الوصائل إلى الرسائل - ج ١٣

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-13-9
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

ثمّ اعلم أنّه نسب الى الفاضلين قدس سرّهما ، التمسك بالاستصحاب في هذه المسألة في مسألة الأقطع.

والمذكور في المعتبر والمنتهى : «الاستدلال على وجوب غسل ما بقي من اليد المقطوعة ممّا دون المرفق أنّ غسل الجميع بتقدير وجود ذلك البعض واجب ، فاذا زال البعض لم يسقط الآخر» انتهى.

وهذا الاستدلال

______________________________________________________

(ثمّ اعلم أنّه نسب الى الفاضلين) : المحقق والعلامة («قدس‌سرهما» ، التمسك بالاستصحاب في هذه المسألة) اي : مسألة تعذر الجزء من غير تفصيل بين الجزء الثابت بالدليل الاجتهادي ، والثابت بالأصل العملي (في مسألة الأقطع) الذي قطعت يده ، وبقي بعضها ، فانه كان سابقا يجب عليه غسل هذا البعض في ضمن غسل كل اليد ، فلمّا قطع بعضها نشك في انه هل بقى وجوب غسل هذا البعض أم لا؟ فنستصحب وجوب غسله.

(والمذكور في) كتابي الفاضلين : (المعتبر) للمحقق قدس سرّه (والمنتهى) للعلامة قدس سرّه («الاستدلال على وجوب غسل ما بقي من اليد المقطوعة ممّا دون المرفق) فيما اذا بقي شيء من محل الغسل ، وذلك بتقريب : (أنّ غسل الجميع) اي : جميع اليد (بتقدير وجود ذلك البعض) المقطوع (واجب) اي : كان سابقا واجبا (فاذا زال البعض لم يسقط الآخر» (١)) عن الوجوب ، فيجب غسل البعض الآخر الباقي الى المرفق.

(انتهى ، وهذا الاستدلال) له احتمالات ثلاثة : فاحتمال انه تمسك بقاعدة

__________________

(١) ـ المعتبر : ص ٣٩.

٢٤١

يحتمل أن يراد منه مفاد قاعدة : «الميسور لا يسقط بالمعسور» ، ولذا ابدله في الذكرى بنفس القاعدة ؛ ويحتمل أن يراد منه : الاستصحاب ، بأن يراد أنّ هذا الموجود بتقدير وجود المفقود في زمان سابق واجب.

فاذا زال البعض لم يعلم سقوط الباقي ، والأصل عدمه أو لم يسقط بحكم الاستصحاب.

______________________________________________________

الميسور ، واحتمال انه تمسك بالاصل العملي وهو الاستصحاب ، واحتمال انه تمسك بالأصل اللفظي وهو عموم قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ...) (١) فانه شامل لجميع أجزاء اليد ، فاذا سقط بعض الأجزاء وجب غسل الباقي.

وعليه : فالاحتمالات هنا ثلاثة ، اشار المصنّف الى أولها بقوله : (يحتمل أن يراد منه مفاد قاعدة : «الميسور لا يسقط بالمعسور») (٢) لا الاستصحاب (ولذا أبدله) اي : أبدل الاستدلال المذكور الشهيد الاول (في الذكرى بنفس القاعدة) اي : بقاعدة الميسور ، حيث انه قال : يجب غسل ما بقي لقاعدة الميسور.

وأشار الى ثانيها بقوله : (ويحتمل أن يراد منه : الاستصحاب ، بأن يراد أنّ هذا الموجود) من اليد الى المرفق (بتقدير وجود المفقود في زمان سابق ، واجب) غسله (فاذا زال البعض لم يعلم سقوط الباقي ، والأصل عدمه) اي : عدم سقوط الباقي وهذا تمسّك بالاصل العدمي (أو) يتمسك بالاصل الوجودي وذلك بأن يقال : هذا الموجود من اليد على تقدير وجود المفقود كان واجبا غسله سابقا ، ولآن واجب ايضا حيث ان وجوبه (لم يسقط بحكم الاستصحاب).

__________________

(١) ـ سورة المائدة : الآية ٦.

(٢) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ٥٨ ح ٢٠٥ (بالمعنى) ، بحار الانوار : ج ٨٤ ص ١٠١ ب ١٢ ح ٢.

٢٤٢

ويحتمل أن يراد به : التمسك بعموم ما دلّ على وجوب كلّ من الأجزاء ، من غير مخصّص له بصورة التمكّن من الجميع ، لكنّه ضعيف احتمالا ومحتملا.

______________________________________________________

وأشار الى ثالثها بقوله : (ويحتمل أن يراد به : التمسك) بالاصل اللفظي أي : (بعموم ما دلّ على وجوب كلّ من الأجزاء ، من غير مخصّص له بصورة التمكّن من الجميع) وذلك بأن أوجب الشارع غسل اليد بنحو العموم الشامل لغسل ما بين المرفق الى رءوس الاصابع ، فاذا سقط بعضه لقطع أو نحوه بأن سقطت أصابعه ، أو سقطت كفه من الزند ، أو سقط ممّا دون المرفق ـ مثلا ـ وجب غسل الباقي.

