مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ١

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ١

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٥
الجزء ١ الجزء ٢

كتاب الرسالة النافعة بالأدلة الواقعة

في

تبيين الزيدية ومذاهبهم

وذكر فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام

وتقرير أدلة على الإمامية وسنن من خرج عن

الشيعة المحقين من الإمامية والباطنية والمطرفية

٣٨١
٣٨٢

الحمد لله الذي جعل إلهام الحمد من موجبات حمده ، وصلاته على محمد الصادق المصدوق وعلى الذرية الطيبين من بعده.

أما بعد .. فإنه بلغنا نزاع جرى من الأصحاب ، لا يحسن مثله من أولي الألباب ، لأن التلاحي من غير بصيرة في الدين ، من حبائل إبليس اللعين ، وإنما الواجب على العاقل التبصر والتفكر ، وتنقير الأدلة والتدبر ، ليكون من الفائزين ، كما روينا عن أبينا الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين أنه قال : «من أخذ دينه عن التفكر في آلاء الله تعالى ، والتدبر لكتابه ، والتفهم لسنتي ، زالت الرواسي ولم يزل ، ومن أخذ دينه عن أفواه الرجال ، وقلدهم فيه ذهبت به الرجال ، من يمين إلى شمال ، وكان من دين الله على أعظم زوال» (١) وهذا كما ترى عظيم ، والخطر بالنفس شديد ، ولا سيما مع صحة النقل بالخلود ، وصدق الوعيد ، ولما جعلنا الله تكرمة ورثة الكتاب وتراجمه ، من أهله وحفظته واستأمننا على خلقه ، واستخلفنا في بلاده ، واستشهدنا على عباده ، وكان من لوازم ذلك وموجباته أن نعمل له شكرا ، وأن تزداد به الأمة نصحا ، وإذا كان ذلك كذلك لزمنا أن نبيّن للراغبين ، وأن نشفي قلوب الطالبين ، برسالة تتضمن ما نذهب إليه بأدلة مختصرة ، وأدلة شافية تثلج لها قلوب الراغبين ، ولا بد والحال هذه من مقدمات يبنى عليها الكلام.

أولها : تبيين الزيدية من هم ولم اختصوا بهذا الاسم؟ وما الظاهر من قولهم الآن في جميع أقطار البلاد؟.

وثانيها : تبيين مذهبهم في الإمامة من وقت الصحابة رضي الله عنهم وبعدهم إلى

__________________

(١) الحديث ذكره الأمير الحسين بن بدر الدين في ينابيع النصيحة ط ١ ص ٣٠ بإسناده عن والده ، بإسناده عن أمير المؤمنين ، وكذلك ذكره أحمد بن الحسن الرصاص في مصباح العلوم ص ٢٤ في آخر المتن.

٣٨٣

انقطاع التكليف.

وثالثها : الدلالة على صحة قولهم فيما ادعوا ليعلم العاقل أن ذلك لم يكن تجنيا ولا اتباع هوى.

ورابعها : اعتقاد ما قطعنا على علمه من قولهم في الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وما الموجب لما رأيناه من ذلك من الأدلة والبراهين ليكون من الأمر على يقين.

[سبب تسمية الزيدية]

واعلم أيدك الله أنها سميت زيدية لاتباعها زيد بن علي عليه‌السلام وهو أول قائم من أهل البيت بيت النبوة عليهم‌السلام بعد الحسين بن علي عليهما‌السلام على بني أمية ، ولد سنة خمس وسبعين ، واستشهد عليه‌السلام سنة اثنتين وعشرين ومائة ، وأمه أم ولد اشتراها المختار بن أبي عبيد بثلاثين ألف درهم وبعثها إلى علي بن الحسين عليه‌السلام وقد كان قبل ذلك رأى في المنام ما رويناه بالإسناد إلى الشريف أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسين الحسيني الكوفي (١) قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن الحكم الهمداني (٢) قال : أخبرنا عمار بن محمد القطان(٣)

__________________

(١) أبو عبد الله العلوي : هو محمد بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أبو عبد الله العلوي الكوفي الحافظ ، العالم ، الثقة ، وأحد كبار فقهاء الكوفة واسع الاطلاع كثير الرواية ، مولده بالكوفة في شهر رجب سنة ٣٧٧ ه‍ ، ووفاته بها أيضا سنة ٤٤٥ ه‍ ، أدرك جملة من تلاميذ الحافظ ابن عقدة ورحل إلى بغداد ، وروى عن مشايخ جلة ، وله مؤلفات عظيمة منها : كتاب (الأذان بحي على خير العمل) وكتاب (أسماء الرواة التابعين عن الإمام زيد) وكتاب (الجامع الكافي في فقه آل محمد) وكتاب (فضل زيارة الحسين) وكتاب (فضل الكوفة) وغيرها.

المصادر : انظر أعلام المؤلفين الزيدية وفيه بقية المصادر.

(٢) محمد بن علي بن الحكم الهمداني : قال في (طبقات الزيدية). روى عن ابن عمار ، وعنه أبو عبد الله العلوي مؤلف (الجامع الكافي) ولم يزد على ذلك ، وقال في (معجم رجال الأذان بحي على خير العمل) : روى عن صالح بن وصيف وعنه أبو عبد الله العلوي ، لم أقف على ترجمته.

٣٨٤

قال : حدثنا سعيد بن عمر القطان (١) قال : حدثنا حسن بن عمر الجعفي (٢) قال : حدثني أبي ، قال : كنت أديم الحج فأمر على علي بن الحسين عليهما‌السلام [لأقضي] واجب حقه ، ففي آخر حجة غدا علينا بوجهه فقال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ليلتي هذه آخذ بيدي فأدخلني الجنة ، وزوجني حوراء فواقعتها فعلقت ، فصاح فيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي بن الحسين ، سمي المولود زيدا ، قال : [فأقمنا] (٣) حتى أرسل إليه المختار بأم زيد فجاءت بزيد.

