تفسير أبي السّعود - ج ٧

أبي السعود محمّد بن محمّد العمادي

تفسير أبي السّعود - ج ٧

المؤلف:

أبي السعود محمّد بن محمّد العمادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٨٨

١

٢٨ ـ سورة القصص

(مكية وهى ثمان وثمانون آية)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (٥)

____________________________________

(سورة القصص)

مكية وقيل إلا قوله (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) إلى قوله (الْجاهِلِينَ) وهى ثمان وثمانون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (طسم) (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) قد مر ما يتعلق به من الكلام بالإجمال والتفصيل فى أشباهه (نَتْلُوا عَلَيْكَ) أى نقرأ بواسطة جبريل عليه‌السلام ويجوز أن تكون التلاوة مجازا من التنزيل (مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ) مفعول نتلو أى نتلوا عليه بعض نبئهما (بِالْحَقِّ) متعلق بمحذوف هو حال من فاعل نتلو أو من مفعوله أو صفة لمصدره أى بعض نبئهما ملتبسين أو متلبسا بالحق أو تلاوة ملتبسة بالحق (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) متعلق بنتلو وتخصيصهم بذلك مع عموم الدعوة والبيان للكل لأنهم المنتفعون به (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) استئناف جار مجرى التفسير للمجمل الموعود وتصديره بحرف التأكيد للاعتناء بتحقيق مضمون ما بعده أى إنه تجبر وطغا فى أرض مصر وجاوز الحدود المعهودة فى الظلم والعدوان (وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) أى فرقا يشيعونه فى كل ما يريده من الشر والفساد أو يشيع بعضهم بعضا فى طاعته أو أصنافا فى استخدامه يستعمل كل صنف فى عمل ويسخره فيه من بناء وحرث وحفر وغير ذلك من الأعمال الشاقة ومن لم يستعمله ضرب عليه الجزبة أو فرقا مختلفة قد أغرى بينهم العداوة والبغضاء لئلا تتفق كلمتهم (يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ) وهم بنو إسرائيل والجملة إما حال من فاعل جعل أو صفة لشيعا أو استئناف وقوله تعالى (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) بدل منها وكان ذلك لما أن كاهنا قال له يولد فى بنى إسرائيل مولود يذهب ملكك على يده وما ذاك إلا لغاية حمقة إذ لو صدق فما فائدة القتل وإن كذب فما وجهه (إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) أى الراسخين فى الإفساد ولذلك اجترأ على مثل تلك العظيمة

٢

(وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (٦) وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٧)

____________________________________

من قتل المعصومين من أولاد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ) أى نتفضل (عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) على الوجه المذكور بإنجائهم من بأسه وصيغة المضارع فى نريد حكاية حال ماضية وهو معطوف على إن فرعون علا الخ لتناسبهما فى الوقوع فى حين التفسير للنبأ أو حال من يستضعف بتقدير المبتدأ أى يستضعفهم فرعون ونحن نريد أن نمن عليهم وليس من ضرورة مقارنة الإرادة للاستضعاف مقارنة المراد له لما أن تعلق الإرادة للمن تعلق استقبالى على أن منة الله تعالى عليهم بالخلاص لما كانت فى شرف الوقوع جاز إجراؤها مجرى الواقع المقارن له ووضع الموصول موضع الضمير لإبانة قدر النعمة فى المنة بذكر حالتهم السابقة المباينة لها (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) يقتدى بهم فى أمور الدين بعد أن كانوا أتباعا مسخرين لآخرين (وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) لجميع ما كان منتظما فى سلك ملك فرعون وقومه وراثة معهودة فيما بينهم كما ينبىء عنه تعريف الوارثين وتأخير ذكر وراثتهم له عن ذكر جعلهم أئمة مع تقدمها عليه زمانا لانحطاط رتبتها عن الإمامة ولئلا ينفصل عنه ما بعده مع كونه من روادفه أعنى قوله تعالى (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) الخ أى نسلطهم على مصر والشأم يتصرفون فيهما كيفما يشاءون وأصل التمكين أن تجعل للشىء مكانا يتمكن فيه (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ) أى من أولئك المستضعفين (ما كانُوا يَحْذَرُونَ) ويجتهدون فى دفعه من ذهاب ملكهم وهلكهم على يدمو لود منهم وقرىء يرى بالياء ورفع ما بعده على الفاعلية (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) بإلهام أو رؤيا (أَنْ أَرْضِعِيهِ) ما أمكنك إخفاؤه (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) بأن يحس به الجيران عند بكائه وينموا عليه (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) فى البحر وهو النيل (وَلا تَخافِي) عليه ضيعة بالغرق ولا شدة (وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) عن قريب بحيث تأمنين عليه (وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) والجملة تعليل للنهى* عن الخوف والحزن وإيثار الجملة الاسمية وتصديرها بحرف التحقيق للاعتناء بتحقيق مضمونها أى إنا فاعلون لرده وجعله من المرسلين لا محالة روى أن بعض القوابل الموكلات من قبل فرعون بحبالى بنى إسرائيل كانت مصافية لأم موسى عليه‌السلام فقالت لها لينفعنى حبك اليوم فعالجتها فلما وقع على الأرض هالها نور بين عينيه وارتعش كل مفصل منها ودخل حبه في قلبها ثم قالت ما جئتك إلا لأقبل مولودك وأخبر فرعون ولكنى وجدت لابنك فى قلبى محبة ما وجدت مثلها لأحد فاحفظيه فلما خرجت جاء عيون فرعون فلفته في خرقة فألقته فى تنور مسجور لم تعلم ما تصنع لما طاش من عقلها فطلبوا فلم يلقوا شيئا فخرجوا وهى لا تدرى مكانه فسمعت بكاءه من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله تعالى النار عليه بردا وسلاما فلما ألح فرعون فى طلب الولدان أوحى الله تعالى إليها ما أوحى وقد روى أنها أرضعته ثلاثة أشهر فى تابوت من بردى مطلى بالقار من داخله والفاء فى قوله تعالى :

٣

(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (٨) وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٩)

