مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ١

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ١

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٥
الجزء ١ الجزء ٢

وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين» (١) وعنه سلام الله على روحه الكريم أنه قال : «العلماء في الدنيا خلفاء الأنبياء ، وفي الآخرة من الشهداء» (٢) هذا قول الرسول ، وأنا أقول :] (٣) إنهم الأقلون عددا ، الأكثرون عند الله ثوابا ورشدا ، قال العزيز الغفور : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ : ١٣] ، اشتق أسماءهم من اسمه ، وجعلهم حفظة لعلمه ، معروفة في السماء أعيانهم ، منتصبة في الأرض آثارهم ، محفوظة أخبارهم ، مزورة ديارهم ، يرغب أهل الدين في خلتهم ، وتحضر الملائكة أفنيتهم ، ويأنس الوحيد إلى لقيتهم ، ويتوق البعيد إلى رؤيتهم ، يميزون الحق من الباطل ، ويؤثرون الراجح على الشائل (٤) ، يرتقون الأقوال عن بصيرة ثاقبة ، ورويّة غير ناضبة ، لا يحكمون بالأهواء ، ولا يخبطون خبط العشواء.

عدنا إلى ذكر الرسالة جاءت موشحة بالأسئلة ، باسطة كف المسألة ، معرضة في سوق الاعتراض ، منصوبة نصب الأغراض ، داعية نزال ، مدرعة للنصال ، فلبيت

__________________

(١) قال السيد مجد الدين المؤيدي في (لوامع الأنوار) ج ١ / ص ١٢ ـ ١٣ : رواه الإمام الأعظم الزكي أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي ، عن آبائه صلوات الله عليهم ، وهو مروي عند المحدثين ، وصححه أحمد بن حنبل.

قلت : وهو بهذا اللفظ في (موسوعة أطراف الحديث النبوي) وعزاه إلى (شرف أصحاب الحديث) للخطيب البغدادي ١٤ / ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٥ ، ٥٦ ، وإلى كلمة : (عدوله) عزاه إلى مصادر منها : (مشكاة المصابيح) ٢٤٨ ، (كنز العمال) ٢٨٩١٨ ، (زاد المسير) ٥ / ٣٠٥ ، (القرطبي) ١ / ٣٦ ، ٧ / ٣١١ ، (البداية والنهاية) ١٠ / ٣٣٧ ، انظر (موسوعة أطراف الحديث) ١١ / ٢٩٥ ، ٢٩٦. وهو في (مجمع الزوائد) ١ / ١٤٠ ، وعزاه إلى البزار.

(٢) أورده في (موسوعة أطراف الحديث النبوي) بعنوان (العلماء خلفاء الأنبياء) ، وعزاه إلى (مجمع الزوائد) ١ / ١٢٦ ، وقد أورده في (مجمع الزوائد) بهذا اللفظ ، وقال في السنن : «العلماء ورثة الأنبياء». وهو بلفظ : «العلماء ورثة الأنبياء» عند ابن ماجة ٢٢٣ ، وفي (تلخيص الحبير) ٣ / ١٦٤ ، و (إتحاف السادة المتقين) ١ / ٧١ ، ٣٣٨ ، وكثير من المصادر. انظر (موسوعة أطراف الحديث النبوي) ٥ / ٥١٨.

(٣) من أوله إلى هنا سقط من نسخة المتحف البريطاني التي هي النسخة (ب).

(٤) كذا في النسخ قال السيد العلامة عبد الله بن محمد بن إسماعيل : لعله ويؤثرون الراجح من المسائل.

٢٤١

دعوتها حاسرا ، ونضوت عليها سيفا من مهجات الغوامض قاطرا ، تلبية ليث الغريسة ، صوت الفريسة ، متجانفا عن طريقة الإسهاب ، غير مصغ إلى الإطناب ، إلا ما تدعو إليه الحاجة في السؤال والجواب ، راكبا متن الإنصاف فيما أورده ، متوخيا للصلاح فيما أعتمده ، موثقا لعلائق عرى الأجوبة ، عاضا عليها بضرس التجربة ، تنقيح من رضع خلف الهداية ، في إبان البداية ، لم يختلجه المحرفون عن بصيرته ، ولا ألجأه الجائرون إلى تلبيس صورته ، قائلا بتنزيه الواحد الحميد ، ديانا بالعدل والتوحيد ، بأدلة محصدة ، وأركان موطدة ، لا يزعزعها عواصف المشكلات ، ولا ترجلها قواصف الشبهات.

٢٤٢

من هاهنا نبتدئ الجواب ، ومن الله نستمد الصواب :

المسألة الأولى [هل العالم والعلم حقيقتان أم حقيقة واحدة]

قال تولى الله هدايته : هل العالم والعلم حقيقتان ، أو هما واحد في الحكم ؛ فيكون ما دل على أحدهما دل على الآخر ، أو ليس كذلك؟