وروينا بالإسناد الموثوق به في حديث فيه بعض طول ، في قصة سير الحسين عليه‌السلام إلى العراق أنه مرّ بماء من مياه بني سليم ، فاشترى خادم له شاة ونقد ثمنها إلى صاحبها فجاء الأعرابي ، فقال : من هذا؟ فقيل : الحسين بن علي عليهما‌السلام فصاح بأعلى صوته : أنا بالله وبك ـ يا ابن رسول الله ـ إن عبدك هذا أخذ شاتي ولم يدفع لي ثمنا فنظره الحسين نظرا منكرا ، فقال : يا ابن رسول الله ، إني قد دفعت له ثمن شاته وجاء بالبينة ، فقال عليه‌السلام : ما حملك على هذا؟ قال أصحابه : يا ابن رسول الله ، عرفك فأراد أن تعوضه شيئا ، فأمر له بشيء وعلي بن الحسين عليه‌السلام قائم فقال : ما اسمك يا أعرابي؟ فقال الأعرابي : زيد ، فضحك

__________________

(٣) عمار بن محمد القطان في سند الأمالي الاثنينية ومحمد بن عمار بن محمد العطار أبو جعفر البجلي قال في (معجم رجال أبي عبد الله العلوي) : روى عن الحسين بن الحكم الحبري ، وعلي بن محمد بن نجية ، وعنه : محمد بن عبد الله الجعفي ، ومحمد بن حسين الغزال ، ومحمد بن جعفر التميمي ، وروى أبو عبد الله العلوي من طريقه في فضل زيارة الحسين ٢٨ عن الحسين بن حيان الدهقان ، وعلي عن رجاء القرشي ووصفه بالثقة ، وعن إبراهيم بن إسحاق الحصاص.

(١) سعيد بن عمر القطان : وفي سند الأمالي الاثنينية سعيد بن عمرو القصار. ولعله سعيد بن عمر بن مسلمة القصار ، قال في (معجم رجال أبي عبد الله العلوي) : عن إبراهيم بن سفيان وعنه ابن عقدة.

(٢) حسن بن عمر الجعفي : في سند الأمالي الاثنينية حسين بن عمر الجعفي ، عن أبيه.

(٣) في الأمالي الاثنينية : فما قمنا حتى أرسل إليه المختار بأم زيد شراها له ، قيمتها ثلاثون ألفا.

٣٨٥

علي بن الحسين ، وقال : يا أعرابي ، ما بالمدينة أكذب من زيد يريد رجلا كذّابا بالمدينة كان يبيع ـ الخمر والخمر جمع خمرة ـ وسجاجيد من خوص بيته ، يقال له : زيد فقال الحسين : مه ، يا بني لا تعيره باسمه ، فإن أبي أخبرني : أنه يولد من ذريتي رجل يقال له : زيد ، يقتل فلا يبقى في السماء ملك مشرف ، ولا نبي مرسل إلا تلقّى روحه بالسلام ، يرفعه أهل كل سماء إلى سماء ، وقد بلغت : يأتي يوم القيامة هو وأصحابه يتحللون رقاب الناس ، يقال : هؤلاء خلف الخلف وأئمة الحق (١).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لزيد بن حارثة : «يا زيد ، لقد زادك اسمك إليّ حبا» (٢) ، في أحاديث كثيرة سليمات المتون ، صحيحات الأسانيد ، ولو أردنا استقصاءها خرجنا إلى الإسهاب ، صحبه الخيار ، وتابعه العلماء ، وعقدت البيعة له في الأمصار ، وكانت دعوته من الكوفة. وسبب خروجه أنه دخل على هشام بن عبد الملك وفي مجلسه يهودي يسب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له زيد : أولى لك يا عدو الله أما والله لو تمكنت منك لأختطفنّ روحك. فقال له هشام : مه!! يا زيد لا تؤذي جليسنا. فخرج عليه‌السلام وهو يقول : من استشعر حب البقاء استدام الذل إلى الفناء ، فوصل إلى الكوفة وكان منه الدعاء كما قدمنا ، وخرج ليلة الأربعاء لسبع بقين من المحرم أو تسع ـ الشك من قبلي ـ قبل ميعاده مخافة أن يرهقه الطلب وصاح بشعار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورفعت [الهرادي فيها النيران] (٣) ، ودارت رحى حربه عليه‌السلام على خمسمائة مقاتل وسأل عن الناس لأن ديوانه انعقد من أهل الكوفة على خمسة

__________________

(١) الحديث في الأمالي الاثنينية للإمام المرشد بالله في ص ٢٩٦.

(٢) الحديث أورده الإمام المرشد بالله في الأمالي الاثنينية من عدة طرق ص ٢٩٧ ـ ٢٩٨ كلها تنتهي إلى طارق بن شهاب عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٣) في الأصل : [ورفعت الهرادي في البادن] والصحيح ما أثبتناه وهو في الحدائق الوردية ص (١٤٥) والهرادي : قال في لسان العرب : الهردية قصبات تضم ملوية بطاقات الكرم تحمل عليها القضبان ، والهردي : نبت (لسان العرب ٣ / ٧٩٤) ترتيب يوسف خياط.

٣٨٦

عشر ألفا قيل : إنهم في الجامع ، وكان صائح بني أمية قد انتشر في البلد بين أقطارها : برئت الذمة من كل محتلم لا يصل الجامع فانفض الناس إخلادا إلى الدنيا ، وميلا إلى الهوى ، ورغبة فيما يفنى ، وزهدا فيما يبقى ، فقال : لا يسعنا عند الله خذلان أصحابنا ، سيروا على اسم الله فسار بهم فهزم الجموع بينه وبينهم إلى أن وصل باب الغيل (١) وأمر أصحابه بإدخال عذب الرايات من أفواه العقود ، وقال لهم نصر بن خزيمة (٢) : يا أهل الكوفة ، اخرجوا من الذل إلى العزّ فلم يفعلوا فأذلهم الله سبحانه ، وجاءت جنود الشام من تلقاء الحيرة ، وحمل عليهم عليه‌السلام كأنه الليث المغضب فقتل منهم أكثر من ألفي قتيل بين الحيرة والكوفة ، وقاتلهم ثلاثة أيام كل يوم يروحون من حربه أسوأ حالا من اليوم الأول ، وهو في خمسمائة وهم في اثني عشر ألفا ، فأصيب في آخر أيامه في جبينه الأيسر بنشابة ، وحمل إلى دور أرحب وشاكر ، فدعي له طبيب فنزعها فمات منها ، وقد وجب على الله أجره.