(لكنّه) اي : التمسك بالعموم اللفظي من الفاضلين (ضعيف احتمالا ومحتملا) أمّا احتمالا وهو ان يكون في كلامهما ما يشعر بذلك ، فلأن كلامهما لا ظهور له في انهما يريدان التمسك بالعام بالنسبة الى ما بقي من اليد بل له ظهور في ارادتهما دليل الميسور.

وأمّا محتملا : فلأن وجوب غسل البعض بعد سقوط البعض الآخر غير مشمول للعموم ، اذ الظاهر من الآية والرواية غسل الجميع ، فاذا انتفى الجميع بانتفاء البعض لم يبق أمر حتى يشمل عمومه البعض الآخر الباقي.

هذا ، ولا يخفى : ان ما ذكروه جار في غير اليد أيضا ، كبعض مواضع المسح ، وبعض الوجه ، وكذلك الحال فيمن لا يتمكن في الغسل من غسل جميع بدنه ، فهل يجب عليه غسل الرأس والرقبة أو مع الطرف الايمن ـ مثلا ـ أم لا؟ وكذا الحال في المتيمم الذي لا يتمكن من المسح على جبهته ، أو على احدى يديه ، او على كلتا اليدين ، فهل يجب عليه ذلك أم لا؟.

٢٤٣

الأمر الثاني عشر :

إنّه لا فرق في احتمال خلاف الحالة السابقة بين أن يكون مساويا لاحتمال بقائه ، أو راجحا عليه بأمارة غير معتبرة.

ويدلّ عليه وجوه :

الأوّل : الاجماع القطعي على تقدير اعتبار الاستصحاب من باب الأخبار.

______________________________________________________

وهكذا حال غسل الميت اذا لم يتمكن الغاسل من تغسيل جميع جسده ، أو في تيممه اذا لم يتمكن من مسح كل اعضاء تيممه ، وكذا في الميت الذي قطع رأسه ، فهل يجب تغسيل جانبه الأيمن وجانبه الأيسر ام لا؟ وهكذا حال تيممه أيضا.

وكذا الحال بالنسبة الى الصلاة والصوم والحج ، وغيرها من الواجبات ، فان نفس المسألة تأتي فيها ايضا ، وذلك كما اذا علم بانه بعد صلاة ركعتين من الظهر الرباعية يقتل أو يجنّ او ما اشبه ذلك ممّا لا يتمكن معه من اتمام الصلاة ، او في الصوم تحيض المرأة ، او يقتل الرجل ، او ما اشبه ذلك ، وهكذا في باب الحج ، فهل يجب عليه ذلك أم لا؟.

(الأمر الثاني عشر) : في ان المراد بالشك المأخوذ في الاستصحاب هو الأعم من الشك الاصطلاحي المتساوي الطرفين ، والظن بالبقاء ، والظن بالانتفاء ، وذلك (إنّه لا فرق في احتمال خلاف الحالة السابقة) للذي يجري الاستصحاب حينئذ (بين أن يكون مساويا لاحتمال بقائه ، أو راجحا عليه بأمارة غير معتبرة).

وقال : غير معتبرة ، لأنّ الأمارة كانت معتبرة لم يبق مجال للاستصحاب ، بل لزم الاخذ بتلك الأمارة المعتبرة.

(ويدلّ عليه) اي : على ان احتمال خلاف الحالة السابقة أعم (وجوه) كالتالي :

(الأوّل : الاجماع القطعي على تقدير اعتبار الاستصحاب من باب الأخبار)

٢٤٤

الثاني : أنّ المراد بالشك في الروايات معناه اللغوي ، وهو : خلاف اليقين ، كما في الصحاح ، ولا خلاف فيه ظاهرا.

ودعوى : «انصراف المطلق في الروايات الى معناه الأخص ، وهو : الاحتمال المساوي» ، لا شاهد لها ، بل يشهد بخلافها ـ مضافا الى تعارف الشك في الاخبار على المعنى الأعمّ ـ موارد من الأخبار الواردة.

منها : مقابلة الشك باليقين في جميع الاخبار.

______________________________________________________

فان كل اولئك الذين يرون حجية الاستصحاب تعبدا من باب الاخبار ، مجمعون على عدم الفرق بين الشك الاصطلاحي والظن بالوفاق او بالخلاف.

(الثاني : أنّ المراد بالشك في الروايات معناه اللغوي وهو : خلاف اليقين) فيكون شاملا للشك والظن والوهم لانها جميعا خلاف اليقين ، وذلك (كما في الصحاح) للجوهري (و) ارادة المعنى اللغوي من الشك الوارد في الروايات هو ممّا (لا خلاف فيه ظاهرا) فاحتمال ان الشارع قد غيّر المعنى اللغوي الى المعنى الاصطلاحي المنطقي غير ظاهر.

(ودعوى : «انصراف) الشك (المطلق في الروايات الى معناه الأخص ، وهو : الاحتمال المساوي») الطرفين المصطلح لدى المنطقيين (لا شاهد لها) اي : لهذه الدعوى اذ لا وجه لهذا الانصراف بعد كون الاصل في النقل هو العدم ، فإنّ اثبات تغيير اللغة الى اصطلاح خاص يحتاج الى دليل ، ولا دليل عليه هنا.

