مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ١

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ١

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٥
الجزء ١ الجزء ٢

فتوكل لأحد الفريقين فما أمضى الحكم أمضيناه إن شاء الله تعالى ، فإن تركت الأخذ سبيلا إلى الامتناع فما يلزمه توجه السؤال.

وأما العقوبة فنحن نرى جوازها للتهمة وكانت إلى بيت المال فرأينا صرف نصفها إلى أولاد المقتول استطابة نفس ، وتسكينا لقلوب الدهماء ، والكل يتظلم إلى الآن المدعى عليه والمدعي ، وكون المدعى عليه في بعض الحصون أقرب إلى إيفاء الحق منهم أي وقت توجه فيه الحكم ، وليس بمجرد الدعوى تحرم المعاشرة.

وأما أمرنا بطردهم فظننا أنهم غير منكرين للقتل ، بل معترفون بالظلم ، فأردنا إهدارهم لمن قدر عليهم ، وتشريدهم في الآفاق فما شعرنا حتى وصلوا وقالوا : نحن عبيد الحق وخدمه ، ونحن ننظر في الرسم ونمتثله ، فما عسى أن يفعل فيمن هذا قوله ، وما يرى السائل أن يتوجه عليه من الحكم النبوي صلوات الله على صاحبه وسلامه بعد ما ذكرنا ، وهو قريب الدار فيبحث عن تصحيح هذا المقدار.

[حدود طاعة الولاة وإنكارهم]

وسألت : ما فرض المؤتم إذا صحت عنده إمامة الإمام التسليم في كل فعل عمله من الولاة ، أو المتصرفين أم المراجعة للإمام عليه‌السلام؟

الكلام في ذلك : إن الأمر إذا كان محتملا كان [فرضه] (١) التسليم ، وإن كان أمرا ظاهر القبح لزمه إنكاره حتى يتبين له وجهه ، وإذا أراد البيان من الإمام ليزداد علمه أو ينكشف له وجه ملتبس فلا بأس في ذلك وهو الأولى بل الواجب.

وسألت : هل يأثم إن ترك الإنكار والسؤال للإمام أم لا إذا كان الفعل منكرا أو

__________________

(١) في (أ) : فرض.

٢٢١

محتملا ، وإذا لم يؤثر إنكاره على الفعل الوالي ، هل يجب عليه تعريف الإمام بذلك أو ما فرضه؟.

الكلام في ذلك : إنه إن ترك الإنكار في أمر ظاهره القبح لم يجز له ذلك [لأن] (١) إنكار المنكر واجب بكل حال على الفور لا تراخي فيه ؛ لأن المراد ألّا يقع المنكر ، وإن كان محتملا لم يجز له إنكاره حتى ينكشف الحال لأنه يحمل على السلامة أفعال الغير من المسلمين ما أمكن ، ومتى لم يؤثر إنكاره على الوالي وجب عليه اطلاع علمه إلى الإمام ؛ لأن ذلك من الأمور المهمة ، ولا يكشف غامضها إلا للإمام (٢) في مثل ذلك فاعلم ذلك.

وسألت : إذا لحق المنكر ضرر من المتصرف أو الوالي في بعض مصالح دنياه ، هل يسقط عنه إنكار ذلك أم لا؟

الكلام في ذلك : إن الواجب إنكاره وضرر الدنيا لا يسقطه إلا أن يكون ضررا مجحفا يؤدي إلى التلف وما يقاربه ؛ وإنما قلنا ذلك لأن الدنيا تترك للدين ، فرضا من رب العالمين ، لأن الله تعالى قد توعد من آثر الحياة الدنيا الوعيد الشديد لقوله سبحانه وتعالى : (وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا ، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٣٨ ، ٣٩] والدين لا يترك للدنيا بإجماع المسلمين ؛ ولأن إيثار الدنيا هوى نفوس المكلفين ، وقال سبحانه وتعالى : (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٤٠ ، ٤١] وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اجعل مالك دون دمك فإن تجاوزك البلاء فاجعل مالك ودمك دون دينك»(٣) وهذا أمر والأمر يقتضي

__________________

(١) سقط من (أ).

(٢) في (ب) : إلا الإمام.

(٣) سبق تخريجه.

٢٢٢

الوجوب ، ولأنه المعلوم من الصالحين وقد ذكر رب العالمين بقوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحشر : ٨] ، وبقوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) [التوبة : ١١١] ، قال المسلم : بل نفسه وماله لله تعالى ، وفي مقابلة ذلك الجنة التي وعد الله تعالى من أطاعه ، وآثر مراده على مراد نفسه وأهوائها.

وسألت : إذا لم يؤثر الإنكار مرة واحدة هل يجب إعادته والتعريف به لفاعله ، أو لئلا يعود إلى مثله أم لا؟ فإن وجب فما الحجة؟ وإن لم يجب أدى إلى سقوط الأمر والنهي ؛ لأنه بالمرة لا يمتنع ، وبالتعريف مرارا يغلب على الظن أنه لا يعود إلى أمثاله؟

الكلام في ذلك : أن المقصود بالنهي عن المنكر أن لا يقع المنكر ، والمرجع في ذلك إلى غلبة الظن لتعذر حصول الطريق إلى العلم ، فإذا غلب في ظنه أن تكرار النهي يؤثر وجب التكرار ؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به يكون واجبا كوجوبه ، فاعلم ذلك.