__________________

(١) في الأصل بالليل وهو خطأ والتصحيح من الحدائق الوردية.

(٢) نصر بن خزيمة العبسي ، أحد الأبطال المجاهدين ، وأركان الإمام زيد الصامدين ، استشهد مع الإمام زيدعليه‌السلام سنة ١٢٢ ه‍ ، وأعطى يوسف بن عمر من دل على جثته وجاء برأسه ألف درهم ، وصلب مع الإمام زيد ، وكان نصر رضي الله عنه ممن تبع الإمام زيد إلى القادسية بعد خروجه من الكوفة ومن الذين أصروا على عودته إلى الكوفة والخروج على الطغاة ، وكان يختبئ في داره في الكوفة ، وعند ما تخلف أناس عن الإمام زيد بن علي عليه‌السلام قال : أين الناس أظنهم فعلوها حسينية؟ فقال نصر بن خزيمة : أما أنا يا ابن رسول الله فأضرب بسيفي بين يديك حتى أقتل ، وله مواقف مشرقة في التضحية والفداء.

قال في (الجداول) : أحد أتباع الإمام زيد ، والرواة عنه ، وروى الإمام المرشد بالله بإسناده من طريق أبي حاتم ، عن ابن اليقظان ، قال نصر بن خزيمة : كان من أشجع الناس ، كوفي قتل مع الإمام زيد بن علي. قال الشاعر :

ترى الخيل تبكي إن تر الخيل لا ترى

معاوية النهدي فيه ولا نصرا

المصادر : انظر معجم أصحاب الإمام زيد ومنه (مقاتل الطالبيين ١٤٣ ـ أنساب الأشراف ٢٣٣ ـ ٢٣٥ ـ ٢٣٧ ، ٢٤٦ ، ومقاتل الطالبيين ١٣٩).

٣٨٧

وروينا بإسناد طرقه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حذيفة بن اليمان ، قال : نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى زيد بن حارثة فقال : «ادن مني ـ يا زيد ـ زادك اسمك عندي حبّا فأنت سمي الحبيب من أهل بيتي» (١).

وبالإسناد إلى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يقتل من ولدي رجل يدعى بزيد بموضع يعرف بالكناسة يدعو إلى الحق يتبعه كل مؤمن ومؤمنة» (٢).

وبالإسناد عن حبة العرني (٣) قال : كنت أنا والأصبغ (٤) بن نباته بالكناسة في موضع الجزارين والحناطين مع علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهي يومئذ صحراء فما زال يلتفت إلى ذلك الموضع ويبكي بكاء شديدا ، ويقول : بأبي بأبي. فقال له الأصبغ : يا أمير المؤمنين لقد بكيت والتفت حتى بكت قلوبنا وأعيننا والتفت فلم أر

__________________

(١) الحديث سبق تخريجه عن الأمالي الاثنينية ص ٢٩٦.

(٢) أخرجه الإمام المرشد بالله ـ عليه‌السلام ـ في الأمالي الاثنينية ص ٢٩٨ خ بسند قال : وبه قال : أخبرنا شيخنا أبو سعيد إسماعيل بن علي بن الحسين بقراءتي عليه قال : حدثنا أبو الحسين الحسن بن علي بن محمد بن جعفر الوري بقراءتي عليه في خان العرايين قال : حدثنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن سالم بن البراء بن سبرة الجعابي الحافظ قراءة عليه قال : حدثني أبو الحسن علي بن موسى الغطفاني قال : حدثنا إسماعيل بن أبان عن عمرو بن حريث عن برذعة وهو ابن عبد الرحمن عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحديث.

(٣) هو حبة بن جوين بن علي بن عبد نهم العرني ، أبو قدامة الكوفي المتوفى سنة ٧٠ ه‍ ، قال بعضهم : إنه رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عرف تشيعه وموالاته لأهل البيت عليهم‌السلام وقال المزني في (تهذيب الكمال) : كان من شيعة علي وشهد معه المشاهد كلها ، وقال السيد صارم الدين في (الفلك الدوار) : وهو الذي حدث أن عليا عليه‌السلام كان معه بصفين ثمانين بدريا وقد شق هذا على الناصبية. انظر الفلك الدور ص ١٦٠ ومن الهامش قال انظر تاريخ بغداد ٨ / ٢٧٤ طبقات ابن سعد ٦ / ١٧٧ ، تهذيب الكمال ٥ / ٣٥١ ، الجرح والتعديل ٣ ترجمة ١١٣٠ وغيرها.

(٤) الأصبغ بن نباته الحنظلي المجاشعي ، أبو القاسم الكوفي ، أحد أصحاب الإمام علي عليه‌السلام المشهورين ، معروف بتشيعه وولائه لأهل البيت عليهم‌السلام قال السيد صارم الدين الوزير : قال الخصوم : فكان يأتي بالطامات ويدون الأحاديث المخالفة لمذهبهم ومعتقدهم ، خرّج له أئمتنا الخمسة ، وقال في (أعيان الشيعة) : له كتاب عجائب أحكام أمير المؤمنين ، وحضر معه صفين. انظر معجم رجال الاعتبار ترجمة (٩٨) وانظر بقية المصادر هناك.

٣٨٨

أحدا. فقال : حدثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه يولد لي مولود لم يولد أبوه بعد ، يلقى الله غاضبا وراضيا له على الحق ، حقا حقا ، على دين جبريل وميكائيل صلّى الله عليهم وأنه يمثل به في هذا الموضع مثالا ما مثل بأحد قبله ولا يمثل بأحد بعده صلوات الله على روحه وعلى الأرواح التي توفى معه (١).

