تفسير أبي السّعود - ج ٧

أبي السعود محمّد بن محمّد العمادي

تفسير أبي السّعود - ج ٧

المؤلف:

أبي السعود محمّد بن محمّد العمادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٨٨

(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) (١٤)

____________________________________

خاف عقابه وهو غائب عنه على أنه حال من الفاعل أو المفعول أو خافه فى سريرته ولم يغتر برحمته فإنه منتقم قهار كما أنه رحيم غفار كما نطق به قوله تعالى (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) عظيمة (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) لا يقادر قدره والفاء لترتيب البشارة أو الأمر بها على ما قبلها من اتباع الذكر والخشية (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) بيان لشأن عظيم ينطوى على الإنذار والتبشير انطواء إجماليا أى نبعثهم بعد ممانهم وعن الحسن إحياؤهم إخراجهم من الشرك إلى الإيمان فهو حينئذ عدة كريمة بتحقيق المبشر به (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) أى ما أسلفوا من الأعمال الصالحة وغيرها (وَآثارَهُمْ) * التى أبقوها من الحسنات كعلم علموه أو كتاب ألفوه أو حبيس وقفوه أو بناء بنوه من المساجد والرباطات والقناطر وغير ذلك من وجوه البر ومن السيئات كتأسيس قوانين الظلم والعدوان وترتيب مبادى الشر والفساد فيما بين العباد وغير ذلك من فنون الشرور التى أحدثوها وسنوها لمن بعدهم من المفسدين وقيل هى آثار المشائين إلى المساجد ولعل المراد أنها من جملة الآثار وقرىء ويكتب على البناء للمفعول ورفع آثارهم (وَكُلَّ شَيْءٍ) من الأشياء كائنا ما كان (أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) أصل عظيم الشأن مظهر لجميع الأشياء مما كان وما سيكون وهو اللوح المحفوظ وقرىء كل شىء بالرفع (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) ضرب المثل يستعمل تارة فى تطبيق حالة غريبة بحالة أخرى مثلها كما فى قوله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ) وأخرى فى ذكر حالة غريبة وبيانها للناس من غير قصد إلى تطبيقها بنظيرة لها كما فى قوله تعالى (وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) على أحد الوجهين أى بينا لكم أحوالا بديعة هى فى الغرابة كالأمثال فالمعنى على الأول اجعل أصحاب القرية مثلا لهؤلاء فى الغلو فى الكفر والإصرار على تكذيب الرسل أى طبق حالهم بحالهم على أن مثلا مفعول ثان لا ضرب وأصحاب القرية مفعوله الأول أخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه وعلى الثانى اذكر وبين لهم قصة هى فى الغرابة كالمثل وقوله تعالى (أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) بدل منه بتقدير المضاف أو بيان له والقرية أنطاكية (إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) بدل اشتمال من أصحاب القرية وهم رسل عيسى عليه‌السلام إلى أهلها ونسبة إرسالهم إليه تعالى فى قوله (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) بناء على أنه كان بأمره تعالى لتكميل التمثيل وتتميم التسلية وهما يحيى وبولس وقيل غيرهما (فَكَذَّبُوهُما) أى فأتياهم فدعواهم إلى الحق فكذبوهما فى الرسالة (فَعَزَّزْنا) أى قوينا يقال عزز المطر الأرض إذا لبدها وقرىء بالتخفيف من عزه إذا غلبه وقهره وحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه ولأن المقصد ذكر المعزز به (بِثالِثٍ) هو شمعون (فَقالُوا) أى جميعا (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) مؤكدين كلامهم* لسبق الإنكار لما أن تكذيبهما تكذيب للثالث لاتحاد كلمتهم وذلك أنهم كانوا عبدة أصنام فأرسل إليهم

١٦١

(قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (١٧)

____________________________________

عيسى عليه‌السلام اثنين فلما قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار صاحب يس فسألهما فأخبراه قال أمعكما آية فقالا نشفى المريض ونبرىء الأكمه والأبرص وكان له ولد مريض منذ سنتين فمسحاه فقام فآمن حبيب وفشا الخبر وشفى على أيديهما خلق وبلغ حديثهما إلى الملك وقال لهما ألنا إله سوى آلهتنا قالا نعم من أوجدك وآلهتك فقال حتى أنظر فى أمركما فتبعهما الناس وقيل ضربوهما وقيل حبسا ثم بعث عيسى عليه‌السلام شمعون فدخل متنكرا وعاشر حاشية الملك حتى استأنسوا به ورفعوا خبره إلى الملك فأنس به فقال له يوما بلغنى أنك حبست رجلين فهل سمعت ما يقولونه قال لا حال الغضب بينى وبين ذلك فدعا هما فقال شمعون من أرسلكما قالا الله الذى خلق كل شىء وليس له شريك فقال صفاه وأو جزا قالا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد قال وما آيتكما قالا ما يتمنى الملك فدعا بغلام مطموس العينين فدعوا الله تعالى حتى انشق له بصر فأخذا بندقتين فوضعاهما فى حدقتيه فصارتا مقلتين ينظر بهما فقال له شمعون أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا فيكون لك وله الشرف قال ليس لى عنك سر إن إلهنا لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع وكان شمعون يدخل معهم على الصنم فيصلى ويتضرع وهم يحسبون أنه منهم ثم قال إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنا به فدعوا بغلام مات من سبعة أيام فقام وقال إنى أدخلت فى سبعة أودية من النار وإنى أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا وقال فتحت أبواب السماء فرأيت شابا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة قال الملك من هم قال شمعون وهذان فتعجب الملك فلما رأى شمعون أن قوله قد أثر فيه نصحه فآمن وآمن قوم ومن لم يؤمن صاح عليهم جبريل عليه‌السلام فهلكوا هكذا قالوا ولكن لا يساعده سياق النظم الكريم حيث اقتصر فيه على حكاية تماديهم فى العناد واللجاج وركوبهم متن المكابرة فى الحجاج ولم يذكر فيه ممن يؤمن أحد سوى حبيب ولو أن الملك وقوما من حواشيه آمنوا لكان الظاهر أن يظاهروا الرسل ويساعدوهم قبلوا فى ذلك أو قتلوا كدأب النجار الشهيد ولكان لهم فيه ذكر ما بوجه من الوجوه اللهم إلا أن يكون إيمان الملك بطريق الخفية على خوف من عناة ملئه فيعتزل عنهم معتذرا بعذر من الأعذار (قالُوا) أى أهل أنطاكية الذين لم يؤمنوا مخاطبين للثلاثة (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) من غير مزية لكم علينا موجبة لا ختصاصكم بما تدعونه ورفع بشر لانتقاض النفى المقتضى لإعمال ما بإلا (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) مما تدعونه من الوحى والرسالة (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) فى دعوى رسالته (قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) استشهدوا بعلم الله تعالى وهو يجرى مجرى القسم مع ما فيه من تحذيرهم معارضة علم الله تعالى وزادوا اللام المؤكدة لما شاهدوا منهم من شدة الإنكار (وَما عَلَيْنا) أى من جهة ربنا (إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أى إلا تبليغ رسالته تبليغا ظاهرا بينا

١٦٢

(قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٢)

