مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ١

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ١

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٥
الجزء ١ الجزء ٢

يصف الباري ـ تعالى ـ بصفاته التي وصفناه بها أو تحير فيما وصفناه به مرتاب ، فحكمه حكم الحربيين ، كما قدمنا قوله عليه‌السلام في صدر الكتاب ، وكذا من لم يصف الباري بما وصفناه به تعالى في التوحيد والعدل.

أما التوحيد فأثبتوا له تعالى ثمان صفات أزلية ، وهذا قول المجبرة والقدرية ، وأما المطرفية فجعلوا أربعين اسما هي قديمة ، هي الله والله هي ، فزادوا على مقالة النصارى المفترية ، والمجبرة القدرية.

وكان الإمام الأجل المتوكل على الله ـ عزوجل ـ أحمد بن سليمان عليه‌السلام يقول : إن المطرفي الواحد ثلاثة عشر نصراني وثلث ، وكان قد قضى عليه‌السلام بأنهم حربيون وأن مواضعهم التي هم فيها دار حرب ، وأجرى عليهم حكم أحكام الحربيين ؛ إذ لم يتمكن عليه‌السلام من إنفاذ ذلك بالفعل. قال عليه‌السلام : أو يذم له فعلا أو قيلا أو ينكر له سبحانه تنزيلا (١).

فهذه المجبرة ذامة لما زعمت أنه فعله تعالى ، وهو الزنى والفواحش وظلم العباد ، وكذلك المطرفية شاركتها في هذا ونيفت عليها بذم الامتحانات ، والأمور المنفور عنها من فعله تعالى ، حتى نفت عنه فعل الحرشات والهوام والمؤذيات ، والديدان والمستقذرات ، وجعلت ذلك تنزيها وتقديسا ، فجعلت إمامها إبليسا ، ونفت التنزيل جملة ، وأنكرته ، فزادت على من كذب التنزيل بعد الإقرار به ، ففي أمثال العرب (ويلا أهون (٢) من ويلين) ، وقال شاعرهم :

أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا

حنانيك بعض الشر أهون من بعض

أو يجحد له نبيا مرسلا ، والمطرفية جحدت جميع أنبيائه ، وقالت : إن النبوة فعلهم

__________________

(١) وكذلك ورد هذا الكلام في (الرسالة الهادية).

(٢) في (ب) : أهول من.

١٤١

دون أن تكون من الله تعالى اختصهم بها كما قال تعالى : (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ [وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ]) [آل عمران : ٧٤].

قال عليه‌السلام : أو ينسب إلى غيره فعلا من أفعاله ، وهذا قول المطرفية أخزاها الله تعالى ؛ فإنها نسبت الامتحانات والمنفرات إلى الشيطان ، ونفت ذلك كله عن الرحمن تعالى ، أكد الأمر عليه‌السلام لإعادة جريان الحكم الذي هو حكم المرتدين على من ذهب إلى ما قدمنا من أقوال المفترين ؛ فإن من جعل الآية سحرا وكهانة ؛ لا يزيد على من جعل النبوة فعلا للنبيعليه‌السلام ؛ لأن الكل نفي للاختصاص بالفضيلة من رب العالمين لمن أراد له ذلك من النبيين.

قال عليه‌السلام : فأي هذه الخلال المفسرة المعدودة ، والأمور التي ذكرنا المبينة المحدودة ، صار إليه بالكفر صائر ، ثم أقام على كفره [فيه] (١) كافر ، وجب قتله وقتاله ، وحل سباه وماله ، ولم تحل مناكحته ، ولم تحل ذبيحته ، وحرمت ولايته على المؤمنين ، وكان حكمه حكم المشركين.

فهذا كما ترى تصريح بما ذكرنا لا يمتري فيه من كان له أدنى بصيرة فضلا عن أعيان المسلمين وعلمائهم ، فأي لبس بقي لمن يحاول النجاة أو [يهتدي] بهدي الهداة ، فإن في دون ما ذكره عليه‌السلام وعلله وبرهنه وسهله ما ينقع الغلة ، ويزيح العلة ، ويوضح الأدلة.

واعلم أيدك الله وسددك وهداك وأرشدك أنه كما يلزم التثبت في الأمر ، والتحرز من الإقدام على الفعل إلا ببينة وبرهان معلومين تستباح بهما الدماء والفروج والأموال ؛ لأن الأصل هو الحظر فلا يخرج عن حكمه إلا بعلم ، وقد بينا لك ما في بعضه كفاية من البراهين النيرة ، فإنه يجب التحرز أيضا من الإحجام

__________________

(١) زيادة في (ب).

١٤٢

والشك والارتياب ، فقد ورد في ذلك الوعيد الشديد ، وأمر تعالى بالولاء والبراء حتما واجبا ، وفرضا لازبا ، ولا يكون البراء والولاء إلا بإظهار الأحكام على كل واحد من الفريقين بما حكم الله تعالى عند التمكن من ذلك لفظا ، وإمضائه عليه عند القدرة فعلا ، فقد أخبر تعالى أن من فريق المؤمنين من شك وتوقف عند إمضاء الحكم على الكافرين خيفة من دائرة أن تكون للكافرين فيها دولة فتنال من المؤمنين مضرة مجحفة ، ووعد تعالى بالفرج والفتح فقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فخاطبهم (١) بلفظ الإيمان ، وهو لفظ تعظيم وتشريف ، ولم يقل تعالى إلا حقا : (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ) [المائدة : ٥١ ، ٥٢] المرض هاهنا هو الشك والارتياب ، لا الكفر ؛ لأنه خاطبهم بلفظ الإيمان في أول الآية ، والكتاب الكريم محروس من التناقض ، ومسارعتهم فيهم رفع المضار عنهم ، والمدافعة دونهم ، بدليل قوله تعالى : (يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ) [المائدة : ٥٢] والذين أسروا في أنفسهم وهو مخافة دولة المشركين التي كفاه الله سبحانه بالفتح ، والأمر من عنده الذي هو الشهادة أو هلاك الكافرين بعذاب من عنده ، فإنه يكون نصرا ولا يكون فتحا ؛ لأن الفتح لا يكون إلا لما [تولوه] (٢) لأنفسهم وأعانهم الله تعالى عليه ، يقول تعالى إنهم حرموا أنفسهم الغنيمة من الوجهين مما أفاء الله تعالى عليهم من أموال الكافرين وسباياهم ، وما كان يدخر عليهم (٣) على إمضاء ذلك وإنفاذه من الثواب ؛ فأصبحوا نادمين في الآخرة إن

__________________

(١) في (أ) : خاطبهم.

(٢) في (أ) : يأتوه.

(٣) في (ب) : يدخر لهم.