[عود إلى أخذ أكثر من الزكاة]

وسألت : عمن أخذ أكثر من الزكاة ، وما يلحق من المعونة واللاحق ، وهو على الرعية في أكثر الأوقات أضر من الخرص؟

الكلام في ذلك : إن هذا الفصل قد تقدم الكلام فيه ، والاحتجاج بما فيه كفاية ، فلا معنى لإعادته ، ولا فرق بين أن تسمى الزيادة معونة أو لاحقا فاعلم ذلك. ولا بد أن تضر الرعية بمعنى أن يشق عليها ، والتكليف شاق لا إشكال فيه ،

٢٢٣

ولذلك كثر فيه الأجر ؛ ولكن بين المشاق فرق ، يعلمه أهل العقول. هذه بلادنا التي تأملت لها هذه الفرقة الملعونة عامرة بعد أن كانت دامرة هامدة ، آمنة بعد أن كانت خائفة ، لا يعلم فيها ظهور المنكر بعد أن كان ظاهرا لا ينكتم ، فهلا اغتفرت هذه المشاق لهذه المصالح الظاهرة ، فلو أن أهل البلاد كانوا مع المفسدين الظالمين في أعظم الرفاهية إلا أن المنكرات الظاهرة ، والمعاصي شاهرة لكان على المسلمين إنفاق الأموال الجليلة لإعزاز الدين ، وقطع دابر المعتدين ، فما هذا العمى والشقى ، وكثرة الجهل وقلة التقى ، فالله المستعان وعليه التكلان.

[ما الحجة على جواز قتل المطرفية]

وسألت : ما الحجة على جواز قتل من يقول لا إله إلا الله وأن محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المطرفية ، ويظهر البراءة من مذهبهم ، ويظهر اعتقاد الإمامة بعد القدرة عليه ، ما الحجة على ذلك من الكتاب والسنة أو سير الأئمة عليهم‌السلام ، وما يلحق بهذا من أنا إنما أكرهنا على الزكاة ، ولم نكره على الصلاة وهي عمود الدين ، وما يلحق بذلك ويقع البيان في اختلاف نظر الأئمة عليهم‌السلام بحسب اختلاف الأحوال والأوقات ، وما الذي لا يجوز اختلاف فيه ، وما يجوز [اختلاف] نظرهم فيه ، وما الذي أوجب اختلافهم؟.

الكلام في ذلك : إن [قتلنا] (١) لمن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله غير مستكثر لنا ؛ لأن أبانا علي بن أبي طالب عليه‌السلام هو إمام الأئمة ، وسيد الأمة ، ووصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام المعصوم ، وشبيه هارون ، والمنصوص عليه يوم الغدير ، ما قتل بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجمل وصفين

__________________

(١) في (أ) : قلتنا ، وهو خطأ.

٢٢٤

والنهروان ، بل هم من الصحابة والتابعين الذين ورد فيهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الآثار الشريفة ، وأي فضل يشبه فضلهم ، وأي نبل يشبه نبلهم ، فقتلهم ، عليه‌السلام بلا خلاف بين العقلاء في ذلك ، وكان قتله لهم شرفا عند الله تعالى وعند الصالحين ؛ لما فيه من الحديث عن خاتم المرسلين في علي عليه‌السلام أنه بشّر بأنه يقتل الناكثين ، وهم : أهل الجمل ، والقاسطين وهم : أهل صفين ، والمارقين وهم : أهل النهروان ؛ كل هؤلاء يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، ويجتنبون المحرمات ، ويقطعون آناء الليل وأطراف النهار عبادة.

وأما من أظهر البراءة منهم واعتقاد الإمامة بعد القدرة عليه ؛ فإن غلب في الظن أن إظهار ذلك تدينا وخوفا لله تعالى وطاعة قبل منه ، وخلي سبيله ؛ وإن غلب في الظن أنه منه تفاد من القتل والسبي ، لم يقبل منه ؛ لأن المعلوم وجوب قتله ، واستباحة ماله وآله ، ولا يجوز الخروج عن ذلك إلا بأمر شرعي ، وأقل ما نفذت به الأحكام الشرعية في الشرع الشريف ما يوجب غالب الظن ، فإذا غلب في ظن الإمام أو الوالي صدقه حمله على الصدق ، فإن لم يغلب في ظنه تصديقه لم يجز له أن يصدقه ؛ لأن تصديق من لا يغلب على الظن صدقه قبيح ، فكيف يكون القبيح واجبا ، ويجوز فعله فلا يكون لإظهار ما أظهر حكم ، وقد قال الله تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) [المنافقون : ١] ، فكذبهم في أمر ظاهر حق وصدق ، لما كان باطنهم في ذلك خلاف ظاهرهم فكذلك الفرقة المطرفية ، الكافرة الشقية ، الضالة الغوية ، تظهر ـ وقد ظهر ذلك للمسلمين ـ إيمانا وتبطن كفرا ، وقد اتبعت في ذلك واحدة بأخرى ، وكررت النكث شفعا ووترا ، وذلك معلوم لمن عرف أحوالهم ، فكم بايعوا ، وكم نكثوا ، وكم أظهروا التوبة نفاقا ، ثم ارتدوا ظاهر الأجل بسبب ظهورهم ، ولقد نافقنا أهل (عوشة) من عشاش كفرهم يقال لها : (التو) ست عشر

٢٢٥

سنة ، فلما ظهر شقيهم المسمى بالمشرقي تجمعوا.

