تفسير أبي السّعود - ج ٣

أبي السعود محمّد بن محمّد العمادي

تفسير أبي السّعود - ج ٣

المؤلف:

أبي السعود محمّد بن محمّد العمادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٢

١

٥ ـ سورة المائدة

(مدنية وآياتها مأئة وعشرون)

[سورة المائدة (٥) : آية ١]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) (١)

(سورة المائدة مدنية وهى مائة وعشرون آية)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) الوفاء القيام بموجب العقد وكذا الإيفاء والعقد هو العهد الموثق المشبه بعقد الحبل ونحوه والمراد بالعقود ما يعم جميع ما ألزمه الله تعالى عباده وعقده عليهم من التكاليف والأحكام الدينية وما يعقدونه فيما بينهم من عقود الأمانات والمعاملات ونحوها مما يجب الوفاء به أو يحسن دينا بأن يحمل الأمر على معنى يعم الوجوب والندب أمر بذلك أولا على وجه الإجمال ثم شرع فى تفصيل الأحكام التى أمر بالإيفاء بها وبدى بما يتعلق بضروريات معايشهم* فقيل (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) البهيمة كل ذات أربع وإضافتها إلى الأنعام للبيان كثوب الخز وإفرادها لإرادة الجنس أى أحل لكم أكل البهيمة من الأنعام وهى الأزواج الثمانية المعدودة فى سورة الأنعام وألحق بها الظباء وبقر الوحش ونحوهما وقيل هى المرادة بالبهيمة ههنا لتقدم بيان حل الأنعام والإضافة لما بينهما من المشابهة والممائلة فى الاجترار وعدم الأنياب وفائدتها الإشعار بعلة الحكم المشتركة بين المضافين كأنه قيل أحلت لكم البهيمة الشبيهة بالأنعام التى بين إحلالها فيما سبق الممائلة لها فى مناط الحكم وتقديم الجار والمجرور على القائم مقام الفاعل لما مر مرارا من إظهار العناية بالمقدم لما فيه من تعجيل المسرة والتشويق* إلى المؤخر فإن ما حقه التقديم إذا أخر تبقى النفس مترقبة إلى وروده فيتمكن عندها فضل تمكن (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) استثناء من بهيمة الأنعام أى إلا محرم ما يتلى عليكم من قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) ونحوه* أو (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) آية تحريمه (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) أى الاصطياد فى البر أو أكل صيده وهو نصب على الحالية من ضمير لكم ومعنى عدم إحلالهم له تقرير حرمته عملا واعتقادا وهو شائع فى الكتاب والسنة وقوله* تعالى (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) أى محرمون حال من الضمير فى محلى وفائدة تقييد إحلال بهيمة الأنعام بما ذكر من عدم إحلال الصيد حال الإحرام على تقدير كون المراد بها الظباء ونظائرها ظاهرة لما أن إحلالها غير مطلق كأنه قيل أحل لكم الصيد حال كونكم ممتنعين عنه عند إحرامكم وأما على التقدير الأول ففائدته إتمام النعمة وإظهار الامتنان بإحلالها بتذكير احتياجهم إليه فإن حرمة الصيد فى حالة الإحرام من

٢

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢)

____________________________________

مظان حاجتهم إلى إحلال غيره حينئذ كأنه قيل أحلت لكم الأنعام مطلقا حال كونكم ممتنعين عن تحصيل ما يغنيكم عنها فى بعض الأوقات محتاجين إلى إحلالها وفى إسناد عدم الإحلال إليهم بالمعنى المذكور مع حصول المراد بأن يقال غير محلل لكم أو محرما عليكم الصيد حال إحرامكم مزيد تربية للامتنان وتقرير للحاجة ببيان علتها القريبة فإن تحريم الصيد عليهم إنما يوجب حاجتهم إلى إحلال ما يغنيهم عنه باعتبار تحريمهم له عملا واعتقادا مع ما فى ذلك من وصفهم بما هو اللائق بهم (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) من الأحكام* حسبما تقتضيه مشيئتة المبنية على الحكم البالغة فيدخل فيها ما ذكر من التحليل والتحريم دخولا أوليا ومعنى الإيفاء بهما الجريان على موجبهما عقدا وعملا والاجتناب عن تحليل المحرمات وتحريم بعض المحللات كالبحيرة ونظائرها التى سيأتى بيانها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) لما بين حرمة إحلال الإحرام الذى هو من شعائر الحج عقب ذلك ببيان حرمة إحلال سائر الشعائر وإضافتها إلى الله عزوجل لتشريفها وتهويل الخطب فى إحلالها وهى جمع شعيرة وهى اسم لما أشعر أى جعل شعارا وعلما للنسك من مواقيت الحج ومرامى الجمار والمطاف والمسعى والأفعال التى هى علامات الحاج يعرف بها من الإحرام والطواف والسعى والحلق والنحر وإحلالها أن يتهاون بحرمتها ويحال بينها وبين المتنسكين بها ويحدث فى أشهر الحج ما يصد به الناس عن الحج وقيل المراد بها دين الله لقوله تعالى (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) أى دينه وقيل (حُرُماتِ اللهِ) وقيل فرائضه التى حدها العباده وإحلالها الإخلال بها والأول أنسب بالمقام (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) أى لا تحلوه بالقتال فيه وقيل* بالنسىء والأول هو الأولى بحال المؤمنين والمراد به شهر الحج وقيل الأشهر الأربعة الحرم والإفراد لإرادة الجنس (وَلَا الْهَدْيَ) بأن يتعرض له بالغصب أو بالمنع عن بلوغ محله وهو ما أهدى إلى الكعبة* من إبل أو بقر أو شاء جمع هدية كجدى وجدية (وَلَا الْقَلائِدَ) هى جمع قلادة وهى ما يقلد به الهدى من* نعل أو لحاء شجر ليعلم به أنه هدى فلا يتعرض له والمراد النهى عن التعرض لذوات القلائد من الهدى وهى البدن وعطفها على الهدى مع دخولها فيه لمزيد التوصية بها لمزيتها على ما عداها كما عطف جبريل وميكال على الملائكة عليهم‌السلام كأنه قيل والقلائد منه خصوصا أو النهى عن التعرض لنفس القلائد مبالغة فى النهى عن التعرض لأصحابها على معنى لا تحلوا قلائدها فضلا عن أن تحلوها كما نهى عن إبداء الزينة بقوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) مبالغة فى النهى عن إبداء مواقعها (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) أى لا تحلوا* قوما قاصدين زيارته بأن تصدوهم عن ذلك بأى وجه كان وقيل هناك مضاف محذوف أى قتال قوم أو أذى قوم آمين الخ وقرىء ولا آمى البيت الحرام بالإضافة وقوله تعالى (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً)