(بل يشهد بخلافها) اي : بخلاف هذه الدعوى (مضافا الى تعارف) اطلاق (الشك في الاخبار على المعنى الأعمّ) الشامل للوهم والظن والشك الاصطلاحي ، يشهد له (موارد من الأخبار الواردة) في الاستصحاب.

(منها : مقابلة الشك باليقين في جميع الاخبار) التي جعلت الشك في مقابل

٢٤٥

ومنها : قوله في صحيحة زرارة الاولى : «فان حرّك الى جنبه شيء وهو لا يعلم به» الى آخره ، فان ظاهره : فرض السؤال فيما كان معه أمارة النوم.

ومنها : قوله عليه‌السلام : «لا ، حتى يستيقن» حيث جعل غاية وجوب الوضوء الاستيقان بالنوم ، ومجيء أمر بيّن منه.

______________________________________________________

اليقين وظاهر التقابل هو التناقض ، يعني : كل ما ليس بيقين ، وما ليس بيقين يشمل الشك الاصطلاحي والظن والوهم.

(ومنها : قوله) عليه‌السلام (في صحيحة زرارة الاولى) المفيدة بقاء الوضوء الى ان يتيقن بالنوم ، وعدم نقض الوضوء بالخفقة ونحوها حيث قال فيها عليه‌السلام : («فان حرّك الى جنبه شيء وهو لا يعلم به» (١) الى آخره ، فان ظاهره : فرض السؤال فيما كان معه أمارة النوم).

ومن المعلوم : ان الأمارة على النوم بتحريك شيء الى جنبه وهو لا يعلم يوجب الظن بالخلاف ، ومع ذلك فان الشارع قال : عليه بعدم الاعتناء بظنه وباستصحاب وضوءه.

(ومنها : قوله عليه‌السلام : «لا ، حتى يستيقن» (٢) حيث جعل غاية وجوب الوضوء) الجديد للصلاة : هو (لاستيقان بالنوم ، ومجيء أمر بيّن منه) فانه في هذه الصورة فقط ينتقض وضوءه ، امّا اذا لم يأت أمر بيّن منه فيستصحب وضوءه.

ومن المعلوم : انه بدون الأمر البيّن المورث لليقين بالنوم قد يكون النوم مظنونا ، كما قد يكون مشكوكا ، أو موهوما ، فيعم الجميع.

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٨ ب ١ ح ١١ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٢٤٥ ب ١ ح ٦٣١.

(٢) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٨ ب ١ ح ١١ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٢٤٥ ب ١ ح ٦٣١.

٢٤٦

ومنها : قوله عليه‌السلام : «ولكن تنقضه بيقين آخر» فانّ الظاهر : سوقه في مقام بيان حصر ناقض اليقين في اليقين.

ومنها : قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة الثانية : «فلعلّه شيء اوقع عليك ، وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ» ، فانّ كلمة : «لعل» ظاهرة في مجرّد الاحتمال ، خصوصا مع وروده في مقام إبداء ذلك ، كما في المقام ،

______________________________________________________

(ومنها : قوله عليه‌السلام : «ولكن تنقضه بيقين آخر» (١) فانّ الظاهر : سوقه في مقام بيان حصر ناقض اليقين في اليقين) فقط ، فيعم عدم النقض بكل ما ليس بيقين من الوهم والشك والظن بالنقض.

(ومنها : قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة الثانية : «فلعلّه شيء اوقع عليك ، وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ» (٢) فانّ كلمة : «لعل» ظاهرة في مجرّد الاحتمال) سواء كان الاحتمال متساوي الطرفين ، أو راجح الفعل ، أم راجح الترك ، فان لعل يستعمل في مقام الاحتمال المقابل لليقين ، فاذا قيل للمريض ـ مثلا ـ اشرب الدواء الفلاني لعله ينفعك ، كان معناه : انه يحتمل انتفاعه به ، سواء كان الاحتمال مظنونا أم مشكوكا أم موهوما.

(خصوصا مع وروده) اي : ورود «لعلّ» من : «لعله شيء أوقع عليك» (في مقام إبداء ذلك) اي : ابداء الاحتمال وابقائه (كما في المقام) فإنّ رؤية الانسان الدم في ثوبه بعد الصلاة لا يوجب بطلان صلاته ، لأنّه يحتمل ولو ضعيفا وقوعه بعد الصلاة ، فتكون صلاته صحيحة بابقاء هذا الاحتمال

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٨ ب ١ ح ١١ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٢٤٥ ب ١ ح ٦٣١.

(٢) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٤٢١ ب ٢١ ح ٨ ، الاستبصار : ج ١ ص ١٨٣ ب ١٠٩ ح ١٣ ، علل الشرائع : ج ٢ ص ٥٩ ح ١ ، وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٤٨٢ ب ٢٤ ح ٤٢٣٦.

٢٤٧

فيكون الحكم متفرّعا عليه.

ومنها : تفريع قوله عليه‌السلام : «صم للرّؤية وافطر للرّؤية» على قوله عليه‌السلام : «اليقين لا يدخله الشك».

