مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ١

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ١

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٥
الجزء ١ الجزء ٢

تقدم في الأول في معنى الإشارة ، وكان نقش خاتمه الذي تصدق : سبحان من فخري بأني له عبد.

وفي كتابه رفعه بإسناده إلى علي وابن عباس وأبي مريم قالا : دخلنا على عبد الله بن عطاء ، قال أبو مريم : حدّث عليّا بالحديث الذي حدّثتني عن أبي جعفر ، قال : كنت عند أبي جعفر حالة إذ مر عليه ابن عبد الله بن سلام قلت : جعلني الله فداك ، هذا ابن الذي عنده علم من الكتاب؟ قال : لا ، ولكنه صاحبكم علي بن أبي طالب الذي نزلت فيه آيات من كتاب الله عزوجل : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) [الرعد : ٤٣] ، (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) [هود : ١٧] ، (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ...) الآية [المائدة : ٥٥] (١).

وفي (تفسير الثعلبي) رفعه إلى ابن أبي حكيم عتبة ، والسدي ، وغالب بن عبد الله: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) [المائدة : ٥٥] علي بن أبي طالب عليه‌السلام لأنه مرّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه (٢).

وبإسناده رفعه إلى عبد الله بن عباس قال : بينا عبد الله بن عباس رضي الله عنه جالس على شفير زمزم يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبل رجل معتمّ بعمامة فجعل ابن عباس رضي الله عنه لا يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا وقال الرجل : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له ابن عباس : سألتك بالله ، من أنت؟ قال : فكشف عن

__________________

(١) المصدر السابق ص ١٢٣ برقم (١٤٣) ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وبرقم (١٤٤) عن علي بن عابس ، وأبي مريم ، عن عبد الله بن عطاء ، عن أبي جعفر ، والأول مناقب ابن المغازلي ص ٣١٣ ، والثاني ص ٣١٣ ـ ٣١٤.

(٢) الحديث في المصدر السابق ص ١١٩ برقم (١٥٧) وعزاه محققه إلى تفسير الثعلبي المخطوط ، ص ٧٤ ، و (غاية المرام) ص ١٠٤.

٤٠١

وجهه ، وقال : يا أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري ، أبو ذر الغفاري (١) ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهاتين وإلا فصمّتا ، ورأيته بهاتين وإلا فعميتا ، يقول : «علي قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله» أما إني صليت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما من الأيام صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل إلى السماء ، وقال : اللهمّ ، اشهد أني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئا ، وكان علي راكعا فأومأ بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال : «اللهمّ ، إن موسى سألك فقال : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي ، يَفْقَهُوا قَوْلِي ، وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ، هارُونَ أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) [طه ٢٥ ـ ٣٢] ، فأنزلت عليه : (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا) [القصص : ٣٥] ، اللهم وأنا محمد نبيك ووصيك وصفيك ، اللهمّ ، فاشرح صدري ، ويسر لي أمري ، واجعل لي وزيرا من أهلي ، عليّا اشدد به ظهري» قال أبو ذر : فما استتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلمة حتى نزل جبريل عليه‌السلام من عند الله تعالى ، فقال : يا محمد ، اقرأ. فقال : وما

__________________

(١) أبو ذر الغفاري : جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد ، من بني غفار أبو ذر الصحابي الجليل ، المتوفى سنة ٣٢ ه‍ ، أحد النجباء ، قديم الإسلام ، يقال : أسلم بعد أربعة وكان خامسا ، يضرب به المثل في الصدق ، وهو أول من حيّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتحية الإسلام ، هاجر بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بادية الشام ، وأقام إلى وقت عثمان ، وسكن دمشق ، وجعل ديدنه تحريض الفقراء على مشاركة الأغنياء في أموالهم وإنكار عبث معاوية وولاة عثمان بأموال الأمة ، فشكاه معاوية إلى عثمان الذي طلبه إلى المدينة فنفاه إلى الربذة ، وسكنها إلى أن مات غريبا. أخباره كثيرة ، وفي سيرته كتب منها : لأبي منصور ظفر بن حمدون. ذكره النجاشي ، ومثله لابن بابويه القمي ، وآخر لعلي ناصر الدين وغيرها. وروى عنه أئمتنا الخمسة ، والشريف السيلقي ، وأبو الغنائم النرسي ، والجماعة.

المصادر : معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين ترجمة برقم (١٥٨). وانظر بقية المصادر هناك.

٤٠٢

أقرأ؟ قال اقرأ : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) [المائدة : ٥٥] (١).

فهذه نبذة من الآثار المتفق عليها جعلتها تذكرة للمنتهي ، وتبصرة للمبتدي ، وتنكبنا رواية الشيعة على اتساع نطاقها ، وثبوت ساقها ، ليعلم المستبصر أن دليل الحق واضح المنهاج ، مضيء السراج ، فصح الموضع الأول.

وأما الموضع الثاني وهو أن ذلك يفيد الإمامة فلأن السابق إلى الأفهام من معنى لفظ: ولي المالك للتصرف ، كما يقال : هذا ولي المرأة وولي اليتيم الذي يملك التصرف عليهما ، فلما كان الله تعالى مالكا للتصرف على عباده وكذلك الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجب ذلك لعليعليه‌السلام بمقتضى هذه الآية ، فثبتت بذلك إمامته عليه‌السلام ، وإذ قد فرغنا بما يتعلق بمعنى الآية فلنذكر الخبر وما يتعلق بمعناه.

ومن (مسند ابن حنبل) رفعه إلى البراء بن عازب قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم ، ونودي فينا الصلاة جامعة ، وكسح لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لهم : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه» فلقيه عمر فقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة (٢).

__________________

(١) الحديث في عمدة عيون صحاح الأخبار تفسير آية (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) ص ١١٩ ـ ١٢١ برقم (١٥٨) بطوله ، وعزاه إلى (تفسير الثعلبي) المخطوط ص ٧٤ وغاية المرام ص ١٠٤.

