مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ١

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ١

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٥
الجزء ١ الجزء ٢

وبعد الوفاة وشركه في الأمر وشد الأزر تفيد الإمامة وزائدا عليها فثبت بذلك إمامته عليه‌السلام.

وهذه جمل متى وقف عليها من له عهد بالاستدلال أمكنه تفصيلها ، والله الموفق للصواب.

وأما إمامة الحسن والحسين عليهما‌السلام فثابتة أيضا ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما» وفي هذا نصّ صريح بإمامتهما وأنهما أولى بالأمر من كل من قام في وقت صلاحيتهما للقيام بالأمر ، وفيه تنبيه على إمامة أبيهما عليه وعليهما‌السلام لأن غير الإمام ممن ليس بنبي لا يكون خيرا من الإمام ، فثبتت إمامتهمعليهم‌السلام.

[إبطال ما يدعى طريقا للإمامة من غيرنا]

وأما الفصل الثالث : وهو الكلام في إبطال فيما يدعى طريقا إليها سوى ما نذهب إليه فاعلم أن له تعلقا بما قدمنا من إمامة الأئمة عليهم‌السلام وبما نعتقده من إمامة سائر آبائناعليهم‌السلام وأن طريقها الدعوة.

ونحن نذكر أن الدعوة طريق لإمامة آبائنا من بعد الأئمة عليهم‌السلام وندخل في أبنائه إن شاء الله تعالى.

الكلام في سائر المخالفين في طريقة الإمامة على وجه يليق بهذا الموضع من الإيجاز ، فنقول : إن الكلام في ذلك يقع في ثلاثة مواضع :

أولها في المنصب : ومعناه أن الإمامة لا تجوز إلا فيمن كان أبوه من ولد الحسن أو الحسين عليهما‌السلام.

٣٤١

وثانيها : أن الدعوة طريق الإمامة.

وثالثها : الشروط المعتبرة في الإمام وهي : العلم ، والورع ، والفضل ، والشجاعة ، والسخاء ، والقوة على تدبير الأمر ؛ أما الذي يدل على الأول فإجماع الأمة على جوازها فيهم واختلافها فيمن سواهم بعد بطلان النص على أعيان الأئمة الذي تقول به الإمامية ، والإجماع حجة ولا دليل على خلافه.

أما أن الأمة أجمعت على ذلك فلأن المعترض للمنصب افترقوا على ثلاثة أقوال : الخوارج ، والمعتزلة ، والزيدية.

فقال الخوارج : الإمامة جائزة في [جميع] (١) الناس وهذا باطل ؛ لأن الإمامة أمر شرعي لا مجال للعقل فيها ، من حيث أنها تقتضي أمورا ضارة ينفر العقل منها ، مثل : القتل ، وأخذ الأموال طوعا وكرها وصرفها في مستحقها [والحدود] (٢) وما شاكل ذلك ، وليس في الشرع ما يدل على جوازها في الناس كلهم ، وبذلك يبطل قول من يدعي طريقها الإرث والقهر والغلبة ؛ لأن لا طريق في الشرع يقتضي ذلك ، فما لم تدل دلالة شرعية عليها بقيت على حكم الأصل ، وهو المنع من التصرف على الناس في أمور تضرهم.

وقالت المعتزلة بجوازها في قريش وحدهم ، وسنتكلم عليهم فيما تفردوا به إن شاء الله تعالى.

وقالت الزيدية : إنها جائزة في ولد الحسن والحسين ـ عليهما‌السلام ـ دون غيرهم ، فمن أجازها في كل الناس فقد أجازها في ولد الحسن والحسين ؛ إذ هم من

__________________

(١) في (ب) : في كل الناس.

(٢) سقط من (أ).

٣٤٢

الناس بل من خيرهم ، ومن أجازها في قريش فقد أجازها في ولد الحسن والحسين ؛ إذ هم من قريش بل من خيرهم ، ومن أجازها في ولد الحسن والحسين فقد حصل له الإجماع على ذلك.

وقلنا بعد بطلان قول أصحاب النص وهم الإمامية فإنهم لا يعتبرون منصبا مخصوصا ، وإنما يعولون على النص ، فمن وجد فيه فهو إمام ولو كان من أي الناس كان ولو أغلق بابه وأرخى ستره.

والدليل على بطلان ما ادعوه من النص الذي هذا حاله أنه لو كان صحيحا لكان معلوما للأمة ؛ لأن فرض الإمامة عام كعموم الصلاة والصوم والحج ، ومعلوم أنه ليس بمعلوم للجميع ، فبطلت دعوى ثبوته ؛ إذ لو جوّزناه لقدح في سائر أركان الدين من صلاة وصوم وحج وغير ذلك على ما هو مبسوط في مواضعه.

وأما بطلان قول المعتزلة فسيأتي إن شاء الله تعالى ، وأما أن إجماع الأمة حجة ، فلقوله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) [النساء : ١١٥] ، فالله تعالى توعد من خالف سبيل المؤمنين كما توعد من شاق الرسول ، فكما أنها تجب متابعة الرسول وتحرم مشاقته فكذلك المؤمنين.

قلنا : يعني أن إجماعهم حجة إلا أن متابعتهم واجبة ومشاقتهم قبيحة.

وأما أنه لا دليل على خلاف ما اعتمدنا عليه فما قدمنا من أن الإمامة أمر شرعي وليس في الشرع ما يدل على خلاف ما ذكرنا.