الثالث : أنّ الظنّ غير المعتبر إن علم بعدم اعتباره بالدليل ، فمعناه : أنّ وجوده كعدمه عند الشارع ، وأنّ كلّ ما يترتّب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتّب على تقدير وجوده ،

______________________________________________________

(فيكون الحكم) بعدم النّقض (متفرّعا عليه) اي : على مجرد الاحتمال.

(ومنها : تفريع قوله عليه‌السلام : «صم للرّؤية وافطر للرّؤية» على قوله عليه‌السلام : «اليقين لا يدخله الشك») (١) فان الرؤية يقين وما سواها شك ، فيكون التفريع المذكور هنا شاملا لكل ما هو ليس بيقين ورؤية ، وما ليس هو بيقين ورؤية يعم الظن والشك والوهم ، فالتفريع المذكور إذن يشهد بأن المراد هنا هو : ان اليقين لا يدخله غير اليقين ، سواء كان غير اليقين ظنا ام وهما ام شكا.

(الثالث) من الشواهد على ان المراد من الشك : الأعم من متساوي الطرفين ومن الظن بالخلاف هو : (أنّ الظنّ غير المعتبر) القائم على خلاف الحالة السابقة (إن علم بعدم اعتباره بالدليل) كما في الظن الحاصل من القياس والاستحسان والرأي وخبر الفاسق وما اشبه ذلك (فمعناه : أنّ وجوده كعدمه عند الشارع) لان لشارع لم يعتبره كما هو المفروض ، بل (وأنّ كلّ ما يترتّب شرعا على تقدير عدمه ، فهو المترتّب على تقدير وجوده) لأنّ وجوده كالعدم على ما عرفت فاذا لم يكن هذا الظن القياسي ما ذا كنّا نعمل؟ فكذلك نعمل اذا كان هذا الظن

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ٤ ص ١٥٩ ب ١ ح ١٧ ، الاستبصار : ج ٢ ص ٦٤ ب ٣٣ ح ١٢ ، وسائل الشيعة : ج ١٠ ص ٢٥٦ ب ٣ ح ١٣٣٥١.

٢٤٨

وإن كان ممّا شك في اعتباره ، فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه الى نقض اليقين بالشك فتأمّل ، جدّا.

وهذا كلّه على تقدير اعتبار الاستصحاب من باب التعبّد المستنبط من الأخبار.

______________________________________________________

القياسي موجودا ، فالاستصحاب إذن لا يختلف هنا سواء كان الظن القياسي على خلافه ، أم لا؟.

(وإن كان ممّا شك في اعتباره) كالشهرة في الفتوى ـ مثلا ـ (فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه) اي : بسبب هذا الظن المشكوك الاعتبار ، كالظن الحاصل من الشهرة على خلاف الاستصحاب السابق ، يكون (الى نقض اليقين بالشك) لأنّا لا نعلم هل الشهرة معتبرة ام لا؟ فاذا نقضنا اليقين السابق بسبب هذه الشهرة ، كان معناه : إنّا نقضنا اليقين بالشك ، وهذا ما نهى الشارع عنه في الأخبار.

(فتأمّل جدّا) حتى لا يخفى عليك ما ذكرناه : من ان الاستصحاب يجري بلا فرق بين ان يكون الشك متساوي الطرفين ، او راجح احد الطرفين على الآخر ، ومن المشهور عند الأساتيذ انه لو قال المصنّف : فتأمل جدا ، أو فتأمل جيدا ، وما اشبه ذلك ، لم يكن اشارة الى شيء ، وإنّما هو اشارة الى دقة المطلب وأهميته.

(وهذا كلّه) أي ما قلناه : من عدم الفرق في جريان الاستصحاب بين الشك ، والظن على الخلاف ، او الظن على الوفاق ، هو (على تقدير اعتبار الاستصحاب من باب التعبّد المستنبط من الأخبار) وذلك لما عرفت : من اطلاق الشك على الثلاثة.

٢٤٩

وأمّا على تقدير اعتباره من باب الظنّ الحاصل من تحقّق المستصحب في السابق ، فظاهر كلماتهم : أنّه لا يقدح فيه ايضا وجود الأمارة غير المعتبرة ، فيكون العبرة فيه عندهم بالظنّ النوعي وإن كان الظنّ الشخصي على خلافه.

ولذا تمسكوا به في مقامات غير محصورة على الوجه الكلّي من غير التفات الى وجود الأمارات غير المعتبرة في خصوصيّات الموارد.

واعلم أنّ الشهيد قدس سرّه في الذكرى بعد ما ذكر مسألة الشك في تقديم

______________________________________________________

(وأمّا على تقدير اعتباره) اي : اعتبار الاستصحاب (من باب الظنّ الحاصل من تحقّق المستصحب في السابق) ظنا نوعيا (فظاهر كلماتهم : أنّه لا يقدح فيه أيضا وجود الأمارة غير المعتبرة) من قياس او ما اشبه على خلافه (فيكون العبرة فيه) اي : في الاستصحاب (عندهم بالظنّ النوعي) لان النوع يظنون من كون الشيء متحققا سابقا باق لا حقا ، وان كان بعض الاشخاص لا يظنون بذلك ، او يظنون بالخلاف ، لبعض القرائن المناسبة ، فان الاستصحاب يجري حتى (وإن كان الظنّ الشخصي على خلافه) اي : خلاف الاستصحاب.