(٢) حديث الغدير : أخرجه ابن البطريق في كتاب (العمدة) الفصل الرابع عشر في ذكر يوم غدير خم برقم (١١٣) بسنده عن البراء بن عازب ، وفيه : وكسح لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي فقال : «ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا : بلى ، قال : فأخذ بيد علي عليه‌السلام فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ...» إلخ. قال جعفر سبحاني محقق كتاب (العمدة) : هو في مسند أحمد الجزء الرابع ص ٢٨١ ، وكتاب فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ج ٢ / ص ٥٩٦ حديث (١٠١٦).

٤٠٣

وفي مسنده بإسناده عن [ميمون أبي عبد الله] (١) قال : قال زيد بن أرقم وأنا أسمع نزلنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بواد ، يقال له : وادي غدير خم ، فأمر بالصلاة فصلاها قال : فخطب وظلل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثوب بسط على شجرة من الشمس فقال النبي : «أو لستم تعلمون ، أو لستم تشهدون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا : بلى. فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه» (٢). ومنه يرفعه إلى أبي الطفيل قال : جمع علي عليه‌السلام الناس بالرحبة ، ثم قال : أنشد بالله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم [ما سمع] لما قام ، فقام ثلاثون رجلا من الناس ، فقال : قام أبو نعيم فقام أناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده ، فقال للناس : «أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

قالوا : نعم يا رسول الله. قال : من كنت مولاه [فهذا] مولاه. اللهم ، وال من والاه وعاد من عاداه» (٣).

وبإسناده يرفعه إلى زيد بن أرقم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من كنت مولاه فعلي مولاه» (٤) ، ومثله بغير زيادة يرفعه إلى ماذان ، عن أبي عمر (٥) ، ومثله بطريق غير

__________________

(١) وفي الأصل ابن ميمون عبد الله ، وقد أثبتنا ما بين المعقوفتين من العمدة.

(٢) أخرجه ابن البطريق في المصدر السابق ص ٩٢ ـ ٩٣ برقم (١١٤) وفيه فأمر بالصلاة فصلاها بهجير ثم قال : فخطبنا وظلل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثوب على شجرة سمرة من الشمس. قلت : (الهجير : نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر. والسمرة : شجرة صغار الورق ، قصار الشوك ، وله برمة صفراء يأكلها الناس) انظر لسان العرب. قال جعفر سبحاني في حاشية كتاب العمدة المطبوعة : الحديث في مسند أحمد ج ٤ ص ٣٧٢ وفضائل الصحابة ج ٢ ص ٥٩٧ (خ) ١٠١٧.

(٣) أخرجه ابن البطريق في كتاب العمدة ص ٩٣ برقم (١١٥) ، وهو في مسند أحمد ج ٤ ص ٣٧٠ ، وفضائل الصحابة ج ٢ / ص ٦٨٢ (خ) ١١٦٧.

(٤) أخرجه ابن البطريق في كتاب (العمدة) ص ٩٣ برقم (١١٧) ، وفيه زيادة : «قال سعيد بن جبير : وأنا قد سمعت مثل هذا ، عن ابن عباس ، قال محمد : أظنه قال وكتمه» وعزاه المحقق إلى فضائل الصحابة لابن حنبل ج ٢ / ص ٥٦٩ (خ) ٩٥٩.

(٥) هو في (العمدة) ص ٩٤ برقم (١١٩) زاذان أبي عمر ، وعزاه المحقق إلى فضائل الصحابة لابن حنبل ج ٢ ص ٥٨٥ ـ ٥٨٦ (خ) ٩٩١ ، وإلى مسند أحمد ج ١ ص ٨٤.

٤٠٤

الأولى يرفعه إلى زيد بن أرقم (١) ، وقريبا منه رفعه بإسناده إلى ابن إسحاق ، قال : سمعت عمر الحديث. وزاد فيه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «اللهمّ ، وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، وأحب من أحبه ، وأبغض من أبغضه» (٢).

وبإسناده إلى البراء بن عازب قال : أقبلنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع حتى كنا بغدير خم ، فنودي فينا إلى الصلاة جامعة ، وكسح لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين شجرتين ، فأخذ بيد علي وقال : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : ألست أولى بكل مؤمن ومؤمنة من نفسه؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : هذا مولى من أنا مولاه ، اللهمّ ، وال من والاه ، وعاد من عاداه» فلقيه عمر فقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب!! أصبحت مولاي وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة (٣).

وبإسناده فيه ، رفعه إلى ابن أبي ليلى الكندي ، أنه حدثه قال : سمعت زيد بن أرقم ، يقول ، ونحن ننتظر جنازة : فسأله رجل من القوم ، فقال : أبا عامر أسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعلي عليه‌السلام : «من كنت مولاه فعلي مولاه» ، قال : نعم. قال أبو ليلى : فقلت لزيد بن أرقم : قالها؟ قال : نعم ، قالها أربع مرات (٤).

__________________

(١) أخرجه ابن البطريق في كتاب (العمدة) ص ٩٥ برقم (١٢٠) ، عن عطية العوفي ، عن زيد بن أرقم ، وعزاه محققه إلى فضائل الصحابة لابن حنبل ج ٢ ص ٥٨٦ (خ) ٩٩٢ ، ومسند ابن حنبل ج ٤ ص ٣٦٨.

(٢) أخرجه ابن البطريق في كتابه (العمدة) ص ٩٥ (حديث الغدير) برقم (١٢٢) عن شعبة بن أبي إسحاق قال : سمعت عمر وزاد فيه ... إلخ. وعزاه المحقق إلى فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ج ٢ ص ٥٩٩ (خ) ١٠٢٢.

(٣) أخرجه ابن البطريق في (العمدة) ص ٩٥ ـ ٩٦ برقم (١٢٣) ، وعزاه المحقق إلى فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ج ٢ ص ٦١٠ (خ) ١٠٤٢.

(٤) أخرجه ابن البطريق في كتاب (العمدة) ص ٩٦ برقم (١٢٤) ، وعزاه محققه إلى فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ج ٢ / ص ٦١٣ (خ) ١٠٤٨.

