روح المعاني - ج ١٣

أبي الفضل شهاب الدين السيّد محمود الألوسي البغدادي

روح المعاني - ج ١٣

المؤلف:

أبي الفضل شهاب الدين السيّد محمود الألوسي البغدادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٩

عليها ثم قال سعيد : إن أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأيكم أعلم ، والرضا يقابل السخط وقد يستعمل بعن والباء ويعدى بنفسه وهو مع عن إنما يدخل على العين لا المعنى ولكن باعتبار صدور معنى منه يوجب الرضا وما في الآية من هذا القسم ، والمعنى الموجب للرضا فيها هو المبايعة ، وإذا ذكر مع العين معنى بالباء فقيل رضيت عن زيد بإحسانه كانت الباء للسببية وجاز أن تكون صلة وتتعين للسببية مع مقابلة نحو سخطت عليه بإساءته وهو مع الباء نحو رضيت به يجب دخوله على المعنى إلا إذا دخل على الذات تمهيدا للمعنى ليكون أبلغ فتقول رضيت بقضاء الله تعالى ورضيت بالله تعالى ربا وقاضيا ، وإذا عدي بنفسه جاز دخوله على الذات نحو رضيت زيدا وإن كان باعتبار المعنى تنبيها على أن كله مرضي بتلك الخصلة ، وفيه مبالغة ، وجاز دخوله على المعنى كرضيت إمارة فلان ، والأول أكثر استعمالا ، وإذا استعمل مع اللام تعدى بنفسه كقولك : رضيت لك التجارة ، وفيه تجوز إما لجعل الرضا مجازا عن الاستحماد وإما لأنك جعلت كونه مرضيا له بمنزلة كونه مرضيا لك مبالغة في أنه في نفسه مرضي محمود وانك تختار له ما تختار لنفسك وهذا أبلغ ، ثم هو في حق الحق تعالى شأنه محال عند الخلف قالوا : لأن سبحانه لا تحدث له صفة عقيب أمر البتة ، فهو عندهم مجاز إما من أسماء الصفات إذا فسر بإرادة أن يثيبهم إثابة من رضي عمن تحت يده ، وأما من أسماء الأفعال إذا فسر بالإثابة وكذا إذا أريد الاستحماد ؛ وفي البحر أن العامل بإذ في الآية هو رضي وهو هنا بمعنى إظهار عليهم فهو صفة فعل لا صفة ذات ليتقيد بالزمان ، وأنت تعلم أن السلف لا يؤولون مثل ذلك ويثبتونه له تعالى على الوجه اللائق به سبحانه ويصرفون الحدوث الذي يستدعيه التقييد بالزمان إلى التعلق ، ثم إن تقييد الرضا بزمان المبايعة يشعر بعلّيتها له فلا حاجة إلى جعل إذ للتعليل ، والتعبير بالمضارع لاستحضار صورة المبايعة ، وقوله سبحانه : (تَحْتَ الشَّجَرَةِ) إما متعلق بيبايعونك أو بمحذوف هو حال من مفعوله ، وفي التقييد بذلك إشارة إلى مزيد وقع تلك المبايعة وأنها لم تكن عن خوف منه عليه الصلاة والسلام ولذا استوجبت رضا الله تعالى الذي لا يعادله شيء ويستتبع ما لا يكاد يخطر على بال ويكفي فيما ترتب على ذلك ما أخرج أحمد عن جابر. ومسلم عن أم بشر عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة» وقد قال عليه الصلاة والسلام ذلك عند حفصة فقالت : بلى يا رسول الله فانتهرها فقالت : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [مريم : ٧١] فقال عليه الصلاة والسلام قد قال الله تعالى : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) [مريم : ٧٢].

وصح برواية الشيخين وغيرهما في أولئك المؤمنين من حديث جابر أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لهم : أنتم خير أهل الأرض فينبغي لكل من يدعي الإسلام حبهم وتعظيمهم والرضا عنهم وإن كان غير ذلك لا يضرهم بعد رضا الله تعالى عنهم ، وعثمان منهم بل كانت يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم له رضي الله تعالى عنه. كما قال أنس. خيرا من أيديهم لأنفسهم (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) أي من الصدق والإخلاص في مبايعتهم ، وروي نحو ذلك عن قتادة وابن جريج وعن الفراء ، وقال الطبري. ومنذر بن سعيد : من الإيمان وصحته وحب الدين والحرص عليه ، وقيل : من الهم والأنفة من لين الجانب للمشركين وصلحهم ، واستحسنه أبو حيان والأول عندي أحسن.

وهو عطف على (يُبايِعُونَكَ) لما عرفت من أنه بمعنى بايعوك ، وجوز عطفه على (رَضِيَ) بتأويله بظهر علمه فيصير مسببا عن الرضا مترتبا عليه (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) أي الطمأنينة والأمن وسكون النفس والربط على قلوبهم بالتشجيع ، وقيل : بالصلح وليس بذاك ، والظاهر أنه عطف على (فَعَلِمَ).

وفي الإرشاد أنه عطف على (رَضِيَ) وظاهر كلام أبي حيان الأول وحيث استحسن تفسير ما في القلوب بما سمعت آنفا قال : إن السكينة هنا تقرير قلوبهم وتذليلها لقبول أمر الله تعالى ، وقال مقاتل : فعلم الله ما في قلوبهم من

٢٦١

كراهة البيعة على أن يقاتلوا معه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الموت فأنزل السكينة عليهم حتى بايعوا وتفسر (السَّكِينَةَ) بتذليل قلوبهم ورفع كراهة البيعة عنها ، ولعمري إن الرجل لم يعرف للصحابة رضي الله تعالى عنهم حقهم وحمل كلام الله تعالى على خلاف ظاهره (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) قال ابن عباس وعكرمة وقتادة وابن أبي ليلى وغيرهم : هو فتح خيبر وكان غب انصرافهم من الحديبية ، وقال الحسن : فتح هجر ، والمراد هجر البحرين وكان فتح في زمانهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بدليل كتابه إلى عمرو بن حزم في الصدقات والديات.