وبالإسناد إلى أبي داود المديني عن علي بن الحسين قال : يخرج مني بظهر [الكوفة] رجل يقال له : زيد [في أبهة سلطان ، والأبهة الملك] لم يسبقه الأولون ولم يدركه الآخرون إلا من عمل بمثل عمله ، يخرج يوم القيامة هو وأصحابه معهم الطوامير ، ثم يتخطون أعناق الخلائق قال : فتلقّاهم الملائكة ، فيقولون : هؤلاء خلف الخلف ، ودعاة الحق ، ويستقبلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول : «قد عملتم بما أمرتم ادخلوا الجنة بغير حساب» (٢).

وبالإسناد عن زاذان (٣) عن أمير المؤمنين قال : الشهيد من ذريتي القائم بالحق من ولدي المصلوب بكناسة كوفان ، إمام المجاهدين ، قائد الغر المحجلين ، يأتي يوم القيامة

__________________

(١) أخرجه الإمام المرشد بالله في الأمالي الاثنينية ص ٢٩٩ ، بسنده قال : أخبرنا الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن الحسني الكوفي ، بقراءتي عليه بها ، قال : أخبرنا أبو الطيب محمد بن الحسين بن جعفر التيملي البزار ، قال : حدّثنا أبو الحسين محمد بن علي بن عامر البندار ، قال : حدّثنا محمد بن منصور بن يزيد المقري ، قال : حدّثني عبد الله بن منصور القومسي ، قال : حدّثنا الحسن بن معاوية بن وهب البجلي ، عن الحكم بن كثير ، عن أبيه كثير ، عن حبة العرني.

(٢) أخرجه الإمام المرشد بالله في الأمالي الاثنينية بإسناده ، قال : أخبرنا الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن الحسني بقراءتي بالكوفة ، قال : أخبرنا علي بن حسين بن يحيى العلوي قراءة عليه ، قال : حدّثنا محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي ، قال : حدّثنا إسماعيل بن إسحاق الراشدي ، قال : حدّثنا محمد بن علي الصيرفي ، قال : حدّثنا أبو حفص الأعشى ، عن الصباح بن يحيى ، عن أبي داود المديني ، عن علي بن الحسين الحديث ، وما بين المعقوفين هو في (الأمالي الاثنينية) في ص ٣٠١.

(٣) زاذان : أبو عبد الله ، ويقال : أبو عمر الكندي الضرير البزاز ، المتوفى سنة ٨٢ ه‍ ، محدّث يروي عن أمير المؤمنين ، وابن مسعود ، وسلمان ، وعمر ، وحذيفة ، وعائشة ، وعابس الغفاري. وعنه :

أبو صالح السمان ، والمنهال بن عمرو ، وأبو اليقظان عثمان بن عمير ، وغيرهم. وثّقه ابن معين ، وابن مسعود ، وابن حبان ، والخطيب ، وقال الحاكم : ليس بالمتين.

المصادر : انظر معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين ، ترجمة رقم (٢٧٨) وانظر بقية المصادر هناك.

٣٨٩

هو وأصحابه تتلقاهم الملائكة المقربون ينادونهم ادخلوا الجنة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون(١).

فإذا قد تقررت هذه المقدمة في ذكر زيد عليه‌السلام فالزيدية من اعتزى إليه وسلك منهاجه ، ومنهم الصالحية ينتسبون إلى الحسن بن الصالح بن حي ، وبترية ، وجارودية ، وتفصيل شرحهم يطول ، وإنما هم أئمة الهدى عليهم‌السلام وأتباعهم من علماء الإسلام واختصوا باسم الزيدية لانتسابهم في الاعتقاد إلى زيد بن علي عليهما‌السلام.

[مبادئ الزيدية]

وأما الفصل الثاني فيما هو الظاهر من مذهبهم الآن.

فاعلم أن الظاهر من مذهبهم تقديم علي عليه‌السلام في الإمامة على أبي بكر وعمر وعثمان ، واعتقادهم النص الاستدلالي دون الضروري خلافا للإمامية ، وهم لا يسبون الصحابة ولا يفسقونهم وإنما يخطئونهم في ترك الاستدلال والإخلال بالنظر في النصوص الموجبة إمامة علي عليه‌السلام ويعيبون عليهم ، ويعيبون أفعالهم من دون كلام قبيح ، ولا يمكن لأحد أن يدعي على أحد من أئمة الهدى دعوى صحيحة بأنه سب أو آذى ، وهذا منهاج علي عليه‌السلام فإنه كان في خطبته

__________________

(١) الحديث في الأمالي الاثنينية ص ٣٠١ خ ، بسنده قال : أخبرنا الشريف أبو عبد الله بقراءتي عليه ، قال : فيما أجازني زيد بن جعفر بن حاجب ، عن ابن عبد العزيز بن إسحاق ، قال : حدّثني أحمد بن حمدان بن الحسين ، قال : حدّثنا محمد بن الأزهر الطائي الكوفي في مقتل زيد بن علي ، قال : حدّثنا الحسين بن علوان ، عن أبي صامت الغيبى ، عن أبي عمر زاذان ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

٣٩٠

وأثناء محاوراته يشكو من القوم تقدمهم وأنه أولى بالأمر منهم ، ويظهر أنه أغضى صبرا واحتسابا ونظرا للدين مخافة انشقاق العصا مع تربص أهل النفاق وقوة أهل الردة وقربهم من المدينة ، وكانت الردة في سليم ، وتميم ، وأسد ، وحنيفة ، وعمان ، وغطفان ، والبحرين ، ومهرة ، وحضر موت في كندة وألفافها ، والجند ، فلم ير إلا ترك الشقاق نظرا للدين ، وحسن قصد القوم في تحري قوة الإسلام ، وتعظيم حاله والرمي من وراء حوزته ، وبذل الوسع في تقوية قواعده ، ولم يقع الخلل إلا فيما يتعلق بحقه عليه‌السلام فصبر واحتسب نظرا لصلاح الأمة وتحريا لقوة الإسلام ، ولم يظهر منه سبّ ولا ذمّ للصحابة في خاصة ولا عامة ولا رضا ولا غضب ، ونقول في معصيتهم إنها صحيحة ، ولا نقطع بكونها كبيرة ولا يتضح لنا كونها صغيرة ، فنردّ أمرها إلى الله إلا أنها لا تقطع بكبرها ، والكبيرة توجب الفسق ، والفسق لا يكون إلا بالنصّ ولا يثبت بالقياس ؛ لأن مقادير الثواب والعقاب لا طريق لنا إلى العلم بها.

