النّهاية - ج ٤

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]

النّهاية - ج ٤

المؤلف:

مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري [ ابن الأثير ]


المحقق: محمود محمد الطناجي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٨٤

إسلامه ، ولا يدخل فى جملة المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم.

وقال الأزهرى : وفيه قول ثالث ، إلا من مُكافِئ : أى من مقارب (١) غير مجاوز (٢) حدّ مثله ولا مقصّر (٣) عمّا رفعه (٤) الله إليه.

(ه) وفى حديث العقيقة «عن الغلام شاتان مُكَافِئَتان» يعنى متساويتين فى السّنّ : أى لا يعقّ عنه إلا بمسنّة ، وأقلّه أن يكون جذعا كما يجزئ فى الضحايا.

وقيل : مُكافِئتان : أى مستويتان أو متقاربتان. واختار الخطّابى الأول.

واللفظة «مكافِئَتان» بكسر الفاء. يقال : كافَأَه يُكَافِئُه فهو مُكافئه : أى مساويه.

قال : والمحدّثون يقولون : «مُكافَأَتان» بالفتح ، وأرى الفتح أولى لأنه يريد شاتين قد سوّى بينهما ، أو مساوى بينهما.

وأمّا بالكسر فمعناه أنهما متساويتان ، فيحتاج أن يذكر أىّ شىء ساويا ، وإنما لو قال «مُتَكَافِئَتَان» كان الكسر أولى.

قال الزمخشرى : (٥) لا فرق بين المُكَافِئَتين والمُكَافَأَتَين ؛ لأنّ كلّ واحدة إذا كافأت أختها فقد كُوفِئَت ، فهى مُكَافِئة ومُكَافَأَة.

أو يكون معناه : معادلتان لما يجب فى الزكاة والأضحية من الأسنان. ويحتمل مع الفتح أن يراد مذبوحتان ، من كافأ الرجل بين بعيرين ، إذا نحر هذا ثم هذا معا من غير تفريق ، كأنه يريد شاتين يذبحهما فى وقت واحد.

وفى شعر حسان :

وروح القدس ليس له كِفَاء (٦)

أى جبريل ليس له نظير ولا مثل.

__________________

(١) فى الهروى : «من مقارب فى مدحه».

(٢) فى الهروى : «غير مجاوز به».

(٣) فى الهروى : «ولا مقصر به».

(٤) فى الهروى : «وفّقه».

(٥) انظر الفائق ٢ / ٤١٧.

(٦) ديوانه ص ٦ بشرح البرقوقى وصدر البيت :

* وجبريل رسول الله فينا *

١٨١

ومنه الحديث «فنظر إليهم فقال : من يُكَافِئُ هؤلاء؟».

(س) وحديث الأحنف «لا أقاوم من لا كِفَاءَ له» يعنى الشيطان. ويروى «لا أقاول».

[ه] وفيه «لا تسأل المرأة طلاق أختها لِتَكْتَفِئَ ما فى إنائها» هو تفتعل ، من كَفَأْتُ القدر ، إذا كببتها لتفرغ ما فيها. يقال : كَفأت الإناء وأَكْفَأْتُه إذا كببته ، وإذا أملته.

وهذا تمثيل لإمالة الضّرّة حقّ صاحبتها من زوجها إلى نفسها إذا سألت طلاقها.

(ه) ومنه حديث الهرّة «أنه كان يُكْفِئ لها الإناء» أى يميله لتشرب منه بسهولة.

(س) وحديث الفرعة «خير من أن تذبحه يلصق لحمه بوبره ، وتُكْفِئ إناءك وتولّه ناقتك» أى تكبّ إناءك ، لأنه لا يبقى لك لبن تحلبه فيه.

(س) وحديث الصّراط «آخر من يمرّ رجل يَتَكَفَّأُ به الصّراط» أى يتميّل وينقلب.

ومنه حديث [دعاء](١) الطعام «غير مِكْفَئٍ ولا مودّع ربّنا» أى غير مردود ولا مقلوب. والضّمير راجع إلى الطّعام.

وقيل : «مكفىّ» من الكفاية ، فيكون من المعتلّ. يعنى أنّ الله هو المطعم والكافى ، وهو غير مطعم ولا مكفىّ ، فيكون الضمير راجعا إلى الله. وقوله «ولا مودّع» أى غير متروك الطّلب إليه والرّغبة فيما عنده.

وأمّا قوله «ربّنا» فيكون على الأوّل منصوبا على النّداء المضاف بحذف حرف النّداء ، وعلى الثانى مرفوعا على الابتداء (٢) ، أى ربّنا غير مكفىّ ولا مودّع.

ويجوز أن يكون الكلام راجعا إلى الحمد ، كأنه قال : حمدا كثيرا مباركا فيه ، غير مكفىّ ولا مودّع ، ولا مستغنى عنه : أى عن الحمد.

__________________

(١) زيادة من : ا ، واللسان.

(٢) فى اللسان : «على الابتداء المؤخّر».

١٨٢

وفى حديث الضحيّة «ثم انْكَفَأَ إلى كبشين أملحين فذبحهما» أى مال ورجع.

ومنه الحديث «فأضع السّيف فى بطنه ثم أَنْكَفِئُ عليه».

وفى حديث القيامة «وتكون الأرض خبزة واحدة ، يَكْفَؤُها الجبّار بيده كما يَكْفَأُ أحدكم خبزته فى السّفر».

وفى رواية «يَتَكَفَّؤُها» يريد الخبزة الّتى يصنعها المسافر ويضعها فى الملّة ، فإنها لا تبسط كالرّقاقة ، وإنما تقلب على الأيدى حتى تستوى.

[ه] وفى صفة مشيه عليه الصلاة والسلام «كان إذا مشى تَكَفَّى تَكَفِّياً» أى تمايل إلى قدّام ، هكذا روى غير مهموز ، والأصل الهمز ، وبعضهم يرويه مهموزا ، لأن مصدر تفعّل من الصحيح تفعّل ، كتقدّم تقدّما وتَكَفَّأَ تَكَفُّأً ، والهمزة حرف صحيح. فأما إذا اعتلّ انكسرت عين المستقبل منه ، نحو : تحفّى تحفّيا ، وتسمّى تسمّيا ، فإذا خفّفت الهمزة التحقت بالمعتل ، وصار تَكَفِّيا ، بالكسر.

