مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ١

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ١

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٥
الجزء ١ الجزء ٢

إن شاء الله تعالى ، فإذا قد تقرر أنه لم يبق فرقة من فرق الكفر إلا وقد زادوا عليها فيما به كفرت ، ثم اختصّوا بكفر جديد كثير واسع فهم كما قدمنا أكفر الكفرة ، وأخبث الفجرة ، وإنكارهم لمذاهبهم تطهير للكفر بالكذب ، فهم بمنزلة من يغسل الغائط بالبول ؛ فإنه لا يطهر أبدا ؛ لأنه رام تطهير النجس بالنجس ، فكذبوا لأنهم راموا نفي الكفر عن أنفسهم فازدادوا رجسا إلى رجسهم ، فلو أنهم قالوا : هذا كان اعتقادنا وتبنا منه لكان بمنزلة من غسل النجس بالماء ؛ لأن التوبة ترحض الذنوب ، ونحن نعلم مذهبهم منهم ضرورة ، ويعلمه كافة من خالطهم من المسلمين ، وإذا قد تقررت هذه الجملة فلنرجع إلى ما كنا بصدده من ذكر الفرقة المرتدة وأحكام أهل الردة هذه (المصانع) هي قرارة كفرهم ، وعوشة ردتهم ، واستمرت بذلك الأعصار ، ومضت عليه الدهور ، وهرم فيه الأطفال ، وتقرمت (١) القرون من يوم نجوم كفرهم إلى الوقت الذي جرى فيه ظهور نفاقهم وبايعونا على التوبة والبراءة من الفرقة المرتدة ؛ إلا من نفر منهم ممن أصر ، وأقاموا على ذلك مدة تبدو منهم أمارات النفاق ، ودلائل الكفر ، ونحن نحملهم على ظاهر غير سليم إلى أن طال عليهم الأمد وقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ؛ فأظهروا الكفر ومنعوا الزكاة التي منعها بنص القرآن الكريم شرك قال تعالى : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ، الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) [فصلت : ٦ ، ٧] ولا كفر أقبح من الشرك بالله ، وظاهروا الشقي المشرقي وأعوانه من الفرقة المرتدة الملعونة المسماة بالمطرفية ، وسلموا الأمر له في نفوسهم وبلادهم من طرق جمة ، ووجوه كثيرة ـ كما قدمنا ـ فحاكمناهم إلى الله تعالى فقضى لنا عليهم ، فقتلنا المقاتلة ، وسبينا الذرية امتثالا لحكم رب العالمين ، واقتداء بوصي النبي الأمين والصحابة الراشدين ، ولا بدّ أن نذكر من ذلك طرفا يدل على ما وراءه ليكون تذكرة للمستبصرين ، وبرهانا للمقصرين ، وعلى الله نتوكل وإياه أستعين.

__________________

(١) في (أ) : وتغربت ، وفي (ب) : وتغرمت ، ولعله وتقرمت. أو : وتصرمت.

٦١

[عودة إلى الردة]

اعلم أيّدك الله : أن العلامة كانت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الإسلام أو الردة الصدقة ، فمن سلمها عدّ من المسلمين ، ومن منعها لم يختلف الصحابة في ردته ، ولا يسأل عن حاله بعد ذلك ، وقد شهدت بذلك أشعارهم وآثارهم لمن كان يعرفها ممن يعتني بأمور الدين ، ويفرق بين المسلمين والكافرين ، وذلك أنه لما قبض الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اجتمعت الوفود لعاشرة من موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة باذلين القيام بشرائط الإسلام وأنواعه ، مستعفين من الزكاة ، ونزلوا على كبار الصحابة متحرمين بهم ومستشفعين في نجاز ما سألوه ، فاجتمع جماعة من الصحابة واشتوروا (١) في ذات بينهم على قبول ما جاءوا به ، وجاءوا إلى أبي بكر فقالوا له ما دار بينهم ، وقالوا له : رأينا أن نساعدهم إلى ذلك حتى تبلغ ما تريد. فأبى ذلك أبو بكر أشد الإباء وقال ـ ما هو معلوم من قوله ـ : والله لو منعوني عناقا أو قال : عقالا مما أعطوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقاتلتهم عليه. وأجلّ لهم يوما وليلة فلما خاض الناس في القول أمر بالنداء بالصلاة جامعة ، فلما قاموا قام فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : إن الله تعالى توكل لهذا الأمر فهو ناصر من لزمه ، وخاذل من تركه ، وإنه بلغني أن وفود العرب يعرضون الصلاة ، ويأبون الزكاة ، وإني لا أفرق ما جمع الله بينه ، ألا وإنهم لو منعوني عقالا مما أعطوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قبلت منهم ، ألا وإن الذمة بريئة من رجل أجده من هذه الوفود بعد يومه وليلته بالمدينة ـ فوثبوا يتخطون رقاب الناس طائرين إلى عشائرهم ، ما بقي منهم في المدينة واحد ، وكانت الوفود من سليم ، وأسد ، وغطفان ، وهوازن ، وتميم ، ومن صافهم(٢).

__________________

(١) كذا في الأصل : وهي بمعنى تشاوروا.

(٢) قول أبي بكر : والله لو منعوني عناقا أو عقالا .. رواه الطبري في تفسيره القسم الثالث ج ٢٤ / ٢٣ ، وهو في (السنن الكبرى) للنسائي ج ٢ / ص ٨ ، ج ٢ / ٢٨٠. وفي سنن أبي داود ٢ / ٩٣ ، والبيهقي في (السنن الكبرى) ٤ / ١٠٤ ، ٨ / ١٨٦ ، ٩ / ١٨٢ ، والترمذي ٥ / ٣ ، والنسائي في (المجتبى) ٥ / ١٤ ، والبخاري ٦ / ٢٦٥٧ ، ومسلم ١ / ٥١ ، وأبو يعلى ١ / ٧٠.

٦٢

وقال أبو بكر لأصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الأرض كافرة ، وقد رأى وفدهم منكم قلة ، وإنكم لا تدرون ليلا تؤتون أو نهارا ، وأدناهم منكم على بريد ، وقد كان القوم يأملون أن نقبل ما أتوا به ، وقد أبينا عليهم ، ونبذنا إليهم فاستعدوا وأعدوا له (١).

فهل علمت ـ أيها السامع ـ أن أهل (المصانع) نقضوا مما كان عليه القوم كلمة واحدة ، بل زادوا مع (٢) ذلك قطع الصلاة مع الزكاة إلا القليل ، واعتقاد الكفر الذي قدمنا ذكره ، وتولية الأمر من يعتقده ، والموالاة له ، وكان من قولهم : إن بلادنا لا تحتمل الزكاة في المجامع والمحافل ، فلا يقول لهم أحد : اتقوا الله ، وجاءوا إلى الصنو يحيى بن حمزة في محفل جامع فقالوا : إنّا نريد منك بأن تعقد لنا بأن الإمام لا يطالبنا بالزكاة ، ولا يذكر فيها كلمة واحدة. فقال لهم : لا أجترئ على ذلك ؛ فكيف يجوز لمسلم يعتقد إسلامهم أو يعدهم من جملة المسلمين أو يخرجهم من أحكام المرتدين! نبئوني بعلم إن كنتم صادقين.