وأما أنّا لا نقطع بصغرها فلأن الصغيرة ثواب صاحبها في كل وقت أكثر مما يستحق من العقاب في كل وقت ، وهذا لا طريق لنا إليه ، وقد قدموا على رب كريم فإن عفا عنهم فلحميد سوابقهم وعظم إحسانهم ولما تحملوا من الأثقال في معاداة الأسود والأحمر في نصرة الدين ، وإن عاقبهم فما ربك بظلّام للعبيد وهو على خلقه غير متهم ، ولا مستخان في حكمه إن حكم.

وأما الفصل الثالث : مذهبهم في الإمامة في وقت الصحابة قد تقدم ، وأن الإمام عندهم بلا فصل علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

٣٩١

فصل [في فضائل أهل البيت]

اعلم أيدك الله وأرشدك أن الطالب لرشده ، المتحري للنجاة بجهده ، ينظر في لحن قول المتكلمين كما قال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) [الحجر : ٧٥] ، وأعدل الشهادات شهادة الخصم لخصمه ؛ إذ هي لاحقة بالإقرار الذي لا يفسخه تعقب الأفكار ، وقد أكثرت السبعة في روايتها بالأسانيد الصحيحة إلى حد لم يدخل تحت إمكاننا حصره في وقتنا هذا إلا أنه الجم الغفير في فضائل علي بن أبي طالب عليه‌السلام والحسن والحسين وذريتهما الطيبة ، وما يوجب لهم الإمامة ، ويخصهم بالزعامة إلى يوم القيامة ، فهو على ذلك كتب وألوف أحاديث كثيرة ، فرأينا أن لا نعيد شيئا من رواياتها في هذا الباب لكون أهل تلك الجهة مائلين إلى الفقهاء ومعتمدين على أئمة العامة الأربعة (١) في الفقه وغيره ، فلن يختلفوا في صحة نقل الصحاح من صحيح مسلم (٢) والبخاري (٣) ، ومن كتاب الجمع بينهما لأبي عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي (٤) ، ومن كتاب (الجمع بين الصحاح الستة)

__________________

(١) أئمة المذاهب الأربعة عند السنة وهم : مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميدي أبو عبد الله (٩٣ ـ ١٧٩ ه‍) مولده ووفاته في المدينة ، ومن أهم مصنفاته (الموطأ).

ـ محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان الشافعي ، الهاشمي ، القرشي ، وإليه تنسب الشافعية كافة ، مولده بغزة سنة (١٥٠ ه‍) ووفاته بالقاهرة سنة (٢٠٤ ه‍) وله مؤلفات وأخباره كثيرة.

ـ أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني أبو عبد الله ، المتوفى سنة (٢٤١ ه‍) وإمام المذهب الحنبلي ، ومن أهم مؤلفاته مسنده المشهور.

ـ النعمان بن ثابت الكوفي التميمي بالولاء ، أبو حنيفة (٨٠ ـ ١٥٠ ه‍) إمام المذهب الحنفي أحد المذاهب الأربعة من أهل السنة ، مشهور وأخباره كثيرة.

(٢) مسلم بن الحجاج ، القشيري ، المتوفى سنة (٢٦١ ه‍).

(٣) محمد بن إسماعيل بن محمد بن المغيرة ، البخاري ، توفي سنة (٢٥٦ ه‍).

(٤) عبد الله الحميدي : هو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله الأندلسي الظاهري الحميدي ، توفي سنة (٤٨٨ ه‍).

٣٩٢

لأبي داود السجستاني وصحيح الترمذي (١) والفسحة الكبرى من صحيح النسائي (٢) ، ومن صحيح أبي الحسن رزين بن معاوية بن عمار العبدري (٣) إمام الحرمين السرقسطي الأندلسي ، ومسند أبي عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني (٤) ، وتفسير القرآن للأستاذ أبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي (٥) ويتبع ذلك كالشافعي له مما لعله شذ ذكره ما رواه الفقيه الشافعي أبو الحسن علي بن محمد الطبيب الجلالي المعروف بالمغازلي الواسطي (٦) فما تعلق بالقرآن

__________________

(١) الترمذي : هو محمد بن عيسى بن سورة ، أبو عيسى الترمذي ، المتوفى سنة (٢٧٩ ه‍) ، ويسمى كتابه (الجامع الصحيح) و (سنن الترمذي).

(٢) النسائي : هو أحمد بن شعيب النسائي المشهور صاحب (السنن) ، و (جامع كتاب الخصائص في فضائل علي عليه‌السلام) مولده سنة (٢١٥ ه‍) ووفاته سنة (٣٠٣ ه‍) شهيدا ، قال السيد صارم الدين في (الفلك الدوار) : (خرج من مصر إلى دمشق فسئل بها عن فضائل معاوية ، فقال : لا يرضى رأسا برأس حتى يفضل!!؟ لا أعرف إلا حديث : «لا أشبع الله بطنه» فداسوه بأرجلهم فتوفي بعد ذلك شهيدا).

(٣) رزين : هو رزين بن معاوية بن عمار العبدري الأندلسي ، المتوفى سنة (٥٣٥ ه‍) ، وقد جمع في كتابه بين الموطأ ، والصحاح الخمس : (البخاري ، مسلم ، النسائي ، أبو داود ، الترمذي) وهو الذي هذّبه ابن الأثير وسماه (جامع الأصول).