١٤٣

استشهدوا ، أو في الدنيا إن وقع الفتح ، وزال ما كان في قلوبهم من الخيفة والشك ، وليس بين الموالاة والمباراة واسطة ، وقد أمر الله تعالى بالغلظة على الكفرة ، وقال تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ...) الآية [المجادلة : ٢٢] ، وقال تعالى : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) [الأحزاب : ٦٢] ، (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) [فاطر : ٤٣] ، وسنته في الكافرين القتل ، والسبي ، والسلب ، والخطر العظيم في الوجهين جميعا في تحريم الحلال ، كما هو في تحليل (١) الحرام ، ولهذا قال من آبائنا عليهم‌السلام من قال : لم أر إلا الخروج أو الكفر بما جاء به محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرأى ترك الفعل كفرا ، كما أن فعل العظيمة كفر. فنسأل الله الثبات في الأمر والتوفيق لما يحب ويرضى ؛ فلينظر المتأمل لكلامنا فيما جوزناه وقدرناه ، وكيف يصح لنا أن نستقيم على الدين ، ولا نقتدي بالصادق الأمين محمد صلوات الله عليه وعلى أبنائه الطيبين وننفذ أحكام رب العالمين ، على الكفرة والفاسقين ، والله تعالى يقول لجدنا صلوات الله تعالى عليه وعلى آله وسلامه : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) [الأحزاب : ٥٠] ؛ فجعل حكم ما أفاء الله عليه من حكم ملك يمينه كحكم الزوجات اللاتي آتاهن أجورهن ، والمتشكك في السبي كالمتشكك في النكاح ، والشاك في النكاح وجوازه مقتحم حرمة الوعيد ؛ فالواجب عليه الاحتراز والهرب إلى الله تعالى ، وإمضاء البصيرة بحلاله ؛ فالدين صعب مرامه ، شديد لزامه(٢) ، معرض للخطر حلاله وحرامه ، فمن حرم حلاله ، كمن حلل حرامه ، لا فرق في الخروج عن الدين بين من يقول : الماء حرام ، وبين من يقول : الخمر

__________________

(١) في (أ) : تحريم ، وهو خطأ.

(٢) في (أ) : إلزامه.

١٤٤

حلال ، فالله تعالى منّ على نبيه صلى الله عليه ما منّ به ، وأفاء عليه من ملك يمينه ، وجعل ذلك تعالى من معالم دينه ، ولقد عظمت البلوى على الشيعة الطاهرة بتواتر دول الجبابرة ، وتمادي أعصار الظلمة الفاجرة ، فأعظم من ذلك عليهم بلية ، وأدهى في الدين رزية ، أن يكون خصما للخائنين ، كأنهم لم ينظروا في علوم أئمتهم الهادين ، وإشاراتهم ، بل تصريحاتهم بأسماء المعاندين ؛ فإنك لا تكاد تجد في كتبهم أسماء أضدادهم عندهم عليهم‌السلام يخرج عن المشركين والكافرين ، فما بعد الأسماء إلّا الأحكام ، ولقد احتالت حذاق فقهاء الشافعية حتى أثبتت أسماء قياسية وعلقت بها الأحكام الشرعية كابن علية (١) وغيره.

فأما إنفاذ الأحكام بالعقل ، فلغيرك الجهل ، أنا أشرح لك شرحا مختصرا في أمر الشيعة من لدن أمير المؤمنين عليه‌السلام لتعلم أحوالهم أنها لم تكن متمكنة من كثير من الأقوال ، فضلا عن الأفعال ، ولقد كان (الأعمش) (٢) رحمه‌الله إذا أراد الكلام في أمر السلطان يقول لأصحابه : هل هنا أحد تنكرونه؟ فيقولون : لا. فيقول : من كان فأخرجوه إلى نار الله ؛ ولقد كان يسأل عن المسألة فلا يفتي فيها حتى يستثبت نسب السائل ودينه ، مخافة من سطوة الظلمة ، وكانوا بين قسمين : قتيل شهيد ، وخائف طريد.

__________________

(١) ابن علية : لعله إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي أبو إسحاق ابن علية.

قال في (الأعلام) : من رجال الحديث. جرت له مع الإمام الشافعي مناظرات ، وله مصنفات في الفقه شبيهة بالجدل ، مولده سنة ١٥١ ه‍ ، ووفاته سنة ٢١٨ ه‍. المصادر : انظر (الأعلام) ١ / ٣٢.

(٢) الأعمش : هو سليمان بن مهران الأعمش ، محدث ، حافظ ، مولده سنة ٦١ ه‍ ، ووفاته سنة ١٤٧ ه‍ ، روى عن الإمام زيد بن علي وبايعه ، وكان من أنصار أهل البيت عليهم‌السلام.

المصادر : انظر (الفلك الدوار) ص ٩١ ، و (معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين) تحت الطبع وبقية المصادر فيهما.

١٤٥

[بعض المحن التي جرت على آل البيت]

في الرواية عن علي عليه‌السلام : المحن إلى شيعتنا أسرع من السيل إلى الحدور ، وفي الحديث : «من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا ، وللمصائب أبوابا» (١) رواه المرتضى بن الهادي عليهما‌السلام فكان مسنده في الرواية مفسرة ؛ فمقالتهم أسست على المحن ، ونشأت في أيام الهزاهز والقتل والفتن ، تحاملت عليهم الأيام ، وتظاهر أرباب الأجرام ، فأول عادية عليهم بيعة السقيفة ، ثم تبعها ظلم فاطمة الزهراء الشريفة (٢) ، وسم سبطها الأكبر سرا (٣) ، وقتل سبطها الأصغر جهرا (٤) ، وصلب زيد بن علي عليه‌السلام بالكناسة (٥) ، ومثل بولده يحيى في المعركة (٦) ،

__________________

(١) الحديث في (نهج البلاغة) ج ٤ ص ٢٦ رقم (١١٢) موقوف على أمير المؤمنين إلى قوله : «جلبابا» ، وهو في (كنز العمال) ج ٣ ص ٦٣٩ رقم (٣٧٦١٥) عن علي ، وعزاه إلى أبي عبيد ، وهو في (بشارة المصطفى) لمحمد بن علي الطبري بلفظ مقارب ص ٨٩ ، وفي (مناقب آل أبي طالب) لابن شهرآشوب ج ١ ص ٣٨٦ ، وعن رسول الله بلفظ : «إن كنت تحبني فأعد للفقر جلبابا» في (مشكاة الأنوار) للطبري ص ٨٧ وص ١٢٨ ، وهو في (بحار الأنوار) ج ٢٥ ص ١٥ بلفظ : «من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا» ، ونفس المصدر ج ٢٦ ص ١١٧ ، وعزاه إلى النهاية.

(٢) في قضية حرمانها من فدك التي أوصى بها أبوها بحجة أن الأنبياء لا تورث ، وهي قضية مشهورة في كتب التأريخ ، والسيرة.

(٣) الإمام الحسن بن علي ـ عليه‌السلام ـ ، الذي دسّ عليه معاوية السم بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث.

(٤) الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ، سيد الشهداء (قتيل كربلاء) ، وقصته مشهورة.