____________________________________

بالآيات الشاهدة بالصحة وقد خرجنا عن عهدته فلا مؤاخذة لنا بعد ذلك من جهة ربنا أو ما علينا شىء نطالب به من جهتكم إلا تبليغ الرسالة على الوجه المذكور وقد فعلناه فأى شىء تطلبون منا حتى تصدقونا بذلك (قالُوا) لما ضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل (إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ) تشاء منابكم جريا على ديدن الجهلة حيث كانوا يتيمنون بكل ما يوافق شهواتهم وإن كان مستجلبا لكل شر ووبال ويتشاءمون بما لا يوافقها وإن كان مستتبعا لسعادة الدارين أو بناء على أن الدعوة لا تخلو عن الوعيد بما يكرهونه من إصابة ضر متعلق بأنفسهم وأهليهم وأموالهم إن لم يؤمنوا فكانوا ينفرون عنه وقد روى أنه حبس عنهم القطر فقالوه (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا) أى عن مقالتكم هذه (لَنَرْجُمَنَّكُمْ) بالحجازة (وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) لا يقادر قدره (قالُوا طائِرُكُمْ) أى سبب شؤمكم (مَعَكُمْ) لا من قبلنا وهو سوء عقيدتكم وقبح أعمالكم وقرىء طيركم (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) أى وعظتم بما فيه سعادتكم وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه أى تطيرتم وتوعدتم بالرجم والتعذيب وقرىء بألف بين الهمزتين وبفتح أن بمعنى أتطيرتم لأن ذكرتم وأن ذكرتم وأن ذكرتم بغير استفهام وأين ذكرتم بمعنى طائركم معكم حيث جرى ذكركم وهو أبلغ (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) إضراب عما تقتضيه الشرطية من كون التذكير سببا للشؤم أو مصححا للتوعد أى ليس الأمر كذلك بل أنتم قوم عادتكم الإسراف فى العصيان فلذلك أتاكم الشؤم أو فى الظلم والعدوان ولذلك توعدتم وتشاءمتم بمن يجب إكرامه والتبرك به (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) هو حبيب النجار وكان ينحت أصنامهم وهو ممن آمن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبينهما ستمائة سنة كما آمن به تبع الأكبر وورقة بن نوفل وغيرهما ولم يؤمن بنبى غيره صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحد قبل مبعثه وقيل كان فى غار يعبد الله تعالى فلما بلغه خبر الرسل عليهم الصلاة والسلام أظهر دينه (قالَ) استئناف وقع جوابا عن سوال نشأ من حكاية مجيئه* ساعيا كأنه قيل فماذا قال عند مجيئه فقيل قال (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) تعرض لعنوان رسالتهم حثا لهم على اتباعهم كما أن خطابهم بيا قوم لتأليف قلوبهم واستمالتها نحو قبول نصيحته وقوله تعالى (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) تكرير للتأكيد وللتوسل به إلى وصفهم بما يرغبهم فى اتباعهم من التنزه عن الغرض الدنيوى والاهتداء إلى خير الدنيا والدين (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) تلطف فى الإرشاد

١٦٣

(أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) (٢٧)

____________________________________

بإيراده فى معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح حيث أراهم أنه اختار لهم ما يختار لنفسه والمراد تقريعهم على ترك عبادة خالقهم إلى عبادة غيره كما ينبىء عنه قوله (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) مبالغة فى التهديد ثم عاد إلى المساق الأول فقال (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) إنكار ونفى لاتخاذ الآلهة على الإطلاق وقوله (إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) أى لا تنفعنى شيئا من النفع (وَلا يُنْقِذُونِ) من ذلك الضر بالنصرة والمظاهرة استئناف سيق لتعليل النفى المذكور وجعله صفة لآلهة كما ذهب إليه بعضهم ربما يوهم أن هناك آلهة ليست كذلك وقرىء إن يردن بفتح الياء على معنى إن يوردنى ضرا أى يجعلنى موردا للضر (إِنِّي إِذاً) أى إذا اتخذت من دونه آلهة (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فإن إشراك ما ليس من شأنه النفع ولا دفع الضر بالخالق المقتدر الذى لا قادر غيره ولا خير إلا خيره ضلال بين لا يخفى على أحد ممن له تمييز فى الجملة (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ) خطاب منه للرسل بطريق التلوين قيل لما نصح قومه بما ذكر هموا برجمه فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتلوه فقال ذلك وإنما أكده لإظهار صدوره عنه بكمال الرغبة والنشاط وأضاف الرب إلى ضميرهم روما لزيادة التقرير وإظهارا للاختصاص والاقتداء بهم كأنه قال بربكم الذى أرسلكم أو الذى تدعوننا إلى الإيمان به (فَاسْمَعُونِ) أى اسمعوا إيمانى واشهدوا لى به عند الله تعالى وقيل الخطاب للكفرة شافههم بذلك إظهارا للتصلب فى الدين وعدم المبالاة بالقتل وإضافة الرب إلى ضميرهم لتحقيق الحق والتنبيه على بطلان ما هم عليه من اتخاذ الأصنام أربابا وقيل للناس جميعا (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) قيل له ذلك لما قتلوه إكراما له بدخولها حينئذ كسائر الشهداء وقيل لما هموا بقتله رفعه الله تعالى إلى الجنة قاله الحسن وعن قتادة أدخله الله الجنة وهو فيها حى يرزق وقيل معناه البشرى بدخول الجنة وأنه من أهلها وإنما لم يقل له لأن الغرض بيان المقول لا المقول له لظهوره وللمبالغة فى المسارعة إلى بيانه والجملة استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية حاله ومقاله كأنه قيل كيف كان لقاء ربه بعد ذلك التصلب فى دينه والتسخى بروحه لوجهه تعالى فقيل قيل ادخل الجنة وكذلك قوله تعالى (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) (بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) فإنه جواب عن سؤال نشأ من حكاية حاله كأنه قيل فماذا قال عند نيله تلك الكرامة السنية فقيل قال الخ وإنما تمنى علم قومه بحاله ليحملهم ذلك عن اكتساب مثله

١٦٤

(وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) (٣١)

____________________________________

بالتوبة عن الكفر والدخول فى الإيمان والطاعة جريا على سنن الأولياء فى كظم الغيظ والترحم على الأعداء أو ليعلموا أنهم كانوا على خطأ عظيم فى أمره وأنه كان على الحق وأن عداوتهم لم تكسبه إلا سعادة وقرىء من المكرمين وما موصولة أو مصدرية والباء صلة يعلمون أو استفهامية وردت على الأصل والباء متعلقة بغفر أى بأى شىء غفر لى ربى يريد به تفخيم شأن المهاجرة عن ملتهم والمصابرة على أذيتهم (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ) من بعد قتله أو رفعه (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) لإهلاكهم والانتقام منهم كما فعلناه يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك وفيه استحقار لهم ولإهلاكهم وإيماء إلى تفخيم شأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) وما صح فى حكمتنا أن ننزل لإهلاك قومه جندا من السماء لما أنا قدرنا* لكل شىء سببا حيث أهلكنا بعض من أهلكنا من الأمم بالحاصب وبعضهم بالصيحة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالإغرق وجعلنا إنزال الجند من خصائصك فى الانتصار من قومك وقيل ما موصولة معطوفة على جند أى وما كنا منزلين على من قبلهم من حجارة وريح وأمطار شديدة وغيرها (إِنْ كانَتْ) أى ما كانت الأخذة أو العقوبة (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) صاح بها جبريل عليه‌السلام وقرىء إلا صيحة بالرفع على أن كان تامة وقرىء إلا زقية واحدة من زقا الطائر إذا صاح (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) ميتون شبهوا بالنار الخامدة رمزا إلى أن الحى كالنار الساطعة فى الحركة والالتهاب والميت كالرماد كما قال لبيد[وما المرء إلا كالشهاب وضوئه * يحور رمادا بعد إذ هو ساطع] (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) تعالى فهذه من الأحوال التى حقها أن تحضرى فيها وهى ما دل عليه قوله تعالى (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) فإن المستهزئين بالناصحين الذين نيطت بنصائحهم سعادة الدارين أحقاء بأن يتحسروا ويتحسر عليهم المتحسرون أو قد تلهف على حالهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين وقد جوز أن يكون تحسرا عليهم من جهة الله تعالى بطريق الاستعارة لتعظيم ما جنوه على أنفسهم ويؤيده قراءة يا حسرتا لأن المعنى يا حسرتى ونصبها لطولها بما تعلق بها من الجار وقيل بإضمار فعلها والمنادى محذوف وقرىء يا حسرة العباد بالإضافة إلى الفاعل أو المفعول ويا حسرة على العباد بإجراء الوصل مجرى الوقف (أَلَمْ يَرَوْا) أى ألم يعلموا وهو معلق عن العمل فى قوله تعالى (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) لأن كم لا يعمل فيها ما قبلها وإن كانت خبرية لأن أصلها الاستفهام خلا أن معناه نافذ فى الجملة كما نفذ فى قولك ألم تر أن زيدا لمنطلق وإن لم يعمل فى لفظه (أَنَّهُمْ

١٦٥

(وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ) (٣٥)

