وسائل الشيعة - ج ٣٠

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

وسائل الشيعة - ج ٣٠

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5503-30-2
ISBN الدورة:
964-5503-00-0

الصفحات: ٥٥٢

الفائدة الثامنة

[ تفصيل القرائن المعتبرة الدالة على ثبوت الخبر ]

٢٤١
٢٤٢

في تفصيل بعض القرائن التي تقترن بالخبر.

قد صرح جمع من المحققين من علمائنا أن القرينة هنا هي : ما ينفكّ عنه الخبر ، وله دخل في ثبوته ، وأما ما لا ينفكّ عنه فليس بقرينة ، ككون المخبر إنسانا أو ناطقا أو نحوهما.

والقرائن المتعبرة أقسام :

بعضها يدل على ثبوت الخبر عنهم عليهم‌السلام.

وبعضها على صحة مضمونه ، وإن احتمل كونه موضوعا.

وبعضها على ترجيحه على معارضه.

ونحن نذكر هنا أنواعا :

منها : كون الراوي ثقة ، يؤمن منه الكذب ، عادة.

وذلك قرينة واضحة على صحة الحديث ، بمعنى ثبوته.

وكثيرا ما يحصل العلم بذلك ، حتى لا يبقى شك أصلا ، وإن كان ثقة فاسد المذهب ، كما صرح به الشيخ وغيره.

خصوصا إذا انضم إلى ذلك جلالته في العلم والفضل والصلاح ، وقد صرح بذلك صاحب المدارك ، كما يأتي نقله.

٢٤٣

وهذا أمر وجداني يساعده الأحاديث المتواترة في الأمر بالعمل بخبر الثقة ، والنهي عن العمل بالظن.

ومعلوم أن النسبة ـ بين الثقة والعدل ـ العموم والخصوص من وجهٍ ، كما ذكره الشيهد الثاني في بعض مؤلّفاته ، في بحث استبراء الجارية.

والأحاديث المشار إليها عامة مطلقة فيما يرويه الثقة ويحكم بصحته ، سواء رواه مرسلا ، أم مسندا : عن ثقة أو ضعيف ، أو مجهول.

ومنها : كون الحديث موجودا في كتاب من كتب الأصول المجمع عليها ، أو في كتاب أحد الثقات :

لما أشرنا إليه من النصوص المتواترة ، وقد عرفت بعضها في القضاء (١).

ولا يخفى : أن إثبات الحديث في الكتاب يقتضي زيادة الاعتماد.

ومن المعلوم ـ قطعا ـ أن الكتب التي أمروا عليهم‌السلام بالعمل بها كان كثير من رواتها ضعفاء ومجاهيل ، وكثير منها مراسيل.

وقد علم بالتتبع والنقل الصريح : أنهم ما كانوا يثبتون حديثا في كتاب معتمد حتى يثبت عندهم صحة نقله ، وقد نصوا على استثناء أحاديث خاصة من بعض الكتب ، وهو قرينة على ما قلنا.

وكون الحديث مأخوذا من الكتب المشار إليها يعلم بالتصريح ، وبقرائن ظاهرة في ( التهذيب ) و ( الاستبصار ) و ( الفقيه ) وغيرها ، كما عرفت.

ومنها : كون الحديث موجودا في الكتب الأربعة ، ونحوها ، من الكتب المتواترة اتفاقا ، المشهود لها بالصحة.

__________________

(١) كتاب القضاء أبواب صفات القاضي ، الباب (٨) باب وجوب العمل بأحاديث النبي والأئمة ( ع ) المنقولة في الكتاب المعتمدة.

٢٤٤

ومنها : كونه منقولا من كتاب أحد من أصحاب الإجماع :

ويعلم ذلك بالتتبع والقرائن وتصريح الشيخ وغيره ، كما مر.

ومنها : كون بعض رواته من أصحاب الإجماع ، وقد صح عنه ، مطلقا ، بمعنى أنه ثبت نقله له أعم من أن يكون مرسلا أو مسندا ، عن ثقة ، أوضعيف ، أو مجهول :

لما تقدم من ذلك الإجماع الشريف ، الذي قد علم دخول المعصوم فيه (١).

ومنها : كونه من روايات بعض الجماعة الذين وثقهم الأئمة عليهم‌السلام ، وأمروا بالرجوع إليهم ، والعمل برواياتهم.

ومنها : كونه موافقا للقرآن.

لما عرفت في القضاء من النص المتعدد (٢).