وفي صحيح البخاري أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صالح أهل البحرين وأخذ الجزية من مجوس هجر والفتح لا يستدعي سابقة الغزو كما علمت مما سبق في تفسيره فسقط قول الطيبي معترضا على الحسن : إنه لم يذكر أحد من الأئمة أنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم غزا هجرا. نعم إطلاق الفتح على مثل ذلك قليل غير شائع بل قيل هو معنى مجازي له ، وقيل : هو فتح مكة والقرب أمر نسي ، وقرأ الحسن. ونوح القاري «وآتاهم» أي أعطاهم.

(وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩) وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٢٣) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦) لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)(٢٩)

٢٦٢

(وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها) هي مغانم خيبر كما قال غير واحد ؛ وقسمها عليه الصلاة والسلام كما في حديث أحمد وأبي داود والحاكم وصححه عن مجمع بن جارية الأنصاري فأعطى للفارس سهمين وكان منهم ثلاثمائة فارس وللراجل سهما ، وقيل : مغانم هجر ، وقرأ الأعمش وطلحة ورويس عن يعقوب ، ودلبة عن يونس عن ورش وأبو دحية وسقلاب عن نافع والانطاكي عن أبي جعفر «تأخذونها» بالتاء الفوقية والالتفات إلى الخطاب لتشريفهم في الامتنان (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) غالبا (حَكِيماً) مراعيا لمقتضى الحكمة في أحكامه تعالى وقضاياه جل شأنه (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً) هي على ما قال ابن عباس ومجاهد وجمهور المفسرين ما وعد الله تعالى المؤمنين من المغانم إلى يوم القيامة (تَأْخُذُونَها) في أوقاتها المقدرة لكل واحدة منها (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) أي مغانم خيبر (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) أيدي أهل خيبر وحلفائهم من بني أسد وغطفان حين جاءوا لنصرتهم فقذف الله تعالى في قلوبهم الرعب فنكصوا ، وقال مجاهد : كف أيدي أهل مكة بالصلح ، وقال الطبري : كف اليهود عن المدينة بعد خروج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الحديبية وإلى خيبر ، وقال زيد بن أسلم وابنه : المغانم الكثيرة الموعودة مغانم خيبر والمعجلة البيعة والتخلص من أمر قريش بالصلح ، والجمهور على ما قدمناه ، والمناسبة لما مر من ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بطريق الخطاب وغيره بطريق الغيبة كقوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ) تقتضي على ما نقل عن بعض الأفاضل أن هذا جار على نهج التغليب وإن احتمل تلوين الخطاب فيه ، وذكر الجلبي في قوله تعالى : (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) إلخ إنه إن كان نزولها بعد فتح خيبر كما هو الظاهر لا تكون السورة بتمامها نازلة في مرجعه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الحديبية وإن كان قبله على أنها من الإخبار عن الغيب فالإشارة بهذه لتنزيل المغانم منزلة الحاضرة المشاهدة والتعبير بالمضي للتحقق انتهى ، واختير الشق الأول ، وقولهم : نزلت في مرجعه عليه الصلاة والسلام من الحديبية باعتبار الأكثر أو على ظاهره لكن يجعل المرجع اسم زمان ممتد. وتعقب بأن ظاهر الأخبار يقتضي عدم الامتداد وأنها نزلت من أولها إلى آخرها بين مكة والمدينة فلعل الأولى اختيار الشق الثاني ، والإشارة بهذه إلى المغانم التي أثابهم إياها المذكورة في قوله تعالى : (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها) وهي مغانم خيبر ، وإذا جعلت الإشارة إلى البيعة كما سمعت عن زيد وابنه وروي ذلك عن ابن عباس لم يحتج إلى تأويل نزولها في مرجعه عليه الصلاة والسلام من الحديبية (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) الضمير المستتر ، قيل : للكف المفهوم من (كَفَ) والتأنيث باعتبار الخبر ، وقيل : للكفة فأمر التأنيث ظاهر.

وجوز أن يكون لمغانم خيبر المشار إليها بهذه والآية الامارة أي ولتكون إمارة للمؤمنين يعرفون بها أنهم من الله تعالى بمكان أو يعرفون بها صدق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في وعده إياهم فتح خيبر وما ذكر من المغانم وفتح مكة ودخول المسجد الحرام ، واللام متعلقة إما بمحذوف مؤخر أي ولتكون آية لهم فعل ما فعل أو بما تعلق به علة أخرى محذوفة من أحد الفعلين السابقين أي فعجل لكم هذه أو كف أيدي الناس عنكم لتنتفعوا بذلك ولتكون آية ، فالواو. كما في الإرشاد على الأول اعتراضية وعلى الثاني عاطفة ، وعند الكوفيين الواو زائدة واللام متعلقة بكف أو بعجل (وَيَهْدِيَكُمْ) بتلك الآية (صِراطاً مُسْتَقِيماً) هو الثقة بفضل الله تعالى والتوكل عليه في ما تأتون وتذرون.