الجواب [عندنا] (١) : إن العالم والعلم حقيقتان ؛ والمراد بذلك أنهما ذاتان ، يعلم كل واحد منهما على انفراده ؛ لأنا نعلم الواحد منا بالمشاهدة ، ونعلم العلم الذي لأجله كان عالما بالاستدلال ، فلو كانا حقيقة واحدة لم يصح أن يجتمع العلم بهما من جهة الضرورة التي هي المشاهدة ، ومن جهة الاستدلال ؛ لأن من حق المستدل أن يكون حال استدلاله مجوّزا مميلا ، والعلم الضروري بل العلم الاستدلالي مانع من التجويز ، فقد صح لك تنافيهما ، ولا يصح الاجتماع مع التنافي ، ولأنه قد يعلم العالم من لا يعلم العلم ، كنفاة الأعراض ومن قال بقولهم ، ولو كانا حقيقة واحدة لم يصح ذلك ؛ لأن العلم بالشيء والجهل به في حالة واحدة لا يجوز ، فدل ذلك على أنهما ليسا بشيء واحد ، ولا حقيقة واحدة ؛ وكون العلم يدل على العالم ، والعالم يدل على العلم لا يقتضي ما ذكره [من أنهما](٢) يصيران حقيقة واحدة ؛ لأن حدث العالم دال على الباري من حيث الصنعة ، والباري دال على حدث العالم من حيث إكمال العقول والتمكين ، ولم يقتض ذلك كونهما حقيقة واحدة ؛ ولأن حقيقة العالم هو المختص بصفة لاختصاصه بها ، يصح منه إيجاد

__________________

(١) سقط من (أ).

(٢) في (أ) : لأنهما.

٢٤٣

معلومة أو ما يجري مجرى المعلوم ، محكما إذا كان [مقدورا له] (١) ، ولم يكن هناك منع ، ولا ما يجري مجرى المنع ؛ والعلم هو : الاعتقاد الذي يقتضي سكون نفس المعتقد إلى أن معتقده (٢) ، أو ما يجري مجرى المعتقد على ما اعتقده عليه ؛ فلو كانا حقيقة واحدة لكان حد كل واحد منهما حدا للآخر ؛ لأن الحد يكشف عن المحدود على جهة المطابقة ، وقد رأيت خلاف ذلك هاهنا.

المسألة الثانية [هل العلم والمعلوم بالوجودية دائران في الإضافة]

قال تولى الله هدايته : هل العلم والمعلوم بالوجودية دائران في الإضافة أو ليسا بدائرين؟.

الجواب عندنا : إن العلم المعلق لا بد له من معلوم ، ولا فرق في ذلك بين الموجود والمعدوم ، [هذا] (٣) رأي من لم ينوّع الوجود وهو الصحيح ، فأما قول من قسمه إلى وجود الأذهان ، ووجود الأعيان ، ووجود اللسان ، ووجود الكتابة ، فقول لا حقيقة له ؛ لأن الوجود إن رجع به إلى ما يعقل أدى إلى كون الشيء الواحد في مكانين وأكثر في فينة واحدة وذلك محال ، وإن رجع به إلى وجود غير معقول فلا فائدة في الكلام فيه ؛ وإنما قلنا ما قلنا لأن العلم المتعلق يتعلق بالشيء على ما هو به من وجود أو عدم ؛ ألا ترى أنا نعلم حقيقة ما وعدنا الله به ورسوله من جنة ونار ، وعرض وحساب ، ويتعلق علمنا به وإن كان معدوما كما يتعلق بالموجود على ما هو عليه من الوجود وتوابعه ، فإضافته دائرة في العلم والمعلوم ، ولا وجه لاعتبار

__________________

(١) في (ج) : مقررا له.

(٢) كذا في النسخ والمعنى مستقيم.

(٣) سقط من (أ).

٢٤٤

الوجودية ؛ كما أن الإضافة ثابتة في القدرة والمقدور ثباتها في العلم والمعلوم ، [ولا تدور إضافة الوجودية فيها] (١) لأنه إذا وجد خرج عن كونه مقدورا متعلقا بالقدرة ، لاستحالة تعلق القدرة [بالموجود] (٢) من وجهين :

أحدهما : أنها لو تعدت الوجه الواحد في تعلقها ولا مخصص لتعدت إلى ما لا نهاية له ، وذلك محال.

والثاني : أن تعلقها بالموجود يوجب حاجته إليها ، [وجوده] (٣) يوجب استغناءه عنها ؛ فيكون محتاجا مستغنيا في حالة واحدة ، وذلك محال ، فيكفيك في الإضافة أن تقول: لا يجوز وجود علم متعلق لا معلوم له ، سواء كان المعلوم موجودا أو معدوما كما بيّنا في القدرة ، وهذا إنما يجب في العلم بالذوات ؛ فأما العلم بالنفي المحض فإنه لا معلوم له كالعلم [بأنه] (٤) لا ثاني مع الله سبحانه وتعالى ؛ فالإضافة حينئذ تثبت بين العلم وبين ما يجري مجرى المعلوم وهو النفي المحض.

المسألة الثالثة [هل يصح إثبات وجود العلم مع نفي الإضافة]

قال تولى الله هدايته : أيصح إثبات وجود العلم مع نفي الإضافة ، والوجودية المسماة معلوما حتى يفرض من نفيها وإثبات وجوده علما ولا معلوما؟

الجواب عندنا : لا يصح وجود العلم المتعلق ولا معلوم ، وسواء كان المعلوم موجودا أو معدوما على نحو ما قدمنا ؛ وإنما قلنا ذلك لأن القول بخلافه يرفع كونه

__________________

(١) في (ب) : ولا بدور أضافته الوجودية فيهما.

(٢) في (أ) : بالوجود.

(٣) في (أ) : ووجوبه.

(٤) في (ب) : بأن.