والمراد : الآيات الواضحة الدلالة ، أو المعلوم تفسيرها عنهم عليهم‌السلام.

ومنها : كونه موافقا للسنة المعلومة الثابتة :

لما مر أيضا (٣).

ومنها : كونه مكررا في كتب متعددة معتمدة :

وقد عرفت أن وجوده في كتاب واحد معتمد قرينة منصوصة نصا متواترا ، فكيف إذا وجدَ في كتب متعددة؟

وهذه القرينة موجودة في أحاديث هذا الكتاب كثيرا ، كما عرفت.

والذي لم نذكره من تكررها في الكتب أكثر مما ذكرناه ، لأن أكثرها أو كلها مروية في كتب كثيرة جدا ، قد نبهنا على بعضها ، وتركنا الباقي اختصاراً.

__________________

(١) تقدم في الفائدة السابعة ( ص ٢٢١ وما بعدها ).

(٢) كتاب القضاء ، ابواب صفات القاضي ، الباب (١٣).

(٣) كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب ( ١٤ ).

٢٤٥

وخصوصا ( تفسير العياشي ) فإن فيه أحاديث كثيرة جدا لاتحصى عدّاً ، قد نقلناها من غيره ، ولم نشر إلى وجودها فيه ، وكذا ( مناقب ) ابن شهرآشوب ، وكذا ( نوادر ) أحمد بن محمد بن عيسى. وكذا ( روضة الواعظين ). وكذا جملة من الكتب المعتمدة.

ومنها : كونها موافقا للضروريات :

لأنه راجع إلى موافقة النص المتواتر ، لما تقدّم (١).

ومنها : عدم وجود معارض :

فإن ذلك قرينة واضحة.

وقد ذكر الشيخ : إنه يكون مجمعا عليه ، لأنّه لولا ذلك لنقلوا له معارضا ، صرح بذلك في مواضع : منها أول ( الاستبصار ) (٢) ، وقد نقله الشهيد في ( الذكرى ) عن الصدوق في ( المقنع ) وارتضاه (٣).

ومنها : عدم احتماله للتقية :

لما تقدم (٤).

ومنها : تعلقه بالاستحباب مع ثبوت المشروعية :

لما عرفت في مقدمة العبادات من أحاديث : « من بلغه شيء من الثواب » (٥).

__________________

(١) تقدم في الحديث ٨٤ من الباب ٨ من أبواب صفات القاضي.

(٢) الاستبصار ، للطوسي ( ج ١ ص ٤ ).

(٣) الذكرى ، للشهيد ( لاحظ ص ٤ ).

(٤) تقدم في الحديث ١ من الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٥) تقدم في الجزء الاول ( ص ٨٠ ـ ٨٢ ) الباب (١٨) من ابواب مقدمة العبادات من كتاب الطهارة.

٢٤٦

ومنها : موافقته للاحتياط :

لما عرفت في القضاء من الأحاديث الكثيرة الدالة على الأمر به (١).

ومنها : اجتماع قرينتين فصاعدا مما ذكر.

ومنها : موافقته لدليل عقلي قطعي :

وهو راجع إلى موافقة النص المتواتر ، لأنه لا ينفك منه أصلا.

ومنها : موافقته لإجماع المسلمين.

ومنها : موافقته لإجماع الإمامية.

لما مر من النص (٢).

ومنها : موافقته للمشهور بين الإمامية :

لما مر (٣).

ومنها : موافقته لفتوى جماعة من علمائهم.

ومنها : كون الراوي غير متهم في تلك الرواية ، لعدم موافقتها لاعتقاده أو غير ذلك :

ومن هذا الباب : رواية العامّة للنُصوص على الأئمة عليهم‌السلام ، ومعجزاتهم وفضائلهم ، فإنهم بالنسبة إلى تلك الروايات ثقات ، وبالنسبة إلى غيرها ضعفاء.

والقرائن كثيرة غير ذلك ، يعرفها الماهر في هذا الفن.

وإذا تأملت وجدت كل حديث من أحاديث هذا الكتاب محفوفا بقرائن كثيرة ، وبعضها بأكثرها.

والله الموفق.

__________________

(١) تقدم في كتاب القضاء أبواب صفات القاضي ، الباب ـ (١٢) باب وجوب التوقف والاحتياط.

(٢) مر في الاحاديث ١ ، ١٩ ، ٤٣ من الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٣) مر في الحديث ١ من الباب ٩ من ابواب صفات القاضي.