____________________________________

(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) فصيحة مفصحة عن عطفه على جملة مترتبة على ما قبلها من الأمر بالإلقاء قد حذفت تعويلا على دلالة الحال وإيذانا بكمال سرعة الامتثال أى فألقته فى اليم بعد ما جعلته فى التابوت حسبما أمرت به فالتقطه آل فرعون أى أخذوه أخذ اعتناء به وصيانة له عن الضياع قال ابن عباس رضى الله عنهما وغيره كان لفرعون يومئذ بنت لم يكن له ولد غيرها وكانت من أكرم الناس إليه وكان بها برص شديد عجزت الأطباء عن علاجه فقالوا لا تبرأ إلا من قبل البحر يؤخذ منه شبه الإنس يوم كذا وساعة كذا من شهر كذا حين تشرق الشمس فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ فلما كان ذلك اليوم غدا فرعون فى مجلس له على شفير النيل ومعه امرأته آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد الذى كان فرعون مصر فى زمن يوسف الصديق عليه‌السلام وقيل كانت من بنى إسرائيل من سبط موسى عليه الصلاة والسلام وقيل كانت عمته حكاه السهيلى وأقبلت بنت فرعون فى جواريها حتى جلست على شاطئ النيل فإذا بتابوت فى النيل تضربه الأمواج فتعلق بشجرة فقال فرعون ائتونى به فابتدروا بالسفن فأحضروه بين يديه فعالجوا فتحه فلم يقدروا عليه وقصدوا كسره فأعياهم فنظرت آسية فرأت نورا فى جوف التابوت لم يره غيرها فعالجته ففتحته فإذا هى بصبى صغير فى مهده وإذا نور بين عينيه وهو يمص إبهامه لبنا فألقى الله تعالى محبته فى قلوب القوم وعمدت ابنة فرعون إلى ريقه فلطخت به برصها فبرأت من ساعتها وقيل لما نظرت إلى وجهه برأت فقالت الغواة من قوم فرعون إنا نظن أن هذا هو الذى نحذر منه رمى فى البحر فرقا منك* فاقتله فهم فرعون بقتله فاستوهبته آسية فتركه كما سيأتى واللام فى قوله تعالى (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) لام العاقبة أبرز مدخولها فى معرض العلة لا لتقاطهم تشبيها له فى الترتب عليه بالغرض الحامل عليه وقرىء حزنا* وهما لغتان كالسقم والسقم جعل عليه الصلاة والسلام نفس الحزن إيذانا بقوة سببيته لحزنهم (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) أى فى كل ما يأتون وما يذرون فلا غرو فى أن قتلوا لأجله ألو فاثم أخذوه يربونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرون. روى أنه ذبح فى طلبه عليه الصلاة والسلام تسعون ألف وليد أو كانوا مذنبين فعاقبهم الله تعالى بأن ربى عدوهم على أيديهم فالجملة اعتراضية لتأكيد خطئهم أو لبيان الموجب لما ابتلوا به وقرىء خاطين على أنه تخفيف خاطئين أو على أنه بمعنى متعدين الصواب إلى الخطأ (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ) أى لفرعون حين أخرجته من التابوت (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) أى هو قرة عين لنا لما أنهما لما رأياه أحباه أو لما ذكر من برء ابنته من البرص بريقه وفى الحديث أنه قال لك لالى ولو قال لى كما هو لك لهداه الله تعالى كما هداها (لا تَقْتُلُوهُ) خاطبته بلفظ الجمع تعظيما ليساعدها فيما تريده (عَسى

٤

(وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١) وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) (١٢)

____________________________________

أَنْ يَنْفَعَنا) فإن فيه مخايل اليمن ودلائل النجابة وذلك لما رأت فيه من العلامات المذكورة (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) أى نتبناه فإنه خليق بذلك (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) حال من آل فرعون والتقدير فالتقطه آل فرعون ليكون لهم* عدوا وحزنا وقالت امرأته كيت وكيت وهم لا يشعرون بأنهم على خطأ عظيم فيما صنعوا من الالتقاط ورجاء النفع منه والتبنى له وقوله تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ) الآية اعتراض وقع بين المعطوفين لتأكيد خطئهم وقيل حال من أحد ضميرى نتخذه على أن الضمير للناس أى وهم لا يعلمون أنه لغيرنا وقد تبنيناه (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) صفرا من العقل لما دهمها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوعه فى يد فرعون لقوله تعالى (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) أى خلاء لا عقول فيها ويعضده أنه قرىء فرغا من قولهم دماؤهم بينهم فرغ أى هدر وقيل فارغا من الهم والحزن لغاية وثوقها بوعد الله تعالى أو لسماعها أن فرعون عطف عليه وتبناه وقرىء مؤسى بالهمز إجراء للضمة فى جارة الواو مجرى ضمتها فهمزت كما فى وجوه (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أى إنها كادت لتظهر بموسى أى بأمره وقصته من فرط الحيرة والدهشة أو الفرح بتبنيه (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) بالصبر والثبات (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أى المصدقين بوعد الله تعالى أو من الواثقين بحفظه لا بتبنى فرعون وتعطفه وهو علة الربط وجواب لو لا محذوف لدلالة ما قبله عليه (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ) مريم والتعبير عنها بأخوته عليه الصلاة والسلام دون أن يقال لبنتها للتصريح بمدار المحبة الموجبة للامتثال بالأمر (قُصِّيهِ) أى اتبعى أثره وتتبعى خبره (فَبَصُرَتْ بِهِ) أى أبصرته (عَنْ جُنُبٍ) عن بعد وقرىء بسكون النون وعن جانب والكل بمعنى (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أنها تقصه وتتعرف حاله أو أنها أخته (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ) أى منعناه أن يرتضع من المرضعات والمراضع جمع مرضع وهى المرأة التى ترضع أو مرضع وهو الرضاع أو موضعه أعنى الثدى (مِنْ قَبْلُ) أى من قبل قصها أثره (فَقالَتْ) عند رؤيتها لعدم قبوله الثدى واعتناء فرعون بأمره وطلبهم من يقبل ثديها (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) أى لأجلكم (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) لا يقصرون فى إرضاعه وتربيته روى أن هامان لما سمعه منها قال إنها* لتعرفه وأهله فخذوها حتى تخبر بحاله فقالت إنما أردت وهم للملك ناصحون فأمرها فرعون بأن تأتى بمن يكفله فأتت بأمه وموسى على يد فرعون يبكى وهو يعلله فدفعه إليها فلما وجد ريحها استأنس والتقم ثديها فقال من انت منه فقد أبى كل ثدى إلا ثديك فقالت إنى امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا اوتى بصبى إلا قبلنى

٥

(فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ(١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (١٦)

____________________________________

فقرره فى يدها وأجرى عليها فرجعت به إلى بيتها من يومها وذلك قوله تعالى (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) بوصول ولدها إليها (وَلا تَحْزَنَ) بفراقه (وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ) أى جميع ما وعده من رده وجعله* من المرسلين (حَقٌّ) لا خلف فيه بمشاهدة بعضه وقياس بعضه عليه (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أن الأمر كذلك فيرتابون فيه أو أن الغرض الأصلى من الرد علمها بذلك وما سواه تبع وفيه تعريض بما فرط منها حين سمعت بوقوعه فى يد فرعون (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) أى المبلغ الذى لا يزيد عليه نشؤه وذلك من ثلاثين إلى أربعين سنة فإن العقل يكمل حينئذ وروى أنه لم يبعث نبى إلا على رأس الأربعين (وَاسْتَوى) أى اعتدل قده أو عقله (آتَيْناهُ حُكْماً) أى نبوة (وَعِلْماً) بالدين أو علم الحكماء والعلماء وسمتهم قبل استنبائه فلا يقول ولا يفعل ما يستجهل فيه وهو أوفق لنظم القصة لأنه تعالى استنبأه بعد الهجرة فى المراجعة (وَكَذلِكَ) ومثل ذلك الذى فعلنا بموسى وأمه (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) على إحسانهم (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ) أى مصر من قصر فرعون وقيل منف أو حابين أو عين شمس من نواحيها (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) فى وقت لا يعتاد دخولها أو لا يتوقعونه فيه قيل كان وقت القيلولة وقيل بين العشاءين (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ) أى ممن شايعه على دينه وهم بنو إسرائيل (وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) أى من مخالفيه دينا وهم القبط والإشارة على الحكاية (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ) أى سأله أن يغيثه بالإعانة كما ينبىء عنه تعديته بعلى وقرىء استعانه (عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى) أى ضرب القبطى بجمع كفه وقرىء فلكزه أى فضرب به صدره (فَقَضى عَلَيْهِ) فقتله وأصله أنهى حياته من قوله تعالى (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ (قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) لأنه لم يكن مأمورا بقتل الكفار أو لأنه كان مأمونا فيما بينهم فلم يكن له اغتيالهم ولا يقدح ذلك فى عصمته لكونه خطأ وإنما عده من عمل الشيطان وسماه ظلما واستغفر منه جريا على سنن المقربين فى استعظام ما فرط منهم ولو كان من محقرات الصغائر (إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) ظاهر العداوة والإضلال (قالَ) توسيطه بين كلاميه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لإبانة ما بينهما من المخالفة من حيث إنه مناجاة