(٥) الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام [٧٥ ـ ١٢٢ ه‍] في سيرته ومقتله كتب ، وهو أشهر من نار على علم.

(٦) الإمام الشهيد يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب [٩٨ ـ ١٢٥ ه‍] ، حمل رأسه إلى الوليد الأموي ، وصلب جسده بالجوزجان سنة ١٢٥ ه‍ ، وبقي مصلوبا إلى أن ظهر أبو مسلم الخراساني.

١٤٦

وأتلف عبد الله بن الحسن (١) وإخوته وبنو إخوته الطاهرين في المجالس المظلمة ، والمطامير الضيقة ، وقتل ابناه : النفس الزكية والنفس الرضية ـ محمد وإبراهيم (٢) ـ واحدا بعد واحد على الأمر بالقسط ، والنهي عن الفجور ، ومات موسى بن جعفر (٣) شهيدا بأيدي النصارى في فرش السمور ، وسم علي بن موسى الرضا (٤) بيد المأمون ، وهزم إدريس بن عبد الله (٥) إلى بلد الأندلس غريبا ، ومات عيسى بن زيد (٦) في بلاد الهند طريدا ، وقتل يحيى بن عبد الله (٧) بعد الأمان والإيمان ، وظهور

__________________

(١) عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، أحد الفضلاء ، حبسه الدوانيقي مع إخوته سنة ١٤٤ ه‍ في سرداب تحت الأرض. أما إخوته فهم : الحسن بن الحسن بن الحسن ، وإبراهيم بن الحسن بن الحسن ، وعلي بن الحسن بن الحسن ، ومن أبناء إخوته : العباس بن الحسن بن الحسن بن الحسن ، وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن الحسن ، وإسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ، ومحمد بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ، وغيرهم. انظر (مقاتل الطالبيين) من ص ١٦٦ إلى ص ٣٤٠.

(٢) الإمام محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، [٩٣ ـ ١٤٥ ه‍] استشهد بالمدينة. والإمام إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب [٩٧ ـ ١٤٥ ه‍] رحل إلى العراق داعيا إلى بيعة أخيه ، ثم دعا إلى نفسه بعد استشهاد أخيه.

واستشهد ودفن ب (باخمرا).

(٣) موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب [١٢٨ ـ ١٨٣ ه‍] ، قتله هارون العباسي في دار السندي بن شاهك ولف على بساط ، وقعد الواشون النصارى على وجهه ، في قصة طويلة.

(٤) علي بن موسى الرضا بن جعفر الصادق ، بايعه المأمون ثم سممه ودفنه إلى جانب أبيه هارون ، وفيه يقول دعبل :

قبران في طوس خير الناس كلهم

وقبر شرهم هذا من العبر

(٥) إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، دعا إلى الله بالمغرب في ٤ رمضان سنة ١٧٢ ه‍ ، ودس إليه العباسيون السم فقتلوه سنة ١٧٧ ه‍.

(٦) عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، توارى واختفى ، وفي قصته ما يبكي العيون. انظر (مقاتل الطالبيين) ص ٣٤٢ إلى ص ٣٦١.

(٧) يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، المتوفى بعد سنة ١٨٠ ه‍ ، غدر به الرشيد بعد عهد وقتله بالسم في سجنه.

انظر كتاب (أخبار فخ ويحيى بن عبد الله) ـ ط ، و (مقاتل الطالبيين) ١٨٣.

١٤٧

الآيات وواضح البرهان ، وتجبّر يعقوب بن الليث (١) على علوية الطبرستان ، وقتل محمد بن زيد بن الحسن بن القاسم (٢) بأيدي آل سامان ، وفعل أبو الساح بعلوية الحجاز ما شاع في البلدان ، من القتل والتشريد من هجرة الإيمان ، وقتل قتيبة بن مسلم الباهلي عمر بن علي بعد أن ستر شخصه ووارى نفسه (٣) ، ومثل ذلك ما فعل الحسين بن إسماعيل المصعبي بيحيى بن عمر الحسيني (٤) ، وما فعل مزاحم بن

__________________

(١) يعقوب بن الليث الصفار ، أبو يوسف. كان في صغره يعمل الصفر (النحاس) في خراسان ويظهر الزهد ، ثم تطوع في قتال الشراة ، فانضوى إليه جمع ، فظفر في معركة معهم. وأطاعه أصحابه ، واشتدت شوكته ، فقلب على سجستان (سنة ٢٤٧ ه‍) ، ثم امتلك هراة وبوشنج.

واعترضته الترك فقتل ملوكهم ، وشتت جموعهم ، فهابه أمير خراسان وغيره من أمراء الأطراف ، ثم امتلك كرمان وشيراز ، واستولى على فارس فجبى خراجها ، ورحل عنها إلى سجستان قاعدة ملكه.

(٢) محمد بن زيد بن الحسن ، قتل سنة ٢٨٧ ه‍ ، كما في الطبري ، ودفن على باب جرجان.

(٣) قتيبة بن مسلم الباهلي : [٤٩ ـ ٩٦ ه‍] أمير ، تولى أيام عبد الملك الري ، وتولى خراسان في أيام ابنه الوليد ، قتله سليمان بن عبد الملك ، وأخباره كثيرة. أما عمر بن علي فقيل : توفي سنة ٦٧ ه‍ ، وقيل : قتل مع مصعب أيام المختار ، وقيل : عاش إلى زمان الوليد بن عبد الملك ، وقيل : قتل في واقعة الطف.

انظر (معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين).

(٤) الحسين بن إسماعيل المصعبي : أحد قوّاد بني العباس وعملائهم ، وهو ابن عم محمد بن عبد الله بن طاهر الذي أرسله لقتال يحيى بن عمر ، وضم إليه جماعة من القواد منهم سعد الضبابي ، وخالد بن عمران ، وأبو السنا الغنوي ، وعبد الرحمن بن الخطاب المعروف بوجه الغلس.

انظر (مقاتل الطالبيين).

أما يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين السبط المتوفى سنة ٢٥٠ ه‍. خرج في أيام المتوكل العباسي سنة ٢٣٥ ه‍ إلى خراسان فرده عبد الله بن طاهر ، فأمر المتوكل بتسليمه عمر بن الفرج الرخجي فسلم إليه وأمر المتوكل بضربه وحبسه ثم أطلقه ، وأقام مدة في بغداد وتوجه إلى الكوفة أيام المستعين العباسي ودخلها ليلا فأخذ ما في بيت مالها ، وفتح السجون ، وأخرج من فيها ، ودعا إلى الرضا من آل محمد فبايعه الناس وطرد نواب العباسي من الكوفة واستحوذ عليها وعسكر بالفلوجة ، فندب له محمد بن عبد الله بن طاهر ابن عمه الحسين بن إسماعيل ، ولم يزل يقاتل حتى هزم ، وانكفأ الحسين بن إسماعيل إلى بغداد ومعه رأس يحيى بن عمر ، وفيه جيمية ابن الرومي الشهيرة.

