تفسير أبي السّعود - ج ٧

أبي السعود محمّد بن محمّد العمادي

تفسير أبي السّعود - ج ٧

المؤلف:

أبي السعود محمّد بن محمّد العمادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٨٨

٣٥ ـ سورة فاطر

(مكية وهى خمس وأربعون آية)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١)

____________________________________

(سورة فاطر مكية وهى خمس وأربعون آية)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مبدعهما من غير مثال يحتذيه ولا قانون ينتحيه من الفطر وهو الشق وقيل الشق طولا كأنه شق العدم بإخراجهما منه وإضافته محضة لأنه بمعنى الماضى فهو نعت للاسم الجليل ومن جعلها غير محضة جعله بدلا منه وهو قليل فى المشتق (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ) الكلام فى إضافته وكونه نعتا أو بدلا كما قبله وقوله تعالى (رُسُلاً) منصوب به على الوجه الثانى* من الإضافة بالاتفاق وأما على الوجه الأول فكذلك عند الكسائى وأما عند البصريين فبمضمر يدل هو عليه لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضى لا يعمل عندهم إلا معرفا باللام وقال أبو سعيد السيرافى اسم الفاعل المتعدى إلى اثنين يعمل فى الثانى لأن باضافته إلى الأول تعذرت إضافته إلى الثانى فتعين نصبه له وعلل بعضهم ذلك بأنه بالإضافة أشبه المعرف باللام فعمل عمله وقرىء جاعل بالرفع على المدح وقرىء الذى فطر السموات والأرض وجعل الملائكة أى جاعلهم وسائط بينه تعالى وبين أنبيائه والصالحين من عباده يبلغون إليهم رسالاته بالوحى والإلهام والرؤيا الصادقة أو بينه تعالى وبين خلقه أيضا حيث يوصلون إليهم آثار قدرته وصنعه هذا على تقدير كون الجعل تصييريا أما على تقدير كونه إبداعيا فرسلا نصب على الحالية وقرىء رسلا بسكون السين (أُولِي أَجْنِحَةٍ) صفة لرسلا وأولو اسم جمع لذو كما أن* أولاء اسم لذا ونظيرهما فى الأسماء المتمكنة المخاض والخلفة وقوله تعالى (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) صفات* لأجنحة أى ذوى أجنحة متعددة متفاوتة فى العدد حسب تفاوت مالهم من المتراتب ينزلون بها ويعرجون أو يسرعون بها والمعنى أن من الملائكة خلقا لكل واحد منهم جناحان وخلقا أجنحة كل منهم ثلاثة وخلقا آخر لكل منهم أربعة أجنحة ويروى أن صنفا من الملائكة لهم ستة أجنحة بجناحين منها يلقون أجسادهم وبآخرين منها يطيرون فيما أمروا به من جهته تعالى وجناحان منها مرخيان على وجوههم حياء من الله عزوجل وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه رأى جبريل عليه‌السلام ليلة المعراج وله ستمائة جناح وروى أنه سأله عليهما‌السلام أن يتراءى له فى صورته فقال إنك لن تطيق ذلك قال إنى أحب أن تفعل فخرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ليلة مقمرة فأتاه جبريل عليهما‌السلام فى صورته فغشى عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم أفاق وجبريل مسنده وإحدى يديه على صدره والأخرى بين كتفيه فقال سبحان الله ما كنت أرى أن شيئا من الخلق هكذا فقال جبريل عليه‌السلام فكيف لو رأيت

١٤١

(ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (٣)

____________________________________

إسرافيل له اثنا عشر جناحا جناح منها بالمشرق وجناح منها بالمغرب وإن العرش على كاهله وإنه ليتضاءل* الأحايين لعظمة الله عزوجل حتى يعود مثل الوصع وهو العصفور الصغير (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) استئناف مقرر لما قبله من تفاوت أحوال الملائكة فى عدد الأجنحة ومؤذن بأن ذلك من أحكام مشيئته تعالى لا لأمر راجع إلى ذواتهم ببيان حكم كلى ناطق بأنه تعالى يزيد فى أى خلق كان كل ما يشاء أن يزيده بموجب مشيئته ومقتضى حكمته من الأمور التى لا يحيط بها الوصف وما روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من تخصيص بعض المعانى بالذكر من الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن فبيان لبعض المواد المعهودة بطريق التمثيل لا بطريق الحصر فيها وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تعليل بطريق التحقيق للحكم المذكور فإن شمول قدرته تعالى لجميع الأشياء مما يوجب قدرته تعالى على أن يزيد كل ما يشاؤه إيجابا بينا (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) عبر عن إرسالها بالفتح إيذانا بأنها أنفس الخزائن التى يتنافس فيها المتنافسون وأعزها منالا وتنكيرها للإشاعة والإبهام أى أى شىء يفتح الله من خزائن رحمته أية رحمة كانت من نعمة* وصحة وأمن وعلم وحكمة إلى غير ذلك مما لا يحاط به (فَلا مُمْسِكَ لَها) أى لا أحد يقدر على إمساكها (وَما يُمْسِكْ) أى أى شىء يمسك (فَلا مُرْسِلَ لَهُ) أى لا أحد يقدر على إرساله واختلاف الضميرين لما أن مرجع الأول مفسر بالرحمة ومرجع الثانى مطلق يتناولها وغيرها كائنا ما كان وفيه إشعار بأن رحمته سبقت غضبه (مِنْ بَعْدِهِ) أى من بعد إمساكه (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب على كل ما يشاء من الأمور التى من* جملتها الفتح والإمساك (الْحَكِيمُ) الذى يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة والجملة تذييل مقرر لما قبلها ومعرب عن كون كل من الفتح والإمساك بموجب الحكمة التى عليها يدور أمر التكوين وبعد ما بين سبحانه أنه الموجد للملك والملكوت والمتصرف فيهما بالقبض والبسط من غير أن يكون لأحد فى ذلك دخل ما بوجه من الوجوه أمر الناس قاطبة أو أهل مكة خاصة بشكر نعمه فقال (يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) أى إنعامه عليكم إن جعلت النعمة مصدرا أو كائنة عليكم إن جعلت اسما أى راعوها واحفظوها بمعرفة حقها والاعتراف بها وتخصيص العبادة والطاعة بموليها ولما كانت نعم الله تعالى مع تشعب فنونها منحصرة فى نعمة الإيجاد ونعمة الإبقاء نفى أن يكون فى الوجود شىء غيره تعالى* يصدر عنه إحدى النعمتين بطريق الاستفهام الإنكارى المنادى باستحالة أن يجاب عنه بنعم فقال (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) أى هل خالق مغاير له تعالى موجود على أن خالق مبتدأ محذوف الخبر زيدت عليه كلمة من لتأكيد العموم وغير الله نعت له باعتبار محله كما أنه نعت له فى قراءة الجر باعتبار لفظه وقرىء

١٤٢

(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) (٥)