٦

(قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) (٢٠)

____________________________________

ودعاء بخلاف الأول (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) أى بقتله (فَاغْفِرْ لِي) ذنبي (فَغَفَرَ لَهُ) ذلك (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) أى المبالغ فى مغفرة ذنوب عباده ورحمتهم (قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ) إما قسم محذوف الجواب أى أقسم بإنعامك على بالمغفرة لأتوبن (فَلَنْ أَكُونَ) بعد هذا أبدا (ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) وما استعطاف أى بحق إنعامك على اعصمنى فلن أكون معينا لمن تؤدى معاونته إلى الحرم وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام لم يستثن فابتلى به مرة أخرى وهذا يؤيد الأول وقيل معناه بما أنعمت على من القوة أعين أولياءك فلن أستعملها فى مظاهرة أعدائك (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ) يترصد الاستقادة أو الأجناد (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) أى يستغيثه برفع الصوت من الصراخ (قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) أى بين الغواية تسببت لقتل رجل وتقاتل آخر (فَلَمَّا أَنْ أَرادَ) موسى (أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما) أى لموسى وللإسرائيلى إذ لم يكن على دينهما ولأن القبط كانوا أعداء لبنى إسرائيل على الإطلاق وقرىء يبطش بضم الطاء (قالَ) أى الإسرائيلى ظانا أنه عليه الصلاة والسلام يبطش به حسبما يوهمه تسميته إياه غوبا (يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) قالوا لما سمع القبطى قول الإسرائيلى علم أن موسى هو الذى قتل ذلك الفرعونى فانطلق إلى فرعون فأخبره بذلك وأمر فرعون بقتل موسى عليه‌السلام وقيل قاله القبطى (إِنْ تُرِيدُ) أى ما تريد (إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) وهو الذى يفعل كل ما يريده من الضرب والقتل ولا ينظر فى العواقب وقيل المتعظم الذى لا يتواضع لأمر الله تعالى (وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) بين الناس بالقول والفعل (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) أى كائن من آخراها أو جاء من آخرها (يَسْعى) أى يسرع صفة لرجل أو حال منه على أن الجار والمجرور صفة له لا متعلق بجاء فإن تخصصه يلحقه بالمعارف قيل هو مؤمن آل فرعون واسمه حزقيل وقيل شمعون وقيل شمعان (قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) أى يتشاورون بسببك فإن كلا من المتشاورين بأمر الآخرين ويأتمر (فَاخْرُجْ) أى من المدينة (إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) اللام للبيان*

٧

(فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (٢٤)

____________________________________

لما أن معمول الصلة لا يتقدمها (فَخَرَجَ مِنْها) أى من المدينة (خائِفاً يَتَرَقَّبُ) لحوق الطالبين (قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) خلصنى منهم واحفظنى من لحوقهم (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) أى نحو مدين وهى قرية شعيب عليه‌السلام سميت باسم مدين بن إبراهيم ولم تكن تحت سلطان فرعون وكان بينها وبين مصر مسيرة ثمانية أيام (قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) توكلا على الله تعالى وثقة بحسن توفيقه وكان لا يعرف الطرق فعن له ثلاث طرائق فأخذ فى الوسطى وجاء الطلاب فشرعوا فى الأخريين وقيل خرج حافيا لا يعيش إلا بورق الشجر فما وصل حتى سقط خف قدميه وقيل جاء ملك على فرس وبيده عنزة فانطلق به إلى مدين (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) أى وصل إليه وهو بئر كانوا يسقون منه (وَجَدَ عَلَيْهِ) أى فوق شفيرها (أُمَّةً) جماعة كثيفة (مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) أى مواشيهم (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ) أى فى موضع أسفل منهم (امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) أى تمنعان ما معهما من الأغنام عن التقدم إلى البئر كيلا تختلط بأغنامهم مع عدم الفائدة فى التقدم (قالَ) عليه‌السلام لهما حين رآهما على ما هما عليه من التأخر والذود (ما خَطْبُكُما) * ما شأنكما فيما أنتما عليه من التأخر والذود ولم لا تباشران السقى كدأب هؤلاء (قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) أى عادتنا أن لا نسقى حتى يصرف الرعاة مواشيهم بعدريها عن الماء عجزا عن مساجلتهم وحذرا عن مخالطة الرجال لا أنا لا نسقى اليوم إلى تلك الغاية وحذف مفعول السقى والذود والإصدار لما أن الغرض هو بيان تلك الأفعال أنفسها إذ هى التى دعت موسى عليه‌السلام إلى ما صنع فى حقهما من المعروف فإنه عليه الصلاة والسلام إنما رحمهما لكونهما على الذياد للعجز والعفة وكونهم على السقى غير مبالين بهما وما رحمهما لكون مذودهما غنما ومسقيهم إبلا مثلا وقرىء لا نسقى من الإسقاء ويصدر من الصدور والرعاء بضم الراء وهو اسم جمع كالرخاء وأما الرعاء فجمع قياسى كصيام وقيام وقوله تعالى* (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) إبراء منهم للعذر إليه عليه‌السلام فى توليهما للسقى بأنفسهما كأنهما قالتا إنا امرأتان ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مساجلة الرجال ومزاحمتهم وما لنار جل يقوم بذلك وأبونا شيخ كبير السن قد اضعفه الكبر فلا بد لنا من تأخير السقى إلى أن يقضى الناس أو طارهم من الماء (فَسَقى لَهُما) رحمة عليهما والكلام فى حذف مفعوله كما مر آنفا روى أن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلا سبعة رجال وقيل عشرة وقيل أربعون وقيل مائة فأقله وحده مع ما كان به من الوصب والجراحة والجوع ولعله

٨

(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢٥)

