ،

إمّا لكونها من الأمارات ، كما يشعر به قوله عليه‌السلام : في بعض روايات ذلك الأصل : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ».

______________________________________________________

مع أمارات المجاز» اي : كما أنّ أصالة الحقيقة في الاستعمال عند السيد يلحق المشكوك بالاعم الاغلب ، فاذا كان في مورد الشك أمارة تزيل الشك ـ كأمارات المجاز ـ فلا يبقى مورد للالحاق ، بل يقدّم المجاز على الحقيقة ، فكذلك هنا تقدّم البينة على اليد ، ثم ترقّى المصنّف في المثال فقال : «بل حال مطلق الظاهر والنص» ثم قال : «فافهم» إشارة الى التأمل في التنظير وأن حال اليد مع البينة ليس حال مطلق الظاهر والنص من كل جهة.

(المسألة الثانية : في أنّ أصالة الصحة في العمل بعد الفراغ عنه لا يعارض بها) اي : بأصالة الصحة (الاستصحاب) فان الاستصحاب يقتضي العدم ، وأمثال الصحة يقتضي الوجود ، فاذا فرغ ـ مثلا ـ من الصلاة وشك في انه هل أتى بالركوع ام لا؟ فأصالة الصحة تقول : قد اتى به ، والاستصحاب يقول : لم يأت به ، وأصالة الصحة مقدّمة على الاستصحاب ، وسبب تقدّمها أحد امرين :

(إمّا لكونها من الأمارات) الشرعية وقد عرفت ان الأمارة مقدّمة على الأصل (كما يشعر به) اي : بكون أصالة الصحة أمارة (قوله عليه‌السلام : في بعض روايات ذلك الأصل) اي : أصل الصحة («هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ») (١) فانه

__________________

(١) ـ تهذيب الأحكام : ج ١ ، ص ١٠١ ب ٤ ، ح ١١٤ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧١ ب ٤٢ ح ١٢٤٩.

٣٧٥

وإمّا لانّها وإن كانت من الاصول إلّا أنّ الأمر بالأخذ بها في مورد الاستصحاب يدلّ على تقديمها عليه ، فهي خاصة بالنسبة اليه يخصّص بأدلّتها أدلّته ، ولا اشكال في شيء من ذلك.

إنّما الاشكال في تعيين مورد ذلك الأصل من وجهين :

أحدهما : من جهة تعيين معنى الفراغ والتجاوز المعتبر

______________________________________________________

اذا شك ـ مثلا ـ بعد تمام الوضوء في انه هل مسح رأسه أم لا؟ فان قوله عليه‌السلام : «هو حين يتوضأ أذكر» الحاكم بالصحة مشعر بأماريته ، وذلك من باب تقديم الظاهر على الاصل ، فان ظاهر الشخص العامل ان يكون غالبا ملتفتا حين العمل ، ولا يأتي الملتفت بعمله إلّا تامّا.

(وإمّا لانّها وإن كانت من الاصول) التعبدية لا من الأمارات الشرعية (إلّا أنّ الأمر بالأخذ بها) اي : بأصالة الصحة جاء (في مورد الاستصحاب) بحيث لو اردنا ان نترك أصالة الصحة ونأخذ بالاستصحاب لزم ان لا يبقى مورد للعمل بأصالة الصحة اطلاقا أو غالبا ، وهذا (يدلّ على تقديمها) اي : تقديم أصالة الصحة (عليه) اي : على الاستصحاب ، فانه لو لم تتقدم أصالة الصحة على الاستصحاب لزم لغوية أصالة الصحة أو شبة لغويّتها.

إذن : (فهي) اي : أصالة الصحة (خاصة بالنسبة اليه) اي : الى الاستصحاب ، فيكون بينهما عموم مطلق : الاستصحاب أعم ، وأصالة الصحة أخص ، والخاص دائما يقدّم على العام ، ومعه (يخصّص بأدلّتها أدلّته) اي : يخصّص بأدلة أصالة الصحة أدلة الاستصحاب (ولا اشكال في شيء من ذلك ، إنّما الاشكال في تعيين مورد ذلك الأصل) أصل الصحة (من وجهين) تاليين :

(أحدهما : من جهة تعيين معنى الفراغ والتجاوز) والمضيّ (المعتبر

٣٧٦

في الحكم بالصحة ، وأنّه هل يكتفي به أو يعتبر الدخول في غيره ، وأنّ المراد بالغير ما هو؟.