____________________________________

إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) بدل من كم أهلكنا على المعنى أى ألم يروا كثرة إهلاكنا من قبلهم من المذكورين آنفا ومن غيرهم كونهم غير راجعين إليهم وقرىء بالكسر على الاستئناف وقرىء ألم يروا من أهلكنا والبدل حينئذ بدل اشتمال (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) بيان لرجوع الكل إلى المحشر بعد بيان عدم الرجوع إلى الدنيا وإن نافية وتنوين كل عوض عن المضاف إليه ولما بمعنى إلا وجميع فعيل بمعنى مفعول ولدينا ظرف له أو لما بعده والمعنى ما كلهم إلا مجموعون لدينا محضرون للحساب والجزاء وقيل محضرون معذبون فكل عبارة عن الكفرة وقرىء لما بالتخفيف على أن أن مخففة من الثقيلة واللام فارقة وما مزيدة للتأكيد والمعنى أن كلهم مجموعون الخ (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) بالتخفيف وقرىء بالتشديد وقوله تعالى (آيَةٌ) خبر مقدم للاهتمام به وتنكيرها للتفخيم ولهم إما متعلقة بها لأنها بمعنى العلامة أو بمضمر هو صفة لها والأرض مبتدأ والميتة صفتها وقوله تعالى (أَحْيَيْناها) استئناف مبين لكفية كونها آية وقيل آية مبتدأ ولهم خبر والأرض الميتة مبتدأ موصوف وأحييناها خبره والجملة مفسرة لآية وقيل الأرض مبتدأ وأحييناها خبره والجملة خبر لآية وقيل الخبر لها هو الأرض وأحييناها صفتها لأن المراد بها الجنس لا المعينة والأول هو الأولى لأن مصب الفائدة هو كون الأرض آية لهم لا كون الآية هى الأرض (وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا) جنس الحب (فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) تقديم الصلة للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به (وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) أى من أنواع النخل والعنب ولذلك جمعا دون الحب فإن الدال على الجنس مشعر بالاختلاف ولا كذلك الدال على الأنواع وذكر النخيل دون التمور ليطابق الحب والأعناب لاختصاص شجرها بمزيد النفع وآثار الصنع (وَفَجَّرْنا فِيها) وقرىء بالتخفيف والفجر والتفجير كالفتح والتفتيح لفظا ومعنى (مِنَ الْعُيُونِ) أى بعضا من العيون فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه أو العيون ومن مزيدة على رأى الأخفش (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) متعلق بجعلنا وتأخيره عن تفجير العيون لأنه من مبادى الإثمار أى وجعلنا فيها جنات من نخيل ورتبنا مبادى إثمارها ليأكلوا من ثمر ما ذكر من الجنات والنخيل بإجراء الضمير مجرى اسم الإشارة وقيل الضمير لله تعالى بطريق الالتفات إلى الغيبة والإضافة لأن الثمر يخلقه تعالى وقرىء بضمتين وهى لغة فيه أو جمع* ثمار وبضمة وسكون (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) عطف على (ثَمَرِهِ) وهو ما يتخذ منه من العصير والدبس ونحوهما وقيل ما نافية والمعنى أن الثمر بخلق الله تعالى لا بفعلهم ومحل الجملة النصب على الحالية ويؤكد الأول قراءة

١٦٦

(سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (٣٨)

____________________________________

عملت بلاهاء فإن حذف العائد من الصلة أحسن من الحذف من غيرها (أَفَلا يَشْكُرُونَ) إنكار واستقباح* لعدم شكرهم للنعم المعدودة والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أى أيرون هذه النعم أو أيتنعمون بها فلا يشكرونها (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) استئناف مسوق لتنزيهه تعالى عما فعلوه من ترك شكره على آلائه المذكورة واستعظام ما ذكر فى حيز صلة من بدائع آثار قدرته وأسرار حكمته وروائع نعمائه الموجبة للشكر وتخصيص العبادة به والتعجيب من إخلالهم بذلك والحالة هذه وسبحان علم للتسبيح الذى هو التبعيد عن السوء اعتقادا وقولا أى اعتقاد البعد عنه والحكم به من سبح فى الأرض والماء إذا أبعد فيهما وأمعن ومنه فرس سبوح أى واسع الجرى وانتصابه على المصدرية ولا يكاد يذكر ناصبه أى أسبح سبحانه أى أنزهه عما لا يليق به عقدا وعملا تنزيها خاصا به حقيقا بشأنه وفيه مبالغة من جهة الاشتقاق من السبح ومن جهة النقل إلى التفعيل ومن جهة العدول عن المصدر الدال على الجنس إلى الاسم الموضوع له خاصة لا سيما العلم المشير إلى الحقيقة الحاضرة فى الذهن ومن جهة إقامته مقام المصدر مع الفعل وقيل هو مصدر كغفران أريد به التنزه التام والتباعد الكلى عن السوء ففيه مبالغة من جهة إسناد التنزه إلى الذات المقدسة فالمعنى تنزه بذاته عن كل ما لا يليق به تنزها خاصا به فالجملة على هذا إخبار من الله تعالى بتنزهه وبراءته عن كل مالا يليق به مما فعلوه وما تركوه وعلى الأول حكم منه عزوجل بذلك وتلقين للمؤمنين أن يقولوه ويعتقدوا مضمونه ولا يخلوا به ولا يغفلوا عنه والمراد بالأزواج الأصناف والأنواع (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) بيان لها والمراد به كل ما ينبت فيها من الأشياء المذكورة* وغيرها (وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) أى خلق الأزواج من أنفسهم أى الذكر والأنثى (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) أى* والأزواج مما لم يطلعهم الله تعالى على خصوصياته لعدم قدرتهم على الإحاطة بها ولما لم يتعلق بذلك شىء من مصالحهم الدينية والدنيوية وإنما أطلعهم على ذلك بطريق الإجمال على منهاج قوله تعالى (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) لما نيط به وقوفهم على عظم قدرته وسعة ملكه وسلطانه (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) جملة من خبر مقدم ومبتدأ مؤخر كما مر وقوله تعالى (نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) جملة مبينة لكيفية كونه آية أى نزيله ونكشفه عن مكانه مستعار من السلخ وهو إزالة ما بين الحيوان وجلده من الاتصال والأغلب فى الاستعمال تعليقه بالجلد يقال سلخت الإهاب من الشاة وقد يعكس ومنه الشاة المسلوخة (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) أى داخلون فى الظلام مفاجأة وفيه رمز إلى أن الأصل هو الظلام والنور عارض (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) لحد معين ينتهى إليه دورها فشبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره أو لكبد السماء فإن حركتها فيه توجد أبطأ

١٦٧

(وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠) وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (٤١)

____________________________________

بحيث يظن أن لها هناك وقفة قال [والشمس حيرى لها بالجو تدويم] أولا استقرار لها على نهج مخصوص أو لمنتهى مقدر لكل يوم من المشارق والمغارب فإن لها فى دورها ثلاثمائة وستين مشرقا ومغربا تطلع كل يوم من مطلع وتغرب من مغرب ثم لا تعود إليهما إلى العام القابل أو لمنقطع جريها عند خراب العالم وقرىء* إلى مستقر لها وقرىء لا مستقر لها أى لا سكون لها فإنها متحركة دائما وقرىء لا مستقر لها على أن لا بمعنى ليس (ذلِكَ) إشارة إلى جريها وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان بعلو رتبته وبعد منزلته أى ذلك الجرى البديع المنطوى على الحكم الرائعة التى تحار فى فهمها العقول والأفهام (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) الغالب بقدرته على كل مقدور (الْعَلِيمِ) المحيط علمه بكل معلوم (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ) بالنصب بإضمار فعل يفسره الظاهر وقرىء بالرفع على الابتداء أى قدرنا له (مَنازِلَ) وقيل قدرنا مسيره منازل وقيل قدرناه ذا منازل وهى ثمانية وعشرون الشرطين البطان الثريا الدبران الهقعة الهنعة الذراع النثرة الطرف الجبهة الزبرة الصرفة العوا السماك الغفر الزبانى الإكليل القلب الشولة النعائم البلدة سعد الذابح سعد بلع سعد السعود سعد الأخبية فرغ الدلو المقدم فرغ الدلو المؤخر الرشا وهو بطن الحوت ينزل كل ليلة فى واحد منها لا يتخطاها ولا يتقاصر* عنها فإذا كان فى آخر منازله وهو الذى يكون قبيل الاجتماع دق واستقوس (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ) كالشمراخ المعوج فعلون من الانعراج وهو الاعوجاج وقرىء كالعرجون وهما لغتان كالبزيون والبزيون (الْقَدِيمِ) العتيق وقيل هو مامر عليه حول فصاعدا (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها) أى يصح ويتسهل (أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) فى سرعة السير فإن ذلك يخل بتكون النبات وتعيش الحيوان أو فى الآثار والمنافع أو فى المكان بأن تنزل فى منزله أو فى سلطانه فتطمس نوره وإيلاء حرف النفى الشمس للدلالة على أنها* مسخرات لا يتيسر لها إلا ما قدر لها (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) أى يسبقه فيفوته ولكن يعاقبه وقيل المراد بهما آيتاهما وهما النيران وبالسبق سبق القمر إلى سلطان الشمس فيكون عكسا للأول وإيراد السبق* مكان الإدراك لأنه الملائم لسرعة سيره (وَكُلٌّ) أى وكلهم على أن التنوين عوض عن المضاف إليه الذى هو الضمير العائد إلى الشمس والقمر والجمع باعتبار التكاثر العارض لهما بتكاثر مطالعهما فإن اختلاف الأحوال يوجب تعددا ما فى الذات أو إلى الكواكب فإن ذكرهما مشعر بها (فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يسيرون بانبساط وسهولة (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) أولادهم الذين يبعثونهم إلى تجاراتهم أو صبيانهم ونساءهم الذين يستصحبونهم فإن الذرية تطلق عليهن لا سيما مع الاختلاط وتخصيصهم بالذكر لما أن* استقرارهم فى السفن أشق واستمساكهم فيها أبدع (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) أى المملوء وقيل هو فلك نوح

