تفسير أبي السّعود - ج ٧

أبي السعود محمّد بن محمّد العمادي

تفسير أبي السّعود - ج ٧

المؤلف:

أبي السعود محمّد بن محمّد العمادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٨٨

(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣) خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤) اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) (٤٥)

____________________________________

كتاء طاغوت ويجمع على عناكب وعنكبوتات وأما العكاب والعكب والإعكب فأسماء الجموع (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) حيث لا يرى شىء يدانيه فى الوهن والوهى (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أى شيئا* من الأشياء لجزموا أن هذا مثلهم أو أن دينهم أوهى من ذلك ويجوز أن يجعل بيت العنكبوت عبارة عن دينهم تحقيقا للتمثيل فالمعنى وإن أوهن ما يعتمد به فى الدين دينهم (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) على إضمار القول أى قل للكفرة إن الله الخ وما استفهامية منصوبة بيدعون معلقة ليعلم ومن للتبيين أو نافية ومن مزيدة وشىء مفعول يدعون أو مصدرية وشىء عبارة عن المصدر أو موصولة مفعول ليعلم ومفعول يدعون عائده المحذوف وقرىء تدعون بالتاء والكلام على الأولين تجهيل لهم وتأكيد للمثل وعلى الأخيرين وعيد لهم (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) تعليل على المعنيين فإن إشراك مالا يعد شيئا بمن هذا* شأنه من فرط الغباوة وأن الجماد بالنسبة إلى القادر القاهر على كل شىء البالغ فى العلم وإتقان الفعل الغاية القاصية كالمعدوم البحت وأن من هذه صفاته قادر على مجازاتهم (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ) أى هذا المثل وأمثاله (نَضْرِبُها لِلنَّاسِ) تقريبا لما بعد من أفهامهم (وَما يَعْقِلُها) على ما هى عليه من الحسن واستتباع الفوائد (إِلَّا الْعالِمُونَ) الراسخون فى العلم المتدبرون فى الأشياء على ما ينبغى وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه تلا هذه فقال العالم من عقل عن الله تعالى وعمل بطاعته واجتنب سخطه (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) أى محقا مراعيا للحكم والمصالح على أنه حال من فاعل خلق أو ملتبسة بالحق الذى لا محيد عنه مستتبعة للمنافع الدينية والدنيوية على أنه حال من مفعوله فإنها مع اشتمالها على جميع ما يتعلق به معايشهم شواهد دالة على شئونه تعالى المتعلقة بذاته وصفاته كما يفصح عنه قوله تعالى (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) دالة لهم على ما ذكر* من شئونه سبحانه وتخصيص المؤمنين بالذكر مع عموم الهداية والإرشاد فى خلقهما للكل لأنهم المنتفعون بذلك (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) تقربا إلى الله تعالى بقراءته وتذكرا لما فى تضاعيفه من المعانى وتذكيرا للناس وحملا لهم على العمل بما فيه من الأحكام ومحاسن الآداب ومكارم الأخلاق (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) أى داوم على إقامتها وحيث كانت الصلاة منتظمة للصلوات المكتوبة المؤداة بالجماعة وكان أمره عليه الصلاة والسلام بإقامتها متضمنا لأمر الأمة بها علل بقوله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ

٤١

(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ) (٤٧)

____________________________________

وَالْمُنْكَرِ) كأنه قيل وصل بهم إن الصلاة تنهاهم عن الفحشاء والمنكر ومعنى نهيها عنهما أنها سبب للانتهاء عنهما لأنها مناجاة لله تعالى فلا بد أن تكون مع إقبال تام على طاعته وإعراض كلى عن معاصيه قال ابن مسعود وابن عباس رضى الله تعالى عنهما فى الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصى الله تعالى فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم يزدد بصلاته من الله تعالى إلا بعدا وقال الحسن وقتادة من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه وروى أنس رضى الله عنه أن فتى من الأنصار كان يصلى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم لا يدع شيئا من الفواحش إلا ركبه فوصف له صلى‌الله‌عليه‌وسلم حاله فقال إن صلاته* ستنهاه فلم يلبث أن تاب وحسن حاله (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) أى وللصلاة أكبر من سائر الطاعات وإنما عبر عنها به كما فى قوله تعالى (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) للإيذان بأن ما فيها من ذكر الله تعالى هو العمدة فى كونها مفضلة على الحسنات ناهية عن السيئات وقيل ولذكر الله تعالى عند الفحشاء والمنكر وذكر نهيه عنهما ووعيده عليهما أكبر فى الزجر عنهما وقيل ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) منه ومن سائر الطاعات فيجازيكم بها أحسن المجازاة (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ) من اليهود والنصارى (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أى بالخصلة التى هى أحسن كمقابلة الخشونة باللين والغضب بالكظم والمشاغبة بالنصح والسورة بالأناة على وجه لا يدل على الضعف ولا يؤدى إلى إعطاء الدنية وقيل منسوخ بآية السيف (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) بالإفراط فى الاعتداء والعناد أو بإثبات الولد وقولهم يد الله مغلولة ونحو ذلك فإنه يجب حينئذ المدافعة بما يليق بحالهم (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا) من القرآن (وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) أى وبالذى أنزل إليكم من التوراة والإنجيل وقد مر تحقيق كيفية الإيمان بهما فى خاتمة سورة البقرة وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وبكتبه وبرسله فإن قالوا باطلالم تصدقوهم وإن قالوا حقا لم تكذبوهم (وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ) لا شريك له فى الألوهية (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) مطيعون خاصة وفيه تعريض بحال الفريقين حيث اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله (وَكَذلِكَ) تجريد للخطاب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذلك إشارة إلى مصدر الفعل الذى بعده وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلة المشار إليه فى الفضل أى مثل ذلك الإنزال البديع الموافق لإنزال سائر الكتب (أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) أى القرآن الذى من جملته هذه الآية الناطقة بما ذكر من المجادلة بالحسنى (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) من الطائفتين (يُؤْمِنُونَ بِهِ) أريد بهم عبد الله بن سلام وأضرابه من أهل الكتابين خاصة كأن من عداهم لم يؤتوا الكتاب حيث لم يعملوا بما فيه أو من تقدم عهد رسول الله

٤٢

(وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (٤٩) وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٥١)

