الوصائل إلى الرسائل - ج ١٣

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-13-9
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

وهذا لا إشكال في جريان الاستصحاب فيه.

وقد يكون أمرا موجودا على تقدير وجود أمر ، فالمستصحب هو وجوده التعليقي ، مثل : أنّ العنب كان حرمة مائه معلّقة على غليانه ، فالحرمة ثابتة على تقدير الغليان ، فإذا جفّ وصار زبيبا فهل يبقى بالاستصحاب حرمة مائة المعلّقة على الغليان ، فيحرم عند تحقّقه أم لا ، بل يستصحب الاباحة السابقة لماء الزبيب قبل الغليان.

______________________________________________________

(وهذا ، لا إشكال في جريان الاستصحاب فيه) عند القائلين بالاستصحاب لا النّافين له ، وذلك لتمامية أركان الاستصحاب : من اليقين السابق ، والشك اللاحق.

(وقد يكون) المستصحب (أمرا موجودا على تقدير وجود أمر) آخر (فالمستصحب هو وجوده التعليقي) لا الوجود الفعلي (مثل : أنّ العنب كان حرمة مائه معلّقة على غليانه) أي : ان الحرمة موجودة في ماء العنب لكن بوجود معلق لفرض انه لم يكن حرما فعليا ، إذ لم يغل بعد حتى يحرم.

إذن : (فالحرمة ثابتة على تقدير الغليان ، فإذا جف وصار زبيبا) شككنا في ان ماء الزبيب هل هو حرام معلقا على الغليان كما كان ماء العنب حراما معلقا على الغليان ، أو لا يحرم ماء الزبيب ، لأن الزبيب ليس هو عين العنب حتى يكون محكوما بحكمه لتبدّل موضوعه؟.

وعليه : (فهل يبقى بالاستصحاب حرمة مائه المعلّقة) تلك الحرمة (على الغليان ، فيحرم عند تحقّقه) أي : تحقق الغليان (أم لا) يحرم (بل يستصحب الاباحة السابقة لماء الزبيب قبل الغليان) لأن ماء الزبيب قبل الغليان كان حلالا ، فنستصحب حلّيته بعد الغليان أيضا؟.

٢١

وظاهر سيّد مشايخنا في المناهل وفاقا لما حكاه عن والده قدس‌سره ، في «الدرس» : عدم اعتبار الاستصحاب الأوّل والرجوع إلى الاستصحاب الثاني.

قال في المناهل : في ردّ تمسك السيد العلامة الطباطبائي على حرمة العصير من الزبيب إذا غلا بالاستصحاب :

«ودعوى تقديمه على استصحاب

______________________________________________________

(وظاهر سيّد مشايخنا) وهو السيد محمد المجاهد قدس‌سره (في المناهل) الذي هو كتاب فقهي لهذا السيد العظيم الشأن هو : عدم اعتبار الاستصحاب التعليقي على ما يأتي في كلامه إن شاء الله تعالى.

هذا ، ولا يخفى ان السيد محمد المجاهد إنّما لقّب بالمجاهد ، لأنه جاهد الروس ، حيث أرادوا الاستيلاء على إيران ، ولو لا جهاده آنذاك لكانت إيران كلها بيد الروس في هذا اليوم ، كما ان من المحبّذ ان يعلم بان حكومة البعث في العراق هدّمت قبره الشريف الذي كان بين الحرمين الطاهرين ، والواجب على المسلمين إعادته بعد سقوط حكم البعث بإذن الله تعالى.

وكيف كان : فان ظاهر كلام السيد المجاهد (وفاقا لما حكاه عن والده) السيد علي صاحب الرياض (قدس‌سره ، في «الدرس» : عدم اعتبار الاستصحاب الأوّل) وهو : الاستصحاب التعليقي للحرمة المعلقة (والرجوع إلى الاستصحاب الثاني) وهو الاستصحاب التنجيزي للحلّية المنجزة قبل الغليان.

(قال في المناهل : في ردّ تمسك السيد العلامة الطباطبائي) السيد مهدي بحر العلوم قدّس الله سره (على حرمة العصير من الزبيب إذا غلا) وذلك تمسكا منه (بالاستصحاب) التعليقي («و) في ردّ (دعوى تقديمه على استصحاب

٢٢

الاباحة أنّه يشترط في حجيّة الاستصحاب ثبوت أمر حكم وضعي أو تكليفي في زمان من الأزمنة قطعا ، ثم يحصل الشك في ارتفاعه بسبب من الأسباب ، ولا يكفي قابليّة الثبوت باعتبار من الاعتبارات ، فالاستصحاب التقديري باطل ، وقد صرّح بذلك الوالد العلامة في أثناء «الدرس» ، فلا وجه للتمسك باستصحاب التحريم في المسألة» ، انتهى كلامه رفع مقامه.