٢٤٥

متعلقا ، ويخرجه عن قبيله ، وذلك لا يجوز ، فأما العلم الذي ليس بمتعلق ، فإنه يجوز وجوده ولا معلوم ، بل يجب وجوده كذلك ، وهو كالعلم بأن لا ثاني لله سبحانه وتعالى [ولا بقاء](١) للأجسام به بنفي ، إلى ما شاكل ذلك ، وهذا السؤال إنما يتوجه إذا كان الكلام في الواحد منا ، فأما الباري تعالى فالقول بأنه عالم بعلم باطل ، فكيف يذكر التضايف ، ويلزم السؤال والجواب وقد قامت الأدلة القاطعة [على كونه عالما لا بعلم] (٢) ؛ فكيف يضاف المعلوم إلى علمه سبحانه ، وسنبين فيما بعد إن شاء الله تعالى أنه لا يجوز كونه سبحانه عالما بعلم ، فهذا هو الجواب عما سأل أرشده الله.

المسألة الرابعة [هل العلم عام بعموم المعلوم خاص بتخصيصه]

قال تولى الله هدايته : هل العلم عام بعموم المعلوم ، خاص بتخصيصه ؛ فيكون جملة تلحقها التفاصيل بتجميل المعلوم وتفصيله؟

الجواب عندنا : إن العلم يتعلق بالمعلوم على ما هو به كما قدمنا ، ولا فرق في ذلك بين الجملة والتفصيل ؛ فإن كان المعلوم مجملا تعلق به على سبيل الجملة ، وإن كان مفصّلا تعلق به على وجه التفصيل ، فالعلم واحد ، والتجميل واقع في التعلق لا في ذات العلم وحقيقته ، وكذلك التفصيل ، وأيضا فإنّا لا نريد بالجملة والعموم إلا مجموع أشياء صارت في حكم الشيء الواحد لأمر من الأمور ؛ فكما أن العلم بالشيء الواحد لا يدخله باب التجميل ، فكذلك العلم بالجملة ؛ لأنها تجري مجرى الشيء الواحد ؛ فإذا لم يدخل العلم بالمفرد تجميل وتفصيل كذلك ما يجري

__________________

(١) في (أ) : ولا يقام ، في (ب) : ولا بقاء.

(٢) كذا في (أ) ، وفي (ب) : على بطلان كونه عالما بعلم.

٢٤٦

مجراه وهو العلم بالجملة ، ولأنه لو كان العلم يتعلق بما يدخل تحت العام تعلق المفردات لكان قد تعلق به على سبيل التفصيل ، ولا يجوز تعلق العلم الواحد بأزيد من معلوم واحد على سبيل التفصيل ؛ لأنه لو تعدى المعلوم الواحد ـ ولا دليل على وجوب قصره بعد تعديه ـ لأدى إلى كون الواحد منا عالما بجميع المعلومات ، ومعلوم خلافه ، فلا بد مما قلناه أولا وهو : أن العموم جار مجرى الشيء الواحد ، فيتعلق به العلم على الوجه الذي لأجله صار في حكم الشيء الواحد ، فلا يدخله التفصيل والتجميل لما بيّنا.

المسألة الخامسة [هل المعلومات صور قائمة بالعالم بها؟]

قال تولى الله هدايته : هل المعلومات عند الموصوف بالإحاطة بها حتى استحق صفة كونه عالما بها صورة متحصلة قائمة بذاته كصورة الدار في نفس الباني لها قبل بنائها حتى استحق صفة كونه عالما بها ؛ ليصح البناء على نفس ما علم أو على وجه آخر ، أو لا يصح ذلك على الإطلاق؟.

الجواب عندنا : إنه لا يصح حصول صورة المعلومات في نفس العالم بها ؛ لأن النفس غير متحيزة عند من يقول هذا القول ، والمعلومات منقسمة إلى متحيز وغير متحيز ، ومحال قيام المتحيز فيما ليس بمتحيز ، ومحال أيضا قيام ما ليس بمتحيز بما ليس بمتحيز ؛ لأنه لا يكون أحدهما قائما بالآخر ، والآخر مقوما به ، أولى من العكس ، فيؤدي إلى أن يكون قائما بنفسه من حيث قام به غيره ، غير قائم بنفسه من حيث لم يستقل بنفسه ، فيكون قائما بنفسه غير قائم بها ؛ ولأن غير المتحيز متضاد ، كالبياض والسواد ، ومحال قيامها بشيء واحد في حالة واحدة ؛ ولأن الباري عزوجل أجل المعلومات ، ومحال حصوله في شيء من الأشياء من نفس وغيرها ،

٢٤٧

ولا ما يحاكيه ؛ لأنه لا محاكي له.

وقوله : هل المعلومات صور محصلة في نفس العالم ، كالدار في نفس الباني تمثيل بما لم يسلم بعد ؛ لأنه يستحيل كون الدار في نفس الباني ـ كما قدمنا ، وحصول العلم في نفس العالم كان في إيجاد المعلوم ، وليس العلم مثلا محاكيا للمعلوم كما يظنه من قال بذلك ؛ لأن العلم عرض ، والعرض لا يكون محاكيا للجوهر ولا للقديم. مع أن علم أحدنا قد يتعلق بالقديم والجواهر ، ولو كانت النفس متحيزة لاستحال أيضا حصول المعلومات فيها ؛ لأنه ينقسم كما قدمنا إلى متحيز وغير متحيز ، ومحال حصول المتحيز في المتحيز ؛ لأنه يستحيل في المتحيزات التداخل ، وقيام بعضها بالبعض ؛ لأنه لو جاز ذلك جاز أن يكون العالم في موضع جزء واحد ، وخلافه معلوم ، وما ليس بمتحيز ينقسم إلى عرض وغير عرض ؛ فغير العرض هو الباري تعالى ، ومحال وجوده في شيء من المتحيزات تعالى عن ذلك علوا كبيرا ؛ والعرض ينقسم إلى ما هو من فعل الله وإلى ما هو من فعل العبد ، فما كان من فعل الله سبحانه استحال وجوده في نفس الواحد منا ؛ لأنه يشتمل على المتضادات كالبياض والسواد وغيرهما ، ومحال كون الذات على صفتين ضدين ، ومحال حصول البياض والسواد لشيء واحد ، فيظهر حكم أحدها دون الآخر لفقد المخصص من حيث أنهما على سواء ، ولأن ذلك يرفع علمنا بالتضاد وذلك لا يجوز ، ولأنه يستحيل وجود الشيء الواحد في وقت واحد في جهتين.