٢٤٧
٢٤٨

الفائدة التاسعة

في ذكر الأدلة على صحة أحاديث الكتب المعتمدة ،

تفصيلا

٢٤٩
٢٥٠

في ذكر الاستدلال على صحة أحاديث الكتب التي نقلنا منها هذا الكتاب وأمثالها ، تفصيلا ، ووجُوب العمل بها فقد عرفت الدليل على ذلك إجمالا (١).

ويظهر من ذلك ضعف الاصطلاح الجديد على تقسيم الحديث إلى صحيح ، وحسن ، وموثق ، وضعيف ، الذي تجدد في زمن العلامة ، وشيخه أحمد ابن طاووس.

__________________

(١) عقد المؤلف ( الفائدة السادسة ) لذكر كلمات العلماء الدالة على التزامهم بصحة الكتب المعتمدة في هذا الكتاب ، وعقد هذه الفائدة التاسعة لجمع الأدلة المستفادة من كلماتهم مع تفصيل أكثر في البحث ، فلاحظ ما تقدم ١٩١ ـ ٢١٨.

ولابد من التنبيه على أن أكثر ما ذكره المؤلف ، من الوجوه المؤيدة لمرامه قد انتقدها المحققون والعلماء ، بردود حاسمه ، كما أن المؤلف الحر العاملي ، نفسه ، قد أبدى توقفه في بعضها ، في نهاية هذه الفائدة ، نفسها.

وبما أنا لم نقصد هنا إلا لتحقيق النص ، فقد أعرضنا عن التعليق عليه بما يلزم ، ولكن نلفت توجه المراجع إلى بعض المصادر المتكفلة لذلك :

١ ـ رسالة الأخبار والأصول ، للشيخ المجدد الوحيد البهبهاني.

٢ ـ وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة ، للحجة المحقق السيد محسن الأعرجي الكاظمي.

٣ ـ نتيجة المقال في علم الرجال ، للشيخ محمد حسن البار فروشي. وأكثر الكتب الرجالية ، تتعرض في مقدمتها لبيان ذلك ، والله الموفق.

٢٥١

والذي يدل على ذلك وجوه :

الأول :

أنا قد علمنا ـ علما قطعيا ، بالتواتر ، والأخبار المحفوفة بالقرائن ـ : أنه قد كان دأب قدمائنا ، وأئمّتنا عليهم‌السلام ، في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة ، ضبط الأحاديث ، وتدوينها في مجالس الأئمة ، وغيرها.

وكانت همة علمائنا مصروفة ، في تلك المدة الطويلة ، في تأليف ما يحتاج إليه من أحكام الدين ، لتعمل بها الشيعة.

وقد بذلوا أعمارهم في تصحيحها ، وضبطها ، وعرضها على أهل العصمة.

واستمر ذلك إلى زمان الأئمة الثلاثة ، أصحاب الكتب الأربعة ، وبقيت تلك المؤلفات بعدهم ـ أيضاً ـ مدة.

وأنهم نقلوا كتبهم من تلك الكتب ، المعلومة ، المجمع على ثبوتها.

وكثير من تلك الكتب وصلت إلينا.

وقد اعترف بهذا جمع من الأصوليين ، أيضا.

الثاني :

أنا قد علمنا بوجود أصول ، صحيحة ، ثابتة ، كانت مرجع الطائفة المحقة ، يعملون بها ، بأمر الأئمّة.

وأن أصحاب الكتب الأربعة ، وأمثالها ، كانو متمكنين من تمييز الصحيح من غيره ، غاية التمكن.

وأنها كانت متميزة ، غير مشتبهة.

وأنهم كانوا يعلمون : أنه مع التمكن من تحصيل الأحكام الشرعية بالقطع واليقين ـ لايجوز العمل بغيره.

٢٥٢

وقد علمنا : أنهم لم يقصروا في ذلك ، ولو قصروا لم يشهدوا بصحه تلك الأحاديث ، بل المعلوم ، من حال أرباب السير ، والتواريخ : أنهم لا ينقلون من كتاب غير معتمد مع تمكنهم من النقل من كتاب معتمد ، فما الظن برئيس المحدثين ، وثقة الإسلام ، ورئيس الطائفة المحقة؟؟؟

ثم لو نقلوا من غيرالكتب المعتمدة ، كيف يجوز ـ عادة ـ أن يشهدوا بصحة تلك الأحاديث؟ ويقولوا : إنها حجة بينهم وبين الله؟ ومع ذلك يكون شهاداتهم باطلة ، ولا ينافي ذلك ثقتهم وجلالتهم؟؟

هذا عجيب ممن يظنه بهم.