انظر (مقاتل الطالبيين) ص ٥٠٦ إلى ص ٥٢١ ، (الأعلام) ٨ / ١٦٠.

١٤٨

خاقان (١) بعلوية الكوفة ؛ وعلى الجملة ليس في بيضة الإسلام بلدة إلا وفيها لقتيل طالبي بريئة ، شرك في قتلهم الأموي والعباسي ، قتل منهم فيهما ثلاثمائة ونيف وثلاثين نفسا من أعيانهم وفضلائهم

فليس حي من الأحياء نعرفه

من ذي يمان ولا بكر ولا مضر

إلا وهم شركاء في دمائهم

كما تشارك أنسار على جزر (٢)

[شربوا الحمام في طاعة العزيز العلام ، وما تجرعوا كأسا من الموت زعافا إلا عبّتها شبيعهم] (٣) رحمة الله عليهم دونهم حراقا.

[جرائم آل حرب وآل مروان]

فأول من أجرى سنن الكفر والظلم والعدوان ، والفسق والشرك والطغيان ، آل حرب وآل مروان ، قتلوا من حاربهم جهارا وغدرا ، ومن سالمهم سرا ومكرا ، وهتكوا حرمة المهاجرين ، واستأصلوا شأفة الأنصار ، واتخذوا مال الله دولا ، وعباد الله خولا ، وهدموا الكعبة ، وختموا على أعناق من أدركوا من الصحابة ،

__________________

(١) مزاحم بن خاقان بن عرطوج أو أرطوج ، أبو الفوارس. متوفى سنة ٢٥٤ ه‍ ، قائد تركي الأصل ، بغدادي المنشأ ، من ولاة العباسيين ، أرسله المعتز في جيش كبير من العراق لإخماد ثورة نشبت في الإسكندرية ، وولاه المعتز إمرة الديار المصرية سنة ٢٥٣ ه‍ ، وكان شديدا صلبا ، وتوفي بمصر.

انظر (الأعلام) ٧ / ٢١١.

وفي سنة ٢٥١ ه‍ ، ظهر بالكوفة رجل من الطالبيين اسمه الحسين بن أحمد بن حمزة ، فوجه إليه المستعين مزاحم بن خاقان ، وكان العلوي بسواد الكوفة في جماعة من بني أسد ومن الزيدية ، فسار مزاحم إلى الكوفة وقتل كثيرا من العلويين.

انظر (الكامل) لابن الأثير ٥ / ٣٣٠.

(٢) وانظر إن شئت التعرف على ما ذكره الإمام ـ عليه‌السلام ـ من مصارع أهل البيت : (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الأصبهاني ، و (اللآلئ المضيئة) للشرفي ، وغيرها.

(٣) سقط من (ب).

١٤٩

وقتلوا من قدروا عليه من الذرية ، وما فعل القوم الضلالة عن كلالة ؛ وكيف ذلك وإمامهم معاوية بن صخر محزب الأحزاب ، ومعادي الكتاب ، وأمه هند آكلة أكباد الشهداء ، وقد قتل حجر بن عدي الكندي (١) ، وعمرو بن الحمق الخزاعي (٢) ، وأخوه الذي ادعاه بالعهر ، وخرج بدعواه من الإسلام إلى الكفر ، زياد بن سمية (٣) قتل الألوف من شيعة عليعليه‌السلام صبرا وخترا ، ثم قفا يزيد أباه فأجهز على جرحاه وبعض أحداثه قتل الحسين بن عليعليه‌السلام في أفاضل أهل بيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسادات الأمة من شيعته فيهم الحر بن يزيد الرياحي (٤) ، وعمر بن

__________________

(١) حجر بن عدي بن جبلة الكندي ، المستشهد سنة ٥١ ه‍ ، ويسمى حجر الخير. صحابي ، شجاع ، خيّر ، من المقدمين ، وفد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشهد القادسية ، ثم كان من أصحاب أمير المؤمنين ، وشهد معه الجمل وصفين ، وسكن الكوفة إلى أن قدم زياد بن أبيه واليا عليها ، فضايقه لمعرفته بحبه لأمير المؤمنين وولائه لأهل البيت ، وطلب منه أن يسب عليا ويتبرأ منه فأبى هو وبعض أصحابه ، فجيء به إلى معاوية إلى دمشق ، فأمر معاوية بقتله قبل أن يصل إليه فقتل في (مرج عذراء) قريب دمشق مع أصحاب له في قصة مثيرة ومحزنة ، وأخباره طويلة ، وفي سيرته وقصة استشهاده كتب عدة ، ومحل قبره الآن يسمى (عذراء) بالذال والراء وهو مشهور مزور.

انظر (معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين) ت ١٧٤ ، (الأعلام) ٢ / ١٦٩ ، طبقات ابن سعد ٦ / ١٥١ ، و (أعيان الشيعة) ٤ / ٥٦٩ ـ ٥٨٧.

(٢) عمرو بن الحمق الخزاعي الكعبي. المتوفى سنة ٥٠ ه‍. صحابي ، سكن الشام وانتقل إلى الكوفة ، وشهد مقتل عثمان ، وشهد مع أمير المؤمنين حروبه ، وكان على خزاعة يوم صفين. ورحل إلى مصر ثم إلى الموصل فطلبه معاوية وظفر به عبد الرحمن بن عبد الله الثقفي عامل الموصل ، فجاءه من معاوية أن يطعنه تسع طعنات. قالوا : ومات في الأولى أو الثانية.

انظر (الإصابة) ت (٥٨٢٠) ، (الأعلام) ٥ / ٧٦ ، ٧٧ و (أعيان الشيعة).

(٣) زياد بن أبيه من (١ ـ ٥٣ ه‍). اختلفوا في اسم أبيه ؛ فقيل : عبيد الثقفي ، وقيل غيره. ولدته أمه سمية جارة الحارث بن كلدة الثقفي في الطائف. أسلم في عهد أبي بكر وكان كاتبا للمغيرة بن شعبة ثم لأبي موسى الأشعري أيام إمرته على البصرة. ثم ولاه أمير المؤمنين فارس ، وبعد وفاة أمير المؤمنين امتنع على معاوية فألحقه معاوية بأبي سفيان مدعيا أنه أخوه ، وذلك سنة ٤٤ ه‍. ثم ولاه البصرة والكوفة وسائر العراق فكان من أقسى الناس على الشيعة ، وقتل منهم الألوف كما ذكر المؤلف.