وحكي عن بعضهم أنه قال : لما خرجوا من (عوشة) كفرهم ، عبد المطرفية لا علة من نفاق ، ولقد حكي من طرق شتى من كبارهم من النفاق ما لم يكن لنا في حساب ، وكنا نحملهم على الصلاح فبان فسادهم ، وظهر عنادهم مرارا كثيرة ؛ فما حملناهم على سلامة ، [إلا] (١) وتعقب ذلك نفاقهم ، فإلى الله المفزع منهم ، ومن أمثالهم ، وبه نرجوا تعجيل انتقامهم ، وقرب زوالهم ؛ فلقد ملئوا كثيرا من قلوب الأمة شقاقا ، وأشربوا أفئدتهم نفاقا ، فهم بهذه (٢) القصة شر البرية ؛ لأن الله تعالى يقول : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء : ١٤٥] ، فلو لا قبح النفاق ما كان في مقابلته هذا العذاب الشديد ، ولما جعله الله تعالى صفة لازمة لأقبح الكافرين ، بقوله تعالى : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) [التوبة : ٧٧] ، فقد أظهر العباس رضي الله عنه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الحق ، وما أخرج إلا كرها ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ظاهر أمرك كان علينا» (٣) ، ولم يقبل خلاف الأول عند القدرة ، ولما عفا عن أبي عزة (٤) ومنّ عليه ، وظفر به

__________________

(١) [إلا] زيادة من عندنا لاستقامة المعنى.

(٢) في (ب) : لهذه.

(٣) سبق تخريجه.

(٤) هو عمرو بن عبد الله بن عثمان الجمحي ، شاعر جاهلي ، من أهل مكة ، أدرك الإسلام وأصر على الشرك يوم بدر فأتي به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا رسول الله ، لقد علمت ما لي من مال ، وإنني لذو حاجة وعيال فامنن عليّ ، ولك ألا أظاهر عليك أحدا. فامتن عليه ، فنظم قصيدة يمدحه بها ، منها البيت المشهور :

فإنك من حاربته لمحارب

شقيّ ومن سالمته لسعيد

ثم لما كان يوم أحد دعاه صفوان بن أمية ، سيد بني جمح للخروج ، فقال : إن محمدا قد منّ عليّ وعاهدته أن لا أعين عليه ، فلم يزل به يطمعه حتى خرج وسار في بني كنانة ، واشترك مع عمرو بن العاص (قبل إسلامه) في استنفار القبائل ، ونظم شعرا يحرض به على قتال المسلمين ، فلما كانت الوقعة أسره المسلمون ، وأتي به إلى رسول الله فكان ذلك الحديث.

٢٢٦

مرة أخرى ، فسأله أن يعفو عنه فقال : «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، والله لا مسحت عارضيك في أندية قريش تقول خدعت محمدا مرتين اضربوا عنقه» (١).

والهادي عليه‌السلام لما دخل وادي أملح (٢) في بلاد وائلة (٣) جعل يتنقل في قراهم ودورهم ، يقطع أعنابهم ونخيلهم ، ويخرب منازلهم ـ وهم يجأرون إليه بالتوبة وقبول الأمان ـ فلم يقبل منهم لما يعلم من خبث الخلق وشرارتهم ، وهذا موجود في سيرته عليه‌السلام معروف عند من يعرف أحواله وأقواله ، ولم يقبل توبتهم لما يعلم من خبثهم وشرارتهم ، هكذا ذكره مصنف سيرته عليه‌السلام ، وجرت كتب أبي بكر إلى أمرائه في حرب الردة ، وأن لا يقبلوا توبة متمرد فلم ينكر أحد من الصحابة ، فجرى مجرى الإجماع.

__________________

(١) «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» الحديث بهذا اللفظ بدون الزيادة مشهور. وقد أخرجه ابن ماجة بأرقام (٣٩٨٢ ، ٣٩٨٣). وأحمد بن حنبل ٢ / ١١٥ ، وهو في (مجمع الزوائد) ٨ / ٩٠ ، وفي عشرات المصادر.

انظر (موسوعة أطراف الحديث النبوي) ٧ / ٤٥٧.

(٢) أملح بفتح أوله وسكون ثانيه ولام مفتوحة ثم حاء مهملة : واد مشهور في بلاد شاكر من أعمال صعدة ، فيه قرى كثيرة ومزارع الدهمة ووائلة ابنا شاكر من بكيل ، وهو يصب في الرملة ، ونسب إلى أملح الأمير الحسين الأملحي بن علي بن يحيى بن محمد بن يوسف الأشل بن القاسم بن الإمام يوسف الداعي.