أما الإرث والقهر والغلبة وجزاء العمل فقد قدمنا منه طرفا.

وأما العقد والاختيار كما تقوله المعتزلة فهو بناء على الإجماع من الصحابة على

٣٤٣

إمامة أبي بكر وهو باطل فإنه ما وقع هناك إجماع ، بل الخلاف واقع من أول الأمر إلى آخره؛ ولأن دعواهم الإجماع إما أن يحصل عن طريق أو لا ، فإن كان لا عن طريق كانت فاسدة ، وإن كان إجماعهم عن طريق فهل هي عقلية أو شرعية؟ وبطل أن تكون عقلية لما قدمنا ولأنهم لا يقولون بذلك ؛ وإن كانت شرعية فليست إلا من الكتاب أو السنة ، ولا شك أنه ليس فيهما ما يدل على كون العقد طريقا للإمامة فبطل ما ادعوه على الصحابة [إذا] (١) كان في ذلك إجماعهم بغير دلالة عقلية ولا شرعية وذلك لا يجوز عليهم.

وأما أن الدعوة طريق ثبوت الإمامة ، فاعلم أن معنى الدعوة هو التجرد للقيام بالأمر ، والعزم عليه ، وتوطين النفس على احتمال أثقاله ، ومباينة الظالمين ، ولا خلاف بين الأمة في أن الإمام يجب كونه على هذه الصفات بعد بطلان قول الإمامية ، ولا دليل على كون غيرها طريقا إلى الإمامة ؛ فلو بطلت الدعوة لخرج الحق عن أيدي الأمة وصار كل فريق منهم يقول : هو باطل ، وذلك ينقض كون إجماع الأمة حجة وذلك فاسد.

وأما كلام من اعترض هذه الطريق من المعتزلة وغيرهم ، فإنه لا يصح أن يدعو إلى نفسه إلا بعد كونه إماما.

والجواب عنه : [إنه] (٢) قد بينا معنى الدعوة ، وأنه التجرد للقيام بالأمر والعزم عليه وتوطين النفس على احتمال أثقاله ، ومباينة الظالمين ، فمتى حصل على هذه الأمور وكان من المنصب الشريف مع كمال الخصال التي تقدمت ، ثم دعا الناس إلى نفسه والمعاونة على طاعة الله عزوجل ، والأمر بالمعروف والنهي

__________________

(١) في (ب) : إذ.

(٢) في (ب) : أن.

٣٤٤

عن المنكر ، وإقامة قناة الدين لزمتهم إجابته ، ووجب عليهم طاعته ؛ فمعنى الدعوة خلاف الدعاء إلى نفسه كما قدمنا ، وهو واضح لمن تأمله بعين الإنصاف والحمد لله.

وأما الكلام على اعتبار الشروط فقد دخل في أثناء كلامنا.

[أحكام المخالفين في الإمامة]

وأما الفصل الرابع والكلام في أحكام المخالفين في الإمامة

فاعلم أنها متى صحت إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام بما قدمنا فالمخالف في ذلك إنما يكون كافرا أو فاسقا أو مخطئا ، وهي الأمور الثلاثة قد كانت ثابتة في أمره عليه‌السلام.

أما الكفر فقد أجمع أهل البيت عليهم‌السلام على كفر معاوية ويزيد ـ لعنهما الله تعالى ـ وهو مذهب عامة المعتزلة ؛ لأن معاوية وضع الجبر في هذه الأمة وقال به ، واستخلف زيادا ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (١) والخبر مشهور بمنزلة إنكار الشريعة.

وكذلك قتله لعمار بن ياسر ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمار : «تقتلك الفئة الباغية ، وآخر زادك صاع من لبن» (٢) والخبر لا إشكال فيه ، وتعليل معاوية بأن عليا عليه‌السلام قتل عمارا لأنه الذي حمله على أسياف أهل الشام ، يلزمه أن يكون

__________________

(١) سبق تخريجه.

(٢) حديث : تقتلك الفئة الباغية ، حديث مشهور ، لا يكاد يخلو منه كتاب من كتب الرجال التي ترجمت لعمار ، ومن كتب السنن وكتب التأريخ التي تعرضت لوقعة صفين. وانظر بعض مصادره عند القوم في (موسوعة أطراف الحديث النبوي) ٤ / ٤٠٣.

أما كتب الشيعة فيصعب متابعته فيها.

٣٤٥

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتل عمه حمزة حين حمله إلى أحد ، وذلك من العظام.

وكذلك فوضعه اللعن لأمير المؤمنين عليه‌السلام على المنابر حين سأله ابن عباس أن يمسك عنه ، فقال معاوية لعنه الله : والله لا أمسك عن سبه وثلبه حتى ينشأ عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ، فإذا ترك قيل : ترك السنة ، ولم يزل ذلك إلى أن قطعه عمر بن عبد العزيز.

ومن ذلك قتله لحجر بن عدي في عشرة من الصحابة لامتناعهم عن لعن علي عليه‌السلام.

وكذلك أخذ البيعة ليزيد لعنهما الله وهو مشهور بشرب الخمور وارتكاب الشرور إلى غير ذلك.

وأما الفسق : فاعلم أن الخارج على أمير المؤمنين بعد صحة إمامته فاسق ، فكيف بمن حاربه وبغى عليه ، وهذه حالة الخوارج وطلحة والزبير وعائشة ومن جرى مجراهم ، فمن صحت توبته فقبولها إلى الله تعالى ، ومن مات على حاله كان من الهالكين.