(وَأُخْرى) عطف على (هذِهِ) في (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) فكأنه قيل فعجل لكم هذه المغانم وعجل لكم مغانم أخرى وهي مغانم هوازن في غزوة حنين ، والتعجيل بالنسبة إلى ما بعد فيجوز تعدد المعجل كالابتداء بشيئين ، وقوله تعالى : (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) في موضع الصفة ووصفها بعدم القدرة عليها لما كان فيها من الجولة قبل ذلك لزيادة ترغيبهم فيها ، وقوله تعالى : (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) في موضع صفة أخرى. لأخرى. مفيدة لسهولة تأتيها بالنسبة إلى قدرته عزوجل بعد بيان صعوبة منالها بالنظر إلى قدرتهم ، والإحاطة مجاز عن الاستيلاء التام أي قد قدر الله تعالى

٢٦٣

عليها واستولى فهي في قبض قدرته تعالى يظهر عليها من أراد ، وقد أظهركم جل شأنه عليها وأظفركم بها ، وقيل: مجاز عن الحفظ أي قد حفظها لكم ومنعها من غيركم ، والتذييل بقوله سبحانه : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) أوفق بالأول ، وعموم قدرته تعالى لكونها مقتضى الذات فلا يمكن أن تتغير ولا أن تتخلف وتزول عن الذات بسبب ما كما تقرر في موضعه ، فتكون نسبتها إلى جميع المقدورات على سواء من غير اختصاص ببعض منها دون بعض وإلا كانت متغايرة بل مختلفة ، وجوز كون (أُخْرى) منصوبة بفعل يفسره قد أحاط الله بها مثل قضى.

وتعقب بأن الإخبار بقضاء الله تعالى بعد اندراجها في جملة الغنائم الموعود بها بقوله تعالى : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) ليس فيه مزيد فائدة وإنما الفائدة في بيان تعجيلها ، وأورد عليه أن المغانم الكثيرة الموعودة ليست معينة ليدخل فيها الأخرى ، ولو سلم فليس المقصود بالإفادة كونها مقضية بل ما بعده فتدبر ، وجوز كونها مرفوعة بالابتداء والجملة بعدها صفة وجملة قد أحاط إلخ خبرها ، واستظهر هذا الوجه أبو حيان ، وقال بعض : الخبر محذوف تقديره ثمت أو نحوه ، وجوز الزمخشري كونها مجرورة بإضمار رب كما في قوله : وليل كموج البحر أرخى سدوله. وتعقبه أبو حيان بأن فيه غرابة لأن رب لم تأت في القرآن العظيم جارة مع كثرة ورود ذلك في كلام العرب فكيف تضمر هنا ، وأنت تعلم أن مثل هذه الغرابة لا تضر ، هذا وتفسير الأخرى بمغانم هوازن قد أخرجه عبد بن حميد عن عكرمة عن ابن عباس واختاره غير واحد ، وقال قتادة. والحسن : هي مكة وقد حاولوها عام الحديبية ولم يدركوها فأخبروا بأن الله تعالى سيظفرهم بها ويظهرهم عليها ، وفي رواية أخرى عن ابن عباس والحسن ، ورويت عن مقاتل أنها بلاد فارس والروم وما فتحه المسلمون ، وهو غير ظاهر على تفسير المغانم الكثيرة الموعودة فيما سبق بما وعد الله تعالى به المسلمين من المغانم إلى يوم القيامة ، وأيضا تعقبه بعضهم بأن (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) يشعر بتقدم محاولة لتلك البلاد وفوات دركها المطلوب مع أنه لم تتقدم محاولة.

وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : هي خيبر ، وروي ذلك عن الضحاك وإسحاق وابن زيد أيضا ، وفيه خفاء فلا تغفل (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي من أهل مكة ولم يصالحوكم كما روي عن قتادة ، وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنهم حليفا أهل خيبر أسد : وغطفان ، وقيل : اليهود وليس بذاك (لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ) أي لانهزموا فتولية الدبر كناية عن الهزيمة (ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا) يحرسهم ، وذكر الخفاجي أن الحارس أحد معاني الولي ، وتفسيره هنا بذلك لمناسبته للمنهزم ، وقال الراغب : كل من ولي أمر آخر فهو وليه ، وعليه فالحارس ولي لأنه يلي أمر المحروس ، والتنكير للتعميم أي لا يجدون فردا ما من الأولياء (وَلا نَصِيراً) ولا فردا ما من الناصرين ينصرهم ، وقال الإمام : أريد بالولي : من ينفع باللطف وبالنصير من ينفع بالعنف (سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ) نصب على المصدرية بفعل محذوف أي سن سبحانه غلبة أنبيائه عليهم‌السلام سنة قديمة فيمن مضى من الأمم كما قال سبحانه : (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة : ٢١] على ما هو المتبادر من معناه ، ولعل المراد أن سنته تعالى أن تكون العاقبة لأنبيائه عليهم‌السلام لا أنهم كلما قاتلوا الكفار غلبوهم وهزموهم (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) تغييرا (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) أي أيدي كفار مكة ، وفي التعبير ـ بكف ـ دون منع ونحوه لطف لا يخفى (وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ) يعني الحديبية كما أخرج ذلك عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة. وقد تقدم أن بعضها من حرم مكة ، وان لم يسلم فالقرب التام كاف ويكون إطلاق بطن (مَكَّةَ) عليها مبالغة (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ) مظهرا لكم (عَلَيْهِمْ) فتعدية الفعل بعلى لتضمنه ما يتعدى به وهو الإظهار والاعلاء أي جعلكم ذوي غلبة تامة. أخرج الإمام أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في آخرين عن أنس قال : لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه

٢٦٤

ثمانون رجلا من أهل مكة في السلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدعا عليهم فأخذوا فعفا عنهم فنزلت هذه الآية (وَهُوَ الَّذِي كَفَ) إلخ ، وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن عبد الله بن معقل قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أصل الشجرة التي قال الله تعالى في القرآن إلى أن قال : فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا إلى وجوهنا فدعا عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذ الله تعالى بأسماعهم ولفظ الحاكم بأبصارهم ، فقمنا إليهم فأخذناهم فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل جئتم في عهد أحد أو هل جعل لكم أحد أمانا؟ فقالوا : لا فخلى سبيلهم فأنزل الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) إلخ.