______________________________________________________

الاباحة) الذي هو استصحاب تنجيزي ، فان السيد المجاهد قال في ردّ السيد بحر العلوم ما يلي :

(أنّه يشترط في حجية الاستصحاب ثبوت أمر) خارجي مثل : حياة زيد الذي غاب وطالت غيبته بحيث لم يعلم انه حي أم لا (أو حكم وضعي) كطهارة المتوضي إذا خرج منه شيء لم يعلم إنه بول أو مذي (أو تكليفي) كوجوب الصوم لمن تمرض في الأثناء بحيث لم يعلم انه يضره صومه أم لا؟ ويلزم أن يكون ثبوت ذلك (في زمان من الأزمنة قطعا) لا تقديرا (ثم يحصل الشك في ارتفاعه بسبب من الأسباب) كما مثلنا لذلك بالأسباب المذكورة.

هذا (ولا يكفي قابليّة الثبوت باعتبار من الاعتبارات) كالغليان ـ مثلا ـ فان ثبوت الحرمة لعصير الزبيب على تقدير الغليان لا يكفي في الاستصحاب ، وذلك لأن الوجود التقديري ليس وجودا خارجيا حتى يستصحب بل هو وجود فرضي.

إذن : (فالاستصحاب التقديري باطل ، وقد صرّح بذلك) البطلان (الوالد العلامة) يعني به والده : صاحب الرياض قدس‌سره وذلك (في أثناء «الدرس» ، فلا وجه للتمسك باستصحاب التحريم في المسألة» (١)) التي نحن فيها من عصير الزبيب (انتهى كلامه رفع مقامه).

__________________

(١) ـ المناهل : مخطوط.

٢٣

أقول : لا إشكال في اعتبار تحقق المستصحب سابقا ، والشك في ارتفاع ذلك المحقق.

ولا إشكال أيضا في عدم اعتبار أزيد من ذلك.

ومن المعلوم : أنّ تحقق كل شيء بحسبه.

فاذا قلنا : العنب يحرم ماؤه إذا غلا ، أو بسبب الغليان ، فهناك لازم وملزوم وملازمة ، أمّا الملازمة ، وبعبارة اخرى : سببيّة الغليان لتحريم ماء العصير ، فهي متحقّقه بالفعل من دون تعليق.

______________________________________________________

(أقول) : أركان الاستصحاب في الاستصحاب التعليقي متوفّرة ، فلما ذا لا يستصحب؟.

بيان ذلك : انه (لا إشكال في اعتبار تحقق المستصحب سابقا) لأنه أحد أركان الاستصحاب (والشك في ارتفاع ذلك المحقق) سابقا وهو الركن الثاني من أركان الاستصحاب (ولا إشكال أيضا في عدم اعتبار أزيد من ذلك) أي : من الوجود السابق والشك اللاحق ، فمن أين شرط التنجيز الذي ذكره صاحب المناهل حيث قال : إنه يشترط في حجية الاستصحاب : الوجود السابق منجّزا.

هذا (ومن المعلوم : أنّ تحقق كل شيء بحسبه) فان الوجود التقديري ليس عدما محضا ، بل هو وجود بحسبه ، كما ان الوجود التحقيقي له وجود بحسبه.

وعليه : (فاذا قلنا : العنب يحرم ماؤه إذا غلا ، أو بسبب الغليان) كان كل من العبارتين تعبيرا عن الملازمة بين أمرين (فهناك لازم) هو الحرمة (وملزوم) هو الغليان (وملازمة) بين الغليان والحرمة.

(أمّا الملازمة ، وبعبارة اخرى : سببيّة الغليان لتحريم ماء العصير ، فهي متحققة بالفعل) لا تقديرا ، يعني : انها متحققة (من دون تعليق) إذ تحقق الملازمة

٢٤

وأمّا اللازم وهي : الحرمة ، فله وجود مقيّد بكونه على تقدير الملزوم ، وهذا الوجود التقديري أمر متحقّق في نفسه في مقابل عدمه.

وحينئذ : فإذا شككنا في أنّ وصف العنبيّة له مدخل في تأثير الغليان في حرمة مائه ، فلا أثر للغليان في التحريم بعد جفاف العنب وصيرورته زبيبا ،

______________________________________________________

لا يستلزم تحقق اللازم والملزوم.

وعليه : فالملازمة هنا بين غليان العنب وحرمته متحققة بالفعل وان لم يتحقق الغليان بالفعل ولم تحصل الحرمة بعد ، وهكذا الأمر في كل ملازمة ، فإذا قلنا مثلا : كلّما وجدت أربعة كانت منقسمة إلى متساويين ، كانت الملازمة بين هذين الأمرين متحققة بالفعل وان لم تتحقق أربعة بالفعل ولم توجد صلاحية الانقسام إلى المتساويين بعد.

هذا كله بالنسبة إلى الملازمة (وأمّا اللازم وهي : الحرمة ، فله وجود مقيّد بكونه على تقدير الملزوم) الذي هو الغليان (وهذا الوجود التقديري أمر متحقّق في نفسه في مقابل عدمه) أي : عدم تحققه ، كما في غير العنب من سائر الثمار ، فان هذا الوجود التقديري غير متحقق فيها ، فالعنب إذا غلا حرم ، بينما الرمان إذا غلا لم يحرم ، وهكذا.