انظر (مجموع بلدان اليمن وقبائلها) ١ / ٩٠.

(٣) وائلة : من قبائل بكيل ثم من شاكر. ومركز وائلة محل كتاف ، وتتصل بلاد وائلة من شمالها الشرقي بنجران ومن شمالها الشرقي ببني جماعة ، وبلاد ظهران شماليها ، ومن شرقيها الجنوبي جبل برط من بلاد شاكر ، ومن جنوبيها الغربي بلاد وادعة من همدان ، ومن جنوبيها بلاد آل سالم والعمالسة من دهمة بن شاكر ، ومن شرقيها الرملة الخالية ، ومن غربيها بلاد سحار من خولان ومن أودية وائلة وادي نشور يصب في نجران ، ووادي القشاش يصب في الرملة ، ووادي أملح وهو مشترك بين وائلي ودهمي من قبائل شاكر يصب في الرملة ، ووادي الفرع يصب في نجران وقبائل وائلة هم علهاني وشعري.

انظر تقسيماتهم وبقية المعلومات عن وائلة في (مجموع بلدان اليمن وقبائلها) ٣ / ٤٧٧.

٢٢٧

ونحن نروي بالإسناد الصحيح إلى محمد بن جرير رفعه إلى أبي بكر : إن توبة المتمرد لا تقبل ؛ فلا يقبل توبة متمرد ؛ ولأن جنود الأسود الكذاب العنسي ـ لعنه الله تعالى ـ لما قتل في صنعاء تذبذبت جنوده بين نجران وصنعاء ، وهم يعرضون التوبة ، فلم يقبل منهم بمشهد من الصحابة ، ولم ينكر أحد ، ولم تزل السيوف تأخذهم وهم يقتلون ويقتلون ، ويجأرون بالتوبة والإسلام ، فلم تقبل توبتهم إلى أن قتل آخرهم في طريق الأخابث ؛ فاجتث دابرهم ـ أخزاهم الله تعالى ـ وهم على متون الخيل ، والسيوف في أيمانهم يمنعون بها سربهم ، ويكشفون من بين أيديهم ؛ فكيف يكون حال المطرفي المخذول ، الذي يظفر به الحق فيظهر التوبة ، واعتقاد مذهب أهل الحق وإمامة الإمام.

هل ألقيت هذه العلوم في قلبه إلقاء؟ أم هي وحي؟ أم أنعم النظر عند ما أحيط به ، فذلك الوقت وقت الشغل لا الفكر. فهذا أمر عجيب ؛ إنما يجوز على من حرم التوفيق ولم يرزق لذة التحقيق.

[الإكراه على الزكاة]

وأما قوله : لم أكره الإمام الرعية على الزكاة دون الصلاة؟

الكلام في ذلك : أن الزكاة يمكن الإكراه عليها ، وتصح في الشريعة من دون النية ، ولهذا يجب على اليتيم والمجنون ، وساقط التكليف إخراج الزكاة ، ويلزم ذلك وليّه الإمام أو غيره ، وقد أخرج علي عليه‌السلام زكاة أموال آل أبي رافع ـ وهم يتامى في حجره ـ فلما بلغوا ، أو آنس رشدهم ، أخرج أموالهم فوزنت فنقصت ، فقالوا : يا أمير المؤمنين هذه أموالنا ناقصة. فقال : احسبوا صدقتها لما مضى من السنين ، فحسبوا فوجدوا الناقص الصدقة بغير زيادة ولا نقصان.

٢٢٨

فقال : أترون عند علي بن أبي طالب مالا لأيتام تجب فيه الصدقة لا يخرجها (١).

هذا رويناه في علوم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أجمعين مسندا ؛ ولأن الإجماع منعقد أن الإمام إذا أكره الرعية على الصدقة ونووها ظلما لم ينووها طاعة ، فإنه لا يجب عليهم قضاؤها ؛ فدل على أن الإكراه يصح فيها ، ولا يخرجها من بابها بخلاف الصلاة فإنها مما لا يصح فيه الإكراه ؛ لأن الإمام إذا أكرهه وفعل الصلاة ولم ينو العبادة وتأدية الفرض لم تكن صلاته شرعية ، ووجب عليه قضاؤها إذا تاب ؛ ولأنا نقول : لا بد أن ينوي في الوضوء الطاعة لله تعالى والصلاة ، وإلا لم تصح صلاته ؛ فكيف يكره على ما لا يصح عند جميع أهل الإسلام ، ولو لم يكن متى أكرهه إلا أن ينتقض وضوءه ويوهم أنه باقي على الطهارة ، أو يظهر أنه على وضوء وهو محدث ، فكيف يتصور الإكراه على الصلاة ، وإنما يجب الأمر بالصلاة مستمرا ، وقد كان ذلك خصوصا وعموما ، ومهما أمكن الفرقة الملعونة إنكاره ، لم يمكنها إنكار أنا في كل جمعة نتكلم ، ونأمر ، ونعد ، ونوعد ، ونعرف ، ونبصر على المنبر كرتين ـ تحريضا على الصلاة ، ونأمر من يتفقد القرى والبلاد للتحريض على طاعة الله تعالى ، فلسنا من رأيناه في ناحية نقول له : قم أد الصلاة ، ولا هو لو قلنا له : صلّ يقول : لا أفعل ، وقد كثر الصلاح ، وانقطع الفساد فالحمد لله ، وصار المصلون هم الأغلب ، ومن يترك مغمورا في جنب الصالحين ، فالحمد لله رب العالمين ، ولا يظهر قطعها في البلاد التي استقرت فيها الأوامر والنواهي النبوية زادها الله جلالة وشرفا ولا ينقطع الطارئ إليها من غيرها فلا يحسن منا أن نحارب على الصلاة مع حرب عدونا الذي قد شخص لحربنا ، ولا ضعف فيه إلا أن يضعفه الله تعالى ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد البشر محمد بن عبد الله قد صالح بعض المشركين على الشرك ، ولم يناقشهم