وأخرج أحمد وغيره عن سلمة بن الأكوع قال : قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن أربع عشرة مائة ثم إن المشركين من أهل مكة راسلونا إلى الصلح فلما اصطلحنا واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فاضطجعت في ظلها فأتاني أربعة من مشركي أهل مكة فجعلوا يقعون في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأبغضتهم وتحولت إلى شجرة أخرى فعلقوا سلاحهم واضطجعوا فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل ما للمهاجرين قتل بن زنيم فاخترطت سيفي فاشتدت على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذت سلاحهم وجعلته في يدي ثم قلت : والذي كرم وجه محمد لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجاء عمي عامر برجل يقال له مكرز من المشركين يقوده حتى وقفنا بهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سبعين من المشركين فنظر إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : دعوهم يكون لهم بدء الفجور وثناه فعفا عنهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنزل الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي كَفَ) إلخ ، وهذا كله يؤيد ما قلناه ، وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن أبزى قال : لما خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالهدى وانتهى إلى ذي الحليفة قال له عمي : يا نبي الله تدخل على قوم لك حرب بغير سلاح ولا كراع فبعث إلى المدينة فلم يدع فيها كراعا ولا سلاحا إلا حمله فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل فسار حتى أتى منى فنزل بها فأتاه عينه أن عكرمة ابن أبي جهل قد جمع عليك في خمسمائة فقال لخالد بن الوليد : يا خالد هذا ابن عمك قد أتاك في الخيل فقال خالد : أنا سيف الله وسيف رسوله فيومئذ سمى سيف الله يا رسول الله ارم بي إن شئت فبعثه على خيل فلقيه عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة فأنزل الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي) الآية. وفي البحر أن خالدا هزمهم حتى دخلوا بيوت مكة وأسر منهم جملة فسيقوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمنّ عليهم وأطلقهم ، والخبر غير صحيح لأن إسلام خالد رضي الله تعالى عنه بعد الحديبية قبل عمرة القضاء ، وقيل بعدها وهي في السنة السابعة.

وروى ابن إسحاق وغيره أن خالدا كان يوم الحديبية على خيل قريش في مائتي فارس قدم بهم إلى كراع الغميم فدنا حتى نظر إلى أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عباد بن بشر فتقدم بخيله فقام بإزائه وصف أصحابه وحانت صلاة الظهر فصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأصحابه صلاة الخوف ، وعن ابن عباس أن أهل مكة أرسلوا جملة من الفوارس في الحديبية يريدون الوقيعة بالمسلمين فأظهرهم الله تعالى عليهم بالحجارة حتى أدخلوهم البيوت ، وأنكر بعضهم ذلك والله تعالى أعلم بصحة الخبر.

وقيل : كان هذا الكف يوم فتح مكة ، واستشهد الإمام أبو حنيفة بما في الآية من قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ) بناء على هذا القول لفتح مكة عنوة. واعترض القول المذكور والاستشهاد بالآية بناء عليه ، أما الأول فلأن الآية نزلت قبل فتح مكة. وتعقب بأنه إن أريد أنها نزلت بتمامها قبله فليس بثابت بل بعض الآثار يشعر بخلافه وإلا فلا يفيد مع أنه يجوز أن يكون هذا إخبارا عن الغيب كما قيل ذلك في غيره من بعض آيات السورة ، وأما الثاني فلأن دلالتها على العنوة ممنوعة ، فقد قال الزمخشري : الفتح هو الظفر بالشيء سواء كان عنوة أو صلحا ، والفرق بين الظفر

٢٦٥

على الشيء والظفر به من حيث الاستعلاء وهو كائن لأنهم اصطلحوا وهم مضطرون ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن معه مختارون ، وفيه دغدغة لا تخفى ؛ وكذا فيما تعقب به الأول. وبالجملة هذا القول وكذا الاستشهاد بما في الآية بناء غير بعيد إلا أن أكثر الاخبار الصحيحة وكذا ما بعد يؤيد ما قلناه أولا في تفسير الآية (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ) بعملكم أو بجميع ما تعملونه ومنه العفو بعد الظفر (بَصِيراً) فيجازيكم عليه. وقرأ أبو عمرو «يعملون» بياء الغيبة فالكلام عليه تهديد للكفار.