(وحينئذ) أي : حين كان لحرمة العنب وجود بنحو تقديري (فإذا شككنا) بعد جفاف العنب وصيرورته زبيبا (في أنّ وصف العنبيّة له مدخل في تأثير الغليان في حرمة مائه) أو ليس له مدخل فيه؟ فان قلنا : ان مع هذا الشك لا يجري الاستصحاب كانت النتيجة : (فلا أثر للغليان في التحريم بعد جفاف العنب وصيرورته زبيبا) فانا إذا قلنا بذلك كنّا قد فرّقنا بين هذا الحكم وبين سائر

٢٥

فأيّ فرق بين هذا وبين سائر الأحكام الثابتة للعنب إذا شك في بقائها بعد صيرورته زبيبا.

نعم ، ربما يناقش الاستصحاب المذكور تارة : بانتفاء الموضوع وهو العنب واخرى : بمعارضته باستصحاب الاباحة قبل الغليان ، بل ترجيحه عليه بمثل الشهرة

______________________________________________________

الأحكام الثابتة للعنب عند الشك فيها مع انه لا فارق.

وإلى استنكار هذا الفرق وعدم وجود دليل عليه أشار المصنّف حيث قال : (فأيّ فرق بين هذا) أي : حكم الحرمة (وبين سائر الأحكام الثابتة للعنب إذا شك في بقائها)؟ أي : بقاء تلك الأحكام كالملكية وغيرها (بعد صيرورته زبيبا) حتى استوجب التفريق بينهما؟.

وعليه : فكما ان الأحكام المنجّزة للعنب ثابتة بعد جفافه وصيرورته زبيبا مثل : كونه ملكا لزيد ، وضارّا للمرض الفلاني ، ونافعا لرفع الغم بالنسبة إلى العنب الأسود ، فكذلك الأحكام التعليقية الثابتة للعنب كالحرمة إذا غلا ولم يذهب ثلثاه ، وما أشبه ذلك.

(نعم ، ربما يناقش الاستصحاب المذكور) أي : الاستصحاب التعليقي (تارة :

بانتفاء الموضوع) السابق (وهو العنب) لأن الموضوع في السابق كان العنب ، والآن ليس هو بعنب.

(واخرى : بمعارضته باستصحاب الاباحة قبل الغليان ، بل ترجيحه) أي : ترجيح استصحاب الاباحة (عليه) أي : على استصحاب الحرمة ترجيحا (بمثل الشهرة) القائمة على عدم تنجّس الزبيب بالغليان ، ومع تعارض الاستصحابين يرجّح الاستصحاب التنجيزي القائل بالحلّ لموافقته للمشهور.

٢٦

والعمومات لكنّ الأوّل : لا دخل له في الفرق بين الآثار الثابتة للعنب بالفعل والثابتة له على تقدير دون آخر ، والثاني

______________________________________________________

(و) كذا يرجّح بمثل (العمومات) الدالة على حلّ كل شيء مثل : قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) (١) وقوله عليه‌السلام : «كل شيء لك حلال» (٢) إلى غير ذلك.

(لكنّ) مناقشة الاستصحاب التعليقي بهذين الاعتراضين فيه ما لا يخفى.

إذ (الأوّل : لا دخل له في الفرق بين الآثار الثابتة للعنب بالفعل والثابتة له على تقدير دون آخر) فاشكال عدم بقاء الموضوع لأنه لما صار زبيبا لم يكن عنبا لو كان مانعا عن الاستصحاب ، لمنع عن استصحاب الأحكام المنجّزة للعنب أيضا ، كالملكية على فرض الشك.

وعليه : فلا فرق بين الأحكام المنجّزة والأحكام المعلّقة من حيث الاستصحاب ، فلما ذا الفرق باستصحاب الأحكام المنجّزة دون الأحكام المعلّقة؟ مع ان الموضوع ان كان باقيا لزم استصحاب الحكمين ، وإن لم يكن باقيا لزم عدم استصحاب الحكمين ، علما بما سيأتي من الكلام في ان هذا المقدار من تغيّر الموضوع ، ليس مضرّا بالاستصحاب لوحدة الموضوع عند العرف ، كما تقدّم الالماع إليه أيضا.

(والثاني) : وهو : استشكال معارضة الاستصحاب التعليقي القائل بالحرمة بالاستصحاب التنجيزي القائل بالاباحة وترجيح الثاني بالشهرة أو العمومات ،

__________________

(١) ـ سورة المائدة : الآية ٤ و ٥.

(٢) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٣١٣ ح ٤٠ ، تهذيب الاحكام : ج ٧ ص ٢٢٦ ب ٢١ ح ٩ ، وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ٨٩ ب ٤ ح ٢٢٠٥٣ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٧٣ ب ٣٣ ح ١٢.

٢٧

فاسد ، لحكومة استصحاب الحرمة على تقدير الغليان على استصحاب الاباحة قبل الغليان.

فالتحقيق : أنّه لا يعقل فرق في جريان الاستصحاب ولا في اعتباره من حيث الأخبار ، أو من حيث العقل بين أنحاء تحقّق المستصحب

______________________________________________________

فانه (فاسد ، لحكومة استصحاب الحرمة على تقدير الغليان على استصحاب الاباحة قبل الغليان) ومع حكومة الأوّل على الثاني لا يبقى مجال لترجيح الثاني بسبب الشهرة ، أو العمومات أو ما أشبه ذلك.