الثاني : من جهة أنّ الشك في وصف الصحة للشيء ملحق بالشك في أصل الشيء أم لا.

وتوضيح الاشكال من الوجهين موقوف على ذكر الاخبار الواردة في هذه القاعدة ، ليزول ببركة تلك الاخبار كل شبهة حدثت أو تحدث في هذا المضمار.

______________________________________________________

في الحكم بالصحة) لان تعبير الروايات فيه مختلفة ، فتارة جاء التعبير بالفراغ ، واخرى بالتجاوز ، وثالثة بالمضيّ.

(و) ايضا من جهة تعيين (أنّه هل يكتفي به) اي : بمجرّد المضيّ والتجاوز والفراغ فقط (أو يعتبر الدخول في غيره) ايضا حتى يحكم بأصالة الصحة؟ (و) هكذا من جهة تعيين (أنّ المراد بالغير ما هو؟) هل هو مطلق الغير ، ركنا كان ام غير ركن ، او هو غير خاص ، شرعي ـ مثلا ـ أو عقلي أو عادي أو عرفي؟.

(الثاني : من جهة أنّ الشك في وصف الصحة للشيء) بعد العلم بالاتيان به ، كما هو علم بانه اتى بالشيء لكن شك في انه أتى به صحيحا أو غير صحيح ، فهل هذا (ملحق بالشك في أصل) اتيان (الشيء أم لا) غير ملحق به؟ فانه قد يشك في انه أتى بالركوع أم لا ، وقد يعلم انه أتى بالركوع لكن يشك في انه أتى به صحيحا او فاسدا ، فهل الصحة تجري في الموردين معا أم تختصّ بأحدهما؟.

قال المصنّف : (وتوضيح الاشكال من الوجهين موقوف على ذكر الأخبار الواردة في هذه القاعدة ، ليزول ببركة تلك الاخبار كل شبهة حدثت أو تحدث في هذا المضمار) فان هناك فروعا مشكلة لا يعلم بانها هل هي مجرى قاعدتي

٣٧٧

فنقول مستعينا بالله : روى زرارة في الصحيح عن ابن عبد الله عليه‌السلام قال : «اذا خرجت من شيء ودخلت في غيره ، فشكّك ليس بشيء».

وروى اسماعيل بن جابر عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض ، كلّ شيء شكّ فيه وقد جاوزه ودخل في غيره ، فليمض عليه».

وهاتان الروايتان ظاهرتان في اعتبار الدخول في غير المشكوك.

______________________________________________________

التجاوز والفراغ ام لا؟ وبذكر الأخبار ومراجعتها يظهر لنا دخول تلك الفروع في هذه الجانب او ذلك الجانب جليّا ان شاء الله تعالى.

(فنقول مستعينا بالله : روى زرارة في الصحيح عن ابن عبد الله عليه‌السلام قال : «اذا خرجت من شيء ودخلت في غيره ، فشكّك ليس بشيء» (١)) ومعناه : عدم الاعتناء بالشك الحادث في الشيء الذي كان قد تجاوزه الى غيره.

(وروى اسماعيل بن جابر عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وان شك في السجود بعد ما قام فليمض ، كلّ شيء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه») (٢) اي : ليحكم بصحته ما أتى به.

(وهاتان الروايتان ظاهرتان في اعتبار الدخول في) شيء آخر (غير المشكوك) وذلك بأن شك في الركوع وقد سجد ، او في السجود وقد قام وشرع في الحمد ، أو شرع في التشهد ، أو ما أشبه ذلك.

__________________

(١) ـ تهذيب الأحكام : ج ٢ ص ٣٥٢ ب ١٣ ح ٤٧ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢٣٧ ب ٢٣ ح ١٠٥٢٤.

(٢) ـ تهذيب الأحكام : ج ٢ ص ١٥٣ ب ٢٣ ح ٦٠ ، وسائل الشيعة : ج ٦ ص ٣١٨ ب ١٣ ح ٨٠٧١ ، دعائم الإسلام : ج ١ ص ١٨٩ (بالمعنى).

٣٧٨

وفي الموثّقة : «كلّ ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو».

وهذه الموثّقة ظاهرة في عدم اعتبار الدخول في الغير.

وفي موثّقة ابن ابي يعفور : «اذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره ، فشكّك ليس بشيء ، إنّما الشك اذا كنت في شيء لم تجزه».