ولما حاربهم خالد بن الوليد في (بزاخة) (٣) لم يقع سبي ؛ لأن طليحة كان أمرهم بإنفاذ أموالهم ونسائهم وذراريهم إلى نواحي بلاد طيئ ، وأن يلقوا المسلمين متجردين في الجنود ، ولما قتل الله منهم من قتل في بزاخة ، وفض جمعهم بعد بلاء شديد لا يتعلق ذكره بما نحن بصدده نهد لبني تميم في المهاجرين والتابعين ، فتخلف

__________________

(١) انظر الطبري ٢ / ٢٥٥.

(٢) في (ب) على.

(٣) بزاخة وحربها ، انظر عنها (الكامل) لابن الأثير ، ط دار الكتاب العربي ٢ / ٢٣٣ ـ ٢٣٦ حوادث سنة ١١ ه‍. وانظر أيضا الطبري حوادث سنة ١١ ه‍ ، قال في (معجم البلدان) ١ / ٤٠٨ : بزاخة بالضم والخاء معجمة. قال الأصمعي : بزاخة ماء لطي من أهل نجد. وقال أبو عمرو الشيباني : ماء لبني أسد ، كانت فيه وقعة عظيمة في أيام أبي بكر الصديق مع طلحة بن خويلد ... إلخ. وفي (معجم ما استعجم) للبكري ١ / ٢٤٦ : بعد أن ذكر قول الأصمعي وأبي عمرو ؛ قال : قال أبو عبيدة : هي رملة من وراء النباج قبل طريق الكوفة ، وروي عنه : بزوخة بالواو. وعن بزاخة والمرتدين. انظر (سنن البيهقي الكبرى) ٨ / ١٨٣ ، ٣٣٤ ، ٣٣٥.

٦٣

عنه الأنصار وقالوا : لم يعهد إلينا أبو بكر أمرا بعد فراغنا من القوم ، ولا بد من انتظار رأيه. قال : فإني الأمير وقد عهد إليّ بحرب المرتدين جملة ، وإذا كنت لا أتمكن من مراجعته وخفت فوات الفريضة ، أفليس انتهزها ، وهذه تميم بالبطاح مع مالك بن نويرة (١) ؛ فأما عوف والأبناء من بني تميم فقد كانوا أطاعوا الزبرقان بن بدر (٢) ، وثبتوا على الإسلام وكان قيس بن عاصم (٣) على المقاعس والبطون (٤) ، ففرق الصدقة على فقرائهم إلا أنه تاب لما رأى نكير الله فيمن خالف الإسلام ، ولقي الجنود بأعداد ما قسم من الصدقة ، وقال الزبرقان فيما كان من ثبوته وتأدية الزكاة :

__________________

(١) مالك بن نويرة بن حمزة بن شداد اليربوعي التميمي ، أبو حنظلة ، فارس ، شاعر ، أدرك الإسلام وأسلم وولّاه رسول الله صدقات قومه ، وقصته مع أبي بكر وخالد بن الوليد مشهورة مذكورة في كتب التأريخ الإسلامي ، وانظر (الأعلام) ٥ / ٢٦٧ ، ومنه (الإصابة) ت ٧٦٩٨ ، و (فوات الوفيات) ٢ / ٢٤٣ ، و (النقائض) ٢٢ ، ٢٤٧ ، ٢٥٨ ، ٢٩٨ ، و (خزانة الأدب) للبغدادي ١ / ٢٣١.

(٢) الزبرقان بن بدر التميمي السعدي ، المتوفى سنة ٤٥ ه‍ ، من رؤساء قومه ، قيل : اسمه الحصين ولقب بالزبرقان وهو من أسماء القمر لحسن وجهه ، ولّاه رسول الله صدقات قومه إلى زمن عمر وكفّ بصره في آخر عمره وتوفي في أيام معاوية ، وكان فصيحا شاعرا فيه جفاء الأعراب وقيل : إنما سمي الزبرقان لصفرة عمامته.

انظر (الأعلام) ٣ / ٤١ ، (الإصابة) ١ / ٥٤٣ ، (خزانة الأدب) للبغدادي ١ / ٥٣١ ، و (عيون الأخبار) ١ / ٢٢٦ ، وانظر الطبري حوادث سنة ١١ ه‍ ، من رواية سيف بن عمر التميمي الكذاب.

(٣) قيس بن عاصم بن سنان المنقري السعدي التميمي ، أبو علي : أحد أمراء العرب وعقلائهم والموصوفين بالحلم والشجاعة فيهم ، كان شاعرا ، اشتهر وساد في الجاهلية ، وهو ممن حرّم على نفسه الخمر فيها ، ووفد على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وفد تميم سنة ٩ ه‍ ، فأسلم ، واستعمله على صدقات قومه ، ثم نزل البصرة في أواخر أيامه وروى أحاديث ، وتوفي بها.

روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وروي عنه : الأحنف بن قيس ، والحسن البصري ، وحكيم بن قيس بن عاصم وغيرهم ، روى له البخاري في الأدب ، وأبو داود ، والنسائي.

(٤) المقاعس والبطون لم تكن الأسماء واضحة في النسخ ، وهي هكذا في (الكامل) لابن الأثير ٢ / ٢٣٩ ، وانظر الطبري حوادث سنة ١١ ه‍ ، ٢ / ٥٢٢ ط الأعلمي.

٦٤

وفيت باذواد الرسول وقد أبت

سعاة فلم تردد بعيرا مجيرها

معا ومنعناها من الناس كلهم

ترانا الأعادي عندنا ما مصيرها

وأديتها كي لا أخون بذمتي

مجانيق لم تدرس لركب ظهورها

أرود بها التقوى ومجد حديثها

إذا عصبة سامى قبيلي فخورها

وإني لمن حي إذا عدّ سعيهم

يرى الفخر منها حيها وقبورها

أصاغرهم لم يضرعوا (١) وكبارهم

رزان مراسيها عفاف صدورها

ومن رهط حيان توقيت ذمتي

ولم يثن سيفي ينمها وهريرها

ولله ملك قد دخلت وفارس

طعنت إذا ما الخيل شد مغيرها

ففرحت أولاها بنجلاء ثرة

بحيث الذي يرجو الحياة قصيرها

[ومشهد صدق قد شهدت فلم أكن

[به حاملا واليوم يثنى مصيرها] (٢)

أيا رهبة الأعداء مني جرأتي

وفتكي إذا ما النفس يرجى ضميرها (٣)

__________________

(١) في (أ) : يصغروا.