٤٠٥

وبإسناده إلى بريدة الأسلمي ، قال : غزوت مع علي عليه‌السلام أرض اليمن فرأيت منه جفوة ، فلمّا قدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكرت عليا فنقصته ، فرأيت وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتغيّر فقال : «يا بريدة ، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت : بلى ، يا رسول الله ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه» (١) ومثله بإسناده حديثان إلى أبي بريدة(٢).

ومن (تفسير الثعلبي) بإسناده في تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [المائدة : ٦٧] ، فلما نزلت هذه الآية أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي ، وقال : «من كنت مولاه فعلي مولاه» (٣).

وبإسناده رفعه إلى البراء بن عازب قال : لما أقبلنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع بغدير خمّ ، فنادى : إن الصلاة جامعة ، وكسح للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرتين ، فأخذ بيد علي فقال : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى ، يا رسول الله.

قال : ألست أولى بكل مؤمن ومؤمنة من نفسه؟ قالوا : بلى. قال : هذا مولى من أنا مولاه ، اللهمّ ، وال من والاه وعاد من عاداه» ، فلقيه عمر فقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب!! أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة (٤) ، ومثله رفعه إلى ابن عباس بلفظ يقرب من الأول (٥).

__________________

(١) أخرجه ابن البطريق في كتاب (العمدة) ص ٩٧ برقم (١٢٧) وعزاه محققه إلى فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ج ٢ ص ٥٨٤ (خ) ٩٨٩ ، ومسند أحمد ج ٥ ص ٣٤٧.

(٢) أخرجه ابن البطريق في كتاب (العمدة) ص ٩٧ برقم (١٢٤) وعزاه محققه إلى فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ج ٢ ص ٥٦٣ (خ) ٩٤٧.

(٣) أخرجه ابن البطريق في كتاب العمدة ص ٩٩ برقم (١٣٢) ، وقال محققه : هو في تفسير الثعلبي المخطوط ص ٧٨.

(٤) أخرجه ابن البطريق في كتاب (العمدة ص ١٠٠ برقم (١٣٣) وعزاه محققه إلى تفسير الثعلبي المخطوط ص ٧٨.

(٥) أخرجه ابن البطريق في كتاب (العمدة) ص ١٠٠ برقم (١٣٤) ، وعزاه محققه إلى تفسير الثعلبي المخطوط ص ٧٨.

٤٠٦

ومن (تفسير الثعلبي) أيضا في تفسير قوله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) [المعارج : ١] بإسناده قال : سئل سفيان بن عيينة عن قوله عزوجل : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) [المعارج : ١] ، فيمن نزلت؟ قال : لقد سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك. حدثني جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام قال : لما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم نادى الناس ، فاجتمعوا ، فأخذ بيد علي ـ صلى الله عليهما ـ قال : «من كنت مولاه فعلي مولاه» ، فشاع ذلك وطار في البلاد ، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري ، ثم أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ناقته حتى أتى الأبطح ، فنزل عن ناقته فأناخها وعقلها ، فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في ملأ من أصحابه فقال : يا محمد ، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله فقبلناه ، وأمرتنا أن نصلّي خمسا فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نصوم شهرا فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نحجّ البيت فقبلناه منك ، ثم لم ترض هذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا وقلت : «من كنت مولاه فعلي مولاه» وهذا شيء منك أم من الله؟ فقال : «والذي لا إله إلا هو أنه من أمر الله» ، فولى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول : اللهم ، إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله ، فأنزل الله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ، لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) [المعارج : ١ ، ٢] (١) وهذا كما ترى يدل على خبر الغدير وقع في الورود والصدور ليكون جمعا بين الأخبار ، وتصديقا للآثار ، فهذا هو الواجب فيها عند أهل العلم.

ومن (الجمع بين الصحاح) في باب مناقب علي عليه‌السلام ذكره رزين العبدري بإسناده ، من صحيح أبي داود السجستاني ، وهو [كتاب السنن] (٢) ،

__________________

(١) أخرجه ابن البطريق ص ١٠٠ ـ ١٠١ برقم (١٣٥) قال محققه : لاحظ غاية المرام ص ٣٩٧.

(٢) قال في الأصل : (وهو كاتب السيرة) وهو خطأ ففي كتاب العمدة (وهو كتاب السنن).

٤٠٧

ومن (صحيح الترمذي) قال : عن أبي سرحة ، وزيد بن أرقم ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من كنت مولاه فعلي مولاه» (١).

ومن مناقب الفقيه أبي الحسن علي بن المغازلي الواسطي الشافعي بإسناده ، يرفعه إلى الوليد بن صالح ، عن [ابن] امرأة زيد بن أرقم قال : أقبل نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكة في حجة الوداع حتى نزل بغدير الجحفة بين مكة والمدينة فأمر بالدوحات فقمّ ما تحتهن من شوك ، ثم نادى : الصلاة جامعة فخرجنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم شديد الحر إن منّا لمن يضع رداءه على رأسه ، وبعضه تحت قدميه من شدة الحر ، حتى انتهينا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلّى بنا الظهر ثم انصرف إلينا فقال : «الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونؤمن به ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن أضل ، ولا مضل لمن هدى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد : أيها الناس ، فإنه لم يكن لنبي من العمر إلا نصف ما عمّر من قبله ، وأن عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة ، وأنا قد أشرعت في العشرين ، ألا وإني يوشك أن أفارقكم ، ألا وإني مسئول وأنتم مسئولون ، فهل بلغتكم؟ فما ذا أنتم قائلون»؟ فقام [من كل] ناحية من القوم مجيب يقولون : نشهد أنك عبد الله ورسوله وقد بلغت رسالته ، وجاهدت في سبيله ، وصدعت بأمره ، وعبدته حتى أتاك اليقين ، فجزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته ، فقال : «ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن الجنة حق ، والنار حق ، وتؤمنون بالكتاب كله؟ قالوا : بلى ، قال : أشهد أنكم قد صدقتم وصدقتموني ، ألا وإني فرطكم وأنتم تبعي ، توشكون أن تردوا عليّ الحوض فأسألكم حين تلقوني عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما؟ قال : فأعيل علينا ما ندري ما الثقلان؟ حتى قام رجل من المهاجرين وقال : بأبي وأمي

__________________

(١) أخرجه ابن البطريق في كتاب (العمدة) ص ١٠٣ برقم (١٣٨) وعزاه محققه إلى (صحيح مسلم) ج ٧ ص ١٢٣.