(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أن تصلوا إليه وتطوفوا به (وَالْهَدْيَ) بالنصب عطف على الضمير المنصوب في (صَدُّوكُمْ) أي وصدوا الهدى وهو ما يهدى إلى البيت ، قال الأخفش : الواحدة هدية ويقال للأنثى هدى كأنه مصدر وصف به. وفي البحر إسكان داله لغة قريش وبها قرأ الجمهور ، وقرأ ابن هرمز والحسن وعصمة عن عاصم واللؤلؤي وخارجة عن أبي عمرو بكسر الدال وتشديد الياء وذلك لغة ، وهو فعيل بمعنى مفعول على ما صرح به غير واحد ، وكان هذا الهدي سبعين بدنة على ما هو المشهور ، وقال مقاتل : كان مائة بدنة. وقرأ الجعفي عن أبي عمرو «الهدي» بالجر على أنه عطف على المسجد الحرام بحذف المضاف أي ونحر الهدي. وقرئ بالرفع على إضمار وصد الهدي ، وقوله سبحانه : (مَعْكُوفاً) حال من (الْهَدْيَ) على جميع القراءات ، وقيل : على قراءة الرفع يجوز أن يكون (الْهَدْيَ) مبتدأ والكلام نحو حكمك مسمطا ، وقوله تعالى : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) [يوسف : ٨ ، ١٤] علي قراءة النصب وهو كما ترى ، والمعكوف المحبوس يقال : عكفت الرجل عن حاجته حبسته عنها ، وأنكر أبو علي تعدية عكف وحكاها ابن سيده. والأزهري. وغيرهما ، وظاهر ما في الآية معهم ، وقوله تعالى : (أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) بدل اشتمال من (الْهَدْيَ) كأنه قيل : وصدوا بلوغ الهدي محله أو صدوا عن بلوغ الهدي أو وصد بلوغ الهدي حسب اختلاف القراءات ، وجوز أن يكون مفعولا من أجله للصد أي كراهة أن يبلغ محله ، وأن يكون مفعولا من أجله مجرورا بلام مقدرة. لمعكوفا. أي محبوسا لأجل أن يبلغ محله ويكون الحبس من المسلمين ، وأن يكون منصوبا بنزع الخافض وهو من أو عن أي محبوسا من أو عن أن يبلغ محله فيكون الحبس من المشركين على ما هو الظاهر ، ومحل الهدي مكان يحل فيه نحره أي يسوغ أو مكان حلوله أي وجوبه ووقوعه كما نقل عن الزمخشري ، والمراد مكانه المعهود وهو منى ، أما على رأي الشافعي رضي الله تعالى عنه فلأن مكانه لمن منع حيث منع فيكون قد بلغ محله بالنسبة إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن معه ولذا نحروا هناك أعني في الحديبية ، وأما على رأي أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه فلأن مكانه الحرم مطلقا وبعض الحديبية حرم عنده ؛ وقد رووا أن مضارب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت في الحل منها ومصلاه في الحرم والنحر قد وقع فيما هو حرم فيكون الهدي بالغا محله غير معكوف عن بلوغه فلا بد من إرادة المعهود ليتسنى ذلك ، وزعم الزمخشري أن الآية دليل لأبي حنيفة على أن الممنوع محل هديه الحرم ثم تكلم بما لا يخفى حاله على من راجعه. ومن الناس من قرر الاستدلال بأن المسجد الحرام يكون بمعنى الحرم وهم لما صدوهم عنه ومنعوا هديهم أن يدخله فيصل إلى محله دل بحسب الظاهر على أنه محله ، ثم قال : ولا ينافيه أنه عليه الصلاة والسلام نحر في طرف منه كما لا ينافى الصد عنه كون مصلاه عليه الصلاة والسلام فيه لأنهم منعوهم فلم يمتنعوا بالكلية وهو كما ترى.

والإنصاف أنه لا يتم الاستدلال بالآية على هذا المطلب أصلا. وطعن بعض أجلة الشافعية في كون شيء من الحديبية من الحرم فقال : إنه خلاف ما عليه الجمهور وحدود الحرم مشهورة من زمن إبراهيم عليه‌السلام ، ولا يعتد برواية شذ بها الواقدي كيف وقد صرح بخلافها البخاري في صحيحه عن الثقات ، والرواية عن الزهري ليست بثبت انتهى ، ولعل من قال : بأن بعضها من الحرم استند في ذلك إلى خبر صحيح. ومن قواعدهم أن المثبت مقدم على

٢٦٦

النافي والله تعالى أعلم (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) صفة (رِجالٌ) و (نِساءٌ) على تغليب المذكر على المؤنث. وكانوا على ما أخرج أبو نعيم بسند جيد. وغيره عن أبي جمعة جنبذ بن سبع تسعة نفر سبعة رجال وهو منهم وامرأتين ، وقوله تعالى : (أَنْ تَطَؤُهُمْ) بدل اشتمال منهم وجوز كونه بدلا من الضمير المنصوب في (تَعْلَمُوهُمْ) واستبعده أبو حيان ، والوطء الدوس واستعير هنا للإهلاك وهي استعارة حسنة واردة في كلامهم قديما وحديثا ، ومن ذلك قول الحارث بن وعلة الذهلي :

ووطئتنا وطأ على حنق

وطء المقيد نابت الهرم

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حديث : «وإن آخر وطأة وطئها الله تعالى بوج» وقوله عليه الصلاة والسلام : «اللهم اشدد وطأتك على مضر» (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ) أي من جهتهم (مَعَرَّةٌ) أي مكروه ومشقة مأخوذ من العر والعرة وهو الجرب الصعب اللازم ، وقال غير واحد : هي مفعلة من عره إذا عراه ودهاه ما يكره ، والمراد بها هنا على ما روي عن منذر بن سعيد تعيير الكفار وقولهم في المؤمنين : إنهم قتلوا أهل دينهم ، وقيل : التأسف عليهم وتألم النفس مما أصابهم.