(٢) سقط من (أ) ، وهو في (ب).

(٣) الأبيات في الطبري ج ٢ ص ٥٢٢ ، ط الأعلمي ، حوادث سنة ١١ ه‍. ونورد نصها لمقارنتها بما أورده المؤلف :

وفيت بأذواد الرسول وقد أبت

سعاة فلم يردد بعيرا مجيرها

معا ومنعناها من الناس كلهم

ترامي الأعادي عندنا ما يضيرها

فأديتها كي لا أخون بذمتي

مجانيق لم تدرس لركب ظهورها

أردت بها التقوى ومجد حديثها

إذا عصبة سامى قبيلي فخورها

وإني لمن حي إذا عد سعيهم

يرى الفخر منها حيها وقبورها

أصاغرهم لم يضرعوا وكبارهم

رزان مراسيها عفاف صدورها

ومن رهط كناد توفيت ذمتي

ولم يثن سيفي نبحها وهريرها

ولله ملك قد دخلت وفارس

طعنت إذا ما الخيل شدّ مغيرها

ففرجت أولاها بنجلاء ثرة

بحيث الذي يرجو الحياة يضيرها

ومشهد صدق قد شهدت فلم أكن

به خاملا واليوم يثني مصيرها

أرى رهبة الأعداء مني جراءة

ويبكي إذا ما النفس يوحى ضميرها

٦٥

وقد كان قيس بن عاصم قال لما قسم الصدقة في فقراء قومه كما يفعله كثير من أهل العصر ويظنون أن الإسلام يبقى مع ذلك قال :

ألا أبلغا عني قريشا رسالة

إذا ما أتتكم (بينات) الودائع

حبوت (١) بها في الدهر أعراض منقر

وأيأست منها كل أطلس طامع (٢)

في أبيات له وليس استقصاء ما قالوا غرضنا ، وإنما نريد ما تقع به الدلالة ، ولما أغار خالد بن الوليد على تميم وهم على ماء يقال له : البعوضة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ولى مالك بن نويرة على صدقات بني يربوع ، فلما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمد مالك إلى ما جمع من الصدقة ففرقها على بني يربوع ، وثبت بزعمه على الإسلام فلامه الأقرع بن حابس (٣) والقعقاع بن معبد بن زرارة (٤) وقالا : لا تعجل بتفريق ما في يدك فلا بد من قائم بالأمر بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال :

__________________

(١) في (أ) ، (ب) : جنوت ، وفي الطبري : حبوت

(٢) الأبيات في الطبري ج ٢ / ص ٥٢٢ ، حوادث سنة ١١ ه‍. وزاد عليها :

وجدت أبي والخال كانا بنجوة

بقاع فلم يخلل بها من أدافع

وانظر (الكامل) لابن الأثير ٢ / ٢٣٩.

(٣) الأقرع بن حابس بن عقال المجاشعي ، التميمي ، صحابي. قال في (الأعلام) : قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وفد من بني دارم (من تميم) فأسلموا ، وشهد حنينا وفتح مكة والطائف ، وسكن المدينة ، وكان من المؤلفة قلوبهم ، ورحل إلى دومة الجندل في خلافة أبي بكر وكان مع خالد بن الوليد في أكثر وقائعه حتى اليمامة ، واستشهد بالجوزجان سنة ٣١ ه‍. (الأعلام) ٢ / ٥ ، ومنه (تهذيب تأريخ ابن عساكر) ٣ / ٨٦ ، (ذيل المذيل) ٣٢ ، وخزانة البغدادي ٣ / ٣٩٧ ، و (عيون الأثر) لابن الأثير ٢ / ٢٠٥.

(٤) القعقاع بن معبد بن زرارة الدارمي التميمي ، المتوفى بعد سنة ٨ ه‍. قال في (الأعلام) : أدرك الإسلام فوفد على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع رؤساء تميم وكانت فيه رقة فأشار أبو بكر بتأميره ، ولما كان يوم حنين بعثه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأتيه بالخبر. وفي الطبري من روايات سيف بن عمر : أسند إليه بعد هذا التأريخ حوادث كثيرة.

انظر (الأعلام) ٥ / ٢٠٢ ، ومنه (الإصابة) رقم (١٧٢٨) ، و (الاشتقاق) ٢٣٧ ، و (بغية الأمل) ٤ / ٢١٨ ، و (المحبر) ١٤١ ، و (النقائض) ٢٥٨ ، ٧٧١.

٦٦

أراني الله بالنعم المبدى

ببرقة وجرجان فقد أراني (١)

بمينا يا ابن عودة في تميم

وصاحبك الأقيرع يلحياني

حميت حماها بالسيف صلبا

فلم ترعش يدي ولا سنان

وقال مالك بن نويرة أيضا :

وقلت خذوا أموالكم غير خائف

ولا ناظر فيما يجيء من الغد

فإن قام بالأمر المخوف قائم

أطعنا وقلنا : الدين دين محمد (٢)

ولما هجم عليهم المسلمون قالت تميم : من أنتم؟ قالوا : المسلمون. قالت تميم : فنحن المسلمون وما كان من مالك وأصحابه ردة فيما نعلمه إلا الالتواء على الزكاة وهم قائمون بالصلاة فقتلهم المسلمون وكان في القتلى مالك بن نويرة ، وأخذ خالد امرأته بنت المنهال ـ وكانت من أجمل النساء ـ (٣) وأخذ رءوس القتلى فبقيت بها القدور كل قدر على ثلاثة رءوس ، فمما ذكر أهل العلم بحادثتهم وحديثهم أن القدر التي كان تحتها رأس مالك بن نويرة نضجت قبل أن

__________________

(١) البيت منزحف وغير منسجم مع ما بعده.

(٢) الأبيات في كتاب (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى) للسيد المرتضى العسكري ج ١ ص ١٨٥ ط دار الزهراء ، أورد الأبيات بلفظ :

فقلت خذوا أموالكم غير خائف

ولا ناظر في ما يجيء من الغد

فإن قام بالدين المحوّق قائم

أطعنا وقلنا الدين دين محمد

قال : وفي شرح ابن أبي الحديد في الجواب السابع من أجوبة المرتضى على قاضي القضاة : (فإن قام بالأمر المجدد قائم) وعزاها أيضا إلى (الإصابة) ج ٣ ص ٣٣٦.

قال : وفي (معجم الشعراء) ص ٢٦٠ : (فإن قام بالأمر المخوف قائم).

(٣) قصة أخذ خالد بن الوليد زوجة مالك وقتله من أجلها تجدها في (كنز العمال) ج ٣ ص ١٣٢ ، وفي تأريخ اليعقوبي ٢ / ١١٠ ، وفي تأريخ أبي الفداء ١٥٨ ، و (وفيات الأعيان) ٥ / ٨ وفي (الإصابة) ٣ / ٣٣٧ ، واسم زوجة مالك أم تميم بنت المنهال ، وقد تزوجها في نفس الليلة كما في اليعقوبي ٢ / ١١٠.