٣

حال من المستكن فى آمين لا صفة له لأن المختار أن اسم الفاعل إذا وصف بطل عمله أى قاصدين زيارته حال كونهم طالبين أن يثيبهم الله تعالى ويرضى عنهم وتنكير فضلا ورضوانا للتفخيم ومن ربهم متعلق بنفس الفعل أو بمحذوف وقع صفة لفضلا مغنية عن وصف ما عطف عليه بها أى فضلا كائنا من ربهم ورضوانا كذلك والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم لتشريفهم والإشعار بحصول مبتغاهم وقرىء تبتغون على الخطاب فالجملة حينئذ حال من ضمير المخاطبين فى لا تحلوا على أن المراد بيان منافاة حالهم هذه للمنهى عنه لا تقييد النهى بها وإضافة الرب إلى ضمير الآمين للإيماء إلى اقتصار التشريف عليهم وحرمان المخاطبين عنه وعن نيل المبتغى وفى ذلك من تعليل النهى وتأكيده والمبالغة فى استنكار المنهى عنه ما لا يخفى ومن ههنا قيل إن المراد بالآمين هم المسلمون خاصة وبه تمسك من ذهب إلى أن الآية محكمة وقد روى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال سورة المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها وقال الحسن رحمه‌الله تعالى ليس فيها منسوخ وعن أبى ميسرة فيها ثمانى عشرة فريضة وليس فيها منسوخ وقد قيل هم المشركون خاصة لأنهم المحتاجون إلى نهى المؤمنين عن إحلالهم دون المؤمنين على أن حرمة إحلالهم ثبتت بطريق دلالة النص ويؤيده أن الآية نزلت فى الحطم بن ضبعة البكرى وقد كان أتى المدينة فخلف خيله خارجها فدخل على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده ووعده أن يأتى بأصحابه فيسلموا ثم خرج من عنده عليه‌السلام فمر بسرح المدينة فاستاقه فلما كان فى العام القابل خرج من اليمامة حاجا فى حجاج بكر بن وائل ومعه تجارة عظيمة وقد قلدوا الهدى فسأل المسلمون النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يخلى بينهم وبينه فأباه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزل الله عزوجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) الآية وفسر ابتغاء الفضل بطلب الرزق بالتجارة وابتغاء الرضوان بأنهم كانوا يزعمون أنهم على سداد من دينهم وأن الحج يقربهم إلى الله تعالى فوصفهم الله تعالى بظنهم وذلك الظن الفاسد وإن كان بمعزل من استتباع رضوانه تعالى لكن لا بعد فى كونه مدارا لحصول بعض مقاصدهم الدنيوية وخلاصهم عن المكاره العاجلة لا سيما فى ضمن مراعاة حقوق الله تعالى وتعظيم شعائره وقال قتادة هو أن يصلح معايشهم فى الدنيا ولا يعجل لهم العقوبة فيها وقيل هم المسلمون والمشركون لما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن المسلمين والمشركين كانوا يحجون جميعا فنهى الله المسلمين أن يمنعوا أحدا عن حج البيت بقوله تعالى (لا تُحِلُّوا) الآية ثم نزل بعد ذلك (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) وقوله تعالى (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) وقال مجاهد والشعى لا تحلوا نسخ بقوله تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ولا ريب فى تناول الآمين للمشركين قطعا إما استقلالا وإما اشتراكا لما سيأتى من قوله تعالى (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) الخ فيتعين النسخ كلا أو بعضا ولا بد فى الوجه الأخير من تفسير الفضل والرضوان بما يناسب الفريقين فقيل ابتغاء الفضل أى الرزق للمؤمنين والمشركين عامة وابتغاء الرضوان للمؤمنين خاصة ويجوز أن يكون الفضل على إطلاقه شاملا للفضل* الأخروى أيضا ويختص ابتغاؤه بالمؤمنين (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) تصريح بما أشير إليه بقوله تعالى (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) من انتهاء حرمة الصيد بانتفاء موجبها والأمر للإباحة بعد الحظر كأنه قيل وإذا حللتم فلا جناح عليكم فى الاصطياد وقرىء أحللتم وهو لغة فى حلى وقرىء بكسر الفاء بإلقاء حركة همزة الوصل عليها وهو

٤

ضعيف جدا (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) نهى عن إحلال قوم من الآمين خصوا به مع اندراجهم فى النهى عن إحلال* الكل كافة لاستقلالهم بأمور ربما يتوهم كونها مصححة لإحلالهم داعية إليه وجرم جار مجرى كسب فى المعنى وفى التعدى إلى مفعول واحد وإلى اثنين يقال جرم ذنبا نحو كسبه وجرمته ذنبا نحو كسبته إياه خلا أن جرم يستعمل غالبا فى كسب ما لا خير فيه وهو السبب فى إيثاره ههنا على الثانى وقد ينقل الأول من كل منهما بالهمزة إلى معنى الثانى فيقال أجرمته ذنبا وأكسبته إياه وعليه قراءة من قرأ يجرمنكم بضم الياء (شَنَآنُ قَوْمٍ) بفتح النون وقرىء بسكونها وكلاهما مصدر أضيف إلى مفعوله لا إلى فاعله كما قيل وهو* شدة البغض وغاية المقت (أَنْ صَدُّوكُمْ) متعلق بالشنآن بإضمار لام العلة أى لأن صدوكم عام الحديبية (عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) عن زيارته والطواف به للعمرة وهذه آية بينة فى عموم آمين للمشركين قطعا وقرىء إن صدوكم على أنه شرط معترض أغنى عن جوابه لا يجرمنكم قد أبرز الصد المحقق فيما سبق فى معرض المفروض للتوبيخ والتنبيه على أن حقه أن لا يكون وقوعه إلا على سبيل الفرض والتقدير (أَنْ تَعْتَدُوا) * أى عليهم وإنما حذف تعويلا على ظهوره وإيماء إلى أن المقصد الأصلى من النهى منع صدور الاعتداء عن المخاطبين محافظة على تعظيم الشعائر لا منع وقوعه على القوم مراعاة لجانبهم وهو ثانى مفعولى يجرمنكم أى لا يكسبنكم شدة بغضكم لهم لصدهم إياكم عن المسجد الحرام اعتداءكم عليهم وانتقامكم منهم للتشفى وهذا وإن كان بحسب الظاهر نهيا للشنآن عن كسب الاعتداء للمخاطبين لكنه فى الحقيقة نهى لهم عن الاعتداء على أبلغ وجه وآكده فإن النهى عن أسباب الشىء ومباديه المؤدية إليه نهى عنه بالطريق البرهانى وإبطال للسببية وقد يوجه النهى إلى المسبب ويراد النهى عن السبب كما فى قوله لا أرينك ههنا يريد به نهى مخاطبه عن الحضور لديه ولعل تأخير هذا النهى عن قوله تعالى (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) مع ظهور تعلقه بما قبله للإيذان بأن حرمة الاعتداء لا تنتهى بالخروج عن الإحرام كانتهاء حرمة الاصطياد به بل هى باقية ما لم تنقطع علاقتهم عن الشعائر بالكلية وبذلك يعلم بقاء حرمة التعرض لسائر الآمين بالطريق الأولى (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) لما كان الاعتداء غالبا بطريق التظاهر والتعاون أمروا إثر ما نهوا عنه بأن* يتعاونوا على كل ما هو من باب البر والتقوى ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى فدخل فيه ما نحن بصدده من التعاون على العفو والإغضاء عما وقع منهم دخولا أوليا ثم نهوا عن التعاون فى كل ما هو من مقولة الظلم والمعاصى بقوله تعالى (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) فاندرج فيه النهى عن التعاون على الاعتداء* والانتقام بالطريق البرهانى وأصل لا تعاونوا لا تتعاونوا فحذف منه إحدى التامين تخفيفا وإنما أخر النهى عن الأمر مع تقدم التخلية على التحلية مسارعة إلى إيجاب ما هو مقصود بالذات فإن المقصود من إيجاب ترك التعاون على الإثم والعدوان إنما هو تحصيل التعاون على البر والتقوى ثم أمروا بقوله تعالى (وَاتَّقُوا اللهَ) بالاتقاء فى جميع الأمور التى من جملتها مخالفة ما ذكر من الأوامر والنواهى* فثبت وجوب الاتقاء فيها بالطريق البرهانى ثم علل ذلك بقوله تعالى (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) أى لمن* لا يتقيه فيعاقبكم لا محالة إن لم تتقوه وإظهار الاسم الجليل لما مر مرارا من إدخال الروعة وتربية المهابة وتقوية استقلال الجملة.

٥

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣)

____________________________________

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) شروع فى بيان المحرمات التى أشير إليها بقوله تعالى (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) والميتة ما فارقه* الروح من غير ذبح (وَالدَّمُ) أى المسفوح منه لقوله تعالى (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) وكان أهل الجاهلية يصبونه* فى الأمعاء ويشوونه ويقولون لم يحرم من فزد له أى من فصد له (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) أى* رفع الصوت لغير الله عند ذبحه كقولهم باسم اللات والعزى (وَالْمُنْخَنِقَةُ) أى التى ماتت بالخنق (وَالْمَوْقُوذَةُ) * أى التى قتلت بالضرب بالخشب ونحوه من وقذته إذا ضربته (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) أى التى تردت من علو أو إلى* بئر فماتت (وَالنَّطِيحَةُ) أى التى نطحتها أخرى فماتت بالنطح والتاء للنقل وقرىء والمنطوحة (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) أى وما أكل منه السبع فمات وقرىء بسكون الباء وقرىء وأكيل السبع وفيه دليل على أن جوارح* الصيد إذا أكلت مما صادته لم يحل (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) إلا ما أدركتم ذكاته وفيه بقية حياة يضطرب اضطراب* المذبوح وقيل الاستثناء مخصوص بما أكل السبع والذكاة فى الشرع بقطع الحلقوم والمرىء بمحدد (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) قيل هو مفرد وقيل جمع نصاب وقرىء بسكون الصاد وأيا ما كان فهو واحد الأنصاب* وهى أحجار كانت منصوبة حول البيت يذبحون عليها ويعدون ذلك قربة وقيل هى الأصنام (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) جمع زلم وهو القدح أى وحرم عليكم الاستقسام بالأقداح وذلك أنهم إذا قصدوا فعلا ضربوا ثلاثة أقداح مكتوب على أحدها أمرنى ربى وعلى الثانى نهانى ربى وعلى الثالث غفل فإن خرج الآمر مضوا على ذلك وإن خرج الناهى اجتنبوا عنه وإن خرج الغافل أجالوها مرة أخرى فمعنى الاستقسام طلب معرفة ما قسم لهم بالأزلام وقيل هو استقسام الجزور بالأقداح على الأنصباء المعهودة* (ذلِكُمْ) إشارة إلى الاستقسام بالأزلام ومعنى البعد فيه للإشارة إلى بعد منزلتة فى الشر (فِسْقٌ) تمرد وخروج عن الحد ودخول فى علم الغيب وضلال باعتقاد أنه طريق إليه وافتراء على الله سبحانه إن كان هو المراد بقولهم ربى وشرك وجهالة إن كان هو الصنم وقيل ذلكم إشارة إلى تناول المحرمات المعدودة* لأن معنى تحربمها تحريم تناولها (الْيَوْمَ) اللام للعهد والمراد به الزمان الحاضر وما يتصل به من الأزمنة الماضية والآتية وقيل يوم نزولها وقد نزلت بعد عصر الجمعة يوم عرفة فى حجة الوداع والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم واقف بعرفات على العضباء فكادت عضد الناقة تندق لثقلها فبركت وأيا ما كان فهو منصوب على أنه ظرف لقوله تعالى* (يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) أى من إبطاله ورجوعكم عنه بتحليل هذه الخبائث أو غيرها أو من أن يغلبوكم عليه لما شاهدوا من أن الله عزوجل وفى بوعده حيث أظهره على الدين كله وهو الأنسب بقوله