____________________________________

بالنصب على الاستثناء وقوله تعالى (يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أى بالمطر والنبات كلام مبتدأ على* التقادير لا محل له من الإعراب داخل فى حيز النفى والإنكار ولا مساغ لما قيل من أنه صفة أخرى لخالق مرفوعة المحل أو مجرورته لأن معناه نفى وجود خالق موصوف بوصفى المغايرة والرازقية معا من غير تعرض لنفى وجود ما اتصف بالمغايرة فقط ولا لما قيل من أنه الخبر للمبتدأ ولا لما قيل من أنه مفسر لمضمر ارتفع به قوله تعالى (مِنْ خالِقٍ) على الفاعلية أى هل يرزقكم من خالق الخ لما أن معناهما نفى رازقية خالق مغاير له تعالى من غير تعرض لنفى وجوده رأسا مع أنه المراد حتما ألا يرى إلى قوله تعالى (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فإنه استئناف مسوق لتقرير النفى المستفاد منه قصدا وجار مجرى الجواب عما يوهمه الاستفهام صورة فحيث كان هذا ناطقا بنفى الوجود تعين أن يكون ذلك أيضا كذلك قطعا والفاء فى قوله تعالى (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) لترتيب إنكار عدولهم عن التوحيد إلى الإشراك على ما قبلها كأنه قيل وإذا تبين تفرده تعالى بالألوهية والخالقية والرازقية فمن أى وجه تصرفون عن التوحيد إلى الشرك وقوله تعالى (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) تلوين للخطاب وتوجيه له إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين خطابى الناس مسارعة إلى تسليته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعموم البلية أولا والإشارة إلى الوعد والوعيد ثانيا أى وإن استمروا على أن يكذبوك فيما بلغت إليهم من الحق المبين بعد ما أقمت عليهم الحجة وألقمتهم الحجر فتأس بأولئك الرسل فى المصابرة على ما أصابهم من قبل قومهم فوضع موضعه ما ذكر اكتفاء بذكر السبب عن ذكر المسبب وتنكير الرسل للتفخيم الموجب لمزيد التسلية والتوجه إلى المصابرة أى رسل أولو شأن خطير وذوو عدد كثير (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) لا إلى غيره فيجازى كلا منك ومنهم بما أنتم عليه من الأحوال التى من جملتها* صبرك وتكذيبهم وفى الاقتصار على ذكر اختصاص المرجع بالله تعالى مع إبهام الجزاء ثوابا وعقابا من المبالغة فى الوعد والوعيد مالا يخفى وقرىء ترجع بفتح التاء من الرجوع والأول أدخل فى التهويل (يا أَيُّهَا النَّاسُ) رجوع إلى خطابهم وتكرير النداء لتأكيد العظة والتذكير (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) المشار إليه ٥ يرجع الأمور إليه تعالى من البعث والجزاء (حَقٌّ) ثابت لا محالة من غير خلف (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) بأن يذهلكم التمتع بمتاعها ويلهيكم التلهى بزخارفها عن تدارك ما يهمكم يوم حلول الميعاد والمراد نهيهم عن الاغترار بها وإن توجه النهى صورة إليها كما فى قوله تعالى (لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ) وعفوه وكرمه تعالى (الْغَرُورُ) أى المبالغ فى الغرور وهو الشيطان بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار* على المعاصى قائلا اعملوا ما شئتم إن الله غفور يغفر الذنوب جميعا فإن ذلك وإن أمكن لكن تعاطى الذنوب بهذا التوقع من قبيل تناول السم تعويلا على دفع الطبيعة وتكرير فعل النهى للمبالغة فيه ولاختلاف الغرورين فى الكيفية وقرىء الغرور بالضم على أنه مصدر أو جمع غار كقعود جمع قاعد

١٤٣

(إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) (٨)

____________________________________

(إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) عداوة قديمة لا تكاد تزول وتقديم لكم للاهتمام به (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) بمخالفتكم له فى عقائدكم وأفعالكم وكونكم على حذر منه فى مجامع أحوالكم وقوله تعالى (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) تقرير لعداوته وتحذير من طاعته بالتنبيه على أن غرضه فى دعوة شيعته إلى اتباع الهوى والركون إلى ملاذ الدنيا ليس تحصيل مطالبهم ومنافعهم الدنيوية كما هو مقصد المتحابين فى الدنيا عند سعى بعضهم فى حاجة بعض بل هو توريطهم وإلقاؤهم فى العذاب المخلد من حيث لا يحتسبون (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ) بسبب كفرهم وإجابتهم لدعوة الشيطان واتباعهم لخطواته (عَذابٌ شَدِيدٌ) لا يقادر قدره مديد لا يبلغ مداه (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ) بسبب ما ذكر من الإيمان والعمل الصالح الذى من جملته عداوة الشيطان (مَغْفِرَةٌ) عظيمة (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) لا غاية لهما (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) إما تقرير لما سبق من التباين البين بين عاقبتى الفريقين ببيان تباين حاليهما المؤديين إلى تينك العاقبتين والفاء لإنكار ترتيب ما بعدها على ما قبلها أى أبعد كون حاليهما كما ذكر يكون من زين له الكفر من جهة الشيطان فانهمك فيه كمن استقبحه واجتنبه واختار الإيمان والعمل الصالح حتى لا تكون عاقبتاهما كما ذكر فحذف ما حذف لدلالة ما سبق عليه وقوله تعالى* (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ) الخ تقرير له وتحقيق للحق ببيان أن الكل بمشيئته تعالى أى فإنه تعالى يضل (مَنْ يَشاءُ) * أن يضله لاستحسانه واستحبابه الضلال وصرف اختياره إليه فيرده أسفل سافلين (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أن يهديه بصرف اختياره إلى الهدى فيرفعه إلى أعلى عليين وإما تمهيد لما يعقبه من نهيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن التحسر والتحزن عليهم لعدم إسلامهم ببيان أنهم ليسوا بأهل لذلك بل لأن يضرب عنهم صفحا ولا يبالى بهم قطعا أى أبعد كون حالهم كما ذكر تتحسر عليهم فحذف لما دل عليه قوله تعالى (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) دلالة بينة وإما تمهيد لصرفه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما كان عليه من الحرص الشديد على إسلامهم والمبالغة فى دعوتهم إليه ببيان استحالة تحولهم عن الكفر لكونه فى غاية الحسن عندهم أى أبعد ما ذكر من زين له الكفر من قبل الشيطان فرآه حسنا فانهمك فيه يقبل الهداية حتى تطمع فى إسلامه وتتعب نفسك فى دعوته فحذف ما حذف لدلالة ما مر من قوله تعالى (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) الخ على أنه ممن شاء الله تعالى أن يضله فمن يهدى من أضل الله وما لهم من ناصرين وقرىء فلا تذهب نفسك وقوله تعالى (حَسَراتٍ) إما مفعول له أى فلا

١٤٤

(وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) (١٠)

