الوصائل إلى الرسائل - ج ١٣

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-13-9
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

ولهذا لو حلف على ترك أحدهما لم يحنث بأكل الآخر.

والظاهر : أنّهم لا يحتاجون في إجراء الاحكام المذكورة الى الاستصحاب.

ومن الثاني : إجراء حكم بول غير المأكول اذا صار بولا لمأكول ، وبالعكس ، وكذا صيرورة الخمر خلا ، وصيرورة الكلب أو الانسان جمادا بالموت ،

______________________________________________________

مكان الآخر مجازا ، فاذا قال المولى لعبده ـ مثلا ـ : اشتر العنب لا يشتري الزبيب ، وكذلك العكس ، او قال له : اشتر الرطب لا يشتري التمر ، وكذا العكس (ولهذا لو حلف على ترك أحدهما لم يحنّث بأكل الآخر) اللهم الّا اذا كان مرتكز ذهنه الأعم منه ، (و) لكن مع كل ذلك فان (الظاهر : أنّهم لا يحتاجون في إجراء الاحكام المذكورة) التي يجرونها من العنب الى الزبيب ، ومن الرطب الى التمر (الى الاستصحاب) بل يرون ان حكم العنب هو حكم الزبيب ، وهكذا.

(ومن الثاني) : وهو ما يحتاج اثبات الحكم في الحالة الثانية الى الاستصحاب (إجراء حكم بول غير المأكول اذا صار بولا لمأكول ، وبالعكس) وذلك للشك في جريان دليل العنوان الاول للتغيّر الحاصل في الحال الثاني ، فيحتاج لاثباته الى الاستصحاب.

(وكذا صيرورة الخمر خلا) والخل خمرا ـ مثلا ـ فانه بحاجة الى الاستصحاب لا ثبات دليل العنوان الاول في الحال الثاني.

(و) هكذا (صيرورة الكلب أو الانسان جمادا بالموت) وقال : صيرورتهما جمادا بالموت مقابل استحالتهما الى التراب والملح ونحوهما ، لأنّه بالاستحالة يرى العرف انتفاء الموضوع ، بينما لا يرى العرف ذلك بمجرد الموت ، غير انه

٣٠١

إلّا أنّ الشارع حكم في بعض هذه الموارد بارتفاع الحكم السابق ، إمّا للنص الخاص كما في الخمر ، وإمّا لعموم ما دلّ على حكم المنتقل اليه ، فانّ الظاهر أنّ استفادة طهارة المستحال اليه اذا كان بولا لمأكول ، ليس من أصالة الطهارة بعد عدم جريان الاستصحاب ، بل هو من الدليل ، نظير استفادة نجاسة بول المأكول إذا صار بولا لغير مأكول.

______________________________________________________

يشك في جريان دليل عنوانيهما ، فيثبته لهما بالاستصحاب ، وذلك بعد رؤيته بقاء الموضوع في الامثلة الثلاثة المذكورة رغم التغيّر الحاصل فيها.

(إلّا أنّ) مراجعة الأدلة الشرعية قد لا تسمح باجراء الاستصحاب ، وذلك لأن (الشارع حكم في بعض هذه الموارد بارتفاع الحكم السابق ، إمّا للنص الخاص كما في الخمر) الذي انقلب خلا.

(وإمّا لعموم ما دلّ) اي : للدليل العام الدال (على حكم المنتقل اليه) فان العرف حيث يرى موضوعا جديدا بسبب الاستحالة ان يرى هذا الموضوع الجديد داخل في حكم هذا العموم الجديد ، مثل عموم نجاسة الميتة او الخمر بعد انتفاء موضوع الانسان او الخل باستحالة الانسان ميتة والخمر خلا.

وعليه : (فانّ الظاهر) من انتفاء الموضوع العرفي بالاستحالة هو : (أنّ استفادة طهارة المستحال اليه اذا كان بولا لمأكول ، ليس من أصالة الطهارة بعد عدم جريان الاستصحاب) فان الاستصحاب لا يجري لانتفاء الموضوع العرفي بالاستحالة (بل هو من الدليل) الدال على طهارة بول الحيوان المأكول اللحم ، فهو (نظير استفادة نجاسة بول المأكول) اللحم الذي هو طاهر (إذا صار بولا لغير مأكول) اللحم ، وذلك كما اذا اشرب الكلب بول الشاة فصار بولا للكلب ، حيث انه خرج عن الموضوع الاول الطاهر ، ودخل في الموضوع الثاني النجس.

٣٠٢

ومن الثالث : استحالة العذرة أو الدهن المتنجس دخانا ، والمنيّ حيوانا.

ولو نوقش في بعض الأمثلة المذكورة ، فالمثال غير عزيز على المتتبّع المتأمّل.

______________________________________________________

ومنه يعلم : حال ما اذا اخذ جزء من انسان او حيوان ووصل بانسان او حيوان آخر ، وكان أحدهما طاهرا كالمسلم والشاة ، والآخر نجسا كالكافر والكلب ، فإنّ النجاسة والطهارة فيهما تابعتان للحيوان او الانسان المنتقل اليه ، وكذلك في الحل والحرمة اذا صار ذلك الجزء جزءا من الحلال او الحرام ، فان ذلك مثل : البول الذي يتحول من الحرام الى الحلال ، او الحلال الى الحرام ، ومن الطاهر الى النجس ، ومن النجس الى الطاهر (١).