(ولذا) اي : لاجل ما ذكرنا : من انه لا فرق بين ان يكون الظن على الخلاف والوفاق ، فيما اذا كان الاستصحاب معتبرا من باب الظن النوعي نراهم قد (تمسكوا به) اي : بالاستصحاب (في مقامات غير محصورة) من كثرتها ، وذلك (على الوجه الكلّي) فانهم قالوا : الاستصحاب حجة مطلقا (من غير التفات الى وجود الأمارات غير المعتبرة في خصوصيّات الموارد) التي كانت تلك الأمارة مخالفة للحالة السابقة.

هذا (واعلم أنّ الشهيد قدس سرّه في الذكرى بعد ما ذكر مسألة الشك في تقديم

٢٥٠

الحدث على الطهارة ، قال : «تنبيه ، معنى قولنا : «اليقين لا يرفعه الشك» ، لا نعني به : اجتماع اليقين والشك في زمان واحد ، لامتناع ذلك ، ضرورة أنّ الشك في احد النقيضين يرفع يقين الآخر.

بل المعنيّ به أنّ اليقين الذي كان في الزمن الاول لا يخرج عن حكمه بالشك في الزمان الثاني ، لأصالة بقاء ما كان على ما كان ، فيؤول الى اجتماع الظنّ والشك في الزمان الواحد ،

______________________________________________________

الحدث على الطهارة ، قال : «تنبيه ، معنى قولنا : «اليقين لا يرفعه الشك» ، لا نعني به : اجتماع اليقين والشك في زمان واحد) بأن يكون الانسان المتطهّر صباحا في الزمان الثاني كالظهر ـ مثلا ـ متيقنا ببقاء الطهارة وشاكا في بقائها في آن واحد.

وإنّما قال : لا يغني به هذا المعنى (لامتناع ذلك) اي : امتناع اجتماعهما ، فان المتيقّن ليس بشاك ، والشاك ليس بمتيقّن (ضرورة أنّ الشك في احد النقيضين يرفع يقين الآخر) فاحتمالنا بقاء الطهارة يرفع اليقين بانتفائها ، لوضوح : انا لو تيقّنّا ببقاء الطّهارة كان ، معناه : عدم شكنا في بقاء الطهارة ، وكذلك في سائر الموارد.

(بل المعنيّ به) اي : بقولنا : اليقين لا يرفعه الشك هو : (أنّ اليقين الذي كان في الزمن الاول) كاليقين بالطهارة صباحا (لا يخرج عن حكمه بالشك في الزمان الثاني) كالشك ظهرا في انه هل بقي على طهارته ام لا؟ فان اليقين لا يخرج عن حكمه بالظن (لأصالة بقاء ما كان على ما كان) وهذا يورث الظن بالبقاء (فيؤول) الأمر (الى اجتماع الظنّ والشك في الزمان الواحد) وهو في مثالنا : الظهر حيث يجتمع فيه حينئذ ظن بانه متطهّر ، وشك بانه هل بطلت طهارته ام لا؟ واذا اجتمع

٢٥١

فيرجّح الظنّ عليه ، كما هو مطّرد في العبادات وغيرها» ، انتهى.

ومراده من الشك : معناه اللغوي ، وهو : مجرّد الاحتمال المنافي لليقين ، فلا ينافي ثبوت الظنّ الحاصل من أصالة بقاء ما كان.

فلا يرد ما اورد عليه : من أنّ الظنّ كاليقين في عدم الاجتماع مع الشك.

______________________________________________________

ظن وشك (فيرجّح الظنّ عليه ، كما هو مطّرد في العبادات وغيرها» (١)) حيث ان الظن في العبادة يؤخذ به حسب الأدلة الخاصة.

(انتهى) كلام الشهيد في الذكرى (ومراده من الشك : معناه اللغوي ، وهو : مجرّد الاحتمال) الشامل للوهم ، ففي الزمان الثاني هو يظن ببقاء الطهارة ، ويتوهم عدم البقاء ، لانه دائما اذا كان احد الطرفين راجحا وظنا ، كان الطرف الآخر مرجوحا ووهما (المنافي) هذا الوهم (لليقين) السابق الذي صار في الآن الثاني ظنا (فلا ينافي ثبوت الظنّ الحاصل من أصالة بقاء ما كان) على ما كان ، لأن الاصل يوجب الظن النوعي والوهم على خلافه.

وعليه : (فلا يرد ما اورد عليه : من أنّ الظنّ كاليقين في عدم الاجتماع مع الشك) فان الشهيد قال : «اليقين لا يجتمع مع الشك لكن الظن يجتمع مع الشك» ، فاورد عليه : أنّه كما لا يجتمع اليقين مع الشك ، كذلك لا يجتمع الظن مع الشك ، وذلك لان الظن معناه : رجحان احد الطرفين ، والشك معناه : تساوي الطرفين ، فلا يجتمعان.