____________________________________

تهلك نفسك للحسرات والجمع للدلالة على تضاعف اغتمامه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أحوالهم أو على كثرة قبائح أعمالهم الموجبة للتأسف والتحسر وعليهم صلة تذهب كما يقال هلك عليه حبا ومات عليه حزنا أو هو بيان للمتحسر عليه ولا يجوز أن يتعلق بحسرات لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته وإما حال كان كلها صارت حسرات وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) أى من القبائح تعليل لما قبله على الوجوه الثلاثة مع ما فيه من الوعيد. عن ابن عباس رضى الله عنهما أنها نزلت فى أبى جهل ومشركى مكة (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) مبتدأ وخبر وقرىء الريح وصيغة المضارع فى قوله تعالى (فَتُثِيرُ سَحاباً) لحكاية الحال الماضية استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على كمال القدرة والحكمة ولأن المراد بيان إحداثها لتلك الخاصية ولذلك أسند إليها أو للدلالة على استمرار الإثارة (فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) وقرىء بالتخفيف (فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ) * أى بالمطر النازل منه المدلول عليه بالسحاب فإن بينهما تلازما فى الذهن كما فى الخارج أو بالسحاب فإنه سبب السبب (بَعْدَ مَوْتِها) أى يبسها وإيراد الفعلين على صيغة الماضى للدلالة على التحقق وإسنادهما إلى* نون العظمة المنبىء عن اختصاصهما به تعالى لما فيهما من مزيد الصنع ولتكميل المماثلة بين إحياء الأرض وبين البعث الذى شبه به بقوله تعالى (كَذلِكَ النُّشُورُ) فى كمال الاختصاص بالقدرة الربانية والكاف فى* حيز الرفع على الخبرية أى مثل ذلك الإحياء الذى تشاهدونه إحياء الأموات فى صحة المقدورية وسهولة التأتى من غير تفاوت بينهما أصلا سوى الألف فى الأول دون الثانى وقيل فى كيفية الإحياء يرسل الله تعالى من تحت العرش ماء فينبت منه أجساد الخلق (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) هم المشركون الذين كانوا يتعززون بعبادة الأصنام كقوله تعالى (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) والذين كانوا يتعززون بهم من الذين آمنوا بألسنتهم كما فى قوله تعالى (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) والجمع بين كان ويريد للدلالة على دوام الإرادة واستمرارها (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) أى* له تعالى وحده لا لغيره عزة الدنيا وعزة الآخرة أى فليطلبها منه لامن غيره فاستغنى عن ذكره بذكر دليله إيذانا بأن اختصاص العزة به تعالى موجب لتخصيص طلبها به تعالى وقوله تعالى (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) بيان لما يطلب به العزة وهو التوحيد والعمل الصالح وصعودهما إليه مجاز عن قبوله تعالى إياهما أو صعود الكتبة بصحيفتهما وتقديم الجار والمجرور عبارة عن كمال الاعتداد به كقوله تعالى (أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) أى إليه يصل الكلم الطيب الذى به يطلب العزة لا إلى الملائكة الموكلين بأعمال العباد فقط وهو يعز صاحبه ويعطى طلبته بالذات

١٤٥

(وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (١١)

____________________________________

والمستكن فى يرفعه للكلم فإن مدار قبول العمل هو التوحيد ويؤيده القراءة بنصب العمل أو للعمل فإنه يحقق الإيمان ويقويه ولا ينال الدرجات العالية إلا به وقرىء يصعد من الإصعاد على البناءين والمصعد هو الله سبحانه أو المتكلم به أو الملك وقيل الكلم الطيب يتناول الذكر والدعاء والاستغفار وقراءة القرآن وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه سبحان الله والحمد لله ولا إلا إلا الله والله أكبر إذا قالها العبد عرج بها الملك إلى السماء فحيا بها وجه الرحمن فإذا لم يكن عمل صالحا لم تقبل وعن ابن مسعود رضى الله عنه ما من عبد مسلم يقول خمس كلمات سبحان والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتبارك الله إلا أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن فما يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيى بهن وجه رب العالمين ومصداقه قوله عز* وجل (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) الخ (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ) بيان لحال الكلم الخبيث والعمل السيىء وأهلهما بعد بيان حال الكلم الطيب والعمل الصالح وانتصاب السيئات على أنها صفة للمصدر المحذوف أى يمكرون المكرات السيئات وهى مكرات قريش بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى دار الندوة وتداورهم الرأى فى إحدى* الثلاث التى هى الإثبات والقتل والإخراج (لَهُمْ) بسبب مكراتهم (عَذابٌ شَدِيدٌ) لا يقادر قدره ولا يؤبه* عنده لما يمكرون (وَمَكْرُ أُولئِكَ) وضع اسم الإشارة موضع ضميرهم للإيذان بكمال تميزهم بما هم فيه من الشر والفساد عن سائر المفسدين واشتهارهم بذلك وما فيه من معنى البعد للتنبيه على ترامى أمرهم فى الطغيان* وبعد منزلتهم فى العدوان أى ومكر أولئك المفسدين الذين أرادوا أن يمكروا به صلى‌الله‌عليه‌وسلم (هُوَ يَبُورُ) أى هو يهلك ويفسد خاصة لا من مكروا به ولقد أبارهم الله تعالى بعد إبارة مكراتهم حيث أخرجهم من مكة وقتلهم وأثبتهم فى قليب بدر فجمع عليهم مكراتهم الثلاث التى اكتفوا فى حقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بواحدة منهن (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) دليل آخر على صحة البعث والنشور أى خلقكم ابتداء منه فى ضمن خلق آدم عليه‌السلام* خلقا إجماليا كما مر فى تحقيقه مرارا (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) أى ثم خلقكم منها خلقا تفصيليا (ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) أى أصنافا أو ذكرانا وإناثا وعن قتادة جعل بعضكم زوجا لبعض (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) إلا ملتبسة بعلمه تابعة لمشيئته (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) أى من أحد وإنما سمى معمرا باعتبار مصيره* أى وما يمد فى عمر أحد (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) أى من عمر أحد على طريقة قولهم لا يثيب الله عبدا ولا يعاقبه إلا بحق لكن لا على معنى لا ينقص عمره بعد كونه زائدا بل على معنى لا يجعل من الابتداء ناقصا وقيل الزيادة والنقص فى عمر واحد باعتبار أسباب مختلفة أثبتت فى اللوح مثل أن يكتب فيه إن حج فلان فعمره ستون وإلا فأربعون وإليه أشار صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله الصدقة والصلة تعمران الديار وتزيدان فى الأعمار وقيل المراد بالنقص ما يمر من عمره وينقص فإنه يكتب فى الصحيفة عمره كذا وكذا سنة ثم يكتب تحت ذلك ذهب يوم ذهب يومان وهكذا حتى يأتى على آخره وقرىء ولا ينقص على البناء للفاعل ومن عمره

١٤٦

(وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) (١٣)

____________________________________

بسكون الميم (إِلَّا فِي كِتابٍ) عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه اللوح وقيل علم الله عزوجل وقيل صحيفة* كل إنسان (إِنَّ ذلِكَ) أى ما ذكر من الخلق وما بعده مع كونه محارا للعقول والأفهام (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) لاستغنائه عن الأسباب فكذلك البعث (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) مثل ضرب للمؤمن والكافر والفرات الذى يكسر العطش والسائغ الذى يسهل انحداره لعذوبته والأجاج الذى يحرق بملوحته وقرىء سيغ كسيد وسيغ بالتخفيف وملح ككتف وقوله تعالى (وَمِنْ كُلٍّ) أى من كل واحد منهما (تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ) أى من المالح خاصة (حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) * إما استطراد فى صفة البحرين وما فيهما من النعم والمنافع وإما تكملة للتمثيل والمعنى كما أنهما وإن اشتركا فى بعض الفوائد لا يتساويان من حيث أنهما متفاوتان فيما هو المقصود بالذات من الماء لما خالط أحدهما ما أفسده وغيره عن كمال فطرته لا يساوى الكافر المؤمن وإن شاركه فى بعض الصفات كالشجاعة والسخاوة ونحوهما لتباينهما فيما هو الخاصية العظمى لبقاء أحدهما على فطرته الأصلية وحيازته لكماله اللائق دون الآخر أو تفضيل للأجاج على الكافر من حيث أنه يشارك العذب فى منافع كثيرة والكافر خلو من المنافع بالكلية على طريقة قوله تعالى (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) والمراد بالحلية اللؤلؤ والمرجان (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ) أى فى كل منهما وإفراد ضمير الخطاب مع جمعه فيما سبق وما لحق لأن الخطاب* ألكل حد تتأتى منه الرؤية دون المنتفعين بالبحرين فقط (مَواخِرَ) شواق للماء بجريها مقبلة ومدبرة بريح واحدة (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) من فضل الله تعالى بالنقلة فيها واللام متعلقة بمواخر وقد جوز تعلقها بما يدل عليه الأفعال المذكورة أى فعل ذلك لتبتغوا من فضله (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أى ولتشكروا على ذلك وحرف الترجى للإيذان بكونه مرضيا عند الله تعالى (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) بزيادة أحدهما ونقص الآخر بإضافة بعض أجزاء كل منهما إلى الآخر (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) عطف على يولج واختلافهما صيغة لما أن إيلاج أحد الملوين فى الآخر متجدد حينا فحينا وأما تسخير النيرين فأمر لا تعدد فيه وإنما المتعدد والمتجدد آثاره وقد أشير إليه بقوله تعالى (كُلٌّ يَجْرِي) أى بحسب حركته الخاصة وحركته القسرية على المدارات اليومية المتعددة حسب تعدد أيام السنة جريانا مستمرا (لِأَجَلٍ مُسَمًّى)