وأما التخطئة فهي لازمة لكل من قصّر في النظر في الأدلة الدالة على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ لأن الواجب كل الإمعان في ذلك ، وهذا بناء على أن النصوص على إمامتهعليه‌السلام نصوص طريق معرفتها الاستدلال ، وليست بصريحة بحيث لا يخفى المراد على السامعين لها ؛ لأن الأمر لو كان كذلك لكان المنكر لإمامته والساكت عن النكير والعاقد والمعقود له كفارا ، لخلافهم للنص الظاهر المعلوم كما في المنكر لسائر النصوص المعلوم.

ومعلوم أن الأمر كان بخلاف ذلك كما قدمنا عند الكلام على الإمامية ، وقلنا :

٣٤٦

لا نحكم على من أخطأ بالتقصير في الأدلة التي هذه حالها بكفر ولا فسق ؛ لأن الكفر والفسق لا يثبتان إلا بدلالة قاطعة من عقل أو نقل ، وذلك مفقود هاهنا ؛ إذ المرجع بحكم الكافر والفاسق إلى أن عقاب معصيتهما أحبط ثواب ما فعلاه من الطاعات ، وذلك مما لا نعلم إلا توقيفا ، ولو علمنا ذلك بكتاب أو سنة لكنّا أول من يجري عليهم ما يستحقونه من الأحكام ، فعلي عليه‌السلام والدنا ، والحق حقنا لكنا عملنا بمقتضى الأدلة ، ووقفنا حيث أوقفنا الدليل فلا مغمز علينا في ذلك ، وقد بطل الطرفان وهما : القول بتكفير من أنكر إمامتهعليه‌السلام بالنص ، والقول بإصابة من تولى الأمر عليه واستأثر بما كان أولى به منه لنص الكتاب الكريم والسنة الشريفة ، ولزمنا ما يقتضيه الدين القويم ، فكلا طرفي الأمور ذميم.

وقد أثبتنا بجمل متى تدبرها من له بصيرة وإنصاف ، بلغته إلى اعتقاد الحق وهجر الخلاف ، وكان ذلك مع ما يعرض من الأشغال ، ومن الله نستمد التوفيق في كافة الأحوال، والسلام عليكم وكافة الإخوان بواحتكم.

مسألة [قول الإمام حجة]

قول الإمام حجة على جميع المسلمين أم قولهم وإجماعهم حجة عليه؟

الجواب في ذلك اتباع الإمام واجب على جميع الخلق ، وقوله لا يخلو إما أن يكون في أصول الدين أو فروعه ؛ فإن كان في أصول الدين فالحجة الدليل دون القول ، وإن كان في فروعه فكل مجتهد من أهل العلم فيها مصيب (١) وميدانها رحيب ، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يخالفون الإمام في مسائل الفقه فلا ينكر عليهم ذلك ، وذلك معلوم لأهل العلم ، فإن حكم الإمام بحكم في مسألة فقهية

__________________

(١) في (ب) : فكل مجتهد فيها من أهل العلم مصيب.

٣٤٧

وجب على جميع الأمة الانقياد فيه ؛ لأن الحكم بخلاف الفتوى فالتزامه يجب عليهم حتما لا رخصة فيه.

[دعوى الباطنية في الإمامة والرد عليها]

قال عليه‌السلام مما دلست به الباطنية على العامة ؛ لأن الإمامة لما كانت في علي عليه‌السلام بالنص من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نص بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام على ولده الحسن ، ثم نص بها الحسن عليه‌السلام على أخيه الحسين عليه‌السلام ، ثم نص بها الحسين على ولده علي بن الحسين عليهم‌السلام ، ثم تدرجت في أولاده على ما هو مذكور عندهم وعند من قال بقولهم.

قالوا : ولا يجوز رجوعها إلى ولد الحسن عليه‌السلام لأنها لا ترجع القهقرى.

والكلام عليهم في ذلك : إن المعلوم عند جميع الأمم فضلا عن أهل الإسلام إمامة إبراهيم الخليل عليه‌السلام وهو نص القرآن ، قال الله تعالى فيه : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) [البقرة : ١٢٤] ثم كان القائم بالأمر بعده ولده إسماعيل عليه‌السلام ثم أخوه إسحاق بالإجماع في ذلك ، ثم ولده يعقوب ، ثم قامت الإمامة في ولد يهودا بنص التوراة ، فإن رامت الباطنية صحة مقالتها في أنها لا ترجع القهقرى فليثبتوا على دين اليهودية ؛ فكل حجة احتجوا بها فهي حجة اليهود في نفي نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن رجعوا إلى الحق وقالوا بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو من ولد إسماعيل ، وقد كانت النبوة والإمامة بالإجماع في ولد إسحاق ، فما ذكروه أنه الموجب لرجوعها إلى ولد إسماعيل ، فهو بعينه دليل على رجوع الإمامة إلى ولد الحسن بن علي عليهم‌السلام فتأمل ذلك تصب الصواب إن شاء الله تعالى.