٦

(يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٤)

____________________________________

تعالى (فَلا تَخْشَوْهُمْ) أى أن يظهروا عليكم (وَاخْشَوْنِ) أى وأخلصوا إلى الخشية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) بالنصر والإظهار على الأديان كلها أو بالتنصيص على قواعد العقائد والتوقيف على أصول الشرائع وقوانين الاجتهاد وتقديم الجار والمجرور للإيذان من أول الأمر بأن الإكمال لمنفعتهم ومصلحتهم كما فى قوله تعالى (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) وعليكم فى قوله تعالى (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) متعلق بأتممت لا بنعمتى* لأن المصدر لا يتقدم عليه معموله وتقديمه على المفعول الصريح لمامر مرات أى أتممتها بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين وهدم منار الجاهلية ومناسكها والنهى عن حج المشرك وطواف العريان أو بإكمال الدين والشرائع أو بالهداية والتوفيق قيل معنى (أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) أنجزت لكم وعدى بقولى ولأتم نعمتى عليكم (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) أى اخترته لكم من بين الأديان وهو الدين عند الله لا غير.* عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أن رجلا من اليهود قال له يا أمير المؤمنين آية فى كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا قال أى آية قال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) الآية قال عمر رضى الله تعالى عنه قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذى أنزلت فيه على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة أشار رضى الله تعالى عنه إلى أن ذلك اليوم عيدلنا. وروى أنه لما نزلت هذه الآية بكى عمر رضى الله تعالى عنه فقال له النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يبكيك يا عمر قال أبكانى أنا كنا فى زيادة من ديننا فإذ أكمل فإنه لا يكمل شىء إلا نقص فقال عليه الصلاة والسلام صدقت فكانت هذه الآية نعى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما لبث بعد ذلك إلا أحدا وثمانين يوما (فَمَنِ اضْطُرَّ) متصل بذكر المحرمات وما بينهما اعتراض بما يوجب* أن يجتنب عنه وهو أن تناولها فسوق وحرمتها من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإسلام المرضى أى فمن اضطر إلى تناول شىء من هذه المحرمات (فِي مَخْمَصَةٍ) أى مجاعة يخاف معها الموت أو مباديه* (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) قيل غير مائل ومنحرف إليه بأن يأكلها تلذذا أو مجاوزا حد الرخصة أو ينتزعها من* مضطر آخر كقوله تعالى (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ* (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لا يؤاخذه بذلك (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) شروع فى تفصيل المحللات التى ذكر بعضها على وجه الإجمال إثر بيان المحرمات كأنهم سألوا عنها عند بيان أضدادها ولتضمن السؤال معنى القول أوقع على الجملة فماذا مبتدأ وأحل لهم خبره وضمير الغيبة لما أن يسألون بلفظ الغيبة فإنه كما يعتبر حال المحكى عنه فيقال أقسم زيد لأفعلن يعتبر حال الحاكى فيقال أقسم زيد ليفعلن والمسئول ما أحل لهم من المطاعم (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) أى ما لم تستخبثه الطباع السليمة ولم* تنفر عنه كما فى قوله تعالى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ) عطف على* (الطَّيِّباتُ) بتقدير المضاف على أن ما موصولة والعائد محذوف أى وصيد ما علمتموه أو مبتدأ على أن

٧

(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٥)

____________________________________

ما شرطية والجواب فكلوا وقد جوز كونها مبتدأ على تقدير كونها موصولة أيضا والخبر كلوا وإنما دخلته الفاء تشبيها للموصول باسم الشرط ومن الجوارح حال من الموصول أو ضميره المحذوف والجوارح* الكواسب من سباع البهائم والطير وقيل سميت بها لأنها تجرح الصيد غالبا (مُكَلِّبِينَ) أى معلمين لها الصيد والمكلب مؤدب الجوارح ومضريها بالصيد مشتق من الكلب لأن التأديب كثيرا ما يقع فيه أو لأن كل سبع يسمى كلبا لقوله عليه الصلاة والسلام فى حق عتبة بن أبى لهب حين أراد سفر الشام فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فأكله الأسد وانتصابه على الحالية من فاعل علمتم وفائدتها المبالغة فى التعليم لما أن الاسم المكلب لا يقع إلا على النحرير فى علمه وقرىء مكلبين بالتخفيف والمعنى واحد* (تُعَلِّمُونَهُنَّ) حال ثانية منه أو حال من ضمير مكلبين أو استئناف (مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) من الحيل وطرق التعليم والتأديب فإن العلم به إلهام من الله تعالى أو مكتسب بالعقل الذى هو منحة منه أو مما عرفكم أن تعلموه من اتباع الصيد بإرسال صاحبه وانزجاره بزجره وانصرافه بدعائه وإمساك الصيد عليه وعدم أكله منه* (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) قد مر فيما سبق أن هذه الجملة على تقدير كون ما شرطية جواب الشرط وعلى تقدير كونها موصولة مرفوعة على الابتداء خبر لها وأما على تقدير كونها عطفا على الطيبات فهى جملة متفرعة على بيان حل صيد الجوارح المعلمة مبينة للمضاف المقدر الذى هو المعطوف وبه يتعلق الإحلال حقيقة ومشيرة إلى نتيجة التعليم وأثره داخلة تحت الأمر فالفاء فيها كما فى قوله [أمرتك الخير فافعل ما أمرت به] ومن تبعيضية لما أن البعض مما لا يتعلق به الأكل كالجلود والعظام والريش وغير ذلك وما موصولة أو موصوفة حذف عائدها وعلى متعلقة بأمسكن أى فكلوا بعض ما أمسكنه عليكم وهو الذى لم يأكلن منه وأماما أكلن منه فهو مما أمسكنه على أنفسهن لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعدى بن حاتم وإن أكل منه فلا تأكل إنما أمسك على نفسه وإليه ذهب أكثر الفقهاء وقال بعضهم لا يشترط عدم الأكل فى سباع الطير لما أن تأديبها إلى هذه الدرجة متعذر وقال آخرون لا يشترط ذلك مطلقا وقد روى عن سلمان وسعد ابن أبى وقاص وأبى هريرة رضى الله تعالى عنهم أنه إذا أكل الكلب ثلثيه وبقى ثلثه وقد ذكرت اسم الله* عليه فكل (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) الضمير لما علمتم أى سموا عليه عند إرساله أو لما أمسكنه أى سموا* عليه إذا أدركتم ذكاته (وَاتَّقُوا اللهَ) فى شأن محرماته (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) أى سريع إتيان حسابه أو سريع تمامه إذا شرع فيه يتم فى أقرب ما يكون من الزمان والمعنى على التقديرين أنه يؤاخذكم سريعا فى كل ما جل ودق وإظهار الاسم الجليل فى موقع الإضمار لتربية المهابة وتعليل الحكم (الْيَوْمَ أُحِلَ