ويلاحظ ما وضعه سيف بن عمر التميمي في قصة مالك من روايات الطبري ، وانظر (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى) ١٩٦ ـ ١٩٧.

٦٧

تصل النار إلى بشرة رأسه (١) ، ورثاه أخوه متمم (٢) بقصائد كثيرة مدونة في كتب العلم ؛ لأنه أحد فحول الشعراء ، ومن قصائده القصيدة :

ولسنا بأكفر من عامر

ولا غطفان ولا من أسد

ولا من سليم وألفافها

ولا من تميم وأهل الجند

ولا ذي الخمار ولا قومه

ولا أشعث العرب لو لا النكد

ولا من عرانين من وائل

يسوق البحيرة سوق البعد

وكنّا أناسا على شبهة

نرى الغي من أمرنا كالرشد

ندين بما دان كذابنا

فيا ليت والده لم يلد

تمنى النبوة في شركه

وما قالها قبله من أحد

فلما أناخ بنا خالد

جهدنا وأعذر من قد جهد

فصالحنا بعد جد القتال

على ما أراد وما لم يرد

خرجنا إليه من أموالنا

ونصف السبي ونصف العدد

وكل غريب له ذمة

فقلدنا عارها في الأبد (٣)

__________________

(١) ذكر الطبري في روايته عن سيف : كان مالك بن نويرة من أكثر الناس شعرا ، وإن أهل العسكر أثّفوا برءوسهم القدور فما منهم رأس إلا وصلت النار إلى بشرته ما خلا مالكا فإن القدر نضجت وما نضج رأسه من كثر شعره. انظر (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى) ١ / ص ١٩٥ ـ ١٩٦. وعنه عن (الإصابة) ج ٣ / ٣٣٧ : إن مالك بن نويرة كان كثير شعر الرأس فلما قتل أمر خالد برأسه فنصب أثفية (الأثفية : الحجر يوضع عليه القدر!!!) فنضج ما فيها قبل أن يخلص النار إلى شئون رأسه.

(٢) متمم بن نويرة التميمي / قال في (الإصابة) ترجمة (٧٧١٩) : أسلم هو وأخوه مالك وبعث النبي مالكا على صدقات بني تميم ... إلخ. انظر (الإصابة). وفي (معجم الشعراء) للمرزباني ص ٤٦٦ بعد اسمه ونسبه ، قال : يكنى أبا نهشل ، ويقال : أبا تميم ، ويقال : أبا إبراهيم. وكان أعور وأدرك الإسلام وأسلم فحسن إسلامه ، واستفرغ شعره في مراثي أخيه مالك بن نويرة.

(٣) الأبيات منسوبة في (معجم البلدان) ٢ / ١٦٩ إلى علي بن هوذة بن علي الحنفي ومطلعها :

رمتنا القبائل بالمنكرات

وما نحن إلا كمن قد جحد ـ

٦٨

وقوله : كل غريب ـ يريد غريب الذل من صفات النساء فقلدنا عار السبي ـ إلى آخر الدهر فهذا كما ترى من أقوالهم واعترافهم بما جرى عليهم من السبي يبين لذي البصيرة أنا اتبعنا وما ابتدعنا (١) ، وفيه تكذيب لمن يقول : إن أهل الشهادتين لا يقع فيهم السبي جهلا منه بأصول العلم وفروعه ، ومعقول البيان ومسموعه ، ولقد علم أهل العلم أن من عجائب مسيلمة الكذاب أن مهر سجاح الكذابة الملعونة لما تزوجها صلاة العشاء الآخرة والفجر لها ولقومها (٢) ، وكان هو وقومه غير تاركين لشيء من الصلوات حتى أخزاهم الله بسيوف الحق وأيدي المحقين ، وهذا السبي بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمته بلا خلاف بين أهل العلم في ذلك (٣) ؛ فقد رأيت كيف قاسم المسلمون قتبان الطعان من ربيعة ونزار ، أولادهم أخذوا بنتا وتركوا بنتا ، وأخذوا ابنا وتركوا ابنا ، ولو لا الصلح أخذوا الجميع ؛ لأن الذي حل به النصف يحل به النصف الآخر ، وإنما لبست الفرقة الملعونة على العوام الجهّال ، وشوشت باسم الإسلام واسم الشهادتين ، ولم تدر أن للإسلام رسوما وحدودا من تعداها خرج منه ، وإن ادعى البقاء عليه لم يسالمه أهل المعرفة في ذلك ، وأهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يظهر لهم قدرة ولا اتساع مملكة لإجماع أكثر الأمة على عداوتهم وعنادهم ودفعهم

__________________

ـ وساق الأبيات إلا أنه في البيت الرابع : ..... بسوق النجير وسوق النقد وفي البيت الخامس (شبهة) بدل (غرة) وفي البيت السادس : ندين كما دان ، ولم يورد بقية الأبيات.

(١) معظم الروايات في السبي واردة عن سيف بن عمر التميمي وعلى أساسها استقت معظم المذاهب الإسلامية أحكام الردة.

(٢) حول قصة مسيلمة الكذّاب وسجاح ، انظر الطبري وابن الأثير حوادث سنة ١١ ه‍ ، وبعضها من روايات سيف بن عمر التميمي التي نقلها الطبري في تأريخه عن كتابه (الردة والفتوح).

(٣) الخلاف لم يكن لأن أحدا لم يشكك فيما جاء في الطبري عن أحداث الردة والفتوحات ، وإن طعن الكثير من رجال الجرح والتعديل سيف بن عمر التميمي الذي نقل عنه الطبري ووصفوه بالكذب والوضع والزندقة إلا أنهم قبلوا رواياته ووجدت لها رواجا وانتشارا في أغلب مصادر التأريخ الإسلامي.

٦٩

عن حقهم ، فلم يتمكنوا من إظهار الأحكام في قرن الردة ، وإلا فهذا أقرب الأئمة عليهم‌السلام إلينا أحمد بن سليمان سلام الله على روحه الكريمة كتبه مشحونة شاهدة بما قلنا من كون المطرفية المرتدة حكمهم حكم أهل دار الحرب ، وإنها لا تحل ذبائحهم ، ولا مناكحتهم ، ولا موارثتهم ، ولا قبرهم في مقابر المسلمين ، ولا رطوبتهم عند من يرى برأي الهادي عليه‌السلام.

وقد ذكر ذلك في تصانيف عدة منها : كتاب (العمدة) وها هو اليوم موجود بين أظهرنا يشهد بما قلنا.

ومن ذلك أيضا ما كان من حديث بني ناجية (١) وهم كانوا ينتسبون إلى سامة بن لؤي ، وجاءوا إلى عمر ليلحقهم بقريش فكره ذلك ، وجاءوا إلى عثمان فألحقهم بقريش وجعل لهم مثل أعطيات قريش.