(ه) وفى حديث أبى ذرّ «ولنا عباءتان نُكَافِئ بهما عين الشّمس» أى ندافع ، من المُكَافأة : المقاومة.

(س) وفى حديث أم معبد «رأى شاة فى كِفاء البيت» هو شقّة أو شقّتان تخاط إحداهما بالأخرى ، ثم تجعل فى مؤخّر البيت ، والجمع : أَكْفِئَة ، كحمار ، وأحمرة.

(ه) وفى حديث عمر «أنه انْكَفَأَ لونه عام الرّمادة» أى تغيّر عن حاله.

(س) ومنه حديث الأنصارى «ما لى أرى لونك مُنْكَفِئاً؟ قال : من الجوع».

(ه) وفيه «أنّ رجلا اشترى معدنا بمائة شاة متبع ، فقالت له أمّه : إنك اشتريت ثلاثمائة شاة أمّهاتها مائة ، وأولادها مائة ، وكُفْأَتُها مائة» أصل الكُفْأَة فى الإبل : أن تجعل قطعتين يراوح (١) بينهما فى النّتاج. يقال : أعطنى كُفْأَةَ ناقتك وكَفْأَتَهَا : أى نتاجها. وأَكْفَأت إبلى كُفْأَتين ، إذا جعلتها نصفين ينتج كلّ عام نصفها (٢) ويترك نصفها ، وهو أفضل النّتاج ، كما يفعل بالأرض للزراعة.

__________________

(١) فى ا : «يزاوج».

(٢) فى ا : «تنتج كلّ عام نصفها».

١٨٣

ويقال : وهبت له كُفْأَةَ ناقتى : أى وهبت له لبنها وولدها ووبرها سنة.

قال الأزهرى : جعلت كُفأةَ مائة نتاج ، فى كل نتاج مائة ، لأنّ الغنم لا تجعل قطعتين ، ولكن ينزى عليها جميعا وتحمل جميعا ، ولو كانت إبلا كانت كُفأة مائة من الإبل خمسين.

(س) وفى حديث النابغة «أنه كان يُكْفِئُ فى شعره» الإِكفاء فى الشّعر : أن يخالف بين حركات الرّوىّ رفعا ونصبا وجرّا ، وهو كالإقواء.

(كفت) (ه) فيه «اكْفِتُوا صبيانكم» أى ضمّوهم إليكم. وكلّ من ضممته إلى شىء (١) فقد كَفَتَّه ، يريد عند انتشار الظّلام.

(ه) ومنه الحديث «يقول الله للكرام الكاتبين : إذا مرض عبدى فاكتبوا له مثل ما كان يعمل فى صحّته ؛ حتى أعافيه أو أَكْفِتَه» أى أضمّه إلى القبر.

ومنه «قيل للأرض : كِفات».

ومنه الحديث الآخر «حتى أطلقه من وثاقى أو أَكْفِتَه إلىّ».

ومنه الحديث «نهينا أن نَكْفِتَ الثّياب فى الصلاة» أى نضمّها ونجمعها ، من الانتشار ، يريد جمع الثّوب باليدين عند الرّكوع والسّجود.

ومنه حديث الشّعبىّ «أنه كان بظاهر الكوفة فالتفت إلى بيوتها فقال : هذه كِفَاتُ الأحياء ، ثم التفت إلى المقبرة فقال : وهذه كِفات الأموات» يريد تأويل قوله تعالى «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً. أَحْياءً وَأَمْواتاً».

(ه) ومنه حديث عبد الله بن عمرو «صلاة الأوّابين ما بين أن يَنْكَفِت أهل المغرب إلى أن يثوب أهل العشاء» أى ينصرفون إلى منازلهم.

(ه) وفيه «حبّب إلىّ النساء والطّيب ورزقت الكَفِيتَ» أى ما أَكْفِتُ به معيشتى ، يعنى أضمّها وأصلحها.

__________________

(١) فى الهروى : «إليك».

١٨٤

وقيل : أراد بالكَفِيت القوّة على الجماع.

و (١) هو من الحديث الآخر :

(ه) الذى يروى «أنه قال : أتانى جبريل بقدر يقال لها الكَفِيت ، فوجدت قوّة أربعين رجلا فى الجماع» ويقال للقدر الصغيرة : كِفْت ، بالكسر (٢).

ومنه حديث جابر «أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكَفِيتَ» قيل للحسن : وما الكَفِيتُ؟ قال : البضاع.

(كفح) (ه) فيه «أنه قال لحسّان : لا تزال مؤيّدا بروح القدس ما كافَحْتَ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» المُكافَحة : المضاربة والمدافعة تلقاء الوجه.

ويروى «نافحت» وهو بمعناه.

(ه) ومنه حديث جابر «إن الله كلّم أباك كِفاحا» أى مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول.

(ه) وفيه «أعطيت محمدا كِفاحا» أى كثيرا من الأشياء من الدنيا والآخرة.

(ه) وفى حديث أبى هريرة «وقيل له : أتقبّل وأنت صائم؟ قال : نعم وأَكْفَحُهَا» أى أتمكّن من تقبيلها وأستوفيه من غير اختلاس ، من المُكَافَحَة ، وهى مصادفة الوجه للوجه (٣).

(كفر) (ه س) فيه «ألا لا ترجعنّ بعدى كُفَّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» قيل : أراد لابسى السّلاح. يقال : كَفَرَ فوق درعه ، فهو كافِر ، إذا لبس فوقها ثوبا. كأنه أراد بذلك النّهى عن الحرب.

وقيل : معناه لا تعتقدوا تَكْفِير النّاس ، كما يفعله الخوارج ، إذا استعرضوا الناس فيُكَفِّرونهم.

(ه) ومنه الحديث «من قال لأخيه يا كافِرُ فقد باء به أحدهما» لأنه إمّا أن يصدق عليه أو يكذب ، فإن صدق فهو كافِر ، وإن كذب عاد الكُفْر إليه بِتَكْفِيره أخاه المسلم.

__________________

(١) قبل هذا فى الهروى : «وقال بعضهم : الكفيت : قدر أنزلت من السماء ، فأكل منها ، وقوى على الجماع».

(٢) قال فى القاموس : «والكفت ، بالفتح : القدر الصغيرة. ويكسر».