____________________________________

عليه الصلاة والسلام زاحمهم فى السقى لهما فوضعوا الحجر على البئر لتعجيزه عليه الصلاة والسلام عن ذلك فإن الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام غب ما شاهد حالهما سارع إلى السقى لهما وقد روى أنه دفعهم عن الماء إلى أن سقى لهما وقيل كانت هناك بئر أخرى عليها الصخرة المذكورة وروى أنه عليه الصلاة والسلام سألهم دلوا من ماء فأعطوه دلوهم وقالوا استق بها وكان لا ينزعها إلا أربعون فاستقى بها وصبها فى الحوض ودعا بالبركة وروى غنمهما وأصدرهما (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ) الذى كان هناك (فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ) * أى أى شىء أنزلته إلى (مِنْ خَيْرٍ) جل أو قل وحمله الأكثرون على الطعام بمعونة المقام (فَقِيرٌ) أى محتاج* ولنضمنه معنى السؤال والطلب جىء بلام الدعامة لتقوية العمل وقيل المعنى لما أنزلت إلى من خير عظيم هو خير الدارين صرت فقيرا فى الدنيا لأنه كان فى سعة من العيش عند فرعون قاله عليه الصلاة والسلام إظهارا للبجح والشكر على ذلك (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما) قيل هى كبراهما واسمها صفوراء أو صفراء وقيل صغراهما واسمها صفيراء أى جاءته عقيب ما رجعتا إلى أبيهما روى أنهما لما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس وأغنامهما حفل بطان قال لهما ما أعجلكما قالتا وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا فقال لإحداهما اذهبى فادعيه لى وقوله تعالى (تَمْشِي) حال من فاعل جاءت وقوله تعالى (عَلَى اسْتِحْياءٍ) متعلق بمحذوف هو حال* من ضمير تمشى أى جاءته تمشى كائنة على استحياء فمعناه أنها كانت على استحياء حالتى المشى والمجىء معا لا عند المجىء فقط وتنكير استحياء للتفخيم قيل جاءته متخفرة أى شديدة الحياء وقيل قد استترت بكم درعها (قالَتْ) استئناف مبنى على سؤال نشأ من حكاية مجيئها إياه عليه الصلاة والسلام كأنه قيل فماذا* قالت له عليه الصلاة والسلام فقيل قالت (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) أى جزاء سقيك لنا أسندت الدعوة إلى أبيها وعللتها بالجزاء لئلا يوهم كلامها ريبة وفيه من الدلالة على كمال العقل والحياء والعفة مالا يخفى روى أنه عليه الصلاة والسلام أجابها فانطلقا وهى أمامه فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته فقال لها امشى خلفى وانعتى لى الطريق ففعلت حتى أتيا دار شعيب عليهما‌السلام (فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) أى ما جرى عليه من الخبر المقصوص فإنه مصدر سمى به المفعول كالعلل (قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الذى يلوح من ظاهر النظم الكريم أن موسى عليه‌السلام إنما أجاب المستدعية من غير تلعثم ليتبرك برؤية شعيب عليه‌السلام ويستظهر برأيه لا ليأخذ بمعروفه أجرا حسبما صرحت به ألا يرى إلى ما روى أن شعيبا لما قدم إليه طعاما قال إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بطلاع الأرض ذهبا ولا نأخذ على المعروف ثمنا ولم يتناول حتى قال شعيب عليه‌السلام هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا فتناول بعد ذلك على سبيل التقبل لمعروف مبتدأ كيف لا وقد قص عليه قصصه وعرفه أنه من بيت النبوة

٩

(قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) (٢٨)

____________________________________

من أولاد يعقوب عليه‌السلام ومثله حقيق بأن يضيف ويكرم لا سيما فى دار نبى من أنبياء الله تعالى عليهم الصلاة والسلام وقيل ليس بمستنكر منه عليه الصلاة والسلام أن يقبل الأجر لاضطرار الفقر والفاقة وقد روى عن عطاء بن السائب أنه عليه‌السلام رفع صوته بدعائه ليسمعها ولذلك قيل له ليجزيك الخ ولعله عليه‌السلام إنما فعله ليكون ذريعة إلى استدعائه لا إلى استيفاء الأجر (قالَتْ إِحْداهُما) وهى التى استدعته إلى أبيها وهى التى زوجها من موسى عليهما‌السلام (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) أى لرعى الغنم والقيام* بأمرها (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) تعليل جار مجرى الدليل على أنه حقيق بالاستئجار وللمبالغة فى ذلك جعل خير اسما لأن وذكر الفعل على صيغة الماضى الدلالة على أنه أمين مجرب روى أن شعيبا عليه‌السلام قال لها وما أعلمك بقوته وأمانته فذكرت ما شاهدت منه عليه‌السلام من إقلال الحجر ونزع الدلو وأنه صوب رأسه حتى بلغته رسالته وأمرها بالمشى خلفه (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) أى تكون أجيرا لى أو تثيبنى من أجرت كذا إذا أثبته إياه فقوله تعالى* (ثَمانِيَ حِجَجٍ) على الأول ظرف وعلى الثانى مفعول به على تقدير مضاف أى رعية ثمانى حجج ونقل عن المبرد أنه يقال أجرت دارى ومملوكى غير ممدود وآجرت ممدودا والأول أكثر فعلى هذا يكون المفعول* الثانى محذوفا والمعنى على أن تأجرنى نفسك وقوله تعالى (ثَمانِيَ حِجَجٍ) ظرف كالوجه الأول (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً) فى الخدمة والعمل (فَمِنْ عِنْدِكَ) أى فهو من عندك بطريق التفضل لا من عندى بطريق الإلزام عليك وهذا من شعيب عرض لرأيه على موسى عليهما‌السلام واستدعاء منه للعقد لا إنشاء وتحقيق له بالفعل (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) بإلزام إتمام العشر أو المناقشة فى مراعاة الأوقات واستيفاء الأعمال واشتقاق* المشقة من الشق فإن ما يصعب عليك يشق عليك اعتقادك فى إطاقته ويوزع رأيك فى مزاولته (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) فى حسن المعاملة ولين الجانب والوفاء بالعهد ومراده عليه الصلاة والسلام بالاستثناء التبرك به وتفويض أمره إلى توفيقه تعالى لا تعليق صلاحه بمشيئته تعالى (قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) مبتدأ وخبر أى ذلك الذى قلته وعاهدتنى فيه وشارطتنى عليه قائم وثابت بيننا جميعا لا يخرج عنه واحد منا لا أنا عما شرطت على ولا أنت عما شرطت على نفسك وقوله تعالى (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ) أى* أكثرهما أو أقصرهما (قَضَيْتُ) أى وفتيكه بأداء الخدمة فيه (فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ) تصريح بالمراد وتقرير لأمر الخيرة أى لا عدوان على بطلب الزيادة على ما قضيته من الأجلين وتعميم انتفاء العدوان لكلا الأجلين بصدد المشارطة مع عدم تحقق العدوان في أكثرهما رأسا للقصد إلى التسوية بينهما فى الانتفاء

١٠

(فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) (٢٩)