وإن كان من فعل العبد وهو الافتراق والاجتماع ، ونريد إيجادهما ، ومحال وجودهما في نفسه في حالة واحدة [لأن ذلك يؤدي إلى كون النفس مجتمعة مفترقة في حالة واحدة] (١) ، وذلك محال ، أو وجود الاجتماع والافتراق ، ولا حكم لهما

__________________

(١) سقط من (أ) ، وهو في (ب).

٢٤٨

وذلك محال ، وقد أدى إلى ضروب هذه المحالات ، وصنوف هذه الجهالات القول بأن المعلوم حاصل في نفس العالم ، فيجب القضاء بفساده.

[المسألة السادسة [هل المعلومات هي نفس الذات أو معان زائدة]

قال تولى الله هدايته : إن وجب أن المعلومات صور محصلة عند العالم بها ، فهل هي نفس ذاته أو هي معان زائدة على ذاته قائمة بها؟ أو هي قائمة بسواها أو مستقلة بنفسها ، وإن فرض كونها قائمة بذات سواه هل يصح أن تكون هي حقيقة العلم الذي به وصف بأنه عالم ، وهي قائمة بذات سواه؟

الجواب : صحة هذا السؤال ينبني على صحة السؤال الأول ، والجواب عنه على نحو الجواب عن الأول ، فلا وجه لتطويل الكلام بما قدمنا ذكره ، وما سبق كاف لمن نظر بعين البصيرة ، وانقاد لحكم الضرورة.

المسألة السابعة [هل ما سبق يطّرد في علم الله سبحانه؟]

قال تولى الله هدايته : هل يطرد ذلك في علم الله سبحانه من إضافة ، أو نفي ، أو جملة ، أو تفاصيل ، وذات؟

الجواب : اطراده على الوجه الذي ذكر ينبني على صحة ما قدمه في الإضافة وتوابعها ، وما عقبها به من الأسئلة ، وقد أجبنا عن ذلك بما يثلج [عن] (١) صدر الراغب ، ويشفي غليل الطالب ، وليس فيما ذكره زيادة تقتضي إفراد جواب ، وكشف لثام ونقاب ، بل لو يسلم [لما سلم عنه] (٢) أولا لما تلقى هذا إلا بالتسليم

__________________

(١) زيادة في (أ).

(٢) في (ب) : لو يسلم ما سأل عنه أولا.

٢٤٩

على الوجه الذي سلم عليه الأول ، وتعذر ذلك بما تقدم من الجواب ، ليسقط هذا تابعا ؛ لأنه فرع لذلك الأصل ، فعند الجد أنه لا ينظر العاقل في ذهاب الفرع ، والكلام في الذات قد تقدم في الأولى من المسائل ، وفي الإضافة وقع في الثانية والثالثة ، وفي الجملة والتفصيل ، والتعميم ، والتخصيص وقع في الرابعة ؛ فلا وجه لإعادته.

المسألة الثامنة [كيفية معلومات الله تعالى]

قال تولى الله هدايته : هل معلوماته تعالى التي هي نفس تفاصيل علمه مقصورة في عموم علمه وتخصيصه على نفس ما يصح إيجادها عليه في العالم ، صورة الفيل على ما هي عليه ، والإنسان والفرس إلى غير ذلك أم هي عنده على وجه آخر؟.

الجواب : قوله أرشده الله : هل معلوماته التي هي نفس تفاصيل علمه لا تصح ؛ لأن المعلوم ليس جملة العلم ولا تفصيله ، لأنه لو كان المعلوم هو العلم على وجه من الوجوه. وعندنا أن العلم يحل قلب الإنسان وعند الغير يحل نفسه ؛ لأدى إلى كون المتضادات في محل واحد ، وذلك باطل كما قدمنا.

وقوله : نفس تفاصيل علمه إن أراد معلوماته كان تكرارا ؛ لأنه يصير كأنه قال : هل معلوماته التي هي تفاصيل معلوماته وذلك غير سائغ لمتصدر لمثل هذا الشأن ، جار في هذا الميدان ، وإن أراد أن للباري علما به يعلم ، كما ذهب إليه بعض أهل الصلاة ، فذلك باطل بما نذكر في موضعه من كتابنا هذا.

وقوله : مصور (١) في عموم علمه باطل بما أبطلنا به عموم العلم فهذا غير مستقيم

__________________

(١) في (ب) : مصورة.