ودعواهم في غيبة الإمام دعوى باطلة ؛ لأن الإمامية أكثر منهم أضعافا مضاعفة فما راموا به نفي دعوى على غيبة الإمام بطل به دعواهم في ذلك ، وكذلك

٣٤٨

الكيسانية (١) ، والنصيرية (٢) ، والفطحية (٣) ، والسمطية (٤) ، والطالقانية (٥) ، والجعفرية (٦) ، والواقفية (٧) ، والمغيرية (٨) ، والغرابية (٩) ، والحسينية (١٠) ، فكيف تميز دعواهم بالصحة

__________________

(١) الكيسانية : ينسبون إلى المختار الثقفي ، وقالوا بإمامة محمد بن الحنفية ، وأنه المهدي ، وأورد لهم أصحاب الملل والنحل أقوالا كثيرة في المعتقدات.

انظر (موسوعة الفرق) ٤٣١ ـ ٤٣٤ ، وشرح (نهج البلاغة) ٩ / ٧٨.

(٢) النصيرية : ويقال لهم : الأنصارية ، والعلوية : أيضا ينسبون إلى شخص يدعى ابن نصير. انفصلوا عن الشيعة الإمامية في القرن الخامس واستقروا في سوريا.

وقد قيل : إنهم يعتقدون بالتناسخ وألوهية علي وغير ذلك مما لا يصدق.

انظر المصدر السابق ص ٥٠٣ ـ ٥٠٥.

(٣) الفطحية : فرقة من الإمامية ، قالوا بإمامة عبد الله بن جعفر الأفطح ، المتوفى سنة ١٤٨ ه‍ ، وسموا بذلك لأن عبد الله كان أفطح الرأس ، وقيل : أفطح الرجلين ، وقيل : نسبوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة ، يقال له : عبد الله بن فطيح أو عبد الله بن الأفطح. وهم أحد مظاهر التخبط في الاعتقاد عند قدماء الإمامية. انظر المصدر السابق ص ٤٠٨ ـ ٤٠٩.

(٤) السمطية ، ويقال : الشمطية. قيل : أتباع يحيى بن سميط. وقيل : ابن شميط ، وقيل : ابن أبي شميط ، وقيل : ابن شميط الأحمسي. وقيل : ابن أبي السبط. قالت هذه الفرقة بإمامة عبد الله الملقب بالأفطح ابن جعفر الصادق. انظر المصدر السابق ٢٨٧ ـ ٢٨٨.

(٥) الطالقانية : قال في (موسوعة الفرق الإسلامية) : كانوا من فرق الزيدية ولم يزد على ذلك.

انظر ص ٣٨٠.

(٦) الجعفرية : هم الشيعة الاثنا عشرية ، وهم فرقة مشهورة. انظر المصدر السابق ص ١٩٤ ، وأورد أيضا الجعفرية وقال : من غلاة الشيعة يعتقدون بإمامة الإمام الصادق وغيبته ورجعته.

(٧) الواقفة : اسم أطلق على عدد من الإمامية الذين لم يقبلوا بإمامة جعفر أخي الإمام العسكري ولا إمامة المهدي المنتظر بوصفه عند الاثني عشرية. وأطلق أيضا على من وقفوا على الكاظم ، وأنكروا إمامة ولده الرضا ، في مقابل القطعية الذين قطعوا بموت الإمام الكاظم وقيل غير ذلك.

انظر المصدر السابق ص ٥١٧ ـ ٥١٨.

(٨) المغيرية : فرقة من الغلاة كما قيل ، أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي الكوفي المكنى بأبي عبد الله ، المقتول سنة ١١٩ ه‍ ، وقد نسب إليه التجسيم وتكفير الصحابة وادعاء المهدية وادعاء النبوة كما تقول الإمامية ، وفي ذلك شك كبير ، فقد خرج بالكوفة في إمارة خالد بن عبد الله القسري داعيا للإمام محمد بن عبد الله بن الحسن النفس الزكية. انظر المصدر السابق.

(٩) الغرابية : قالوا : فرقة من الغلاة من الخطابية ، نسبوا إليهم قولا مزعوما مفاده أن جبريل أرسل إلى علي فغلط فذهب إلى محمد لأنه كان يشبهه. وهذا من خزعبلات مؤلفي كتب الملل والنحل.

انظر المصدر السابق ٣٩٧.

(١٠) الحسينية : لعلهم الفرقة الزيدية الذين قالوا بإمامة الحسين بن القاسم العياني وأنه المهدي المنتظر. وقد أورد صاحب موسوعة الفرق فرق أخرى بهذا الاسم لا أساس لها. انظر ص ٢١١.

٣٤٩

من دون هذه الفرق ، ولكل فرقة من هذه الفرق من الحجج ما هو أقوى وأظهر ، فلينظر في ذلك العقل ؛ لأن كل فرقة من هذه الفرق تروي بأسانيدها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام صحة دعواها في غيبة إمامها ، فما انطوى به دعوى خصمهم فبمثله تبطل دعواهم فأي الفريقين يكون أولى بالإصابة.