(ومن الثالث) وهو الذي لا يجري العرف فيه الاستصحاب ايضا لانه لا يحكم بجريان دليل العنوان الاول فيه لتبدّل الموضوع (استحالة العذرة أو الدهن المتنجس دخانا ، والمنيّ حيوانا) والكلب ملحا ، وغير ذلك من الامثلة التي يرى العرف تبدل الموضوع فيها ، فلا يجري فيها الاستصحاب لذلك.

هذا (ولو نوقش في بعض الأمثلة المذكورة) وانه هل هو من القسم الاول او الثاني او الثالث؟ (فالمثال غير عزيز على المتتبّع المتأمّل) فان مقصودنا هنا هو :

تقسيم الموضوع بعد الاستحالة بغيره الى الأقسام الثلاثة ، وليس مقصودنا خصوصية الأمثلة المذكورة.

كما انه لو شك في تحقق الاستحالة وعدمه ، يستصحب الحكم السابق ، فاذا امتصّ البعوض دم الانسان ـ مثلا ـ وقبل انفصاله وطيرانه قتله في مكان ، حيث يشك في انه هل استحال دمه الى دمه ام لا؟ فتستصحب النجاسة.

__________________

(١) ـ وقد تطرّق الامام الشارح الى أشباه هذه المسائل في كتابه «المسائل المتجددة».

٣٠٣

ومما ذكرنا يظهر : أنّ معنى قولهم : «الأحكام تدور مدار الأسماء» : أنّها تدور مدار أسماء موضوعاتها التي هي المعيار في وجودها وعدمها.

فاذا قال الشارع : «العنب حلال» ، فان ثبت كون الموضوع هو مسمّى هذا الاسم دار الحكم مداره ، فينتفي عند صيرورته زبيبا.

أمّا اذا علم من العرف أو غيره أنّ الموضوع هو الكلّي الموجود في العنب المشترك بينه وبين الزبيب أو بينهما وبين العصير دار الحكم مداره أيضا.

______________________________________________________

(ومما ذكرنا) من تحكيم العرف في موضوع الاستصحاب بعد الاستحالة واختلاف رؤيته له ، وتقسيم مراتبه الى ثلاثة اقسام (يظهر : أنّ معنى قولهم : «الأحكام تدور مدار الأسماء» : أنّها تدور مدار أسماء موضوعاتها) العرفية (التي هي المعيار في وجودها) اي : وجود تلك الاحكام (وعدمها) اي : عدم تلك الاحكام فليس المراد دورانها مدار الاسماء المذكورة في لسان الدليل ، او الاسماء بالدقة العقلية ، وإنّما المراد : العرفية على ما عرفت.

وعليه : (فاذا قال الشارع : «العنب حلال» ، فان ثبت كون الموضوع هو مسمّى هذا الاسم) كالمسمّى بالعنب بما هو عنب مثلا (دار الحكم مداره) اي : مدار الاسم (فينتفي عند صيرورته زبيبا) لأن الزبيب ليس بعنب ، كما ذكرنا في مثال النذر.

(أمّا اذا علم من العرف أو غيره) كابلاغ الشارع بسبب اجماع او شبهه : (أنّ الموضوع هو الكلّي الموجود في العنب) اي : الجنس (المشترك بينه) اي : بين العنب (وبين الزبيب) فقط ، بدون التعدّي الى العصير (أو بينهما وبين العصير) أيضا ، او بينها وبين مسحوقه بعد اليبس (دار الحكم مداره أيضا) فينتفي عند

٣٠٤

نعم ، يبقى دعوى : «أنّ ظاهر اللفظ في مثل القضيّة المذكورة كون الموضوع هو العنوان ، وتقوّم الحكم به المستلزم لانتفائه بانتفائه.

لكنّك عرفت : أنّ العناوين مختلفة ، والأحكام أيضا مختلفة.

وقد تقدّم حكاية بقاء نجاسة الخنزير المستحيل ملحا عن أكثر أهل العلم واختيار الفاضلين له.

______________________________________________________

انتفاء هذا القدر المشترك ، كما اذا صار دخانا او خلا او رمادا او ترابا.

(نعم ، يبقى دعوى : «أنّ ظاهر اللفظ في مثل القضيّة المذكورة) التي ذكرها الشارع بقوله : العنب حلال (كون الموضوع هو العنوان ، وتقوّم الحكم به) اي : بهذا العنوان الذي ورد في النص (المستلزم لانتفائه) اي : انتفاء الموضوع (بانتفائه) اي : بانتفاء العنوان ومعه ينتفي الحكم فلا استصحاب.

ان قيل ذلك قلت : (لكنّك عرفت : أنّ العناوين مختلفة ، والأحكام أيضا مختلفة) فربّ عنوان يعمّمه العرف فيجري في المنتقل اليه نفسه الحكم الاول بلا حاجة الى الاستصحاب ، ورب ، عنوان لا يعمّمه العرف فيحتاج فيه الى الاستصحاب ، ورب عنوان يرى العرف ان لا استصحاب فيه ايضا لانتفاء الموضوع عنده بانتفاء عنوانه ، وقد عرفت سابقا مثال اختلاف الاحكام عند قول المصنّف قبل عدة صفحات : «بل الاحكام ايضا مختلفة».

هذا (وقد تقدّم حكاية بقاء نجاسة الخنزير المستحيل ملحا عن أكثر أهل العلم واختيار الفاضلين له) اي : لبقاء النجاسة في الخنزير المستحيل الى الملح ، ولكنك كما عرفت : ان المتقدّم كان هو نجاسة الكلب المستحيل ملحا لا الخنزير فلعل جعل الخنزير مكانه من اشتباه النسّاخ ، او ان الخنزير كان مذكورا ايضا في الكلام المتقدّم لكن اسقط منه سهوا.