٤٠٨

أنت ـ يا رسول الله ـ ما الثقلان؟ قال : الأكبر منهما كتاب الله سبب ، طرف بيد الله تعالى وطرف بأيديكم ، فتمسكوا به ولا تلووا ، ولا تضلوا ، والأصغر منهما عترتي ، من استقبل قبلتي ، وأجاب دعوتي ، فلا تقتلوهم ، ولا تقهروهم ، ولا تقصروا عنهم ، فإني قد سألت لهما اللطيف الخبير فأعطاني ، ناصرهما لي ناصر ، وخاذلهما لي خاذل ، ووليهما لي ولي ، وعدوهما لي عدو ، ألا فإنها لم تهلك أمة قبلكم حتى تدين بأهوائها وتظاهر على نبوتها وتقتل من قام بالقسط منها ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها ، وقال : من كنت وليه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» قالها ثلاثا آخر الخطبة (١).

وهذا كله خبر في هذا الباب ؛ لأن تفصيله قد ورد في الصحاح ما يختص بأهل البيت مفردا ، وما يختص بحديث ولاية علي عليه‌السلام وحده أيضا ، وسبب ذلك أن الشرح لما طال روى كل إنسان ما حفظ ، وبعض الروايات أتم من بعض.

وفيه بإسناده مثله ، إلا أنه ذكر فضل صيام يوم الثامن عشر ، وقفه على أبي هريرة : «من صامه كتب له صيام ستين شهرا» (٢) والتقرير إذا وقف على الصحابي حمل على التوقف من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا دليل على عظم خطر هذا اليوم بحسن موقعه في الإسلام بدلالة اتباع الكتاب والعترة وتقرر ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام على الأمة ، وفيه زيادة قول عمر: بخ! بخ! يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة قال : فأنزل الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : ٣] (٣).

__________________

(١) أخرجه ابن البطريق في كتاب العمدة ص ١٠٤ ـ ١٠٦ برقم (١٤٠) وعزاه محققه إلى (مناقب ابن المغازلي) ص ١٦ ـ ١٨.

(٢) أخرجه ابن البطريق في كتاب العمدة في حديث (الغدير) ص ١٠٦ برقم (١٢١) وعزاه محققه إلى مناقب ابن المغازلي ص ١٨ ـ ١٩.

(٣) انظر التخريج السابق.

٤٠٩

وفيه مثله ، بإسناده رفعه إلى جابر بن عبد الله ، بزيادة في أوله : إن الناس لما نزلوا بغدير خم تنحوا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمر عليا فجمعهم ، فلما اجتمعوا قام فيهم وهو متوسد يد علي عليه‌السلام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : «أيها الناس ، إني قد كرهت تخلفكم عني حتى خيل إلي أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني ثم قال : لكن علي بن أبي طالب أنزله الله مني بمنزلتي منه فرضي الله عنه كما أنا عنه راض ، وإنه لا يختار على فرقي ومحبتي شيئا» ، ثم رفع يده وذكر الخبر ، قال : فابتدر الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكون ويتضرعون ، ويقولون : يا رسول الله ، ما جنبنا عنك إلا كراهة أن نثقل عليك ، فنعوذ بالله من سخط رسول الله ، فرضي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهم (١).

ومثله إلى اثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم سرد الخبر (٢) ، ورفع الحديث بإسناده مفرعا إلى مائة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم العشرة ، ومتن الحديث فيها ومعناه واحد ، وفيها زيادات نافعة في أول الحديث وآخره ، وسلك فيه اثنتي عشرة طريقا بعضها يؤدي إلى غير ما أدى إليه صاحبه من أسماء الرجال المتصلين بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

وقد ذكر محمد بن جرير الطبري صاحب التأريخ خبر يوم الغدير وطرقه من خمسة وسبعين طريقا ، وأفرد له كتابا سماه (كتاب الولاية).

وذكر أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة خبر يوم الغدير ، وأفرد له

__________________

(١) أخرجه ابن البطريق في كتابه (عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار) الفصل الرابع عشر في حديث الغدير ص ١٠٧ برقم (١٤٣) ، وعزاه محققه إلى مناقب ابن المغازلي ص ٢٥ ـ ٢٦.

(٢) أخرجه ابن البطريق في كتاب (العمدة) ص ١٠٧ ـ ١٠٨ ، وعزاه محققه إلى مناقب ابن المغازلي ص ٢٦.

(٣) انظر التخريج السابق ص ١٠٨ ، وعزاه المحقق إلى ابن المغازلي ص ٢٧ ، وانظر كتاب (العمدة) من ص ١٠٨ إلى ١١١ بأرقام ١٤٥ إلى ١٥٤. ومناقب ابن المغازلي التي رجع إليها محقق (العمدة) ص ١٩ ، ٢٠ ؛ ٢١ ، ٢٢ ، ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٥.

٤١٠

كتابا ، وطرقه من مائة وخمس طرق (١) ، ولا شك في بلوغه حدّ التواتر وحصول العلم به ولم نعلم خلافا لمن يعتدّ به من الأمة ، وهم فيه بين محتج به ومتأول له إلا من يرتكب طريقة البهت ومكابرة العيان ، ولم نذكر مما يتعلق برواية السبعة في هذا الحديث كلمة واحدة ؛ لأنا أردنا إلزام الحجة وكشف الحال ، وإلا فروايتهم فوق ما رويناه عن غيرهم ؛ لأنهم أهل هذا الشأن وهم أهل الجري في هذا الميدان ، فإذا فرغنا من الكلام في متن الخبر ، فلنتكلم في بيان معنى لفظة مولى في اللغة العربية.