__________________

(١) سبق تخريجه.

٢٢٩

فيه ، كبني مدلج ، وبني كعب من خزاعة ، وغيرهم من قبائل العرب ، وحارب الفريق الآخر وهو أكثر من ترك الصلاة ، ولم ينكر ذلك عليه المسلمون وإن أنكر ذلك منكر ، فإنكاره ذلك كفر ، ولم يقدح ذلك في نبوته ، فكيف ينكر هذه الفرقة الملعونة الكافرة على أئمة الهدى ما فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الهادي إلى الرشد ، والدليل إلى الله تعالى ما هو أعظم منه ، ونحن لأكثر أهل العصر مهادنون ، وقد قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : (لو ثني لي الوساد لقد غيرت أشياء) فدل على أنه مغض على أشياء يريد تغييرها مخافة تكثير جمع العدو ؛ فأغضى عليها ، فذلك يجوز لإمام الحق إذا خشي خللا في الدين.

فانظر في هذا أيها الناظر بعين التهذيب لا عين التكذيب ، و [عين] التدبير والتفكير ، لا عين البغض والنكير (١).

[اختلاف نظر الأئمة عليه‌السلام]

وأما سؤاله عن اختلاف نظر الأئمة عليهم‌السلام فظهوره كفى عن كشفه ؛ لأن أهل المعرفة قد اشتركوا هم ومن لا معرفة له في العلم باختلاف أقوال الأئمة عليهم‌السلام والعلماء ، والتحرير والتجريد ، والمنتخب (٢) فيها أقوال روتها الثقات عن الأئمة عليهم‌السلام على حد واحد ، وهي مختلفة بل الخلاف واقع في قول الإمام الواحد ، وللهادي عليه‌السلام أقوال مختلفة ، والخلاف بينه وبين جده القاسم بن

__________________

(١) في (ب) : وعين التدبير والتفكر لا عين البغض والتكبر.

(٢) (التحرير في الفقه) للإمام أبي طالب يحيى بن الحسين الهاروني عليه‌السلام (مطبوع).

أما (التجريد) فهو كتاب في الفقه مسند الأحاديث لأخيه الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني وهو تحت الطبع.

و (المنتخب) كتاب للإمام الهادي إلى الحق ـ عليه‌السلام ـ (مطبوع).

٢٣٠

إبراهيم عليهم‌السلام معلوم مبين.

وكان محمد بن إبراهيم الإمام القائم في الكوفة أيام أبي السرايا الذي لم ينل أحد من هذه الذرية في دولة الأموية والعباسية ما نال عليه‌السلام فإن البلاد التي ملكها آل أبي طالب في أيامه هي : الكوفة ، والبصرة ، وواسط ، والأهواز ، وكرمان ، وفارس ، والحجاز ، واليمن ، ودنت الجنود من بغداد فوصلت إلى نهر صرصر ، وأحصيت القتلى في أيامه من جنود بني العباس المفقود من الدواوين مائتا ألف جندي غير الأتباع ، فكان لا يرى البيات ، ولا يجيزه ، وتبرأ من أبي السرايا لما بيّت أزهر بن زهير وأصحابه في سوق أسد (١) ، والهادي عليه‌السلام كان يجيز البيات وفعله رواه السيد أبو طالب عليه‌السلام عنه وهو : أن الأمر لما عظم على أصحابه من حال القرامطة قال : أتجزعون من عدوكم وأنتم ألفا رجل؟ قالوا : نحن ألف واحد. قال : أنتم ألف ، وأنا أقوم مقام ألف ، وأكفي كفايتهم. قال له أبو العشائر : يا ابن رسول الله ما في الفرسان أشجع منك ، ولا في الرجالة أشجع مني ، وقد رأيت أن ننتخب ثلاثمائة من العسكر ، ونسلحهم ، ونقويهم من أسلحة الباقين ، ونبيت القوم ؛ فإنا لا نبقي منهم إلا هكذا. فقال : الرأي ما رأيت. وبيّت القوم فقتلهم.