[تناقض من يرى إمامة أمير المؤمنين وتصويب من خالفه]

مسألة

وأما قوله فيمن [يرى] (١) بإمامة أمير المؤمنين بالنص من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وكذلك نقول بإمامة الحسن والحسين عليهما‌السلام بالنص أيضا ، ثم يصوب النفر الذين خالفوا عليا عليه‌السلام وتقدموا عليه ، وأخذوا حقه ، واستأثروا به دونهم ، ويزعم أن تخطئتهم وانتقاصهم يؤدي إلى الوقيعة في الصحابة ، ولا يأخذ بإجماع أهل البيت عليهم‌السلام من أنهم أخطئوا وظلموا ، فعندنا أنه مخطئ في قوله ، ومناقض في مذهبه ، وخارج عن الشيعة بهذا القول والاعتقاد المتدافع ؛ لأن عندنا أنهم عصوا وظلموا في التقدم على علي عليه‌السلام لتقديم الله سبحانه ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إياه في مقام بعد مقام وملأ بعد ملأ ، وإنما نكف عن سبهم وأذيتهم اتباعا لهعليه‌السلام لأنه كان يبكّتهم ويدين خطأهم ولا يسب ولا يؤذي وهو القدوة في الدين.

__________________

(١) سقط من (أ).

٣٥٠

مسألة [في زواج آدم لبنيه]

سأل بعض الباطنية عن زواج آدم لبنيه من أين كان؟

والجواب عن ذلك : أن الباطنية لا يعلمون في هذه المسألة فرع على إثبات الصانع تعالى وتوحيده وعدله وما يجوز عليه وما لا يجوز ، وما يجوز أن يفعله وما لا يجوز أن يفعله ، فإذا تقرر ذلك كانت الشرائع مصالح وهي مما تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والمكلفين ، والمأثور في تفصيل القرآن الكريم أن آدم عليه‌السلام كان يولد له في بطن واحد ذكر وأنثى لما أراد الله تعالى من انتشار النسل ، فكان يزوج البطن الأعلى من البطن الأسفل ، والبطن الأسفل من البطن الأعلى ، ويحرم على المولودين في بطن المناكحة ، فلما انتشروا وساروا بني أعمام حرم نكاح الأخوة وحلت بنات العم ، وهذا من نسخ الشرائع للمصالح ، وإنما أرادوا بذلك التوصل إلى نكاح أمهاتهم وأخواتهم أخزاهم الله وهم لا يرون بالشرائع ولا بالصانع فافهم ذلك.

مسألة [في الصحابة الذين تقدموا على علي عليه‌السلام]

في الصحابة الذين تقدموا على علي عليه‌السلام ومن اتبعهم وتابعهم كيف يجوز الترضية عنهم وقد عدلوا عمن صحت إمامته عندهم ؛ لأن الأدلة على إمامته عليه‌السلام كانت معلومة لهم ضرورة.

فإن قال قائل : إنهم علموا الأدلة وأنهم [لا] (١) يعلموا كونها أدلة ، قلنا : عن هذا جوابان :

__________________

(١) في (ب) : لم يعلموا.

٣٥١

أحدهما : أن تركهم للنظر فيها يكون معصية.

والثاني : أنهم كانوا أعلم بمقاصد الكلام ومعانيه من أهل هذا الزمان ، فكيف يصح بأن يقال : إنهم لم يعرفوا كونها أدلة ، فمع هذه الأمور كيف تجوز الترضية عنهم ، بل لو قال بلعنهم وسبهم والبراءة منهم لكان أسعد حالا ممن رضي عنهم ؛ لأنهم طردوا بنت نبيهم عن مالها ، وأخرجوها من بيتها وأرادوا تحريق بيتها وقتل بعلها ، وكان تقدمهم أول خلاف جرى في الإسلام وهو سبب قتل أهل البيت عليهم‌السلام وطردهم وأخذ حقهم إلى الآن.

وبعد ، فقد ثبت أن من امتنع من إجابة داعي أهل البيت كبه الله على منخريه في النار ، فمن قاتله فهو أكثر ذنبا وأعظم جرما ، وقد علمنا أن عليا عليه‌السلام لو أراد أخذ الأمر دونه لحاربوه على ذلك.

وأيضا فإنهم أمروا بمودة أهل البيت فلم يفعلوا ذلك لما ظهر من رفضهم لهم ، وقلة احتفالهم بهم وهو يقتضي زوال المودة ، بل ربما دل على البغض رفضهم لعلي عليه‌السلام وأخذهم الأمر دونه ، والاستئثار عليه بحقه ، وأحداث عثمان كثيرة جمة ، وتفصيل ما جرى منهم يتعذر إحصاؤه في هذا الموضع ولكن الإشارة إلى جمله يكفي.

الجواب عن ذلك : إن الصحابة عندنا أفضل بعد الأئمة عليهم‌السلام قبل إحداثهم ، وبعد الإحداث لنا أئمة نرجع إليهم في أمور ديننا ، ونقدم حيث أقدموا ونحجم حيث أحجموا ، وهم علي وولداه عليهم‌السلام والحادث عليهم وغضبنا فيهم ، ولم نعلم من أحد منهم سب أحدا من الصحابة ولا لعنه ولا شتمه لا في مدة حياتهم ولا بعد وفاتهم.

٣٥٢

فالذي تقرر عندنا أن عليا عليه‌السلام أفضل الأمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولديه أفضلهم بعد علي عليه‌السلام لما تظاهر فيهم من الأدلة عن الله سبحانه وتعالى وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتقدم عليهم من أبي بكر وعمر وعثمان نقول بتخطئتهم ومعصيتهم لترك الاستدلال على علي عليه‌السلام بالنصوص الواردة عن الله سبحانه وعن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إمامته ، ونقول : إن النصوص استدلالية ؛ لأنها محتملة ، ولذلك جرى فيها النزاع الطويل والجدال الشديد من ذلك اليوم إلى يوم الناس هذا وإلى انقطاع التكليف ، وكل يحتج بما له وجه.