وإنّما يكون الأوّل حاكما على الثاني لأنهما سببي ومسبّبي ، وقد سبق إن الاستصحاب السببي مقدّم على الاستصحاب المسبّبي ، والشك في الحلّ والحرمة على تقدير الغليان مسبّب عن الشك في بقاء الحرمة المقدّرة حال العنبية ، فيجري الأصل السببي أعني : استصحاب الحرمة ، ولا يبقى مجال للأصل المسبّبي أعني : استصحاب الحلّية.

وعليه : فقد أجاب المصنّف إلى هنا عن الاشكالات الثلاثة التي اوردت على الاستصحاب التعليقي : من اشتراط التنجيز على ما ادعاه صاحب المناهل ، ومن تبدّل الموضوع ، ومن تعارض الاستصحابين على ما ادعاهما غيره ، ثم قال في النتيجة ما يلي :

(فالتحقيق : أنّه لا يعقل فرق في جريان الاستصحاب) لتمامية أركانه (ولا في اعتباره من حيث الأخبار ، أو من حيث العقل) وذلك بناء على من قال بحجية الاستصحاب من جهة الأخبار ، أو قال بحجيته من باب دليل العقل فانه لا يعقل فرق (بين أنحاء تحقّق المستصحب) سواء كان تنجيزيا أم تعليقيا.

٢٨

فكلّ نحو من التحقّق ثبت للمستصحب وشك في ارتفاعه ، فالأصل بقاؤه.

مع أنّك عرفت : أنّ الملازمة وسببية الملزوم للّازم موجود بالفعل ، وجد اللازم أم لم يوجد ، لأنّ صدق الشرطيّة لا يتوقف على صدق الشرط.

وهذا الاستصحاب غير متوقف على وجود الملزوم. نعم ، لو اريد إثبات وجود الحكم فعلا في الزمان الثاني

______________________________________________________

وعليه : (فكلّ نحو من التحقّق ثبت للمستصحب) تنجيزيا كان أم تعليقيا (وشك في ارتفاعه ، فالأصل بقاؤه) لتمامية أركان الاستصحاب.

هذا كله حال استصحاب اللازم وهو : الحرمة المعلقة وعلى الملزوم وهو : الغليان.

امّا استصحاب الملازمة بين الغليان والحرمة فأمره واضح لا غبار عليه ، وإليه أشار المصنّف بقوله : (مع أنّك عرفت : أنّ الملازمة وسببية الملزوم) الذي هو الغليان (للّازم) الذي هو الحرمة (موجود بالفعل) حال العنبيّة ، فلا تعليق في الملازمة إطلاقا ، سواء (وجد اللازم) والملزوم بالفعل (أم لم يوجد ، لأنّ صدق الشرطية لا يتوقف على صدق الشرط) وذلك على ما ذكرناه في مثال : كلّما وجدت أربعة كانت منقسمة إلى متساويين ، حيث ان الملازمة فعلية والشرطية صادقة ، سواء وجدت أربعة بالفعل أم لم توجد؟.

(وهذا الاستصحاب) وهو : استصحاب الملازمة ، الثابتة بالفعل حال العنبية (غير متوقف على وجود الملزوم) الذي هو الغليان ، بل يجري قبل الغليان ويترتب عليه الحرمة المعلقة ، فالملازمة إذن موجودة سابقا ولا حقا.

(نعم ، لو اريد إثبات وجود الحكم) أي : الحرمة (فعلا في الزمان الثاني)

٢٩

اعتبر إحراز الملزوم فيه ليترتّب عليه بحكم الاستصحاب لازمه.

وقد يقع الشك في وجود الملزوم في الآن اللاحق ، لعدم تعيّنه واحتمال مدخليّة شيء في تأثير ما يتراءى أنّه ملزوم.

الأمر الخامس

إنّه لا فرق في المستصحب بين أن يكون

______________________________________________________

وذلك بأن يكون ماء الزبيب حراما فعليا (اعتبر إحراز الملزوم فيه) الذي هو الغليان (ليترتب عليه بحكم الاستصحاب لازمه) الذي هو الحرمة ، فباستصحاب الملازمة قبل الغليان تثبت الحرمة المعلقة التقديرية ، وبمحض الغليان تثبت الحرمة الفعلية المتحققة.

هذا (وقد يقع الشك في وجود الملزوم في الآن اللاحق ، لعدم تعيّنه ، واحتمال مدخليّة شيء في تأثير ما يتراءى أنّه ملزوم) كما إذا شككنا في مثال : حرمة العصير العنبي بالغليان بانه هل مطلق الغليان قبل ذهاب الثلثين يوجب الحرمة أو الغليان بالنار فقط؟ ففي هذه الصورة إذا غلا بالشمس لا يحكم عليه بالحرمة ، وذلك لأن الملازمة غير متحققة ، ومع عدم تحققها لا يبقى مجال لاستصحابها ، فان الملازمة إنّما تستصحب إذا كانت متحققة ثم طرأ الغليان.

وإن شئت قلت : ان الزبيب إذا غلا بالشمس واحتمل مدخلية كون الغليان بالنار ، فان استصحاب الملازمة حينئذ لا يثبت اللازم الذي هو الحرمة ، لعدم إحراز الملزوم الذي هو الغليان ، لاحتمالنا خصوصية الحرمة في الغليان بالنار فقط لا ما يعم الشمس أيضا.