١٦٨

(وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٤٥)

____________________________________

عليه‌السلام وحمل ذرياتهم فيها حمل آبائهم الأقدمين وفى أصلابهم هؤلاء وذريانهم وتخصيص أعقابهم بالذكر دونهم لأنه أبلغ فى الامتنان وأدخل فى التعجيب الذى عليه يدور كونه آية (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ) مما يماثل الفلك (ما يَرْكَبُونَ) من الإبل فإنها سفائن البر أو مما يماثل ذلك الفلك من السفن والزوارق وجعلها مخلوقة لله تعالى مع كونها من مصنوعات العباد ليس لمجرد كون صنعهم بإقدار الله تعالى وإلهامه بل لمزيد اختصاص أصلها بقدرته تعالى وحكمته حسبما يعرب عنه قوله عزوجل (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) والتعبير عن ملابستهم بهذه السفن بالركوب لأنها باختيارهم كما أن التعبير عن ملابسة ذريتهم بفلك نوح عليه‌السلام بالحمل لكونها بغير شعور منهم واختيار (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ) الخ من تمام الآية فإنهم معترفون بمضمونه كما ينطق به قوله تعالى (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) وقرىء نغرقهم بالتشديد وفى تعليق الإغراق بمحض المشيئة إشعار بأنه قد تكامل ما يوجب إهلاكهم من معاصيهم ولم يبق إلا تعلق مشيئته تعالى به أى إن نشأ نغرقهم فى اليم مع ما حملناهم فيه من الفلك فحديث خلق الإبل حينئذ كلام جىء به فى خلال الآية بطريق الاستطراد لكمال التماثل بين الإبل والفلك فكأنها نوع منه أو مع ما يركبون من السفن والزوارق (فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) أى فلا مغيث لهم يحرسهم من الغرق* ويدفعه عنهم قبل وقوعه وقيل فلا استغاثة لهم من قولهم أتاهم الصريخ (وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) أى ينجون منه بعد وقوعه وقوله تعالى (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً) استثناء مفرغ من أعم العلل الشاملة للباعث المتقدم والغاية المتأخرة أى لا يغاثون ولا ينقذون لشىء من الأشياء إلا لرحمة عظيمة من قبلنا داعية إلى الإغاثة والانقاذ وتمتيع بالحياة مترتب عليهما ويجوز أن يراد بالرحمة ما يقارن التمتيع من الرحمة الدنيوية فيكون كلاهما غاية للإغاثة والإنقاذ أى لنوع من الرحمة وتمتيع (إِلى حِينٍ) أى إلى زمان قدر فيه آجالهم كما قيل[ولم أسلم لكى أبقى ولكن * سلمت من الحمام إلى الحمام] (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا) بيان لإعراضهم عن الآيات التنزيلية بعد بيان إعراضهم عن الآيات الآفافية التى كانوا يشاهدونها وعدم تأملهم فيها أى إذا قيل لهم بطريق الإنذار بما نزل من الآيات أو بغيره اتقوا (ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ) من الآفات* والنوازل فإنها محيطة بكم أو ما يصيبكم من المكاره من حيث تحتسبون ومن حيث لا تحتسبون أو من الوقائع النازلة على الأمم الخالية قبلكم والعذاب المعد لكم فى الآخرة أو من نوازل السماء ونوائب

١٦٩

(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٤٧)

____________________________________

* الأرض أو من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة أو ما تقدم من الذنوب وما تأخر (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) إما حال من واو اتقوا أو غاية له أى راجين أن ترحموا أو كى ترحموا فتنجوا من ذلك لما عرفتم أن مناط النجاة ليس إلا رحمة الله تعالى وجواب إذا محذوف ثقة بانفهامه من قوله تعالى (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) انفهاما بينا أما إذا كان الإنذار بالآية الكريمة فبعبارة النص وأما إذا كان بغيرها فبدلالته لأنهم حين أعرضوا عن آيات ربهم فلأن يعرضوا عن غيرها بطريق الأولوية كأنه قيل وإذا قيل لهم اتقوا العذاب أعرضوا حسبما اعتادوه وما نافية وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددى ومن الأولى مزيدة لتأكيد العموم والثانى تبعيضية واقعة مع مجرورها صفة لآية وإضافة الآيات إلى اسم الرب المضاف إلى ضميرهم لتفخيم شأنها المستتبع لتهويل ما اجترءوا عليه فى حقها والمراد بها إما الآيات التنزيلية فإتيانها نزولها والمعنى ما ينزل إليهم آية من الآيات القرآنية التى من جملتها هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى وسوابغ آلائه الموجبة للإقبال عليها والإيمان بها إلا كانوا عنها معرضين على وجه التكذيب والاستهزاء وإما ما يعمها وغيرها من الآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وغيرها من تعاجيب المصنوعات التى من جملتها الآيات الثلاث المعدودة آنفا فالمراد بإتيانها ما يعم نزول الوحى وظهور تلك الأمور لهم والمعنى ما يظهر لهم آية من الآيات التى من جملتها ما ذكر من شئونه الشاهدة بوحدانيته تعالى وتفرده بالألوهية إلا كانوا عنها معرضين تاركين للنظر الصحيح فيها المؤدى إلى الإيمان به تعالى وإيثاره على أن يقال إلا أعرضوا عنها كما وقع مثله فى قوله تعالى (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) للدلالة على استمرارهم على الإعراض حسب استمرار إتيان الآيات وعن متعلقة بمعرضين قدمت عليه مراعاة للفواصل والجملة فى حيز النصب على أنها حال من مفعول تأنى أو من فاعله المتخصص بالوصف لاشتمالها على ضمير كل منهما والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أى ما تأتيهم من آية من آيات ربهم فى حال من أحوالهم إلا حال إعراضهم عنها أو ما تأتيهم آية منها فى حال من أحوالها إلا حال إعراضهم عنها (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) أى أعطاكم بطريق التفضل والإنعام من أنواع الأموال عبر عنها بذلك تحقيقا للحق وترغيبا فى الإنفاق على منهاج قوله تعالى (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) وتنبيها على عظم جنايتهم فى ترك الامتثال بالأمر وكذلك من التبعيضية أى إذا قيل لهم بطريق النصيحة أنفقوا بعض ما أعطاكم الله تعالى من فضله على المحتاجين فإن ذلك مما يرد* البلاء ويدفع المكاره (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالصانع عزوجل وهم زنادقة كانوا بمكة (لِلَّذِينَ آمَنُوا) تهكما* بهم وبما كانوا عليه من تعليق الأمور بمشيئة الله تعالى (أَنُطْعِمُ) حسبما تعظوننا به (مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ

١٧٠

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) (٥٢)