وقال ابن زيد : المأثم بقتلهم. وقال ابن إسحاق : الدية ، قال ابن عطية : وكلا القولين ضعيف لأنه لا إثم ولا دية في قتل مؤمن مستور الإيمان بين أهل الحرب : وقال الطبري ، هي الكفارة. وتعقب بعضهم هذا أيضا بأن في وجوب الكفارة خلافا بين الأئمة. وفي الفصول العمادية ذكر في تأسيس النظائر في الفقه قال أصحابنا : دار الحرب تمنع وجوب ما يندرئ بالشبهات لأن أحكامنا لا تجري في دارهم وحكم دارهم لا يجري في دارنا. وعند الشافعي دار الحرب لا تمنع وجوب ما يندرئ بالشبهات ، بيان ذلك حربي أسلم في دار الحرب وقتل مسلما دخل دارهم بأمان لا قصاص عليه عندنا ولا دية وعند الشافعي عليه القصاص وعلى هذا لو أن مسلمين متسامنين دخلا دار الحرب وقتل أحدهما صاحبه لا قصاص عليه عندنا وعند الشافعي عليه ذلك ، ثم ذكر مسألة مختلفا فيها بين أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد فقال : إذا قتل أحد الأسيرين صاحبه في دار الحرب لا شيء عليه عند أبي حنيفة وأبي يوسف إلا الكفارة لأنه تبع لهم فصار كواحد من أهل الحرب ، وعند محمد تجب الدية لأن له حكم نفسه فاعتبر حكم نفسه على حدة انتهى.

ونقل عن الكافي أن من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا وقتله مسلم عمدا أو خطأ وله ورثة مسلمون ثم لا يضمن شيئا إن كان عمدا وإن كان خطأ ضمن الكفارة دون الدية انتهى وتمام الكلام في هذا المقام يطلب في محله ، والزمخشري فسر المعرة بوجوب الدية والكفارة وسوء قالة المشركين والمأثم إذا جرى منهم بعض التقصير وهو كما نرى.

(بِغَيْرِ عِلْمٍ) في موضع الحال من ضمير المخاطبين في (تَطَؤُهُمْ) قيل ولا تكرار مع قوله تعالى (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) سواء كان (أَنْ تَطَؤُهُمْ) بدل اشتمال من (رِجالٌ) و (نِساءٌ) أو بدلا من المنصوب في (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) أما على الثاني فلأن حاصل المعنى ولو لا مؤمنون لم تعلموا وطأتهم وإهلاكهم وأنتم غير عالمين بإيمانهم لأن احتمال أنهم يهلكون من غير شعور مع إيمانهم سبب الكف فيعتبر فيه العلماء فمتعلق العلم في الأول الوطأة وفي الثاني أنفسهم باعتبار الإيمان ، وأما على الأول فلأن قوله تعالى : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) لما كان حالا من فاعل (تَطَؤُهُمْ) كان العلم بهم راجعا إلى العلم باعتبار الإهلاك كما تقول أهلكته من غير علم فلا الإهلاك من غير شعور ولا العلم بإيمانهم حاصل والأمران لكونهما مقصودين بالذات صرح بهما وإن تقاربا أو تلازما في الجملة.

٢٦٧

وجوز أن يجعل (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) كناية عن الاختلاط كما يلوح إليه كلام الكشاف ، وفيه ما يدفع التكرار أيضا ، وفي ذلك بحث يدفع بالتأمل وجوز أن يكون حالا من ضمير (مِنْهُمْ) وأن يكون متعلقا بتصيبكم. أو صفة لمعرة قيل : وهو على معنى فتصيبكم منهم معرة بغير علم من الذي يعركم ويعيب عليكم ، يعني إن وطئتموهم غير عالمين لزمكم سبة من الكفار بغير علم أي لا يعلمون أنكم معذورون فيه أو على معنى لم تعلموا أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم منكم أي فتقتلوهم بغير علم منكم أو تؤذوهم بغير علم فافهم ولا تغفل. وجواب (لَوْ لا) محذوف لدلالة الكلام عليه ، والمعنى على ما سمعت أولا لو لا كراهة أن تهلكوا أناسا مؤمنين بين ظهراني الكفار جاهلين بهم فيصيبكم بإهلاكهم مكروه لما كف أيديكم عنهم ، وحاصله أنه تعالى ولو لم يكف أيديكم عنهم لا نجر الأمر إلى إهلاك مؤمنين بين ظهرانيهم فيصيبكم من ذلك مكروه وهو عزوجل يكره ذلك.

وقال ابن جريج : دفع الله تعالى عن المشركين يوم الحديبية بأناس من المسلمين بين أظهرهم ، وظاهر الأول على ما قيل أن علة الكف صون المخاطبين عن إصابة المعرة ، وظاهر هذا أن علته صون أولئك المؤمنين عن الوطء والأمر فيه سهل ، وقوله تعالى : (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) علة لما يدل عليه الجواب المحذوف على ما اختاره في الإرشاد كأنه قيل : لكنه سبحانه كفها عنهم ليدخل بذلك الكف المؤدي إلى الفتح بلا محذور في رحمته الواسعة (مَنْ يَشاءُ) وهم أولئك المؤمنون وذلك بأمنهم وإزالة استضعافهم تحت أيدي المشركين وبتوفيقهم لإقامة مراسم العبادة على الوجه الأتم ، والتعبير عنهم بمن يشاء دون الضمير بأن يقال : ليدخلهم الله رحمته للإشارة إلى أن علة الإدخال المشيئة المبنية على الحكم الجمة والمصالح ، وجعله بعضهم علة لما يفهم من صون من بمكة من المؤمنين والرحمة توفيقهم لزيادة الخير والطاعة بإبقائهم على عملهم وطاعتهم ، وجوز أن يراد بمن يشاء ، بعض المشركين ويراد بالرحمة الإسلام فإن أولئك المؤمنين إذا صانهم الكف المذكور أظهروا إيمانهم لمعاينة قوة الدين فيقتدي بهم الصائرون للإسلام ، واستحسن بعضهم كونه علة للكف المعلل بالصون.