(٤) الشيباني : هو عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني ، المتوفى سنة (٢٩٠ ه‍) وقد زاد على مسند أبيه وطبعت الزيادة والمسند معا.

(٥) الثعلبي : هو أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أبو إسحاق ، المتوفى سنة (٤٢٧ ه‍) مفسّر من أهل نيسابور ، له اشتغال بالتأريخ ، من كتبه (عرائس المجالس في قصص الأنبياء) ، (الكشف والبيان في تفسير القرآن).

(٦) ابن المغازلي : هو الحافظ الفقيه المحدث ، أبو الحسن وأبو محمد علي بن محمد بن الطيب الجلابي ، الواسطي ، الشافعي ، الشهير بابن المغازلي ، مؤرخ (واسط) وخطيبها. ولد (بواسط) العراق وتلقى العلم فيها على أبيه وغيره من علماء واسط وعنه ابنه والسمعاني صاحب (الأنساب) وقال عنه : كان فاضلا عالما كرجالات واسط ومحدّثيهم ، وكان حريصا على سماع الحديث وطلبه ، رأيت له ذيل التاريخ الواسط وطالعته وانتخبت منه ... إلى أن يقول : وغرق ببغداد في دجلة في صفر سنة ٤٨٠ ه‍ ، وحمل ميتا إلى واسط ودفن بها ، وله عدة كتب ، منها كتاب (مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) استهله بذكر نسبه ومولده وكنيته وتأريخه ، ثم أورد ما جاء في إسلامه وسبقه بالإيمان وفضائله ومناقبه وزواجه وفضائل فاطمة وفضائل الحسنين ، وقصة الخوارج والاحتجاج معهم ، وختمه بحديث الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣٩٣

الكريم ، فهو شفاء كل سقيم ، والدواء من الداء العقيم ، والصراط المستقيم.

أما ما يتعلق بالصحاح فهي القدوة للمذاهب الأربعة إذ الشك لو اعترى فيما شاهد بالعيان لما اعترى أهل المذاهب الأربعة الشك فيما أخبر به الصحيحان ، ثم قد عدلت بأربعة صحاح ناطقة فصاح اعتمدها علماء الإسلام ، الخاص منهم والعام ، ثم يشفع ذلك بما يرويه العدول في مذهب الشافعي فهو كالمعدل للمعدل للشهادة وتركنا ما يرويه السبعة بطرقها الصحيحة التي لا يمكن عالم نقضها إلا بما يقدح به في أصول الإسلام الشريف.

وكذلك ما اختص به آباؤنا عليهم‌السلام إذ روايتهم كالشهادة لأنفسهم فكان للخصم أن يشغب فيها ، وإلا فهم كما قال الكميت بن زيد الأسدي (١) رحمه‌الله تعالى :

فهم الأقربون من كل خير

وهم الأبعدون من كل ذام

وهم الأرأفون بالناس في ال

رأفة والأحلمون في الأحلام

أسرة الصادق الحديث أبي القاسم

فرع القداميس القدام (٢)

لا أبالي إذا حفظت أبا القاسم

فيهم ملامة اللوام

فهم شيعتي وقسمي من الأمة

حسبي من سائر الأقسام

أنا إن مت لا أمت ونفسي نفسان

من الشك في عمى وتعامي

__________________

(١) الكميت بن زيد الأسدي : أبو المستهل ، شاعر أهل البيت ، وأشعر شعراء الكوفة المقدمين في القرن الأول الهجري ، مولده سنة (٦٠ ه‍) ووفاته سنة (١٢٦ ه‍) وأخباره كثيرة.

(٢) القداميس : جمع قدموس وهو العظيم ، والملك الضخم ، والقديم ، والمتقدم ، والقدموس ، القدامس : الشديد.

انظر لسان العرب ٣ / ٣٨ بترتيب يوسف خياط.

٣٩٤

عادلا غيرهم من الناس طرا

بهم لا همام لي لا همام

ومثل ذلك قول الفرزدق (١) :

مقدم بعد ذكر الله ذكرهم

في كل شيء ومختوم به الكلم

إن عدّ أهل التقى كانوا أئمتهم

أو قيل من خير خلق الله قيل : هم

من معشر حبهم دين وبغضهم

كفر وقربهم ملجأ ومعتصم

وأصدق من ذلك كله قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [يونس : ٣٥] ، وقد علم الكافة أن عليا عليه‌السلام كان المفزع ، وعليه معول الصحابة رضي الله عنهم عمر فمن دونه في الحوادث حتى قال : لا أبقاني الله لمعضلات لا أرى فيها علي بن أبي طالب ، وإنما أراد أن يقطع شغب العامة ، ونورد ما لا يخالف فيه الكافة ولو استقصينا ذلك لطال شرحه ، وإنما نذكر من الجملة زبدة ذلك جملة ليطلبه الراغب فيه ، ونذكر من الجملة زبدة (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق : ٣٧] ، وفصول ما تناوله هذه الكتب (٢) مما يختص بالعترة الطاهرة خمسة وأربعون فصلا يشتمل على تسعمائة

__________________

(١) الفرزدق : هو همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي ، أبو فراس المعروف بالفرزدق ، شاعر من أهل البصرة ، عظيم الأثر في اللغة والأخبار ، شريف في قومه ، عزيز الجانب ، لا ينشد بين يدي الخلفاء والأمراء إلا قاعدا ، أراد سليمان بن عبد الملك أن يقيمه فثارت طائفة من تميم فأذن له بالجلوس ، وهو صاحب الأخبار مع الأحول ، وجرير ، وتوفي في البصرة وقد قارب المائة ، وقيل : المائة والثلاثين سنة (١١٠ ه‍). وقيل : سنة (١١١ ه‍) ، وقيل : سنة (١١٢ ه‍) ، وقيل : سنة (١١٤ ه‍).

ومن آثاره : (ديوان شعر) مطبوع ، و (نقائض جرير والفرزدق) مطبوع في ثلاثة مجلدات ، وهو صاحب القصيدة الشهيرة في زين العابدين ، وفي أخباره كتب لخليل مردم ، وحنا نمر ، وفؤاد البستاني.