واجيب : بأنّ مراده من الشك : الوهم.

ومن المعلوم : ان الظن والوهم على طرفي نقيض يجتمعان.

__________________

(١) ـ ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة : ص ٩٨.

٢٥٢

نعم ، يرد على ما ذكرنا من التوجيه أنّ الشهيد قدس سرّه في مقام دفع ما يتوهّم من التناقض المتوهّم في قولهم : «اليقين لا يرفعه الشك».

ولا ريب أنّ الشك الذي حكم بأنّه لا يرفع اليقين ، ليس المراد منه : الاحتمال الموهوم ، لأنّه إنّما يصير موهوما بعد ملاحظة أصالة بقاء ما كان ، نظير المشكوك الذي يراد الحاقه بالغالب ، فانّه يصير مظنونا بعد ملاحظة الغلبة ،

______________________________________________________

(نعم ، يرد على ما ذكرنا من التوجيه) الذي وجّهنا به كلام الشهيد قدس سرّه لرفع التناقض منه : (أنّ الشهيد قدس سرّه في مقام دفع ما يتوهّم من التناقض المتوهّم في قولهم : «اليقين لا يرفعه الشك») اي : انه في صدد بيان انه لا يجتمع اليقين والشك (ولا ريب أنّ الشك الذي حكم) به من قبل المشهور : (بأنّه لا يرفع اليقين ، ليس المراد منه : الاحتمال الموهوم) بل الاعم من الاحتمال الموهوم والمتساوي الطرفين.

وإنّما لم يكن المراد منه الاحتمال الموهوم (لأنّه) اي : الاحتمال في اول حدوثه متساوي الطرفين ، و (إنّما يصير موهوما بعد ملاحظة أصالة بقاء ما كان) اي : بعد ملاحظة الحالة السابقة وجريان الاستصحاب ، فانه بعد ذلك يصير احد طرفي الاحتمال ظنا والآخر وهما ، فهو إذن (نظير المشكوك الذي يراد الحاقه بالغالب ، فانّه) اي : المشكوك متساوي الطرفين ، وإنّما (يصير مظنونا بعد ملاحظة الغلبة).

مثلا : اذا كان غالب المسلمين يعملون صحيحا ، ونادر منهم يعملون فاسدا ، ثم رأينا انسانا لا نعرف انه من الغالب او من غير الغالب ، فيكون الأمر بالنسبة

٢٥٣

وعلى تقدير إرادة الاحتمال الموهوم ، كما ذكر المدقّق الخوانساري ، فلا يندفع به توهّم اجتماع الوهم واليقين المستفاد من عدم رفع الأوّل للثاني وإرادة اليقين السابق ، والشك اللاحق يغني عن إرادة خصوص الوهم من الشك.

______________________________________________________

الى هذا الانسان في بادئ الأمر مشكوكا يعني : متساوي الطرفين ، لكن بعد ملاحظتنا غلبة المسلمين على العمل الصحيح ، يصير صحة عمله لنا مظنونا ، وفساد عمله عندنا موهوما ، واذا كان كذلك ، فيكون مراد المشهور من الشك هو : المتساوي الطرفين ، لا الموهوم ، ومتساوي الطرفين لا يجتمع مع العلم كما انه لا يجتمع مع الظن ايضا ، فيكون اشكال عدم اجتماع الظن مع الشك واردا عليه.

هذا (وعلى تقدير إرادة الاحتمال الموهوم) من الشك في كلام الشهيد (كما ذكر المدقّق الخوانساري) ذلك ايضا في توجيه كلام الشهيد وذلك دفعا للتناقض (فلا يندفع به) اي : بهذا التوجيه التناقض الموجود هنا ، وهو : (توهّم اجتماع الوهم واليقين المستفاد من عدم رفع الأوّل) اي : الوهم (للثاني و) هو اليقين ، بينما (إرادة اليقين السابق ، والشك اللاحق) منه كاف لرفع التناقض فهو كما قال : (يغني عن إرادة خصوص الوهم من الشك).

إذن : فالتناقض المتوهم في كلام الشهيد ، لا يصح دفعه بحمل الشك على الوهم كما صنعه الخوانساري ، وإنّما يندفع بارادة تعدّد زمان اليقين والشك كما ذكره الشهيد.

ومن المعلوم : انه لو كان زمان اليقين والشك مختلفين ، فلا يبقى معه حاجة الى حمل الشك على الوهم حتى يقال : بأنّ اليقين يراد به الظن ، والشك يراد

٢٥٤

وكيف كان : فما ذكره المورد من اشتراك الظنّ واليقين في عدم الاجتماع مع الشك مطلقا ـ في محلّه.

فالأولى أن يقال : إنّ قولهم : «اليقين لا يرفعه الشك» ، لا دلالة فيه على اجتماعهما في زمان واحد ، إلّا من حيث الحكم في تلك القضية بعدم الرفع.

ولا ريب أنّ هذا ليس إخبارا عن الواقع ، لانّه كذب ، وليس حكما شرعيّا بابقاء نفس اليقين أيضا ، لأنّه غير معقول ،

______________________________________________________

به الوهم وهما يجتمعان.