(٤) الحر بن يزيد بن ناجية الرياحي اليربوعي ، كان من رؤساء أهل الكوفة ، أرسله ابن زياد من القادسية أميرا على ألف فارس ، يستقبل بهم الحسين ، لئلا يدخل الكوفة فالتقى به وجاوله حتى ـ

١٥٠

قرضة الأنصاري ، وحبيب بن مظاهر الأسدي (١) ، وعبد الله بن عمير الكلبي ، ومسلم بن عوسجة الأسدي ، وسعيد بن عبد الله [الحنفي] ، ونافع بن هلال الحملي ، وحنظلة بن أسعد البسامي (٢) ، وعايش بن أبي شبيب الشاكري ، وزهير بن القين العجلي (٣) ؛ وهؤلاء صفوة المسلمين مع صفوة أهل البيت المطهرين سلام الله عليهم أجمعين ، فلما كان ذلك غضب التوابون من الشيعة ، وأهدموا نفوسهم للقتل ندامة على خذلان ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكفّروا ذنوبهم بتعريض نفوسهم وأموالهم للتلف ، واللحاق لمن قد سلف ، فقتل سليمان بن صرد الخزاعي (٤) ، والمسيب بن

__________________

ـ وصل إلى كربلاء ، وأقبلت خيل الكوفة تريد قتل الحسين فندم الحر على فعلته وجاء إلى الحسين وقال : جعلني الله فداك ـ يا ابن رسول الله ـ جئتك تائبا فهل ترى لي من توبة؟ فقال : نعم ، يتوب الله عليك ويغفر لك ، فقاتل معه قتالا شديدا حتى قتل في قصة تطول.

انظر (أعيان الشيعة) ٤ / ٦١١ ـ ٦١٥.

(١) حبيب بن مظاهر بن رئاب الأسدي الكندي. كان أحد السبعين الذين قتلوا مع الحسين عليه‌السلام ، وهو من أصحاب أمير المؤمنين والحسن والحسين ، كان يحفظ القرآن كله ويختمه من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر ، وأخباره في وقعة كربلاء مستفيضة. انظر (أعيان الشيعة) ٤ / ٥٥٣ ـ ٥٥٦.

(٢) حنظلة بن أسعد بن شبام الهمداني الشبامي ، من رءوس أصحاب الحسين الذي قتلوا معه ، له موقف شجاع ، وكان وجها من وجوه الشيعة ، وكان الحسين يرسله إلى عمر بن سعد بالمكاتبة أيام الهدنة ، فلما كان اليوم العاشر قام بين يدي الحسين وألقى كلمة ختمها بقوله : السلام عليك يا أبا عبد الله ، صلى الله عليك وعلى أهل بيتك وعزى بيننا وبينك في جنته. فقاتل حتى قتل.

انظر (أعيان الشيعة) ٦ / ٢٥٨.

(٣) زهير بن القين بن قيس الأنماري البجلي ، أحد شهداء كربلاء مع الحسين ـ عليه‌السلام ـ ، قيل : كان أولا عثمانيا ، وكان قد حج في السنة التي خرج فيها الحسين إلى العراق ، فلما رجع من الحج جمعه الطريق مع الحسين فأرسل إليه الحسين وكلمه فانتقل علويا ، وفاز بالشهادة سنة ٦١ ه‍. انظر تفاصيل قصته في (أعيان الشيعة) ٧ / ٧١.

(٤) سليمان بن صرد بن الجون الخزاعي ، استشهد يوم (عين الوردة) من أرض الجزيرة طالبا بثأر الحسين في ربيع الآخر سنة ٦٥ ه‍ ، وكان عمره يوم قتل ٩٣ سنة ، وهو من رجال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كان معه يوم صفين على الميمنة ، وأخباره كثيرة. انظر (أعيان الشيعة) ٧ / ٢٩٨ ، ٢٩٩.

١٥١

نجية الفزاري (١) ، وعبد الله بن وائل التيمي (٢) ، في عصابة وافرة من عيون التابعين رضوان الله عليهم وهم مصابيح الأنام ، وفرسان الإسلام أولهم المختار (٣) ، وكيسان (٤) ، وأحمر بن شميط (٥) ، ورفاعة بن شداد (٦) ، والسائب بن مالك (٧) ، وعبد الله بن كامل (٨) في نظرائهم ، وحبسوا محمد بن الحنفية في سجن عارم مع

__________________

(١) المسيب بن نجية بن ربيعة بن رياح الفزاري. تابعي ، كان رأس قومه ، شهد مع أمير المؤمنين مشاهده كلها ، وسكن الكوفة وثار مع التوابين من أهلها فقتل مع سليمان بن صرد في نفس اليوم والوقعة. انظر (الأعلام) ٧ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ، و (أعيان الشيعة) ١٠ / ١٢٥.

(٢) عبد الله بن وائل. كذا في النسخ ، ولعله عبد الله بن وأل التيمي ، من أصحاب أمير المؤمنين ، ومن الثائرين انتقاما للحسين.

(٣) المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي (١ ـ ٦٧ ه‍) ، من زعماء الثوار على بني أمية وأحد الشجعان الأفذاذ من أهل الطائف. انتقل منها إلى المدينة مع أبيه ، وتوجه أبوه إلى العراق فاستشهد يوم الجسر وقام بثورته الشهيرة على قتلة الحسين فتتبعهم وقتلهم ، وأخرج ابن الحنفية وابن عباس من حصارهما في مكة ومحاولة حرقهما ، وقتله مصعب بن الزبير في الكوفة. وفي سيرته كتب.

انظر (الأعلام) ٧ / ١٩٢.

(٤) هنالك كيسان مولى علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وهنالك كيسان مولى بني ثعلبة ، وكيسان مولى عرينة ، ولعله الأول ، والأول والثاني والثالث كلهم من الشيعة ، والأخير كان أمير حرس المختار الثقفي.

(٥) أحمر بن شميط البجلي. أحد القادة الشجعان ، من أصحاب المختار الثقفي. شهد أكثر وقائعه مع بني أمية وعبد الله بن زياد ، ووجهه المختار بجيش من الكوفة لقتال مصعب بن الزبير فتلاقيا في المذار ، فقتل ابن شميط وتفرق من معه ، وذلك سنة ٦٧ ه‍. (انظر (الأعلام) ١ / ٢٧٦).

(٦) رفاعة بن شداد البجلي. قارئ ، من الشجعان المقدمين ، من أهل الكوفة ، كان من شيعة علي ، خرج مع المختار لطلب دم الحسين ثم اختلف معه وانضمّ إلى أهل الكوفة ضد المختار فصاح أحد الكوفيين : يا لثارات عثمان. فغضب رفاعة وعاد إلى المختار ، وقاتل معه حتى قتل سنة ٦٦ ه‍.

انظر (الأعلام) ٣ / ٢٩.

(٧) السائب بن مالك الأشعري. كان رجلا شجاعا ، وهو من رءوس أصحاب المختار. له مواقف ضد ولاة الجور وأبى إلا أن يسيروا بهم سيرة علي في خطبة وقصة ذكرها ابن الأثير ج ٤ / ص ١٠٤ ، كما في (أعيان الشيعة) ٧ / ١٨٢.

(٨) هو عبد الله بن كامل الشاكري ، من أصحاب المختار بن عبد الله الثقفي ، جاء بكتاب من بعض أصحابه وهو في سجنه ، ثم عند قيام ثورة المختار كان على شرطته وقاتل معه قتال الأبطال حتى قتل. انظر : الطبري وغيره.