(٣) انظر (قحف).

١٨٥

والكُفْر صنفان : أحدهما الكُفْر بأصل الإيمان وهو ضدّه ، والآخر الكُفْر بفرع من فروع الإسلام ، فلا يخرج به عن أصل الإيمان.

وقيل : الكُفْر على أربعة أنحاء : كُفْر إنكار ، بألّا يعرف الله أصلا ولا يعترف به.

وكُفْر جحود ، ككفر إبليس ، يعرف الله بقلبه ولا يقرّ بلسانه.

وكُفْر عناد ، وهو أن يعترف بقلبه ويعترف بلسانه ولا يدين به ، حسدا وبغيا ، ككُفْر أبى جهل وأضرابه.

وكُفْر نفاق ، وهو أن يقرّ بلسانه ولا يعتقد بقلبه.

قال الهروى : سئل الأزهرى عمّن يقول بخلق القرآن : أتسمّيه كافِرا؟ فقال : الذى يقوله كُفْر (١) ، فأعيد عليه السّؤال ثلاثا ويقول مثل ما قال ، ثم قال فى الآخر : قد يقول المسلم كُفْراً.

(س) ومنه حديث ابن عباس «قيل له : «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ» قال : هم كَفَرة ، وليسوا كمن كَفَر بالله واليوم الآخر».

(س) ومنه حديثه (٢) الآخر «إنّ الأوس والخزرج ذكروا ما كان منهم فى الجاهليّة ، فثار بعضهم إلى بعض بالسّيوف ، فأنزل الله تعالى «وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ» ولم يكن ذلك على الكُفر بالله ، ولكن على تغطيتهم ما كانوا عليه من الألفة والمودّة.

ومنه حديث ابن مسعود «إذا قال الرجل للرّجل : أنت لى عدوّ ، فقد كَفَرَ أحدهما بالإسلام» أراد كُفْر نعمته ، لأنّ الله ألّف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانا ، فمن لم يعرفها فقد كَفَرَها.

ومنه الحديث «من ترك قتل الحيّات خشية النار فقد كَفَرَ» أى كفَر النّعمة. وكذلك :

(ه) الحديث الآخر «من أتى حائضا فقد كَفَرَ».

وحديث الأنواء «إنّ الله ينزل الغيث فيصبح قوم به كافِرين ، يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا» أى كافِرين بذلك دون غيره ، حيث ينسبون المطر إلى النّوء دون الله.

__________________

(١) فى ا : «كفر».

(٢) فى الأصل : «الحديث» والمثبت من : ا.

وانظر تفسير القرطبى ٤ / ١٥٦.

١٨٦

(س) ومنه الحديث «فرأيت أكثر أهلها (١) النّساء ، لكُفْرِهِنَ. قيل : أيَكْفُرْن بالله؟ قال : لا ، ولكن يَكْفُرْنَ الإحسان ، ويَكْفُرْن العشير» أى يجحدن إحسان أزواجهنّ.

والحديث الآخر «سباب المسلم فسوق وقتاله كُفْر».

(س) «ومن رغب عن أبيه فقد كَفَرَ».

(س) «ومن ترك الرّمى فنعمة كَفَرَها».

وأحاديث من هذا النوع كثيرة.

وأصل الكُفْر : تغطية الشىء تغطية تستهلكه.

(س) وفى حديث الرّدّة «وكَفَرَ من كَفَرَ من العرب» أصحاب الردّة كانوا صنفين : صنف ارتدّوا عن الدّين ، وكانوا طائفتين : إحداهما أصحاب مسيلمة والأسود العنسىّ الذين آمنوا بنبوّتهما ، والأخرى طائفة ارتدّوا عن الإسلام ، وعادوا إلى ما كانوا عليه فى الجاهلية ، وهؤلاء اتّفقت الصحابة على قتالهم وسبيهم ، واستولد عليّ من سبيهم أمّ محمد ابن الحنفيّة ، ثم لم ينقرض عصر الصّحابة حتى أجمعوا على أنّ المرتدّ لا يسبى.

والصّنف الثانى من أهل الرّدّة لم يرتدّوا عن الإيمان ولكن أنكروا فرض الزكاة ، وزعموا أن الخطاب فى قوله تعالى : «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً» خاصّ بزمن النبى عليه الصلاة والسلام ، ولذلك اشتبه على عمر قتالهم ؛ لإقرارهم بالتّوحيد والصلاة. وثبت أبو بكر على قتالهم لمنع الزكاة فتابعه الصحابة على ذلك ؛ لأنهم كانوا قريبى العهد بزمان يقع فيه التّبديل والنّسخ ، فلم يقرّوا على ذلك. وهؤلاء كانوا أهل بغى ، فأضيفوا إلى أهل الرّدّة حيث كانوا فى زمانهم ، فانسحب عليهم اسمها ، فأمّا ما بعد ذلك ، فمن أنكر فرضيّة أحد أركان الإسلام كان كافِرا بالإجماع.

ومنه الحديث «لا تُكَفِّر أهل قبلتك» أى لا تدعهم كُفَّارا ، أو لا تجعلهم كُفَّاراً بقولك وزعمك.

ومنه حديث عمر «ألا لا تضربوا المسلمين فتذلّوهم ، ولا تمنعوهم حقّهم فتُكَفِّرُوهم» لأنهم ربّما ارتدّوا إذا منعوا عن الحقّ.

__________________

(١) أى النار.

١٨٧

(س) وفى حديث سعيد «تمتّعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعاوية كافِرٌ بالعرش» أى قبل إسلامه.

والعرش : بيوت مكة.

وقيل : معناه أنه مقيم مختبئ بمكة ، لأنّ التّمتّع كان فى حجّة الوداع بعد فتح مكة ، ومعاوية أسلم عام الفتح.

وقيل : هو من التَّكْفِير : الذّل والخضوع.

(س) وفى حديث عبد الملك «كتب إلى الحجّاج : من أقرّ بالكُفْرِ فخلّ سبيله» أى بكُفْر من خالف بنى مروان وخرج عليهم.

ومنه حديث الحجاج «عرض عليه رجل من بنى تميم ليقتله فقال : إنى لأرى رجلا لا يقرّ اليوم بالكُفْر ، فقال : عن دمى تخدعنى! إنى أَكْفَرُ من حمار» حمار : رجل كان فى الزمان الأوّل ، كَفَرَ بعد الإيمان ، وانتقل إلى عبادة الأوثان ، فصار مثلا.