اعلم أن أكثر ما قيل أو وجد في معنى لفظة (مولى) أنها تحتمل عشرة معاني :

لها : الأولى وهو الأصل والعماد الذي ترجع إليه المعاني في باقي الأقسام ، ثم اعلم أن أهل اللغة ومصنفي العربية قد نصّوا على أن لفظة (مولى) تفيد الأولى ، وفسروا ذلك في كتبهم من كتاب الله تعالى ومن أشعار العرب.

فأما من الكتاب العزيز فإن أبا عبيدة معمر بن المثنى (٢) وهو مقدم في علم العربية غير مطعون عليه في معرفتها ذكر في كتابه المتضمن (تفسير غريب القرآن) المعروف بالمجاز ، في سورة الحديد في تفسير قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [الحديد : ١٥] يريد جل اسمه : هي

__________________

(١) ذكر ذلك ابن البطريق (يحيى بن الحسين) في العمدة ص ١١١ ـ ١١٢. وما بعده من المعاني في لفظة المولى وهي المعاني العشرة ، قال ابن البطريق : اعلم أن لفظة مولى في اللغة تنقسم على عشرة أوجه وسرد مضمون ما سيذكره الإمام لاحقا.

(٢) معمر بن المثنى ، التيمي بالولاء ، البصري ، أبو عبيدة (١١٠ ـ ٢٠٩ ه‍) : أديب ، لغوي ، نحوي ، إخباري ، شاعر ، ولد بالبصرة سنة ١١٠ ه‍. وقيل : سنة ١١١ ه‍ وقيل : سنة ١١٢ ه‍ ؛ وقيل : سنة ١٠٨ ه‍ ، وقيل : سنة ١٠٩ ه‍. وتوفي بها سنة ٢٠٩ ه‍. وقيل : سنة ٢١٠ ه‍ ، وقيل : سنة ٢١١ ه‍ ، وقيل : سنة ٢١٣ ه‍ ، وقيل : سنة ٢٠٧ ه‍ ، وقيل : سنة ٢٠٨ ه‍ ، له مؤلفات كثيرة منها : معاني القرآن ـ نقائض جرير والفرزدق ـ أخبار قضاة البصرة ـ مقاتل الفرسان ـ غريب بطون العرب. وقيل : كانت تصانيفه نحو ٢٠ مصنفا ، قرأ عليه الرشيد شيئا منها. وروى عنه إسحاق بن إبراهيم الموصلي ، وهو الذي استقدمه من البصرة ، خرّج له السيد أبو طالب ، وروى عن هشام بن عروة ، وأبي عمرو بن الوليد وغيرهما. وعنه : أبو حاتم السجستاني ، وهاشم بن سلام ، وعمر بن شيبة وآخرون. المصادر : انظر معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين ترجمة رقم (٨٤٤) ، وانظر بقية المصادر هناك.

٤١١

أولى بكم على ما جاء في التفسير ، واستشهد بقول لبيد :

ففدت كلا الفرخين تحسب أنه

مولى المخالفة خلفها وأمامها

معناه أولى بالمخافة. [يريد أن هذه الظبية تحيرت فلم تدر أخلفها أولى بالمخافة أم أمامها] (١).

ويقول الأخطل في عبد الملك بن مروان :

فما وجدت فيها قريش لأمرها

أعف وأوفى من أبيك وأمجدا

وأورى بزنديه ولو كان غيره

غداة اختلاف الناس أكدى وأصلدا

فأصبحت مولاها من الناس كلهم

وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا

فخاطبه بلفظ مولى وهو [عند نفسه] (٢) خليفة مطاع الأمر من حيث اختص بالمعنى الذي احتمله ، وليس أبو عبيدة متهما بالتقصير في علم اللغة ولا مظنونا به الميل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام [بل هو معدود من جملة الخوارج وقد شاركه في مثل ذلك التفسير ابن قتيبة وهو أيضا لا ميل له إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام] (٣) إلا أنه لو علم أن الحق في غير هذا المعنى لقاله.

وقال الفراء (٤) في كتابه (كتاب معاني القرآن) في ذكر تفسير هذه الآية : إن

__________________

(١) زيادة في كتاب (العمدة) لابن البطريق ص ١١٢.

(٢) زيادة في الأصل وليست في كتاب (العمدة).

(٣) ما بين المعقوفين ليس في الأصل ، وهو في كتاب (العمدة) ص ١١٣.

(٤) الفراء : هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي (١٤٤ ـ ٢٠٧ ه‍) مولى بني أسد أبو زكريا ، المعروف بالفراء ، إمام الكوفيين ، وأعلمهم بالنحو ، واللغة ، وفنون الأدب ، ولد بالكوفة ، وانتقل إلى بغداد ، وعهد إليه المأمون بتربية ابنيه ، فكان أكثر مقامه بها فإذا جاء آخر السنة انصرف إلى الكوفة وأقام أربعين يوما في أهله يوزع عليهم ما جمعه ويبرهم ، وتوفي في طريق مكة ، وكان فقيها ، متكلما ، عالما بأيام العرب وأخبارها ، يميل إلى الاعتزال ، وأبوه عرف بالأقطع لأن يده قطعت في معركة فخ سنة ١٦٩ ه‍ ، وقد شهدها مع الإمام الحسين الفخي ، وله مؤلفات كثيرة منها : كتاب (الحدود في النحو) ، (المصادر في القرآن) ، (والمقصور والممدود). المصادر : انظر معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين ، وانظر بقية المصادر هناك.

٤١٢

الولي والمولى في لغة العرب واحد.

وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري (١) في كتابه المعروف ([بتفسير] المشكل في القرآن) في ذكر أقسام المولى : إن المولى الولي ، والمولى الأولى بالشيء ، واستشهد على ذلك بالآية المتقدم ذكرها وببيت لبيد أيضا ، وأنشد لغير لبيد :

كانوا موالي حق يطلبون به

فأدركوه وما ملوا ولا لغبوا

وقد روي أن في قراءة ابن مسعود : إنما مولاكم الله ورسوله مكان قوله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) ، وفي الحديث : «أيما امرأة تزوجت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل» (٢) ، والمعلوم من ذلك أن المراد بمولاها وليها والذي هو أولى الناس بها ، والأخطل هو أحد شعراء العرب وممن لا يطعن عليه في معرفة [اللغة] (٣) ولا ميل له إلى مذهب الإسلام ، بل هو من المبرزين في علم اللغة.

وقد حكي عن أبي العباس المبرد (٤) أنه قال : الولي هو الأحق والأولى ومثله

__________________

(١) محمد بن القاسم الأنباري : هو محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري ، أبو بكر (٢٧١ ـ ٣٢٨ ه‍) : أديب ، نحوي ، لغوي ، مفسر ، محدّث ، ولد بالأنبار على الفرات ، وأخذ عن أبيه ، وثعلب ، وطائفة. وعنه : الدار قطني ، وغيره ، كان يعلم أولاد الراضي العباسي ، وتوفي ببغداد. من تصانيفه : (الهاءات في كتاب الله) ، (غريب الحديث) ، (أدب الكاتب). لم يتمه ، خرّج له السيد أبو طالب ، والشريف السيلقي. المصادر : انظر معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين ترجمة رقم (٧٩١) ، وانظر بقية المصادر هناك.

(٢) أيما امرأة : هو في مسند الحميدي ٢٢٨ ، والمستدرك ٢ / ١٦٨ ، وفي مجمع الزوائد ٤ / ٢٨٥ ، وبلفظ : «أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل». أخرجه أحمد بن حنبل ٦ / ٦٦ ص ١٦٦ ، والدارمي ٢ / ١٣٧ ، وهو في مصادر كثيرة أخرى ، انظر موسوعة أطراف الحديث النبوي ٤ / ١٥٥.

(٣) زيادة في الأصل.

(٤) أبو العباس المبرد : محمد بن يزيد بن عبد الأكبر ، أبو العباس المبرد ، إمام العربية ببغداد في زمنه ، وأحد أعلام الأدب والأخبار ، مولده بالبصرة سنة ٢١٠ ه‍ ، ووفاته ببغداد سنة ٢٨٥ ه‍ ، وقيل : سنة ٢٨٦ ه‍ ، أخذ عن أبي عثمان المازني ، وأبي حاتم السجستاني. وعنه : نفطويه ، وغيره. من كتبه : (الكامل) ، (المقتضب) ، (شرح لامية العرب) ، (إعراب القرآن) ، (طبقات النحويين البصريين) ، (التعازي) ، (المراثي) وغيرها. خرّج له السيد أبو طالب.

المصادر : انظر معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين ترجمة رقم (٨٠٨) وانظر بقية المصادر هناك.

٤١٣

المولى ، فيجعل الثلاث عبارات لمعنى واحد ، ومن له أدنى أنس بالعربية وكلام أهلها لا يخفى عليه ذلك.

والثاني من أقسام المولى : هو مالك الرق قال الله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) ، (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) [النحل : ٧٥ ، ٧٦] يريد مالكه، والأمر في ذلك أشهر من أن يحتاج إلى استشهاد.

والثالث : المعتق.

والرابع : المعتق.

والخامس : ابن العم ، قال الله تعالى : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) [مريم : ٥] يعني بني العم ، ومنه قول الشاعر :

مهلا بني عمنا مهلا موالينا

لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا

والسادس : الناصر. قال الله تعالى : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) [التحريم : ٤] يريد : ناصره ، وقال تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) [محمد : ١١] يريد : لا ناصر لهم.

والسابع : المتولي ليضمن الجريرة وتحويز الميراث.

والثامن : الحليف. قال الشاعر :

موالي حلف لا موالي قرابة ....

والتاسع : الجار. قال الشاعر : مولى اليمين ومولى الجار والنسب

والعاشر : الإمام السيد المطاع.

٤١٤

وهذه الأقسام التسعة بعد الأولى إذا تؤمل المعنى فيها وجد راجعا إلى معنى الأولى ومأخوذ منه ؛ لأن مالك الرق لما كان أولى بتدبير عبده من غيره كان مولاه دون غيره ، والمعتق لما كان أولى بميراث المعتق من غيره كان مولاه كذلك ، والمعتق لما كان أولى بمعتقه في تحمل جريرته وألصق به ممن أعتقه غيره كان مولاه أيضا كذلك ، وابن العم لما كان أولى بالميراث ممن بعده عن نسبه وأولى بنصرة ابن عمه من الأجنبي كان مولاه لأجل ذلك ، والناصر لما اختصّ بالنصرة فصار بها أولى كان من أجل ذلك مولى ، والمتولي لتضمن الجريرة لما ألزم نفسه ما يلزم المعتق كان بذلك أولى ممن لا يقبل الولاء فصار به أولى بميراثه فكان بذلك مولى ، والحليف لاحق في معناه بالمتولي فلهذا السبب كان مولى ، والجار لما كان أولى بنصرة جاره ممن بعد عن داره وأولى بالشفعة في عقاره فلذلك صار مولى ، والإمام المطاع لما كان له من طاعة الرعية وتدبيرهم وملك التصرف عليهم ما يماثل الواجب بملك الرق كان بذلك مولى.