____________________________________

صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم حيث كانوا مصدقين بنزوله حسبما شاهدوا فى كتابيهما وتخصيصهم بإيتاء الكتاب للإيذان بأن من بعدهم من معاصرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد نزع عنهم الكتاب بالنسخ فلم يؤتوه والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن إيمانهم به مترتب على إنزاله على الوجه المذكور (وَمِنْ هؤُلاءِ) أى ومن العرب أو أهل* مكة على الأول أو ممن فى عصره صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الثانى (مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) أى بالقرآن (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) عبر عن الكتاب بالآيات للتنبيه على ظهور دلالتها على معانيها وعلى كونها من عند الله تعالى وأضيفت إلى نون العظمة لمزيد تفخيمها وغاية تشنيع من يجحد بها (إِلَّا الْكافِرُونَ) المتوغلون فى الكفر المصممون عليه فإن ذلك يصدهم عن التأمل فيما يؤديهم إلى معرفة حقيتها وقيل هم كعب بن الأشرف وأصحابه (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ) أى ما كنت قبل إنزالنا إليك الكتاب تقدر على أن تتلو شيئا من كتاب (وَلا تَخُطُّهُ) أى ولا تقدر على أن تخطه (بِيَمِينِكَ) حسبما هو المعتاد أو ما كانت عادتك أن تتلوه ولا أن تخطه (إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) أى لو كنت ممن يقدر على التلاوة والخط أو ممن يعتادهما لارتابوا وقالوا لعله التقطه من كتب الأوائل وحيث لم تكن كذلك لم يبق فى شأنك منشأ ريب أصلا وتسميتهم مبطلين فى ارتيابهم على التقدير المفروض لكونهم مبطلين فى اتباعهم للاحتمال المذكور مع ظهور نزاهته صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك (بَلْ هُوَ) أى القرآن (آياتٌ بَيِّناتٌ) واضحات ثابتة راسخة (فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) من غير أن يلتقط من كتاب يحفظونه بحيث لا يقدر أحد على تحريفه (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) مع كونها كما ذكر (إِلَّا الظَّالِمُونَ) المتجاوزون للحدود فى الشر والمكابرة والفساد (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) مثل ناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى عليهم‌السلام وقرىء آية (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) ينزلها حسبما يشاء من غير دخل لأحد فى ذلك قطعا (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ليس من شأنى إلا الإنذار بما أوتيت من الآيات (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ) كلام مستأنف وارد من جهته تعالى ردا على اقتراحهم وبيانا لبطلانه والهمزة للإنكار والنفى والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أى أقصر ولم يكفهم آية مغنية عن سائر الآيات (أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) الناطق بالحق المصدق لما بين يديه من الكتب السماوية وأنت بمعزل عن مدارستها وممارستها (يُتْلى عَلَيْهِمْ) فى كل زمان ومكان فلا يزال معهم آية ثابتة لا تزول ولا تضمحل كما تزول كل آية بعد كونها وتكون فى مكان دون مكان أو يتلى على اليهود بتحقيق ما فى أيديهم من نعتك ونعت دينك (إِنَّ فِي ذلِكَ) الكتاب العظيم

٤٣

(قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (٥٤)

____________________________________

الشأن الباقى على مر الدهور (لَرَحْمَةً) أى نعمة عظيمة (وَذِكْرى) أى تذكرة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أى لقوم همهم الإيمان لا التعنت كأولئك المقترحين وقيل إن ناسا من المؤمنين أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكتف فيها بعض ما يقوله له اليهود فقال كفى بها ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به غير نبيهم فنزلت (قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) بما صدر عنى وعنكم (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى من الأمور التى من جملتها شأنى وشأنكم فهو تقرير لما قبله من كفايته تعالى شهيدا (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) وهو* ما يعبد من دون الله تعالى (وَكَفَرُوا بِاللهِ) مع تعاضد موجبات الإيمان به (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) المغبونون فى صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان بأن ضيعوا الفطرة الأصلية والأدلة السمعية الموجبة للإيمان والآية من قبيل المجادلة بالتى هى أحسن حيث لم يصرح بنسبة الإيمان بالباطل والكفر بالله والخسران إليهم بل ذكر على منهاج الإبهام كما فى قوله تعالى (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) على طريقة الاستهزاء بقولهم متى هذا الوعد وقولهم أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب ونحو ذلك (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى) قد ضربه الله تعالى لعذابهم وبينه فى اللوح (لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) المعين لهم حسبما استعجلوا به قيل المراد بالأجل يوم القيامة لما روى أنه تعالى وعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يعذب قومه بعذاب الاستئصال وأن يؤخر عذابهم إلى يوم القيامة وقيل يوم بدر وقيل وقت فنائهم بآجالهم وفيه بعد ظاهر لما أنهم ما كانوا يوعدون بفنائهم الطبيعى ولا كانوا يستعجلون به (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ) جملة مستأنفة مبينة لما أشير إليه فى الجملة السابقة من مجىء العذاب عند محل الأجل أى وبالله ليأتينهم العذاب* الذى عين لهم عند حلول الأجل (بَغْتَةً) أى فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أى بإتيانه ولعل المراد بإتيانه كذلك أنه لا يأتيهم بطريق التعجيل عند استعجالهم والإجابة إلى مسئولهم فإن ذلك إتيان برأيهم وشعورهم لا أنه يأتيهم وهم غارون آمنون لا يخطرونه بالبال كدأب بعض العقوبات النازلة على بعض الأمم بياتا وهم نائمون أو ضحى وهم يلعبون لما أن إتيان عذاب الآخرة وعذاب يوم بدر ليس من هذا القبيل (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) استئناف مسوق لغاية تجهيلهم وركاكة رأيهم وفيه دلالة على أن ما استعجلوه عذاب الآخرة أى يستعجلونك بالعذاب والحال أن محل العذاب الذى لا عذاب فوقه محيط بهم كأنه قيل يستعجلونك بالعذاب وإن العذاب لمحيط بهم أى سيحيط بهم وإنما

٤٤

(يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥) يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (٥٨)

____________________________________

جىء بالجملة الاسمية دلالة على تحقق الإحاطة واستمرارها أو تنزيلا لحال السبب منزلة حال المسبب فإن الكفر والمعاصى الموجبة لدخول جهنم محيطة بهم وقيل إن الكفر والمعاصى هى النار فى الحقيقة لكنها ظهرت فى هذه النشأة بهذه الصورة وقد مر تفصيله فى سورة الأعراف عند قوله تعالى (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) ولام الكافرين إما للعهد ووضع الظاهر موضع المضمر للإشعار بعلة الحكم أو للجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ) ظرف لمضمر قد طوى ذكره إيذانا بغاية كثرته وفظاعته كأنه قيل يوم يغشاهم العذاب الذى أشير إليه بإحاطة جهنم بهم يكون من الأحوال والأهوال مالا يفى به المقال وقيل ظرف للإحاطة (مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) أى من جميع جهاتهم (وَيَقُولُ) أى الله عزوجل ويعضده القراءة بنون العظمة أو بعض ملائكته بأمره (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أى جزاء ما كنتم تعملونه فى الدنيا على الاستمرار من السيئات التى من جملتها الاستعجال بالعذاب (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) خطاب تشريف لبعض المؤمنين الذين لا يتمكنون من إقامة أمور الدين كما ينبغى لممانعة من جهة الكفرة وإرشاد لهم إلى الطريق الأسلم (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) أى إذا لم يتسهل لكم* العبادة فى بلد ولم يتيسر لكم إظهار دينكم فهاجروا إلى حيث يتسنى لكم ذلك وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من فر بدينه من أرض إلى أرض ولو كان شبرا استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد عليهما‌السلام والفاء جواب شرط محذوف إذ المعنى إن أرضى واسعة إن لم تخلصوا العبادة لى فى أرض فأخلصوها فى غيرها ثم حذف الشرط وعوض عنه تقديم المفعول مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص والإخلاص (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) جملة مستأنفة جىء بها حثا على المسارعة فى الامتثال بالأمر أى كل نفس من النفوس واجدة مرارة الموت وكربه فراجعة إلى حكمنا وجزائنا بحسب أعمالها فمن كانت هذه عاقبته فليس له بد من التزود والاستعداد لها وقرىء يرجعون (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) لننزلنهم (مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) أى علالى وهو مفعول ثان للتبوئة وقرىء لنثوينهم من الثواء بمعنى الإقامة فانتصاب غرفا حينئذ إما بإجرائه مجرى لننزلنهم أو بنزع الخافض أو بتشبيه الظرف الموقت بالمبهم كما فى قوله تعالى (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) صفة لغرفا (خالِدِينَ فِيها) أى فى الغرف أو فى الجنة (نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) أى الأعمال الصالحة والمخصوص بالمدح محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه وقرىء فمنعم