____________________________________

أى كما لا أطالب بالزيادة على العشر لا أطالب بالزيادة على الثمان أو أيما الأجلين قضيت فلا إثم على يعنى كمالا إثم على فى قضاء الأكثر لا إثم على فى قضاء الأقصر فقط وقرىء أى الأجلين ما قضيت فما مزيدة لتأكيد القضاء كما أنها فى القراءة الأولى مزبدة لتأكيد إبهام أى وشياعها وقرىء أيما بسكون الياء كقول من قال[تنظرت نصرا والسماكين أيهما * على من الغيث استهلت مواطره] (وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ) من الشروط الجارية بيننا (وَكِيلٌ) شاهد وحفظ فلا سبيل لأحد منا إلى الخروج عنه أصلا وليس ما حكى* عنهما عليهما الصلاة والسلام تمام ما جرى بينهما من الكلام فى إنشاء عقد النكاح وعقد الإجارة وإيقاعهما بل هو بيان لما عزما عليه واتفقا على إيفاعه حسبما يتوقف عليه مساق القصة إجمالا من غير تعرض لبيان مواجب العقدين فى تلك الشريعة تفصيلا روى أنهما لما أتما العقد قال شعيب لموسى عليهما‌السلام ادخل ذلك البيت فخذ عصا من تلك العصى وكانت عنده عصى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فأخذ عصا هبط بها آدم عليه الصلاة والسلام من الجنة ولم يزل الأنبياء يتوارثونها حتى وقعت إلى شعيب عليه‌السلام فمسها وكان مكفوفا فضن بها فقال خذ غيرها فما وقع فى يده إلا هى سبع مرات فعلم أن له شأنا وقيل أخذها جبريل عليه‌السلام بعد موت آدم عليه‌السلام فكانت معه حتى لقى بها موسى عليه‌السلام ليلا وقيل أودعها شعيبا ملك فى صورة رجل فأمر بنته أن تأتيه بعصا فأتته بها فردها سبع مرات فلم يقع فى يدها غيرها فدفعها إليه ثم ندم لأنها وديعة فتبعه فاختصما فيها ورضيا أن يحكم بينها أول طالع فأتاهما الملك فقال ألقياها فمن رفعها فهى له فعالجها الشيخ فلم يطقها ورفعها موسى عليه‌السلام وعن الحسن رضى الله تعالى عنه ما كانت إلا عصا من الشجر اعترضها اعتراضا وعن الكلبى رحمه‌الله الشجرة التى منها نودى شجرة العوسج ومنها كانت عصاه ولما أصبح قال له شعيب صلوات الله وسلامه عليهما إذا بلغت مفرق الطريق فلا تأخذ على يمينك فإن الكلأ وإن كان بها أكثر إلا أن فيها تنينا أخشاه عليك وعلى الغنم فأخذت الغنم ذات اليمين فلم يقدر على كفها ومشى على أثرها فإذا عشب وريف لم ير مثله فنام فإذا بالتنين قد أقبل فحاربته العصا حتى قتلته وعادت إلى جنب موسى عليه‌السلام دامية فلما أبصرها دامية والتنين مقتولا ارتاح لذلك ولما رجع إلى شعيب عليهما‌السلام مس الغنم فوجدها ملأى البطون غزيرة اللبن فأخبره موسى عليه‌السلام بالشأن ففرح وعلم أن لموسى والعصا شأنا وقال له إنى وهبت لك من نتاج غنمى هذا العام كل أدرع ودعاء فأوحى إليه فى المنام أن اضرب بعصاك مستقى الغنم ففعل ثم سقى فما أخطأت واحدة إلا وضعت أدرع ودرعاء فوفى له بشرطه والفاء فى قوله تعالى (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ) فصيحة أى فعقدا العقدين وباشر موسى ما التزمه فلما أتم الأجل (وَسارَ بِأَهْلِهِ) نحو مصر بإذن من شعيب عليهما‌السلام روى أنه عليه الصلاة والسلام قضى أبعد الأجلين ومكث عنده بعد ذلك عشر سنين ثم عزم على العود إلى مصر فاستأذنه فى

١١

(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (٣٢)

____________________________________

ذلك فأذن له فخرج بأهله (آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ) أى أبصر من الجهة التى تلى الطور (ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) أى بخبر الطريق وقد كانوا ضلوه (أَوْ جَذْوَةٍ) أى عود غليظ سواء كانت فى رأسه نار أو لا قال قائلهم[باتت حواطب ليلى يلتمسن لها * جزل الجذى غير حوار ولا دعر] وقال[وألقى على قبس من النار جذوة * شديدا عليها حرها وإلتهابها] ولذلك بين بقوله تعالى (مِنَ النَّارِ) وقرىء بكسر الجيم وبضمها وكلها لغات (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) أى تستدفئون (فَلَمَّا أَتاها) أى النار التى آنسها (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ) أى أتاه النداء من الشاطىء الأيمن بالنسبة إلى موسى عليه‌السلام (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) متصل بالشاطىء أو صلة لنودى (مِنَ الشَّجَرَةِ) بدل اشتمال من (شاطِئِ) لأنها كانت نابتة على الشاطىء (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) وهذا وإن خالف لفظا لما فى طه والنمل لكنه موافق له فى المعنى المراد (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) عطف على (أَنْ يا مُوسى) وكلاهما مفسر لنودى والفاء فى قوله تعالى (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) فصيحة مفصحة عن جمل قد حذفت تعويلا على دلالة الحال عليها وإشعارا بغاية سرعة تحقق مدلولاتها أى فألقاها فصارت ثعبانا فاهتزت فلما رآها تهتز (كَأَنَّها جَانٌّ) أى فى سرعة الحركة مع غاية عظم جثتها (وَلَّى مُدْبِراً) أى منهزما من الخوف (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أى لم يرجع (يا مُوسى) أى قيل يا موسى (أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) من المخاوف فإنه لا يخاف لدى المرسلون (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) أى أدخلها فيه (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أى عيب (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ) أى يديك المبسوطتين لتتقى بهما الحية كالخائف الفزع بإدخال اليمنى تحت العضد الأيسر واليسرى تحت الأيمن أو بإدخالهما فى الجيب فيكون تكريرا لغرض آخر هو أن يكون ذلك فى وجه العدو إظهار جراءة ومبدأ لظهور معجزة ويجوز أن يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا ثعبانا استعارة من حال الطائر فإنه إذا خاف نشر جناحيه وإذا أمن واطمأن ضمهما إليه (مِنَ الرَّهْبِ) أى من أجل الرهب أى إذا عراك الخوف فافعل ذلك تجلدا وضبطا لنفسك وقرىء بضم الراء وسكون الهاء وبضمهما والكل لغات (فَذانِكَ) إشارة إلى العصا واليد وقرىء بتشديد النون فالمخفف مثنى ذاك والمشدد مثنى ذلك (بُرْهانانِ) حجتان نيرتان وبرهان فعلان لقولهم أبره الرجل إذا جاء بالبرهان من قولهم بره الرجل إذا ابيض ويقال

١٢

(قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٣٧)

____________________________________

للمرأة البيضاء برهاء وبرهرهة ونظيره تسمية الحجة سلطانا من السليط وهو الزيت لإنارتها وقيل هو فعلال لقولهم برهن ومن فى قوله تعالى (مِنْ رَبِّكَ) متعلقة بمحذوف هو صفة لبرهانان أى كائنان منه تعالى (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) واصلان ومنتهيان إليهم (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) خارجين عن حدود الظلم والعدوان فكانوا أحقاء بأن نرسلك إليهم بهاتين المعجزتين الباهرتين (قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) بمقابلتها (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً) أى معينا وهو فى الأصل اسم مايعان به كالدفء وقرىء ردا بالتخفيف (يُصَدِّقُنِي) بتخليص الحق وتقرير الحجة بتوضيحها وتزييف الشبهة (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) ولسانى لا يطاوعنى عند المحاجة وقيل المراد تصديق القوم لتقريره وتوضيحه لكنه أسند إليه إسناد الفعل إلى السبب وقرىء يصدقنى بالجزم على أنه جواب الأمر (قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) أى سنقويك به فإن قوة الشخص بشدة اليد على مزاولة الأمور ولذلك يعبر عنه باليد وشدتها بشدة العضد (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) أى تسلطا وغلبة وقيل حجة وليس بذاك (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) باستيلاء أو محاجة (بِآياتِنا) متعلق بمحذوف قد صرح به فى مواضع أخر أى اذهبا بآياتنا أو بنجعل أى نسلطكما بآياتنا أو بمعنى لا يصلون أى تمتنعون منهم بها وقيل هو قسم وجوابه لا يصلون وقيل هو بيان للغالبون فى قوله تعالى (أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) بمعنى أنه صلة لما يبينه أو صلة له على أن اللام للتعريف لا بمعنى الذى (فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ) أى واضحات الدلالة على صحة رسالة موسى عليه‌السلام منه تعالى والمراد بها العصا واليد إذ هما اللتان أظهرهما موسى عليه‌السلام إذ ذاك والتعبير عنهما بصيغة الجمع قد مر سره فى سورة طه (قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً) أى سحر مختلق لم يفعل قبل هذا مثله أو سحر تعمله ثم تفتريه على الله تعالى أو سحر موصوف بالافتراء كسائر أصناف السحر (وَما سَمِعْنا بِهذا) أى السحر أو ادعاء النبوة (فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) أى واقعا فى أيامهم (وَقالَ