____________________________________

أَطْعَمَهُ) أى على زعمكم وعن ابن عباس رضى الله عنهما كان بمكة زنادقة إذا أمروا بالصدقة على المساكين قالوا لا والله أيفقره الله ونطعمه نحن وقيل قاله مشركو قريش حين استطعمهم فقراء المؤمنين من أموالهم التى زعموا أنهم جعلوها لله تعالى من الحرث والأنعام يوهمون أنه تعالى لما لم يشأ إطعامهم وهو قادر عليه فنحن أحق بذلك وما هو إلا لفرط جهالتهم فإن الله تعالى يطعم عباده بأسباب من جملتها حث الأغنياء على إطعام الفقراء وتوفيقهم لذلك (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) حيث تأمروننا بما* يخالف مشيئة الله تعالى وقد جوز أن يكون جوابا لهم من جهته تعالى أو حكاية لجواب المؤمنين لهم. (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أى فيما تعدوننا به من قيام الساعة مخاطبين لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين لما أنهم أيضا كانوا يتلون عليهم آيات الوعيد بقيامها ومعنى القرب فى هذا إما بطريق الاستهزاء وإما باعتبار قرب العهد بالوعد (ما يَنْظُرُونَ) جواب من جهته تعالى أى ما ينتظرون (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) هى النفخة الأولى (تَأْخُذُهُمْ) مفاجأة (وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) أى يتخاصمون فى متاجرهم ومعاملاتهم لا يخطر ببالهم شىء من مخايلها كقوله تعالى (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) فلا يغتروا بعدم ظهور علائمها ولا يزعموا أنها لا تأتيهم وأصل يخصمون يختصمون فسكنت التاء وأدغمت فى الصاد ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين وقرىء بكسر الياء للإتباع وبفتح الخاء على إلقاء حركة التاء عليه وقرىء على الاختلاس وبالإسكان على تجويز الجمع بين الساكنين إذا كان الثانى مدغما وإن لم يكن الأول حرف مد وقرىء يخصمون من خصمه إذا جادله (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) فى شىء من أمورهم إن كانوا فيما بين أهليهم (وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) إن كانوا فى خارج أبوابهم بل تبغتهم الصيحة فيموتون حيثما كانوا (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) هى النفخة الثانية بينها وبين الأولى أربعون سنة أى ينفخ فيه وصيغة الماضى للدلالة على تحقق الوقوع (فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ) أى القبور جمع جدث وقرىء بالفاء (إِلى رَبِّهِمْ) مالك أمرهم على الإطلاق (يَنْسِلُونَ) يسرعون بطريق الإجبار دون الاختيار لقوله تعالى (لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) وقرىء بضم السين (قالُوا) أى فى ابتداء بعثهم من القبور (يا وَيْلَنا) احضر فهذا أوانك وقرىء يا ويلتنا (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) وقرىء من أهبنا من هب من نومه إذا انتبه وقرىء من هبنا بمعنى أهبنا وقيل أصله

١٧١

(إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤) إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) (٥٥)

____________________________________

هب بنا فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير قيل فيه ترشيح ورمز وإشعار بأنهم لاختلاط عقولهم يظنون أنهم كانوا نياما وعن مجاهد أن للكفار هجعة يجدون فيها طعم النوم فإذا صيح بأهل القبور يقولون ذلك وعن ابن عباس وأبى بن كعب وقتادة رحمهم‌الله تعالى أن الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بالنفخة الثانية وشاهدوا من أهوال القيامة ما شاهدوا دعوا بالويل وقالوا ذلك وقيل إذا عاينوا جهنم وما فيها من أنواع العذاب يصير عذاب القبر فى جنبها مثل النوم فيقولون ذلك وقرىء من بعثنا ومن هبنا بمن الجارة والمصدر والمرقد إما مصدر أى من رقادنا أو اسم مكان أريد* به الجنس فينتظم مراقد الكل (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) جملة من مبتدأ وخبر وما موصولة محذوفة العائد أو مصدرية وهو جواب من قبل الملائكة أو المؤمنين عدل به عن سنن سؤالهم تذكيرا لكفرهم وتقريعا لهم عليه وتنبيها على أن الذى يهمهم هو السؤال عن نفس البعث ماذا هو دون الباعث كأنهم قالوا بعثكم الرحمن الذى وعدكم ذلك فى كتبه وأرسل إليكم الرسل فصدقوكم فيه وليس الأمر كما تتوهمونه حتى تسألوا عن الباعث وقيل هو من كلام الكافرين حيث يتذكرون ما سمعوه من الرسل عليهم الصلاة والسلام فيجيبون به أنفسهم أو بعضهم بعضا وقيل هذا صفة لمرقدنا وما وعد الخ خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف أى ما وعد الرحمن وصدق المرسلون حق (إِنْ كانَتْ) أى ما كانت النفخة التى حكيت آنفا (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) حصلت من نفخ إسرافيل عليه‌السلام فى الصور (فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ) أى مجموع (لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) من غير لبث ما طرفة عين وفيه من تهوين أمر البعث والحشر والإيذان باستغنائهما عن الأسباب ما لا يخفى (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ) من النفوس برة كانت أو فاجرة (شَيْئاً) من الظلم (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أى إلا جزاء ما كنتم تعملونه فى الدنيا على الاستمرار من الكفر والمعاصى على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه للتنبيه على قوة التلازم والارتباط بينهما كأنهما شىء واحد أو إلا بما كنتم تعملونه أى بمقابلته أو بسببه وتعميم الخطاب للمؤمنين يرده أنه تعالى يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله أضعافا مضاعفة وهذه حكاية لما سيقال لهم حين يرون العذاب المعد لهم تحقيقا للحق وتقريعا لهم وقوله تعالى (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) من جملة ما سيقال لهم يومئذ زيادة لحسرتهم وندامتهم فإن الإخبار بحسن حال أعدائهم إثر بيان سوء حالهم مما يزيدهم مساءة على مساءة وفى هذه الحكاية مزجرة لهؤلاء الكفرة عما هم عليه ومدعاة إلى الاقتداء بسيرة المؤمنين والشغل هو الشأن الذى يصد المرء ويشغله عما سواه من شئونه لكونه أهم عنده من الكل إما لإيجابه كمال المسرة

١٧٢

(هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (٥٦) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) (٥٧)

____________________________________

والبهجة أو كمال المساءة والغم والمراد ههنا هو الأول وما فيه من التنكير والإبهام للإيذان بارتفاعه عن رتبة البيان والمراد به ما هم فيه من فنون الملاذ التى تلهيهم عما عداها بالكلية وأما أن المراد به افتصاض الأبكار أو السماع وضرب الأوتار أو النزاور أو ضيافة الله تعالى أو شغلهم عما فيه أهل النار على الإطلاق أو شغلهم عن أهاليهم فى النار لا يهمهم أمرهم ولا يبالون بهم كيلا يدخل عليهم تنغيص فى نعيمهم كما روى كل واحد منها عن واحد من أكابر السلف فليس مرادهم بذلك حصر شغلهم فيما ذكروه فقط بل بيان أنه من جملة أشغالهم وتخصيص كل منهم كلا من تلك الأمور بالذكر محمول على اقتضاء مقام البيان إياه وهو مع جاره خبر لإن وفاكهون خبر آخر لها أى أنهم مستقرون فى شغل وأى شغل فى شغل عظيم الشأن متنعمون بنعيم مقيم فائزون بملك كبير والتعبير عن حالهم هذه بالجملة الاسمية قبل تحققها بتنزيل المترقب المتوقع منزلة الواقع للإيذان بغاية سرعة تحققها ووقوعها ولزيادة مساءة المخاطبين بذلك وقرىء فى شغل بسكون الغين وفى شغل بفتحتين وبفتحة وسكون والكل لغات وقرىء فكهون للمبالغة وفكهون بضم الكاف وهى لغة كنطس وفاكهين وفكهين على الحال من المستكن فى الظرف وقوله تعالى (هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ) استئناف مسوق لبيان كيفية شغلهم وتفكههم وتكميلهما بما يزيدهم بهجة وسرورا من شركة أزواجهم لهم فيما هم فيه من الشغل والفكاهة على أن هم مبتدأ وأزواجهم عطف عليه ومتكئون خبر والجاران صلتان له قدمتا عليه لمراعاة الفواصل أو هو والجاران بما تعلقا به من الاستقرار أخبار مترتبة وقيل الخبر هو الظرف الأول والثانى مستأنف على أنه متعلق بمتكئون وهو خبر لمبتدأ محذوف وقيل على أنه خبر مقدم ومتكئون مبتدأ مؤخر وقرىء متكين بلا همز نصبا على الحال من المستكن فى الظرفين أو أحدهما وقيل هم تأكيد للمستكن فى خبر إن ومتكئون خبر آخر لها وعلى الأرائك متعلق به وكذا فى ظلال أو هذا بمضمر هو حال من المعطوفين والظلال جمع ظن كشعاب جمع شعب أو جمع ظلة كقباب جمع قبة ويؤيده قراءة فى ظلل والأرائك جمع أريكة وهى السرير المزين بالثياب والستور قال ثعلب لا تكون أريكة حتى تكون عليها حجلة وقوله تعالى (لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ) الخ بيان لما يتمتعون به فى الجنة من المآكل والمشارب ويتلذذون به من الملاذ الجسمانية والروحانية بعد بيان مالهم فيها من مجالس الإنس ومحافل القدس تكميلا لبيان كيفية ما هم فيه من الشغل والبهجة أى لهم فيها فاكهة كثيرة من كل نوع من الفواكه وما فى قوله تعالى (وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) موصولة أو موصوفة عبر بها عن مدعو عظيم الشأن معين* أو مبهم إيذانا بأنه الحقيق بالدعاء دون ما عداه ثم صرح به روما لزيادة التقرير بالتحقيق بعد التشويق كما ستعرفه أو هى باقية على عمومها قصد بها التعميم بعد تخصيص بعض المواد المعتادة بالذكر وأياما كان فهو مبتدأ ولهم خبره والجملة معطوفة على الجملة السابقة وعدم الاكتفاء بعطف ما يدعون على فاكهة لئلا