٤٥

(الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٦٣)

____________________________________

(الَّذِينَ صَبَرُوا) إما صفة للعاملين أو نصب على المدح أى صبروا على أذية المشركين وشدائد المهاجرة وغير ذلك من المحن والمشاق (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) أى ولم يتوكلوا فيما يأتون ويذرون إلا على الله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) روى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أمر المؤمنين الذين كانوا بمكة بالمهاجرة إلى المدينة قالوا كيف نقدم بلدة ليس لنا فيها معيشة فنزلت أى وكم من دابة لا تطيق حمل رزقها لضعفها أولا تدخره وإنما تصبح ولا معيشة عندها (اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) ثم إنها مع ضعفها وتوكلها وإياكم مع قوتكم واجتهادكم سواء فى أنه لا يرزقها وإياكم إلا الله تعالى لأن رزق الكل بأسباب هو المسبب لها وحده فلا تخافوا الفقر بالمهاجرة (وَهُوَ السَّمِيعُ) المبالغ فى السمع فيسمع قولكم هذا (الْعَلِيمُ) المبالغ فى العلم فيعلم ضمائركم (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أى أهل مكة (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) إذ لا سبيل لهم إلى إنكاره ولا إلى التردد فيه (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) إنكار واستبعاد من جهته تعالى لتركهم العمل بموجبه أى فكيف يصرفون عن الإقرار بتفرده تعالى فى الإلهية مع إقرارهم بتفرده تعالى فيما ذكر من الخلق والتسخير (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) أن يبسطه له (مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) أى يقدر لمن يشاء أن يقدر له منهم كائنا من كان على أن الضمير مبهم حسب إبهام مرجعه أو يقدر لمن ببسطه له على التعاقب (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فيعلم من يليق ببسط الرزق فيبسطه له ومن يليق بقدره فيقدره له أو فيعلم أن كلا من البسط والقدر فى أى وقت يوافق الحكمة والمصلحة فيفعل كلا منهما فى وقته (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ) معترفين بأنه الموجد للمكنات بأسرها أصولها وفروعها ثم إنهم يشركون به بعض مخلوقاته الذى لا يكاد يتوهم منه القدرة على شىء ما أصلا (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على أن جعل الحق بحيث لا يجترىء المبطلون على جحوده وأنه أظهر حجتك عليهم وقيل على أن عصمك من أمثال هذه الضلالات ولا يخفى بعده (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) أى شيئا من الأشياء فلذلك لا يعلمون بمقتضى قولهم هذا فيشركون به سبحانه أخس مخلوقاته وقيل لا يعقلون ما تريد بتحميدك عند مقالهم ذلك.

٤٦

(وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤) فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) (٦٨)

____________________________________

(وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا) إشارة تحقير وازدراء للدنيا وكيف لا وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء (إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) أى إلا كما يلهى ويلعب به الصبيان يجتمعون عليه ويبتهجون به ساعة ثم يتفرقون عنه (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) أى لهى دار الحياة الحقيقية لامتناع طريان الموت والفناء عليها أو هى فى ذاتها حياة للمبالغة والحيوان مصدر حي سمى به ذو الحياة وأصله حييان فقلبت الياء الثانية واوا لما فى بناء فعلان من معنى الحركة والاضطراب اللازم للحيوان ولذلك اختير على الحياة فى هذا المقام المقتضى للمبالغة (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أى لما آثروا عليها الدنيا التى أصلها عدم الحياة ثم ما يحدث فيها من الحياة عارضة سريعة الزوال وشيكة الاضمحلال (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ) متصل بما دل عليه شرح حالهم والركوب هو الاستعلاء على الشىء المتحرك وهو متعد بنفسه كما فى قوله تعالى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها) واستعماله ههنا وفى أمثاله بكلمة فى للإيذان بأن المركوب فى نفسه من قبيل الأمكنة وحركته قسرية غير إرادية كما مر فى سورة هود والمعنى أنهم على ما وصفوا من الإشراك فإذا ركبوا فى البحر ولقوا شدة (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أى كائنين على صورة المخلصين لدينهم من المؤمنين حيث لا يدعون غير الله تعالى لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد عنهم إلا هو (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) أى فاجئوا المعاودة إلى الشرك (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا) أى يفاجئون الإشراك ليكونوا كافرين بما آتيناهم من نعمة الإنجاء التى حقها أن يشكروها (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) أى عاقبة ذلك وغائلته حين يرون العذاب (أَوَلَمْ يَرَوْا) أى ألم ينظروا ولم يشاهدوا (أَنَّا جَعَلْنا) أى بلدهم (حَرَماً آمِناً) مصونا من النهب والتعدى سالما أهله من كل سوء (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) أى والحال أنهم يختلسون من حولهم قتلا وسبيا إذ كانت العرب حوله فى تغاور وتناهب (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) أى أبعد ظهور الحق الذى لا ريب فيه بالباطل خاصة يؤمنون دون الحق (وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) وهى المستوجبة للشكر حيث يشركون به غيره وتقديم الصلة فى الموضعين لإظهار كمال شناعة ما فعلوا (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بأن

٤٧

(وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٦٩)

____________________________________

زعم أن له شريكا أى هو أظلم من كل ظالم وإن كان سبك النظم دالا على نفى الأظلم من غير تعرض* لنفى المساوى وقد مر مرارا (أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ) أى بالرسول أو بالقرآن وفى لما تسفيه لهم بأن لم يتوقفوا ولم يتأملوا حين جاءهم بل سارعوا إلى التكذيب آثر ذى أثير (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) تقرير لثوائهم فيها كقول من قال [ألستم خير من ركب المطايا] أى ألا يستوجبون الثواء فيها وقد فعلوا ما فعلوا من الافتراء على الله تعالى والتكذيب بالحق الصريح أو إنكار واستبعاد لاجترائهم على ما ذكر من الافتراء والتكذيب مع علمهم بحال الكفرة أى ألم يعلموا أن فى جهنم مثوى للكافرين حتى اجترءوا هذه الجراءة (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا) أى فى شأننا ولوجهنا خالصا أطلق المجاهدة ليعم جهاد الأعادى الظاهرة والباطنة (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) سبل السير إلينا والوصول إلى جنابنا أو لنزيدنهم هداية إلى سبل الخير وتوفيقها لسلوكها كقوله تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) وفى الحديث من عمل بما علم ورثه* الله علم ما لم يعلم (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) معية النصر والمعونة. عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قرأ سورة العنكبوت كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل المؤمنين والمنافقين.