(الأمر الخامس) ممّا ينبغي التنبيه عليه في الاستصحاب هو : بيان الاستصحاب في الشرائع السابقة قال : (إنّه لا فرق في المستصحب بين أن يكون

٣٠

حكما ثابتا في هذه الشريعة أم حكما من أحكام الشريعة السابقة ، إذ المقتضي موجود ، وهو : جريان دليل الاستصحاب وعدم ما يصلح مانعا ، عدا امور.

منها : ما ذكره بعض المعاصرين ، من «أنّ الحكم الثابت في حقّ جماعة لا يمكن إثباته في حق آخرين ، لتغاير الموضوع ،

______________________________________________________

حكما ثابتا في هذه الشريعة) واحتملنا نسخة ـ مثلا ـ وغير ذلك من موارد الاستصحاب (أم حكما من أحكام الشريعة السابقة) وقد ثبت وجوده فيها بالكتاب أو السنة أو الاجماع ، لا استصحاب الاحكام التي هي بأيديهم ممّا قد حرّف كثيرا منها.

وإنّما لا فرق في ذلك من حيث الاستصحاب (إذ المقتضي موجود ، وهو : جريان دليل الاستصحاب) لأنه يقين سابق وشك لاحق ، فيشمله أخبار الاستصحاب عند من يرى حجية الاستصحاب من باب الأخبار ، كما يشمله الظن العقلائي عند من يرى حجية الاستصحاب من باب الظن العقلائي.

إذن : فالمقتضي للاستصحاب بالنسبة إلى الشرائع السابقة موجود ، وأما المانع فمفقود كما قال : (وعدم ما يصلح مانعا) عن جريان الاستصحاب بالنسبة إلى الشرائع السابقة (عدا امور) تالية :

(منها : ما ذكره بعض المعاصرين) وهو صاحب الفصول : (من «أنّ الحكم الثابت في حق جماعة) من أهل الشريعة السابقة (لا يمكن إثباته في حق آخرين) من أهل هذه الشريعة ، وذلك (لتغاير الموضوع) فانه مثل : استصحاب حكم زيد لبكر.

٣١

فانّ ما ثبت في حقّهم مثله لا نفسه.

ولذا يتمسك في تسرية الأحكام الثابتة للحاضرين أو الموجودين إلى الغائبين أو المعدومين بالاجماع ، والأخبار الدالّة على الشركة لا بالاستصحاب».

وفيه :

______________________________________________________

وعليه : (فانّ ما ثبت في حقّهم) أي : حق الآخرين هو (مثله) أي : مثل ما ثبت من الحكم في الشريعة السابقة (لا نفسه) فانه إذا ثبت حكم زيد لبكر ، كان حكم بكر مثل : حكم زيد لا نفس حكم زيد ، بينما الاستصحاب هو إثبات الحكم السابق لموضوع خاص في الزمان الثاني لنفس ذلك الموضوع.

(ولذا) أي : لأجل ما ذكرناه من تغاير الموضوع بالنسبة إلى أهل شريعتين نرى انه (يتمسك في تسرية الأحكام الثابتة للحاضرين أو الموجودين) حال الخطاب (إلى الغائبين أو المعدومين) في زمان الخطاب تسرية (بالاجماع ، والأخبار الدالّة على الشركة) في الأحكام (لا بالاستصحاب» (١)) فلا يتمسكون لاثبات الأحكام بالنسبة إلى الغائبين والمعدومين في زمان الخطاب بالاستصحاب.

وعليه : فاذا كانت التسرية للأحكام بالنسبة إلى أهل شريعة واحدة بحاجة إلى الاجماع والأخبار ، فكيف يقال : بتسرية أحكام أهل الشريعة السابقة إلى أهل هذه الشريعة اللاحقة بالاستصحاب؟.

(وفيه) أي : في هذا الاشكال الذي أورده على استصحاب الشرائع السابقة ما يلي :

__________________

(١) ـ مناهج الأحكام للنراقي.

٣٢

أولا : أنّا نفرض الشخص الواحد مدركا للشريعتين.

فاذا حرم في حقّه شيء سابقا وشك في بقاء الحرمة في الشريعة اللاحقة ، فلا مانع عن الاستصحاب أصلا.

وفرض انقراض جميع أهل الشريعة السابقة عند تجدّد

______________________________________________________

(أولا : أنّا نفرض الشخص الواحد مدركا للشريعتين) فاذا كان شخص كذلك ، فلا إشكال في تمكنه من استصحاب الشريعة السابقة بعد مجيء هذه الشريعة لوحدة الموضوع ، وإذا ثبت بالاستصحاب ان الحكم بالنسبة إلى هذا المدرك للشريعتين هو نفس الحكم السابق ، تعدّى ذلك إلى سائر الأشخاص الموجودين في هذه الشريعة ، لأنه لا يعقل التفاوت في شريعة واحدة بين أفرادها.