١٣

(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) (٤١)

____________________________________

مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ) يريد به نفسه وقرىء قال بغير واو لأنه جواب عن مقألهم ووجه العطف أن المراد حكاية القولين ليوازن السامع بينهما فيميز صحيحهما من الفاسد (وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) أى العاقبة المحمودة في الدار وهى الدنيا وعاقبتها الأصلية هى الجنة لأنها خلقت مجازا إلى الآخرة ومزرعة لها والمقصود بالذات منها الثواب وأما العقاب فمن نتائج أعمال العصاة وسيئات الغواة وقرىء يكون بالياء التحتانية (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أى لا يفوزون بمطلوب ولا ينجون عن محذور (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) قاله اللعين بعد ما جمع السحرة وتصدى للمعارضة فكان من أمرهم ما كان (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) أى اصنع آجرا (فَاجْعَلْ لِي) منه (صَرْحاً) أى قصرا رفيعا (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) كأنه توهم أنه لو كان لكان جسما فى السماء يمكن الرقى إليه ثم قال (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) أو أراد أن يبنى له رصدا يترصد منه أوضاع الكواكب فيرى هل فيها ما يدل على بعثة رسول وتبدل دولته وقيل المراد بنفى العلم نفى المعلوم كما فى قوله تعالى (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) فإن معناه بما ليس فيهن وهذا من خواص العلوم الفعلية فإنها لازمة لتحقق معلوماتها فيلزم من انتفائها انتفاء معلوماتها ولا كذلك العلوم الانفعالية قيل أول من اتخذ الآجر فرعون ولذلك أمر باتخاذه على وجه يتضمن تعليم الصنعة مع ما فيه من تعظم ولذلك نادى هامان باسمه بيافى وسط الكلام (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ) أرض مصر (بِغَيْرِ الْحَقِّ) بغير استحقاق (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ) بالبعث للجزاء وقرىء بفتح الياء وكسر الجيم من رجع رجوعا والأول من رجع رجعا وهو الأنسب بالمقام (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ) عقيب ما بلغوا من الكفر والعتو أقصى الغايات (فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ) قد مر تفصيله وفيه من تفخيم شأن الأخذ وتهويله واستحقار المأخوذين المنبوذين مالا يخفى كأنه تعالى أخذهم مع كثرتهم فى كف وطرحهم فى البحر ونظيره قوله تعالى (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) وبينها للناس ليعتبروا بها (وَجَعَلْناهُمْ) أى صيرناهم فى عهدهم (أَئِمَّةً يَدْعُونَ) الناس (إِلَى النَّارِ) إلى ما يؤدى إليها من الكفر والمعاصى أى قدوة يقتدى بهم أهل الضلال لما صرفوا اختيارهم إلى تحصيل تلك الحالة وقيل

١٤

(وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٤٤)

____________________________________

سميناهم أئمة دعاة إلى النار كما فى قوله تعالى (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) فالأنسب حينئذ أن يكون الجعل بعدهم فيما بين الأمم وتكون الدعوة إلى نفس النار وقيل معنى الجعل منع الألطاف الصارفة عن ذلك (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) بدفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) طردا وإبعادا من الرحمة ولعنا من اللاعنين حيث لا يزال يلعنهم الملائكة عليهم الصلاة والسلام والمؤمنون خلفا عن سلف (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) من المطرودين المبعدين وقيل من الموسومين بعلامة منكرة كزرقة العيون وسواد الوجه قاله ابن عباس رضى الله عنهما يقال قبحه الله وقبحه إذا جعله قبيحا وقال أبو عبيدة من المقبوحين من المهلكين ويوم القيامة إما متعلق بالمقبوحين على أن اللام للتعريف لا بمعنى الذى أو بمحذوف يفسره ذلك كأنه قيل وقبحوا يوم القيامة نجو لعملكم من القالين (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أى التوراة (مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) هم أقوام نوح وهود وصالح ولوط عليهم‌السلام والتعرض لبيان كون إيتائها بعد إهلاكهم للإشعار بمساس الحاجة الداعية إليه تمهيدا لما يعقبه من بيان الحاجة الداعية إلى إنزال القرآن الكريم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإن إهلاك القرون الأولى من مواجبات اندراس معالم الشرائع وانطماس آثارها وأحكامها المؤديين إلى اختلال نظام العالم وفساد أحوال الأمم المستدعيين للتشريع الجديد بتقرير الأصول الباقية على مر الدهور وترتيب الفروع المتبدلة بتبدل العصور وتذكير أحوال الأمم الخالية الموجبة للاعتبار كأنه قيل ولقد آتينا موسى التوراة على حين حاجة إلى إيتائها (بَصائِرَ لِلنَّاسِ) أى أنوارا لقلوبهم تبصر بها الحقائق وتميز بين الحق والباطل حيث كانت عميا عن الفهم والإدراك بالكلية فإن البصيرة نور القلب الذى به يستبصر كما أن البصر نور العين الذى به تبصر (وَهُدىً) أى هداية إلى الشرائع والأحكام التى هى سبل الله تعالى (وَرَحْمَةً) حيث ينال من عمل به رحمة الله تعالى وانتصاب الكل على الحالية من الكتاب على أنه نفس البصائر والهدى والرحمة أو على حذف المضاف أى ذا بصائر الخ وقيل على العلة أى آتيناه الكتاب للبصائر والهدى والرحمة (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ليكونوا على حال يرجى منه التذكر وقد مر تحقيق القول فى ذلك عند قوله تعالى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) من سورة البقرة وقوله تعالى (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ) شروع فى بيان أن إنزال القرآن الكريم أيضا واقع فى زمان شدة مساس الحاجة إليه واقتضاء الحكمة له البتة وقد صدر بتحقيق كونه وحيا صادقا من عند الله عزوجل ببيان أن الوقوف على ما فصل من الأحوال لا يتسنى

١٥

(وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٤٦)