١٤٧

(إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) (١٧)

____________________________________

قدره الله تعالى لجريانهما وهو يوم القيامة كما روى عن الحسن رحمه‌الله وقيل جريانهما عبارة عن حركتيهما الخاصتين بهما فى فلكيهما والأجل المسمى هو منتهى دورتيهما ومدة الجريان للشمس سنة* وللقمر شهر وقد مر تفصيله فى سورة لقمان (ذلِكُمُ) إشارة إلى فاعل الأفاعيل المذكورة وما فيه من معنى البعد للإيذان بغاية العظمة وهو مبتدأ وما بعده أخبار مترادفة أى ذلكم العظيم الشأن الذى أبدع هذه الصنائع البديعة (اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) وفيه من الدلالة على أن إبداعه تعالى لتلك البدائع مما يوجب ثبوت* تلك الأخبار له مالا يخفى ويجوز أن يكون الأخير كلاما مبتدأ فى مقابلة قوله تعالى (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) للدلالة على تفرده تعالى بالألوهية والربوبية وقرىء يدعون بالياء التحتانية والقطمير لفافة النواة وهو مثل فى القلة والحقارة (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) استئناف مقرر لمضمون ما قبله كاشف عن جلية حال ما بدعونه بأنه جماد ليس من شأنه السماع (وَلَوْ سَمِعُوا) على الفرض والتقدير (مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) لعجزهم عن الأفعال بالمرة لا لما قيل من أنهم متبرئون منكم ومما تدعون لهم فإن ذلك مما لا يتصور منهم فى الدنيا (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) أى يجحدون بإشراككم لهم وعبادتكم إياهم* بقولهم ما كنتم إيانا تعبدون (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) أى لا يخبرك بالأمر مخبر مثل خبير أخبرك به وهو الحق سبحانه فإنه الخبير بكنه الأمور دون سائر المخبرين والمراد تحقيق ما أخبر به من حال آلهتهم ونفى ما يدعون لهم من الإلهية (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) فى أنفسكم وفيما يعن لكم من أمر مهم أو خطب ملم وتعريف الفقراء للمبالغة فى فقرهم كأنهم لكثرة افتقارهم وشدة احتياجهم هم الفقراء فحسب وأن افتقار سائر الخلائق بالنسبة إلى فقرهم بمنزلة العدم ولذلك قال تعالى (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أى المستغنى على الإطلاق المنعم على سائر الموجودات المستوجب للحمد (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) ليسوا على صفتكم بل مستمرون على الطاعة أو بعالم آخر غير ما تعرفونه (وَما ذلِكَ) أى ما ذكر* من الإذهاب بهم والإتيان بآخرين (عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) بمتعذر ولا متعسر.

١٤٨

(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (١٨) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٢٢)

____________________________________

(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ) أى لا تحمل نفس آثمة (وِزْرَ أُخْرى) إثم نفس أخرى بل إنما تحمل كل منهما وزرها وأماما فى قوله تعالى وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم من حمل المضلين أثقالا غير أثقالهم فهو حمل أثقال إضلالهم مع أثقال ضلالهم وكلاهما أوزارهم ليس فيها من أوزار غيرهم شىء (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ) * أى نفس أثقلها الأوزار (إِلى حِمْلِها) لحمل بعض أوزارها (لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ) لم تجب بحمل شىء منه (وَلَوْ كانَ) أى المدعو المفهوم من الدعوة (ذا قُرْبى) ذا قرابة من الداعى وقرىء ذو قربى وهذا نفى للحمل اختيارا والأول نفى له جبارا (إِنَّما تُنْذِرُ) استئناف مسوق لبيان من يتعظ بما ذكر أى إنما تنذر بهذه الإنذارات (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) أى يخشونه تعالى غائبين عن عذابه أو عن الناس فى خلواتهم أو يخشون عذابه وهو غائب عنهم (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أى راعوها كما ينبغى وجعلوها منارا منصوبا وعلما مرفوعا أى إنما ينفع إنذارك وتحذيرك هؤلاء من قومك دون من عداهم من أهل التمرد والعناد (وَمَنْ تَزَكَّى) أن تطهر من أوضار الأوزار والمعاصى بالتأثر من هذه الإنذارات (فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) لاقتصار نفعه عليها كما أن من تدنس بها لا يتدنس إلا عليها وقرىء من أزكى فإنما يزكى وهو اعتراض مقرر لخشيتهم وإقامتهم الصلاة لأنها من معظم مبادى التزكى (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) لا إلى أحد غيره استقلالا أو اشتراكا فيجازيهم على تزكيهم أحسن الجزاء (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أى الكافر والمؤمن (وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) أى ولا الباطل ولا الحق وجمع الظلمات مع إفراد النور لتعدد فنون الباطل واتحاد الحق (وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) أى ولا الثواب ولا العقاب وإدخال لا على المتقابلين لتذكير نفى الاستواء وتوسيطها بينهما للتأكيد والحرور فعول من الحر غلب على السموم وقيل السموم ما يهب نهارا والحرور ما يهب ليلا (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين

١٤٩

(إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (٢٤) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٢٦) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ) (٢٧)