٨

لَكُمُ الطَّيِّباتُ) قيل المراد بالأيام الثلاثة وقت واحد وإنما كرر للتأكيد ولاختلاف الأحداث الواقعة فيه حسن تكريره والمراد بالطيبات ما مر (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أى اليهود والنصارى* واستثنى على رضى الله تعالى عنه نصارى بنى تغلب وقال ليسوا على النصرانية ولم يأخذوا منها إلا شرب الخمر وبه أخذ الشافعى رضى الله عنه والمراد بطعامهم ما يتناول ذبائحهم وغيرها (أُحِلَّ لَكُمُ) * أى حلال وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال لا بأس وهو قول عامة التابعين وبه أخذ أبو حنيفة رضى الله عنه وأصحابه وحكم الصابئين حكم أهل الكتاب عنده وقال صاحباه هما صنفان صنف يقرءون الزبور ويعبدون الملائكة عليهم‌السلام وصنف لا يقرءون كتابا ويعبدون النجوم فهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب وأما المجوس فقد سن بهم سنة أهل الكتاب فى أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم لقوله عليه الصلاة والسلام سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحى نسائهم ولا آكلى ذبحائحهم (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) فلا عليكم أن تطعموهم وتبيعوه منهم ولو* حرم عليهم لم يجز ذلك (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ) رفع على أنه مبتدأ حذف خبره لدلالة ما تقدم عليه أى حل لكم أيضا والمراد بهن الحرائر العفائف وتخصيصهن بالذكر للبعث على ما هو الأولى لا لنفى ما عداهن فإن نكاح الإماء المسلمات صحيح بالاتفاق وكذا نكاح غير العفائف منهن وأما الإماء الكتابيات فهن كالمسلمات عند أبى حنيفة رضى الله عنه خلافا للشافعى رضى الله عنه (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أى هن أيضا حل لكم وإن كن حربيات وقال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما لا تحل الحربيات (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) أى مهورهن وتقييد الحل بإيتائها لتأكيد وجوبها والحث على الأولى وقيل المراد بإيتائها التزامها وإذا ظرفية عاملها حل المحذوف وقيل شرطية حذف جوابها أى إذا آتيتموهن أجورهن حللن لكم (مُحْصِنِينَ) حال من فاعل آتيتموهن أى حال كونكم أعفاء بالنكاح وكذا قوله تعالى (غَيْرَ مُسافِحِينَ) وقيل هو حال من ضمير محصنين وقيل صفة لمحصنين أى غير مجاهرين بالزنا (وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) أى ولا مسرين به والخدن الصديق يقع على الذكر والأنثى وهو إما مجرور عطفا على مسافحين وزيدت لا لتأكيد النفى المستفاد من غير أو منصوب عطفا على غير مسافحين باعتبار أوجهه الثلاثة (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ) أى ومن ينكر شرائع الإسلام التى من جملتها ما بين ههنا من الأحكام المتعلقة بالحل والحرمة ويمتنع عن قبولها (فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) الصالح الذى عمله قبل ذلك (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) هو مبتدأ من الخاسرين خبره وفى متعلقة بما تعلق به الخبر من الكون المطلق وقيل بمحذوف دل عليه المذكور أى خاسرة فى الآخرة وقيل بالخاسرين على أن الألف واللام للتعريف لا موصولة لأن ما بعدها لا يعمل فيما قبلها وقيل يغتفر فى الظرف ما لا يغتفر فى غيره كما فى قوله[ربيته حتى إذا تمعددا * كان جزائى بالعصا أن أجلدا]

٩

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٦)

____________________________________

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) شروع فى بيان الشرائع المتعلقة بدينهم بعد بيان ما يتعلق بدنياهم (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) أى أردتم القيام إليها كما فى قوله تعالى (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) عبر عن إرادة الفعل بالفعل المسبب عنها مجازا للإيجاز والتنبيه على أن من أراد الصلاة حقه أن يبادر إليها بحيث لا ينفك عن إرادتها أو إذا قصدتم الصلاة إطلاقا لاسم أحد لازميها على لازمها الآخر وظاهر الآية الكريمة يوجب الوضوء على كل قائم إليها وإن لم يكن محدثا لما أن الأمر للوجوب قطعا والإجماع على خلافه وقد روى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد فقال عمر رضى الله تعالى عنه صنعت شيئا لم تكن تصنعه فقال عليه الصلاة والسلام عمدا فعلته يا عمر يعنى بيانا للجواز وحمل الأمر بالنسبة إلى غير المحدث على الندب مما لا مساغ له فالوجه أن الخطاب خاص بالمحدثين بقرينة دلالة الحال واشتراط الحدث فى التيمم الذى هو بدله وما نقل عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والخلفاء من أنهم كانوا يتوضئون لكل صلاة فلا دلالة فيه على أنهم كانوا يفعلونه بطريق الوجوب أصلا كيف لا وما روى عنه عليه الصلاة والسلام من قوله من توضا على طهر كتب الله له عشر حسنات صريح فى أن ذلك كان منهم بطريق الندب وما قيل كان ذلك أول الأمر ثم نسخ* يرده قوله عليه الصلاة والسلام المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) أى أمروا عليها الماء ولا حاجة إلى الدلك خلافا لمالك (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) الجمهور على دخول المرفقين فى المغسول ولذلك قيل إلى بمعنى مع كما فى قوله تعالى (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) وقيل هى إنما تفيد معنى الغاية مطلقا وأما دخولها فى الحكم أو خروجها منه فلا دلالة لها عليه وإنما هو أمر يدور على الدليل الخارجى كما فى حفظت القرآن من أوله إلى آخره وقوله تعالى (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) فإن الدخول في الأول والخروج فى الثانى متيقن بناء على تحقق الدليل وحيث لم يتحقق ذلك فى الآية وكانت الأيدى متناولة للمرافق حكم بدخولها فيها احتياطا وقيل إلى من حيث إفادتها للغاية تقتضى خروجها لكن لما لم* تتميز الغاية ههنا عن ذى الغاية وجب إدخالها احتياطا (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) الباء مزيدة وقيل للتبعيض فإنه الفارق بين قولك مسحت المنديل ومسحت بالمنديل وتحقيقه أنها تدل على تضمين الفعل معنى الالصاق فكأنه قيل وألصقوا المسح برءوسكم وذلك لا يقتضى الاستيعاب كما يقتضيه ما لو قيل وامسحوا رءوسكم فإنه كقوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) واختلف العلماء فى القدر الواجب فأوجب الشافعى أقل ما ينطلق عليه الاسم أخذا باليقين وأبو حنيفة ببيان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث مسح على ناصيته وقدرها

١٠

(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٧)

____________________________________

بربع الرأس ومالك مسح الكل أخذا بالاحتياط (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) بالنصب عطفا على وجوهكم* ويؤيده السنة الشائعة وعمل الصحابة وقول أكثر الأئمة والتحديد إذ المسح لم يعهد محدودا وقرىء بالجر على الجوار ونظيره فى القرآن كثير كقوله تعالى (عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) ونظائره وللنحاة فى ذلك باب مفرد وفائدته التنبيه على أنه ينبغى أن يقتصد فى صب الماء عليها ويغسلها غسلا قريبا من المسح وفى الفصل بينه وبين أخواته إيماء إلى أفضلية الترتيب وقرىء بالرفع أى وأرجلكم مغسولة (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) أى فاغتسلوا وقرىء فاطهروا أى فطهروا أبدانكم وفى تعليق الأمر بالطهارة الكبرى بالحدث الأكبر إشارة إلى اشتراط الأمر بالطهارة الصغرى بالحدث الأصغر (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) مرضا* يخاف به الهلاك أو ازياده باستعمال الماء (أَوْ عَلى سَفَرٍ) أى مستقرين عليه (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) من لابتداء الغاية وقيل للتبعيض وهى متعلقة بامسحوا وقرىء فأموا صعيدا وقد مر تفسير الآية الكريمة مشبعا فى سورة النساء فليرجع إليه ولعل التكرير ليتصل الكلام فى أنواع الطهارة (ما يُرِيدُ اللهُ) أى ما يريد بالأمر بالطهارة* للصلاة أو بالأمر بالتيمم (لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) من ضيق فى الامتثال به (وَلكِنْ يُرِيدُ) ما يريد بذلك* (لِيُطَهِّرَكُمْ) أى لينظفكم أو ليطهركم عن الذنوب فإن الوضوء مكفر لها أو ليطهركم بالتراب إذا أعوزكم* التطهر بالماء فمفعول يريد فى الموضعين محذوف واللام للعلة وقيل مزيدة والمعنى ما يريد الله أن يجعل عليكم من حرج فى باب الطهارة حتى لا يرخص لكم فى التيمم ولكن يريد أن يطهركم بالتراب إذا أعوذكم التطهر بالماء (وَلِيُتِمَّ) بشرعه ما هو مطهرة لأبدانكم ومكفرة لذنوبكم (نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) فى الدين أوليتم* برخصة إنعامه عليكم بعزائمه (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمته ومن لطائف الآية الكريمة أنها مشتملة على سبعة* أمور كلها مثنى طهارتان أصل وبدل والأصل اثنان مستوعب وغير مستوعب وباعتبار الفعل غسل ومسح وباعتبار المحل محدود وغير محدود وأن آلتهما مائع وجامد وموجبهما حدث أصغر وأكبر وأن المبيح للعدول إلى البدل مرض وسفر وأن الموعود عليهما تطهير الذنوب وإتمام النعمة (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) بالإسلام لتذكركم المنعم وترغبكم فى شكره (وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) أى عهده المؤكد الذى أخذه* عليكم وقوله تعالى (إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) ظرف لواثقكم به أو لمحذوف وقع حالا من الضمير المجرور* فى به أو من ميثاقه أى كائنا وقت قولكم سمعنا وأطعنا وفائدة التقييد به تأكيد وجوب مراعاته بتذكر قبولهم والتزامهم بالمحافظة عليه وهو الميثاق الذى أخذه على المسلمين حين بايعهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على السمع والطاعة فى حال العسر واليسر والمنشط والمكره وقيل هو الميثاق الواقع ليلة العقبة وفى بيعة الرضوان وإضافته إليه تعالى مع صدوره عنه عليه الصلاة والسلام لكون المرجع إليه كما نطق به قوله تعالى (إِنَ