(ه) وفى حديث القنوت «واجعل قلوبهم كقلوب نساء كَوَافِرَ» الكَوَافِر : جمع كافِرة يعنى فى التّعادى والاختلاف. والنّساء أضعف قلوبا من الرّجال ، لا سيّما إذا كنّ كَوَافِرَ.

(ه) وفى حديث الخدرىّ «إذا أصبح ابن آدم فإنّ الأعضاء كلّها تُكَفِّر للّسان (١)» أى تذلّ وتخضع (٢).

والتَّكْفير : هو أن ينحنى الإنسان ويطأطئ رأسه قريبا من الرّكوع ، كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه.

(س) ومنه حديث عمرو بن أميّة والنّجاشى «رأى الحبشة يدخلون من خوخة مُكَفِّرِين ، فولّاه ظهره ودخل».

(س) ومنه حديث أبى معشر «أنه كان يكره التَّكْفِير فى الصلاة» وهو الانحناء الكثير فى حالة القيام قبل الركوع.

وفى حديث قضاء الصلاة «كَفَّارَتُها أن تصلّيها إذا ذكرتها».

__________________

(١) فى الأصل وا ، والهروى : «اللّسان» وأثبتّ ما فى لسان العرب ، والفائق ٢ / ٤١٨

(٢) بعده فى الهروى : «له».

١٨٨

وفى رواية «لا كَفّارَة لها إلّا ذلك».

قد تكرر ذكر «الكَفَّارةِ» فى الحديث اسما وفعلا مفردا وجمعا. وهى عبارة عن الفعلة والخصلة الّتى من شأنها أن تُكَفِّر الخطيئة : أى تسترها وتمحوها. وهى فعّالة للمبالغة ، كقتّالة وضرّابة ، وهى من الصّفات الغالبة فى باب الاسميّة.

ومعنى حديث قضاء الصّلاة أنه لا يلزمه فى تركها غير قضائها ؛ من غرم أو صدقة أو غير ذلك ، كما يلزم المفطر فى رمضان من غير عذر ، والمحرم إذا ترك شيئا من نسكه ، فإنه تجب عليهما الفدية.

(ه) ومنه الحديث «المؤمن مُكَفَّر» أى مرزّأ فى نفسه وماله ؛ لتُكَفَّر خطاياه.

وفيه «لا تسكن الكُفُورَ ، فإن ساكن الكُفُور كساكن القبور» قال الحربى : الكُفُور : ما بعد من الأرض عن الناس ، فلا يمرّ به أحد ، وأهل الكُفُور عند أهل المدن ، كالأموات عند الأحياء ، فكأنّهم فى القبور. وأهل الشّام يسمّون القرية الكَفْر.

ومنه الحديث «عرض على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما هو مفتوح على أمّته من بعده كَفْراً كَفْراً ، فسرّ بذلك» أى قرية قرية.

ومنه حديث أبى هريرة «لتخرجنّكم الرّوم منها كَفْراً كَفْراً».

(ه) ومنه حديث معاوية «أهل الكُفُورِ هم أهل القبور» أى هم بمنزلة الموتى لا يشاهدون الأمصار والجمع والجماعات.

وفيه «أنه كان اسم كنانة النبىّ عليه الصلاة والسلام الكَافُور» تشبيها بغلاف الطّلع وأكمام الفواكه ، لأنها تسترها ، وهى فيها كالسّهام فى الكنانة.

وفى حديث الحسن «هو الطّبّيع فى كُفُرَّاه» الطّبّيع : لبّ الطّلع ، وكُفُرَّاهُ ـ بالضّم وتشديد الراء وفتح الفاء وضمّها مقصور : هو وعاء الطّلع وقشره الأعلى ، وكذلك كافُورُه.

وقيل : هو الطّلع حين ينشقّ. ويشهد للأوّل قوله فى الحديث : «قشر الكُفُرَّى».

(كفف) ـ فى حديث الصدقة «كأنما يضعها فى كَفِ الرحمن» هو كناية عن محلّ قبول الصّدقة ، فكأن المتصدّق قد وضع صدقته فى محلّ القبول والإثابة ، وإلّا فلا

١٨٩

كَفَ لله ولا جارحة ، تعالى الله عمّا يقول المشبّهون علوّا كبيرا.

ومنه حديث عمر «إنّ الله إن شاء أدخل [خلقه](١) الجنة بكَفٍ واحدة ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : صدق عمر».

وقد تكرّر ذكر «الكَفِ والحفنة واليد» فى الحديث ، وكلّها تمثيل من غير تشبيه.

(س) ومنه الحديث «يتصدّق بجميع ماله ثم يقعد يَسْتَكِفُ الناس» يقال : اسْتَكَفَ وتَكَفَّفَ : إذا أخذ ببطن كَفِّه ، أو سأل كَفّاً من الطّعام أو ما يَكُفُ الجوع.

(ه) ومنه الحديث «أنه قال لسعد : خير من أن تتركهم عالة يَتَكَفَّفُون الناس» أى يمدّون أَكُفَّهم إليهم يسألونهم.

(ه) ومنه حديث الرؤيا «كأن ظلّة تنطف عسلا وسمنا ، وكأنّ الناس يَتَكَفَّفُونه».

(س) وفيه «المنفق على الخيل كالمُسْتَكِفّ بالصّدقة» أى الباسط يده يعطيها ، من قولهم : اسْتَكَفَ به الناس ، إذا أحدقوا به ، واسْتَكَفُّوا حوله ينظرون إليه ، وهو من كَفاف الثوب ، وهى طرّته وحواشيه وأطرافه ، أو من الكِفَّة بالكسر ، وهو ما استدار ككِفَّة الميزان.

(ه) ومنه حديث رقيقة «واسْتَكَفُّوا (٢) جنابى عبد المطّلب» أى أحاطوا به واجتمعوا حوله.

(س) وفيه «أمرت ألّا أَكُفَ شعرا ولا ثوبا» يعنى فى الصلاة.

يحتمل أن يكون بمعنى المنع : أى لا أمنعهما من الاسترسال حال السّجود ليقعا على الأرض.