٤٨

٣٠ ـ سورة الروم

(مكية وهى ستون آية)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) (٤)

____________________________________

(سورة الروم)

مكية إلا قوله (فَسُبْحانَ اللهِ) الآية. وهى ستون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (الم) الكلام فيه كالذى مر فى أمثاله من الفواتح الكريمة (غُلِبَتِ الرُّومُ) (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) أى أدنى أرض العرب منهم إذ هى الأرض المعهودة عندهم وهى أطراف الشام أو فى أدنى أرضهم من العرب على أن اللام عوض عن المضاف إليه قال مجاهد هى أرض الجزيرة وهى أدنى أرض الروم إلى فارس وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما الأردن وفلسطين وقرىء أدانى الأرض (وَهُمْ) أى الروم (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) أى من بعد مغلوبيتهم وقرىء بسكون اللام وهى لغة كالجلب والجلب (سَيَغْلِبُونَ) أى سيغلبون فارس (فِي بِضْعِ سِنِينَ) روى أن فارس غزوا الروم فوافوهم بأذرعات وبصرى وقيل بالجزيرة كما مر فغلبوا عليهم وبلغ الخبر مكة ففرح المشركون وشمتوا بالمسلمين وقالوا أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أميون وقد ظهر إخواننا على إخوانكم فلنظهرن عليكم فقال أبو بكر رضى الله عنه لا يقرر الله أعينكم فو الله ليظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين فقال له أبى بن خلف اللعين كذبت اجعل بيننا أجلا أناحبك عليه فناحبه على عشر قلائص من كل منهما وجعلا الأجل ثلاث سنين فأخبر به أبو بكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزيدوه فى الخطر وماده فى الأجل فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين ومات أبى من جرح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وظهرت الروم على فارس عند رأس سبع سنين وذلك يوم الحديبية وقيل كان النصر للفريقين يوم بدر فأخذ أبو بكر الخطر من ذرية أبى فجاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال تصدق به وكان ذلك قبل تحريم القمار وهذه الآيات من البينات الباهرة الشاهدة بصحة النبوة وكون القرآن من عند الله عزوجل حيث أخبرت عن الغيب الذى لا يعلمه إلا العليم الخبير وقرىء غلبت على البناء للفاعل وسيغلبون على البناء للمفعول والمعنى أن الروم

٤٩

(بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٧)

____________________________________

غلبت على ريف الشام وسيغلبهم المسلمون وقد غزاهم المسلمون فى السنة التاسعة من نزولها ففتحوا بعض بلادهم فإضافة الغلب حينئذ إلى الفاعل (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) أى فى أول الوقتين وفى آخرهما حين غلبوا وحين يغلبون كأنه قيل من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كونهم غالبين والمعنى أن كلا من كونهم مغلوبين أولا وغالبين آخرا ليس إلا بأمر الله تعالى وقضائه وتلك الأيام نداولها بين الناس وقرىء من قبل ومن بعد بالجر من غير تقدير مضاف إليه واقتطاعه كأنه قيل قبلا وبعدا بمعنى أولا وآخرا (وَيَوْمَئِذٍ) أى يوم إذ يغلب الروم على فارس ويحل ما وعده الله تعالى من غلبتهم (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) (بِنَصْرِ اللهِ) وتغليبه من له كتاب على من لا كتاب له وغيظ من شمت بهم من كفار مكة وكون ذلك من دلائل غلبة المؤمنين على الكفار وقيل نصر الله إظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم على فارس وقيل نصره تعالى أنه ولى بعض الظالمين بعضا وفرق بين كلمتهم حتى تناقصوا وتفانوا وقل كل منهم شوكة الآخر وفى ذلك قوة وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أنه وافق ذلك يوم بدر وفيه من نصر الله العزيز للمؤمنين وفرحهم بذلك ما لا يخفى* والأول هو الأنسب لقوله تعالى (يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ) أى من يشاء أن ينصره من عباده على عدوه ويغلبه عليه فإنه استئناف مقرر لمضمون قوله تعالى (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ (وَهُوَ الْعَزِيزُ) المبالغ فى العزة* والغلبة فلا يعجزه من يشاء أن ينصر عليه كائنا من كان (الرَّحِيمُ) المبالغ فى الرحمة فينصر من يشاء أن ينصره أى فريق كان والمراد بالرحمة هى الدنيوية أما على القراءة المشهورة فظاهر لما أن كلا الفريقين لا يستحق الرحمة الأخروية وأما على القراءة الأخيرة فلأن المسلمين وإن كانوا مستحقين لها لكن المراد ههنا نصرهم الذى هو من آثار الرحمة الدنيوية وتقديم وصف العزة لتقدمه فى الاعتبار (وَعْدَ اللهِ) مصدر مؤكد لنفسه لأن ما قبله فى معنى الوعد كأنه قيل وعد الله وعدا (لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) أى وعد كان مما يتعلق بالدنيا والآخرة لاستحالة الكذب عليه سبحانه وإظهار الاسم الجليل فى موقع الإضمار لتعليل الحكم وتفخيمه والجملة استئناف مقرر لمعنى المصدر وقد جوز أن تكون حالا منه فيكون كالمصدر الموصوف كأنه قيل وعد الله وعدا غير مخلف (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أى ما سبق من شئونه تعالى (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) وهو ما يشاهدونه من زخارفها وملاذها وسائر أحوالها الموافقة لشهواتهم الملائمة لأهوائهم المستدعية لانهماكهم فيها وعكوفهم عليها لا تمتعهم بزخارفها وتنعمهم بملاذها كما قيل فإنهما ليسا مما علموه منها بل من أفعالهم المترتبة على علومهم وتنكير ظاهرا للتحقير والتخسيس

٥٠

(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) (٨)

____________________________________

دون الواحدة كما توهم أى يعلمون ظاهرا حقيرا خسيسا من الدنيا (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ) التى هى الغاية القصوى والمطلب الأسنى (هُمْ غافِلُونَ) لا يخطرونها بالبال ولا يدركون من الدنيا ما يؤدى إلى معرفتها* من أحوالها ولا يتفكرون فيها كما سيأتى والجملة معطوفة على يعلمون وإيرادها اسمية للدلالة على استمرار غفلتهم ودوامها وهم الثانية تكرير للأولى أو مبتدأ وغافلون خبره والجملة خبر للأولى وهو على الوجهين مناد على تمكن غفلتهم عن الآخرة المحققة لمقتضى الجملة المتقدمة تقريرا لجهالتهم وتشبيها لهم بالبهائم المقصور إدراكاتها من الدنيا على ظواهرها الخسيسة دون أحوالها التى هى مبادى العلم بأمور الآخرة وإشعارا بأن العلم المذكور وعدم العلم رأسا سيان (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) إنكار واستقباح لقصر نظرهم على ما ذكر من ظاهر الحياة الدنيا مع الغفلة عن الآخرة والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام وقوله تعالى (فِي أَنْفُسِهِمْ) ظرف للتفكر وذكره مع ظهور استحالة كونه فى غيرها لتحقيق أمره وتصوير حال المتفكرين وقوله تعالى (ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) الخ متعلق إما* بالعلم الذى يؤدى إليه التفكر ويدل عليه أو بالقول الذى يترتب عليه كما فى قوله تعالى (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) أى أعلموا ظاهر الحياة الدنيا فقط أو أقصروا النظر عليه ولم يحدثوا التفكر فى قلوبهم فيعلموا أنه تعالى ما خلقهما وما بينهما من المخلوقات التى هم من جملتها ملتبسة بشىء من الأشياء (إِلَّا) ملتبسة (بِالْحَقِّ) أو يقولوا هذا القول معترفين بمضمونه إثر ما علموه* والمراد بالحق هو الثابت الذى يحق أن يثبت لا محالة لابتنائه على الحكمة البالغة والغرض الصحيح الذى هو استشهاد المكلفين بذواتها وصفاتها وأحوالها المتغيرة على وجود صانعها عزوجل ووحدته وعلمه وقدرته وحكمته واختصاصه بالمعبودية وصحة أخباره التى من جملتها إحياؤهم بعد الفناء بالحياة الأبدية ومجازاتهم بحسب أعمالهم غب ما تبين المحسن من المسىء وامتازت درجات أفراد كل من الفريقين حسب امتياز طبقات علومهم واعتقاداتهم المترتبة على أنظارهم فيما نصب فى المصنوعات من الآيات والدلائل والأمارات والمخايل كما نطق به قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) فإن العمل غير مختص بعمل الجوارح ولذلك فسره صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع فى طاعة الله وقد مر تحقيقه فى أوائل سورة هود عليه‌السلام وقوله تعالى (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) عطف على الحق أى وبأجل معين قدره الله تعالى لبقائها لا بد لها من أن تنتهى* إليه لا محالة وهو وقت قيام الساعة هذا وقد جوز أن يكون قوله تعالى (فِي أَنْفُسِهِمْ) صلة للتفكر على معنى (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) التى هى أقرب المخلوقات إليهم وهم أعلم بشئونها وأخبر بأحوالها منهم بأحوال ما عداها فيتدبروا ما أودعها الله تعالى ظاهرا وباطنا من غرائب الحكم الدالة على التدبير دون الإهمال