____________________________________

أبلغ من الأول ولذلك كرر الفعل وأوثر صيغة الجمع فى الطرفين تحقيقا للتباين بين أفراد الفريقين وقيل* تمثيل للعلماء والجهلة (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ) أن يسمعه ويوفقه لفهم آياته والاتعاظ بعظاته (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات وإشباع فى إقناطه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من إيمانهم (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) ما عليك إلا الإنذار وأما الإسماع البتة فليس من وظائفك ولا حيلة لك إليه فى المطبوع على قلوبهم (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ) أى محقين أو محقا أنت أو إرسالا مصحوبا بالحق ويجوز أن يتعلق بقوله (بَشِيراً وَنَذِيراً) أى بشيرا بالوعد الحق ونذيرا بالوعيد الحق (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ) أى ما من أمة من الأمم الدارجة فى الأزمنة الماضية (إِلَّا خَلا) أى مضى (فِيها نَذِيرٌ) من نبى أو عالم ينذرهم والاكتفاء بذكره للعلم بأن النذارة قرينة البشارة لا سيما وقد اقترنا آنفا ولأن الإنذار هو الأنسب بالمقام (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) أى تموا على تكذيبك فلا تبال بهم وبتكذيبهم (فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم العاتية (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أى المعجزات الظاهرة الدالة على نبوتهم (وَبِالزُّبُرِ) كصحف إبراهيم (وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) كالتوراة والإنجيل والزبور على إرادة التفصيل دون الجمع ويجوز أن يراد بهما واحد والعطف لتغاير العنوانين (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بما فى حيز الصلة والإشعار بعلة الأخذ (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أى إنكارى بالعقوبة وفيه مزيد تشديد وتهويل لها (أَلَمْ تَرَ) استئناف مسوق لتقرير ما قبله من اختلاف أحوال الناس ببيان أن الاختلاف والتفاوت أمر مطرد فى جميع المخلوقات من النبات والجماد والحيوان والرؤية قلبية أى ألم تعلم (أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ) بذلك الماء والالتفات لإظهار كمال الاعتناء بالفعل لما فيه من الصنع البديع المنبىء عن كمال القدرة والحكمة (ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) أى أجناسها أو أصنافها على أن كلا منها ذو أصناف مختلفة أو هيآتها وأشكالها أو ألوانها من الصفرة والخضرة والحمرة وغيرها وهو الأوفق لما فى قوله تعالى (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ) أى ذو جدد أى خطط وطرائق ويقال جدة الحمار للخطة السوداء

١٥٠

(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) (٢٩)

____________________________________

على ظهره وقرىء جدد بالضم جمع جديدة بمعنى الجدة وجدد بفتحتين وهو الطريق الواضح (بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها) بالشدة والضعف (وَغَرابِيبُ سُودٌ) عطف على بيض أو على جدد كأنه قيل ومن* الجبال مخطط ذو جدد ومنها ما هو على لون واحد غرابيب وهو تأكيد لمضمر يفسره ما بعده فإن الغربيب تأكيد للأسواد كالفاقع للأصفر والقانى للأحمر ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد ونظيره فى الصفة قول النابغة [والمؤمن العائذات الطير يمسحها] وفى مثله مزيد تأكيد لما فيه من التكرار باعتبار الإضمار والإظهار (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) أى ومنهم بعض مختلف ألوانه أو وبعضهم مختلف ألوانه على ما مر فى قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) وإيراد الجملتين اسميتين مع مشاركتهما لما قبلهما من الجملة الفعلية فى الاستشهاد بمضمونهما على تباين الناس فى الأحوال الباطنة لما أن اختلاف الجبال والناس والدواب والأنعام فيما ذكر من الألوان أمر مستمر فعبر عنه بما يدل على الاستمرار وأما إخراج الثمرات المختلفة فحيث كان أمرا حادثا عبر عنه بما يدل على الحدوث ثم لما كان فيه نوع خفاء علق به الرؤية بطريق الاستفهام التقريرى المنبىء عن الحمل عليها والترغيب فيها بخلاف أحوال الجبال والناس وغيرهما فإنها مشاهدة غنية عن التأمل فلذلك جردت عن التعليق بالرؤية فتدبر وقوله تعالى (كَذلِكَ) مصدر تشبيهى لقوله تعالى (مُخْتَلِفٌ) أى صفة لمصدره المؤكد تقديره مختلف اختلافا كائنا كذلك* أى كاختلاف الثمار والجبال وقرىء ألوانا وقرىء والدواب بالتخفيف مبالغة فى الهرب من التقاء الساكنين وقوله تعالى (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) تكملة لقوله تعالى (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) بتعيين من يخشاه عزوجل من الناس بعد بيان اختلاف طبقاتهم وتباين مراتبهم أما فى الأوصاف المعنوية فبطريق التمثيل وأما فى الأوصاف الصورية فبطريق التصريح توفية لكل واحدة منهما حقها اللائق بها من البيان أى إنما يخشاه تعالى بالغيب العالمون به عزوجل وبما يليق به من صفاته الجليلة وأفعاله الجميلة لما أن مدار الخشية معرفة المخشى والعلم بشئونه فمن كان أعلم به تعالى كان أخشى منه عزوجل كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا أخشاكم لله وأتقاكم له ولذلك عقب بذكر أفعاله الدالة على كمال قدرته وحيث كان الكفرة بمعزل من هذه المعرفة امتنع إنذارهم بالكلية وتقديم المفعول لأن المقصود حصر الفاعلية ولو أخر انعكس الأمر وقرىء برفع الاسم الجليلة ونصب العلماء على أن الخشية مستعارة للتعظيم فإن المعظم يكون مهيبا (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب للمصر على طغيانه غفور للنائب عن عصيانه (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ) أى يداومون على قراءته أو متابعة ما فيه حتى

١٥١

(لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٣٢)

____________________________________

صارت سمة لهم وعنوانا والمراد بكتاب الله تعالى القرآن وقيل جنس كتب الله فيكون ثناء على المصدقين من الأمم بعد اقتصاص حال المكذبين منهم وليس بذاك فإن صيغة المضارع منادية باستمرار مشروعية تلاوته والعمل بما فيه واستتباعهما لما سيأتى من توفية الأجور وزيادة الفضل وحملها على حكاية الحال الماضية مع كونه تعسفا ظاهرا مما لا سبيل إليه كيف لا والمقصود الترغيب فى دين الإسلام والعمل بالقرآن الناسخ لما بين يديه من الكتب فالتعرض لبيان حقيتها قبل انتساخها والإشباع فى ذكر استتباعها لما ذكر من الفوائد العظيمة مما يورث الرغبة فى تلاوتها والإقبال على العمل بها وتخصيص التلاوة بما لم ينسخ منها باطل قطعا لما أن الباقى مشروعا ليس إلا حكمها لكن لا من حيث إنه حكمها بل من حيث إنه* حكم القرآن وأما تلاوتها فبمعزل من المشروعية واستتباع الأجر بالمرة فتدبر (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) كيفما اتفق من غير قصد إليهما وقيل السر فى المسنونة والعلانية فى المفروضة* (يَرْجُونَ تِجارَةً) تحصيل ثواب بالطاعة وهو خبر إن وقوله تعالى (لَنْ تَبُورَ) أى لن تكسد ولن تهك بالخسران أصلا صفة لتجارة جىء بها للدلالة على أنها ليست كسائر التجارات الدائرة بين الربح والخسران لأنه اشتراء باق بفان والإخبار برجائهم من أكرم الأكرمين عدة قطعية بحصول مرجوهم وقوله تعالى (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) متعلق بلن تبور على معنى أنه ينتفى عنها الكساد وتنفق عند الله تعالى ليوفيهم أجور أعمالهم (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) على ذلك من خزائن رحمته ما يشاء وقيل بمضمر دل عليه ما عد من* أفعالهم المرضية أى فعلوا ذلك ليوفيهم الخ وقيل بيرجون على أن اللام للعاقبة (إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) تعليل لما قبله من التوفية والزيادة أى غفور لفرطاتهم شكور لطاعاتهم أى مجازيهم عليها وقيل هو خبر إن الذين ويرجون حال من واو أنفقوا (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) وهو القرآن ومن للتبيين أو الجنس ومن للتبعيض وقيل اللوح ومن للابتداء (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أى أحقه مصدقا لما تقدمه من الكتب السماوية حال مؤكدة لأن حقيته تستلزم موافقته إياه فى العقائد وأصول الأحكام (إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) محيط ببواطن أمورهم وظواهرها فلو كان فى أحوالك ما ينافى النبوة لم يوح إليك مثل هذا الحق المعجز الذى هو عيار على سائر الكتب وتقديم الخبير للتنبيه على أن العمدة هى الأمور الروحانية (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ) أى قضينا بتوريثه منك أو نورثه والتعبير عنه بالماضى لتقرره