ويحتمل أن يكون بمعنى الجمع : أى لا يجمعهما ويضمّهما.

ومنه الحديث «المؤمن ، أخو المؤمن يَكُفُ عليه ضيعته» أى يجمع عليه معيشته ويضمّها إليه.

__________________

(١) ساقط من : ا.

(٢) فى ا ، واللسان : «فاستكفّوا» والمثبت فى الأصل ، والفائق ٢ / ٣١٤.

١٩٠

ومنه الحديث «يَكُفُ ماء وجهه» أى يصونه ويجمعه عن بذل السّؤال. وأصله المنع.

ومنه حديث أم سلمة «كُفِّي رأسى» أى اجمعيه وضمّى أطرافه.

وفى رواية «كُفِّي عن رأسى» أى دعيه واتركى مشطه. وقد تكرر فى الحديث.

(ه) وفيه «إنّ بيننا وبينكم عيبة مَكْفُوفة» أى مشرجة على ما فيها مقفلة ، ضربها مثلا للصّدور ، وأنّها نقيّة من الغلّ والغشّ فيما اتّفقوا عليه من الصّلح والهدنة.

وقيل : معناه أن يكون الشّرّ بينهم مَكْفُوفا ، كما تُكَفُ العيبة على ما فيها من المتاع ، يريد أنّ الذّحول التى كانت بينهم اصطلحوا على ألّا ينشروها ، فكأنّهم قد جعلوها فى وعاء وأشرجوا عليه.

(س) وفى حديث عمر «وددت أنّى سلمت من الخلافة كَفَافاً ، لا علىّ ولا لى» الكَفَاف : هو الذى لا يفضل عن الشىء ، ويكون بقدر الحاجة إليه. وهو نصب على الحال.

وقيل : أراد به مَكْفُوفا عنّى شرّها.

وقيل : معناه ألّا تنال منّى ولا أنال منها : أى تَكُفُ عنّى وأَكُفُ عنها.

(ه) ومنه حديث الحسن «ابدأ بمن تعول ولا تلام على كَفَاف» أى إذا لم يكن عندك كَفَاف لم تلم على ألّا تعطى أحدا.

(س) وفيه «لا ألبس القميص المُكَفَّف بالحرير» أى الذى عمل على ذيله وأكمامه وجيبه كَفَاف من حرير. وكُفَّة كلّ شىء بالضم : طرّته وحاشيته. وكلّ مستطيل : كُفَّة ، كَكُفَّةِ الثّوب. وكلّ مستدير : كِفَّة ، بالكسر ، كَكِفَّة الميزان.

(س) ومنه حديث عليّ يصف السّحاب «والتمع برقه فى كُفَفِه» أى فى حواشيه.

وحديثه الآخر «إذا غشيكم اللّيل فاجعلوا الرّماح كُفَّة» أى فى حواشى العسكر وأطرافه.

(س) ومنه حديث الحسن «قال له رجل : إنّ برجلى شقاقا ، فقال : اكْفُفْه بخرقة» أى اعصبه بها ، واجعلها حوله.

١٩١

(س) وفى حديث عطاء «الكِفَّة والشّبكة أمرهما واحد» الكِفَّة بالكسر : حبالة الصّائد.

(س) وفى حديث الزبير «فتلقّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كَفَّةَ كَفَّةَ» أى مواجهة ، كأنّ كلّ واحد منهما قد كَفَ صاحبه عن مجاوزته إلى غيره : أى منعه. والكَفَّةُ : المرّة من الكَفِ. وهما مبنيّان على الفتح.

(كفل) ـ فيه «أنا وكافِلُ اليتيم كهاتين فى الجنّة ، له ولغيره» الكَافِل : القائم بأمر اليتيم المربّى له ، وهو من الكَفِيل : الضّمين.

والضّمير فى «له» و «لغيره» راجع إلى الكَافِل : أى أنّ اليتيم سواء كان لِلْكَافِل من ذوى رحمه وأنسابه ، أو كان أجنبيّا لغيره ، تَكَفَّلَ به.

وقوله «كهاتين» إشارة إلى أصبعيه السّبّابة والوسطى.

(ه) ومنه الحديث «الرّابّ كافِلٌ» الرّابّ : زوج أمّ اليتيم ؛ لأنه يَكْفُلُ تربيته ويقوم بأمره مع أمّه.

(ه) ومنه حديث وفد هوازن «وأنت خير المَكْفُولِين» يعنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أى خير من كُفِلَ فى صغره ، وأرضع وربّى حتّى نشأ ، وكان مسترضعا فى بنى سعد بن بكر.

(ه) وفى حديث الجمعة «له كِفْلَان من الأجر» الكِفْل بالكسر : الحظّ والنّصيب.

(ه) وفى حديث مجىء المستضعفين بمكة «وعيّاش بن أبى ربيعة وسلمة بن هشام مُتَكَفِّلان على بعير» يقال : تَكَفَّلْت البعير وأَكْفَلْتُه : إذا أدرت حول سنامه كساء ثم ركبته ، وذلك الكساء : الكِفْل ، بالكسر.

ومنه حديث جابر «وعمدنا إلى أعظم كِفْل».

ومنه حديث أبى رافع «قال : ذلك كِفْل الشّيطان» يعنى مقعده.

(ه) وحديث النّخعىّ «أنه كره الشّرب من ثلمة القدح ، وقال : إنها كِفْلُ الشيطان» أراد أنّ الثّلمة مركب الشّيطان ؛ لما يكون عليها من الأوساخ.

١٩٢

(س) وفى حديث ابن مسعود «ذكر فتنة فقال : إنّى كائن فيها كالكِفْل ، آخذ ما أعرف وأترك ما أنكر» قيل : هو الذى يكون فى آخر الحرب همّته الفرار.

وقيل : هو الذى لا يقدر على الرّكوب والنّهوض فى شىء ، فهو لازم بيته.

(كفن) ـ فيه ذكر «كَفَن الميّت» كثيرا. وهو معروف.

وذكر بعضهم فى قوله : «إذا كَفَّنَ أحدكم أخاه فليحسن كَفْنَه» أى بسكون الفاء على المصدر : أى تَكْفِينَه. قال : وهو الأعمّ ؛ لأنّه يشتمل على الثّوب وهيئته وعمله ، والمعروف فيه الفتح.