ومحمد بن إبراهيم كره البيات كما قدمنا ذكره ؛ لأن أبا السرايا أتى يهنئه بالفتح قال : الحمد لله كيف صنعت بالقوم ، قال : جاءونا فيما لا قبل لنا ، فعلمنا أنا لا نقوم بقتالهم إلا هكذا فبيتنا القوم ، فنصرنا الله تعالى عليهم ، فقتلناهم ، فرفع يده إلى السماء وقال : اللهم إني أبرأ إليك مما فعله أبو السرايا ألم تعلم أنا لا نقاتل القوم حتى ندعوهم إلى الله تعالى ثلاثا ، فإن أجابونا فإخواننا ، وإن أبوا استعنا بالله عليهم ، ألم تعلم أن فيهم (٢) العبد والأجير ، والتاجر ، ومن لا ذنب له؟ قال : يا ابن رسول الله

__________________

(١) انظر (مقاتل الطالبيين) ص ٤٢٤ ـ ٤٥٢.

(٢) في (ب) : فيه.

٢٣١

تدبير الحرب أوجب هذا ، ولا أعود إلى شيء تكرهه.

فهذه أحكام كما ترى بين أهل البيت تختلف ، وقد وقع الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم وبين التابعين ، وهو باق بين أهل العلم إلى الآن ، لا يفسق فيه ولا يكفر فيه ذو معرفة ، بل هو سعة ورحمة.

وأما المسائل التي لا يجوز الخلاف فيها ، ولا يسمع فيها اجتهاد فهي مسائل الأصول ، وما علم من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرورة ، وما اجتمعت عليه الأئمة ، وما عدا ذلك يجوز فيه الاجتهاد لمن جمع شرائط الاجتهاد ، وإجماع العترة عليهم‌السلام حجة بأقوى الأدلة ، وقد ذكرنا ذلك فيما وضعنا من كتب أصول الفقه ، وأجوبة السائلين ؛ وعلمنا من أهل البيت عليهم‌السلام أنهم لم يقطعوا بفسق من خالف في شيء من إجماعهم ، وقطعوا على فسق من خالف جميع الأمة الذين سادتهم ، فحصل لنا من علمهم هذه الفائدة في أن مخالفيهم (١) في الفقهيات لا يقطع بفسقهم ، ولو لا ذلك لقطعنا بفسق من خالف إجماعهم على أبلغ الوجوه ؛ لأن الدليل على أن إجماعهم حجة إن لم يكن أقوى من إجماع الأمة فليس بأضعف ، ومن نظر ما سطرنا فيه علم صحة ما قلناه.

وأما الذي أوجب اختلاف نظر الأئمة عليهم‌السلام وعلماء الأمة ؛ فإنما هو رحمة الله تعالى ، وتوسعة عليهم بأن جعل الأدلة الشرعية محتملة ، فصار لا يسمع أن يبدو للإنسان ما لا يبدو لصاحبه ؛ لأن أدلة الشرع الشريف أمارات تنتهي إلى غالب الظن بخلاف الأدلة العقلية ، وقد يتقوى ظن أحد المكلفين لأمارات لا يتقوى لها ظن الآخر ، وهذا معلوم لمن كان يعرف هذا الشأن ، وقد يصل إلى أحد المجتهدين من الآثار النبوية ما لا يصل إلى الآخر ، لسعة العلم فيقضي ما لا يقضي به الآخر ، والكل فيه أجازه الشرع الشريف زاده الله جلالة وعزا وهو مأخوذ عن خاتم

__________________

(١) في (أ) و (ب) : مخالفتهم ، والصحيح مخالفيهم.

٢٣٢

المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه لما بعث معاذ بن جبل إلى أرض اليمن قال : «بما تقضي بينهم؟ قال: بكتاب الله تعالى. قال : فإن لم تجد؟ قال : فبسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : فإن لم تجد؟ قال : أجتهد رأيي. قال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما وفق له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

وهذا أبلغ التصويب ، فلا بد أن يكون المجتهد عارفا بأنواع الخطاب وأحكامه ، وصوره وحقائقه ، وذلك يشتمل على الأوامر والنواهي ، والخصوص والعموم ، والمجمل والمبين ، والناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والأخبار على أنواعها ، والأفعال وتوابعها ، والإجماع وما يجري مجراه ، فإن كان ذلك كذلك كان للمجتهد أن يجتهد ولا يألو وكان ما قال حقا في دين الله تعالى ؛ وعلى هذا تحمل أقوال الأئمة عليهم‌السلام ؛ لأنهم في الغاية القصوى من العلم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوابعها ، وأقوالهم حق كلها ودين ، ويطلق عليها علوم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليهم أجمعين ولا ينكر ذلك إلا الفرق الملعونة الطاغية ، الضالة العاتية ، كمرتدة المطرفية ، وجهال الإمامية ، ومن جانسهم من جهال الأمة. فتفهم ما ذكرنا لك في هذه الأجوبة فإنا حررناها على وجه المبادرة مع تراكم الأشغال ، فنسأل الله تعالى التوفيق والمعونة ، فما كان فيها من صواب فمن الله تعالى وبمنّه ورحمته ، وما كان فيها من خطأ فمنا ومن الشيطان ، والله ورسوله منه بريئان ، والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا ، وصلى الله على محمد وآله.