٥١

(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) (١٠)

____________________________________

وأنه لا بد لها من انتهاء إلى وقت يجازيها فيه الحكيم الذى دبر أمرها على الإحسان إحسانا وعلى الإساءة مثلها حتى يعلموا عند ذلك أن سائر الخلائق كذلك أمرها جار على الحكمة والتدبير وأنه لا بد لها من الانتهاء إلى ذلك الوقت وأنت خبير بأن أمر معاد الإنسان ومجازاته بما عمل من الإساءة والإحسان هو المقصود بالذات والمحتاج إلى الإثبات فجعله ذريعة إلى إثبات معاد ما عداه مع كونه* بمعزل من الجزاء تعكيس للأمر فتدبر وقوله تعالى (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) تذييل مقرر لما قبله ببيان أن أكثرهم غير مقتصرين على ما ذكر من الغفلة عن أحوال الآخرة والإعراض عن التفكر فيما يرشدهم إلى معرفتها من خلق السموات والأرض وما بينهما من المصنوعات بل هم منكرون جاحدون بلقاء حسابه تعالى وجزائه بالبعث (أَوَلَمْ يَسِيرُوا) توبيخ لهم بعدم اتعاظهم بمشاهدة أحوال أمثالهم الدالة على عاقبتهم ومآلهم والهمزة لتقرير المنفى والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام* أى أقعدوا فى أماكنهم ولم يسيروا (فِي الْأَرْضِ) وقوله تعالى (فَيَنْظُرُوا) عطف على (يَسِيرُوا) داخل فى حكم التقرير والتوبيخ والمعنى أنهم قد ساروا فى أقطار الأرض وشاهدوا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم المهلكة كعاد وثمود وقوله تعالى (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) الخ بيان لمبدأ أحوالهم ومآلها يعنى أنهم كانوا أقدر منهم على التمتع بالحياة الدنيا حيث كانوا أشد منهم قوة (وَأَثارُوا الْأَرْضَ) أى قلبوها للزراعة والحرث وقيل لاستنباط المياه واستخراج المعادن وغير ذلك (وَعَمَرُوها) أى عمرها* أولئك بفنون العمارات من الزراعة والغرس والبناء وغيرها مما يعد عمارة لها (أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) أى عمارة أكثر كما وكيفا وزمانا من عمارة هؤلاء إياها كيف لا وهم أهل واد غير ذى زرع لا تبسط لهم فى غيره وفيه تهكم بهم حيث كانوا مغترين بالدنيا مفتخرين بمتاعها مع ضعف حالهم وضيق عطنهم إذ مدار أمرها على التبسط فى البلاد والتسلط على العباد والتقلب فى أكناف الأرض بأصناف التصرفات* وهم ضعفة ملجئون إلى واد لا نفع فيه يخافون أن يتخطفهم الناس (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات أو الآيات الواضحات (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) أى فكذبوهم فأهلكهم فما كان الله ليهلكهم من غير جرم يستدعيه من قبلهم والتعبير عن ذلك بالظلم مع أن إهلاكه تعالى إياهم بلا جرم ليس من الظلم فى شىء على ما تقرر من قاعدة أهل السنة لإظهار كمال نزاهته تعالى عن ذلك بإبرازه فى معرض ما يستحيل صدوره عنه تعالى وقد مر فى سورة الأنفال وسورة آل عمران (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بأن اجترءوا على اقتراف ما يوجبه من المعاصى العظيمة (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا) أى عملوا السيئات

٥٢

(اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) (١٥)

____________________________________

وضع الموصول موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بالإساءة والإشعار بعلة الحكم (السُّواى) أى العقوبة التى هى أسوأ العقوبات وأفظعها التى هى العقوبة بالنار فإنها تأنيث الأسوأ كالحسنى تأنيث الأحسن أو مصدر كالبشرى وصف به العقوبة مبالغة كأنها نفس السوأى وهى مرفوعة على أنها اسم كان وخبرها عاقبة وقرىء على العكس وهو أدخل فى الجزالة وقوله تعالى (أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) علة لما أشير إليه من تعذيبهم الدنيوى والأخروى أى لأن كذبوا أو بأن كذبوا بآيات الله المنزلة على رسله عليهم الصلاة والسلام ومعجزاته الظاهرة على أيديهم وقوله تعالى (وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) عطف على كذبوا داخل معه فى حكم العلية وإيراد* الاستهزاء بصيغة المضارع للدلالة على استمراره وتجدده هذا هو اللائق بجزالة النظم الجليل وقد قيل وقيل (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) أى ينشئهم (ثُمَّ يُعِيدُهُ) بعد الموت بالبعث (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) إلى موقف الحساب والجزاء والالتفات للمبالغة فى الترهيب وقرىء بالياء (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) التى هى وقت إعادة الخلق ورجعهم إليه (يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) أى يسكتون متحيرين لا ينبسون يقال ناظرته فأبلس إذا سكت وأيس من أن يحتج وقرىء بفتخ اللام من أبلسه إذا أفحمه وأسكته (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ) يجيرونهم من عذاب الله تعالى كما كانوا يزعمونه وصيغة الجمع لوقوعها فى مقابلة الجمع أى لم يكن لواحد منهم شفيع أصلا (وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ) أى بإلهيتهم وشركتهم لله سبحانه حيث وقفوا على كنه أمرهم وصيغة الماضى الدلالة على تحققه وقيل كانوا فى الدنيا كافرين بسببهم وليس بذاك إذ ليس فى الإخبار به فائدة يعتد بها (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) أعيد لتهويله وتفظيع ما يقع فيه وقوله تعالى (يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) تهويل له إثر تهويل وفيه رمز إلى أن التفرق يقع فى بعض منه وضمير يتفرقون لجميع الخلق المدلول عليهم بما تقدم من بدئهم وإعادتهم ورجعهم لا المجرمون خاصة وليس المراد بتفرقهم افتراق كل فرد منهم عن الآخر بل تفرقهم إلى فريقى المؤمنين والكافرين كما فى قوله تعالى (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) وذلك بعد تمام الحساب وقوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) تفصيل وبيان لأحوال ذينك الفريقين والروضة كل أرض ذات نبات وماء ورونق ونضارة وتنكيرها للتفخيم والمراد بها الجنة والحبور السرور يقال حبره إذا سره سرورا تهلل له وجهه وقيل الحبرة كل نعمة حسنة والتحبير التحسين واختلفت فيه الأقاويل لاحتماله وجوه جميع المسارفعن ابن عباس ومجاهد يكرمون وعن قتادة

٥٣

(وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١٦) فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) (١٨)