المصادر : انظر (معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين) ترجمة رقم (٩٠٨).

(٢) المؤلف يذكر هنا تعداد فصول كتاب (عمدة عيون صحاح الأخبار) لمؤلفه يحيى بن الحسن الأسدي الحلي ، المعروف بابن البطريق. ونفس الإحصاء في مقدمة هذا الكتاب.

٣٩٥

وعشرين حديثا ، منها من (مسند ابن حنبل) مائة وأربعة وتسعون حديثا ، ومن (صحيح البخاري) تسعة وسبعون حديثا ، ومن (صحيح مسلم) خمسة وسبعون (١) حديثا ، ومن (تفسير الثعلبي) مائة وثمانية وعشرون حديثا ، ومن (الجمع بين الصحيحين) للحميدي ستة وخمسون حديثا ، ومن (كتاب ابن المغازلي الشافعي) مائتان وتسعة وخمسون حديثا ، ومن (الجمع بين الصحاح الستة) لرزين بن معاوية العبدري تسعة وتسعون حديثا (٢) ، ومن (الجزء الأول من غريب الحديث) لابن قتيبة الدينوري على انحرافه من العترة الطاهرة ستة أحاديث ، ومن كتاب (المغازي) لمحمد بن إسحاق حديثان ، ومن رواية أبي نعيم المحدث بما خرجه بكتاب (الاستيعاب) حديث واحد ، ومن كتاب (الشريعة) للآجري حديث واحد ، ومن كتاب الحافظ أبي زكريا [ابن مندة] حديث واحد ، ومن كتاب (الملاحم) لأبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي حديث واحد ، ومن (كتاب الطبري) حديثان(٣).

وفيما يختص بعلي عليه‌السلام ستمائة وخمسة وثمانون حديثا (٤) ، من (مسند ابن حنبل) مائة وثمانية وسبعون حديثا ، ومن (صحيح البخاري) تسعة وثمانون حديثا (٥) ، ومن (صحيح مسلم) أربعة وثلاثون حديثا ، ومن (مناقب الفقيه ابن المغازلي) مائتان وخمسة وخمسون حديثا ، ومن (تفسير الثعلبي) مائة وخمسة أحاديث ، ومن (الجمع بين الصحاح الستة) لرزين بن معاوية العبدري أحد وأربعون حديثا ، ومن كتاب

__________________

(١) في مقدمة كتاب (العمدة) لابن البطريق : (خمسة وتسعون حديثا.

(٢) في مقدمة كتاب العمدة لابن البطريق : تسعة وأربعون حديثا.

(٣) وزاد في مقدمة العمدة : ومن كتاب (المصابيح) للفراء سبعة أحاديث ، ومن كتاب (الفردوس) لابن شيرويه الديلمي ستة أحاديث.

(٤) قال في (العمدة) في مناقب أمير المؤمنين علي ـ عليه‌السلام ـ : ستة وثلاثون فصلا تشتمل على ٦٨٢ حديثا ، قال محققه : وفي نسخة ٦٨٥ حديثا.

(٥) في المصدر السابق : ٣٩ حديثا.

٣٩٦

(الفردوس) حديث واحد ، ومن رواية أبي نعيم المحدث مما خرّجه من كتاب (الاستيعاب) حديث واحد ، ومن كتاب ابن مندة حديث واحد ، ومن كتاب (الملاحم) لأبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي حديث واحد (١).

فقد عيّنا لك مواضع هذه الأحاديث وكتبها لتطلبها فيها فتعلم صدق الرواية عنها ؛ إذ هذه الكتب هي التي توجد في أيدي الأمة سبيلا إلى ربها ، ولسنا نأتي على جميع الأحاديث لأن ذلك لا يدخل تحت الإمكان في هذا المكان.

وإنما نذكر في المذهب دليلا واحدا محققا على وجه الاختصار ، ونشفعه بما يؤيده من الآيات ، فإذا أنصف العاقل نفسه لن يعدل عن سبيل نجاته ، وطلب الرشد من مظانه ، وورد الهدى من شرائعه ، وتنوّر الحق من مشكاته ، ورجع إلى هداته ، وانساق لدعاته ورعاته ، حماة شرع الإسلام ، وصفوة الصفوة من الخاص والعام.

فأما روايات السبعة على صحة نقلها وفن أصلها فقد أضربنا عنها في رسالتنا هذه ليعمل العاقل بمقتضى عقله ، ويسلم الأمر لأهله ، ويرد الفرع إلى أصله ؛ لأن الأمة إذا كانت سنية وشيعة واتفق الثقلان على تقديم النصاب المخصوص ما العذر عند الله سبحانه في الاطراح له ورفضه والعدول عنه ، إلى غيره؟ في الابتداء بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلى انقطاع التكليف؟ إذ التعبد لا بد له من ساق تقوم عليه ، وفئة يرجع إليها ، وإذ قد قررنا هذه القاعدة فلنبدأ بالدليل على أن الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي بن أبي طالب عليه‌السلام التي تدل على ذلك أدلة كثيرة وكل واحد منها يوصل إلى العلم ؛ لأنها وإن كانت أدلة شرعية فقد لحقت

__________________

(١) في المصدر السابق : لم يذكر حديث أبي نعيم ، ولا كتاب ابن مندة ، ولا كتاب الملاحم ، وذكر من (الجمع بين الصحيحين) للحميدي ثلاثون حديثا. انظر كتاب (العمدة) مقدمة المؤلف ص ١١ ـ ١٣ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي إيران.

٣٩٧

بالعقليات في القوة ، ولا يمكن ذكر الجميع فلنقصر الكلام على الآية والخبر.

أما الآية فقوله سبحانه : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) [المائدة : ٥٥].

الكلام في هذه الآية يقع في موضعين : أحدهما : أن أمير المؤمنين عليه‌السلام المراد بها دون غيره ، والثاني : أن ذلك يفيد معنى الإمامة.