مثلا : كان أبو طالب عليه‌السلام مدركا للشريعتين فكان له حكم ضمان ما لم يجب للاستصحاب ، فيكون الذي لم يدرك الشريعة السابقة كجعفر الطيار ابنه له ذلك الحكم أيضا ، وذلك لأن أبا طالب وجعفر لهما حكم واحد في هذه الشريعة ، لا أن أبا طالب له حكم ضمان ما لم يجب ، وجعفر ليس له هذا الحكم.

وعليه : (فاذا حرم في حقّه) أي : في حق من أدرك الشريعتين (شيء سابقا وشك في بقاء الحرمة في الشريعة اللاحقة ، فلا مانع عن الاستصحاب أصلا) لتمامية أركانه ، وكذلك إذا وجب في حقه شيء سابقا من الأحكام التكليفية أو الوضعية.

(و) لا يقال : انا نفرض هلاك جميع أهل الشريعة السابقة ، فلا أحد حتى يصح الاستصحاب بالنسبة إليه ويتعدّى إلى الآخرين.

لأنه يقال : (فرض انقراض جميع أهل الشريعة السابقة عند تجدّد) الشريعة

٣٣

اللاحقة نادر ، بل غير واقع.

وثانيا أنّ اختلاف الأشخاص لا يمنع عن الاستصحاب ، وإلّا لم يجر استصحاب عدم النسخ.

______________________________________________________

(اللاحقة نادر ، بل غير واقع) أصلا ، فقوم نوح ـ مثلا ـ وان هلكوا بالطوفان ، إلّا انه بقي منهم من كان في السفينة ممن آمن بنوح ، ولذا لم نر في التاريخ ما يدلّنا على ان قوما هلكوا بأجمعهم ثم جاءت شريعة لاحقة بعد انقراضهم.

(و) فيه (ثانيا) نقضا بالنسخ : وذلك حتى على فرض انقراض أهل الشريعة السابقة جميعا فانه إذا قلنا بعدم الاستصحاب لاختلاف الأشخاص ، كان لازم ذلك أن لا نقول باستصحاب عدم النسخ أيضا ، لاختلاف الأشخاص مع انه لا أحد يشك في جريانه.

بيان ذلك : انه إذا شك الحاضرون والموجودون زمن الخطاب في نسخ حكم ، حكموا بعدم نسخه لاستصحاب عدم النسخ ، وكذلك إذا شك الغائبون والمعدومون في زمن الخطاب ، حكموا بعدم نسخه أيضا لاستصحاب عدم النسخ ، مع ان النسخ مختص بزمن الخطاب ولا نسخ بعده قطعا ، وواضح : ان أشخاص الغائبين والمعدومين في زمن الخطاب غير أشخاص الحاضرين والموجودين زمن الخطاب ، ولو كان ذلك مانعا لما جرى الاستصحاب.

وعليه : فظهر : (أنّ اختلاف الأشخاص لا يمنع عن الاستصحاب ، وإلّا لم يجر استصحاب عدم النسخ) أصلا حتى في شريعة واحدة ، فكيف بشريعتين؟ وحيث لم يكن اختلاف الأشخاص في شريعة واحدة مانعا عن استصحاب عدم النسخ ، لم يكن مانعا أيضا في أهل شريعتين.

هذا هو الجواب النقضي عن الاشكال الذي اورد على استصحاب الشرائع السابقة.

٣٤

وحلّه : أنّ المستصحب هو الحكم الكلّي الثابت للجماعة على وجه لا مدخل لأشخاصهم فيه ، فانّ الشريعة اللاحقة لا تحدث عند انقراض أهل الشريعة الاولى ، إذ لو فرض وجود اللاحقين في السابق

______________________________________________________

وأما الجواب الحلي عنه فهو ما أشار إليه المصنّف بقوله :

(وحلّه : أنّ المستصحب) ـ مثل : ضمان ما لم يجب إذا شك في نسخه ـ ليس هو الحكم الخاص بجماعة الحاضرين والموجودين ، حتى لم يجر بالنسبة إلى جماعة الغائبين والمعدومين ، بل المستصحب (هو الحكم الكلّي الثابت للجماعة على وجه لا مدخل لأشخاصهم فيه) من الحاضرين والغائبين والموجودين والمعدومين من أهل شريعة واحدة أو شريعتين ، فيجري في حقهم جميعا.

إن قلت : كون المستصحب حكما كلّيا يشمل الحاضرين والغائبين ، والموجودين والمعدومين حتى من أهل شريعتين ، إنّما هو لو حدثت الشريعة الثانية مع وجود أهل الشريعة الاولى ، دون ما إذا حدثت عند انقراضهم جميعا ، فانه لا يجري في الشريعة الثانية حينئذ.

قلت : إن مجيء الشرائع كان دائما مع وجود بقايا من أهل الشرائع السابقة ، وذلك كما قال : (فانّ الشريعة اللاحقة لا تحدث عند انقراض أهل الشريعة الاولى) حتى لا يجري حكم الشريعة الاولى مثل : ضمان ما لم يجب إذا شك في نسخه لأهل الشريعة الثانية ، فان من الواضح : وجود كثير من امة عيسى عليه‌السلام عند حدوث شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإذا كان كذلك جرى الحكم في الشريعة الثانية أيضا.