__________________

(١) الحديث مشهور وقد أخرجه أبو داود في الأقضية باب ١١ ، والترمذي برقم (١٣٢٧) ، وأحمد بن حنبل ٥ / ٢٣٠ ، ٢٣٦ ، ٢٤٢ ، والدارمي ١ / ٦٠ ، وهو في (نصب الراية) ٤ / ٦٣ ، و (إتحاف السادة المتقين) ١ / ١٧٢ ، ومصنف ابن أبي شيبة ٧ / ٢٩٣ ، ١٠ / ١٧٧ ، و (تلخيص الحبير) ٤ / ١٨٢ ، وطبقات ابن سعد ٢ / ١٠٨ ، ١٢١ ، وتفسير ابن كثير ٣ / ٢٣٩ ، ٧ / ٣٤٥ ، و (البداية والنهاية) ٥ / ١٠٣ ، وفي مصادر أخرى كما في (موسوعة أطراف الحديث النبوي) ٤ / ٥٧٩.

٢٣٣

كان ذلك في ذي القعدة لخمس ليال خلون بالمخيم المنصور بقلحاح (١) في الشرف المسمى شرف البياض سنة عشر وستمائة.

مسألة [في أهل أقيان]

إن سأل سائل ما الطريق إلى العلم بأن أهل أقيان (٢) سبوا العترة الطاهرة ، وذهبوا إلى مذهب أهل الجبر ، واستحلوا إخراج الصدقة إلى غير الإمام ، وهل منع الصدقة لمن يعتقد الإمامة كفر ، هل صح ذلك بشهادة أو غيرها من الطريق الموصلة إلى العلم حتى حل سبيهم ، وكذلك الصلاة في مسجد قلحاح والظاهر من حالهم الجبر؟ ينعم مولانا سلام الله عليه ببيان ذلك ، وإذا حدث من بعض الناس في المحطة ما لا يبيحه الشرع الشريف مع السبايا ، وغلب على الظن ذلك ، وتعين المخطئ ، وتقوت الإمارة هل يجب على الإمام تعزيره وإظهاره ليتقرع الناس من مثل ذلك؟.

الجواب عن المسألة الأولى أن الظاهر من أهل هذه الجزيرة الجبر ، فمن ادعى خلاف الظاهر بين عليه.

وأما وجوب إظهار الصدقة فمعلوم ضرورة من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صرفها إليه ، وإن كان له فهو إلى الإمام من بعده ، فإن اعتقدوا إمامتنا فلم يظهروا إلينا ، وإن اعتقدوا إمامة بني العباس فلم يظهروها إليهم ، فكان ذلك ردا للمعلوم ضرورة من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) قلحاح : في بلاد الشرفين من أعمال حجة ويبعد عن زبيد شمالا بأكثر من مائتي كيلومترا ، وفي (مجموع بلدان اليمن) نقلا عن (معجم البلدان) : قلحاح جبل قرب زبيد ، فيه قلعة يقال لها : شرف قلحاح. والشرف : بلاد واسعة من حجور ، وهو ينقسم إلى الشرف الأسفل ، ومنه : الشاهل ، وجبل حرام ، وقفل شمر. والشرف الأعلى : ومنه بنو كعب ، وحصن كحلان ، وعلكمة ، والمحابشة ، وناحية الجبر ، وحجر وغيرها. (انظر (مجموع بلدان اليمن وقبائلها) ٢ / ٢٤٠).

(٢) أقيان : قال في (مجموع بلدان اليمن وقبائلها) : مخلاف باليمن يعرف الآن بناحية شبام كوكبان وثلاء. سمي بأقيان بن زرعة بن سبأ الأصغر من حمير.

انظر تفصيل ذلك في (مجموع بلدان اليمن وقبائلها) ١ / ٨٨.

٢٣٤

وأما السب لأهل البيت عليهم‌السلام فطريقه الأخبار ، وقد بلغت إلينا ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعل الأفعال بأخبار الآحاد ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القدوة في الأفعال والأقوال.

وأما الصلاة في المسجد فهو متقدم ، وأمور المسلمين ودار الإسلام تحمل على الصحة ما أمكن ، والجبر طارئ على الإسلام ، فحملناه على الأصل.