١٥٢

(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) (٣٤)

____________________________________

وتحققه وقيل أورثناه من الأمم السالفة أى أخرناه عنهم وأعطيناه (الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) وهم علماء الأمة من الصحابة ومن بعدهم ممن يسير سيرتهم أو الأمة بأسرهم فإن الله تعالى اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس واختصهم بكرامة الانتماء إلى أفضل رسله عليهم الصلاة والسلام وليس من ضرورة وراثة الكتاب مراعاته حق رعايته لقوله تعالى (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ) الآية (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) بالتقصير فى العمل به وهو المرجأ لأمر الله (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) يعمل به فى أغلب الأوقات ولا يخلو من خلط السيىء (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) قيل هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار وقيل هم المداومون على إقامة مواجبه علما وعملا وتعليما وفى قوله (بِإِذْنِ اللهِ) أى بتيسيره وتوفيقه تنبيه على عزة منال هذه الرتبة وصعوبة مأخذها وقيل الظالم الجاهل والمقتصد المتعلم والسابق العالم وقيل الظالم المجرم والمقتصد الذى خلط الصالح بالسيىء والسابق الذى ترجحت حسناته بحيث صارت سيئاته مكفرة وهو معنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأما الذين سبقوا فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب وأما المقتصد فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون فى طول المحشر ثم يتلقاهم الله تعالى برحمته وقد روى أن عمر رضى الله عنه قال وهو على المنبر قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له (ذلِكَ) إشارة إلى السبق بالخيرات وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإشعار بعلو رتبته وبعد منزلته فى الشرف (هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) من الله عزوجل لا ينال إلا بتوفيقه تعالى (جَنَّاتُ عَدْنٍ) إما بدل من الفضل الكبير بتنزيل السبب منزلة المسبب أو مبتدأ خبره (يَدْخُلُونَها) وعلى الأول هو مستأنف وجمع الضمير لأن المراد بالسابق الجنس وتخصيص حال السابقين ومآلهم بالذكر والسكوت عن الفريقين الآخرين وإن لم يدل على حرمانهما من دخول الجنة مطلقا لكن فيه تحذيرا لهما من التقصير وتحريضا على السعى فى إدراك شأو السابقين وقرىء جنات عدن وجنة عدن على النصب بفعل يفسره الظاهر وقرىء يدخلونها على البناء للمفعول (يُحَلَّوْنَ فِيها) خبر ثان أو حال مقدرة وقرىء يحلون من حليت المرأة فهى حالية (مِنْ أَساوِرَ) هى جمع أسورة جمع سوار (مِنْ ذَهَبٍ) من الأولى تبعيضية والثانية بيانية أى يحلون بعض أساور من ذهب كأنه أفضل من سائر أفرادها (وَلُؤْلُؤاً) بالنصب عطفا على محل من أساور وقرىء بالجر عطفا على ذهب أى من ذهب مرصع باللؤلؤ أو من ذهب فى صفاء اللؤلؤ (وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) وتغيير الأسلوب قد مر فى سورة الحج (وَقالُوا) أى يقولون وصيغة الماضى للدلالة على التحقق (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) وهو ما أهمهم من خوف سوء العاقبة وعن ابن عباس رضى الله عنهما حزن الأعراض والآفات وعنه حزن الموت وعن الضحاك حزن وسوسة إبليس وقيل هم المعاش وقيل حزن

١٥٣

(الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (٣٧)

____________________________________

زوال النعم والظاهر أنه الجنس المنتظم لجميع أحزان الدين والدنيا وقرىء الحزن وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة فى قبورهم ولا فى محشرهم ولا فى مسيرهم وكأنى بأهل لا إله إلا الله يخرجون من قبورهم ينفضون التراب عن وجوههم ويقولون الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن (إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ) أى للمذنبين (شَكُورٌ) للمطيعين (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ) أى دار الإقامة التى لا انتقال عنها أبدا (مِنْ فَضْلِهِ) من إنعامه وتفضله من غير أن يوجبه شىء من قبلنا (لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ) تعب (وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) كلال والفرق بينهما أن النصب نفس المشقة والكلفة واللغوب ما يحدث منه من الفتور والتصريح بنفى الثانى مع استلزام نفى الأول له وتكرير الفعل المنفى للمبالغة فى بيان انتفاء كل منهما (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ) لا يحكم عليهم بموت ثان (فَيَمُوتُوا) ويستريحوا ونصبه بإضمار أن وقرىء فيموتون عطفا على يقضى كقوله تعالى (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) بل كلما خبت زيد إسعارها (كَذلِكَ) أى مثل ذلك الجزاء الفظيع (نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) مبالغ فى الكفر أو الكفران لا جزاء أخف وأدنى منه وقرىء يجزى على البناء للمفعول وإسناده إلى الكل وقرىء يجازى (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها) يستغيثون والاصطراخ افتعال من الصراخ استعمل فى الاستغاثة لجهد المستغيث صوته (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) بإضمار القول وتقييد العمل الصالح بالوصف المذكور للتحسر على ما عملوه من غير الصالح والاعتراف به والإشعار بأن استخراجهم لتلافيه وأنهم كانوا يحسبونه صالحا والآن تبين خلافه وقوله تعالى (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) جواب من جهته تعالى وتوبيخ لهم والهمزة للإنكار والنفى والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام وما نكرة موصوفة أى ألم نمهلكم أو ألم نؤخركم ولم نعمركم عمرا يتذكر فيه من تذكر أى يتمكن فيه المتذكر من التذكر والتفكر قيل هو أربعون سنة وعن ابن عباس رضى الله عنهما ستون سنة وروى ذلك عن على رضى الله عنه وهو العمر الذى أعذر الله فيه إلى ابن آدم قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعذر الله إلى امرىء أخر أجله حتى بلغ ستين سنة وقوله تعالى (وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ) عطف على الجملة الاستفهامية لأنها فى معنى قد عمرناكم كما فى قوله تعالى (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا) الخ لأنه فى معنى قد شرحنا الخ والمراد بالنذير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو ما معه من القرآن وقيل العقل وقيل الشيب وقيل موت الأقارب والاقتصار على ذكر النذير لأنه الذى

١٥٤

(إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً) (٤٠)