وإنّما يجري الحكم في الشريعة الثانية أيضا إذا كان كذلك (إذ لو فرض وجود اللاحقين) من أهل الشريعة الثانية مثل زماننا هذا (في السابق) أي : في زمان

٣٥

عمّهم الحكم قطعا ، غاية الأمر احتمال مدخليّة بعض أوصافهم المعتبرة في موضوع الحكم.

ومثل : هذا لو أثّر في الاستصحاب لقدح في أكثر الاستصحابات

______________________________________________________

شريعة عيسى عليه‌السلام قبل مجيء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (عمّهم الحكم قطعا) لضرورة اشتراك كل المكلّفين من أهل زمان واحد في شريعة واحدة.

وإلّا بأن قلنا بعدم اشتراك أهل زمان واحد في شريعة واحدة لأن لاشخاص أهل كل شريعة ـ مثلا ـ مدخلية في أحكامها ، لكان اللازم أوّلا انقراض أهل شريعة عيسى عليه‌السلام ثم حدوث شريعتنا أو وجود شريعتين في زمان واحد ، وكلاهما خلاف الأدلة.

والحاصل : ان الشك قد يكون من جهة الرافع ، كالشك في ان الأحكام السابقة نسخت بسبب الشريعة اللاحقة أم لا؟ وقد عرفت جوابه.

وقد يكون الشك من جهة المقتضي كالشك في ان أحكام الشريعة السابقة كانت خاصة بامة عيسى عليه‌السلام أم لا؟ وإليه أشار المصنّف بقوله : (غاية الأمر احتمال مدخليّة بعض أوصافهم المعتبرة) ككونهم امة عيسى عليه‌السلام ـ مثلا ـ (في موضوع الحكم) مثل الحكم بضمان ما لم يجب أو غيره من الأحكام التي نريد استصحابها ، ومعه لا يجري الاستصحاب.

لكن فيه : ان هذا الاحتمال أيضا لا يكون مانعا عن الاستصحاب ، لأن الاستصحاب إنّما يكون عند الشك في الموضوع من جهة تغيّر بعض خصوصياته ، ولذا قال المصنّف : (ومثل : هذا لو أثّر في الاستصحاب لقدح في أكثر الاستصحابات) لأنه لو لم يحصل في الزمان الثاني تغيّر في خصوصية من خصوصيات الموضوع السابق أصلا ، لم يطرأ شك لاحق أبدا.

٣٦

بل في جميع موارد الشك من غير جهة الرافع.

وأمّا التمسّك في تسرية الحكم من الحاضرين إلى الغائبين فليس مجرى للاستصحاب حتى يتمسك به ،

______________________________________________________

(بل) لقدح ذلك (في جميع موارد الشك من غير جهة الرافع) أي : بأن لا يجري الاستصحاب إلّا مع الشك في الرافع دون الشك في المقتضي ، وذلك لأن الشك في الرافع وحده لا يرجع إلى تغيّر في الموضوع ، بينما الشك في المقتضي فهو يرجع دائما إلى تغيّر ما في الموضوع.

وعليه : فاحتمال مدخلية كونهم من امة عيسى عليه‌السلام في موضوع الحكم لا يقدح في استصحاب ذلك الحكم وإثباته في حق هذه الامة.

ثم إن صاحب الفصول على ما عرفت : جعل اختلاف الأشخاص في الشريعتين مانعا عن استصحاب أحكام الامة السابقة إلى الامة اللاحقة ، لتغاير الموضوع وأيد ذلك بتمسك الأصحاب في تسرية حكم الحاضرين إلى الغائبين بالاجماع والأخبار الدالة على اشتراك التكليف ، لا بالاستصحاب ، فأجاب المصنّف عنه بقوله : (وأمّا التمسّك في تسرية الحكم من الحاضرين) في مجلس الخطاب (إلى الغائبين) عن مجلس الخطاب بالاجماع والأخبار فهو لما يلي :

أولا : لأن مع التمسك بالاجماع والأخبار لم يبق شك ، وإذا لم يبق شك (فليس مجرى للاستصحاب حتى يتمسك به) أي : بالاستصحاب لاثباته ، إذ شركة الجميع في الحكم ثابت بالاجماع والأخبار ومعه لا شك حتى يجري فيه الاستصحاب.

ثانيا : ان ما نحن فيه من تسرية حكم الحاضرين إلى الغائبين مع كونهما في زمان واحد لا ربط بمجرى الاستصحاب رأسا ، لوضوح : ان مجرى الاستصحاب

٣٧

لأنّ تغاير الحاضرين المشافهين ، والغائبين ، ليس بالزمان ، ولعلّه سهو من قلمه قدس‌سره.

وأمّا التسرية من الموجودين إلى المعدومين فيمكن التمسك فيها بالاستصحاب بالتقريب المتقدّم أو باجرائه فيمن بقي من الموجودين إلى زمان وجود المعدومين

______________________________________________________

هو ما كان المتيقن والمشكوك مختلفان من حيث الزمان ، بينما الحاضر في مجلس الخطاب والغائب عنه ليسا مختلفين من حيث الزمان لفرض إنهما من أهل زمان واحد ، وإنّما هما مختلفان من حيث الحضور والغيبة ، وذلك كما قال : (لأنّ تغاير الحاضرين المشافهين ، والغائبين ، ليس بالزمان) كما عرفت (ولعلّه سهو من قلمه قدس‌سره) وهو واضح.