٣٠٥

ودعوى «احتياج استفادة غير ما ذكر من ظاهر اللفظ الى القرينة الخارجيّة ، وإلّا فظاهر اللفظ كون القضية ما دام الوصف العنواني» ، لا يضرّنا فيما نحن بصدده ، لأن المقصود مراعاة العرف في تشخيص الموضوع ، وعدم الاقتصار في ذلك على ما يقتضيه العقل على وجه الدقّة ولا على ما يقتضيه الدليل اللفظي ، اذا كان العرف بالنسبة الى القضية الخاصة على خلافه.

______________________________________________________

(و) كيف كان : فان قلت : ان ما ذكرته وان كان تاما ، لكنه محتاج الى قرينة خارجية ، والّا فظاهر اللفظ هو إناطة الحكم بالموضوع الظاهر في الوصف العنواني.

قلت : (دعوى «احتياج استفادة غير ما ذكر من ظاهر اللفظ الى القرينة الخارجيّة) لتدل تلك القرينة الخارجية من عقل او نقل ، في لفظ او خارج لفظ على خلاف ظاهره (وإلّا فظاهر اللفظ) هو : (كون القضية ما دام الوصف العنواني») فيدور الحكم مدار العنوان هذا الادّعاء (لا يضرّنا فيما نحن بصدده) الآن من بيان كون المعيار هو الفهم العرفي.

وإنّما لا يضرّنا هذا الادعاء (لأن المقصود) هنا كما عرفت هو : (مراعاة العرف في تشخيص الموضوع ، وعدم الاقتصار في ذلك على ما يقتضيه العقل على وجه الدقّة) لأنّ الشارع انّما يتكلم على مقتضى العرف.

(ولا) الاقتصار (على ما يقتضيه الدليل اللفظي ، اذا كان العرف بالنسبة الى القضية الخاصة) وفي مورد خاص من موارد كلام الشارع (على خلافه) اي :

على خلاف الدليل اللفظي.

إذن : فالمتبع هو فهم العرف ، لا اللفظ ، ولا الدقة العقلية.

٣٠٦

وحينئذ : فيستقيم أن يراد من قولهم : «إنّ الأحكام تدور مدار الأسماء» : أنّ مقتضى ظاهر دليل الحكم تبعية ذلك الحكم لاسم الموضوع الذي علّق عليه الحكم في ظاهر الدليل ، فيراد من هذه القضية تأسيس أصل قد يعدل عنه بقرينة فهم العرف أو غيره ، فافهم.

______________________________________________________

وعليه : فاذا قال المولى : اقطع لسانه فيمن يطلب من المولى معونة ، او اقطع رجله فيمن يزاحم المولى بمجيئه كل يوم اليه ، او اقطع يده فيمن يتصرّف في اموال المولى بما لا ينبغي ، يفهم العرف : ان المولى يريد ان يقول لعبده : أعطه شيئا حتى لا يطلب ، او انصحه بأن لا يأتي الى المولى كل يوم ، أو عظه بأن لا يتصرف في اموال المولى ، الى غير ذلك من امثال هذه الأمثلة.

(وحينئذ) اي : حين قلنا : بأن اللفظ هو المعيار ، لكن حسب فهم العرف (فيستقيم أن يراد من قولهم : «إنّ الأحكام تدور مدار الأسماء» : أنّ مقتضى ظاهر دليل الحكم) لو لم يقم دليل خارجي من عقل او نقل في لفظ او خارج لفظ على خلافه ، هو : (تبعية ذلك الحكم لاسم الموضوع الذي علّق عليه الحكم في ظاهر الدليل) فتكون الاحكام دائرة مدار الأسماء حسب فهم العرف ، لا الأسماء حسب الفهم اللغوي الجاف.

وعليه : (فيراد من هذه القضية) اي : قضية كون الحكم يدور مدار اسماء موضوعاتها هو : (تأسيس أصل قد يعدل عنه بقرينة فهم العرف أو غيره) اي : غير العرف كإخبار الشارع بنفسه ، فاذا اخبر الشارع ، أو فهم العرف من العنب ما يعم الزبيب ، ومن الرطب ما يعم التمر ، ومن الحنطة ما يعم الدقيق ، فالحكم يدور مدار اللفظ لكن بضميمة فهم العرف أو إخبار الشارع نفسه.

(فافهم) ولعله اشارة الى ان المعيار هو : فهم العرف من اللفظ ، لا ان اللفظ

٣٠٧

الأمر الثاني :

مما يعتبر في تحقّق الاستصحاب أن يكون في حال الشك متيقّنا بوجود المستصحب في السابق ، حتى يكون شكّه في البقاء.

فلو كان الشك في تحقّق نفس ما تيقّنه سابقا ـ كأن تيقّن عدالة زيد في زمان كيوم الجمعة ـ مثلا ـ ثم شك في نفس هذا المتيقّن ، وهو عدالة زيد يوم الجمعة ، بأن زال مدرك اعتقاده السابق فشك في مطابقته للواقع ، أو كونه جهلا

______________________________________________________

هو المعيار باستثناء ما اذا فهم العرف غيره ، وحينئذ فلا يتم ما قاله المصنّف : «فيراد من هذه القضية تأسيس أصل قد يعدل عنه بقرينة فهم العرف».

هذا كله تمام الكلام في الأمر الاول من خاتمة الاستصحاب ، وكان في بيان اشتراط بقاء الموضوع في الزمان الثاني وهو زمان الاستصحاب.