الثالث :

أن مقتضى الحكمة الربانية ، وشفقة الرسول والأئمة عليهم‌السلام بالشيعة أن لا يضيع من في أصلاب الرجال منهم ، وأن تمهد لهم أصول معتمدة يعملون بها زمن الغيبة.

ومصداق ذلك هو ثبوت الكتب المشار إليها ، وجواز العمل بها.

الرابع :

الأحاديث ، الكثيرة ، الدالة على أنهم أمروا أصحابهم بكتابة ما يسمعونه منهم ، وتأليفه ، والعمل به ، في زمان الحضور والغيبة.

وأنه : « سيأتي زمان لايأنسون فيه إلا بكتبهم ».

وما قد علم ـ بما تقدم ـ من نقل ما في تلك الكتب إلى هذه الكتب المشهورة.

مع أن كثيراً من الكتب التي ألفها ثقات الإمامية ، في زمان الأئمة عليهم‌السلام موجودة الآن ، موافقة لما ألفوه في زمان الغيبة.

٢٥٣

الخامس :

الأحاديثُ ، الكثيرة ، الدالة على صحة تلك الكتب ، والأمر بالعمل بها.

وما تضمن من أنها عرضت على الأئمة عليهم‌السلام ، وسألوا عن حالها ، عموما ، وخصوصا.

وقد تقدم بعضها.

وقد صرح المحقّق ـ فيما تقدم (١) ـ أن كتاب يونس بن عبد الرحمن ، وكتاب الفضل بن شاذان ؛ كانا عنده ، ونقل منهما الأحاديث.

وقد ذكر المحدّثون ، وعلماء الرجال : أنهما عرضا على الأئمة عليهم‌السلام ، كما مر.

فما الظن بالأئمة الثلاثة ، أصحاب الكتب الأربعة؟

وقد صرح الصدوق ـ في مواضع ـ : أن كتاب محمد بن الحسن ؛ الصفار ـ المشتمل على مسائله ، وجوابات العسكري عليه‌السلام ـ كان عنده ، بخط المعصوم (٢).

وكذلك كتاب عبيد الله بن علي ؛ الحلبيّ ، المعروض على الصادق عليه‌السلام.

وغير ذلك.

ثم إنك تراهم ، كثيرا ما يرجحون حديثا مرويا في غير الكتاب المعروض على الحديث المروي فيه! وهل لذلك وجه ، غير جزمهم بثبوت أحاديث الكتابين؟ وأنهما من الأصول المعتمدة؟

__________________

(١) مر في الفائدة السادسة ( ص ٢٠٩ ).

(٢) لاحظ الفقيه ٤ : ١٥١ ب ٩٩ ح ١.

٢٥٤

والحاصل : الأحاديثُ المتواترة دالة على وجوب العمل بأحاديث الكتب ، المعتمدة ، ووجوب العمل بأحاديث الثقات.

فإن قلت : هذه الأحاديث من جملة أحاديث الكتب المعتمدة ، ومن جملة روايات الثقات.

فالاستدلال دوري.

قلت : هذه الأحاديث موصوفة بصفات :

منها : كونها موجودةً في الكتب المعتمدة.

ومنها : كونها من روايات الثقات.

ومنها : كونها متواترة.

ومنها : كونها محفوفة بالقرائن القطعية.

ومنها : كونها مفيدة للعلم بقول المعصوم.

إلى غير ذلك.

فيمكن الاستدلال ـ بها باعتبار كل صفة من هذه الصفات ـ على حجية الأقسام الباقية ، فاندفع الدوْر ، لاختلاف الحيثيّات ، والاعتبارات.

أو نستدل بأحاديث كل كتاب على حجية ماسواه من الكتب ، وبرواية كل ثقة على حجية رواية غيره من الثقات.

كما أنا نستدل بنص كل إمام على غيره من الأئمة ، وبإعجاز كل إمام على إمامة نفسه.

وما أجابوا به ـ هناك ـ أجبنا به ، أوبما هو أقوى منه ـ هنا ـ.

مع وجود أدلة أخرى ـ هنا ـ ومقدمات أخرى قطعية.

ثم يقال للمعترض : إنك تستدل بالدليل العقلي على مطالب كثيرة ، منها : حجية الدليل السمعي ، فإن استدللت ـ على حجية الدليل العقلي ـ

٢٥٥

بدليل عقلي أو سمعي ؛ لزم الدور.

وما اجبت به ، فهو جوابنا ، وهو ما مر.