ولما تولى الأمر علي عليه‌السلام جاءوا إليه فقال : لهم إن سامة بن لؤي لم يخلف إلا ابنة ، فإن كنتم أولادها فأنتم بنو أختنا ، وإن زعمتم أنكم أولاده من رجل خلفه ، فلا حقيقة لذلك الحقوا بفصيلتكم التي تؤويكم ، فطعنوا عليه وخبثوا وتربصوا ، وكانت عيونه عليهم راصدة ، فجاءه عينه في بعض الأيام فلما أقبل قال له علي عليه‌السلام : آمنوا فعطنوا ، أم خبثوا فطعنوا. قال : يا أمير (٢) المؤمنين ، بل

__________________

(١) بني ناجية : قال في (شرح نهج البلاغة) : فإنهم ينسبون أنفسهم إلى سامة بن لؤي بن فهر بن مالك بن النظر بن كنانة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وقصتهم وقصة سامة بن لؤي تجدها في كتاب (الأغاني) ١٠ / ٢٠٥ إلى ٢٠٧ ، وفي (شرح النهج) لابن أبي الحديد طبعة دار الفكر ٣ / ١٢٠ ، ١٢١. قال فيه : قال أبو الفرج أما الزبير بن بكار فإنه أدخلهم في قريش ، فهم قريش العازبة. قال أبو الفرج : وللزبير بن بكار في إدخالهم في قريش مذهب ، هو مخالفة أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وميله إليهم لإجماعهم على بغضه عليه‌السلام.

(٢) في (شرح نهج البلاغة) : أوطنوا فأقاموا ، أم جبنوا فظعنوا. قلت : لا ، بل ظعنوا. فقال : أبعدهم الله كما بعدت ثمود.

٧٠

طعنوا فغلبوا ـ وحكى له خبر القوم ، فدعا معقل بن قيس الرياحي (١) فبعثه في أثر القوم فلحقهم فحاربهم وقهرهم وسباهم ، وجاء بهم إلى العراق (٢) فاعترضه مصقلة بن هبيرة (٣) فشراهم بخمسمائة ألف درهم ؛ نقد بعضها وهرب ببعضها ، فقال علي عليه‌السلام : قبح الله مصقلة فعل فعال الأحرار ، وهرب هرب العبيد ؛ أما إنه لو أقام أخذنا ميسوره وانتظرنا بماله وفوره ، وجاءوا إلى علي عليه‌السلام فقالوا : ردهم إلى الرق. فقال : لا سبيل إلى ذلك قد عتقوا ، وما لكم إلا مال صاحبكم ، وقد قالت امرأة منهم :

__________________

(١) معقل بن قيس الرياحي قال في (الأعلام) : من بني يربوع ، قائد من الشجعان ، الأجواد ، أدرك عصر النبوة ، وأوفده عمار بن ياسر على عمر ، بشيرا بفتح «لتستر» ووجهه على بني ناجية حين ارتدوا ثم كان من أمراء الصفوف يوم الجمل وولي شرطة علي ثم كان مع المغيرة بن شعبة في الكوفة ، فلما خرج المستورد بن علقمة جهز المغيرة معقلا في ثلاثة آلاف وسيره لقتاله فنشبت بينهما معركة على شاطئ دجلة فتبارزا فقتلا معا سنة ٤٣ ه‍.

انظر (الأعلام) ٧ / ٢٧١. عن ابن الأثير ٣ / ٢٢١ ، والطبري حوادث سنة ٤٣ ه‍.

(٢) قال في كتاب (الأغاني) : وكان بنو ناجية ارتدوا عن الإسلام ، ولما ولي علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخلافة دعاهم إلى الإسلام فأسلم بعضهم ، وأقام الباقون على الردة فسباهم واسترقهم فاشتراهم مصقلة بن هبيرة منه ، وأدى ثلث ثمنهم ، وأشهد بالباقي على نفسه ثم أعتقهم وهرب من تحت ليله إلى معاوية ، فصاروا أحرارا ولزمه الثمن ، فثمّن علي بن أبي طالب شيئا من داره ، وقيل : بل هدمها فلم يدخل مصقلة الكوفة حتى قتل أمير المؤمنين. وذكر ابن أبي الحديد في (شرح النهج) ٣ / ١٢٧ خبر بني ناجية مع علي ، عن إبراهيم بن هلال الثقفي في كتاب (الغارات) في قصة طويلة.

(٣) مصقلة بن هبيرة بن شب الثعلبي الشيباني ، من بكر بن وائل ، كان من الولاة ، كان من رجال علي بن أبي طالب ، وأقامه علي عاملا له في بعض كور الأهواز ، وتحول إلى معاوية في خبر أورده المسعودي فكان معه في صفين ، ولما استوى الأمر لمعاوية جهزه في عشرة آلاف مقاتل ، ويقال : في عشرين ألف وولاه طبرستان قبل فتحها فتوجه إليها ، وتوغل في بلادها ومضايقها وأهمل ما يسميه العسكريون خط الرجعة ، فبينما هو عائدا يجتاز بعض عقبانها سلك عليه العدو ، فقذفوه بالحجارة والصخور من الجبال فقتل وهلك أكثر من معه وضرب الناس به المثل (لا يكون هذا حتى يرجع مصقلة من طبرستان) ، وكان ذلك نحو سنة ٥٠ ه‍.

(الأعلام) ٧ / ٢٤٩ ، المسعودي ٤ / ٤١٩ ط. باريس ، (معجم البلدان) ٦ / ٢٠.

٧١

سبانا معقل ولرب حي

من الأحياء ضاحية سبينا

ولا قلنا بغير الله ربا

ولا دنا المسيح ولا اعتدينا

وكان ظاهر القوم على الإسلام ورأسهم الخريت بن راشد ، وعاب الناس على معقل سبيهم كما فعل أهل العصر فظنوا أن منع الصدقة ليس بكفر. فقال معقل بن قيس رحمه‌الله :

لعمري لئن عاب أهل العراق

علي لسبيي بني ناجية

لأعيب من سبيهم كفرهم

وكفى بسبيهم عالية

فقد قال قوم قسا معقل

فقلت قلوبكم القاسية

وقلت سبيت على ردة

على الحق والسنة الماضية

فهذا فعل صاحب علي عليه‌السلام أيضا ، وأجازه علي عليه‌السلام وشهده من بقي من أفاضل الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكره أحد منهم فلا وجه لإنكار ما وقع في عصرنا هذا إلا الجهل بالآثار ، ومعاندة الأئمة الأخيار سلام الله عليهم ، ولم يختلف أحد من أهل العلم في حديث بني ناجية وسبيهم ، وبغضتهم لأهل البيت عليهم‌السلام باقية إلى الآن.