(الأمر الثاني) : في بيان ان روايات الاستصحاب لا تشمل قاعدة اليقين ، وذلك لأنّ (مما يعتبر في تحقّق) مفهوم (الاستصحاب) الثابت بالأخبار هو :

(أن يكون في حال الشك متيقّنا بوجود المستصحب) اي : المتيقن (في السابق ، حتى يكون شكّه في البقاء) فقط ، لا في نفس المتيقّن حال تيقنه به.

وعليه : (فلو كان الشك في تحقّق نفس ما تيقّنه سابقا) وذلك ، (كأن تيقّن عدالة زيد في زمان كيوم الجمعة ـ مثلا ـ ثم شك في نفس هذا المتيقّن ، وهو عدالة زيد يوم الجمعة ، بأن) شك يوم السبت في ان يقينه بعدالة زيد في يوم الجمعة هل كان صحيحا ، أو لم يكن صحيحا؟ لاستناده ـ مثلا ـ الى قول من لا يوجب اليقين ولذلك (زال مدرك اعتقاده السابق) ، الذي اعتقد بسببه عدالة زيد يوم الجمعة (فشك في مطابقته) اي : مطابقة اعتقاده السابق (للواقع ، أو كونه جهلا

٣٠٨

مركّبا ـ لم يكن هذا من مورد الاستصحاب لغة ، ولا اصطلاحا.

أمّا الأوّل : فلأنّ الاستصحاب لغة : أخذ الشيء مصاحبا ، فلا بدّ من إحراز ذلك حتى يأخذه مصاحبا ، فاذا شك في حدوثه من أصله فلا استصحاب.

______________________________________________________

مركّبا) لا واقع له في ذلك الحين؟.

إذن : فلو شك في مورد بأن يقينه السابق كان مطابقا للواقع ام لا ، وذلك بان سرى الشك الى نفس اليقين (لم يكن هذا) المورد المسمّى بالشك الساري والمعروف بقاعدة اليقين (من مورد الاستصحاب لغة ، ولا اصطلاحا) وانّما هو مورد لقاعدة اليقين ، ولا ربط له بالاستصحاب.

(أمّا الأوّل) : وهو انه ليس من مورد الاستصحاب لغة (فلأنّ الاستصحاب لغة : أخذ الشيء مصاحبا ، فلا بدّ من إحراز ذلك) الشيء أوّلا في مكانه ، كاحراز العدالة لزيد في يوم الجمعة اولا (حتى يأخذه مصاحبا) معه ثانيا في يوم السبت عند الشك فيه.

وعليه : (فاذا شك في حدوثه) اي : حدوث الشيء وهو ـ مثلا ـ عدالة زيد يوم الجمعة (من أصله) لا في بقائه الى يوم السبت بعد تسليم أصله (فلا استصحاب) لانه لا يقين سابق حتى يستصحب ، فانّ اليقين السابق قد تزلزل بعد سراية الشك اليه.

أقول : الاستصحاب لغة من باب الاستفعال ، وهو طلب ـ كما قالوا ـ فالاستصحاب لغة معناه : طلب الصحبة ، وإنّما قيل للاستصحاب الاصطلاحي : استصحابا ، لان المستصحب لا يعلم هل صحبه ذلك واقعا او لم يصحبه؟ فهو يطلب صحبة طهارته السابقة ، ومعنى طلب الصحبة : ترتيب الآثار.

٣٠٩

وأمّا اصطلاحا : فلانّهم اتفقوا على أخذ الشك في البقاء أو ما يؤدّي هذا المعنى في معنى الاستصحاب.

نعم ، لو ثبت أنّ الشك بعد اليقين بهذا المعنى ملغى في نظر الشارع ، فهي قاعدة اخرى مباينة للاستصحاب ، سنتكلّم فيها ، بعد دفع توهّم

______________________________________________________

(وأمّا) الثاني : وهو انه ليس من مورد الاستصحاب (اصطلاحا : فلانّهم اتفقوا على أخذ الشك في البقاء) ولذلك قالوا : يقين سابق وشك لاحق (أو ما يؤدّي هذا المعنى) مثل تعريفهم له : بانه ابقاء ما كان ، او ابقاء ما كان على ما كان ، فالشك إذن (في معنى الاستصحاب) مأخوذ في البقاء لا في الحدث ، فاذا سرى الشك الى يوم الجمعة في المثال المتقدّم لم يكن الشك في البقاء ، وإنّما كان الشك في الحدوث.

(نعم ، لو ثبت أنّ الشك بعد اليقين بهذا المعنى) اي : بمعنى قاعدة اليقين والشك الساري ، كالشك بعد اليقين بمعنى الاستصحاب والشك الطاري ، (ملغى في نظر الشارع) يعني : كما ان الشارع لا يعتني بالشك الطارئ على اليقين المسمّى بقاعدة الاستصحاب ، كذلك كان لا يعتني بالشك الساري الى نفس اليقين المسمّى بقاعدة اليقين ، وذلك بان قال ـ مثلا ـ : لو تيقّن عدالة زيد يوم الجمعة ثم شك يوم السبت في نفس اليقين وانه هل كان اليقين في وقته صحيحا ام لا؟ فلا يعتنى بهذا الشك ، بل يحكم بعدالة زيد حينه ، اذا كان كذلك ، فهذه قاعدة ثانية غير الاستصحاب.

وعليه : فاذا اثبت الغاء الشارع هذا الشك ايضا (فهي قاعدة اخرى) تسمّى بقاعدة اليقين ، كما تسمّى بالشك الساري ، وهي (مباينة) كليا (للاستصحاب).