١١

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٨) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (١٠)

____________________________________

الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) وقال مجاهد هو الميثاق الذى أخذه الله تعالى على عباده حين أخرجهم* من صلب آدم عليه‌السلام (وَاتَّقُوا اللهَ) أى فى نسيان نعمته ونقض ميثاقه أو فى كل ما تأتون وما تذرون* فيدخل فيه ما ذكر دخولا أوليا (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أى بخفياتها الملابسة لها ملابسة تامة مصححة لإطلاق الصاحب عليها فيجازيكم عليها فما ظنكم بجليات الأعمال والجملة اعتراض تذييلى وتعليل للأمر بالإتقاء وإظهار الاسم الجليل فى موقع الإضمار لتربية المهابة وتعليل الحكم وتقوية استقلال الجملة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) شروع فى بيان الشرائع المتعلقة بما يجرى بينهم وبين غيرهم إثر بيان ما يتعلق بأنفسهم (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ) مقيمين لأوامره ممتثلين بها معظمين لها مراعين لحقوقها (شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) أى بالعدل (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) أى لا يحملنكم (شَنَآنُ قَوْمٍ) أى شدة بغضكم لهم (عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) فلا تشهدوا فى حقوقهم بالعدل أو فتعتدوا عليهم بارتكاب مالا يحل كمثلة وقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد تشفيا وغير* ذلك (اعْدِلُوا هُوَ) أى العدل (أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) الذى أمرتم به صرح لهم بالأمر بالعدل وبين أنه بمكان من التقوى بعد مانهاهم عن الجور وبين أنه مقتضى الهوى وإذا كان وجوب العدل فى حق الكفار* بهذه المثابة فما ظنك بوجوبه فى حق المسلمين (وَاتَّقُوا اللهَ) أمر بالتقوى إثر ما بين أن العدل أقرب له* اعتناء بشأنه وتنبيها على أنه ملاك الأمر (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) من الأعمال فيجازيكم بذلك وتكرير هذا الحكم إما لاختلاف السبب كما قيل إن الأول نزل فى المشركين وهذا فى اليهود أو لمزيد الاهتمام بالعدل والمبالغة فى إطفاء ثائرة الغيظ والجملة تعليل لما قبلها وإظهار الجلالة لما مر مرات وحيث كان مضمونها منبئا عن الوعد والوعيد عقب بالوعد لمن يحافظ على طاعته تعالى وبالوعيد لمن يخل بها فقيل (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) التى من جملتها العدل والتقوى (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) حذف ثانى مفعولى وعد استغناء عنه بهذه الجملة فإنه استئناف مبين له وقيل الجملة فى موقع المفعول فإن الوعد ضرب من القول فكأنه قيل وعدهم هذا القول (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) التى من جملتها ما تليت* من النصوص الناطقة بالأمر بالعدل والتقوى (أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر من الكفر وتكذيب* الآيات (أَصْحابُ الْجَحِيمِ) ملابسوها ملابسة مؤبدة. من السنة السنية القرآنية شفع الوعد بالوعيد والجمع بين الترغيب والترهيب إيفاء لحق الدعوة بالتبشير والإنذار.

١٢

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)) (١١

____________________________________

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) تذكير لنعمة الإنجاء من الشر إثر تذكير نعمة إيصال الخير الذى هو نعمة الإسلام وما يتبعها من الميثاق وعليكم متعلق بنعمة الله أو بمحذوف وقع حالا منها وقوله تعالى (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ) على الأول ظرف لنفس النعمة وعلى الثانى لما تعلق به عليكم ولا سبيل إلى كونه ظرفا* لا ذكروا لتنافى زمانيهما أى اذكروا إنعامه تعالى عليكم أو اذكروا نعمته كائنة عليكم فى وقت همهم (أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) أى بأن يبطشوا بكم بالقتل والإهلاك يقال بسط إليه يده إذا بطش به وبسط* إليه لسانه إذا شتمه وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح للمسارعة إلى بيان رجوع ضرر البسط وغائلته إليهم حملا لهم من أول الأمر على الاعتداد بنعمة دفعه كما أن تقديم لكم فى قوله عزوجل (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) للمبادرة إلى بيان كون المخلوق من منافعهم تعجيلا للمسرة (فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) عطف على هم وهو النعمة التى أريد تذكيرها وذكرا لهم للإبذان بوقوعها عند مزيدا لحاجة إليها والفاء للتعقيب المفيد لتمام النعمة وكمالها وإظهار أيديهم فى موقع الإضمار لزيادة التقرير أى منع أيديهم أن تمد إليكم عقيب همهم بذلك لا أنه كفها عنكم بعد ما مدوها إليكم وفيه من الدلالة على كمال النعمة من حيث أنها لم تكن مشوبة بضرر الخوف والانزعاج الذى قلما يعرى عنه الكف بعد المد مالا يخفى مكانه وذلك ما روى أن المشركين رأوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه بعسفان فى غزوة ذى أنمار وهى غزوة ذات الرقاع وهى السابعة من مغازيه عليه الصلاة والسلام قاموا إلى الظهر معا فلما صلوا ندم المشركون ألا كانوا قد أكبوا عليهم فقالوا إن لهم بعدها صلاة هى أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم يعنون صلاة العصر وهموا أن يوقعوا بهم إذا قاموا إليها فرد الله تعالى كيدهم بأن أنزل صلاة الخوف وقيل هو ما روى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى بنى قريظة ومعه الشيخان وعلى رضى الله تعالى عنهم يستقرضهم لدية مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمرى خطأ يحسبهما مشركين فقالوا انعم يا أبا القاسم أجلس حتى نطعمك ونعطيك ما سألت فأجلسوه فى صفة وهموا بالفتك به وعمد عمرو بن جحاش إلى رحا عظيمة يطرحها عليه فأمسك الله تعالى يده ونزل جبريل عليه‌السلام فأخبره فخرج عليه الصلاة والسلام وقيل هو ما روى أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل منزلا وتفرق أصحابه فى العضاه يستظلون بها فعلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سيفه بشجرة فجاء أعرابى فأخذه وسله فقال من يمنعك منى فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم الله تعالى فأسقطه جبريل عليه‌السلام من يده فأخذه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال من يمنعك منى فقال لا أحد أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (وَاتَّقُوا اللهَ) عطف على اذكروا أى اتقوه فى رعاية حقوق نعمته* ولا تخلوا بشكرها أو فى كل ما تأتون وما تذرون فيدخل فيه ما ذكر دخولا أوليا (وَعَلَى اللهِ) أى عليه* تعالى خاصة دون غيره استقلالا واشتراكا (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) فإنه يكفيهم فى إيصال كل خير ودفع* كل شر والجملة تذييل مقرر لما قبله وإيثار صيغة أمر الغائب وإسنادها إلى المؤمنين لإيجاب التوكل على

١٣

(وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (١٢)