أما أنه عليه‌السلام المراد بها دون غيره فلوجهين :

أحدهما : إجماع أهل النقل على تباين أغراضهم إلا من لا يعتد به أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام وأنه المتصدق بخاتمه في ركوعه دون غيره ، والثاني : أنه لا يجوز أن يكون المراد بها غير أمير المؤمنين ، لوجوه :

أحدها : أنه سبحانه وصف الولي في هذه الآية بصفة لم توجد في غيره عليه‌السلام وهي الصدقة بخاتمه في حال الركوع ، فإن قيل : ما أنكرتم أن يكون المراد بذلك جماعة المسلمين وأن الركوع من شأنهم وإن لم يتصدقوا في حاله؟

قلنا : لا يجوز ذلك. ألا ترى أن مخبرا لو أخبرنا أن فلانا تلقط الرمح من الأرض وهو راكب لعلمنا أنه تلقطه في حال ركوبه ، ولو أخبرنا أن المراد بقوله وهو راكب أن الركوب من شأنه أو من عادته لكان في خبره الأول عندنا من الكاذبين وفي تأويله من الجاهلين ، وكذلك لو قال : فلان يؤثر على نفسه وهو فقير أفاد ذلك الإيثار في حال فقره دون أن يكون المراد بذلك فقره في المستقبل.

ومنها أن المعطوف يقتضي في اللغة العربية التي نزل القرآن الكريم أعلاها وهو في الحقيقة مولاها ، يقتضي كونه غير المعطوف عليه بالاتفاق بين أهل اللغة أو بعضه للتفخيم عندنا على خلاف في هذا الآخر ، مع الإطباق على الأول على ما ذلك

٣٩٨

مقرر في مواضعه من أصول الفقه ، فإذا لم يجز عطف قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) على جميع من ارتد الضمير في قوله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ) ، وحمل على الغير المتفق عليه ، أو البعض المختلف فيه ، والغير أو البعض المختلف فيه ، والبعض والغير لا يكون إلا أمير المؤمنين عليه‌السلام.

فإن قيل : هذا في قصة عبادة بن الصامت ، والمراد به جماعة المسلمين.

قلنا : فإذا بطل بما بيّنا أنه لا يجوز عطف الجمع عليه لاستحالة عطف الشيء على نفسه لغة ، وكان المراد بعضهم كما قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) [الأحزاب : ٧] ، فالمعطوف هاهنا بعض من تقدم ، وهو علي عليه‌السلام وله أمثال كثيرة أو الغير كما هو موضوع في الأصل ، كان المراد بذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام بالاتفاق.

ومما يزيد ذلك وضوحا أن الآية أفادت مخاطبا هو الله سبحانه ، ومخاطبا هم المؤمنون ، ووليا هو الله سبحانه ورسوله وأمير المؤمنين ، ألا ترى أن قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) يعلم بظاهره أن المراد بذلك هم المؤمنون ، وقد صرح بذكر رسوله مع ذكره تعالى ، فالمراد بلفظ الجمع هاهنا أمير المؤمنين عليه‌السلام وورود ذكره بلفظ الجمع تفخيما لشأنه وتعظيما لحاله ، وقد قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩] قد ذكر لفظ الجمع هاهنا في خمسة مواضع ، والمراد الحكيم سبحانه وحده ومثله كثير في اللغة العربية.

ومن (الجمع بين الصحاح) لرزين العبدري في تفسير سورة المائدة ، من (صحيح النسائي) عن ابن سلام قال : أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلنا : إن قومنا حادونا لما صدقنا الله ورسوله وأقسموا أن لا يكلمونا ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) [المائدة : ٥٥] ،

٣٩٩

ثم أذن بلال لصلاة الظهر ، فقام الناس يصلّون فمن بين ساجد وراكع ، وإذا بسائل فسأل فأعطاه علي خاتمه وهو راكع ، فأخبر السائل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقرأ علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الآية (١) ، فهذا تنبيه كما ترى بقراءة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الآية عقيب حكايتهم له إعطاء علي عليه‌السلام السائل بأن عليا عليه‌السلام هو الولي للمؤمنين وهذه قرينة حال انضافت إليها قرينة مقال.

ومن (مناقب ابن المغازلي) بإسناده في تفسير قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) ما رفعناه إليه ، فرفعه بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال : نزلت في علي عليه‌السلام (٢).

وبالإسناد في طريق أخرى من كتابه ، رفعه إلى محمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن جده ، في قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) ، فقال : الذين آمنوا علي بن أبي طالب (٣).

وفي كتابه بإسناده ، رفعه إلى أبي عيسى ، رفعه إلى ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: مرّ سائل برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي يده خاتم قال : «من أعطاك هذا الخاتم؟» قال : ذلك الراكع ـ وكان علي يصلّي ـ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحمد لله الذي جعلها فيّ وفي أهل بيتي : إنما وليكم الله ورسوله وقرأ الآية» (٤) فهذا كما ترى تصريح عما

__________________

(١) الحديث في كتاب (العمدة) لابن البطريق ص ١٢١ برقم (١٥٩) ، وعزاه محقق العمدة إلى غاية المرام ص ١٠٤ ، نقلا عن الجمع بين الصحاح الستة ، من صحيح النسائي ، وتفسير الدر المنثور ج ٢ ص ٢٩٣.

(٢) الحديث في كتاب العمدة ص ١٢٢ برقم (١٤٠) ، بإسناد ذكره في العمدة وعزاه المحقق إلى مناقب ابن المغازلي ص ٣١١.

(٣) المصدر السابق ص ١٢٢ برقم (١٤١) ، وعزاه المحقق إلى مناقب ابن المغازلي ص ٣١٢.

(٤) المصدر السابق ص ١٢٢ ـ ١٢٣ برقم (١٤٢) ، وبإسناده إلى أبي عيسى عن ابن عباس الحديث ، وعزاه المحقق إلى مناقب المغازلي ص ٣١٢ ـ ٣١٣.

٤٠٠