هذا ولا يخفى : انا (سنتكلّم فيها) اي : في قاعدة اليقين (بعد دفع توهّم

٣١٠

من توهّم أنّ أدلة الاستصحاب يشملها وأنّ مدلولها لا يختص بالشك في البقاء ، بل الشك بعد اليقين ملغى مطلقا ، سواء تعلّق بنفس ما تيقّنه سابقا أم ببقائه.

وأوّل من صرّح بذلك الفاضل السبزواري في الذخيرة في مسألة : من شك في بعض أفعال الوضوء حيث قال : «والتحقيق أنّه فرغ من الوضوء متيقّنا للإكمال ثمّ عرض له الشك ، فالظاهر :

______________________________________________________

من توهّم أنّ أدلة الاستصحاب يشملها) اي : يشمل قاعدة اليقين (وأنّ مدلولها) اي : مدلول ادلة الاستصحاب (لا يختص بالشك في البقاء ، بل) يشمل الشك في الحدوث ايضا.

وبعبارة اخرى : مدلول أدلة الاستصحاب هو : ان (الشك بعد اليقين ملغى مطلقا) فعلى الشاك العمل بحسب اليقين السابق (سواء تعلّق) شكه اللاحق (بنفس ما تيقّنه سابقا) من عدالة زيد يوم الجمعة حيث تزلزل يقينه بها ممّا يسمّى بقاعدة اليقين (أم ببقائه) واستمرار ما تيقنه سابقا من عدالة زيد يوم الجمعة حيث ان ما تيقنه محرز في وقته ، وإنّما يشك في استمراره الى يوم السبت ممّا يسمّى بقاعدة الاستصحاب.

(وأوّل من صرّح بذلك) التوهّم المذكور وقال : ان ادلة الاستصحاب تشمل قاعدة الاستصحاب وقاعدة اليقين معا هو (الفاضل السبزواري في الذخيرة في مسألة : من شك في بعض أفعال الوضوء حيث قال : «والتحقيق أنّه فرغ من الوضوء متيقّنا للإكمال) وقاطعا بانه قد أكمل وضوءه (ثمّ عرض له الشك) في انه هل أكمل وضوءه ام لا؟ بأن سرى شكه الى ما تيقّنه ، قال : (فالظاهر :

٣١١

عدم وجوب اعادة شيء لصحيحة زرارة : «ولا تنقض اليقين ابدا بالشك» ، انتهى.

ولعلّه قدس سرّه تفطّن له من كلام الحلّي في السرائر ، حيث استدلّ على المسألة المذكورة ب «أنّه لا يخرج عن حال الطهارة إلّا على يقين من كمالها ، وليس ينقض الشك اليقين» ، انتهى.

لكن هذا التعبير من الحلّي لا يلزم أن يكون استفادة من أخبار عدم نقض اليقين بالشك.

______________________________________________________

عدم وجوب اعادة شيء لصحيحة زرارة : «ولا تنقض اليقين ابدا بالشك (١)» (٢)) وهي من ادلة الاستصحاب فاستدل بها على قاعدة اليقين.

(انتهى) كلام الفاضل السبزواري (ولعلّه) اي : الفاضل المذكور (قدس سرّه تفطّن له) اي : لشمول ادلة الاستصحاب لقاعدة اليقين (من كلام) ابن ادريس (الحلّي في السرائر ، حيث استدلّ على المسألة المذكورة) وهي : ما اذا خرج من الوضوء متيقّنا بالاكمال ، ثم عرض له الشك في انه هل أكمل وضوءه ام لا؟ قال : (ب «أنّه لا يخرج عن حال الطهارة إلّا على يقين من كمالها) لفرض انه في حال الوضوء قد تيقّن كماله (وليس ينقض الشك اليقين» (٣) ، انتهى) كلام ابن ادريس ، وهو ظاهر في قاعدة اليقين.

(لكن هذا التعبير من الحلّي لا يلزم أن يكون استفادة من أخبار عدم نقض اليقين بالشك) اي : من اخبار الاستصحاب ، اذ لعلّ ابن ادريس فهم الشك الساري من ادلّة أخر.

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٨ ب ١ ح ١١ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٢٤٥ ب ١ ح ٦٣١.

(٢) ـ ذخيرة المعاد : ص ٤٤.

(٣) ـ السرائر : ص ١٨.

٣١٢

ويقرب من هذا التعبير عبارة جماعة من القدماء.

لكنّ التعبير لا يلزم دعوى شمول الأخبار للقاعدتين ، على ما توهّمه غير واحد من المعاصرين ، وإن اختلفوا بين مدّع لانصرافها الى خصوص الاستصحاب وبين منكر له عامل بعمومه.

وتوضيح دفعه : أنّ المناط في القاعدتين مختلف ، بحيث لا يجمعهما مناط واحد ،

______________________________________________________

(ويقرب من هذا التعبير) اي : تعبير ابن ادريس (عبارة جماعة من القدماء) ايضا حيث ان ظاهرهم : عدم الاعتناء بالشك الساري والبقاء على اليقين السابق وان تزحزح اليقين السابق في مكانه.