١٥٢

سادات بني هاشم ، وجمعوا الحطب لتحريقهم.

وكان بعد ذلك من ولاية الحجاج ما أظلمت به الفجاج ، وانطمس السراج ؛ فلما غلظت أحكام الدين ، وطمست سنة خاتم المرسلين ، وسبت اليهود محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مجلس هشام بن عبد الملك خليفة الرسول بزعم الكافرين المشركين ، غضب زيد بن عليعليه‌السلام فيمن أطاعه من شيعته فمنهم : نصر بن خزيمة العبسي (١) ، ومعاوية بن إسحاق الأنصاري (٢) ، وجماعة وافرة من الصالحين ، فضاربوا بأسيافهم غضبا لله تعالى حتى قتلوا أجمعين ، ورفعوا على الجذوع مصلوبين ، وحرق زيد بن علي عليه‌السلام ، وضرب بالعسبان حتى صار رمادا ، ونسف في البر والبحر ، وهو من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمكان المكين.

[جرائم بني العباس]

[ثم قامت الدولة العباسية فكانت أخبث وأشر ، وأدهى وأمر] (٣) وقد قدمنا طرفا من حكاية أمرهم وإن كانت لعجبها لتكاد تنقضي فالله المستعان.

قتلوا من تقدم ذكره ، ثم قتلوا بعد ذلك عبد الله بن محمد بن عبد الله عليه‌السلام (٤) بالهند على يدي هاشم بن عمرو التغلبي (٥) ، ثم كان من موسى الفظّ

__________________

(١) نصر بن خزيمة العبسي ، ستأتي ترجمته في رسالة قادمة للمؤلف.

(٢) معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري. أحد المجاهدين الأبطال ومن مشاهير الإمام زيد وفرسانه ، استخفى الإمام ـ عليه‌السلام ـ في داره أياما. وقتل مع الإمام زيد بن علي وصلب معه سنة ١٢٢ ه‍. انظر (معجم أصحاب الإمام زيد).

(٣) سقط من (ب).

(٤) عبد الله الأشتر بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

قال أبو الفرج في (مقاتل الطالبيين) : كان عبد الله بن محمد بن مسعدة المعلم ، أخرجه بعد قتل أبيه إلى بلد الهند فقتل بها ووجه برأسه إلى أبي جعفر المنصور ، وذكر قصته. انظر (مقاتل الطالبيين) ص ٢٦٨. إلى ص ٢٧٢.

(٥) في (مقاتل الطالبيين) : هشام بن عمرو بن بسطام التغلبي. ولّاه أبو جعفر على السند ، فشخص إليها ، وقتل الأشتر ، وبعث برأسه إلى أبي جعفر.

١٥٣

الغليظ ، الجبار العنيد ما كان من أمر الفخي (١) عليه‌السلام وأهل بيته سلام الله عليهم ، وما فعل أخوه هارون المتمرد المتكبر في شجرة النبوة من القتل الذريع ، والحبس الشنيع (٢) ، فلما صفت لهم الدنيا إمهالا ، وحصلت استدراجا ، صارت الأموال إلى الديلمي ، ويؤثر بها التركي ، وتحمل إلى المغربي والفرعاني ، ويفوز بها الأشروسي والبربري.

ومن أفاضل أهل البيت عليهم‌السلام من يتضور جوعا ، ولا يطعم هجوعا ، ويموت الفاضل من أفاضلهم فلا تشيع جنازته ، ولا يعمر إلا على وجل مشهده ، ويموت المسخرة منهم والمغني فيحضر جنازته العدول بزعمهم ، والقضاة ، وربما مشوا خلفها حفاة ، ويحضر التعزية القواد والولاة ، فهذا دين الإسلام يا من حرف الإسلام

__________________

(١) الإمام الحسين بن علي الفخي ـ عليه‌السلام ـ تقدمت ترجمته ، وستأتي في رسالة أخرى للمؤلف ، وفي عهد موسى الهادي العباسي قتل إلى جانب الإمام الحسين بن علي عليه‌السلام سليمان بن عبد الله بن الحسن ، والحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن.

انظر (مقاتل الطالبيين) ٣٦٤ ـ ٣٨٧.

(٢) في أيام هارون قتل من آل البيت : الإمام يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، بعد أن غدر به في قصة طويلة مشهورة ، وإدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، دسّ إليه السم إلى بلاد المغرب في حكاية شهيرة ، وعبد الله الأفطس بن الحسن بن علي بن الحسين. كان مع صاحب فخ وأشخص من المدينة وجلس عند جعفر البرمكي ، وفي يوم نيروز قدمه جعفر فضرب عنقه وغسل رأسه وجعله في منديل وأهداه إلى هارون ، ومحمد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن مات في حبس بكار بن عبد الله الزبيري والي المدينة ، وكذلك الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ضربه بكار الزبيري حتى مات ، وفي عهد هارون أيضا قتل العباس بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، دخل على هارون فكلمه كلاما طويلا ؛ فقال هارون : يا بن الفاعلة. فقال : تلك أمك التي تواردها النخاسون ، فأمر به فأدني فضربه حتى قتله ، وكذلك موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قتل بأمر هارون وسعي يحيى بن خالد البرمكي كما تقدم. وأخيرا إسحاق بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب مات في حبس هارون.

انظر (مقاتل الطالبيين) ص ٣٨٧ ـ ٤١٨.

١٥٤

أم هو غيره؟ فما غيره إلا الكفر والإجرام ؛ هذا وكم مداح لأهل البيت عليهم‌السلام قطعت لسانه كعبد الله بن عمار البرقي (١) ، وآخر أخيف كما فعل بالكميت بن زيد [الأسدي] (٢) حتى قال :

ألم ترني في حب آل محمد

أروح وأغدو خائفا أترقب

خفضت لهم مني جناح مودة

إلى كنف أعطاه أهل ومرحب

وطائفة قد كفروني بحبهم

وطائفة قالوا مسيء ومذنب

وقصة الفرزدق بن غالب التميمي (٣) غير غبية ، فلا جرم له إلا مدح خير البرية ، ولقد رفعوا قدر من تجرد لسبهم كما فعلوا بابن أبي حفصة اليماني ، وبعلي بن الجهم المسمى بالشامي (٤) في أمثالهما ، وقد قدمنا في صدر كتابنا هذا فعل المتوكل على الشيطان (٥) لا على الرحمن من كرب قبر الحسين بن علي ، وتولية اليهود على

__________________

(١) عبد الله بن عمار البرقي ، قتل سنة ٢٤٥ ه‍ ، بعد أن وشي به إلى المتوكل ، وقرأت له قصيدته النونية التي منها : فقلدوها لأهل البيت إنهم صنو النبي وأنتم غير صنوان ، فأمر بقطع لسانه وإحراق ديوانه ففعل به ذلك ومات بعد أيام. انظر (أعيان الشيعة) ٨ / ٦٣ ـ ٦٤.