____________________________________

ينعمون وعن ابن كيسان يحلون وعن بكر بن عياش التيجان على رءوسهم وعن وكيع السماع فى الجنة وعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ذكر الجنة وما فيها من النعيم وفى آخر القوم أعرابى فقال يا رسول الله هل فى الجنة من سماع قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا أعرابى إن فى الجنة لنهرا حافتاه الأبكار من كل بيضاء خوصانية يتغنين بأصوات لم يسمع الخلائق بمثلها قط فذلك أفضل نعيم الجنة قال الراوى فسألت أبا الدرداء رضى الله عنه بم يتغنين قال بالتسبيح وروى إن فى الجنة لأشجارا عليها أجراس من فضة فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث الله تعالى ريحا من تحت العرش فتقع فى تلك الأشجار فتحرك تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طربا (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) التى من جملتها هذه الآيات الناطقة بما فصل (وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) صرح بذلك مع اندارجه فى تكذيب الآيات للاعتناء بأمره وقوله تعالى (فَأُولئِكَ) إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما فى حيز الصلة من الكفر والتكذيب بآياته تعالى وبلقاء الآخرة للإيذان بكمال تميزهم بذلك عن غيرهم وانتظامهم فى سلك المشاهدات وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإشعار ببعد منزلتهم فى الشر أى أولئك الموصوفون بما فصل من القبائح (فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) على الدوام لا يغيبون عنه أبدا (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) إثر ما بين حال فربقى المؤمنين العاملين للصالحات والكافرين المكذبين بالآيات وما لهما من الثواب والعذاب أمروا بما ينجى من الثانى ويفضى إلى الأول من تنزيه الله عزوجل عن كل ما لا يليق بشأنه سبحانه ومن حمده تعالى على نعمه العظام وتقديم الأول على الثانى لما أن التخلية متقدمة على التحلية والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها أى إذا علمتم ذلك فسبحوا الله تعالى أى نزهوه عما ذكر سبحانه أى تسبيحه اللائق به فى هذه الأوقات واحمدوه فإن الإخبار بثبوت الحمد له تعالى ووجوبه على المميزين من أهل السموات والأرض فى معنى الأمر به على أبلغ وجه وآكده وتوسيطه بين أوقات التسبيح للاعتناء بشأنه والإشعار بأن حقهما أن يجمع بينهما كما ينبىء عنه قوله تعالى (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) وقوله تعالى (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قال حين يصبح وحين يمسى سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قال حين يصبح وحين يمسى سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أوزاد عليه وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وغير ذلك مما لا يحصى من الآيات والأحاديث وتخصيصهما بتلك الأوقات للدلالة على أن ما يحدث فيها من آيات قدرته وأحكام

٥٤

(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢١)

____________________________________

رحمته ونعمته شواهد ناطقة بتنزهه تعالى واستحقاقه الحمد وموجبة لتسبيحه وتحميده حتما وقوله تعالى (وَعَشِيًّا) عطف على (حِينَ تُمْسُونَ) وتقديمه على (حِينَ تُظْهِرُونَ) لمراعاة الفواصل وتغيير الأسلوب لما أنه لا يجىء منه الفعل بمعنى الدخول فى العشى كالمساء والصباح والظهيرة ولعل السر فى ذلك أنه ليس من الأوقات التى تختلف فيها أحوال الناس وتتغير تغيرا ظاهرا مصححا لوصفهم بالخروج عما قبلها والدخول فيها كالأوقات المذكورة فإن كلا منها وقت تتغير فيه الأحوال تغيرا ظاهرا أما فى المساء والصباح فظاهر وأما فى الظهيرة فلأنها وقت يعتاد فيه التجرد عن الثياب للقيلولة كما مر فى سورة النور وقيل المراد بالتسبيح والحمد الصلاة لاشتمالها عليهما وقد روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن الآية جامعة للصلوات الخمس تمسون صلاتا المغرب والعشاء وتصبحون صلاة الفجر وعشيا صلاة العصر وتظهرون صلاة الظهر ولذلك ذهب الحسن إلى أنها مدنية إذ كان يقول إن الواجب بمكة ركعتان فى أى وقت اتفقتا وإنما فرضت الخمس بالمدينة والجمهور على أنها فرضت بمكة وهو الحق لحديث المعراج وفى آخره هن خمس صلوات كل يوم وليلة. عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سره أن يكال له بالقفيز الأوفى فليقل (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) الآية وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قال حين يصبح (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) إلى قوله تعالى (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) أدرك مافاته فى يومه ومن قالها حين يمسى أدرك مافاته فى ليلته وقرىء حينا تمسون وحينا تصبحون أى تمسون فيه وتصبحون فيه (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) كالإنسان من النطفة والطير من البيضة (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) النطفة والبيضة من الحيوان (وَيُحْيِ الْأَرْضَ) بالنبات (بَعْدَ مَوْتِها) يبسها (وَكَذلِكَ) ومثل ذلك الإخراج (تُخْرَجُونَ) من قبوركم وقرىء تخرجون بفتح التاء وضم الراء وهذا نوع تفصيل لقوله تعالى (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (وَمِنْ آياتِهِ) الباهرة الدالة على أنكم تبعثون دلالة أوضح مما سبق فإن دلالة بدء خلقهم على إعادتهم أظهر من دلالة إخراج الحى من الميت وإخراج الميت من الحى ومن دلالة إحياء الأرض بعد موتها عليها (أَنْ خَلَقَكُمْ) أى فى ضمن خلق آدم عليه‌السلام لما مر مرارا من أن خلقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم منطو على خلق ذرياته انطواء إجماليا (مِنْ تُرابٍ) لم يشم رائحة الحياة قط ولا مناسبة بينه وبين ما أنتم عليه فى ذاتكم وصفاتكم (ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) أى فاجأتم بعد ذلك وقت كونكم بشرا تنتشرون فى الأرض وهذا مجمل ما فصل فى قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) الآية (وَمِنْ آياتِهِ) الدالة على ما ذكر من البعث وما بعده من الجزاء (أَنْ خَلَقَ لَكُمْ) أى

٥٥

(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) (٢٢)