ذكر مصنف أخبار يحيى بن زيد عليه‌السلام (١) أنه لما أخذ من دار أبي الحوس

__________________

(١) الإمام الثائر الشهيد يحيى بن الإمام الأعظم زيد بن علي بن زين العابدين بن الحسين سيد الشهداء ابن الإمام علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، أبو عبد الله ، ويقال : أبو طالب ، ثار مع أبيه عليه‌السلام بالكوفة سنة ١٢١ ه‍ ، أوصاه الإمام زيد حين رمي بسهم بمواصلة قتال الظالمين ، فلما استشهد أبوه خرج من الكوفة مستترا مع نفر من أصحابه فدخل خراسان ، وانتهى إلى بلخ ، وقبض عليه نصر بن سيار في قصة مثيرة بعد أن أنكره الحريش بن عبد الرحمن الشيباني وعذب من أجله حتى خشي على ابنه ، فدلّ نصر على الإمام ، وكتب نصر إلى يوسف بن عمر ، وكتب يوسف إلى الوليد بن يزيد بذلك فأمر بالإفراج عنه ، فأطلقه نصر وأمره أن يلحق بالوليد ، فسار الإمام يحيى إلى سرخس ، ثم إلى بيهق ، ثم إلى نيسابور فامتنع بها بعد أن كان قد أظهر الدعوة ـ

٧٢

عمر بن داود الشيباني وحبس أدخل عليه وجوه أهل الضلالة لتبكيته ، فكان فيمن دخل عليه بسرخس الحارث بن عبد الله بن الجسوس الجعدي فقال ليحيى : قد عرفت بلادنا ، وإضلال العدو علينا ، وأنا في نحورهم في أقصى تربة في الإسلام ، وكان في نساء أنباط العراق لك ممكن لو أردت ذلك فلا تدخل بلادنا لتروم تفريق جماعتنا. فقال : ـ يعني يحيى ـ من هذا؟ قيل : الحارث بن عبد الله. قال : الجعدي؟ قال : نعم. قال : أما إن عداوتكم لنا أهل البيت قديمة. قال : ثم كلمه جهم بن مسعود الناجي (١) بكلام غليظ. فقال يحيى : لا تلامون على بغضنا لأثر أبي الحسن فيكم ـ يريد عليه‌السلام سبي علي عليه‌السلام لبني ناجية ـ قال : وتكلم معرف بن سحرة الأزدي فقال : أما بلغك أن زوال جبل السر من زوال ملك لم ينقص أكله ، ولم يأذن الله في زواله.

قال يحيى عليه‌السلام : فعسى أن يكون الله قد أذن بذلك ، ولا خلاف بين أهل العلم فيما حكينا من سبي علي عليه‌السلام بني ناجية وقد وردت الآثار بفضل عتق الرقبة والرقاب من ولد إسماعيل ، ونحن نروي ذلك وهم صميم العرب ، فلو لا أن الرق يصح فيهم لما ورد فيه الحديث ، فلا معنى لإنكار سبي أهل الردة من العرب.

ولما وصل مصقلة إلى الشام ندم على فراق علي عليه‌السلام ، وكتب إلى

__________________

ـ ببيهق ، وأرسل إليه نصر صاحب شرطته مسلم بن أحوز المازني ، فلحقه في الجوزجان فقاتله قتالا شديدا ، ورمي عليه‌السلام بسهم أصاب جبهته فسقط قتيلا في قرية يقال لها (أرغويه) ، وحمل رأسه إلى الوليد ، وصلب جسده بالجوزجان سنة ١٢٥ ه‍ ، وبقي مصلوبا إلى أن ظهر أبو مسلم الخراساني ، فأنزل جثته الطاهرة فصلى عليها ودفنت هنالك ، وكل من ولد له من الأعيان في تلك السنة سماه يحيى. خرّج له السيد أبو طالب.

انظر : (رجال الاعتبار وسلوة العارفين) تحت الطبع ، وفيه بقية مصادر الترجمة.

(١) جهم بن مسعود الناجي ، أحد أعداء آل البيت ، كان مقامه بمرو ، وله فيها شأن ، قتل في فتنة الضحاك بن قيس.

٧٣

أهل العراق شعرا فقال :

يا راكب الأدماء سلم خفها

وغاربها حتى تصل أرض (١) بابل

أتكنى (٢) إلى أهل العراق رسالة

وخص بها أحياء بكر بن وائل

وعمّ بها عليا ربيعة أنني

تركت عليّا خير حاف وناعل

على غير ذنب غير تارك دينه

ولا سامع فيه مقالة قائل

ولكنني كنت امرأ من ثقاته

أقدم في الشورى وأهل الوسائل

فأذنبت ذنبا لم يكن لمقيله

حليم وقلت الليث لا شك آكلي

ولا طالب بالشام زيف معيشة

وما الجوع في أرض العراق بآكلي

والأدلة بحمد الله بذلك شاهدة متساندة ، يعرفها من له أدنى بسطة في العلم ، وجهل الجهال بصحة ما يعرفه أهل العلم لا يكون مانعا من فعله لو لا ذلك لعطلت الشرائع ، فأكثرها لا تعرفه العوام ولا تدين به ، وقد كانت جملة الدين ـ زاده الله شرفا وجدة ـ مجهولة عند أكثر الخلق ، فلم يمنع ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من إظهاره وإمضائه ، والقتال عنه حتى كانوا يتعجبون منه كما حكى الله عنهم من قولهم : (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) [ص : ٥] ، ولو لا ما أخذ الله على أهل العلم من تبيينه لما ألزمنا نفوسنا هذا البيان ولا اشتغلنا بهذا الشأن ، ولكان ظهوره يغني عن المبالغة في كشفه ولكن أردنا ذلك (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال : ٤٢] ، ولجهلهم متى ذكر لهم هذا قالوا : فانظروا إلى كلام الأئمة والعلماء في أهل البغي والسيرة فيهم ، ونسي الجهال أن أهل البغي لا بد لهم من شرائط :

__________________

(١) في (ب) : أهل.

(٢) في (ب) : الكني.

٧٤

أحدها : أن يكونوا في الأصل مؤمنين كما قال تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) [الحجرات : ٩] فساوى بينهم في صفات (١) الإيمان.

الثاني : أن يخرجوا على إمام حق (٢).

والثالث : أن يدّعوا أنهم أولى بالحق منه.

فأما من يعتقد خصلة أو خصلتين من الكفر فلا يليق به اسم البغي ؛ وإنما هو كافر ، فلو قالوا : انظروا إلى أحكام الكفار لأخبرناهم ما هي ، وربما قالوا : انظروا إلى قول الأئمة عليهم‌السلام والعلماء في المرتد ، فإنه يستتاب ثلاثا وإلا قتل وقسم ماله بين ورثته ، وما حكمه إذا لحق (٣) بدار الحرب.