وقولنا : هو الأحق والأولى لما ظاهرنا عليه من البراهين ، ونصبنا من الأدلة التي لا توجد مع خصومنا ، وندعي عليهم انقطاع المرام في تصحيح ما توسموه ، وتلك الخطايا والمعاصي بالتقدم فتنقطع العصمة ، وإنما يجوز أن يكون كفرا وأن يكون صغيرة ، ولمّا يظهر لنا على ذلك دليل ولا بلغنا عن سلفنا الصالح عليه‌السلام ما نعتمده في أمرهم ، ولهم أعظم حرمة في الإسلام ؛ لأنهم أول من أجاب دعوة جدنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونابز عنه وعزّ به الإسلام ، وقاتل الآباء والأبناء والأقارب في الله حتى قام عمود الإسلام ، وأتى فيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يأت في غيرهم ، وكان فيهم حديث بدر وآية بيعة الرضوان ، فصار الإقدام في أمرهم شديدا.

وإنما نقول : إن كانت معاصيهم كبيرة ، فالله تعالى لا يتهم في حال ، والكبائر تبطل الطاعات وإن عظمت ، وإن كانت صغيرة فلبعض ما تقدم من عنايتهم في الإسلام وسبقهم إلى الدين ولا يمكن لأحد من أهل العصر ولا من قبله من الأعصار أن يدعي مثل سعيهم ومثل عنايتهم في الدين ، وعلي عليه‌السلام وولداه هم القدوة فلا نتجاوز ما بلغوه في أمر القوم ، وهو نعي أفعالهم عليهم وإعلامهم لهم أنهم أولى

٣٥٣

بالأمر منهم ، ولم يظهروا لنا أحكام أولئك إن خالفوهم ولا باينوهم مباينة الفاسقين في عصرهم.

فأما من خالف عليا عليه‌السلام وولديه ـ سلام الله عليهما ـ فلا شك في فسقهم ، ويتعدى الحال إلى تكفير بعضهم كمعاوية وولده لعنهم الله تعالى ؛ فإن معاوية كفر بسب علي عليه‌السلام ، لأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول فيه : «من سبك فقد سبني» (١) وسب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفر بالإجماع ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي بحبك يعرف المؤمنون وببغضك يعرف المنافقون ، يا علي من أحبك لقي الله مؤمنا ومن أبغضك لقي الله منافقا» والنفاق ، ولئن أمكن أولياءه الدفاع في هذه الأخبار وإنكارها [لم] (٢) يمكنهم ادعاؤه زيادا أو رده لما علم من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرورة من قوله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، فقال الولد للعاهر ، فلا يظهر غيره ، فكفر لذلك بالنص المعلوم من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإجماع الأمة على أنه فعل ذلك وأنه خلاف دين الإسلام.

وأما ولده فإنما كفر بقتله ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسين بن علي عليهما‌السلام وقد ثبت أن من آذى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفر ، وقتل ولده أعظم الأذية ؛ ولأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرم المدينة ما بين لابتيها ، وأمر أن لا يقطع شجرها ولا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ، ومن فعل ذلك فعليه لعنة الله ، فاستحل حرمتها وقتل أبناء المهاجرين والأنصار فيها ستة آلاف مسلم مستحل لذلك ، فقطع غصن من أغصان شجرها استحلالا ، يكفر من قطع ذلك ، فكيف بقتل ستة آلاف مسلم ، وأمر برمي الكعبة واستباحة حرمة مكة حرسها الله ـ وقد منعها الله من أصحاب الفيل ـ

__________________

(١) من سبك : أخرجه ابن المغازلي الشافعي في مناقب أمير المؤمنين برقم (٤٤٧) ص ٢٤٤ ، من حديث طويل ، عن ابن عباس ـ طبعة منشورات دار مكتبة الحياة. وقد سبق وسيأتي تخريجه.

(٢) في (ب) : لا.

٣٥٤

وإنما أملى لهذه الأمة وأخر عقابهم إلى دار الآخرة.

وأما المودة لأهل البيت عليهم‌السلام فهي فرض الله على عباده ، وأجر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣] ، وقد ورد الوعيد في من ظلم محمدا صلوات الله عليه وآله وسلم وإنما نقول : إن القوم لم يقع منهم البغضة ، بل يدعون المحبة والمودة ، ويظهرون الولاية والشفقة ، وبواطن الأمور لا يعلمها إلا الله عزوجل.

وأما أمر فدك فقد كان فيها النزاع ، وتأولوا خبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما خلفناه صدقة» (١) على غير ما تأولناه ؛ لأن عندنا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيّن أن ما قبضه من الصدقة لا يكون إرثا لوارثه ، وإنما يكون مرجعه إلى بيت المال ف (ما) عندنا اسم ناقص بمعنى الذي ، فكأنه قال : الذي نتركه من الصدقات لا يورث عندنا معاشر الأنبياء ، وأما أملاكهم فلم نعلم أن الله سبحانه فرق بينهم وبين غيرهم في ذلك.