(٢) الكميت بن زيد بن خنيس الأسدي. أبو المستهل (٦٠ ـ ١٢٦ ه‍) ، شاعر أهل البيت وأشعر شعراء الكوفة المقدمين في القرن الأول الهجري ، وفي سيرته وقصائده كتب. انظر (أعلام المؤلفين الزيدية) ت (٨٤٩).

(٣) همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي ، المعروف بالفرزدق. توفي عن عمر طويل ؛ قيل : سنة ١١٠ ه‍ ، وقيل : سنة ١١١ ه‍ ، وقيل : سنة ١١٢ ه‍ ، وقيل : سنة ١١٤ ه‍. وهو الذي مدح زين العابدين علي بن الحسين بقصيدته الميمية الشهيرة ، التي منها :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

انظر (معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين).

(٤) علي بن الجهم بن بدر ، أبو الحسن السامي ، من بني سامه بن لؤي بن غالب ، شاعر المتوكل العباسي ، وصاحب قصائد النصب ، المتوفى سنة ٢٤٩ ه‍.

انظر (الأعلام) ٤ / ٢٦٩ ، ٢٧٠ و (الأغاني) طبعة دار العلم ١٠ / ٢٠٣ ـ ٢٣٤.

(٥) جعفر بن محمد بن هارون الرشيد (٢٠٦ ـ ٢٤٧ ه‍) ، أخبث ملوك بني العباس ، تولى سنة ٢٣٢ ه‍ ، واشتهر بالنصب ، وهدم قبر الحسين ، وما حوله سنة ٢٣٦ ه‍ ، واشتهر بكل المنكرات.

انظر (الأعلام) ٢ / ١٢٧ ، و (تأريخ الخميس) ٢ / ٣٣٧ وكتب التأريخ الإسلامي ك (مروج الذهب) وغيره.

١٥٥

منع الزوار وقتلهم دون زيارته ، قتلوا أهل بيت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جوعا وسغبا.

[إنفاق الأموال على المجرمين]

وملئوا بيوت النصارى واليهود فضة وذهبا ، وصيروا خير الأموال ونفيس الجواهر ، ومكنونات الذخائر ، إلى إبراهيم المغني المدني ، وإلى إبراهيم الموصلي (١) ، وإلى ابن جامع السهمي (٢) ، وإلى زلزل الضارب ، وبرصوما الزامر ، وأقطعوا ابن بختيشوع النصراني (٣) قوت أهل بلده ، [وبغا التركي] والأفشين الأسروسي كفاية أمه ، هذا بعد تقرير أرزاق الصفاعنة (٤) ، والفراعنة (٥) ، والمضحكين ، والمسامرين ، والمغمزين (٦) ، والمجلوزين (٧) ، والمقردين (٨) ، وذلك بعد إثبات عطاء

__________________

(١) هو : إبراهيم بن ماهان. أصله من الفرس (١٢٥ ـ ١٨٨ ه‍).

انظر (الأعلام) ١ / ٥٩ ، (الأغاني) طبعة دار الكتب ٥ / ١٥٤ ـ ٢٥٨.

(٢) هو : إسماعيل بن جامع بن إسماعيل السهمي القرشي ، أبو قاسم ، يعرف أيضا بابن أبي وداعة. من أكابر المغنيين الملحنين. حضي عند هارون وتوفي سنة ١٩٢ ه‍.

انظر (الأعلام) ١ / ٣١١ ، و (الأغاني) طبعة دار الكتب ٦ / ٢٨٩ ، ٣٢٦ ، (تجريد الأغاني) ٧٨٩ ـ ٧٩٧.

(٣) بختيشوع بن جرجس : طبيب سرياني الأصل ، خدم هارون وتقدم عند ملوك بني العباس ، وبختيشوع لفظ سرياني معناه : عبد المسيح. توفي سنة ١٨٤ ه‍.

انظر (الأعلام) ٢ / ٤٤ ، و (معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين).

(٤) لعلها مأخوذة من الصفع. رجل مصفعاني يفعل به ذلك ، وصفعه يصفع صفعا : إذا ضرب بجمع كفه قفاه. وقيل : هو أن يبسط الرجل كفه فيضرب بها قفا الإنسان أو بدنه.

انظر (لسان العرب) ٢ / ٤٥٠.

(٥) الفرعنة : هي الكبر والتجبر. والفراعنة : العتاة والدهاة والمتكبرين.

انظر (لسان العرب) ٢ / ١٠٨٢ ترتيب يوسف خياط.

(٦) الغمز : الإشارة بالعين والحاجب والجفن. والغمز : العصر باليد. وفي حديث عمر : أنه دخل عليه وعنده غليم يغمز ظهره.

(٧) والمجلوز : قيل هو الشرطي وجلوزته خفته بين يدي العامل في ذهابه ومجيئه. والجمع الجلاوزة.

انظر (لسان العرب) ١ / ٤٨٣.

(٨) المقردين : هم أصحاب القرود.

١٥٦

مخارق (١) ، وعلوية (٢) ، وزرزر ، وعمرو بن مامة المهلبي ، وأهل البيت المطهرين من الأدناس ، المفضلين على جميع الناس ، يتكففون الناس فقرا ، ويموتون ضرا.

[نماذج من جرائم بني العباس]

فلسنا [ولسنا] نذكر عاهات أئمتهم بأعيانهم تنزيها لألسنتنا عن ذلك ، وإلا فحالهم غير مجهول.

قتل المأمون أخاه (٣) ، وقتل المنتصر أباه (٤) ، وقاسم بن المهدي أمه ، وقتل المعتضد عمه (٥) ، ولنكتفي بالقليل عن الكثير ، هذا الجالس اليوم على السرير ببغداد إذ قتل أباه في الحمام ، وأذاقه كأس الحمام ، وقتل الطرنجي بالفيتقية ، وابن يحيى الفارس ، وهما نديماه وكتيماه ، وقتل خاصته في الوداد بغير طاعة رب العباد المسمى نفحة الحسني ، وكان سكرانا ندم على قتله وحاول قتل نفسه أسفا على فراقه ، وقتل الفقيه الحنبلي بالقرية المعروفة بالحربية لما أنكر عليه شرب الخمر ونقر الدفوف والحنوك والمزامير والعيدان ، وقال له : لقد جمعت ما حرم الله على عباده على أعيان

__________________

(١) مخارق أبو المهنّأ ابن يحيى الجزار ، المتوفى سنة ٢٣١ ه‍ ، وهو ابن جزار من المماليك ، وكان مملوكا لعاتقة بنت شهدة بالكوفة. قرّبه هارون العباسي وأقعده على سريره ، وأعطاه ثلاثين ألف درهم ، وأخباره كثيرة. وهو الذي قال فيه دعبل :

إن كان إبراهيم مضطلعا بها

فلتصلحن من بعده لمخارق (أي الخلافة)

انظر (الأعلام) ٧ / ١٩١.