هذا (وأمّا التسرية من الموجودين) في حال الخطاب (إلى المعدومين) حال الخطاب (فيمكن التمسك فيها بالاستصحاب بالتقريب المتقدّم) أي : انا إذا لم نقل بانه لا شك فلا حاجة للاستصحاب ، لأن الأحكام ثابتة للكل بالنص والاجماع والضرورة ، فانه يمكن أن نقول : على فرض الشك يجري الاستصحاب وذلك بأحد وجهين :

الأوّل : بأن يكون المستصحب ـ كما مرّ ـ هو الحكم الكلي الذي لا دخل لأشخاص الموجودين فيه ، فيتعدى الحكم من الموجودين إلى المعدومين بالاستصحاب.

والثاني : (أو باجرائه) أي : باجراء الاستصحاب (فيمن بقي من الموجودين إلى زمان وجود المعدومين) أي : بأن يدرك الجماعتين وذلك على تقريب مدرك الشريعتين.

٣٨

ويتمّ الحكم في المعدومين بقيام الضرورة على اشتراك أهل الزمان الواحد في الشريعة الواحدة.

ومنها ما اشتهر : من أنّ هذه الشريعة ناسخة لغيرها من الشرائع فلا يجوز الحكم بالبقاء.

وفيه : أنّه إن اريد نسخ كلّ حكم إلهي من أحكام الشريعة السابقة فهو ممنوع ،

______________________________________________________

(و) عليه : فاذا تم الحكم بالنسبة إلى مدرك الجماعتين : الموجودين والمعدومين ، فانه (يتمّ الحكم في المعدومين) ممن لم يدرك الجماعتين أيضا ، وذلك (بقيام الضرورة على اشتراك أهل الزمان الواحد في الشريعة الواحدة) فيكون حكم المعدومين حكم الموجودين بأمرين :

الأوّل : إثبات الحكم لمن أدرك الجماعتين : الموجودين والمعدومين بالاستصحاب.

الثاني : إثبات حكم من أدرك لمن لم يدرك ، لضرورة وحدة حكم المدرك وغير المدرك ، وان لم يكن استصحاب في غير المدرك.

(ومنها) : أي : من الاشكالات التي اوردت على استصحاب الشريعة السابقة (ما اشتهر : من أنّ هذه الشريعة ناسخة لغيرها من الشرائع) السابقة (فلا يجوز الحكم بالبقاء) بالنسبة إلى أي حكم من أحكام تلك الشرائع.

(وفيه : أنّه إن اريد نسخ كلّ حكم إلهي من أحكام الشريعة السابقة فهو ممنوع) لما نرى من بقاء كثير من أحكام الشرائع السابقة ، مثل : الصلاة والصوم والحج والزكاة وبرّ الوالدين ، وحرمة شرب الخمر ونكاح المحارم والزنا واللواط وما أشبه ذلك ممّا دل عليه الكتاب والسنة والاجماع ، بل العقل أحيانا.

٣٩

وإن اريد نسخ البعض فالمتيقن من المنسوخ ما علم بالدليل ، فيبقى غيره على ما كان عليه ولو بحكم الاستصحاب.

فان قلت : إنّا نعلم قطعا بنسخ كثير من الأحكام السابقة ، والمعلوم تفصيلا منها قليل ، في الغاية ، فيعلم بوجود المنسوخ في غيره.

قلت :

______________________________________________________

(وإن اريد نسخ البعض) من أحكام الشريعة السابقة (فالمتيقن من المنسوخ ما علم بالدليل) نسخه مثل : نسخ صوم الوصال ، وصوم الصمت ، وما أشبه ذلك (فيبقى غيره على ما كان عليه ولو بحكم الاستصحاب) فيما إذا فرض ان دليل تلك الأحكام في الشرائع السابقة ، لم يكن كافيا للبقاء حتى يشمل هذه الامة بنفسه.

(فان قلت) : الاستصحاب يتنافى مع علمنا الاجمالي بنسخ شريعتنا لكثير من أحكام الشرائع السابقة ، وذلك لأن من الواضح ان الاستصحاب لا يجري في أطراف العلم الاجمالي ، كما لا يجري أصالة الطهارة في أطراف المشتبه بالنجس من الإناءين ونحوهما.

إذن : (إنّا نعلم قطعا بنسخ كثير من الأحكام السابقة ، والمعلوم تفصيلا منها قليل في الغاية) فلا نعلم بالمنسوخ من الأحكام علما تفصيليا حتى نستصحب فيما عداه وإذا فقد العلم التفصيلي بأكثر المنسوخ (فيعلم) علما إجماليا (بوجود المنسوخ في غيره) أي : في غير علم بالتفصيل نسخه ، فيبقى العلم الاجمالي في الباقي فيمنع من جريان الاستصحاب في كل حكم يشك في بقائه وعدم بقائه للنسخ ، لأنه يكون حينئذ من أطراف العلم الاجمالي.

(قلت) : أولا : لا نسلم العلم الاجمالي بوجود المنسوخ في غير ما علم نسخه ،

٤٠