____________________________________

يقتضيه المقام والفاء فى قوله تعالى (فَذُوقُوا) لترتيب الأمر بالذوق على ما قبلها من التعمير ومجىء النذير وفى قوله تعالى (فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) للتعليل (إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بالإضافة وقرىء بالتنوين ونصب غيب على المفعولية أى لا يخفى عليه خافية فيهما فلا تخفى عليه أحوالهم (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) قيل إنه تعليل لما قبله لأنه إذا علم مضمرات الصدور وهى أخفى ما يكون كان أعلم بغيرها (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) يقال للمستخلف خليفة وخليف والأول يجمع خلائف والثانى خلفاء والمعنى أنه تعالى جعلكم خلفاءه فى أرضه وألقى إليكم مقاليد التصرف فيها وسلطكم على ما فيها وأباح لكم منافعها أو جعلكم خلفاء ممن قبلكم من الأمم وأورثكم ما بأيديهم من متاع الدنيا لتشكروه بالتوحيد والطاعة (فَمَنْ كَفَرَ) منكم مثل هذه النعمة السنية وغمطها (فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) أى وبال كفره لا يتعداه إلى غيره وقوله تعالى (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً) بيان لوبال الكفر وغائلته وهو مقت الله تعالى إياهم أى بغضه الشديد الذى ليس وراءه خزى وصغار وخسار الآخرة الذى ما بعده شر وخسار والتكرير لزيادة التقرير والتنبيه على أن اقتضاء الكفر لكل واحد من الأمرين الهائلين القبيحين بطريق الاستقلال والأصالة (قُلْ) تبكيتا لهم (أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أى آلهتكم والإضافة إليهم لأنهم جعلوهم شركاء لله تعالى من غير أن يكون له أصل ما أصلا وقيل جعلوهم شركاء لأنفسهم فيما يملكونه ويأباه سباق النظم الكريم وسياقه (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) بدل اشتمال من أرأيتم كأنه قيل أخبرونى عن شركائكم أرونى أى جزء خلقوا من الأرض (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) أى أم لهم شركة مع الله سبحانه فى خلق السموات ليستحقوا بذلك شركة فى الألوهية ذاتية (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً) ينطق بأنا اتخذناهم شركاء (فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ) أى حجة ظاهرة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة جعلية ويجوز أن يكون ضمير آتيناهم للمشركين كما فى قوله تعالى (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) الخ وقرىء على بينات وفيه إيماء إلى أن الشرك أمر خطير لا بد فى إثباته من تعاضد الدلائل (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً) لما نفى أنواع الحجج فى ذلك أضرب عنه بذكر ما حملهم عليه وهو تغرير الأسلاف للأخلاف وإضلال الرؤساء للأتباع بأنهم شفعاء عند الله يشفعون لهم بالتقريب إليه.

١٥٥

(إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤١) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (٤٣) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً) (٤٤)

____________________________________

(إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) استئناف مسوق لبيان غاية قبح الشرك وهوله أى يمسكهما كراهة زوالهما أو يمنعهما أن تزولا لأن الإمساك منع (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما) أى ما أمسكهما (مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) من بعد إمساكه تعالى أو من بعد الزوال والجملة سادة مسد الجوابين ومن الأولى مزيدة لتأكيد العموم والثانية للابتداء (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) غير معاجل بالعقوبة التى تستوجبها جناياتهم حيث أمسكهما وكانتا جديرتين بأن تهدا هدا حسبما قال تعالى (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ) وقرىء ولو زالتا (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) بلغ قريشا قبل مبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم فقالوا لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم فو الله لئن أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم اليهود والنصارى وغيرهم أو من الأمة التى يقال لها إحدى الأمم تفضيلا لها على غيرها فى الهدى والاستقامة (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ) وأى نذير أشرف الرسل عليهم الصلاة والسلام (ما زادَهُمْ) أى النذير أو مجيئه (إِلَّا نُفُوراً) تباعدا عن الحق (اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ) بدل من نفورا أو مفعول له (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) أصله وإن مكروا السيىء أى المكر السيىء ثم ومكرا السيىء ثم ومكر السيىء وقرىء بسكون الهمزة فى الوصل ولعله اختلاس ظن سكوتا أو وقفة خفيفة وقرىء مكرا سيئا (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ) أى ما ينتظرون (إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) أى سنة الله فيهم بتعذيب مكذبيهم (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً) بأن يضع موضع العذاب غير العذاب (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) بأن ينقله من المكذبين إلى غيرهم والفاء لتعليل ما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب من مجيئه ونفى وجدان التبديل والتحويل عبارة عن نفى وجودهما بالطريق البرهانى وتخصيص كل منهما بنفى مستقل لتأكيد انتفائهما (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) استشهاد على ما قبله من جريان سنته تعالى على تعذيب المكذبين بما يشاهدونه

١٥٦

(وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) (٤٥)

____________________________________

فى مسايرهم إلى الشام واليمن والعراق من آثار دمار الأمم الماضية العاتية والهمزة للإنكار والنفى والواو للعطف على مقدر يليق بالمقام أى أقعدوا فى مساكنهم ولم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم (وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) وأطول أعمارا فما نفعهم طول المدى وما أغنى عنهم شدة القوى* ومحل الجملة النصب على الحالية وقوله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ) أى ليسبقه ويفوته (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) اعتراض مقرر لما يفهم مما قبله من استئصال الأمم السالفة وقوله تعالى (إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً) أى مبالغا فى العلم والقدرة ولذلك علم بجميع أعمالهم السيئة فعاقبهم بموجبها تعليل لذلك (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ) جميعا (بِما كَسَبُوا) من السيئات كما فعل بأولئك (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) أى على ظهر الأرض (مِنْ دَابَّةٍ) من نسمة تدب عليها من بنى آدم وقيل ومن غيرهم أيضا من شؤم معاصيهم وهو المروى عن ابن مسعود وأنس رضى الله عنهما ويعضد الأول قوله تعالى (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وهو يوم القيامة (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) فيجازيهم عند ذلك بأعمالهم إن* خيرا فخير وإن شرا فشر. عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قرأ سورة الملائكة دعته ثمانية أبواب الجنة أن ادخل من أى باب شئت والله تعالى أعلم.

١٥٧

٣٦ ـ سورة يس

(مكية وآياتها ثلاث وثمانون)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٣)

____________________________________

(سورة يس مكية. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم تدعى المعمة تعم صاحبها خير الدارين والدافعة والقاضية تدفع

عنه كل سوء وتقضى له كل حاجة وآياتها ثلاث وثمانون)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (يس) إما مسرود على نمط التعديد فلاحظ له من الإعراب أو اسم السورة كما نص عليه الخليل وسيبويه وعليه الأكثر فمحله الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو النصب على أنه مفعول لفعل مضمر وعليهما مدار قراءة يس بالرفع والنصب أى هذه يس أو اقرأ يس ولا مساغ للنصب بإضمار فعل القسم لأن ما بعده مقسم به وقد أبوا الجمع بين قسمين على شىء واحد قبل انقضاء الأول ولا مجال للعطف لاختلافهما إعرابا وقيل هو مجرور بإضمار باء القسم مفتوح لكونه غير منصرف كما سلف فى فاتحة سورة البقرة من أن ما كانت من هذه الفواتح مفردة مثل صاد وقاف ونون أو كانت موازنة لمفرد نحو طس ويس وحم الموازنة لقابيل وهابيل يتأتى فيها الإعراب اللفظى ذكره سيبويه فى باب أسماء السور من كتابه وقيل هما حركتا بناء كما فى حيث وأين حسبما يشهد بذلك قراءة يس بالكسر كجير وقيل الفتح والكسر تحريك للجد فى الهرب من التقاء الساكنين وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن معناه يا إنسان فى لغة طيىء قالوا المراد به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولعل أصله يا أنيسين فاقتصر على شطره كما قيل من الله فى أيمن الله (وَالْقُرْآنِ) بالجر على أنه مقسم به ابتداء وقد جوز أن يكون عطفا على يس على تقدير كونه مجرورا بإضمار باء القسم (الْحَكِيمِ) أى المتضمن للحكمة أو الناطق بها بطريق الاستعارة أو المتصف بها على الإسناد المجازى وقد جوز أن يكون الأصل الحكيم قائله فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فبانقلابه مرفوعا بعد الجر استكن فى الصفة المشبهة كما مر فى صدر سورة لقمان (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) جواب للقسم والجملة لرد إنكار الكفرة بقولهم فى حقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لَسْتَ مُرْسَلاً) وهذه الشهادة منه عزوجل من جملة ما أشير إليه بقوله تعالى فى جوابهم (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) وفى تخصيص القرآن بالإقسام به أولا وبوصفه بالحكيم ثانيا تنويه بشأنه وتنبيه على أنه كما يشهد برسالته صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حيث نظمه المعجز المنطوى على بدائع الحكم يشهد بها من هذه الحيثية أيضا لما أن الإقسام بالشىء