٢٥٠

لما قدمنا ، وإن أراد ما هو المفهوم من التصور ؛ لأنه إذا أطلق سبق إلى فهم السامع أن الإنسان قد ظن أن ما غاب عنه بصفة ما شاهده ، وهو غير قاطع بذلك ، فلا يجوز على الله التصور ؛ لأنه عالم بجميع المعلومات لما يأتي بيانه ، نبين ذلك ونوضحه ؛ أن الإنسان متى حصل له العلم بالباري سبحانه لم يحسن منه أن يقول : تصورت أن للعالم صانعا ، ولا تصورت أن السماء فوقي ، والأرض تحتي ، بل يكون ذلك خلقا من القول مستهجنا ، فيكفي في ذلك أن يقول : لا بد من كون الباري تعالى عالما ليصح منه إيجاد الفعل محكما لاستحالة وجود الفعل المحكم ممن ليس بعالم.

وأما صحة وجود الفعل على الإطلاق فلا يفتقر إلا إلى كونه قادرا فقط.

المسألة التاسعة [ما الدليل على علم الله التفصيلي؟]

قال تولى الله هدايته : إن وجب التجميل وهو العموم في كونه عالما دون التفصيل ، فما وجه الإحاطة بالتفصيل ، كما ورد في التنزيل (١) : (لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) [آل عمران : ٥]؟

الجواب : عندنا : أنه تقدست أسماؤه ، وجل ثناؤه عالم بجميع المعلومات يعلم ما كان ، وما سيكون ، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، فسبحانه وتعالى عمّا يلحد في أسمائه الملحدون ، وينسبه إليه الضالون علوا كبيرا ، والدليل على صحة ما ذهبنا إليه في ذلك ينبني على بيان أصلين :

أحدهما : أنه تعالى عالم.

والثاني : أنه يجب أن يعلم جميع المعلومات.

__________________

(١) نورد الآية كاملة ، وهي : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ).

٢٥١

أما الدليل على الأصل الأول وهو أنه عالم فلأن الفعل المحكم قد صح منه ، والفعل المحكم لا يصح إلا من عالم ، أما الذي يدل على [أن] المحكم قد صح منه ؛ فلأنه قد وقع منه ووجد ولا يجوز وجود ما لا يصح وجوده بحال ، ونعني بالفعل المحكم ما أوجده من عجائب مصنوعاته ، وغرائب مبتدعاته ، الناطقة بلسان الإحكام على توحيده ، الشاهدة بدليل [الابتداع] (١) على [تحميده] (٢) ، كالحيوانات المؤلفة أحسن تأليف ، والمركبة أحسن تركيب ، وأعضائها الظاهرة والباطنة ؛ فإن في ذلك ما يدل على حكمة فاعله ، وعلمه على وجه لا يمكن عاقلا دفعه ؛ وأما أن من صح منه الفعل المحكم وجب أن يكون عالما ، فما يعلمه في الشاهد من القادرين إذا حاولا إيجاد فعل محكم كالكتابة مثلا ، فبانت من أحدهما محكمة دون الآخر ، فإنا نعلم أن بينهما فرقا ، ولأحدهما مزية على الآخر ، لو لا ذلك لم يكن أحدهما بصحة ذلك منه أولى من الآخر لفقد التفرقة ، وتلك المزية هي التي عبر عنها أهل اللغة بأن سمو من صحت منه الكتابة المحكمة عالما دون الآخر ، وقد صح من الباري الأفعال محكمة على أبلغ وجوه الإحكام ، فثبت أنه عالم ، وإذا ثبت أنه عالم فلا يخلو إما أن يكون عالما لذاته أو لغيره ، والغير لا يخلو إما أن يكون مؤثرا على سبيل الصحة وهو الفاعل ، أو على سبيل الإيجاب وهو العلة ؛ والعلة لا تخلو إما أن تكون موجودة أو معدومة ؛ والموجودة لا تخلو : إما أن تكون محدثة أو قديمة ، والأقسام كلها باطلة إلا كونه عالما لذاته ، وذاته مع المعلومات على سواء ، فلا يخلو إما [أن] (٣) يعلم كلها أو [يعلم] (٤) بعضها ، أو لا يعلم شيئا منها ، محال أن لا يعلم شيئا منها ؛ لأنه قد ثبت أنه

__________________

(١) في (ب) : الإبداع.

(٢) في (ب) : على تمجيده.

(٣) سقط من (ب).

(٤) سقط من (أ).

٢٥٢

عالم بما قدمنا ، ومحال أن يعلم بعضها دون البعض ؛ لفقدان المخصص ؛ فلم يبق إلا أن يعلم جميعها ؛ وينبغي أن تبطل الأقسام الأولة بأدلة مختصرة فنقول : لا يجوز أن يكون عالما بالفاعل لأنه لا فاعل له ؛ لأن ذلك الفاعل إن تقدم على الباري انتقض كون الباري سبحانه قديما ؛ لأن ما تقدمه غيره فهو محدث ، وكان الكلام ينتقل إليه أيضا ، وإن تقدم عليه الباري انتقض كونه فاعلا ؛ لأن من حق الفاعل أن يتقدم على فعله ؛ لأن صحة فعله مترتبة في الوجود عليه ، ولا يجوز أن يكون عالما لعلة معدومة ؛ لأنه كان يجب أن نكون عالمين بتلك العلة ، كما أن الباري سبحانه عالم بها لفقد الاختصاص ؛ لأنها ليست بأن توجب له كونه عالما أولى من أن توجب لنا كوننا عالمين ؛ لأن المعدوم لا يختص بذات دون أخرى ، والعلة إنما توجب بشرط الاختصاص ؛ والمصحح فيه وفينا على سواء وهو كوننا أحياء ، والشرط حاصل فيه عزوجل وفينا ، وهو الوجود ، فكان يجب إن أوجبت له أن توجب لنا ، فكان يجب فينا أن نعلم جميع المعلومات وذلك محال ، ولا يجوز أن يكون عالما لعلة موجودة ؛ لأنها كانت لا تخلو إما أن تكون قديمة أو محدثة ؛ لأن الموجود لا يخلو إما أن يكون لوجوده أول فهو المحدث ، أولا أول لوجوده فهو القديم ، وباطل أن يكون عالما لعلة قديمة لأنه لا قديم سواه ، ولأنها لم تكن بأن توجب له كونه عالما أولى من أن يوجب لها كونها عالمة ، لأنهما قديمان ، فما جاز على أحدهما جاز على الآخر مثله ، وذلك يؤدي إلى أن يكون علة ومعلولا ، ويؤدي إلى وجود إله معه ، وباطل أن يكون عالما لعلة محدثة ؛ لأنها كانت لا تخلو إما أن تكون من فعله أو من فعل غيره ، ولا غير عالم قبل كونه عالما ؛ لأن من سواه من الفاعلين محدث على وجه يدل على كون فاعله عالما ، وإذا أحدثها فلا يخلو إما أن يكون عالما أو ليس بعالم ؛ فإن كان عالما استغنى عن إيجاد ما به يعلم ، وإن لم يكن عالما لم يصح منه إيجاد علة