____________________________________

المخاطبين بالطريق البرهانى وللإيذان بأن ما وصفوا به عند الخطاب من وصف الإيمان داع إلى ما أمروا به من التوكل والتقوى وازع عن الإخلال بهما وإظهار الاسم الجليل فى موقع الإضمار لتعليل الحكم وتقوية استقلال الجملة التذييلية (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) كلام مستأنف مشتمل على ذكر بعض ما صدر عن بنى إسرائيل من الخيانة ونقض الميثاق وما أدى إليه ذلك من التبعات مسوق لتقرير المؤمنين على ذكر نعمة الله تعالى ومراعاة حق الميثاق الذى واثقهم به وتحذيرهم من نقضه أو لتقرير ما ذكر من الهم بالبطش وتحقيقه على تقدير كون ذلك من بنى قريظة حسبما مر من الرواية ببيان أن الغدر والخيانة عادة لهم قديمة توارثوها من أسلافهم وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة وتفخيم الميثاق وتهويل الخطب فى* نقضه مع ما فيه من رعاية حق الاستئناف المستدعى للانقطاع عما قبله والالتفات فى قوله تعالى (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) للجرى على سنن الكبرياء أو لأن البعث كان بواسطة موسى عليه‌السلام كما سيأتى وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر والنقيب فعيل بمعنى فاعل مشتق من النقب وهو التفتيش ومنه قوله تعالى (فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ) سمى بذلك لتفتيشه عن أحوال القوم وأسرارهم. قال الزجاج وأصله من النقب وهو الثقب الواسع. روى أن بنى إسرائيل لما استقروا بمصر بعد مهلك فرعون أمرهم الله عزوجل بالمسير إلى أريحاء أرض الشام وكان يسكنها الجبابرة الكنعانيون وقال لهم إنى كتبتها لكم دارا وقرارا فاخرجوا إليها وجاهدوا من فيها وإنى ناصركم وأمر موسى عليه‌السلام أن يأخذ من كل سبط نقيبا أمينا يكون كفيلا على قومه بالوفاء بما أمروا به توثقة عليهم فاختار النقباء وأخذ الميثاق على بنى إسرائيل وتكفل إليهم النقباء وسار بهم فلما دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسسون فرأوا أجراما عظيمة وقوة وشوكة فهابوا ورجعوا وحدثوا قومهم بما رأوا وقد نهاهم موسى عن ذلك فنكثوا الميثاق إلا كالب بن يوقنا نقيب سبط يهوذا ويوشع بن نون نقيب سبط إفراييم بن يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام قيل لما توجه النقباء إلى أرضهم للتجسس لقيهم عوج بن عنق وكان طوله ثلاثة آلاف وثلثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وقد عاش ثلاثة آلاف سنة وكان على رأسه حزمة حطب فأخذهم وجعلهم فى الحزمة وانطلق بهم إلى امرأته وقال انظرى إلى هؤلاء الذين يزعمون أنهم يريدون قتالنا فطرحهم بين يديها وقال ألا أطحنهم برجلى فقالت لا بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ففعل فجعلوا يتعرفون أحوالهم وكان لا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة رجال أو أربعة فلما خرج النقباء قال بعضهم لبعض إن أخبرتم بنى إسرائيل بخبر القوم ارتدوا عن نبى الله ولكن اكتموه

١٤

إلا عن موسى وهرون عليهما‌السلام فيكونان هما يريان رأيهما فأخذ بعضهم على بعض الميثاق ثم انصرفوا إلى موسى عليه‌السلام وكان معهم حبة من عنبهم وقر رجل فنكثوا عهدهم وجعل كل منهم ينهى سبطه عن قتالهم ويخبرهم بما رأى إلا كالب ويوشع وكان معسكر موسى فرسخا فى فرسخ فجاه عوج حتى نظر إليهم ثم رجع إلى الجبل فقور منه صخرة عظيمة على قدر العسكر ثم حملها على رأسه ليطبقها عليهم فبعث الله تعالى الهدهد فقور من الصخرة وسطها المحاذى لرأسه فانتقبت فوقعت فى عنق عوج وطوقته فصرعته وأقبل موسى عليه‌السلام وطوله عشرة أذرع وكذا طول العصا فترامى فى السماء عشرة أذرع فما أصاب العصا إلا كعبه وهو مصروع فقتله قالوا فأقبلت جماعة ومعهم الخناجر حتى حزوا رأسه (وَقالَ اللهُ) أى لبنى* إسرائيل فقط إذهم المحتاجون إلى ما ذكر من الترغيب والترهيب كما ينبىء عنه الالتفات مع ما فيه من تربية المهابة وتأكيد ما يتضمنه الكلام من الوعد (إِنِّي مَعَكُمْ) أى بالعلم والقدرة والنصرة لا بالنصرة فقط فإن* تنبيههم على علمه تعالى بكل ما يأتون وما يذرون وعلى كونهم تحت قدرته وملكوته مما يحملهم على الجد فى الامتثال بما أمروا به والانتهاء عما نهوا عنه كأنه قيل إنى معكم أسمع كلامكم وأرى أعمالكم وأعلم ضمائركم فأجازيكم بذلك هذا وقد قيل المراد بالميثاق هو الميثاق بالإيمان والتوحيد وبالنقباء ملوك بنى إسرائيل الذين ينقبون أحوالهم ويلون أمورهم بالأمر والنهى وإقامة العدل وهو الأنسب بقوله تعالى (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي) أى بجميعهم واللام موطئة للقسم المحذوف وتأخير الإيمان عن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مع كونهما من الفروع المترتبة عليه لما أنهم كانوا معترفين بوجوبهما مع ارتكابهم لتكذيب بعض الرسل عليهم‌السلام ولمراعاة المقارنة بينه وبين قوله تعالى (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) أى نصرتموهم* وقويتموهم وأصله الذب وقيل التعظيم والتوقير والثناء بخير وقرىء وعزرتموهم بالتخفيف (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ) بالإنفاق فى سبيل الخير أو بالتصدق بالصدقات المندوبة وقوله تعالى (قَرْضاً حَسَناً) إما مصدر مؤكد* وارد على غير صيغة المصدر كما فى قوله تعالى (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) أو مفعول ثان لأقرضتم على أنه اسم للمال المقرض وقوله تعالى (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) جواب للقسم المدلول عليه* باللام ساد مسد جواب الشرط (وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) عطف على ما قبله داخل* معه فى حكم الجواب متأخر عنه فى الحصول أيضا ضرورة تقدم التخلية على التحلية (فَمَنْ كَفَرَ) أى برسلى* أو بشىء مما عدد فى حيز الشرط والفاء لترتيب بيان حكم من كفر على بيان حكم من آمن تقوية للترغيب بالترهيب (بَعْدَ ذلِكَ) الشرط المؤكد المعلق به الوعد العظيم الموجب للإيمان قطعا (مِنْكُمْ) متعلق بمضمر* وقع حالا من فاعل كفر ولعل تغيير السبك حيث لم يقل وإن كفرتم عطفا على الشرطية السابقة لإخراج كفر الكل عن حيز الاحتمال وإسقاط من كفر عن رتبة الخطاب وليس المراد إحداث الكفر بعد الإيمان بل ما يعم الاستمرار عليه أيضا كأنه قيل فمن اتصف بالكفر بعد ذلك خلا أنه قصد بإيراد ما يدل على الحدوث بيان ترقيهم فى مراتب الكفر فإن الاتصاف بشىء بعد ورود ما يوجب الإقلاع عنه وإن كان استمرارا عليه لكنه بحسب العنوان فعل جديد وصنع حادث (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أى وسط الطريق* الواضح ضلالا بينا وأخطأه خطا فاحشا لا عذر معه أصلا بخلاف من كفر قبل ذلك إذ ربما يمكن أن

١٥

(فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣) وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (١٤)