١٧٣

(سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) (٥٩)

____________________________________

يتوهم كون ما عبارة عن توابع الفاكهة وتتماتها والمعنى ولهم ما يدعون به لأنفسهم من مدعو عظيم الشأن أو كل ما يدعون به كائنا ما كان من أسباب البهجة وموجبات السرور وأياما كان ففيه دلالة على أنهم فى أقصى غاية البهجة والغبطة ويدعون يفتعلون من الدعاء كما أشير إليه مثل اشتوى واجتمل إذا شوى وجمل لنفسه وقيل بمعنى يتداعون كالارتماء بمعنى الترامى وقيل بمعنى يتمنون من قولهم ادع على ما شئت بمعنى تمنه على وقال الزجاج هو من الدعاء أى ما يدعو به أهل الجنة يأتيهم فيكون الافتعال بمعنى الفعل كالاحتمال بمعنى الحمل والارتحال بمعنى الرحلة ويعضده القراءة بالتخفيف كما ذكره الكواشى وقوله تعالى (سَلامٌ) على التقدير الأول بدل من ما يدعون أو خبر لمبتدأ محذوف وقوله تعالى (قَوْلاً) مصدر مؤكد لفعل هو صفة لسلام وما بعده من الجار متعلق بمضمر هو صفة له كأنه قيل ولهم سلام أو ما يدعون سلام يقال لهم قولا* كائنا (مِنْ) جهة (رَبٍّ رَحِيمٍ) أى يسلم عليهم من جهته تعالى بواسطة الملك أو بدونها مبالغة فى تعظيمهم قال ابن عباس رضى الله عنهما والملائكة يدخلون عليهم بالتحية من رب العالمين وأما على التقدير الثانى فقد قيل إنه خبر لما يدعون ولهم لبيان الجهة كما يقال لزيد الشرف متوفر على أن الشرف مبتدأ ومتوفر خبره والجار والمجرور لبيان من له ذلك أى ما يدعون سالم لهم خالص لا شوب فيه وقولا حينئذ مصدر مؤكد لمضمون الجملة أى عدة من رب رحيم والأوجه أن ينتصب على الاختصاص وقيل هو مبتدأ محذوف الخبر أى لهم سلام أى تسليم قولا من رب رحيم أو سلامة من الآفات فيكون قولا مصدرا مؤكدا لمضمون الجملة كما سبق وقيل تقديره سلام عليهم فيكون حكاية لما سيقال لهم من جهته تعالى يومئذ وقيل خبره الفعل المقدر ناصبا لقولا وقيل خبره من رب رحيم وقرىء سلاما بالنصب على الحالية أى لهم مرادهم سالما خالصا وقرىء سلم وهو بمعنى السلام فى المعنيين (وَامْتازُوا الْيَوْمَ) عطف إما على الجملة السابقة المسوقة لبيان أحوال أهل الجنة لا على أن المقصود عطف فعل الأمر بخصوصه حتى يتمحل له مشاكل يصح عطفه عليه بل على أنه عطف قصة سوء حال هؤلاء وكيفية عقابهم على قصة حسن حال أولئك ووصف ثوابهم كما مر فى قوله تعالى (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) الآية وكأن تغيير السبك لتخييل كمال التباين بين الفريقين وحاليهما وإما على مضمر ينساق إليه حكاية حال أهل الجنة كأنه قيل إثر بيان كونهم* فى شغل عظيم الشان وفوزهم بنعيم مقيم يقصر عنه البيان فليقروا بذلك عينا وامتازوا عنهم (أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) إلى مصيركم وعن قتادة اعتزلوا عن كل خير وعن الضحاك لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولا يرى وأما ما قيل من أن المضمر فليمتازوا فبمعزل من السداد لما أن المحكى عنهم ليس مصيرهم إلى ما ذكر من الحال المرضية حتى يتسنى ترتيب الأمر المذكور عليه بل إنما هو استقرارهم عليها بالفعل وكون ذلك بطريق تنزيل المترقب منزلة الواقع لا يجدى نفعا لأن مناط الإضمار انسياق الإفهام إليه وانصباب

١٧٤

(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) (٦٢)

____________________________________

نظم الكلام عليه فبعد ما نزلت تلك الحالة منزلة الواقع بالفعل لما اقتضاه المقام من النكتة البارعة والحكمة الرائعة حسبما مر بيانه وأسقط كونها مترقبة عن درجة الاعتبار بالكلية يكون التصدى لإضمار شىء يتعلق به إخراجا للنظم الكريم عن الجزالة بالمرة (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) من جملة ما يقال لهم بطريق التقريع والإلزام والتبكيت بين الأمر بالامتياز وبين الأمر بدخول جهنم بقوله تعالى (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ) الخ والعهد الوصية والتقدم بأمر فيه خير ومنفعة والمراد ههنا ما كلفهم الله تعالى على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام من الأوامر والنواهى التى من جملتها قوله تعالى (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) الآية وقوله تعالى (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) وغيرهما من الآيات الكريمة الواردة فى هذا المعنى وقيل هو الميثاق المأخوذ عليهم حين أخرجوا من ظهور بنى آدم وأشهدوا على أنفسهم وقيل هو ما نصب لهم من الحجج العقلية والسمعية الآمرة بعبادته تعالى الزاجرة عن عبادة غيره والمراد بعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم عبر عنها بالعبادة لزيادة التحذير والتنفير عنها ولوقوعها فى مقابلة عبادته عزوجل وقرىء إعهد بكسر الهمزة وأعهد بكسر الهاء وأحهد الحاء مكان العين وأحد بالإدغام وهى لغة بنى تميم (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) أى ظاهر العداوة وهو تعليل لوجوب الانتهاء عن المنهى عنه وقيل تعليل للنهى (وَأَنِ اعْبُدُونِي) عطف على أن لا تعبدوا على أن أن فيهما مفسرة للعهد الذى فيه معنى القول بالنهى والأمر أو مصدرية حذف عنها الجار أى ألم أعهد إليكم فى ترك عبادة الشيطان وفى عبادتى وتقديم النهى على الأمر لما أن حق التخلية التقدم على التحلية كما فى كلمة التوحيد وليتصل به قوله تعالى (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) فإنه إشارة إلى عبادته تعالى التى هى عبارة عن التوحيد والإسلام وهو المشار إليه بقوله تعالى (هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) والمقصود بقوله تعالى (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) والتنكير للتفخيم واللام فى قوله تعالى (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) جواب قسم محذوف والجملة استئناف مسوق لتشديد التوبيخ وتأكيد التقريع ببيان أن جناياتهم ليست بنقض العهد فقط بل به وبعدم الاتعاظ بما شاهدوا من العقوبات النازلة على الأمم الخالية بسبب طاعتهم للشيطان فالخطاب لمتأخريهم الذين من جملتهم كفار مكة خصوا بزيادة التوبيخ والتقريع لتضاعف جناياتهم والجبل بكسر الجيم والباء وتشديد اللام الخلق وقرىء بضمتين وتشديد وبضمتين وتخفيف وبضمة وسكون وبكسرتين وتخفيف وبكسرة وسكون والكل لغات وقرىء جبلا جمع جبلة كفطر وخلق فى فطرة وخلقة وقرىء جيلا بالياء وهو الصنف من الناس أى وبالله لقد أضل منكم خلقا كثيرا أو صنفا

١٧٥

(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) (٦٦)