السادس :

إن أكثر أحاديثنا كان موجودا في كتب الجماعة ، الذين أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم ، وتصديقهم ، وأمر الأئمة عليهم‌السلام بالرجوع إليهم ، والعمل بحديثهم ، ونصوا على توثيقهم ، كما مر.

والقرائن على ذلك كثيرة ، ظاهرة ، يعرفها المحدث ، الماهر.

السابع :

أنه لو لم تكن أحاديث كتبنا مأخوذة من الأصول ، المجمع على صحتها ، والكتب التي أمر الأئمة عليهم‌السلام بالعمل بها ، لزم أن يكون أكثر أحاديثنا غير صالح للاعتماد عليها.

والعادة قاضية ببطلانه ، وأن الأئمة عليهم‌السلام ، وعلماء الفرقة الناجية لم يتسامحوا ، ولم يتساهلوا في الدين إلى هذه الغاية ، ولم يرضوا بضلال الشيعة إلى يوم القيامة.

الثامن :

أن رئيس الطائفة في كتابي الأخبار ، وغيره من علمائنا ، إلى وقت حدوث الاصطلاح الجديد ، بل بعده ، كثيرا ما يطرحون الأحاديث الصحيحة عند المتأخرين ، ويعملون بأحاديث ضعيفة على اصطلاحهم.

فلولا ما ذكرناه ، لما صدر ذلك منهم ، عادة.

وكثيرا مايعتمدون على طرق ضعيفة ، مع تمكنهم من طرق اخرى صحيحة ، كما صرح به صاحب المنتقى ، وغيره.

٢٥٦

وذلك ظاهر في صحة تلك الأحاديث ، بوجوه اُخر من غيراعتبار الأسانيد ، ودال على خلاف الاصطلاح الجديد ، لما يأتي تحقيقه.

وقد قال السيد محمد في ( المدراك ) ـ في بحث الاعتماد على أذان الثقة ـ : نعم ، لو فرض إفادته العلم بدخول الوقت ـ كما قد يتفق كثيرا في أذان الثقه ، الضابط ، الذي يعلم منه الاستظهار في الوقت ، إذا لم يكن هناك مانع من العلم ـ جاز التعويل عليه ، قطعا.

انتهى (١).

وصرح بمثله كثير من علمائنا ، في مواضع كثيرة.

التاسع :

ما تقدم من شهادة الشيخ ، والصدوق ؛ والكليني ، وغيرهم من علمائنا ، بصحة هذه الكتب والأحاديث ، وبكونها منقولة من الأصول ، والكتب المعتمدة.

ونحن نقطع ـ قطعا ، عاديا ، لا شك فيه ـ : أنهم لم يكذبوا ، وانعقاد الإجماع على ذلك إلى زمان العلامة.

والعجب أن هؤلاء المتقدمين ، بل من تأخر عنهم ، كالمحقّق ، والعلامة ، والشهيدين ، وغيرهم : إذا نقل واحد منهم قولا ، عن أبي حنيفة ، أو غيره من علماء العامة ، أو الخاصة ، أو نقل كلاما من كتاب معين ، ورجعنا إلى وجداننا ، نرى أنه قد حصل لنا العلم بصدق دعواه ، وصحة نقله ، لا الظن ، وذلك علم عادي ـ كما نعلم أن الجبل لم ينقلب ذهبا ، والبحر لم ينقلب دما ـ فكيف يحصل العلم من نقله عن غير المعصوم ، ولا يحصل من نقله عن المعصوم غير الظن؟

__________________

(١) المدارك ، للعاملي ( ج ٣ ص ٩٨ ).

٢٥٧

مع أنه لا يتسامَحُ ولا يتساهل من له أدنى ورع وصلاح ، في القسم الثاني ، وربما يتساهل في الأول؟

والطرق إلى العلم واليقين كانت كثيرة ، بل بقي منها طرق متعددة ، كما عرفت.

وكل ذلك واضح ، لولا الشبهة والتقليد؟!.

فكيف إذا نقل جماعة كثيرة ، واتفقت شهادتهم على النقل ، والثبوت ، والصحة؟

وقد وجدت هذا المضمون في بعض تحقيقات الشيخ محمد ابن الشيخ حسن ابن الشهيْد الثاني ، بخطه ، قدس‌سره.

العاشر :

أنا كثيرا ما نقطع ـ في حق كثير من الرواة ـ : أنهم لم يرضوا بالافتراء في رواية الحديث.