____________________________________

إلا بالمشاهدة أو التعلم ممن شاهدها وحيث انتفى كلاهما تبين أنه بوحى من علام الغيوب لا محالة على طريقة قوله تعالى (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) الآية أى وما كنت بجانب الجبل الغربى أو المكان الغربى الذى وقع فيه الميقات على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه أو الجانب* الغربى على إضافة الموصوف إلى الصفة كمسجد الجامع (إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) أى عهدنا إليه* وأحكمنا أمر نبوته بالوحى وإيتاء التوراة (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) أى من جملة الشاهدين للوحى وهم السبعون المختارون للميقات حتى تشاهد ما جرى من أمر موسى فى ميقاته وكتبة التوراة له فى الألواح فتخبره للناس (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً) أى ولكنا خلقنا بين زمانك وزمان موسى قرونا كثيرة (فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) وتمادى الأمد فتغيرت الشرائع والأحكام وعميت عليهم الأنباء لا سيما على آخرهم فاقتضى الحال التشريع الجديد فأوحينا إليك فحذف المستدرك اكتفاء بذكر ما يوجبه ويدل عليه وقوله تعالى (وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) نفى لاحتمال كون معرفته عليه الصلاة والسلام للقصة بالسماع ممن شاهدها أى وما كنت مقيما فى أهل مدين من شعيب والمؤمنين به وقوله تعالى (تَتْلُوا عَلَيْهِمْ) أى تقرأ على أهل مدين بطريق التعلم منهم (آياتِنا) الناطقة بالقصة إما حال من المستكن فى ثاويا أو خبر ثان لكنت (وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) إياك وموحين إليك تلك الآيات ونظائرها (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا) أى وقت ندائنا موسى إنى أنا الله رب العالمين واستنبائنا إياه وإرسالنا له إلى فرعون (وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أى ولكن أرسلناك بالقرآن الناطق بما ذكر وبغيره لرحمة عظيمة كائنة منا لك وللناس وقيل علمناك وقيل عرفناك ذلك وليس بذاك كما ستعرفه والالتفات إلى اسم الرب للإشعار بعلة الرحمة وتشريفه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالإضافة وقد اكتفى عن ذكر المستدرك ههنا بذكر ما يوجبه من جهته تعالى كما اكتفى عنه فى الأول بذكر ما يوجبه من جهة الناس وصرح به فيما بينهما تنصيصا على ما هو المقصود وإشعارا بأنه المراد فيهما أيضا ولله در شأن التنزيل وقوله تعالى (لِتُنْذِرَ قَوْماً) متعلق بالفعل المعلل بالرحمة فهو ما ذكرنا من إرساله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقرآن حتما لما أنه المعلل بالإنذار لا تعليم ما ذكر وقرىء رحمة بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وقوله تعالى (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) صفة لقوما أى لم يأتهم نذير لوقوعهم فى فترة بينك وبين عيسى وهى خمسمائة وخمسون سنة أو بينك وبين إسمعيل بناء على أن دعوة موسى وعيسى عليهما* السلام كانت مختصة ببنى إسرائيل (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أى يتعظون بإنذارك وتغيير الترتيب الوقوعى بين

١٦

(وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٤٩)

____________________________________

قضاء الأمر والثواء فى أهل مدين والنداء للتنبيه على أن كلا من ذلك برهان مستقل على أن حكايته صلى‌الله‌عليه‌وسلم للقصة بطريق الوحى الإلهى ولو ذكر أولا نفى ثوائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى أهل مدين ثم نفى حضوره صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند النداء ثم نفى حضوره عند قضاء الأمر كما هو الموافق للترتيب الوقوعى لربما توهم أن الكل دليل واحد على ما ذكر كما مر فى سورة البقرة (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ) أى عقوبة (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أى بما افترقوا من الكفر والمعاصى (فَيَقُولُوا) عطف على (تُصِيبَهُمْ) داخل فى حيز لو لا الامتناعية على أن مدار انتفاء ما يجاب به هو امتناعه لا امتناع المعطوف عليه وإنما ذكره فى حيزها للإيذان بأنه السبب الملجىء لهم إلى قولهم (رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) أى هلا أرسلت إلينا رسولا مؤيدا من عندك بالآيات (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) الظاهرة على يده وهو جواب لو لا الثانية (وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بها وجواب لو لا الأولى* محذوف ثقة بدلالة الحال عليه والمعنى لو لا قولهم هذا عند إصابة عقوبة جناياتهم التى قدموها ما أرسلناك لكن لما كان قولهم ذلك محققا لا محيد عنه أرسلناك قطعا لمعاذيرهم بالكلية (فَلَمَّا جاءَهُمُ) أى أهل مكة (الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) وهو القرآن المنزل عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (قالُوا) تعنتا واقتراحا (لَوْ لا أُوتِيَ) يعنونه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) من الكتاب المنزل جملة وأما اليد والعصا فلا تعلق لهما بالمقام كسائر معجزاته عليه الصلاة والسلام وقوله تعالى (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) رد عليهم وإظهار لكون ما قالوه تعنتا محضا لا طلبا لما يرشدهم إلى الحق أى ألم يكفروا من قبل هذا القول بما أوتى موسى من الكتاب كما كفروا بهذا الحق وقوله تعالى (قالُوا) استئناف مسوق لتقرير كفرهم المستفاد من الإنكار السابق وبيان كيفيته وقوله تعالى (سِحْرانِ) خبر لمبتدأ محذوف أى هما يعنون ما أوتى محمد وما أوتى موسى عليهما‌السلام سحران (تَظاهَرا) أى تعاونا بتصديق كل واحد منهما الآخر وذلك أنهم بعثوا رهطا منهم إلى رؤساء اليهود فى عيدلهم فسألوهم عن شأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا إنا نجده فى التوراة بنعته وصفته فلما رجع الرهط وأخبروهم بما قالت اليهود قالوا ذلك وقوله تعالى (وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ) أى بكل واحد من الكتابين (كافِرُونَ) تصريح بكفرهم* بهما وتأكيد لكفرهم المفهوم من تسميتهما سحرا وذلك لغاية عتوهم وتماديهم فى الكفر والطغيان وقرىء ساحران تظاهران يعنون موسى ومحمدا صلّى الله عليهما وسلم هذا هو الذى تستدعيه جزالة النظم الجليل فتأمل ودع عنك ما قيل وقيل ألا ترى إلى قوله تعالى (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما) مما أوتياه

١٧

(فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠) وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٥٤)