وأما الذي يحدث في المحطة مع السبايا فلم يعلم ذلك ، والتعزير على الظن لا يجوز فيما هذا حاله ؛ لأنه تقدير لوقوع الخطيئة ، ولم يتيقن وقوعها ، فكان بهتا والسلام.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

وهو حسبنا ونعم الوكيل

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

* * *

٢٣٥
٢٣٦

كتاب الجوهرة الشفّافة

رادعة الطوّافة

تأليف

الإمام الأجل السيد الأفضل أمير المؤمنين وشحاك المعاندين

المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم

٢٣٧
٢٣٨

بسم الله الرحمن الرحيم

[بالله أستعين وعليه أتوكل] (١)

[أما بعد : حمدا لله الذي جعل الحمد ثمنا لجلائل نعمته ، ومفتاحا لأبواب رحمته ، وسببا للخلود في غرفات جنته ، وصلواته على رسوله الراقي من الشرف عالي ذروته ، وعلى قاضي دينه ، ومنفذ وصيته ، علي بن أبي طالب حسامه في المعضلات الشدائد وجنته ، وعلى الزاهرة المرضية ، سكنه وزوجته ، وعلى سلالة رسوله وذريته ، شهدائه على العباد وصفوته ، الذين جعلهم أعلاما لمنهاج شريعته ، وأقمارا نتخلص بلوامع أنوارها من ظلمات الجهل وحيرته ، ورحم وكرم وشرف وعظم ، فإن الرسالة الطوافة أسمتت إلينا إلى أرض اليمن قاطعة خطامها ، حاسرة لثامها ، تقطع المجاهل والهجول ، وتصعد معاقل الوعول ، كم واد جزعت (٢) ، ومرت قطعت ، وشامخ طلعت.

تأتي على الناس لا تلوي على أحد

حتى أتتنا وكانت دوننا مضر

لكنها جاءت بما برّد الأحشاء ، ولم تكن كلسان الأعشى ، فلما اتصلت لحسام الدين ، ورأس الموحدين ، أبي علي الحسن (٣) ، علامة أهل اليمن ، عاينت ما يبهر

__________________

(١) زيادة : في (ب).

(٢) جزعت : سارت واجتازت.

(٣) هو الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد بن أبي الطاهر محمد بن إسحاق بن أبي بكر بن عبد الله الرصاص (٥٤٦ ـ ٥٨٤ ه‍) ، أحد العلماء الأعلام ، محقق ، أصولي ، واسع الدراية ، تتلمذ على شيخ الإسلام القاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام ، ونبغ في سن مبكرة ، وكان عالم الزيدية في عصره ، وإليه انتهت رئاسة أصحاب القاضي جعفر ، عكف على التدريس والتأليف ، وله مؤلفات كثيرة ، يقال : إنه ألف وسنّه أربعة عشر ، وسمع على القاضي وهو ابن عشر ، توفي في ٢٨ شوال عن ٣٨ سنة وقبر في هجرة سناع بجانب القاضي جعفر خارج المشهد من المشرق.

ومن مؤلفاته : التبيان لياقوتة الإيمان وواسطة البرهان ، تقريب البعيد من مسائل الرشيد ، كيفية وجود الأعراض الموصل في بيان المؤثرات ومفتاح المشكلات.

وللمزيد من المعلومات عن مؤلفاته وأماكن تواجدها ، انظر كتابنا (أعلام المؤلفين الزيدية) ص ٣٤٢ ترجمة رقم ٣٣١.

٢٣٩

العقول نورا ، ويرد الطرف خاسئا حسيرا ، كسرت من طرفها ، وطامنت من أنفها ، وقبضت من كفها ، وسلمت إليه القياد ، وقالت : هيت لك يا خير هاد ، حطت رحلها بحيث حط الفضل رحله ، وصارت إلى من صار للعلماء قبلة ، وكان يومئذ مشغولا بتصانيف وأجوبة ، لا يقوم بها سواه ، ولا ينهض [بعبئها] (١) إلا إياه ، دفعها إليّ ، وقال: حلّل عقدها ، وقوّم أودها ، وكنت قد اغترفت من تياره غرفة طالوتية ، أفرغت علي صبرا ، ومنحتني على المناضل نصرا ، فتأهبت لامتثال الرسم العالي ، على كثرة أشغالي ، وقلة إيغالي ، مستعينا برب أزلي ، قديم أبدي ، فما العون إلا من عنده ، وما التوفيق إلا بيده ، وجاءت معصوبة تذكر مساوئ أهل العصر في الدعاوي ، مع خبطهم في المغاوي ، وذلك حق اليقين ، في أكثر العالمين ، إلا الذين استثناهم الكتاب المبين ، في قوله عز من قائل : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) [آل عمران : ٧] ، وقوله : (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) [العنكبوت : ٤٣] ، وقوله : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء : ٨٣] ، وقوله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل : ٤٣] (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) [النور : ٢٦] ، (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف : ٧٦] ، وللعلم حفظة في جميع الأعصار ، ما اختلف ليل ونهار ، ودار فلك دوّار ، يحمون سرحه عن أسود الكفر والجحود ، ويهتكون بقواضب حججهم سرادقات الشبهات السود ، يصمون أوابد المشكلات ولا ينمونها ، ويرمون أعراض المعضلات فلا يخطئونها ، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، بصائرهم موهوبة من عنده ، لما أراد من غلب جنده ، وصدق وعده ، قال وهو أصدق القائلين : (وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) [الصافات : ١٧٣] ، والعلماء ورثة النبيين ، والشهداء يوم الدين ، كما روي عن الصادق الأمين ـ صلوات الله عليه وعلى آله الأكرمين : «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ،

__________________

(١) في (أ) : لعلها بغيرها ، وفي (ب) : بعبئها وهو الأصح.

٢٤٠