____________________________________

كثيرا عن ذلك الصراط المستقيم الذى أمرتكم بالثبات عليه فأصابهم لأجل ذلك ما أصابهم من العقوبات الهائلة التى ملأ الآفاق أخبارها وبقى مدى الدهر آثارها والفاء فى قوله تعالى (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) للعطف على مقدر يقتضيه المقام أى أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم فلم تكونوا تعقلون أنها لضلالهم أو فلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العقاب وقوله تعالى (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) استئناف يخاطبون به بعد تمام التوبيخ والتقريع والإلزام والتبكيت عند إشرافهم على شفير جهنم أى كنتم توعدونها على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام بمقابلة عبادة الشيطان مثل قوله تعالى (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) وقوله تعالى (قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) وقوله تعالى (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) وغير ذلك مما لا يحصى وقوله تعالى (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) أمر تنكيل وإهانة كقوله تعالى (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الخ أى ادخلوها من فوق وقاسوا فنون عذابها اليوم بكفركم المستمر فى الدنيا وقوله تعالى (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) أى ختما يمنعها عن الكلام التفات إلى الغيبة للإيذان بأن ذكر أحوالهم القبيحة استدعى أن يعرض عنهم ويحكى أحوالهم الفظيعة لغيرهم مع ما فيه من الإيماء إلى* أن ذلك من مقتضيات الختم لأن الخطاب لتلقى الجواب وقد انقطع بالكلية وقرىء تختم (وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) يروى أنهم يجحدون ويخاصمون فيشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم فيحلفون ما كانوا مشركين فحينئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم وفى الحديث يقول العبد يوم القيامة إنى لا أجيز على شاهدا إلا من نفسى فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقى فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل وقيل تكليم الأركان وشهادتها دلالتها على أفعالها وظهور آثار المعاصى عليها وقرىء وتتكلم أيديهم وقرىء ولتكلمنا أيديهم وتشهد بلام كى والنصب على معنى ولذلك نختم على أفواههم وقرىء ولتكلمنا أيديهم ولتشهد بلام الأمر والجزم (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) الطمس تعفية شق العين حتى تعود ممسوحة ومفعول المشيئة محذوف على القاعدة المستمرة التى هى وقوعها شرطا وكون مفعولها مضمون الجزاء أى لو نشاء أن نطمس على أعينهم لفعلناه وإيثار صيغة الاستقبال وإن كان المعنى على المضى لإفادة أن عدم الطمس على أعينهم لاستمرار عدم المشيئة فإن المضارع المنفى الواقع موقع الماضى ليس بنص فى إفادة انتفاء استمرار

١٧٦

(وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (٦٩)

____________________________________

الفعل بل قد يفيد استمرار انتفائه بحسب المقام كما مر فى قوله تعالى (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) أى فأرادوا أن يستبقوا إلى الطريق الذى اعتادوا سلوكه على أن انتصابه بنزع الجار أو هو بتضمين الاستباق معنى الابتدار أو بالظرفية (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) الطريق وجهة السلوك (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ) بتغيير صورهم وإبطال قواهم (عَلى مَكانَتِهِمْ) أى مكانهم إلا أن المكانة أخص كالمقامة والمقام وقرىء على مكاناتهم أى لمسخناهم مسخا يجمدهم مكانهم لا يقدرون أن يبرحوه بإقبال ولا إدبار ولا رجوع وذلك قوله تعالى (فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) أى ولا رجوعا فوضع موضعه الفعل لمراعاة الفاصلة عن ابن عباس رضى الله عنهما قردة وخنازير وقيل حجارة وعن قتادة لأقعدناهم على أرجلهم وأزمناهم وقرىء مضيا بكسر الميم وفتحها وليس مساق الشرطيتين لمجرد بيان قدرته تعالى على ما ذكر من عقوبة الطمس والمسخ بل لبيان أنهم بما هم عليه من الكفر ونقض العهد وعدم الاتعاظ بما شاهدوا من آثار دمار أمثالهم احفاء بأن يفعل بهم فى الدنيا تلك العقوبة كما فعل بهم فى الآخرة عقوبة الختم وأن المانع من ذلك ليس إلا عدم تعلق المشيئة الإلهية به كأنه قيل لو نشاء عقوبتهم بما ذكر من الطمس والمسخ جريا على موجب جناياتهم المستدعية لها لفعلناها ولكنا لم نشأها جريا على سنن الرحمة والحكمة الداعيتين إلى إمهالهم (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ) أى نطل عمره (نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) أى نقلبه فيه ونخلقه على عكس ما خلقناه أولا فلا يزال يتزايد ضعفه وتتناقص قوته وتنتقص بنيته ويتغير شكله وصورته حتى يعود إلى حالة شبيهة بحال الصبى فى ضعف الجسد وقلة العقل والخلو عن الفهم والإدراك وقرىء ننكسه من الثلاثى المجرد وننكسه من الإنكاس (أَفَلا يَعْقِلُونَ) أى أيرون ذلك فلا يعقلون أما من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وأن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما تعقلون بالتاء لجرى الخطاب قبله (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) رد وإبطال لما كانوا يقولونه فى حقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أنه شاعر وما يقوله شعر أى ما علمناه الشعر بتعليم القرآن على معنى أن القرآن ليس بشعر فإن الشعر كلام متكلف موضوع ومقال مزخرف مصنوع منسوج على منوال الوزن والقافية مبنى على خيالات وأوهام واهية فأين ذلك من التنزيل الجليل الخطر المنزه عن مماثلة كلام البشر المشحون بفنون الحكم والأحكام الباهرة الموصلة إلى سعادة الدنيا والآخرة ومن أين اشتبه عليهم الشئون واختلط بهم الظنون قاتلهم الله أنى يؤفكون (وَما يَنْبَغِي لَهُ) وما يصح له الشعر ولا يتأتى له لو طلبه أى جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له كما جعلناه أميا لا يهتدى للخط لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض وأما قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد

١٧٧

(لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ) (٧٢)

____________________________________

المطلب وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هل أنت إلا أصبع دميت وفى سبيل الله ما لقيت فمن قبيل الاتفاقات الواردة من غير قصد إليها وعزم على ترتيبها وقيل الضمير فى له للقرآن أى وما ينبغى للقرآن أن يكون شعرا (إِنْ هُوَ) أى ما القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) أى عظة من الله عزوجل وإرشاد للثقلين كما قال تعالى (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ* (وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) أى كتاب سماوى بين كونه كذلك أو فارق بين الحق والباطل يقرأ فى المحاريب ويتلى فى المعابد وينال بتلاوته والعمل بما فيه فوز الدارين فكم بينه وبين ما قالوا (لِيُنْذِرَ) أى القرآن أو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويؤبده القراءة بالتاء وقرىء لينذر من نذر به أى علمه ولينذر مبنيا للمفعول من الإنذار (مَنْ كانَ حَيًّا) أى عاقلا متأملا فإن الغافل بمنزلة الميت أو مؤمنا فى علم الله تعالى فإن الحياة الأبدية بالإيمان وتخصيص الإنذار به لأنه المنتفع به (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ) أى تجب كلمة العذاب (عَلَى الْكافِرِينَ) المصرين على الكفر وفى إيرادهم بمقابلة من كان حيا إشعار بأنهم لخلوهم عن آثار الحياة وأحكامها التى هى المعرفة أموات فى الحقيقة (أَوَلَمْ يَرَوْا) الهمزة للإنكار والتعجيب والواو للعطف على جملة منفية مقدرة مستتبعة للمعطوف أى ألم يتفكروا أو ألم يلاحظوا ولم يعلموا علما يقينيا متاخما للمعاينة (أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ) أى لأجلهم وانتفاعهم (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) أى مما تولينا إحداثه بالذات وذكر الأيدى وإسناد العمل إليها استعارة تفيد مبالغة فى الاختصاص والتفرد بالإحداث والاعتناء به (أَنْعاماً) مفعول خلقنا وتأخيره عن الجارين المتعلقين به مع أن حقه التقدم عليهما لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر فإن ما حقه التقديم إذا أخر تبقى النفس مترقبة له فيتمكن عند وروده عليها فضل تمكن لا سيما عند كون المقدم منبئا عن كون المؤخر أمرا نافعا خطيرا كما فى النظم الكريم فإن الجار الأول المعرب عن كون المؤخر من منافعهم والثانى المفصح عن كونه من الأمور الخطيرة يزيدان النفس شوقا إليه ورغبة فيه ولأن فى تأخيره جمعا بينه وبين أحكامه المتفرعة عليه بقوله تعالى (فَهُمْ لَها مالِكُونَ) الآيات الثلاث أى فملكناها إياهم وإيثار الجملة الاسمية على ذلك الدلالة على استقرار مالكيتهم لها واستمرارها واللام متعلقة بمالكون مقوية لعمله أى فهم مالكون لها بتمليكنا إياها لهم متصرفون فيها بالاستقلال مختصون بالانتفاع بها لا يزاحمهم فى ذلك غيرهم أو قادرون على ضبطها متمكنون من التصرف فيها بأقدارنا وتمكيننا وتسخيرنا إياها لهم كما فى قول من قال[أصبحت لا أحمل السلاح ولا * أملك رأس البعير إن نفرا] والأول هو الأظهر ليكون قوله تعالى (وَذَلَّلْناها لَهُمْ) تأسيسا لنعمة على حيالها لا تتمة لما قبلها أى صيرناها منقادة لهم بحيث لا تستعصى عليهم فى شىء مما يريدون بها حتى الذبح