والأئمة عليهم‌السلام تكلموا في المرتد الذي تكون داره دار الإسلام ثم تظهر ردته ، والأحكام جارية عليه ؛ فأما لو كانت له شوكة بحيث يظهر كفره واعتقاده بغير ذمة من أحد المسلمين ولا جوار فإن موضع قدميه وداره تكون دار حرب ، وإلا فليسألونا لنخبرهم ـ قطع الله دابرهم ، وعجل النصر عليهم وصلى الله على النبي وآله ـ. وهذا رأينا فيهم لم نكتمه من أول وهلة ولا خفنا إذا ظهر مقت أهل المعرفة.

فأما إنكار الجهال فلا يعتد به العلماء وأهل المعرفة ، وقد ذكرنا ذلك في الأشعار من قبل هذا فقلنا في الشعر الرأي :

فإن بدت شوكة منهم فسبيهم

أحل من شرب ما يهمي من المطر

__________________

(١) في (ب) : في صفة الإيمان.

(٢) في (ب) : على إمام الحق.

(٣) في (ب) : ألحق.

٧٥

[القرابة مع الكفر لا تمنع السبي]

وكتبنا إلى أشرافهم الذين اقتدوا بهم في الكفر وتابعوهم في الغي بأنكم إن تماديتم في مشايعة القوم ، وأظهرنا الله عليكم إنا نسفك دماءكم ، ونسبي ذراريكم وإن قربت أنسابكم منّا ، فإن أقرب الناس منّا وأبعدهم في الحق سواء عندنا ؛ فحفظوا الكتاب وأروه من يجوز عليه ناموسهم من العوام ، فحمدنا الله تعالى على إظهار قولنا فيه ، لأنه حكم نبوي يعتقده من اعتقد وجوب طاعتنا ، قالوا : نسبي بنات الهادي. قلنا : نعم نسبيهنّ لكفر أهلهنّ ، وحرمة إبراهيم وإسحاق ويعقوب وهارون ، النبوة أعظم من حرمة الهادي عليه‌السلام بالإمامة ، فلما كفر أولاد هؤلاء الأنبياء عليهم‌السلام حل لنا سبي ذراريهم ونسائهم ، وإبراهيم خليل الرحمن جدنا ، والأنبياء الذين ذكرناهم وولده أعمامنا ، وسنة الله لا تحول ولا تبدل ، قال سبحانه: (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) [الأحزاب : ٦٢] (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) [فاطر : ٤٣] فتيقظ لما ذكرنا ذلك تجده كما قلنا.

وهذه قبائل العرب التي سبيت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثرهم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليه‌السلام ومن عنصر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد الأولين والآخرين لأنها قبائل ربيعة ومضر ابني نزار بن معد بن عدنان ، وإليه ينتهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأقرب من ذلك بنو أسد تلقى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ، وعبس وذبيان وسائر غطفان تلقاه في مضر بن نزار ، وربيعة تلقاه إلى نزار بن معد ، فلم تعصمهم قرابتهم من السبي لما كفروا بالله.

ولو لا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعتق قريشا يوم الفتح وسماهم (الطلقاء) لملكهم المسلمون وسبوا ذراريهم ، وعلى أن تسميتهم الطلقاء دلالة على الرق ، والمسلمون

٧٦

ملكوا العباس رضي الله عنه يوم بدر بالأسر ، وأطلقوه بالفداء ، ومن كان من بني هاشم ، وإنما هي تغليطات تجوز على أرباب الجهالات.

[عود إلى حديث أهل الردة والسبي في العرب]

ثم لنرجع إلى حديث أهل الردة وأمر السبي ، لأن ذكره المقصود في رسالتنا هذه لنفي جهالة الجهال ، التي منعت من السبي بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الأمة ، قد ذكرنا في صدر الرسالة ردة عمان على يد لقيط بن مالك الأزدي ، وكان يقال له : ذو التاج ، وكان يسمى في الجاهلية الجلندي ، ولمّا غلب على عمان وغلب خنفر بن الجلندي وعبدها عليها وهزمها إلى الاجبال (١) ، أمدهما أبو بكر بحذيفة بن محصن (٢) العلقاني من حمير ، وعرفجة بن هرثمة من الأزد (٣) ، وقد كان قال : حذيفة لعمان ، وعرفجة لمهرة ، وأنتما متساندان ، وكل واحد منكما أمير صاحبه في وجهة ، فخرجا متساندين ، وأمرهما أن يجدا السير إلى عمان ، فإذا كانا منهما قريبا كاتبا خنفرا وعبدا (٤) وعملا برأيهما ، وقد كان أبو بكر أيضا كتب إلى شرحبيل بن حسنة (٥) أن

__________________

(١) في الطبري : وكان يسامي في الجاهلية الجلندي وادعى بمثل ما ادّعى به من كان نبيا ، وغلب على عمان مرتدا وألجأ جيفرا وعبادا إلى الجبال والبحر ، انظر : ج ٣ ص ١٥٣.

(٢) في (ب) : محصن. في الطبري : حذيفة بن محصن الغلفاني ج ٣ / ١٤١ ، ١٢٥.

(٣) في (أ) و (ب) بدون نقاط ، وفي الطبري : عرفجة بن هرثمة ج ٣ / ١٤١ ، ١٢٥.

(٤) في الطبري : فإذا كان منها قريبا كاتبا جيفرا وعبادا.

(٥) شرحبيل بن عبد الله بن المطاع بن الغطريف ، الكندي حليف بني زهرة ، صحابي من القادة ، يعرف بشرحبيل بن حسنة (وهي أمه) ، أسلم بمكة ، وهاجر إلى الحبشة ، وغزا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأوفده رسولا إلى مصر. وتوفي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشرحبيل بمصر ، ثم جعله أبو بكر أحد الأمراء الذين وجههم لفتح الشام ، فافتتح الأردن كلها عنوة ، ما خلا طبرية ، فإن أهلها صالحوه ، وذلك بأمر من أبي عبيدة ، ولما قدم عمر (الجابية) عزله ، واستعمل معاوية مكانه ، وتوفي بطاعون عمواس ، قال أحد مترجميه : كان من الفرسان الذين سادوا الناس.