____________________________________

لأجلكم (مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) فإن خلق أصل أزواجكم حواء من ضلع آدم عليه‌السلام متضمن لخلقهن* من أنفسكم على ما عرفته من التحقيق أو من جنسكم لا من جنس آخر وهو الأوفق لقوله تعالى (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) أى لتألفوها وتميلوا إليها وتطمئنوا بها فإن المجانسة من دواعى التضام والتعارف كما أن المخالفة من* أسباب التفرق والتنافر (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ) أى بين الأزواج إما على تغليب الرجال على النساء فى الخطاب أو على حذف ظرف معطوف على الظرف المذكور أى جعل بينكم وبينهن كما مر فى قوله تعالى (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) وقيل أو بين أفراد الجنس أى بين الرجال والنساء ويأباه قوله تعالى (مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) فإن المراد بهما ما كان منهما بعصمة الزواج قطعا أى جعل بينكم بالزواج الذى شرعه لكم توادا وتراحما من غير أن يكون بينكم سابقة معرفة ولا رابطة مصححة للتعاطف من قرابة أو رحم قيل المودة والرحمة من قبل الله تعالى والفرك من الشيطان وعن الحسن رحمه‌الله المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد كما قال* تعالى ورحمة منا (إِنَّ فِي ذلِكَ) أى فيما ذكر من خلقهم من تراب وخلق أزواجهم من أنفسهم وإلقاء المودة والرحمة بينهم وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإشعار ببعد منزلته (لَآياتٍ) عظيمة* لا يكتنه كنهها كثيرة لا يقادر قدرها (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فى تضاعيف تلك الأفاعيل المتينة المبنية على الحكم البالغة والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبله مع التنبيه على أن ما ذكر ليس بآية فذة كما ينبىء عنه قوله تعالى (وَمِنْ آياتِهِ) بل هى مشتملة على آيات شتى (وَمِنْ آياتِهِ) الدالة على ما ذكر من أمر البعث وما يتلوه من الجزاء (خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إما من حيث إن القادر على خلقهما بما فيهما من المخلوقات بلا مادة مستعدة لها أظهر قدرة على إعادة ما كان حيا قبل ذلك وإما من حيث إن خلقهما وما فيهما ليس إلا لمعاش البشر ومعاده كما يفصح عنه قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) وقوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ) أى لغاتكم بأن علم كل صنف لغته وألهمه وضعها وأقدره عليها أو أجناس نطقكم وأشكاله فإنك لا تكاد تسمع منطقين متساويين فى* الكيفية من كل وجه (وَأَلْوانِكُمْ) ببياض الجلد وسواده وتوسطه فيما بينهما أو تخطيطات الأعضاء وهيآتها وألوانها وحلاها بحيث وقع بها التمايز بين الأشخاص حتى أن التوأمين مع توافق موادهما وأسبابهما والأمور المتلاقية لهما فى التخليق يختلفان فى شىء من ذلك لا محالة وإن كانا فى غاية التشابه وإنما نظم هذا فى سلك الآيات الآفافية من خلق السموات والأرض مع كونه من الآيات الأنفسية الحقيقة بالانتظام فى سلك ما سبق من خلق أنفسهم وأزواجهم للإيذان باستقلاله والاحتراز عن توهم كونه من* تتمات خلقهم (إِنَّ فِي ذلِكَ) أى فيما ذكر من خلق السموات والأرض واختلاف الألسنة والألوان (لَآياتٍ) عظيمة فى أنفسها كثيرة فى عددها (لِلْعالِمِينَ) أى المتصفين بالعلم كما فى قوله تعالى (وَما يَعْقِلُها

٥٦

(وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) (٢٥)

____________________________________

(إِلَّا الْعالِمُونَ) وقرىء بفتح اللام وفيه دلالة على كمال وضوح الآيات وعدم خفائها على أحد من الخلق كافة (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) لاستراحة القوى النفسانية وتقوى القوى الطبيعية (وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) فيهما فإن كلا من المنام وابتغاء الفضل يقع فى الملوين وإن كان الأغلب وقوع الأول فى الأول والثانى فى الثانى أو منامكم بالليل وابتغاؤكم بالنهار كما هو المعتاد والموافق لسائر الآيات الواردة فى ذلك خلا أنه فصل بين القرينين الأولين بالقرينين الأخيرين لأنهما زمان والزمان مع ما وقع فيه كشىء واحد مع إعانة اللف على الاتحاد (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) أى شأنهم أن يسمعوا الكلام سماع تفهم واستبصار حيث يتأملون فى تضاعيف هذا البيان ويستدلون بذلك على شئونه تعالى (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) الفعل إما مقدر بأن كما فى قول من قال [ألا أيهذا الزاجرى أحضر الوغى] أى أن أحضر أو منزل منزلة المصدر وبه فسر المثل المشهور تسمع بالمعيدى خير من أن تراه أو هو على حاله صفة لمحذوف أى آية يريكم بها البرق كقول من قال[وما الدهر إلا نارتان فمنهما * أموت وأخرى أبتغى العيش أكدح] أى فمنهما تارة أموت فيها وأخرى أبتغى فيها أو ومن آياته شىء أو سحاب يريكم البرق (خَوْفاً) * من الصاعقة أو للمسافر (وَطَمَعاً) فى الغيث أو للمقيم ونصبهما على العلة لفعل يستلزمه المذكور فإن إراءتهم البرق مستلزمة لرؤيتهم إياه أو للمذكور نفسه على تقدير مضاف نحو إراءة خوف وطمع أو على تأويل الخوف والطمع بالإخافة والإطماع كقولك فعلته رغما للشيطان أو على الحال نحو كلمته شفاها (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً) وقرىء بالتخفيف (فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ) بالنبات (بَعْدَ مَوْتِها) يبسها (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) فإنها من الظهور بحيث يكفى فى إدراكها مجرد العقل عند استعماله فى استنباط أسبابها وكيفية تكونها (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) أى بإرادته تعالى لقيامهما والتعبير عنها بالأمر للدلالة على كمال القدرة والغنى عن المبادى والأسباب وليس المراد بإقامتهما إنشاءهما لأنه قد بين حاله بقوله تعالى (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ولا إقامتهما بغير مقيم محسوس كما قيل فإن ذلك من تتمات إنشائهما وإن لم يصرح به تعويلا على ما ذكر فى غير موضع من قوله تعالى (خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) الآية

٥٧

(وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢٧)

____________________________________

بل قيامها واستمرارهما على ما هما عليه إلى أجلهما الذى نطق به قوله تعالى فيما قبل (ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) وحيث كانت هذه الآية متأخرة عن سائر الآيات* المعدودة متصلة بالبعث فى الوجود أخرت عنهن وجعلت متصلة به فى الذكر أيضا فقيل (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) فإنه كلام مسوق للإخبار بوقوع البعث ووجوده بعد انقضاء أجل قيامهما مترتب على تعداد آياته الدالة عليه غير منتظم فى سلكها كما قيل كأنه قيل ومن آياته قيام السموات والأرض على هيآتهما بأمره تعالى إلى أجل مسمى قدره الله تعالى لقيامهما ثم إذا دعاكم أى بعد انقضاء الأجل من الأرض وأنتم فى قبوركم دعوة واحدة بأن قال أيها الموتى اخرجوا فاجأتم الخروج منها وذلك قوله تعالى (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ) ومن الأرض متعلق بدعاكم إذ يكفى فى ذلك كون المدعو فيها يقال دعوته من أسفل الوادى فطلع إلى لا يتخرجون لأن ما بعد إذا لا يعمل فيما قبلها (وَلَهُ) خاصة (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الملائكة والثقلين خلقا وملكا وتصرفا ليس لغيره شركة فى ذلك بوجه من الوجوه (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) أى منقادون لفعله لا يمتنعون عليه فى شأن من شئونه تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) بعد موتهم وتكريره لزيادة التقرير والتمهيد لما بعده من قوله تعالى (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) أى بإضافة إلى قدركم والقياس على أصولكم وإلا فهما عليه سواء وقيل أهون بمعنى هين وتذكير الضمير مع رجوعه إلى الإعادة لما أنها مؤولة بأن يعيد وقيل هو راجع إلى الخلق وليس بذاك وأما ما قيل من أن الإنشاء بطريق التفضل الذى يتخير فيه الفاعل بين الفعل والترك والإعادة من قبيل الواجب الذى لا بد من فعله حتما فكان أقرب إلى الحصول من الإنشاء المتردد بين الحصول وعدمه فبمعزل من التحصيل إذ ليس المراد بأهونية الفعل أقربيته إلى الوجود باعتبار كثرة الأمور الداعية للفاعل إلى إيجاده وقوة اقتضائها لتعلق قدرته به بل أسهلية تأتيه وصدوره عنه بعد تعلق قدرته بوجوده وكونه واجبا بالغير ولا تفاوت فى ذلك بين أن يكون ذلك التعليق بطريق الإيجاب أو بطريق الاختيار (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أى الوصف الأعلى العجيب الشأن من القدرة العامة والحكمة التامة وسائر صفات الكمال التى ليس لغيره ما يدانيها فضلا عما يساويها ومن فسره بقول لا إله إلا الله أراد به* الوصف بالوحدانية (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) متعلق بمضمون الجملة المتقدمة على معنى أنه تعالى قد وصف به وعرف فيهما على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل وقيل متعلق بالأعلى وقيل بمحذوف هو حال منه أو من المثل أو من ضميره فى الأعلى (وَهُوَ الْعَزِيزُ) القادر الذى لا يعجز عن بدء ممكن وإعادته