وقد وقعت أمور هنالك رددنا أمرها إلى الله عزوجل ، ورضينا على الصحابة عموما ، فإن دخل المتقدمون على علي عليه‌السلام في صميمهم في علم الله سبحانه لم نحسدهم رحمة ربهم ، وإن أخرجهم سبحانه بعلمه لاستحقاقهم فهو لا يتهم في بريته ، وكنا قد سلمنا خطر الاقتحام ، وأدّينا ما يلزمنا من تعظيم أهل ذلك المقام ، الذين حموا حوزة الإسلام ، ونابذوا في أمره الخاص والعام.

وأما عثمان وإحداثه فلا شك في قبحها ، وجوابنا فيها ما قال علي عليه‌السلام : إنه قد قدم على عمله فإن كان محسنا فقد لقي ربّا شكورا يكافئه على إحسانه ،

__________________

(١) أورده في (موسوعة أطراف الحديث النبوي) ١٠ / ١٧ ، بلفظ مقارب ، وعزاه إلى بعض المصادر.

٣٥٥

وإن كان مسيئا فقد أتى ربا غفورا لا يتعاظم أن يعفو عن شأنه ، وهذا كلام علي عليه‌السلام فيه مثل قوله : إنه استأثر فأساء في الأثرة ، وعاقبتم فأسأتم في العقوبة ، ولله حكم في المستأثر والمعاقب ، وهذا ما قضى به الدليل وأدى إليه النظر ، ومن الله سبحانه نستمد التوفيق في البداية والنهاية والبلوغ إلى أسعد غاية.

مسألة في أبي بكر وعمر وعثمان وفي ولايتهم

أيجب علينا موالاتهم بالمودة الكلية أم سوى ذلك؟

الجواب عن ذلك : إن ولاية أبي بكر وعمر وعثمان غير صحيحة عندنا لا دليل عليها ، وما لا دليل عليه لا يجوز إثباته ، والإمام عندنا علي عليه‌السلام بالنص الظاهر من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنما خفي في معناه وقد قام الدليل بصحة ما ادعينا فيه ؛ لأن المعاني التي ذكرت في معنى النص مما يصح في علي غير متنافية ، فتحمل على الجمع وفي ذلك معنى الإمامة.

مسألة في الترضية عن أبي بكر وعمر

الجواب عن ذلك : إن أبا بكر وعمر لا نرضي عنهما ولا نسبهما ؛ لأن حدثهما كبير وحقهما كبير فالتبس الأمر فأمسكنا ، وأما الترضية عليهما فذلك من الرواة وأكثرهم من المعتزلة ، ورأيهم فيهما الإمامة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف إلا الترضية.

وأما رواية ترحم علي عليهما فلم تصح فإن صحت فهي متأولة عندنا.

وأما ما رواه الحاكم في (السفينة) فيحمل على أن ذلك كان على عهد

٣٥٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا شك في صلاحهما على عهده.

وأما تعبدنا في حق الولاء والبراء فنقول : إنا نوالي أولياءك من كانوا وأينما كانوا ، ونعادي أعداءك أينما كانوا وكيفما كانوا ، وذلك كاف في الأمور الملتبسة.

مسألة عن الرواية [في صلاة أمير المؤمنين خلفهما]

أن عليا عليه‌السلام صلى خلف أبي بكر وعمر ، قال : فلم لا يرضى عليهما؟ وإذا صحت الرواية عن علي عليه‌السلام أنه قال : عمر سراج أهل الجنة وذلك في حال خلافته.

الجواب عن ذلك : إن الصلاة خلفهما ليست بأعظم من البيعة لهما ، فلو دلت الصلاة على الترضية دلت البيعة على صحة الإمامة ، وعندنا أن البيعة لهما كانت على وجه الإكراه ، والصلاة خلفهما [كانت] (١) على وجه التقية (٢) أو يكون حكم أهل بدر مخالفا لأحكام الأمة ، كما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر وقال : اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم» (٣) فتكون

__________________

(١) سقط من (ب).

(٢) حاشية في الأصل (أ) نسخة آل الوزير ص ٣١٦ مخطوط قال : بيعة علي عليه‌السلام والصلاة منه عليه‌السلام خلفهما وما قيل في ذلك من السرد ..... أقول والله أعلم : إن الصلاة خلفهما إنما كانت منه عليه‌السلام لتأكيد سنة الجماعة لأجل لا تبطل الجماعة ، لأنه عليه‌السلام الوصي فلو وقع الاعتزال منه لذلك كان وربما من يقتدى به يتساهل عن صلاة الجماعة ، وأراد عليه‌السلام أن يكون المسابق إلى الجماعة لأجل لا يقع التساهل فيه.

(٣) الحديث في مصادر كثيرة ، وهو بلفظ : «وما يدريك ..» في الطبراني ١٢ / ٩٩ ، والبخاري ٨ / ٣٢ ، وأحمد ١ / ٧٩ ، ٨٠ ، ومصنف ابن أبي شيبة ١٤ / ٣٨٤ ، كما في (موسوعة أطراف الحديث النبوي) ١٠ / ٤٥٥. وهو بلفظ : «ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر ... إلخ» في مصادر كثيرة.

انظر موسوعة الأطراف ٩ / ٣٤٣.

٣٥٧

كبائر المعاصي في حقهم صغائر ، ولا يعلم مقادير الثواب والعقاب إلا الله عزوجل.

وكذلك في قوله : عمر مصباح أهل الجنة ، ويكون في الكلام حذف لو لم يفعل كذا وكذا أو يتقدم على أمير المؤمنين عليه‌السلام فأطلق هذا الخبر كما أطلق آيات الوعد والوعيد وفيها معنى الحذف والتقدير والاستثناء.