٧٧

يسير إلى عمان مددا لحذيفة وعرفجة وقال : إن يلحق بكم عكرمة فهو على الناس ، وهو وجهكم إلى مهرة وحضر موت واليمن ، ولما بلغ لقيط مسيرهم إلى رخام في جانب عمان ونهض خنفر وعبد فعسكرا بأصحار ، ووافى الناس عكرمة وتوافت جنود المسلمين إلى أصحار فاستبرءوا من يليهم ، وأصلحوا الجهات ، ثم كاتبوا رؤساء أصحاب لقيط فاستجاب لهم طائفة ، منهم : سيد بني جديد فانفضوا عن لقيط فنهدوا إليه وقد رقت جنوده ، وإن كان في الدهم الأكثر فنهدوا إلى (دبى) (١) وكان لقيط قد جمع القيالات وتركهم خلف الناس حفيظة لهم لئلا ينهزموا ويحافظوا ، فاقتتل القوم قتالا شديدا قلما سمع بمثله ؛ فاستظهر لقيط على الناس ، وكاد يستعلي وجعل يطعن في الزيادة ، والمسلمون في النقصان على أن الحفيظة قائمة في المسلمين ، والرايات قائمة إلا أن الخطب قد اشتد على المسلمين ، وكثرت القتلى فيهم ، وفشت الجرائح ، وكاد أن يقع لأعداء الله الظفر ، فبينما (٢) الناس فيما هم فيه إذ وردت أمداد المسلمين من بني ناجية عليهم الحارث بن راشد السامي (٣) ومن انضاف إليهم من القبائل : عبد القيس والشواذب فاستعلى المسلمون على المرتدين فقتلوهم قتلا ذريعا بلغت القتلى عشرة آلاف قتيل سوى الشداد ، وحويت

__________________

(١) في الطبري : دبا.

(٢) في (ب) : فبينا.

(٣) في الطبري ج ٣ ص ١٥٨ طبعة مؤسسة عز الدين سنة ١٤٠٧ ه‍ : جاءت المسلمين موادهم العظمى من بني ناجية وعليهم الحريت بن راشد ، ومن عبد القيس وعليهم سبحان بن صوحان وشواذب عمان من بني ناجية وعبد القيس ، فقوى الله بهم أهل الإسلام ووهن الله بهم أهل الشرك فولى المشركون الأدبار ، فقتلوا منهم في المعركة عشرة آلاف وركبوهم حتى أثخنوا فيهم ، وسبوا الذراري ، وقسموا الأموال على المسلمين ، وبعثوا بالخمس إلى أبي بكر مع عرفجة ، ورأى عكرمة وحذيفة أن يقيم حذيفة بعمان حتى يوطئ الأمور ويسكن الناس ، وكان الخمس ثمانمائة رأس ، وغنموا السوق بحذافيرها ، فسار عرفجة إلى أبي بكر بخمس السبي والمغانم ، وأقام حذيفة لتسكين الناس ... إلخ.

٧٨

الذراري والسبايا ، وسارت الغنائم إلى القباض وقسمت ، وأقررت من الأخماس ثمانمائة رأس ، وأنفذت مع عرفجة وأقام حذيفة بعمان ، وذلك رأي أبي بكر.

واستقرت الأمور وعاد الإسلام إلى أحسن عاداته ، والغرض بذكره ما تعلق بالسبي في العرب بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فأردنا بيان ذلك بوجهه وفنونه وجهاته وأعداده (١) ليكون غرضا يقصده من أراد معرفة تلك الأحوال ، وليعلم صحة ذلك من كانت له بسطة في علم الآثار ؛ فأردنا أن نبين وقوع السبي في العرب بحيث لا يمكن أحد ممن يستحي من المباهتة من إنكاره ، وإن ذلك ظاهر متيقن بمشهد أهل بيت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وأصحابه ، فهم الأئمة المعصومون : علي بن أبي طالب عليه‌السلام وولداه الحسن والحسين ـ عليهما‌السلام ـ فلم ينكروا ذلك ، بل صوبوه وأخذ علي عليه‌السلام منهم ، ووطئ بحكم الملك ، وكذلك فعل فضلاء الصحابة بغير مناكرة منهم في ذلك ؛ فكيف ينبغي لجهال أهل العصر إنكار وقوع السبي فيمن هو أقبح من أهل ذلك العصر أفعالا وأشنع مقالا.

[ردة المهرة]

وأما ردة مهرة فإنها كانت على رئيس لهم يقال له : سحريب من بني سمخراه (٢) ، وعلى المصبح أحد بني مجاب ومعه جل الجمع (٣) ، وكان كل واحد منهما يريد أن يكون الآمر والمظفر بما أرادوا من علو الكفر على يديه ، والله متم نوره ولو كره الكافرون ، أحدهما كان (بجيروت) (٤) والآخر (بالنجد) فدعا عكرمة

__________________

(١) في (أ) : وأعداته.

(٢) كذا في النسخ ، وفي تأريخ الطبري : شخريت رجل من بني شخراة.

(٣) كذا في النسخ ، وفي تأريخ الطبري : أحد بني محارب والناس كلهم معه.

(٤) في النسخ : بجيرون.

٧٩

(سحريب) (١) وكان في أقل الجمع فدعاه عكرمة إلى الرجوع إلى الدين والنزوع عن الكفر فأجابه بأول الدعاء ، ودعى المصبح فاغتر بكثرة من اجتمع إليه ، وقد ملئوا تلك القيعان والرحاب بأرض مهرة فأبى أشد الإباء ، فناهدهم المسلمون للأشعث إلى عكرمة بأمان فأبلغه عكرمة المهاجر واستأمنه على نفسه ، ونفر معه تسعة على أن يؤمنهم وأهليهم فأجابهم إلى ذلك على أن يفتحوا لهم الباب ، ففتحوا الباب واقتحمه المسلمون فوفوا للتسعة المعينين وقتلوا جميع من فيه من ذكر حالم مدافعة ، وصبرا ، وجمعوا السبي ألف رأس غلام وجارية ، فأنفذوا الخمس إلى أبي بكر ، وقسموا الأربعة الأخماس في جيش المسلمين ، فلما اطمأنت بالأشعث الدار بعد تمصير الكوفة والمدة الطويلة استأذن في فداء نسوة من نسوته ، فكان يسير في الكوفة في القبائل وهو يسأل عن رباب وعقاب وغراب وكلب وذئاب ، فلما وقف على بني نهد قال : ما مسألتك عن هؤلاء النفر؟ قال : إن نساءنا اختطفن يوم البحير ، فأخذهن الذئاب ، والعقبان ، والغربان ، والكلاب ، والذئاب ، فوجدوا غرابا في بني عطيف.

فهل رأيت أيها السامع ، أعجب ممن ينكر سبي أهل المصانع ، الخبثاء من كل جانب ، المرتدين بكل وجه يوجب الردة مع العلم بهذه الأحوال ، والذي ينتهي إليه علمي أني أشهد أن كندة على هذه الصورة التي قدمنا أقرب إلى الله تعالى وإلى الإسلام والمسلمين ، وأشرف نفوسا وأفعالا من أهل المصانع ومن انضاف إليهم ؛ فأين العقول السليمة ، والأفكار الصحيحة ؛ وإذا لم تجدد أحكام شرع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمن يجدده ، ومن ذا الذي يطلع بهذا الشأن ، ويوضح هذا البرهان ولو كان ما جهلته العامة من الأحكام ، اطرحته الأئمة عليهم‌السلام ، لكانت رسوم الدين اليوم عافية ، وقواعده ـ والعياذ بالله من ذلك ـ واهية ، ولو لم نستدل في حال الردة وجواز سبي

__________________

(١) هو : شخريت ، كما في الطبري.

٨٠