فصارت جميع تلك المعاني فيما حددناه ترجع إلى معنى الوجه الأول الذي هو الأولى وتكشف عن صحة معناه ، فيما ذكرناه في حقيقته ووصفناه ، فتأمل ذلك ففيه بيان لمن تأمله. فإن قيل : فإذا ثبت أن لفظة (مولى) قد تستعمل مكان الأولى وأنها أحد محتملاتها ، فما الدليل على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد بها يوم الغدير الأولى دون أن يكون أراد بها غيره من الأقسام التي يعبر بها عنها؟ قيل له : مقدمة الكلام التي بدأ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذكرها وأخذ إقرار الأمة بها من قوله عليه‌السلام : «ألست أولى بكم من أنفسكم» ثم عطف عليها بلفظ يحتملها ويحتمل غيرها دليل على أنه لم يرد بها غير المعنى الذي قررهم عليه من دون إحدى محتملاتها ؛ وأنه قصد بالمعطوف ما هو معطوف عليه ، فلا يجوز أن يرد من الحكيم تقرير بلفظ مقصور على معنى

٤١٥

مخصوص ثم يعطف عليه بلفظ يحتمله ، إلا ومراده المخصوص الذي ذكره وقرره دون [أن يكون أراد بها غيره] (١) ما عداه ، يوضح ذلك ويزيده بيانا أنه لو قال : ألستم تعرفون داري التي في موضع كذا ثم وصفها وذكر حدودها ، فإذا قالوا : بلى.

قال لهم : فاشهدوا أن داري وقف على المساكين ، وكانت له دور كثيرة لم يجز أن يحمل قوله في الدار التي وقفها على أنها الدار التي قررهم على معرفتها [ووصفها] وكذلك لو قال مثل ذلك في عبد من عبيده (٢) وقال : اشهدوا أن العبد حر ، حمل على من قدّم ذكره دون غيره.

وإذا كان الأمر على ما ذكرناه ثبت أن مراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [بقوله] : «من كنت مولاه فعلي مولاه» بمعنى الأولى الذي قدم ذكره وقرره ولم يجز أن يصرف إلى غيره من سائر أقسام لفظة (مولى) وما يحتمله ، وذلك يوجب أن عليا عليه‌السلام أولى بالناس من أنفسهم ، بما ثبت أنه مولاهم ، [مما أثبت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه أنه مولاهم] ، وأثبت له القديم تعالى أنه أولى بهم من أنفسهم ، فثبت أنه أولى بهم من أنفسهم ، فثبت أنه أولى بلفظ الكتاب العزيز وثبت أنه مولى بلفظ نفسه ، فلو لم يكن المعنى واحدا لما تجاوز ما حد له في لفظ الكتاب العزيز إلى لفظ غيره ، فثبت لعلي عليه‌السلام ما ثبت له في هذا المعنى من غير عدول إلى معنى سواه ، ويزيده بيانا أيضا أنا نتصفح جميع ما تحتمله لفظة (مولى) من الأقسام التي يعبر بها عنها ، وننظر ما يصح

__________________

(١) ليس في الأصل والزيادة في (العمدة) لابن البطريق ، وما زال الكلام لابن البطريق انظر من ص ١١٢ ـ ١١٩ من كتاب (العمدة).

(٢) قال في (العمدة) وكذلك لو قال لهم : ألستم تعرفون عبدي فلانا (النوبي) فإذا قالوا : بلى. قال لهم : فاشهدوا أن عبدي حر لوجه الله تعالى وكان له مع ذلك عبيد سواه لم يجز أن يقال : إنه أراد إلا عتق من قدرهم على معرفته دون غيره من عبيده وإن اشترك جميعهم في اسم العبودية (كتاب العمدة) ص ١١٤.

٤١٦

أن يكون مختصا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها ، وما لا يصح اختصاصه به ، وما يجوز أن يوجبه لغيره في تلك الحال مما يخصه ، وما لا يجوز أن يوجبه ، ومع اعتبارها لا يوجد فيها [ما يوجبه] لأمير المؤمنين عليه‌السلام غير الأولى والإمام والسيد المطاع ؛ [لأن جميع الوجوه محتملة فتبين لك أنه لا يجوز أن يكون مراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوى ما ذكرنا ، فنقول وبالله التوفيق] (١) :

أما المالك والمعتق فلا يصح أن يكونا مراده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأن عليا لم يكن مالكا لرق من كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مالكه (٢) ، ولا يجوز له ما كان يجوز لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الوطء وتوابعه ، والعتق أبعد لأن الولاء لمن أعطى الورق ، كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولاء لمن أعتق ولا يباع ولا يوهب» (٣).

وأما أنهما معتقان ومولاهما واحد فهما حرا الأصل معروفا النسب أبا ، وأما الحليف والجار فلا يجوز أن يكون مراده ؛ لأن من في درجة علي شركة في مثل

__________________

(١) زيادة في الأصل ليست في العمدة ، ولفظ العمدة بعد : والإمام والسيد المطاع : (ونحن نذكرها مفصلة على البيان فنقول : أما المالك ... إلخ) ص ١١٤.

(٢) لفظ كتاب (العمدة) ص ١١٧ : أما المالك والمعتق فلا يصح أن يكونا مراده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأن عليا عليه‌السلام لم يكن مالكا لرق كل من ملك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رقه ، ولا معتقا لمن أعتقه. وأما المعتق فيستحيل أن ينسب إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأما الحليف والجار فلا يجوز أن يكونا مراده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأن الحليف هو المنضوي إلى غيره ، يمنع منه وينصره ، ولم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حليفا لأحد على هذا الوجه ، فيكون أمير المؤمنين عليه‌السلام حليفه ، ولا كان أيضا في كل حال جار من هو جاره. فأما منزلهما في المدينة فمعلوم أنه واحد ، فهو فيه جار من هو جاره ، وهذا ما لا فائدة في ذكره.

وأما ضامن الجريرة فلا يجوز أن يكون مراده ؛ لأنه لم يكن ضامن جريرة كل من ضمن جريرته ، ولا يصح أن يكون قد أوجب ذلك ، لأنه قد خاطب به الكافة ولم يكن ضامنا جرائرهم ، ومستحقا مواريثهم.

(٣) الحديث : أخرجه عبد الرزاق الصنعاني برقم (١٦١٤٥) وهو في فتح الباري ١٢ / ٤٤ وهو بلفظ : «الولاء لمن أعتق» في البخاري ٣ / ٢٠٠ ، ٢٥٠ ، وفي مسند أحمد بن حنبل ١ / ٢٨١ ، ٢ / ٢٨ ، ١٥٣ ، ١٥٨.