____________________________________

يكون له شبهة ويتوهم له معذرة (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) الباء سببية وما مزيدة لتأكيد الكلام وتمكينه فى* النفس أى بسبب نقضهم ميثاقهم المؤكد لا بشىء آخر استقلالا أو انضماما (لَعَنَّاهُمْ) طردناهم وأبعدناهم من رحمتنا أو مسخناهم قردة وخنازير أو أذللناهم بضرب الجزية عليهم وتخصيص البيان بما ذكر مع أن حقه أن يبين بعد بيان تحقق نفس اللعن والنقض بأن يقال مثلا فنقصوا ميثاقهم فلعناهم ضرورة تقدم هيئة الشىء البسيطة على هيئته المركبة للإيذان بأن تحققهما أمر جلى غنى عن البيان وإنما المحتاج إلى ذلك* ما بينهما من السببية والمسببية (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) بحيث لا تئأثر من الآيات والنذر وقيل أملينا لهم ولم نعاجلهم بالعقوبة حتى قست أو خذلناهم ومنعناهم الألطاف حتى صارت كذلك وقرىء قسية وهى إما مبالغة قاسية وإما بمعنى رديئة من قولهم درهم قسى أى ردىء إذا كان مغشوشا له يبس وخشونة* وقرىء بكسر القاف اتباعا لها بالسين بحرفون الكلم عن مواضعه) استئناف لبيان مرتبة قساوة قلوبهم فإنه لا مرتبة أعظم مما يصحح الا اء على لغيير كلام الله عزوجل والافتراء عليه وصيغة المضارع* للدلالة على التجدد والاستمرار وقيل حال من مفعول لعناهم (وَنَسُوا حَظًّا) أى تركوا نصيبا وافرا (مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) من التوراة أو من اتباع محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقيل حرفوا التوراة وزلت أشياء منها عن حفظهم وعن ابن* مسعود رضى الله تعالى عنه قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا هذه الآية (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) أى خيانة على أنها مصدر كلاغية وكاذبة أو فعلة خائنة أى ذات خيانة أو طائفة خائنة أو شخص خائنة على أن التاء للمبالغة أو نفس خائنة ومنهم متعلق بمحذوف وقع صفة لها خلا أن من على الوجهين الأولين ابتدائية أى على خيانة أو على فعلة خائنة كائنة منهم صادرة عنهم وعلى الوجوه الباقية تبعيضية والمعنى أن الغدر* والخيانة عادة مستمرة لهم ولأسلافهم بحيث لا يكادون يتركونها أو يكتمونها فلا تزال ترى ذلك منهم (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) استثناء من الضمير المجرور فى منهم على الوجوه كلها وقيل من خائنة على الوجوه الثلاثة الأخيرة والمراد بهم الذين آمنوا منهم كعبد الله بن سلام وأضرا به وقيل من خائنة على الوجه الثانى فالمراد بالقليل* الفعل القليل ومن ابتدائية كما مر أى إلا فعلا قليلا كائنا منهم (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) أى إن تابوا* وآمنوا أو عاهدوا والتزموا الجزية وقيل مطلق نسخ بآية السيف (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) تعليل للأمر وحث على الامتثال به وتنبيه على أن العفو على الإطلاق من باب الإحسان (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا

١٦

(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) (١٥)

____________________________________

نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) بيان لقبائح النصارى وجناياتهم إثر بيان قبائح اليهود وخياناتهم ومن متعلقة بأخذنا إذ التقدير وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم وتقديم الجار والمجرور للاهتمام به ولأن ذكر حال إحدى الطائفتين مما يوقع فى ذهن السامع أن حال الأخرى ماذا فكأنه قيل ومن الطائفة الأخرى أيضا أخذنا ميثاقهم وقيل هى متعلقة بمحذوف وقع خبرا لمبتدأ محذوف قامت صفته أو صلته مقامه أى ومنهم قوم أخذنا ميثاقهم أو من أخذنا ميثاقهم وضمير ميثاقهم راجع إلى الموصوف المقدر وأما فى الوجه الأول فراجع إلى الموصول وقيل راجع إلى بنى إسرائيل أى أخذنا من هؤلاء ميثاق أولئك أى مثل ميثاقهم من الإيمان بالله والرسل وبما يتفرع على ذلك من أفعال الخير وإنما نسب قسميتهم نصارى إلى أنفسهم دون أن يقال ومن النصارى إيذانا بأنهم فى قولهم نحن أنصار الله بمعزل من الصدق وإنما هو تقول محض منهم وليسوا من نصرة الله تعالى فى شىء أو إظهارا لكمال سوء صنيعهم ببيان التناقض بين أقوالهم وأفعالهم فإن ادعاءهم لنصرته تعالى يستدعى ثباتهم على طاعته تعالى ومراعاة ميثاقه (فَنَسُوا) عقيب أخذ الميثاق* من غير تلعثم (حَظًّا) وافرا (مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) فى تضاعيف الميثاق من الإيمان بالله تعالى وغير ذلك حسبما* مر آنفا وقيل هو ما كتب عليهم فى الإنجيل من أن يؤمنوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتركوه ونبذوه وراء ظهورهم واتبعوا أهواءهم فاختلفوا وتفرقوا نسطورية ويعقوبية وملكانية أنصارا للشيطان (فَأَغْرَيْنا) أى ألزمنا* وألصقنا من غرى بالشىء إذا لزمه ولصق به وأغراه غيره ومنه الغراء وقوله تعالى (بَيْنَهُمُ) إما ظرف* لأغرينا أو متعلق بمحذوف وقع حالا من مفعوله أى أغرينا (الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) كائنة بينهم ولا سبيل إلى* جعله ظرفا لهما لأن المصدر لا يعمل فيما قبله وقوله تعالى (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) إما غاية للإغراء أو للعداوة* والبغضاء أى يتعادون ويتباغضون إلى يوم القيامة حسبما تقتضيه أهواؤهم المختلفة وآراؤهم الزائغة المؤدية إلى التفرق إلى الفرق الثلاث فضمير بينهم لهم خاصة وقيل لهم ولليهود أى أغرينا العداوة والبغضاء بين اليهود والنصارى (وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) وعيد شديد بالجزاء والعذاب كقول الرجل لمن يتوعده* سأخبرك بما فعلت أى يجازيهم بما عملوه على الاستمرار من نقض الميثاق ونسيان الحظ الوافر مما ذكروا به وسوف لتأكيد الوعيد والالتفات إلى ذكر الاسم الجليل لتربية المهابة وإدخال الروعة لتشديد الوعيد والتعبير عن العمل بالصنع للإيذان برسوخهم فى ذلك وعن المجازاة بالتنبئة للتنبيه على أنهم لا يعلمون حقيقة ما يعملونه من الأعمال السيئة واستتباعها للعذاب فيكون ترتيب العذاب عليها فى إفادة العلم بحقيقة حالها بمنزلة الإخبار بها (يا أَهْلَ الْكِتابِ) التفات إلى خطاب الفريقين على أن الكتاب جنس شامل للتوراة والإنجيل إثر بيان أحوالهما من الخيانة وغيرها من فنون القبائح ودعوة لهم إلى الإيمان برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن وإيرادهم بعنوان أهلية الكتاب لانطواء الكلام المصدر به على ما يتعلق بالكتاب

١٧

(يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٦)

____________________________________

وللمبالغة فى التشنيع فإن أهلية الكتاب من موجبات مراعاته والعمل بمقتضاه وبيان ما فيه من الأحكام* وقد فعلوا من الكتم والتحريف ما فعلوا وهم يعلمون (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) الإضافة للتشريف والإيذان* بوجوب اتباعه وقوله تعالى (يُبَيِّنُ لَكُمْ) حال من رسولنا وإيثار الجملة الفعلية على غيرها للدلالة على* تجدد البيان أى قد جاءكم رسولنا حال كونه مبينا لكم على التدريج حسبما تقتضيه المصلحة (كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) أى التوراة والإنجيل كبعثة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآية الرجم فى التوراة وبشارة عيسى بأحمد عليهما‌السلام فى الإنجيل وتأخير كثيرا عن الجار والمجرور لما مر مرارا من إظهار العناية بالمقدم لما فيه من تعجيل المسرة والتشويق إلى المؤخر لأن ما حقه التقديم إذا أخر لا سيما مع الإشعار بكونه من منافع المخاطب تبقى النفس مترقبة إلى وروده فيتمكن عندها إذا ورد فضل تمكن ولأن فى المؤخر ضرب تفصيل ربما يخل تقديمه بتجاذب أطراف النظم الكريم فإن مما متعلق بمحذوف وقع صفة لكثيرا وما موصولة اسمية وما بعدها صلتها والعائد إليها محذوف ومن الكتاب متعلق بمحذوف هو حال من العائد المحذوف والجمع بين صيغتى الماضى والمستقبل للدلالة على استمرارهم على الكتم والإخفاء أى يبين لكم* كثيرا من الذى تخفونه على الاستمرار حال كونه من الكتاب الذى أنتم أهله والمتمسكون به (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) أى ولا يظهر كثيرا مما تخفونه إذا لم تدع إليه داعية دينية صيانة لكم عن زيادة الافتضاح كما يفصح عنه التعبير عن عدم الإظهار بالعفو وفيه حث لهم على عدم الإخفاء ترغيبا وترهيبا والجملة معطوفة على الجملة* الحالية داخلة فى حكمها وقيل يعفو عن كثير منكم ولا يؤاخذه وقوله تعالى (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ) جملة مستأنفة مسوقة لبيان أن فائدة مجىء الرسول ليست منحصرة فيما ذكر من بيان ما كانوا يخفونه بل له منافع لا تحصى ومن الله متعلق بجاء ومن لابتداء الغاية مجازا أو بمحذوف وقع حالا من نور وأيا ما كان فهو تصريح بما يشعر به إضافة الرسول من مجيئه من جنابه عزوجل وتقديم الجار والمجرور على الفاعل للمسارعة إلى بيان كون المجىء من جهته العالية والتشويق إلى الجائى ولأن فيه نوع تطويل يخل تقديمه بتجاوب أطراف النظم الكريم كما فى قوله تعالى (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) * وتنوين نور للتفخيم والمراد به وبقوله تعالى (وَكِتابٌ مُبِينٌ) القرآن لما فيه من كشف ظلمات الشرك والشك وإبانة ما خفى على الناس من الحق والإعجاز البين والعطف لتنزيل المغايرة بالعنوان منزلة المغايرة بالذات وقيل المراد بالأول هو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبالثانى القرآن (يَهْدِي بِهِ اللهُ) توحيد الضمير المجرور لاتحاد المرجع بالذات أو لكونهما فى حكم الواحد أو أريد يهدى بما ذكر وتقديم الجار والمجرور للاهتمام وإظهار الجلالة لإظهار كمال الاعتناء بأمر الهداية ومحل الجملة الرفع على أنها صفة ثانية لكتاب* أو النصب على الحالية منه لتخصصه بالصفة (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) أى رضاه بالإيمان به ومن موصولة أو