(وكيف كان : فما ذكره المورد) في الايراد على الشهيد : (من اشتراك الظنّ واليقين في عدم الاجتماع مع الشك مطلقا) اي : مع الشك الاعم من الموهوم وان اجتمع مع الشك الموهوم (في محلّه) وذلك لأنّ الشك يعني : تساوي الطرفين وكل من اليقين والظن رجحان احد الطرفين ، ومن المعلوم : انه لا يعقل اجتماع تساوي الطرفين مع رجحان احد الطرفين في مكان واحد.

إذن : (فالأولى أن يقال : إنّ قولهم : «اليقين لا يرفعه الشك») لا لوهم تناقضا في الكلام كي يكون بحاجة الى توجيه ، وذلك لانه (لا دلالة فيه على اجتماعهما) اي : اليقين والشك (في زمان واحد ، إلّا من حيث الحكم في تلك القضية بعدم الرفع) اي : الحكم ببقاء الآثار لليقين السابق حتى بعد الشك.

هذا (ولا ريب أنّ هذا) الكلام وهو قولهم : «اليقين لا يرفعه الشك» (ليس إخبارا عن الواقع ، لانّه كذب) اذ من المعلوم : ان الانسان اذا شك في شيء ارتفع يقينه عن ذهنه بلا اختيار ارتفاعا تكوينيا (وليس حكما شرعيّا بابقاء نفس اليقين أيضا ، لأنّه) اي : أمر الشارع بابقاء نفس اليقين في حال شكه (غير معقول) أيضا ،

٢٥٥

وإنّما هو حكم شرعي ، لعدم رفع آثار اليقين السابق بالشك اللاحق ، سواء كان احتمالا متساويا أو مرجوحا.

______________________________________________________

لانه ليس بيد الشارع رفعه او وضعه (وإنّما هو حكم شرعي لعدم رفع آثار اليقين السابق) كجواز الدخول في الصلاة فيما اذا كان سابقا متطهرا (بالشك اللاحق) في انه هل بقي على طهارته ام لا؟ (سواء كان) الشك اللاحق (احتمالا متساويا او مرجوحا) أو راجحا.

٢٥٦

خاتمة

ذكر بعضهم للعمل بالاستصحاب شروطا : كبقاء الموضوع وعدم المعارض ووجوب الفحص.

والتحقيق رجوع الكلّ الى شروط جريان الاستصحاب.

وتوضيح ذلك أنّك قد عرفت : أنّ الاستصحاب عبارة عن إبقاء ما شك في بقائه ، وهذا لا يتحقّق إلّا مع الشك في بقاء القضية المحقّقة في السابق بعينها في الزمان اللاحق ، والشك على هذا الوجه لا يتحقق إلّا بأمور.

الأوّل :

بقاء الموضوع في الزمان اللاحق ،

______________________________________________________

(خاتمة : ذكر بعضهم للعمل بالاستصحاب شروطا : كبقاء الموضوع) ولو عرفا (وعدم المعارض) أي : عدم معارضة استصحاب لاستصحاب آخر (ووجوب الفحص) عن الدليل ، فانه اذا كان هناك دليل لم يكن استصحاب.

هذا (والتحقيق رجوع الكلّ) أي : كل هذه الشروط (الى شروط جريان الاستصحاب) وتحقق مفهومه ، لا الى شروط تحقق حجية الاستصحاب وصحة العمل به (وتوضيح ذلك) على ما يلي :

(أنّك قد عرفت : أنّ الاستصحاب عبارة عن ابقاء ما شك في بقائه ، وهذا) المفهوم (لا يتحقق إلّا مع الشك في بقاء القضية المحقّقة في السابق بعينها في الزمان اللاحق ، و) ذلك بأن يكون موضوع القضية المتيقنة والمشكوكة واحدا.

ومن المعلوم : ان (الشك على هذا الوجه لا يتحقق إلّا بأمور) تالية :

(الأوّل : بقاء الموضوع) بجميع قيوده وأجزائه وشرائطه (في الزمان اللاحق)

٢٥٧

والمراد به معروض المستصحب ، فاذا اريد استصحاب قيام زيد أو وجوده ، فلا بدّ من تحقّق زيد في الزمان اللاحق على النحو الذي كان معروضا في السابق سواء كان تحقّقه في السابق بتقرّره ذهنا أو بوجوده خارجا.

______________________________________________________

على ما كان عليه في الزمان السابق ، فاذا أردنا ـ مثلا ـ ان نستصحب وجوب اكرام زيد العالم ، فلا بد من احراز وجود زيد وعلمه في الآن الثاني ، وإنّما الشك في الآن الثاني يكون في انه هل يكرم او لا يكرم؟ فاللازم حينئذ ان يكون زيد العالم موجودا حتى نستصحب وجوب اكرامه.