٢٥٣

بها يعلم ؛ لأن وجود العلم ممن ليس بعالم لا يصح ، فقد ثبت أنه عالم لذاته ، وإذا ثبت ذلك لزم ما قدمناه من علمه بجميع المعلومات ، فقد رأيت أدلة العقول ناطقة بما ورد به التنزيل.

المسألة العاشرة [كيف يصح من الله الإيجاد لما يعلم تفصيله؟]

قال تولى الله هدايته : إذا لم تصح الإحاطة بالتفاصيل التي هي على التخصص معلومة الذي تجميلها هو علمه وعليه تدور الإضافة ، فكيف يصح عنه إيجاد ما لم يندرج في معلومه؟

الجواب : الكلام في هذه المسألة راجع إلى ما تقدم ، وقد ثبت أنه تعالى عالم بجميع الأشياء على أبلغ وجوه التفصيل ؛ فيؤخذ ما علمه على الوجه الذي علم أن إيجاده عليه أبلغ في وجه الحكمة ، وأدخل في باب المصلحة ، تعالى عن أن يجهل معلوما ؛ فيكون بصفات النقص موسوما ؛ أليس هو المختص بصفات الكمال التي لا يختص بها سواه فكيف يجهل ما فطره وسوّاه ، وكيف يكون كاملا من كان بأكثر المعلومات جاهلا.

المسألة الحادية عشر [هل المعلومات قائمة بالله سبحانه]

قال تولى الله هدايته : إذا وجبت التفاصيل على حقيقة ما هي عليه وهي قائمة بذاته لكونها هي حقيقة علمه ، فهل هي مع وجوبها زائدة على ذاته وقائمة بها ؛ فتكون [ذاته] (١) محلا لها ، أو ليست هي سوى ذاته؟

__________________

(١) سقط من (أ).

٢٥٤

الجواب : قد تكلمنا في حقيقة العلم وحده ، وأنه لا يدخله التفصيل في نفسه ، وبينا أنه تعالى لا يجوز أن يكون عالما بعلم ؛ لأن العلم إما قديم أو محدث كما قدمنا ، ولا قديم سواه ، ويستحيل أن يكون عالما بعلم محدث ؛ لأن إحداث العلم لا يصح ممن ليس بعالم.

وإذا كان عالما قبل إحداثه استغنى عن إحداثه ، وقد دل أن كونه عالما لا يفتقر إلى وجود علم به علم ، بل هو عالم لذاته ، كما قدمنا ولا يجوز أن يكون ذاته تقدس عن ذلك محلا ، لأن المعقول من المحل المتحيز الذي يجوز وجود العرض فيه ، فيكون العرض حالا فيه ، ولا يجوز في الباري أن يطلق عليه لفظ المحل ، ولا معناه ؛ وإن أراد بحقيقة علمه ما يغنيه بالمعلوم ، فقد بيّنا أيضا أنه لا يجوز وجود المعلوم في العالم فضلا عن وجوبه.

المسألة الثانية عشر [هل يصح أن يكون الله عالما بالمعدومات؟]

قال تولى الله هدايته : قيل : إيجاده أعيان ما أوجد لثبوت كونه سابقا في الوجودية ، إذ قدمه لا أول له وذلك من شرائط وجوب إلهيته فيما ذا فيما لم يزل (١) كأن يتعلق علمه والأعيان غير موجودة ، ولا عنده صور معلومة قائمة بذاته مفصلة ، ومحال أن يكون غير عالم بها ؛ إذ لا يصح مدار الإضافة على غير وجودية لمتضايف حتى تكون هي معلومة عند عدة الأعيان ـ أعني قبل إيجادها ـ كالسماء والأرض والنجوم وما بينهما؟

الجواب : قد بيّنا تضايف العلم والمعلوم ؛ وأنه لا يحتاج إلى الوجودية في

__________________

(١) العبارة غير مفهومة ، وهي كذا في (أ) ، وفي (ب) : [من شرائط وجوب إلهيته فتمادا فيما لم يزل].