وجوز أن يراد بمن يشاء ، المؤمنون فيراد بالرحمة التوفيق لزيادة الخير ، والمشركون فيراد بها الإسلام ، وبين وجه التعليل بأنهم إذا شاهدوا منع تعذيبهم بعد الظفر عليهم لاختلاط المؤمنين بهم اعتناء بشأنهم رغبوا في الإسلام والانخراط في سلك المرحومين وان المؤمنين إذا علموا منع تعذيب المشركين بعد الظفر عليهم لاختلاطهم بهم أظهروا إيمانهم فيقتدى بهم ، وقال : لا وجه لجعل اللام مستعارة من معنى التعليل لما يترتب على الشيء لأنه عدول عن الحقيقة المتبادرة من غير داع ، وما يظن من أن تعليل الكف بما ذكر مع أنه معلل بالصون فاسد لما فيه من اجتماع علتين على معلول واحد شخصي فاسد لأن العلل إذا لم تكن تامة حقيقة لا يضر تعددها وما هنا كذلك.

هذا وجعل ذلك علة لما دل عليه الجواب على ما سمعت أولا أولى عندي لما فيه من شدة التحام النظم الجليل ، وحمل (مَنْ يَشاءُ) على المؤمنين المستضعفين دون بعض المشركين أوفق بقوله تعالى : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) والتزيل التفرق والتميز ، وجوز في ضمير (تَزَيَّلُوا) كونه للمؤمنين المذكورين فيما سبق أي لو تفرق أولئك المؤمنون والمؤمنات وتميزوا عن الكفار وخرجوا من مكة ولم يبقوا بينهم لعذبنا إلخ ، وكونه للمؤمنين والكفار أي لو افترق بعضهم من بعض ولم يبقوا مختلطين لعذبنا إلخ.

واختار غير واحد الأول فمنهم للبيان ، والمراد تعذيبهم في الدنيا بالقتل والسبي كما قال مجاهد وغيره والألم يكن ـ للو ـ موقع. والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها ، وجوز الزمخشري أن يكون قوله تعالى : (لَوْ تَزَيَّلُوا) كالتكرار لقوله تعالى : (لَوْ لا رِجالٌ) لأن مرجعهما في المعنى شيء واحد ويكون لعذبنا هو الجواب. للو لا. السابقة. واعترضه

٢٦٨

أبو حيان بأن التغاير ظاهر فلا يكون تكرارا ولا مشابها. وأجيب بأن كراهة وطئهم لعدم تميزهم عن الكفار الذي هو مدلول الثاني فيكون كبدل الاشتمال ويكفي ذلك في كونه كالتكرار ، وقال ابن المنير : إنما كان مرجعهما واحدا وإن كانت (لَوْ لا) تدل على امتناع لوجود و (لَوْ) تدل على امتناع لامتناع وبين هذين تناف ظاهر لأن «لو لا» هاهنا دخلت على وجود ولو دخلت على (تَزَيَّلُوا) وهو راجع إلى عدم وجودهم وامتناع عدم الوجود ثبوت فآلا إلى أمر واحد من هذا الوجه قال : وكان جدي يختار هذا الوجه ويسميه تطرية وأكثر ما يكون إذا تطاول الكلام وبعد عهد أوله واحتيج إلى بناء الآخر على الأول فمرة يطري بلفظه ومرة بلفظ آخر يؤدي مؤداه انتهى.

وأنت تعلم أن في حذف الجواب دليلا على شدة غضب الله تعالى وأنه لو لا حق المؤمنين لفعل بهم ما لا يدخل تحت الوصف ولا يقاس ، ومنه يعلم أن ذلك الوجه أرجح من جعل (لَوْ تَزَيَّلُوا) بمنزلة التكرار للتطرية فتطرية الجواب وتقويته أولى وأوفق لمقتضى المقام ، واختار الطيبي الأول أيضا معللا له بأنه حينئذ يقرب من باب الطرد والعكس لأن التقدير لو لا وجود مؤمنين مختلطين بالمشركين غير متميزين منهم لوقع ما كان جزاء لكفرهم وصدهم ولو حصل التمييز وارتفع الاختلاط لحصل التعذيب ، ثم إن تقدير الجواب ما تقدم عند القائلين بالحذف هو الذي ذهب إليه كثير ، وجوز بعضهم تقديره لعجل لهم ما يستحقون وجعل قوله تعالى (١) : (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) إلخ فكأنه قيل : هم الذين كفروا واستحقوا التعجيل في إهلاكهم ولو لا رجال مؤمنون إلخ لعجل لهم ذلك وهو أيضا أولى من حديث التكرار ، وقرأ ابن أبي عبلة وابن مقسم وأبو حيوة وابن عون «لو تزايلوا» على وزن تفاعلوا.

وفي الآية على ما قال الكيا دليل على أنه لا يجوز خرق سفينة الكفار إذا كان فيها أسرى من المسلمين وكذلك رمي الحصون إذا كانوا بها والكفار إذا تترسوا بهم ، وفيه كلام في كتب الفروع (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا) منصوب باذكر على المفعولية أو ـ بعذبنا ـ على الظرفية أو ـ بصدوكم ـ كذلك ، وقيل : بمضمر هو أحسن الله تعالى إليكم. وأيا ما كان. فالذين. فاعل (جَعَلَ) ووضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بما في حيز الصلة وتعليل الحكم به ، والجعل إما بمعنى الإلقاء فقوله تعالى : (فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ) متعلق به أو بمعنى التصيير فهو متعلق بمحذوف هو مفعول ثان له أي جعلوا الحمية راسخة في قلوبهم ولكونها مكتسبة لهم من وجه نسب جعلها إليهم ، وقال النيسابوري : يجوز أن يكون فاعل (جَعَلَ) ضمير الله تعالى و (فِي قُلُوبِهِمُ) بيان لمكان الجعل ومآل المعنى إذ جعل الله في قلوب الذين كفروا الحمية وهو كما ترى ، والحمية الآنفة يقال : حميت عن كذا حمية إذا أنفت منه وداخلك عار منه.