(لكنّ التعبير) المذكور عن ابن ادريس وعن الجماعة على ما عرفت (لا يلزم دعوى شمول الأخبار) اي : اخبار الاستصحاب (للقاعدتين) : قاعدة الاستصحاب ، وقاعدة اليقين معا (على ما توهّمه) اي : توهّم الشمول (غير واحد من المعاصرين ، وإن اختلفوا) اي : اختلف المتوهّمون (بين مدّع لانصرافها) اي : انصراف الاخبار (الى خصوص الاستصحاب) وذلك لكثرة وجود موارد الاستصحاب ، بينما موارد قاعدة اليقين قليلة (وبين منكر له) اي : منكر لهذا الانصراف (عامل بعمومه) اي : بعموم أخبار الاستصحاب للقاعدتين : الاستصحاب واليقين معا.

(وتوضيح دفعه) اي : دفع توهّم شمول روايات الاستصحاب للقاعدتين هو : (أنّ المناط في القاعدتين مختلف ، بحيث لا يجمعهما مناط واحد) اضافة الى ان اللفظ لا يشمل معنيين ، وذلك اما لاستحالته كما يقوله الآخوند ، واما لانه خلاف الظاهر ولا يصار اليه الّا بدليل قطعي ، وهنا لا دليل قطعي عليه.

٣١٣

فانّ مناط الاستصحاب هو اتحاد متعلّق الشك واليقين ، مع قطع النظر عن الزمان ، لتعلّق الشك ببقاء ما تيقّن سابقا ، ولازمه كون القضية المتيقّنة ، أعني : عدالة زيد يوم الجمعة متيقّنة حين الشك أيضا من غير جهة الزمان.

ومناط هذه القاعدة اتحاد متعلّقيهما من جهة الزمان ، ومعناه : كونه في الزمان اللاحق شاكّا فيما تيقّنه سابقا

______________________________________________________

وكيف كان : (فانّ مناط الاستصحاب هو اتحاد متعلّق الشك واليقين ، مع قطع النظر عن الزمان ، لتعلّق الشك ببقاء ما تيقّن سابقا) فعدالة زيد التي هي متعلّق اليقين يوم الجمعة تكون هي بنفسها متعلق الشك يوم السبت.

(و) عليه : فاذا كان كذلك كان (لازمه) اي : لازم اتحاد متعلّق الشك واليقين مع قطع النظر عن الزمان هو : (كون القضية المتيقّنة ، أعني : عدالة زيد يوم الجمعة متيقّنة حين الشك أيضا) يعني : العدالة التي هي متعلق اليقين يوم الجمعة هي بنفسها بلا دخل لزمان الجمعة فيها متعلّق الشك في يوم السبت ، فالعدالة حين كونها مشكوكة لزيد متيقنة له ايضا لكن (من غير جهة الزمان) وامّا من جهة الزمان : فالمتيقّن كان في وقت وهو يوم الجمعة ، بينما المشكوك في وقت آخر وهو يوم السبت ، فمناط الاستصحاب اتحاد متعلق الشك واليقين لكن لا من جهة الزمان.

(ومناط هذه القاعدة) اي : قاعدة اليقين على العكس وهو : (اتحاد متعلّقيهما) اي : متعلق الشك واليقين (من جهة الزمان) فان عدالة زيد يوم الجمعة كانت متيقنة ثم صارت عدالة زيد يوم الجمعة في نفسها مشكوكة ، فمناط قاعدة اليقين على عكس قاعدة الاستصحاب ، لان في قاعدة الاستصحاب الاتحاد لا من جهة الزمان ، وفي قاعدة اليقين الاتحاد من جهة الزمان (ومعناه : كونه في الزمان اللاحق شاكّا فيما) اي : في نفس الذي (تيقّنه سابقا) من عدالة زيد شكا

٣١٤

بوصف وجوده في السابق.

فإلغاء الشك في القاعدة الاولى عبارة عن الحكم ببقاء المتيقّن سابقا من حيث انه متيقّن من غير تعرّض لحال حدوثه.

وفي القاعدة الثانية هو الحكم بحدوث ما تيقّن حدوثه من غير تعرّض لحكم ابقائه ،

______________________________________________________

فيه (بوصف وجوده في السابق) اي : في يوم الجمعة ، وهل انه كان حينها عادلا ام لا؟.

وعليه : (فإلغاء الشك في القاعدة الاولى) وهي قاعدة الاستصحاب (عبارة عن الحكم ببقاء) عدالة زيد يوم الجمعة الذي هو (المتيقّن سابقا من حيث انه متيقّن) في نفسه وابقائه الى يوم السبت (من غير تعرّض لحال حدوثه) اي : حدوث المتيقّن في يوم الجمعة من عدالة زيد وهل انه كان حينها عادلا ام لا؟ لان المفروض : ان عدالة زيد في يوم الجمعة محرزة حينها في يوم السبت ايضا.

(و) الغاء الشك (في القاعدة الثانية) وهي قاعدة اليقين معناه : (هو الحكم بحدوث ما تيقّن حدوثه) من عدالة زيد يوم الجمعة والقطع بتحققها في حينها ، نافيا للشك الذي يريد ان يسري اليها يوم السبت ليزلزلها في حينها (من غير تعرّض لحكم ابقائه) اي : ابقاء ما تيقن حدوثه في يوم الجمعة من عدالة زيد الى يوم السبت ، وذلك لأنّ الكلام في قاعدة اليقين ليس هو في بقاء عدالته وعدم بقائها ، بل الكلام في انه هل كان عادلا حينها ام لا؟.

مثلا : اذا طلّق الزوج زوجته يوم الجمعة امام زيد الذي كان يتيقّن انه عادل ، فشك في يوم السبت هل انه كان عادلا يوم الجمعة ام لا؟ فان هذا الزوج لا يريد استصحاب عدالة زيد الى يوم السبت ، لانه لا يهمّه أن يكون زيد عادلا

٣١٥

فقد يكون بقاؤه معلوما ، أو معلوم العدم ، أو مشكوكا.