٢٥٥

التضايف ومثلناه بالقدرة ، وأكدناه بذكر ما علمنا من الحساب ، والعقاب ، والجنة ، والنار ، وأيضا فإنا نعلم أفعالنا قبل وجودها ، ولو لا ذلك لما أوجدناها محكمة ، وبعد عدمها فيما ذا يتعلق علمنا ، ومعلوم أنه لا بد من التعلق إذ كان المعلوم ذاتا كما سبق ؛ لو لا أن العلم يتعلق بالمعدوم كما يتعلق بالموجود ، فثبت أنه لا يجب وجود الأعيان معه في الأول ليصح كونه عالما بها ، بل يكفي في ذلك أن يكون مما يصح العلم به والخبر عنه ، وقد صح العلم بها في حالة عدمها بل وجب كونه عالما بها ، ولو لا ذلك لما وجدت محكمة وصح الخبر عنها قبل الوجود ، ولذلك أعلمنا الباري سبحانه بما أعده للفريقين قبل وجوده ، وكذلك بعده ، فيوجد تقدست أسماؤه من معلومه ما يتعلق به الصلاح ، لا لضرورة تلجئه ، ولا لحاجة تدعوه ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

المسألة الثالثة عشر [حول حقيقة المعلوم وما يترتب عليها]

قال تولى الله هدايته : كل معلوم محصور الجملة ؛ وذلك أن العلم هو فهمك المعلوم على ما هو به ؛ وفهمك المعلوم يلزم منه إما فهمك الجملة أو البعض ، والتبعيض لا يلزم منه فهم المعلوم على ما هو به ؛ لأنه لا يحصل بفهمه فهم حقيقة جملة المعلوم ؛ لأن الذي لم يعلم منه لم يندرج تحت العلم فيكون مفهوما منه حقيقة ، وهذه صفة نقص في العلم ؛ لأن ما لم يعلم منه إما أعظم مما علم ، وإما دونه ، أو مماثلا ، أو مخالفا ، أو أعظم في القوة ، أو أضعف ؛ وإما أشرف أو أحسن ، فإذا [حقيقة] (١) العلم أن تفهم حقيقة المعلوم على ما هو به ، وكل معلوم محصور الجملة وهذا فهو إيضاح ما هو العلم وتنقيحه وما يساوق إليه من لوازمه ، فهل

__________________

(١) كذا في (ب) ، وفي (أ) : حقيقته.

٢٥٦

الباري سبحانه يعلم ذاته فيكون جملة محصورة بعلمه ، وكل جملة محصورة فإن لها حدا تقف عنده ، أو لا يعلم ذاته ، وهو موجود فيحصل موجود هو به غير عالم؟

الجواب : قوله : كل معلوم محصور الجملة ؛ غير مسلم على الإطلاق ؛ لأن الباري عزوجل أجل المعلومات ، وليس بجملة ؛ لأن الجملة ما تركب من أشياء فصار في حكم الشيء الواحد ، كجمل الأعداد نحو العشرة [والمائة] (١) تقول : عشرة واحدة ، ومائة واحدة ، وجملة الجسم ما تركب من جواهر مؤتلفة طولا وعرضا وعمقا ، تقول : من ذلك جسم واحد ؛ وجملة الإنسان ما تركب من أعضاء مخصوصة ؛ تقول : إنسان واحد ، وكذلك سائر الجمل ؛ فالحصر في الجملة فرع على الجملة ؛ لأنه إذا كان عددا انحصر ببلوغ غايته التي هي موضوعة له ، والباري يتعالى عن ذلك.

وقوله : وفهمك المعلوم ، يلزم منه إما فهمك الجملة أو البعض ، مسلم متى كان المعلوم [الجملة] (٢) ؛ وقد بيّنا أن القديم تقدس ليس بجملة ؛ لأنه لو كان جملة لكان مركبا كما قدمنا ، والتركيب دلالة الحدث وهو تعالى قديم.

وقوله : والبعض والتبعيض لا يلزم منه فهم المعلوم على ما هو به ؛ لأنه لا يحصل بفهمه فهم حقيقة جملة المعلوم ، غير مسلم على الإطلاق ؛ لأن فهم البعض قد حصل منه فهم حقيقة المعلوم الذي هو البعض على ما هو به [فإن أراد أن فهم البعض لا يحصل منه فهم الكل فذلك ثابت ، ولكنه قد يتناول المعلوم الذي هو البعض على ما هو به] (٣) ، وكلما ذكر من التفصيل والتطويل مبني على أن الباري

__________________

(١) في (ب) : فالمئه.

(٢) في (ب) : جملة.

(٣) سقط من (أ) ، وهو في (ب).

٢٥٧

جملة ، تقدس عن ذلك وتعالى ، وقد بينا أن ذلك لا يجوز.