وفيه «فأهدى لنا شاة وكَفَنَها» أى ما يغطّيها من الرّغفان.

(كفهر) (ه) فيه «القوا المخالفين بوجه مُكْفَهِرٍّ» أى عابس قطوب.

ومنه حديث ابن مسعود «إذا لقيت الكافر فالقه بوجه مُكْفَهِرٍّ».

(كفا) (س) فيه «من قرأ الآيتين من آخر البقرة فى ليلة (١) كَفَتَاه» أى أغنتاه عن قيام اللّيل.

وقيل : أراد أنهما أقلّ ما يجزئ من القراءة فى قيام الليل.

وقيل : تَكْفِيَان الشّرّ وتقيان من المكروه.

ومنه الحديث «سيفتح الله عليكم ويَكْفِيكم الله» أى يَكفيكم القتال بما فتح عليكم.

والكُفَاة : الخدم الذين يقومون بالخدمة ، جمع كافٍ. وقد تكرّر فى الحديث.

(س) ومنه حديث أبى مريم «فأذن لى إلى أهلى بغير كَفِيٍ» أى بغير من يقوم مقامى. يقال : كَفَاه الأمر ، إذا قام مقامه فيه.

(س) ومنه حديث الجارود «وأَكْفِي من لم يشهد» أى أقوم بأمر من لم يشهد الحرب ، وأحارب عنه.

__________________

(١) فى الأصل : «فى كل ليلة» وفى ا : «فى ليله» والمثبت من اللسان. ويوافقه ما فى البخارى (باب فضل البقرة ، من كتاب فضائل القرآن) وما فى مسلم (باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة ، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها.

١٩٣

(باب الكاف مع اللام)

(كلأ) (ه) فيه «أنه نهى عن الكَالِئ بالكالِئ» أى النّسيئة بالنّسيئة. وذلك أن يشترى الرّجل شيئا إلى أجل ، فإذا حلّ الأجل لم يجد ما يقضى به (١) ، فيقول : بعنيه إلى أجل آخر ، بزيادة شىء ، فيبيعه منه ولا يجرى بينهما تقابض. يقال : كَلَأَ الدّين كُلُوءاً فهو كالِئ ، إذا تأخّر.

ومنه قولهم : «بلغ الله بك أَكْلَأَ العمر» أى أطوله وأكثره تأخّرا. وكَلَأْتُه إذا أنسأته. وبعض الرّواة لا يهمز «الكالِئ» تخفيفا.

(س) وفيه «أنه قال لبلال وهم مسافرون : اكْلَأْ لنا وقتنا» الكِلَاءة : الحفظ والحراسة. يقال : كَلَأْتُه أَكْلَؤُهُ كِلَاءةً ، فأنا كالِئٌ ، وهو مَكْلُوءٌ ، وقد تخفّف همزة الكلاءة ، وتقلب ياء. وقد تكررت فى الحديث.

[ه] وفيه «لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكَلَأ» وفى رواية «فضل الكَلَأ» الكَلَأ : النّبات والعشب ، وسواء رطبه ويابسه. ومعناه أنّ البئر تكون فى البادية ويكون قريبا منها كَلَأ ؛ فإذا ورد عليها وارد فغلب على مائها ومنع من يأتى بعده من الاستقاء منها (٢) ، فهو بمنعه الماء مانع من الكَلأ ؛ لأنه متى ورد رجل بإبله (٣) فأرعاها ذلك الكَلأ ثم لم يسقها قتلها العطش. فالذى يمنع ماء البئر يمنع النّبات القريب منه.

(ه) وفيه «من مشى على الكَلَّاءِ قذفناه فى الماء» الكَلَّاء بالتشديد والمدّ ، والمُكَلَّأ : شاطىء النّهر والموضع الذى تربط فيه السّفن. ومنه «سوق الكَلَّاء» بالبصرة.

وهذا مثل ضربه لمن عرّض بالقذف. شبّهه فى مقاربته التّصريح بالماشى على شاطئ النّهر ، وإلقاؤه فى الماء : إيجاب القذف عليه وإلزامه بالحدّ (٤).

ومنه حديث أنس وذكر البصرة «إيّاك وسباخها وكَلاءَها».

__________________

(١) فى الهروى : «منه».

(٢) فى الهروى : «بها».

(٣) فى الأصل : «لأنه متى ورد عليه رجل بإبله» والمثبت من ا ، واللسان. والذى فى الهروى : «لأنه متى ورد الرجل بإبله».

(٤) فى الهروى : «وإلزامه الحدّ».

١٩٤

(كلب) ـ فيه «سيخرج فى أمّتى أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكَلَبُ بصاحبه» الكَلَب بالتحريك : داء يعرض للإنسان من عضّ الكَلْب الكَلِبِ ، فيصيبه شبه الجنون ، فلا يعضّ أحدا إلّا كَلِبَ ، وتعرض له أعراض رديئة ، ويمتنع من شرب الماء حتى يموت عطشا.

وأجمعت العرب على أنّ دواءه قطرة من دم ملك ، تخلط بماء فيسقاه.

ومنه حديث عليّ «كتب إلى ابن عباس حين أخذ مال البصرة : فلما رأيت الزّمان على ابن عمّك قد كَلِبَ ، والعدوّ قد حرب» كَلِب أى اشتدّ. يقال : كَلِب الدّهر على أهله : إذا ألحّ عليهم واشتدّ.

(س) ومنه حديث الحسن «إن الدنيا لمّا فتحت على أهلها كَلِبوا فيها أسوأ الكَلَب وأنت تجشّأ من الشّبع بشما ، وجارك قد دمى فوه من الجوع كَلَبا» أى حرصا على شىء يصيبه.

وفى حديث الصّيد «إنّ لى كِلَاباً مُكَلَّبَةً فأفتنى فى صيدها» المُكَلَّبَةُ : المسلّطة على الصّيد ، المعوّدة بالاصطياد ، التى قد ضريت به.

والمُكَلِّب ، بالكسر : صاحبها والذى يصطاد بها. وقد تكرر فى الحديث.

(ه) وفى حديث ذى الثّديّة «يبدو فى رأس ثديه شعيرات كأنها كُلْبَةُ كَلْب» يعنى مخالبه. هكذا قال الهروى.