مسألة [القول في عثمان]

ما يرى مولانا سلام الله عليه في عثمان وفيما يعتقده فيه؟

الجواب عن ذلك : إن قولنا فيه قول علي عليه‌السلام : استأثر فأساء الأثرة وعاقبوا فأساءوا العقوبة ولله حكم في المستأثر والمعاقب.

مسألة [في الجنة والنار والشفاعة]

أهل الجنة هل يشتهون لذاتها والشهوة عذاب ، أو لا يشتهون ، فكيف يتوصلون إلى اللذة وكيف نورها ولا شمس ولا قمر ، وما سماؤها ، وكذلك النار مظلمة أم موهنة وما سماؤها ، وهل لمن يدخلها خروج بالشفاعة أم لا؟

الجواب في ذلك : إن الشهوة إنما تكون عذابا إذا عدم المشتهى أو عدم تناوله ، فأمّا إذا حصل المشتهى وتمكن منه فما النعمة الكاملة إلا هذا لمن يعقل معاني الأمور.

وأما النور بلا شمس ولا قمر ، والكلام في ذلك كالكلام في الشمس والقمر هما نيران بلا شمس ولا قمر لو لا ذلك لأدى إلى التسلسل.

٣٥٨

الجنة بيضاء منيرة استغنت عن الشمس والقمر ، وسماؤها ما شاء الله أن يجعله من الأجسام الشريفة ، والنار سوداء مظلمة ليس لله فيها رحمة. روينا ذلك مسندا وسماؤها من النيران والظلم وهي الغواشي من فوقهم كما قال سبحانه وتعالى ، ولا يخرج منها من دخلها ؛ لأن الله تعالى يقول : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨] ، وهم غير مرتضين ، وقال : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) [غافر : ١٨] فنفاه نفيا عاما وقال : (وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) [الانفطار : ١٦] إلى غير ذلك ، فلو خرج لشفاعة أو غيرها لغابوا عنها.

مسألة [هامة بن لا قيس!!]

في معنى ما ورد في الخبر في هامة بن لاقيس بن إبليس الجني ، وحكاية الأنبياء أحدهم نوح عليه‌السلام وقد عاتبه على دعائه على قومه فقال ـ يعني نوحا ـ : إني على ذلك لمن النادمين. على أي وجه يحمل قوله عليه‌السلام ؛ لأن ظاهره أنه ندم على الدعاء على الكفار وذلك لا يجوز؟

الجواب عن ذلك : أن ندمه ندم المستوحش من فراق أليفه لعادة الأنس لا ندم التائب عن المعصية فلم يكن هنالك معصية ، وقد دلنا على ذلك عليه‌السلام فزعه على ولده مع علمه بمعصيته إلى أن ورد النهي عن ذلك ، وقال عليه‌السلام : جواب آخر عن ذلك أنه فعل ما كان يجوز له تركه.

مسألة [في دعاء الصحيفة]

فيما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دعاء الصحيفة في أن من دعا به كان له من

٣٥٩

الثواب مثل ثواب أربعة من الملائكة ، وأربعة من الأنبياء صلوات الله عليهم مع أنه قد ثبت أن ثواب النبي لا يساويه ثواب من ليس بنبي فضلا عن أربعة أملاك وأربعة أنبياء ، وكذلك روي في صلاة التسبيح من غفران الذنوب وإن كانت مثل زبد البحر ورمل عالج إن كان من غير توبة ، فكيف يصح ذلك والكبيرة لا يساوي عقابها شيء من الطاعات في كل وقت ، وإن كان مع التوبة فالمسقط للعقاب هو التوبة دون الصلاة المذكورة ، ولا يصح حمل ذلك على أنه أراد به أن ثواب هذه الصلاة المذكورة تكفر الصغائر ، وإن كان عقابها بهذه الصفة ؛ لأن الصغائر لا يبلغ عقابها عدد الرمل وزبد البحر ، وكذلك ما شاكل ما ذكرناه من الأخبار المروية في قراءة القرآن والعبادات التي لا يتسع إيرادها.

الجواب عن ذلك : إن الكلام في الحديث الأول أنه يكون للداعي بدعاء الصحيفة ثواب أربعة أملاك وأربعة أنبياء ، المراد بذلك جنس ثوابهم والجنس يعبر عنه بالجملة ، فقال : هذا رأي فلان وإن كان رأي آخر إذا جانسه ، وتجانس الثواب لا يوجب المماثلة ويكون هذا مميزا لمن دعا بذلك لعلم الله سبحانه أنه يستحقه ، وإلا فالمتقرر عندنا أن الأنبياء عليهم‌السلام أفضل من سائر البشر ، وأن الملائكة عليهم‌السلام أفضل من الأنبياء لما خصهم الله به من العصمة من الصغائر فكانت لهم مزية على الأنبياء عليهم‌السلام.

وأما ما سأل من معنى قوله في ثواب صلاة التسبيح أنه يكفر الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر ورمل عالج وهذا خبر صحيح ، ومعنى مستقيم ؛ لأن زبد البحر ورمل عالج معلوم الأجزاء عند الله تعالى ، محصور الوزن والعدد في علمه سبحانه ، وإن تعذر ذلك عندنا لقصور علمنا وقدرتنا ، وثواب هذه الصلاة لا

٣٦٠