١٧٨

(وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) (٧٦)

____________________________________

حسبما ينطق به قوله تعالى (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ) الخ فإن الفاء فيه لتفريع أحكام التذليل عليه وتفصيلها أى فبعض منها ركوبهم أى مركوبهم أى معظم منافعها الركوب وعدم التعرض للحمل لكونه من تتمات الركوب وقرىء ركوبتهم وهى بمعناه كالحلوب والحلوبة وقيل الركوبة اسم جمع وقرىء ركوبهم أى ذو ركوبهم (وَمِنْها يَأْكُلُونَ) أى وبعض منها يأكلون لحمه (وَلَهُمْ فِيها) أى فى الأنعام بكلا قسميها (مَنافِعُ) أخر غير الركوب والأكل كالجلود والأصواف والأوبار وغيرها وكالحراثة بالثيران (وَمَشارِبُ) من اللبن جمع مشرب وهذا مجمل ما فصل فى سورة النحل (أَفَلا يَشْكُرُونَ) أى أيشاهدون هذه النعم أو أيتنعمون بها فلا يشكرون المنعم بها (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ) أى متجاوزين الله تعالى الذى شاهدوا تفرده بتلك القدرة الباهرة وتفضله عليهم بهاتيك النعم المتظاهرة (آلِهَةً) من الأصنام وأشركوها به تعالى فى العبادة (لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) رجاء أن ينصروا من جهتهم فيما حزبهم من الأمور أو يشفعوا لهم فى الآخرة وقوله تعالى (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ) الخ استئناف سيق لبيان بطلان رأيهم وخيبة رجائهم وانعكاس تدبيرهم أى لا تقدر آلهتهم على نصرهم (وَهُمْ) أى المشركون (لَهُمْ) أى لآلهتهم (جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) يشيعونهم عند مساقهم إلى النار وقيل معدون فى الدنيا لحفظهم وخدمتهم والذب عنهم ولا يساعده مساق النظم الكريم فإن الفاء فى قوله تعالى (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) لترتيب النهى على ما قبله فلا بد أن يكون عبارة عن خسرانهم وحرمانهم عما علقوا به أطماعهم الفارغة وانعكاس الأمر عليهم بترتيب الشر على ما رتبوه لرجاء الخير فإن ذلك مما يهون الخطب ويورث السلوة وأما كونهم معدين لخدمتهم وحفظهم فبمعزل من ذلك والنهى وإن كان بحسب الظاهر متوجها إلى قولهم لكنه فى الحقيقة متوجه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونهى له عليه‌السلام عن التأثر منه بطريق الكناية على أبلغ وجه وآكده فإن النهى عن أسباب الشىء ومباديه المؤدية إليه نهى عنه بالطريق البرهانى وإبطال للسببية وقد يوجه النهى إلى المسبب ويراد النهى عن السبب كما فى قوله لا أرينك ههنا يريد به نهى مخاطبه عن الحضور لديه والمراد بقولهم ما ينبىء عنه ما ذكر من اتخاذهم الأصنام آلهة فإن ذلك مما لا يخلو عن التفوه بقولهم هؤلاء آلهتنا وأنهم شركاء لله سبحانه فى المعبودية وغير ذلك مما يورث الحزن وقرىء يحزنك بضم الياء وكسر الزاى من أحزن المنقول من حزن اللازم وقوله تعالى (إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) تعليل صريح للنهى بطريق الاستئناف بعد* تعليله بطريق الإشعار فإن العلم بما ذكر مستلزم للمجازاة قطعا أى إنا نجازيهم بجميع جناياتهم الخافية

١٧٩

(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) (٧٧)

____________________________________

والبادية التى لا يعزب عن علمنا شىء منها وفيه فضل تسلية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتقديم السر على العلن إما للمبالغة فى بيان شمول علمه تعالى لجميع المعلومات كأن علمه تعالى بما يسرونه أقدم منه بما يعلنونه مع استوائهما فى الحقيقة فإن علمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها بل وجود كل شىء فى نفسه علم بالنسبة إليه تعالى وفى هذا المعنى لا يختلف الحال بين الأشياء البارزة والكامنة وإما لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن إذ ما من شىء يعلن إلا وهو أو مباديه مضمر فى القلب قبل ذلك فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية حقيقة (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) كلام مستأنف مسوق لبيان بطلان إنكارهم البعث بعد ما شاهدوا فى أنفسهم أوضح دلائله وأعدل شواهده كما أن ما سبق مسوق لبيان بطلان إشراكهم بالله تعالى بعد ما عاينوا فيما بأيديهم ما يوجب التوحيد والإسلام وأما ما قيل من أنه تسلية ثانية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتهوين ما يقولونه بالنسبة إلى إنكارهم الحشر فكلا والهمزة للإنكار والتعجيب والواو للعطف على جملة مقدرة هى مستتبعة للمعطوف كما مر فى الجملة الإنكارية السابقة أى ألم يتفكر الإنسان ولم يعلم علما يقينيا أنا خلقناه من نطفة الخ أو هى عين الجملة السابقة أعيدت تأكيدا للنكير السابق وتمهيدا لإنكار ما هو أحق منه بالإنكار والتعجيب لما أن المنكر هناك عدم علمهم بما يتعلق بخلق أسباب معايشهم وههنا عدم علمهم بما يتعلق بخلق أنفسهم ولا ريب فى أن علم الإنسان بأحوال نفسه أهم وإحاطته بها أسهل وأكمل فالإنكار والتعجيب من الإخلال بذلك أدخل كأنه قيل ألم يعلموا خلقه تعالى لأسباب معايشهم ولم يعلموا خلقه تعالى لأنفسهم أيضا مع كون العلم بذلك فى غاية الظهور ونهاية الأهمية على معنى أن المنكر الأول بعيد قبيح والثانى أبعد وأقبح ويجوز أن تكون الواو لعطف الجملة الإنكارية الثانية على الأولى على أنها متقدمة فى الاعتبار وأن تقدم الهمزة عليها لاقتضائها الصدارة فى الكلام كما هو رأى الجمهور وإيراد الإنسان مورد الضمير لأن مدار الإنكار متعلق بأحواله من حيث هو إنسان كما فى قوله تعالى (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) * وقوله تعالى (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) أى شديد الخصومة والجدال بالباطل عطف على الجملة المنفية داخل فى حيز الإنكار والتعجيب كأنه قيل أولم ير أنا خلقناه من أخس الأشياء وأمهنها ففاجأ خصومتنا فى أمر يشهد بصحته وتحققه مبدأ فطرته شهادة بينة وإيراد الجملة الاسمية للدلالة على استقراره فى الخصومة واستمراره عليها روى أن جماعة من كفار قريش منهم أبى بن خلف الجمحى وأبو جهل والعاص بن وائل والوليد بن المغيرة تكلموا فى ذلك فقال لهم أبى بن خلف ألا ترون إلى ما يقول محمد أن الله يبعث الأموات ثم قال واللات والعزى لأصيرن إليه ولأخصمنه وأخذ عظما باليا فجعل يفته بيده ويقول يا محمد أترى الله يحيى هذا بعد مارم قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم نعم ويبعثك ويدخلك جهنم فنزلت وقيل معنى قوله تعالى (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) فإذا هو بعد ما كان ماء مهينا رجل مميز منطيق قادر على الخصام مبين معرب عما فى نفسه فصيح فهو حينئذ معطوف على خلقناه غير داخل تحت الإنكار والتعجيب بل هو من متممات شواهد صحة البعث فقوله تعالى

١٨٠