١٥٨

(عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (٦) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٧)

____________________________________

استشهاد به على تحقق مضمون الجملة القسمية وتقوية لثبوته فيكون شاهدا به ودليلا عليه قطعا وقوله تعالى (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) خبر آخر لإن أو حال من المستكن فى الجار والمجرور على أنه عبارة عن الشريعة الشريفة بكمالها لا عن التوحيد فقط وفائدته بيان أن شريعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقوم الشرائع وأعدلها كما يعرب عنه التنكير التفخيمى والوصف إثر بيان أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جملة المرسلين بالشرائع (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) نصب على المدح وقرىء بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وبالجر على أنه بدل من القرآن وأيا ما كان فهو مصدر بمعنى المفعول عبر به عن القرآن بيانا لكمال عراقته فى كونه منزلا من عند الله عزوجل كأنه نفس التنزيل وإظهارا لفخامته الإضافية بعد بيان فخامته الذاتية بوصفه بالحكمة وفى تخصيص الاسمين الكريمين المعربين عن الغلبة التامة والرأفة العامة حث على الإيمان به ترهيبا وترغيبا وإشعار بأن تنزيله ناشىء عن غاية الرحمة حسبما نطق به قوله تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) وقيل النصب على أنه مصدر مؤكد لفعله المضمر أى نزل تنزيل العزيز الرحيم على أنه استئناف مسوق لبيان ما ذكر من فخامة شأن القرآن وعلى كل تقدير ففيه فضل تأكيد لمضمون الجملة القسمية (لِتُنْذِرَ) متعلق بتنزيل على الوجوه الأول وبعامله المضمر على الوجه الآخير أى لتنذر به كما فى صدر الأعراف وقيل هو متعلق بما يدل عليه لمن المرسلين أى إنك مرسل لتنذر (قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) أى لم ينذر آباؤهم الأقربون لتطاول مدة الفترة على أن ما نافية فتكون صفة مبينة لغاية احتياجهم إلى الإنذار أو الذى أنذره أو شيئا أنذره آباؤهم الأبعدون على أنها موصولة أو موصوفة فيكون مفعولا ثانيا لتنذر أو إنذار آبائهم الأقدمين على أنها مصدرية فيكون نعتا لمصدر مؤكد أى لتنذر إنذار كائنا مثل إنذارهم (فَهُمْ غافِلُونَ) على الوجه الأول متعلق بنفى الإنذار مترتب عليه والضمير للفريقين أى لم تنذر آباؤهم فهم جميعا لأجله غافلون وعلى الوجوه الباقية متعلق بقوله تعالى (لِتُنْذِرَ) أو بما يفيده (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) وارد لتعليل إنذاره صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو إرساله بغفلتهم المحوجة إليهما على أن الضمير للقوم خاصة فالمعنى فهم غافلون عنه أى عما أنذر آباؤهم الأقدمون لامتداد المدة واللام فى قوله تعالى (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) جواب القسم أى والله لقد ثبت وتحقق عليهم البتة لكن لا بطريق الجبر من غير أن يكون من قبلهم ما يقتضيه بل بسبب إصرارهم الاختيارى على الكفر والإنكار وعدم تأثرهم من التذكير والإنذار وغلوهم فى العتو والطغيان وتماديهم فى اتباع خطوات الشيطان بحيث لا يلويهم صارف ولا يثنيهم عاطف كيف لا والمراد بما حق من القول قوله

١٥٩

(إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) (١١)

____________________________________

تعالى لإبليس عند قوله (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) وهو المعنى بقوله تعالى (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) كما يلوح به تقديم الجنة على الناس فإنه كما ترى قد أوقع فيه الحكم بإدخال جهنم على من تبع إبليس وذلك تعليل له بتبعيته قطعا وثبوت القول على هؤلاء الذين عبر عنهم بأكثرهم إنما هو لكونهم من جملة أولئك المصرين على تبعية إبليس أبدا وإذ قد تبين أن مناط ثبوت القول وتحققه عليهم إصرارهم على الكفر إلى الموت ظهر أن قوله تعالى (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) متفرع فى الحقيقة على ذلك لا على ثبوت القول وقوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) تقرير لتصميمهم على الكفر وعدم ارعوائهم عنه بتمثيل حالهم بحال الذين غلت أعناقهم (فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ) أى فالأغلال منتهية إلى أذقانهم فلا تدعهم يلتفتون إلى الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطأطئون رءوسهم له (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) رافعون رءوسهم غاضون أبصارهم بحيث لا يكادون يرون الحق أو ينظرون إلى جهته (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) إما تتمة للتمثيل وتكميل له أى تكميل أى وجعلنا مع ما ذكر من أمامهم سدا عظيما ومن ورائهم سدا كذلك فغطينا بها أبصارهم فهم بسبب ذلك لا يقدرون على إبصار شىء ما أصلا وإما تمثيل مستقل فإن ما ذكر من جعلهم محصورين بين سدين هائلين قد غطيا أبصارهم بحيث لا يبصرون شيئا قطعا كاف فى الكشف عن كمال فظاعة حالهم وكونهم محبوسين فى مطمورة الغى والجهالات محرومين عن النظر فى الأدلة والآيات وقرىء سدا بالضم وهى لغة فيه وقيل ما كان من عمل الناس فهو بالفتح وما كان من خلق الله فبالضم وقرىء فأعشيناهم من العشا وقيل الآيتان فى بنى مخزوم وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلى ليرضخن رأسه فأتاه وهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلى ومعه حجر ليدمغه فلما رفع يده انثنت يده إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد فرجع إلى قومه فأخبرهم بذلك فقال مخزومى آخر أنا أقتله بهذا الحجر فذهب فأعمى الله تعالى بصره (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) بيان لشأنهم بطريق التصريح إثر بيانه بطريق التمثيل أى مستو عندهم إنذارك إياهم وعدمه حسبما مر تحقيقه فى سورة البقرة وقوله تعالى (لا يُؤْمِنُونَ) استئناف مؤكد لما قبله مبين لما فيه من إجمال ما فيه الاستواء أو حال مؤكدة له أو بدل منه ولما بين كون الإنذار عندهم كعدمة عقب ببيان من يتأثر منه فقيل (إِنَّما تُنْذِرُ) أى إنذارا مستتبعا للأثر (مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) أى القرآن بالتأمل فيه أو الوعظ ولم يصر على اتباع خطوات الشيطان (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) أى

١٦٠