(٢) علوية : هو علي بن عبد الله بن سيف أو يوسف ، أبو الحسن. مغني بغدادي. تخرج على إبراهيم الموصلي ، وغنى لملوك بني العباس ، وحضى عندهم. توفي سنة ٢٣٦ ه‍.

انظر (الأعلام) ٤ / ٢٠٣ ، (الأغاني) طبعة دار الكتب ١١ / ٣٣٣ ـ ٣٦٢.

(٣) أي الأمين وقصتهما شهيرة مذكورة في كتب التأريخ.

(٤) هو : محمد المنتصر بالله بن جعفر المتوكل على الله!! بن المعتصم أبو جعفر ، قتل أباه سنة ٢٤٧ ه‍ ، فمكث بعده ستة أشهر وأيام ومات سنة ٢٤٨ ه‍.

(٥) هو أحمد بن طلحة بن جعفر. أبو العباس (٢٤٢ ـ ٢٨٩ ه‍).

انظر (الأعلام) ١ / ١٤٠.

١٥٧

الناس في الحرافة ، وقال : ما هكذا بايعتك يا ولد العباس ، اشهدوا أني قد خلعت بيعته. فأمر به فأحضر إليه ، ووسطه بالسيف ، وترك في كل ناحية منه جزءا ، وصلب الكرخي العابد على باب العامة ولما أراد الحج حلق شعره ، وتركه في محمل ، ووقف به المواقف كلها ، وعلى الجمار ، وعند المشعر ، ويطوف به ويسعى ، فهذا دين الإسلام (أو) غيره؟ فو الله يمينا يعلم الحكيم العليم صدقها ، ونرجو عند الله تعالى أجرها (١) وبرها لو لم يكن لهذه الأمة جرم في دين الله إلا موالاة بني أمية وبني العباس واعتقاد إمامتهم وتقليدهم أمورهم ، وذلك كفر ، لكان كافيا في الكفر بنص القرآن الكريم يعرفه كل ذي قلب سليم ، وهو مع ذلك خلاف المعلوم من دين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأن الولاء والبراء معلومان من دينه ضرورة ، فكيف والحكيم سبحانه يقول : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة : ٢٢] ومن نفى الباري تعالى إيمانه بالله ورسوله وباليوم الآخر ، فهل بقي له من الإيمان مسلك ، وعن الكفر مترك ؛ فالواجب على المؤمنين التسلك عن التشكك فيهم ، واعتقاد إمضاء أحكام الله عليهم وقع ذلك أم لم يقع ؛ فبذلك فرض المؤمنين معاداة الكافرين باليد واللسان ، والسيف والسنان ، وإضمار عداوة الجنان ، فكيف وقد أضافوا إلى ذلك من الاعتقادات الكفرية ، والمقالات الفرية ، ما كفرتهم به الذرية الهادية المهدية ، ولا بد مما قاله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكون ؛ لأنه لا يقول إلا عن علام الغيوب إن لم يكن في زماننا ، ما رويناه بالإسناد الموثوق إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قائم العترة المنتظر أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يشبهني في الخلق ولا يشبهني في الخلق» ، فسره أهل العلم أنه خلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العفو ، وخلق القائم الانتقام بالقتل والسبي والسفك ، وفي الحديث : «لا يزال في أيامه الهرج الهرج» معناه القتل عموما ، والقتل حتى يقول

__________________

(١) في النسخ : أمرها.

١٥٨

القائل : ليس لله في آل محمد حاجة ، ولم أعلم أحدا من آبائنا عليهم‌السلام وسع في المكاتبة والمراسلة إلا وصرح في ذلك أو عرض بكفر مناوئيه وشرك معاديه ، ومن تأمل ذلك عرفه يعرف ذلك العارفون.

هذه رسالة محمد بن عبد الله (١) إلى أبي جعفر الدوانيقي صدرها :

بسم الله الرحمن الرحيم (طسم ، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ ، نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ، إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص : ١ ـ ٦].

فهل بعد هذا رحمكم الله تعالى في التصريح مذهب؟ وهل عن دين محمد بن عبد الله النفس الزكية عليه‌السلام في الإسلام مرغب؟ وهل يعلم أن أحدا نفى من الأمة عن أبي الدوانيق إمامته إلا الزيدية والمعتزلة والخوارج؟ وباقي الأمة على إمامته مطبقة وبأسبابه متعلقة إلى اليوم ؛ فلو لم يكن لهذه الأمة جرم إلا موالاة من قدمنا ذكره من بني أمية وبني العباس ، واعتقاد إمامتهم لكفروا بذلك ، واقتحموا بحار المهالك ، وحل قتلهم وسباهم ولعدت في الأنفال ذراريهم ونساؤهم ؛ لأن المعلوم من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرورة اعتبار عدالة الشهادة ، والخليفة بالإجماع آكد حكما منه في صلاح أحواله ، وكماله في جلاله ، فمن قال بغير ذلك خالف المعلوم ضرورة ، ما حال من اعتقد إمامة الوليد بن يزيد ، الجبار العنيد ، الواطئ لأمهات أولاد أبيه ، والناكح ظاهرا كالمستور لأخته ، والآمر لجارية وطئها بالخروج لتصلي

__________________

(١) هو محمد بن عبد الله النساخ.

١٥٩

ملتثمة وهي جنب حين وطئها استخفافا بالدين ، وانتهاكا لحرمة الإسلام والمسلمين (١) هذا مع إظهار الكفر قولا وفعلا فمن قوله :

تلعّب بالبرية هاشمي

بلا وحي أتاه ولا كتاب

وقوله :

لو وجدنا لسليمي أثرا

لسجدنا ألف ألف للأثر

وفي البيت الآخر :

هل خرجنا إن سجدنا للقمر

[عود إلى ذكر القاعد ببغداد ومحن الذرية الزكية]

ثم لنرجع إلى ذكر هذا القاعد اليوم ببغداد ؛ لأن في غرضنا تبليغ بيان الأحكام المراد ألم يأمر بعبدين من خيار عباد الله ، وفضلاء عترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضحى بهما يوم الحج الأكبر على رءوس الأشهاد ، ثم جنده الخسيسة الملاحدة قد بثهم على فضلاء الذرية فصاحب الحجاز اليوم خائف في السعي والطواف ، ونحن في هذه الأرض نخشى مكر الطوافة والطواف ، تأمن الطير والحمام ، ولا يأمن آل النبي عند المقام.

طبت بيتا وطاب أهلك أهلا

أهل بيت النبي والإسلام

لعن الله من يعادي عليا

وبنيه من سوقة وإمام

وقال آخر :

لا أضحك الله سن الدهر إن ضحكت

وآل أحمد مطرودون قد قهروا

محلئون .. نفوا عن عقر دارهم

كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر

__________________

(١) تقدم ذكر الوليد بن يزيد. وانظر (مروج الذهب) للمسعودي ، و (الأغاني) ، وتأريخ الطبري.

١٦٠