والذي لم يعلم ذلك منه ، يعلم أنه طريق إلى رواية أصل الثقة الذي نقل الحديث منه ، والفائدة في ذكره مجرد التبرك باتصال سلسلة المخاطبة اللسانيّة ، ودفع تعيير العامة الشيعة بأن أحاديثهم غير معنعنة ، بل منقولة من أصول قدمائهم!.

الحادي عشر :

أن طريقة القدماء موجبة للعلم مأخوذة عن أهل العصمة لأنهم قد أمروا باتباعها ، وقرروا العمل بها ، فلم ينكروه ، وعمل بها الإمامية في مدة تقارب سبعمائة سنة ، منها ـ في زمان ظهور الأئمة عليهم‌السلام ـ قريب من ثلاثمائة سنة.

واصطلاح الجديد ليس كذلك قطعا ، فتعين العمل بطريقة القدماء.

٢٥٨

الثاني عشر :

أن طريقة المتقدمين مباينة لطريقة العامة ، والاصطلاح الجديد موافق لاعتقاد العامة ، واصطلاحهم ، بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع ، وكما يفهم من كلام الشيخ حسن ، وغيره.

وقد أمرنا الأئمة عليهم‌السلام باجتناب طريقة العامة.

وقد تقدم بعض ما يدل على ذلك ، في القضاء في أحاديث ترجيح الحديثين المختلفين ، وغيرها (١).

الثالث عشر :

أن الاصطلاح الجديد يستلزم تخطئة جميع الطائفة المحقّة ، في زمن الأئمة ، وفي زمن الغيبة ، كما ذكره المحقق ، في أصوله ، حيث قال :

أفرط قوم في العمل بخبر الواحد.

إلى أن قال : واقتصر بعض عن هذا الإفراط ، فقالوا : كل سليم السند يعمل به.

وما علم أن الكاذب قد يصدق ، ولم يتفطن أن ذلك طعن في علماء الشيعة ، وقدح في المذهب ، إذ لا مصنّف إلا وهو يعمل بخبر المجروح ، كما يعمل بخبر العدل.

انتهى (٢).

ونحوه كلام الشيخ وغيره في عدة مواضع.

الرابع عشر :

أنه يستلزم ضعف أكثر الأحاديث ، التي قد علم نقلها من الأصول

__________________

(١) تقدم في كتاب القضاء أبواب صفات القاضي الباب (٩).

(٢) المعتبر ( ج ١ ص ٢٩ ).

٢٥٩

المجمع عليها ، لأجل ضعف بعض رواتها ، أو جهالتهم ، أو عدم توثيقهم ، فيكون تدوينها عبثا ، بل محرّما ، وشهادتهم بصحتها زورا وكذبا.

ويلزم بطلان الإجماع ، الذي علم دخول المعصوم فيه ـ أيضاً ـ كما تقدم.

واللوازم باطلة ، وكذا الملزوم.

بل يستلزم ضعف الأحاديث كلها ، عند التحقيق ، لأن الصحيح ـ عندهم ـ : « ما رواه العدل ، الإماميّ ، الضابط ، في جميع الطبقات ».

ولم ينصوا على عدالة أحد من الرواة ، إلا نادراً ، وإنما نصوا على التوثيق ، وهو لايستلزم العدالة ، قطعا ، بل بينهما عموم من وجه ، كما صرح به الشهيد الثاني ، وغيره.

ودعوى بعض المتأخرين : أن « الثقة » بمعنى « العدل ، الضابط ».

ممنوعة ، وهو مطالب بدليلها.

وكيف؟ وهم مصرحون بخلافها ، حيث يوثقون من يعتقدون فسقه ، وكفره ، وفساد مذهبه؟!

وإنما المراد بالثقة : من يوثق بخبره ، ويؤمن منه الكذب عادة ، والتتبع شاهد به ، وقد صرح بذلك جماعة من المتقدمين ، والمتأخرين.

ومن معلوم ـ الذي لاريب فيه ، عند منصف ـ : أن الثقة تجامع الفسق ، بل الكفر.

وأصحاب الاصطلاح الجديد قد اشترطوا ـ في الراوي ـ العدالة فيلزم من ذلك ضعف جميع أحاديثنا ، لعدم العلم بعدالة أحد منهم ؛ إلا نادرا.

ففي إحداث هذا الاصطلاح غفلة ، من جهات متعددة ، كما ترى.

وكذلك كون الراوي ضعيفا في الحديث لا يستلزم الفسق ، بل يجتمع

٢٦٠