وقوله : فإذا حقيقة العلم أن تفهم حقيقة المعلوم على ما هو به مسلم ؛ لكن القديم ليس بجملة فيعلم كله أو بعضه ؛ لأن ذلك من لوازم الحدوث ؛ فلا يجوز أن يقال : كل الباري سبحانه ؛ لأن الكل مجموع أبعاض ولا بعض له ؛ لأن البعض جزء الكل ؛ فإذا علم الباري لذاته على ما هو عليه أن لا يعلم ذاته جملة ولا بعضا ؛ لأنه يستحيل عليه التجزؤ ، والانقسام ، والتلفق ، والانضمام ، تعالى عن ذلك مالكنا وربنا ، بل هو كما قال [عز و] جل لنبيه عليه‌السلام حيث يقول في مقابلة قول المشركين : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الصمد : ١] ، وقوله : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) [المائدة : ٧٣] ، فهو عزوجل يعلم ذاته بأنه أجل المعلومات ، وقد وجب أن يعلم جميع المعلومات بما بينا أولا ، وهو يعلم ذاته متميزا عن غيره بصفات الكمال التي لم تثبت لغيره من كونه قادرا على جميع أجناس المقدورات ، عالما بجميع المعلومات ، حيّا لا يجوز عليه الموت ، موجودا لا يجوز عليه العدم ، سميعا لا تخفى عليه خافية ، بصيرا لا تغب عنه غائبة ، قديما لا أول لوجوده ، متعاليا عن ظلم عبيده ، فيعلم ذاته على هذه الصفات ، ومتى علمها على هذه الصفات ؛ فقد علم الشيء على ما هو به ؛ والجملة والبعض لا يثبتان في حقه ، وذكر الحصر وتوابعه لا يجوز إطلاقه عليه ؛ لأنه ليس بمعدود فيكون حصره يناهي عده ، ولا محدود على هذا المعنى فيكون حصره ببلوغ حده ، بل هو الواحد على الحقيقة ؛ إذ لا واحد على الحقيقة سواه ، فكيف يجوز إدخال الحصر على غير معدود ، والتناهي على غير محدود!! فصح ما ذكرناه في بارينا سبحانه وعلمه بذاته التي هي أجل معلوم.

٢٥٨

المسألة الرابعة عشر [هل الله قادر على جميع المقدورات؟]

قال تولى الله هدايته : هل يصح أن الله سبحانه قادر على ما يندرج في مقدور كل موجود إطلاقا مبرءا من الشرط والتقييد ، عاما يشمل جميع المقدورات ، حتى لا يوجد مقدورا إلا وهو قادر عليه أو لا يجوز ذلك؟

الجواب عندنا : إن الباري عزوجل قادر على جميع أجناس المقدورات ، حتى لا يوجد قادر إلا ويصح من الباري أن يفعل جنس ما فعل على أبلغ مما فعل ، ولا يطلق صحة وجود عين المقدور الواحد المعين من قادرين ؛ لأنا لو قدرنا أن الداعي المكين دعا أحدهما إلى إيجاد ذلك المقدور ، وصرف الثاني عنه الصارف البليغ ، أدى إلى أن يكون موجودا من جهة من دعاه الداعي إلى إيجاده ، معدوما [من جهة من صرفه عنه الصارف فيكون موجودا معدوما] (١) وذلك محال ، فثبت ما قلناه ، وصح أن الباري عزوجل قادر على جنس مقدورات العباد ، كالحركة وما شاكلها على أو في الوجوه ، ولا يقدرون على أجناس مقدوراته التي اختص بالقدرة عليها كالجواهر وما شاركها في استبداده بالقدرة عليها فسبحانه وتعالى.

المسألة الخامسة عشر [في خصائص قدرته جل جلاله]

قال تولى الله هدايته : هل اقتداره تعالى إن وجب عاما أو خاصا على أحكام ما اشترط وكان ذلك له فيما لم يزل مبرءا من داع وصارف يقتضي ظهور المقدور عنه فيما لم يزل أو طارئا عند الإيجاد فقط ، أو قادرا ولا مقدور فيكون فاعلا في آن دون آن ، وما السبب الذي اقتضى إيجاد الفعل في الآن الذي حصل فيه الإيجاد

__________________

(١) سقط من (أ).

٢٥٩

دون سواه؟

الجواب : قوله : هل اقتداره تعالى إن وجب عاما أو خاصا على أحكام ما اشترط ، أن اقتداره ـ تقدس عن النظير ـ عام في جميع أجناس المقدورات ؛ حتى لا مقدور إلا هو يقدر على جنسه على أبلغ الوجوه كما قدمنا.

وقد بيّنا أن وجود المقدور الواحد من قادرين محال ، وعندنا أن ذلك ثابت للقديمعزوجل أزلا وأبدا ، أعني كونه قادرا على جميع أجناس المقدورات ؛ لأنه قادر لذاته ، ومن حق ما يثبت للذات أن يكون ملازما للوجود ؛ لأنه لو [لزم] (١) في حال دون حال لكان لا بدّ من أمر أوجب ثبوته في حال دون حال ؛ لأنه لم يكن بأن يثبت أولى من أن لا يثبت لو لا ذلك الأمر ، ولا يجوز أن يكون ذلك الأمر الذات وما هي عليه من الصفات ؛ لأنها ثابتة وما هي عليه أولا وأبدا ، فيجب ثبوت الصفات في جميع الحالات ، فيبطل ثبوت ذلك في حال دون حال ، وإذا كان غير الذات كافا فلا ، أو علة ، ولا يجوز أن يكون الله سبحانه قادرا بالفاعل ؛ لأنه لا فاعل له ، ولأن ذلك الفاعل لا بد من كونه قادرا لاستحالة وجود الفعل ممن ليس بقادر ، وإذا كان قادرا كان الكلام فيه كالكلام في الباري ، فإما أن لا يحتاج إلى فاعل فنقول بذلك في الباري تعالى ، وإما أن يحتاج إلى فاعل فيؤدي إلى التسلسل ؛ ولا يجوز أن يكون قادرا لعلة ؛ لأنها لا تخلو إما أن تكون موجودة أو معدومة ؛ ولا يجوز أن يكون قادرا لعلة معدومة ؛ لأنها معه ومعنا على سواء ، والعلة لا توجب لأحد الذاتين الذي يصح أن توجب لهما إلا بشرط أن تختص بها ، ولا خصوص هاهنا ، فكان يجب إذا أوجبت له أن توجب لنا ؛ ومعلوم أنها لم توجب لنا لأنها لو

__________________

(١) في (ب) : ثبت.

٢٦٠