وقال الزمخشرى : كأنها كُلْبَة كَلْب ، أو كُلْبَة سنور ، وهى الشعر النابت فى جانبى أنفه. (١) ويقال للشّعر الذى يخرز به الإسكاف : كُلْبة.

قال : ومن فسّرها بالمخالب نظرا إلى مجىء (٢) الكَلالِيب فى مخالب البازى فقد أبعد.

وفى حديث الرّؤيا «وإذا آخر قائم بكَلُّوبٍ من حديد» الكَلُّوب ، بالتشديد : حديدة معوجّة الرأس.

__________________

(١) فى الفائق ٢ / ٤٢٤ : «خطمه».

(٢) فى الفائق : «محنى» وكأنه أشبه.

١٩٥

(ه) ومنه حديث أحد «أنّ فرسا ذبّ بذنبه فأصاب كُلَّابَ سيف فاستلّه» الكُلَّابُ والكَلْب : الحلقة أو المسمار الذى يكون فى قائم السّيف ، تكون فيه علاقته.

وفى حديث عرفجة «إنّ أنفه أصيب يوم الكُلَاب فاتّخذ أنفا من فضّة» الكُلَاب بالضم والتخفيف : اسم ماء ، وكان به يوم معروف من أيّام العرب بين البصرة والكوفة.

(كلثم) (ه) فى صفته عليه الصلاة والسلام «لم يكن بالمُكَلْثَم» هو من الوجوه : القصير الحنك الدانى الجبهة ، المستدير مع خفّة اللّحم (١) ، أراد أنه كان أسيل الوجه ولم يكن مستديرا.

(كلح) (س) فى حديث عليّ «إنّ من ورائكم فتنا وبلاء مُكْلِحاً مبلحا» أى يُكْلِحُ الناس لشدّته. والكُلُوح : العبوس. يقال : كَلَح الرجل ، وأَكْلَحه الهمّ.

(كلز) ـ فى شعر حميد بن ثور :

فحمّل الهمّ (٢) كِلَازاً جلعدا

الكِلَاز : المجتمع الخلق الشديده. واكلَأَزَّ ، إذا انقبض وتجمّع. ويروى «... كنازا ...» بالنون.

(كلف) ـ فيه «اكْلَفُوا من العمل ما تطيقون» يقال : كَلِفْت بهذا الأمر أَكْلَفُ به ، إذا ولعت به وأحببته.

ومنه الحديث «أراك كَلِفْتَ بعلم القرآن» وكَلِفْتُهُ إذا تحمّلته. وكَلَّفَه الشىء تَكْلِيفاً ، إذا أمره بما يشقّ عليه. وتَكَلَّفْتُ الشىء ، إذا تجشّمته على مشقّة ، وعلى خلاف عادتك. والمُتَكَلِّف : المتعرّض لما لا يعنيه.

ومنه الحديث «أنا وأمّتى برآء من التَّكَلُّف».

وحديث عمر «نهينا عن التَّكَلُّف» أراد كثرة السّؤال ، والبحث عن الأشياء الغامضة التى

__________________

(١) الذى فى الهروى : «المستدير الوجه ، ولا يكون إلا مع كثرة اللحم».

(٢) فى ديوان حميد ص ٧٧ : «فحمّل الهمّ».

١٩٦

لا يجب البحث عنها ، والأخذ بظاهر الشّريعة وقبول ما أتت به.

(س) ومنه حديثه أيضا «عثمان كَلِفٌ بأقاربه» أى شديد الحبّ لهم. والكَلَف : الولوع بالشىء ، مع شغل قلب ومشقّة.

(كلل) [ه] قد تكرّر فى الحديث ذكر «الكَلالة» وهو أن يموت الرجل ولا يدع والدا ولا ولدا يرثانه.

وأصله : من تَكَلَّله النّسب ، إذا أحاط به.

وقيل : الكَلالة : الوارثون الذين ليس فيهم ولد ولا والد ، فهو واقع على الميّت وعلى الوارث بهذا الشّرط.

وقيل (١) : الأب والابن طرفان للرجل ، فإذا مات ولم يخلّفهما فقد مات عن ذهاب طرفيه ، فسمّى ذهاب الطّرفين كَلالة.

وقيل : كلّ ما احتفّ بالشىء من جوانبه فهو إِكْلِيل ، وبه سمّيت ؛ لأنّ الورّاث يحيطون به من جوانبه.

(ه) ومنه حديث عائشة «دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تبرق أَكَالِيلُ وجهه» هى جمع إِكْلِيل ، وهو شبه عصابة مزيّنة بالجوهر ، فجعلت لوجهه أَكالِيلَ ، على جهة الاستعارة.

وقيل : أرادت نواحى وجهه ، وما أحاط به إلى الجبين ، من التَّكَلُّل ، وهو الإحاطة ؛ ولأن الإِكْليل يجعل كالحلقة ويوضع هنالك على أعلى الرّأس.

ومنه حديث الاستسقاء «فنظرت إلى المدينة وإنها لفى مثل الإِكْلِيل» يريد أنّ الغيم تقشّع عنها ، واستدار بآفاقها.

(ه) وفيه «أنه نهى عن تقصيص القبور وتَكْلِيلها» أى رفعها ببناء مثل الكِلَل ، وهى الصّوامع والقباب.

__________________

(١) القائل هو القتيبى ، كما فى الهروى.

١٩٧

وقيل : هو ضرب الكِلَّة عليها ، وهى ستر مربّع يضرب على القبور.

وقال الهروى : هو (١) ستر رقيق يخاط كالبيت ، يتوقّى فيه من البقّ.

وفى حديث حنين «فما زلت أرى حدّهم كَلِيلا» كَلَ السّيف يَكِلُ كَلَالاً فهو كَلِيل ، إذا لم يقطع. وطرف كَلِيل ، إذا لم يحقّق المنظور.

(س) وفى حديث خديجة «كَلَّا ، إنّك لتحمل الكَلَ» هو بالفتح : الثّقل من كل ما يتكلّف. والكَلُ : العيال.

ومنه الحديث «من ترك كَلًّا فإلىّ وعلىّ».

ومنه حديث طهفة «ولا يوكل كَلُّكُم» أى لا يوكل إليكم عيالكم ، وما لم تطيقوه.

ويروى «أكلكم» أى لا يفتات عليكم ما لكم.