٥٨

(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٢٩)

____________________________________

(الْحَكِيمُ) الذى يجرى الأفعال على سنن الحكمة والمصلحة (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً) يتبين به بطلان الشرك (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أى منتزعا من أحوالها التى هى أقرب الأمور إليكم وأعرفها عندكم وأظهرها دلالة على ما ذكر من بطلان الشرك لكونها بطريق الأولوية وقوله تعالى (هَلْ لَكُمْ) الخ تصوير للمثل أى هل لكم (مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من العبيد والإماء (مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) من الأموال وما يجرى مجراها مما* تتصرفون فيها فمن الأولى ابتدائية والثانية تبعيضية والثالثة مزيدة لتأكيد النفى المستفاد من الاستفهام فقوله تعالى (فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) تحقيق لمعنى الشركة وبيان لكونهم وشركائهم متساوين فى التصرف فيما* ذكر من غير مزية لهم عليها على أن هناك محذوفا معطوفا على أنتم لا أنه عام للفريقين بطريق التغليب أى هل ترضون لأنفسكم والحال أن عبيدكم أمثالكم فى البشرية وأحكامها أن يشاركوكم فيما رزقناكم وهو معار لكم فأنتم وهم فيه سواء يتصرفون فيه كتصرفكم من غير فرق بينكم وبينهم (تَخافُونَهُمْ) خبر آخر لأنتم أو حال من ضمير الفاعل فى سواء أى تهابون أن تستبدوا بالتصرف فيه بدون رأيهم (كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أى خيفة كائنة مثل خيفتكم من الأحرار المساهمين لكم فيما ذكر والمعنى نفى مضمون ما فصل من الجملة الاستفهامية أى لا ترضون بأن يشارككم فيما هو معار لكم مماليككم وهم أمثالكم فى البشرية غير مخلوقين لكم بل لله تعالى فكيف تشركون به سبحانه فى المعبودية التى هى من خصائصه الذاتية مخلوقة بل مصنوع مخلوقه حيث تصنعونه بأيديكم ثم تعبدونه (كَذلِكَ) أى مثل ذلك التفصيل الواضح* (نُفَصِّلُ الْآياتِ) أى نبينها ونوضحها لا تفصيلا أدنى منه فإن التمثيل تصوير للمعانى المعقولة بصورة المحسوس وإبراز لأوابد المدركات على هيئة المأنوس فيكون فى غاية الإيضاح والبيان (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أى* يستعملون عقولهم فى تدبر الأمور وتخصيصهم بالذكر مع عموم تفصيل الآيات للكل لأنهم المنتفعون بها (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) إعراض عن مخاطبتهم ومحاولة إرشادهم إلى الحق بضرب المثل وتفصيل الآيات واستعمال المقدمات الحقة المعقولة وبيان لاستحالة تبعيتهم للحق كأنه قيل لم يعقلوا شيئا من الآيات المفصلة بل اتبعوا (أَهْواءَهُمْ) الزائغة ووضع الموصول موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بأنهم فى ذلك الاتباع* ظالمون واضعون للشىء فى غير موضعه أو ظالمون لأنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أى جاهلين ببطلان ما أتوا مكبين عليه لا يلويهم عنه صارف حسبما يصرف العالم إذا اتبع الباطل علمه ببطلانه (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) أى خلق فيه الضلال بصرف اختياره إلى كسبه أى لا يقدر على هدايته أحد (وَما لَهُمْ) أى لمن أضله الله تعالى والجمع باعتبار المعنى (مِنْ ناصِرِينَ) يخلصونهم من الضلال ويحفظونهم من تبعانه وآفاته على معنى ليس لواحد منهم ناصر واحد على ما هو قاعدة مقابلة الجمع بالجمع.

٥٩

(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (٣٢)

____________________________________

(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) تمثيل لإقباله على الدين واستقامته وثباته عليه واهتمامه بترتيب أسبابه فإن من اهتم بشىء محسوس بالبصر عقد عليه طرفه وسدد إليه نظره وقوم له وجهه مقبلا به عليه أى فقوم وجهك له وعدله* غير ملتفت يمينا وشمالا وقوله تعالى (حَنِيفاً) حال من المأمور أو من الدين (فِطْرَتَ اللهِ) الفطرة الخلقة وانتصابها على الإغراء أى الزموا أو عليكم فطرة الله فإن الخطاب للكل كما يفصح عنه قوله تعالى (مُنِيبِينَ) والأفراد فى أقم لما أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إمام الأمة فأمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم مستتبع لأمرهم والمراد بلزومها الجريان على موجبها وعدم الإخلال به باتباع الهوى وتسويل الشياطين وقيل على المصدر أى فطر الله فطرة وقوله* تعالى (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) صفة لفطرة الله مؤكدة لوجوب الامتثال بالأمر فإن خلق الله الناس على فطرته التى هى عبارة عن قبولهم للحق وتمكنهم من إدراكه أو عن ملة الإسلام من موجبات لزومها والتمسك بها قطعا فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه أدى بهم إليها وما اختاروا عليها دينا آخر ومن غوى منهم فبإغواء شياطين الإنس والجن ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حكاية عن رب العزة كل عبادى خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بى غيرى وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كل مولود يولد على الفطرة حتى* يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه وقوله تعالى (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) تعليل للأمر بلزوم فطرته تعالى أو لوجوب الامتثال به أى لا صحة ولا استقامة لتبديله بالإخلال بموجبه وعدم ترتيب مقتضاه عليه باتباع الهوى وقبول وسوسة الشيطان وقيل لا يقدر أحد على أن يغيره فلا بد حينئذ من حمل التبديل على تبديل نفس الفطرة بإزالتها رأسا ووضع فطرة أخرى مكانها غير مصححة لقبول الحق والتمكن من إدراكه ضرورة أن التبديل بالمعنى الأول مقدور بل واقع قطعا فالتعليل حينئذ من جهة أن سلامة الفطرة متحققة فى كل أحد فلا بد من لزومها بترتيب مقتضاها عليها وعدم الإخلال به بما ذكر من اتباع* الهوى وخطوات الشيطان (ذلِكَ) إشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه له أو إلى لزوم فطرة الله المستفاد من الإغراء أو إلى الفطرة إن فسرت بالملة والتذكير بتأويل المذكور أو باعتبار الخبر (الدِّينُ الْقَيِّمُ) المستوى الذى لا عوج فيه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك فيصدون عنه صدودا (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) حال من الضمير فى الناصب المقدر لفطرة الله أو فى أقم لعمومه للأمة حسبما أشير إليه وما بينهما اعتراض* أى راجعين إليه من أناب إذا رجع مرة بعد أخرى وقوله تعالى (وَاتَّقُوهُ) أى من مخالفة أمره عطف على المقدر المذكور وكذا قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) المبدلين لفطرة الله تعالى تبديلا (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) بدل من المشركين بإعادة الجار وتفريقهم لدينهم اختلافهم فيما يعبدونه على

٦٠