واختلاف مؤدّى القاعدتين وإن لم يمنع من إرادتهما من كلام واحد ، بأن يقول الشارع : اذا حصل بعد اليقين بشيء شك له ، تعلّق بذلك الشيء

______________________________________________________

يوم السبت او لا يكون عادلا ، بل يريد ان يعلم حدوث عدالته يوم الجمعة وتحققها حينها ليعلم هل ان طلاقه يوم الجمعة كان صحيحا حتى تكون الزوجة مطلّقة ، أم لا حتى تكون بعد زوجة له؟.

هذا من جهة حدوث ما تيقنه من عدالة زيد يوم الجمعة ، وأما من جهة بقاء عدالته الى يوم السبت (فقد يكون بقاؤه) اي : بقاء زيد على عدالته الى يوم السبت (معلوما ، أو معلوم العدم ، أو مشكوكا) بلا فرق بينها في قاعدة اليقين ، وذلك لما عرفت : من ان الزوج المطلّق زوجته امام زيد يوم الجمعة لا يهمه عدالة زيد وعدم عدالته في يوم السبت ، وإنّما يريد ان يتحقق من عدالته يوم الجمعة حتى يكون طلاقه صحيحا.

(و) ان قلت : يمكن هنا تصوير جامع يشمل القاعدتين ، فيمكن الاستدلال به على كل من القاعدتين بلا اشكال.

قلت (اختلاف مؤدّى القاعدتين) : قاعدة الاستصحاب ، وقاعدة اليقين ـ على ما عرفت ـ (وإن لم يمنع من إرادتهما من كلام واحد) بالقرينة الخارجية ، او بوجود جامع بينهما ، كما اذا قال ـ مثلا ـ : الشك لا اعتبار به بعد اليقين ، سواء يقين زال ، ام يقين لم يزل.

او (بأن يقول الشارع : اذا حصل) للانسان (بعد اليقين بشيء) كاليقين بعدالة زيد يوم الجمعة (شك له ، تعلّق بذلك الشيء) بأن شك في العدالة يوم السبت

٣١٦

فلا عبرة به ، سواء تعلّق ببقائه أو بحدوثه ، واحكم بالبقاء في الأوّل ، وبالحدوث في الثاني ، إلّا أنّه مانع عن إرادتهما من قوله عليه‌السلام : «فليمض على يقينه» فانّ المضيّ على اليقين السابق ، المفروض تحقّقه في القاعدتين ، أعني : عدالة زيد يوم الجمعة بمعنى : الحكم بعدالته في ذلك اليوم ، من غير تعرّض لعدالته فيما بعده ، كما هو مفاد القاعدة الثانية ، يغاير المضيّ عليه بمعنى عدالته بعد يوم الجمعة ، من غير تعرّض

______________________________________________________

(فلا عبرة به) اي : بهذا الشك (سواء تعلّق ببقائه) اي : ببقاء اليقين واستمراره الى يوم السبت وهي قاعدة الاستصحاب (أو بحدوثه ، و) تحقق ما تيقّنه يوم الجمعة من عدالة زيد حينها وهي قاعدة اليقين فاذا اتفق ذلك (احكم بالبقاء في الأوّل ، وبالحدوث في الثاني) فيشمل هذا الكلام القاعدتين معا.

(إلّا أنّه) اي : اختلاف مؤدّى القاعدتين (مانع عن إرادتهما) معا (من قوله عليه‌السلام : «فليمض على يقينه») (١) لانها عبارة واحدة وهما معنيان ، ولا جامع بينهما ، فظاهرها : قاعدة الاستصحاب فقط.

وإنّما يمنع عن ارادتهما معا لما ذكره المصنّف بقوله : (فانّ المضيّ على اليقين السابق ، المفروض تحقّقه في القاعدتين ، أعني : عدالة زيد يوم الجمعة) حيث انها كانت متيقنة حينها ، فيكون المضيّ على اليقين بها في قاعدة اليقين (بمعنى : الحكم بعدالته في ذلك اليوم ، من غير تعرّض لعدالته فيما بعده ، كما هو مفاد القاعدة الثانية) اي : قاعدة اليقين.

ومن المعلوم : ان هذا المعنى (يغاير المضيّ عليه) اي : على اليقين بعدالة زيد في يوم الجمعة المضي عليه (بمعنى عدالته بعد يوم الجمعة ، من غير تعرّض

__________________

(١) ـ الخصال : ص ٦١٩ ح ١٠ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٢٤٧ ب ١ ح ٦٤٦.

٣١٧

لحال يوم الجمعة ، كما هو مفاد قاعدة الاستصحاب ، فلا يصح ارادة المعنيين منه.

فان قلت : إنّ معنى المضيّ على اليقين عدم التوقّف من أجل الشك العارض وفرض الشك كعدمه ، وهذا يختلف باختلاف متعلّق الشك ، فالمضيّ مع الشك في الحدوث بمعنى : الحكم بالحدوث

______________________________________________________

لحال يوم الجمعة ، كما هو مفاد قاعدة الاستصحاب) فان قاعدة الاستصحاب لا تتعرض ليوم الجمعة وإنّما تتعرض ليوم السبت.

وعليه : (فلا يصح ارادة المعنيين) للقاعدتين (منه) اي : من المضي على اليقين.