وقد تكرر فى الحديث ذكر «الكَلّ».

(س) وفى حديث عثمان «أنه دخل عليه فقيل له : أبأمرك هذا؟ فقال : كُلّ ذاك» أى بعضه عن أمرى ، وبعضه بغير أمرى.

موضوع «كل» الإحاطة بالجميع ، وقد تستعمل فى معنى البعض ، وعليه حمل قول عثمان ، ومثله قول الراجز :

قالت له وقولها مرعىّ

إنّ الشّواء خيره الطّرىّ

وكُلُ ذاك يفعل الوصىّ

أى قد يفعل ، وقد لا يفعل.

(كلم) (ه) فيه «أعوذ بكَلِمات الله التامّات» قيل : هى القرآن ، وقد تقدّمت فى حرف التاء.

وفيه «سبحان الله عدد كَلِماته» كلماتُ الله : كلامُه ، وهو صفته ، وصفاته لا تنحصر ، فذكر العدد هاهنا مجاز ، بمعنى المبالغة فى الكثرة.

__________________

(١) لم يرد هذا القول فى نسخة الهروى التى بين يدىّ. ولعل الأمر التبس على المصنّف ، فوضع «الهروى» مكان «الجوهرى» لأن هذا الشرح بألفاظه فى الصحاح (كلل).

١٩٨

وقيل : يحتمل أن يريد عدد الأذكار. أو عدد الأجور على ذلك ، ونصب «عددا» على المصدر.

(ه) وفى حديث النساء «استحللتم فروجهنّ بكلِمة الله» قيل : هى قوله تعالى «فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ».

وقيل : هى إباحة الله الزّواج وإذنه فيه.

وفيه «ذهب الأوّلون لم تَكْلِمْهم الدنيا من حسناتهم شيئا» أى لم تؤثّر فيهم ولم تقدح فى أديانهم. وأصل الكَلْم : الجرح.

ومنه الحديث «إنّا نقوم على المرضى ونداوى الكَلْمَى» هو جمع : كَلِيم ، وهو الجريح ، فعيل بمعنى مفعول. وقد تكرر ذكره اسما وفعلا ، مفردا ومجموعا.

(كلا) ـ فيه «تقع فتن كأنها الظّلل ، فقال أعرابى : كَلَّا يا رسول الله» كَلَّا : ردع فى الكلام وتنبيه وزجر ، ومعناها : انته لا تفعل ، إلّا أنها آكد فى النّفى والرّدع من «لا» لزيادة الكاف.

وقد ترد بمعنى حقّا ، كقوله تعالى «كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ» والظّلل : السّحاب وقد تكرر فى الحديث.

(باب الكاف مع الميم)

(كمأ) (س) فيه «الكَمْأَة من المنّ ، وماؤها شفاء للعين» الكَمْأَة معروفة ، وواحدها : كَمْءٌ ، على غير قياس. وهى من النّوادر ، فإن القياس العكس.

(كمد) (س) فى حديث عائشة «كانت إحدانا تأخذ الماء بيدها فتصبّ على رأسها بإحدى يديها فتُكْمِدُ شقّها الأيمن» الكُمْدة : تغيّر اللّون. يقال : أَكْمَدَ الغسّال الثّوب إذا لم ينقّه.

(س) وفى حديث جبير بن مطعم «رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عاد سعيد بن العاص فكَمَّدَه بخرقة» التَّكْمِيد : أن تسخّن خرقة وتوضع على العضو

١٩٩

الوجع ، ويتابع ذلك مرّة بعد مرة ليسكن ، وتلك الخرقة : الكِمَادَةُ والكِماد.

ومنه حديث عائشة «الكِمَادُ مكان الكىّ» أى أنه يبدل منه ويسدّ مسدّه. وهو أسهل وأهون.

(كمس) ـ فى حديث قسّ [فى](١) تمجيد الله تعالى «ليس له كيفيّة ولا كَيْمُوسِيَّة» الكَيْمُوسِيَّة : عبارة عن الحاجة إلى الطّعام والغذاء. والكَيْمُوس فى عبارة الأطبّاء : هو الطعام إذا انهضم فى المعدة قبل أن ينصرف عنها ويصير دما ، ويسمّونه أيضا : الكيلوس.

(كمش) (ه) فى حديث موسى وشعيب عليهما‌السلام «ليس فيها فشوش ولا كَمُوشٌ» الكَمُوش : الصغيرة الضّرع ، سمّيت بذلك لانْكِماش ضرعها ، وهو تقلّصه. وانْكَمَشَ فى هذا الأمر : أى تشمّر وجدّ.

ومنه حديث عليّ «بادر من وجل ، وأَكْمَشَ فى مهل».

ومنه كتاب عبد الملك إلى الحجاج «فاخرج إليهما كَمِيشَ الإزار» أى مشمّرا جادّا.

(كمع) (ه) فيه «أنه نهى عن المُكَامَعَة» هو أن يضاجع الرجل صاحبه فى ثوب واحد ، لا حاجز بينهما. والكَمِيع : الضّجيع. وزوج المرأة كَمِيعُها.

(كمكم) (ه) فى حديث عمر «أنه رأى جارية مُتَكَمْكِمَة فسأل عنها» كَمْكَمْتُ الشىء ، إذا أخفيته. وتَكَمْكَمَ فى ثوبه : تلفّف فيه. وقيل : أراد متكمّمة ، من الكمّة : القلنسوة ، شبّه قناعها بها.

(كمم) ـ فيه «كانت كِمامُ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بطحا» وفى رواية «أَكِمَّة» هما جمع كثرة وقلّة للكُمَّة : القلنسوة ، يعنى أنها كانت منبطحة غير منتصبة.

[ه] وفى حديث النّعمان بن مقرّن «فليثب الرجال إلى أَكِمَّة خيولها» أراد مخالبها التى علّقت فى رؤوسها ، واحدها : كِمام ، وهو من كِمَام البعير الذى يُكَمُ به فمه ؛ لئلا يعضّ.

وفيه «حتى ييبس فى أكمامِه» جمع : كِمّ ، بالكسر. وهو غلاف الثّمر والحبّ قبل أن يظهر. والكُمُ ، بالضم : ردن القميص.

__________________

(١) من ا ، واللسان.

٢٠٠