٤١٧

نسبه ، ولأنه لا يجوز أن تحتمل المشقة لمثل ذلك وهو معروف الشرع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانت المنة لمن عقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحلف.

وأما خبره السكنى : فإخباره به ورفع يده يكون عبثا.

وأما ضمان الجريرة فالخطاب وقع إلى الكافة ولا جرائر لهم ولا هو أيضا يستحق مواريثهم.

وأما الناصر وابن العم فلا يجوز أن يكونا مراده ؛ لأن ذلك معلوم ضرورة ؛ فلا يجوز من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجمع الناس في مثل ذلك المقام العظيم الكبير ويقفهم على الرمضاء ـ في الحر الشديد ـ ثم يعلمهم بما هم عالموه ويخبرهم بما هم متيقنوه ، وإذا لم يصح أن يكون مراده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا من هذه الأقسام علمنا أن مراده منها ما بقي منها مما هو واجب له على العباد ، ويصح أن يوجبه لمن أراد ، ولم يبق كما ترى غير قسمين وهما : الأولى ، والسيد المطاع] (١) ؛ ولأن عمر قد صرح بذلك وعلم معنى التفضيل ومزية الاختصاص بما قدمنا ذكره ، ولأن الخبر في الصحاح قد وردت منه قطعه تفيد معنى ولاية التصرف لأهل البيت باتباعهم ووجوب طاعتهم ، وأنه لا نجاة إلا بالتمسك بهم ، وعلي عليه‌السلام سيد أهل البيت ورأسهم مما جاء فيهم من ذكر صفوة ، وأحتسب أنا قد قدمنا ذكره من صحيح أبي داود ، ومن صحيح مسلم ، ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي والترمذي ، وهو ما رواه عن زيد بن أرقم أنه قال : قام فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال : «أما بعد أيها الناس ، فإنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم الثقلين أولها كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ـ فحث على كتاب الله ورغب

__________________

(١) إلى هنا انتهى كلام العمدة واختلف كلام الإمام عليه‌السلام عنه حتى أورد الحديث الآتي.

٤١٨

فيه ، ثم قال : وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي» (١) فأوصى بكتاب الله دفعة وبأهل بيته ثلاثا لتأكيد الحق وامتثال الأمر ، وعلي رأس أهل البيت ، والإجماع منعقد على أنه لا أمر لأحد منهم مع أمره ، ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حبلان ممدودان لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» ثم نعى إليهم صلوات الله عليه وعلى آله وسلم نفسه ، فكان الخبر وصية في آخر العمل لا يصح نسخها ، ويجب امتثالها ، فرحم الله من نظر بعين فكره ، وتوسم بمقتضى دليل عقله ، وعقل ما يعقله العالمون من براهين ربه وشريف آثار سنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا قد تقررت لك قواعد الخبر وظهرت فلنذكر ما يؤيد ما ذهبنا إليه من كون علي عليه‌السلام أولى بالأمر من سائر الصحابة رضي الله عنهم لأنه بلغنا أن زيدية الناجية قد كان بعضهم يذهب مذهب المعتزلة وهو يعلم أو لا يعلم ؛ والجهل لا يكون عذرا في الاعتقاد الفاسد ، فأردنا تبيين منهاج الرشد ، ونكشف وجه الحق ، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، ونذكر ما تيسر من الآثار على وجه الاختصار معراة عن التعليل وترتيب وجه الدليل ، ونكل العاقل في ذلك إلى نفسه ، وما تيسر له من توفيق ربه ، ومن الله سبحانه نستمد الهداية في البداية والنهاية.

ومن (الجمع بين الصحاح الستة) لرزين في الجزء الثالث ثلاثة في ثلثه الآخر في باب مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

ومن صحيح أبي داود وهو كتاب (السنن) ، وصحيح الترمذي بالإسناد إلى زيد بن أرقم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من كنت مولاه فعلي مولاه» (٢).

ومن (صحيح مسلم) في الجزء الرابع منه من أجزاء ستة في آخر الكراس الثانية

__________________

(١) الحديث صفحة ١١٨ من كتاب (العمدة) لابن البطريق وقد سبق تخريجه.

(٢) أخرجه ابن البطريق في كتاب (العمدة) ص ١٠٣ برقم (١٣٨) ، وقال محققه : هو في صحيح الترمذي ج ٥ ص ٦٣٣ برقم (٣٧١٣).

٤١٩

من أوله بإسناده إلى يزيد بن حباب قال : انطلقت أنا وحسين بن سيرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال حصين : لقد رأيت يا زيد خيرا كثيرا ، رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعت حديثه ، وغزوت معه وصليت ، لقد أوتيت يا زيد خيرا ، حدثنا يا زيد ما سمعت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا ابن أخي والله لقد كبر سني ، وقدم عهدي ، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما حدثتكم فاقبلوه ، وما لا فلا تكلفونيه ثم قال : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ، ثم قال : «أما بعد. أيها الناس ، إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله فيه النور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ـ فحث على كتاب الله ورغب فيه ـ ثم قال : وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي» فقال حصن : ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ فقال : نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده (١).

ومن ذلك ما ذكره في مسند ابن حنبل رفعه إلى أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» (٢) ثم رفعه بإسناده إلى سعد بن أبي وقاص وزاد فيه «أو ما ترضى» (٣) فكانت هذه الإشارة تفيد الولاية والشركة في الأمر ، ولأنه استثنى النبوة ، ورفعه من

__________________

(١) أخرجه ابن البطريق في كتاب (العمدة) ص ١٠٢ برقم (١٣٤) ، وعزاه محققه إلى صحيح مسلم ج ٧ ص ١٢٢ ـ ١٢٣.

(٢) أخرجه ابن البطريق في كتاب (العمدة) الفصل السادس عشر ، في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» ص ١٢٦ برقم (١٦٥) ، وهو في مسند أحمد بن حنبل ج ٣ ص ٣٢.

(٣) المصدر السابق ص ١٢١ برقم (١٦٦). وهو في مسند أحمد بن حنبل ج ١ ص ١٧٧.

٤٢٠