(والمراد به) أي : بالموضوع (معروض المستصحب) والمستصحب في مثالنا هو : وجوب الاكرام ، ومعروضه هو : زيد العالم ، والمعروض هو : القابل لأن يحكم عليه بالمستصحب يعني : بوجوب الاكرام ، وبخلاف المستصحب يعني : بعدم وجوب الاكرام وذلك كما في مثال : وجوب إكرام زيد العالم ، وهذا مثال كون المعروض على نحو مفاد كان الناقصة بان كان موجودا في الخارج ثم حكم باكرامه ، واذا كان المعروض على نحو مفاد كان التامة بان يكون صرف الماهية كزيد في مثال : كان زيد موجودا ، فان المعروض هو زيد الذهني القابل لان يحكم عليه ، فالمعروض إذن في كلا الصورتين يلزم بقاؤه لاحقا على ما كان عليه سابقا من الخارجية أو الذهنية.

وعليه : (فاذا اريد استصحاب قيام زيد) وهو مفاد كان الناقصة (أو وجوده) وهو مفاد كان التامة (فلا بدّ من تحقّق زيد في الزمان اللاحق على النحو الذي كان معروضا في السابق) من الخارجية والذهنية ، كما قال : (سواء كان تحقّقه في السابق بتقرّره ذهنا) فيما اذا اردنا استصحاب وجود زيد (أو بوجوده خارجا)

٢٥٨

فزيد معروض للقيام في السابق بوصف وجوده الخارجي وللوجود بوصف تقرّره ذهنا ، لا وجوده الخارجي.

وبهذا اندفع ما استشكله بعض في أمر كلّية اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب ،

______________________________________________________

فيما اذا اردنا استصحاب قيامه او وجوب اكرامه.

إذن : (فزيد معروض للقيام في السابق بوصف وجوده الخارجي و) هو معروض (للوجود بوصف تقرّره ذهنا ، لا) بوصف (وجوده الخارجي) وذلك لان زيدا الموجود في الذهن هو الذي يمكن ان يوجد في الخارج او لا يوجد ، وامّا زيد الموجود في الخارج ، فلا معنى لوجوده ثانيا.

والحاصل : إنّا اذا اردنا استصحاب وجود زيد فنقول : زيد الذهني الذي كان موجودا في الآن الاول وشككنا في وجوده في الآن الثاني مع احتمال وجوده وعدم وجوده نستصحب وجوده ، وإنّما قلنا : زيد الذهني ، لانه هو القابل لان يحكم عليه بالوجود الخارجي وبالعدم الخارجي ، وامّا اذا اردنا استصحاب وجوب اكرامه فنقول : زيد الموجود في الخارج الذي كان واجب الاكرام في الآن الاول وشككنا في وجوب اكرامه في الآن الثاني مع احتمال انه يجب اكرامه او لا يجب ، نستصحب وجوب اكرامه.

وبعبارة اخرى : إنّا اذا اردنا استصحاب الموضوع يلزم ان يكون له وجود ذهني ، واذا اردنا استصحاب الحكم يلزم ان يكون للموضوع وجود خارجي.

(وبهذا) التفسير المتقدّم للموضوع (اندفع ما استشكله بعض في أمر كلّية اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب) حيث قال : ان هذه الكلية غير صحيحة ،

٢٥٩

بانتقاضها باستصحاب وجود الموجودات عند الشك في بقائها زعما منه : أنّ المراد ببقائه وجوده الخارجي الثانوي ، وغفلة عن أنّ المراد : وجوده الثانوي على نحو وجوده الأوّلي الصالح ، لأن يحكم عليه بالمستصحب وبنقيضه ،

______________________________________________________

وذلك (بانتقاضها) اي : بسبب انتقاض هذه الكلية (باستصحاب وجود الموجودات عند الشك في بقائها) فانه اذا شككنا ـ مثلا ـ في بقاء زيد وعدم بقائه لا معنى لاستصحابه على قول هذا الزاعم ، وذلك (زعما منه : أنّ المراد ببقائه) اي : ببقاء الموضوع هو : (وجوده الخارجي الثانوي) الواقع في الزمان الثاني ، يعني : في زمان الشك.

والحاصل : ان المستشكل توهّم ان المراد من احراز الموضوع الذي ذكره الفقهاء شرطا لجريان الاستصحاب هو : احراز بقاء الموضوع الخارجي ، ولذلك قال : هذا إنّما يتم في مثل استصحاب قيام زيد ، وذلك لأنه يمكن ان يكون زيد الموجود في الزمان الثاني قائما او غير قائم فيجري الاستصحاب عند الشك فيه ، وبينما لا يتم هذا في مثل استصحاب وجود زيد وذلك لانه لا يمكن ان يكون زيد الموجود في الزمان الثاني موجودا بوجود ثان ، فانه مع احراز بقائه لا يبقى مجال للشك في وجوده حتى يجري الاستصحاب ، ومع احراز عدم بقائه فهو مقطوع العدم ، فلا معنى إذن للاستصحاب فيه.

وعليه : فتوهّم المستشكل بأنّ المراد من بقاء الموضوع هو وجوده الخارجي في كل صورة ، أوقعه في هذا الاشكال (و) ذلك (غفلة عن أنّ المراد : وجوده الثانوي على نحو وجوده الأوّلي الصالح لأن يحكم عليه بالمستصحب وبنقيضه) فزيد الموجود خارجا صالح لان يحكم عليه بالقيام وبعدم القيام : كما ان زيدا

٢٦٠