______________________________________________________

(وفي الموثّقة) اي : موثقة محمد بن مسلم قال : («كلّ ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو» (١)) بمعنى : عدم الاعتناء بالشك.

(وهذه الموثّقة ظاهرة في عدم اعتبار الدخول في الغير) اي : في غير المشكوك ، وإنّما اعتبرت ملاك الحكم بالصحة : مجرّد المضي ، فاذا شك في صحة الركوع وقد قام منه فانه وان لم يسجد بعد ، يبني على صحة ركوعه ، وهكذا.

(وفي موثّقة ابن ابي يعفور : «اذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره) كما لو شككت ـ مثلا ـ في غسل الوجه وقد شرعت في غسل اليد ، او شككت في مسح الرأس وقد شرعت في مسح الرجلين ، على ما هو ظاهر هذه الرواية وان كان المشهور لا يقولون بجريان قاعدة التجاوز بالنسبة الى أجزاء الوضوء ، فاذا شككت كذلك (فشكّك ليس بشيء ، إنّما الشك اذا كنت في شيء لم تجزه» (٢)) اي : اذا شككت في صحة غسل يدك ـ مثلا ـ وانت بعد في غسل اليد ، أو شككت في الركوع وانت بعد في الركوع فتداركه ، والّا فاحكم بصحته.

__________________

(١) ـ تهذيب الأحكام : ج ٢ ص ٣٤٤ ب ١٣ ح ١٤ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢٣٨ ب ٢٣ ح ١٠٥٢٦.

(٢) ـ تهذيب الأحكام : ج ١ ص ١٠١ ب ٤ ح ١١١ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٤٧٠ ب ٤٢ ح ١٢٤٤ وج ٨ ص ٢٣٧ ب ٢٣ ح ١٠٥٢٤ ، السرائر : ج ٣ ص ٥٥٤.

٣٧٩

وظاهر صدر هذه الموثّقة كالأوليين ، وظاهر عجزها كالثالثة.

هذه تمام ما وصل الينا من الأخبار العامّة.

وربما يستفاد العموم من بعض ما ورد في الموارد الخاصة :

مثل : قوله عليه‌السلام ، في الشك في فعل الصلاة بعد خروج الوقت ، من قوله عليه‌السلام : «وإن كان بعد ما خرج وقتها فقد دخل حائل ، فلا إعادة».

______________________________________________________

(وظاهر صدر هذه الموثّقة كالأوليين) (١) اي : كالروايتين الظاهرتين في اعتبار الدخول في غير المشكوك ، فلا يحكم بالصحة الّا بعد الدخول في الغير.

(وظاهر عجزها كالثالثة) اي : كموثقة محمد بن مسلم (٢) الظاهرة في عدم اعتبار الدخول في غير المشكوك ، وانه يكفي للحكم بالصحة : التجاوز عنه والفراغ منه وان لم يدخل في غيره (هذه تمام ما وصل الينا من الأخبار العامّة) ومجموعها يفيد قاعدة كلية ، وهي : ان الشك إنّما يعتبر اذا كان الشخص داخلا في نفس الشيء ، أما الشك بعد الفراغ والتجاوز والمضيّ فلا اعتبار به.

(وربما يستفاد العموم) اي : عموم قاعدتي التجاوز والفراغ (من بعض ما ورد في الموارد الخاصة) فيتعدّى من تلك الموارد الخاصة الى غيرها لفهم المناط والملاك ، وذلك (مثل : قوله عليه‌السلام ، في الشك في فعل الصلاة بعد خروج الوقت ، من قوله عليه‌السلام : «وإن كان بعد ما خرج وقتها فقد دخل حائل ، فلا إعادة» (٣))

__________________

(١) ـ كرواية زرارة ورواية اسماعيل ، انظر تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ٣٥٢ ب ١٣ ح ٤٧ وص ١٥٣ ب ٢٣ ح ٦٠ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢٣٧ ب ٢٣ ح ١٠٥٢٤ وج ٦ ص ٣١٨ ب ١٣ ح ٨٠٧١ ، دعائم الاسلام : ج ١ ص ١٨٩.

(٢) ـ انظر تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ٣٤٤ ب ١٣ ح ١٤ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢٣٨ ب ٢٣ ح ١٠٥٢٦.

(٣) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٢٩٤ ح ١٠ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ٢٧٧ ب ١٣ ح ١٣٥ ، وسائل الشيعة : ج ٤ ص ٢٨٣ ب ٦٠ ح ٥١٦٨.

٣٨٠