____________________________________

* من التوراة والقرآن وسميتموهما سحرين فإنه نص فيما ذكر وقوله تعالى (أَتَّبِعْهُ) جواب للأمر أى إن تأتوا به أتبعه ومثل هذا الشرط مما يأتى به من يدل بوضوح حجته وسنوح محجته لأن الإتيان بما هو* أهدى من الكتابين أمر بين الاستحالة فيوسع دائرة الكلام للتبكيت والإفحام (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أى فى أنهما سحران مختلفان وفى إيراد كلمة إن مع امتناع صدقهم نوع تهكم بهم (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) أى فإن لم يفعلوا ما كلفتهم من الإتيان بكتاب أهدى منهما كقوله تعالى (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) وإنما عبر عنه بالاستجابة إيذانا بأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على كمال أمن من أمره كأن أمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم لهم بالإتيان بما ذكر دعاء لهم إلى أمر يريد وقوعه والاستجابة تتعدى إلى الدعاء بنفسه وإلى الداعى باللام فيحذف الدعاء عند ذلك غالبا ولا يكاد يقال استجاب الله له دعاءه (فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ) الزائغة من غير أن يكون لهم متمسك ما أصلا إذ لو كان لهم ذلك لأتوا به (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ) استفهام إنكارى للنفى أى لا أضل ممن اتبع هواه (بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) أى هو أضل من كل ضال وإن كان ظاهر السبك لنفى الأصل لا لنفى المساوى كما مر فى نظائره مرارا وتقييد اتباع الهوى بعدم الهدى من الله تعالى لزيادة التقريع والإشباع فى التشنيع والتضليل وإلا فمقارنته لهدايته تعالى بينة الاستحالة (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك فى اتباع الهوى والإعراض عن الآيات الهادية إلى الحق المبين (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ) وقرىء بالتخفيف أى أنزلنا القرآن عليهم متواصلا بعضه إثر بعض حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة أو متتابعا وعدا ووعيدا قصصا وعبرا ومواعظ ونصائح (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) فيؤمنون بما فيه (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ) أى من قبل إيتاء القرآن (هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) وهم مؤمنو أهل الكتاب وقيل أربعون من أهل الإنجيل اثنان وثلاثون جاءوا مع جعفر من الحبشة وثمانية من الشأم (وَإِذا يُتْلى) أى القرآن عليهم (قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا) أى الحق الذى كما نعرف حقيته وهو استئناف لبيان ما أوجب إيمانهم وقوله تعالى (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ) أى من قبل نزوله (مُسْلِمِينَ) بيان لكون إيمانهم به أمرا متقادم العهد لما شاهدوا ذكره فى الكتب المتقدمة وأنهم على دين الإسلام قبل نزول القرآن (أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر من النعوت

١٨

(وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥) إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٥٧)

____________________________________

(يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) مرة على إيمانهم بكتابهم ومرة على إيمانهم بالقرآن (بِما صَبَرُوا) بصبرهم وثباتهم* على الإيمانين أو على الإيمان بالقرآن قبل النزول وبعده أو على أذى من هاجرهم أهل دينهم ومن المشركين (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) أى يدفعون بالطاعة المعصية لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأتبع السيئة الحسنة تمحها (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) فى سبيل الخير (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ) من اللاغين (أَعْرَضُوا عَنْهُ) عن اللغو تكرما كقوله تعالى (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (وَقالُوا) لهم (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) بطريق المتاركة والتوديع (لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) لا نطلب صحبتهم ولا نريد مخالطتهم (إِنَّكَ لا تَهْدِي) هداية موصلة إلى البغية لا محالة (مَنْ أَحْبَبْتَ) من الناس ولا تقدر على أن تدخله فى الإسلام وإن بذلت فيه غاية المجهود وجاوزت فى السعى كل حد معهود (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أن يهديه فيدخله فى الإسلام (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) بالمستعدين لذلك والجمهور على أنها نزلت فى أبى طالب فإنه لما احتضر جاءه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال له يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج بها لك عند الله قال له يا ابن أخى قد علمت أنك لصادق ولكنى أكره أن يقال جزع عند الموت ولو لا أن يكون عليك وعلى نبى أبيك غضاضة بعدى لقلتها ولأقررت بها عينك عند الفراق لما أرى من شدة وجدك ونصيحتك ولكنى سوف أموت على ملة الأشياخ عبد المطلب وهاشم وعبد مناف (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) نزلت فى الحرث بن عثمان ابن نوفل بن عبد مناف حيث أتى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال نحن نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب وإنما نحن أكلة رأس أن يتخطفونا من أرضنا فرد عليهم بقوله تعالى (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) * أى ألم نعصمهم ولم نجعل مكانهم حرما ذا أمن لحرمة البيت الحرام الذى تتناحر العرب حوله وهم آمنون (يُجْبى إِلَيْهِ) وقرىء تجبى أى تجمع وتحمل إليه (ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) من كل أوب والجملة صفة أخرى* لحرما دافعة لما عسى يتوهم من تضررهم بانقطاع الميرة (رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) فإذا كان حالهم ما ذكروهم عبدة أصنام فكيف يخافون التخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة التوحيد (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) * أى جهلة لا يتفطنون له ولا يتفكرون ليعلموا ذلك وقيل هو متعلق بقوله تعالى (مِنْ لَدُنَّا) أى قليل منهم يتدبرون فيعلمون أن ذلك رزق من عند الله تعالى إذ لو علموا لما خافوا غيره وانتصاب رزقا على أنه مصدر مؤكد لمعنى يجبى أو حال من ثمرات على أنه بمعنى مرزوق لتخصصها بالإضافة ثم بين أن الأمر بالعكس

١٩

(وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨) وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٦٠)

____________________________________

وأنهم أحقاء بأن يخافوا بأس الله تعالى بقوله (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) أى وكثير من أهل قرية كانت حالهم كحال هؤلاء فى الأمن وخفض العيش والدعة حتى أشروا فدمرنا عليهم وخربنا ديارهم (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ) خاوية بما ظلموا (لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ) من بعد تدميرهم (إِلَّا قَلِيلاً) أى إلا زمانا* قليلا إذ لا يسكنها إلا المارة يوما أو بعض يوم أو لم يبق من يسكنها إلا قليلا من شؤم معاصيهم (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) منهم إذ لم يخلفهم أحد يتصرف تصرفهم فى ديارهم وسائر ذات أيديهم وانتصاب معيشتها بنزع الخافض أو بجعلها ظرفا بنفسها كقولك زيد ظنى مقيم أو بإضمار زمان مضاف إليه أو بجعله مفعولا لبطرت بتضمين معنى كفرت (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى) بيان للعناية الربانية إثر بيان إهلاك القرى المذكورة أى وما صح وما استقام بل استحال فى سنته المبنية على الحكم البالغة أو ما كان فى حكمه الماضى وقضائه السابق أن يهلك القرى قبل الإنذار بل كانت عادته أن لا يهلكها (حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها) أى فى* أصلها وقصبتها التى هى أعمالها وتوابعها لكون أهلها أفطن وأنبل (رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) الناطقة بالحق ويدعوهم إليه بالترغيب والترهيب وذلك لإلزام الحجة وقطع المعذرة بأن يقولوا (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) والالتفات إلى نون العظمة لتربية المهابة وإدخال الروعة وقوله تعالى (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى) عطف على (ما كانَ رَبُّكَ) وقوله تعالى (إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) استثناء مفرغ من أعم الأحوال أى وما كنا مهلكين لأهل القرى بعد ما بعثنا فى أمها رسولا يدعوهم إلى الحق ويرشدهم إليه فى حال من الأحوال إلا حال كونهم ظالمين بتكذيب رسولنا والكفر بآياتنا فالبعث غاية لعدم صحة الإهلاك بموجب السنة الإلهية لا لعدم وقوعه حتى يلزم تحقق الإهلاك عقيب البعث وقد مر تحقيقه فى سورة بنى إسرائيل (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ) من أمور الدنيا (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها) أى فهو شىء شأنه أن يتمتع ويتزين به أياما قلائل (وَما عِنْدَ اللهِ) وهو الثواب (خَيْرٌ) فى نفسه من ذلك لأنه لذة* خالصة عن شوائب الألم وبهجة كاملة عارية عن سمة الهم (وَأَبْقى) لأنه أبدى (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ألا تتفكرون فلا تعقلون هذا الأمر الواضح فتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير وقرىء بالياء على الالتفات المبنى على اقتضاء سوء صنيعهم الإعراض عن مخاطبتهم.

٢٠