وان شئت قلت : ان قاعدة الاستصحاب تقول : هل ان حكم اليقين السابق باق ومستمر الى الزمان اللاحق ام لا؟ وقاعدة اليقين تقول : هل ان حكم اليقين السابق باق ومتحقق في حينه ام لا؟.

(فان قلت : إنّ) لفظ المضي شامل للمعنيين ، فهما فردان له ، لا انهما معنيان حتى يكون من استعمال اللفظ الواحد في معنيين ، وكذلك لفظ الشك ، فيكون (معنى المضيّ على اليقين) هو : (عدم التوقف من أجل الشك العارض وفرض الشك كعدمه) فكما انه اذا لم يشك الزوج في عدالة زيد صح طلاق زوجته امامه يوم الجمعة ، كذلك يصح له الاقتداء به يوم السبت.

(و) عليه : فان (هذا) المعنى الواحد للمضي والشك لا يختلف في نفسه ، وإنّما (يختلف باختلاف متعلّق الشك ، فالمضيّ مع الشك في الحدوث) وانه هل كان عادلا يوم الجمعة ام لا؟.

(بمعنى : الحكم بالحدوث) وتحقق عدالته حينه ، اذ لا اعتبار بالشك.

٣١٨

ومع الشك في البقاء بمعنى الحكم به.

قلت : لا ريب في اتحاد متعلّقي الشك واليقين ، وكون المراد المضيّ على ذلك اليقين المتعلّق بما تعلّق به الشك.

والمفروض : أن ليس في السابق إلّا يقين واحد ، وهو : اليقين بعدالة

______________________________________________________

(ومع الشك في البقاء) وانه هل بقي على عدالته الى يوم السبت ام لا؟ (بمعنى الحكم به) اي : الحكم بالبقاء الى السبت ، اذ لا اعتبار بالشك ايضا ، فاين استعمال اللفظ في معنيين؟.

(قلت) : ان لفظ : المضي : ولفظ : الشك ، وان كان لهما معنى يصلح لشمول الفردين ، وينطبق على القاعدتين معا ، الّا ان ظاهر الاخبار : اعتبار اتحاد متعلقي اليقين والشك ، وهو يوجب التنافي بين المعنيين كما قال : (لا ريب في اتحاد متعلّقي الشك واليقين ، و) ذلك لوضوح : انه لو لا اتحاد متعلّقيهما كان الشك متعلّقا بشيء ، واليقين بشيء آخر ، ومعه لا يكون احدهما ناقضا للآخر ، حتى يشمله : «لا تنقض اليقين بالشك» (١).

وكذا لا ريب في (كون المراد) من المضي على اليقين ، وعدم الاعتناء بالشك هو : (المضيّ على ذلك اليقين المتعلّق بما تعلّق به الشك) فان عدالة زيد ـ مثلا ـ قد تعلق بها اليقين تارة ، وقد تعلق بها الشك اخرى. فالعدالة بنفسها هي متعلق اليقين وهي متعلق الشك ايضا ، فلا يعتنى بالشك فيها ، وإنّما يعتنى باليقين بها فقط.

هذا (والمفروض : أن ليس في السابق إلّا يقين واحد ، وهو : اليقين بعدالة

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٥١ ح ٣ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٨٦ ب ٢٣ ح ٤١ ، الاستبصار : ج ١ ص ٣٧٣ ب ٢١٦ ح ٣ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢١٧ ب ١٠ ح ١٠٤٦٢.

٣١٩

زيد ، والشك فيها وليس له هنا فردان يتعلّق أحدهما بالحدوث والآخر بالبقاء ، بل المراد : الشك في نفس ما تيقّن.

وحينئذ : فان اعتبر المتكلّم في كلامه : الشك في هذا المتيقّن من دون تقييده بيوم الجمعة ، فالمضي على هذا اليقين عبارة عن : الحكم باستمرار هذا المتيقّن وإن اعتبر الشك فيه مقيّدا بذلك اليوم ، فالمضيّ على ذلك

______________________________________________________

زيد) يوم الجمعة (والشك فيها) أي : في تلك العدالة يوم السبت فان الشك هذا (و) ان كان له فردان : الشك في الحدوث ، والشك في البقاء ، الّا انه (ليس له هنا) عند اتحاد متعلّقي الشك واليقين (فردان) حتى (يتعلّق أحدهما بالحدوث) والتحقق الذي هو قاعدة اليقين (والآخر بالبقاء) والاستمرار الذي هو قاعدة الاستصحاب.

(بل المراد : الشك في نفس ما تيقّن) فانه تيقّن عدالة زيد وشك في نفس عدالة زيد ، فالعدالة هي متعلّق الشك واليقين.

(وحينئذ) اي : حين دلّت الاخبار على اعتبار اتحاد متعلّقي الشك واليقين المانع من تحقق فردين للشك (فان اعتبر المتكلّم في كلامه : الشك في هذا المتيقّن من دون تقييده بيوم الجمعة) كما في الاستصحاب (فالمضي على هذا اليقين عبارة عن : الحكم باستمرار هذا المتيقّن) الذي هو عدالة زيد ـ كما في المثال ـ فانه يحكم باستمرارها من يوم الجمعة الى يوم السبت ولا يعتني بالشك فيها ، فيصح ان يصلي خلفه يوم السبت.

(وإن اعتبر الشك فيه) اي : في هذا المتيقّن من عدالة زيد (مقيّدا بذلك اليوم) بأن كان يوم الجمعة قد تيقن بها فطلّق امامه ، ثم شك في يوم السبت في منشأ يقينه في يوم الجمعة ، فشك في صحة طلاقه (فالمضيّ على ذلك

٣٢٠