١٨

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (١٧

____________________________________

موصوفة (سُبُلَ السَّلامِ) أى طرق السلامة من العذاب والنجاة من العقاب أو سبل الله تعالى وهى* شريعته التى شرعها للناس وقيل هو مفعول ثان ليهدى والحق أن انتصابه بنزع الخافض على طريقة قوله تعالى واختار موسى قومه وإنما يعدى إلى الثانى بإلى أو باللام كما فى قوله تعالى (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (وَيُخْرِجُهُمْ) الضمير لمن والجمع باعتبار المعنى كما أن الإفراد فى اتبع باعتبار اللفظ (مِنَ الظُّلُماتِ) * أى ظلمات فنون الكفر والضلال (إِلَى النُّورِ) إلى الإيمان (بِإِذْنِهِ) بتيسيره أو بإرادته (وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) هو أقرب الطرق إلى الله تعالى ومؤد إليه لا محالة وهذه الهداية عين الهداية إلى سبل السلام وإنما عطفت عليها تنزيلا للتغاير الوصفى منزلة التغاير الذاتى كما فى قوله تعالى (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) أى لا غير كما يقال الكرم هو التقوى وهم اليعقوبية القائلون بأنه تعالى قد يحل فى بدن إنسان معين أو فى روحه وقيل لم يصرح به أحد منهم لكن حيث اعتقدوا اتصافه بصفات الله الخاصة وقد اعترفوا بأن الله تعالى موجود فلزمهم القول بأنه المسيح لا غير وقيل لما زعموا أن فيه لا هو تاو قالوا لا إله إلا واحد لزمهم أن يكون هو المسيح فنسب إليهم لازم قولهم توضيحا لجهلهم وتفضيحا لمعتقدهم (قُلْ) أى تبكيتا* لهم وإظهارا لبطلان قولهم الفاسد وإلقاما لهم الحجر والفاء فى قوله تعالى (فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) فصيحة* ومن استفهامية للإنكار والتوبيخ والملك الضبط والحفظ التام عن حزم ومن متعلقة به على حذف المضاف أى إن كان الأمر كما تزعمون فمن يمنع من قدرته تعالى وإرادته شيئا وحقيقته فمن يستطيع أن يمسك شيئا منهما (إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ومن حق من يكون إلها أن لا يتعلق* به ولا بشأن من شئونه بل بشىء من الموجودات قدرة غيره بوجه من الوجوه فضلا عن أن يعجز عن دفع شىء منها عند تعلقها بهلا كه فلما كان عجزه بينا لا ريب فيه ظهر كونه بمعزل مما تقولوا فى حقه والمراد بالإهلاك الإماتة والإعدام مطلقا لا بطريق السخط والغضب وإظهار المسيح على الوجه الذى نسبوا إليه الألوهية فى مقام الإضمار لزيادة التقرير والتنصيص على أنه من تلك الحيثية بعينها داخل تحت قهره وملكوته تعالى ونفى المالكية المذكورة بالاستفهام الإنكارى عن كل أحد مع تحقق الإلزام والتبكيت بنفيها عن المسيح فقط بأن يقال فهل يملك شيئا من الله إن أراد الخ لتحقيق الحق بنفى الألوهية عن كل ما عداه سبحانه وإثبات المطلوب فى ضمنه بالطريق البرهانى فإن انتفاء المالكية المستلزم لاستحالة الألوهية متى ظهر بالنسبة إلى الكل ظهر بالنسبة إلى المسيح على أبلغ وجه وآكده فيظهر استحالة ألوهيته قطعا وتعميم إرادة الإهلاك للكل مع حصول ما ذكر من التحقيق بقصرها عليه بأن يقال فمن يملك من الله شيئا إن

١٩

(وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١٨)

____________________________________

أراد أن يهلك المسيح لتهويل الخطب وإظهار كمال العجز ببيان أن الكل تحت قهره تعالى وملكوته لا يقدر أحد على دفع ما أريد به فضلا عن دفع ما أريد بغيره وللإيذان بأن المسيح أسوة لسائر المخلوقات فى كونه عرضة للهلاك كما أنه أسوة لها فيما ذكر من العجز وعدم استحقاق الألوهية وتخصيص أمه بالذكر مع اندراجها فى ضمن من فى الأرض لزيادة تأكيد عجز المسيح ولعل نظمها فى سلك من فرض إرادة إهلاكهم مع تحقق هلاكها قبل ذلك لتأكيد التبكيت وزيادة تقرير مضمون الكلام بجعل حالها أنموذجا لحال بقية من فرض إهلاكه كأنه قيل قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح وأمه ومن فى* الأرض وقد أهلك أمه فهل مانعه أحد فكذا حال من عداها من الموجودين وقوله تعالى (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) أى ما بين قطرى العالم الجسمانى لا بين وجه الأرض ومقعر فلك القمر فقط فيتناول ما فى السموات من الملائكة عليهم‌السلام وما فى أعماق الأرض والبحار من المخلوقات تنصيص على كون الكل تحت قهره تعالى وملكوته إثر الإشارة إلى كون البعض أى من فى الأرض كذلك أى له تعالى وحده ملك جميع الموجودات والتصرف المطلق فيها إيجادا وإعداما وإحياء وإماتة لا لأحد سواه استقلالا ولا اشتراكا فهو تحقيق لاختصاص الألوهية به تعالى إثر بيان انتفائها عن كل* ما سواه وقوله تعالى (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) جملة مستأنفة مسوقة لبيان بعض أحكام الملك والألوهية على وجه يزيح ما اعتراهم من الشبهة فى أمر المسيح لولادته من غير أب وخلق الطير وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص أى يخلق ما يشاء من أنواع الخلق والإيجاد على أن ما نكرة موصوفة محلها النصب على المصدرية لا على المفعولية كأنه قيل يخلق أى خلق يشاؤه فتارة يخلق من غير أصل كخلق السموات والأرض وأخرى من أصل كخلق ما بينهما فينشىء من أصل ليس من جنسه كخلق آدم وكثير من الحيوانات ومن أصل يجانسه إما من ذكر وحده كخلق حواء أو أنثى وحدها كخلق عيسى عليه‌السلام أو منهما كخلق سائر الناس ويخلق بلا توسط شىء من المخلوقات كخلق عامة المخلوقات وقد يخلق بتوسط مخلوق آخر كخلق الطير على يد عيسى عليه‌السلام معجزة له وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك فيجب أن ينسب كله* إليه تعالى لا إلى من أجرى ذلك على يده (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله وإظهار الاسم الجليل للتعليل وتقوية استقلال الجملة (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) حكاية لما صدر عن الفريقين من الدعوى الباطلة وبيان لبطلانها بعد ذكر ما صدر عن أحدهما وبيان بطلانه أى قالت اليهود نحن أشياع ابنه عزير وقالت النصارى نحن أشياع ابنه المسيح كما قيل لأشياع أبى خبيب وهو عبد الله بن الزبير الخبيبيون وكما يقول أقارب الملوك عند المفاخرة نحن الملوك وقال ابن

٢٠