وقال الراغب : عبر عن القوة الغضبية إذا ثارت وكثرت بالحمية فقيل : حميت على فلان أي غضبت عليه ، وقوله تعالى : (حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) بدل من الحمية أي حمية الملة الجاهلية أو الحمية الناشئة من الجاهلية لأنها بغير حجة وفي غير موضعها ، وقوله تعالى : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) عطف على (جَعَلَ) على تقدير جعل (إِذْ) معمولا لأذكر ، والمراد تذكير حسن صنيع الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين بتوفيق الله تعالى وسوء صنيع المشركين وعلى ما يدل عليه الجملة الامتناعية على تقدير جعلها ظرفا لعذبنا. كأنه قيل : فلم يتزيلوا فلم نعذب فأنزل إلخ ، وعلى مضمر عامل فيها على الوجه الأخير المحكي ويكون هذا كالتفسير لذاك ، وأما على جعلها ظرفا. لصدوكم. فقيل : العطف على (جَعَلَ) وقيل : على (صَدُّوكُمْ) وهو نظير الطائر فيغضب زيد الذباب ؛ والأولى من هذه الأوجه لا يخفى ، والسكينة الاطمئنان والوقار ، روى غير واحد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج بمن معه إلى الحديبية حتى إذا

__________________

(١) قوله وجعل قوله إلخ كذا في أصل المؤلف ولا يخفى ما فيه.

٢٦٩

كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة وبعث بين يديه عينا من خزاعة يخبره عن قريش وسار عليه الصلاة والسلام حتى كان بغدير الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عينه فقال : إن قريشا جمعوا لك جموعا وقد جمعوا لك الأحابيش وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فاستشار الناس في الإغارة على ذراري من أعانهم فقال أبو بكر: الله تعالى ورسوله أعلم يا نبي الله إنما جئنا معتمرين ولم نجئ لقتال أحد ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : امضوا على اسم الله فسار حتى نزل بأقصى الحديبية فجاءه بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه فقال له إني قد تركت كعب بن لؤي ، وعامر بن لؤي نزلوا قريبا معهم كالعوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال عليه الصلاة والسلام : إنا لم نجئ لقتال أحد ولكن معتمرين وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم فما ذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا وإن أظهرني الله تعالى عليهم دخلوا في الإسلام وافرين وإن لم يفعلوا قاتلتهم وبهم قوة فما تظن قريش فو الله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله تعالى به حتى يظهره الله تعالى أو تنفرد هذه السالفة فقال بديل : سأبلغهم ما تقول فبلغهم فقال عروة بن مسعود الثقفي لهم : دعوني آته فأتاه عليه الصلاة والسلام فقال له نحو ما قال لبديل وجرى من الكلام ما جرى ورأى من احترام الصحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتعظيمهم إياه ما رأى فرجع إلى أصحابه فأخبرهم بذلك وقال لهم : إنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بني كنانة : دعوني آته فلما أشرف على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه قال عليه الصلاة والسلام : هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثت واستقبله القوم يلبون فلما رأى ذلك قال : سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فرجع وأخبر أصحابه فقال رجل يقال له مكرز بن حفص : دعوني آته فلما أشرف قال عليه الصلاة والسلام : هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد سهل لكم من أمركم وكان قد بعثه قريش وقالوا له : ائت محمدا فصالحه ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا فو الله لا تتحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبدا فلما انتهى إليه عليه الصلاة والسلام تكلم فأطال وانتهى الأمر إلى الصلح وكتابة كتاب في ذلك فدعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليا كرم الله تعالى وجهه فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل : لا أعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اكتب باسمك اللهم فكتبها ثم قال : اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال سهيل : لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فقال عليه الصلاة والسلام : والله إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو صلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه وإن بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا إسلال ولا أغلال وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه وان محمدا يرجع عن مكة عامه هذا فلا يدخلها وانه إذا كان عام قابل خرج أهل مكة فدخلها بأصحابه فأقام بها ثلاثا معه سلاح الراكب السيوف في القرب لا يدخلها بغيرها.

وظاهر هذا الخبر أن سهيلا لم يرض أن يكتب محمد رسول الله قبل أن يكتب ؛ وجاء في رواية أنه كتب فلم يرض فقال النبي عليه الصلاة والسلام لعلي كرم الله تعالى وجهه : امحه فقال : ما أنا بالذي أمحاه ، وجاء هذا في رواية للبخاري ، ولمسلم وفي رواية للبخاري في المغازي فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ، وكذا أخرجه النسائي وأحمد ولفظه فأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب فكتب مكان

٢٧٠

رسول الله هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ، وتمسك بظاهر هذه الرواية كما في فتح الباري أبو الوليد الباجي على أن النبي عليه الصلاة والسلام كتب بعد أن لم يكن يحسن أن يكتب ووافقه على ذلك شيخه أبو ذر الهروي. وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء افريقية ، والجمهور على أنه عليه الصلاة والسلام لم يكتب ، وان قوله : وأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب لبيان أنه عليه الصلاة والسلام احتاج لأن يريه علي كرم الله تعالى وجهه موضع الكلمة التي امتنع من محوها لكونه كان لا يحسن الكتابة ، وقوله : فكتب بتقدير فمحاها فأعاد الكتاب لعلي فكتب أو أطلق فيه كتب علي أمر بالكتابة ، وتمام الكلام في محلة فكانت حميتهم على ما في الدر المنثور عن جماعة أنهم لم يقروا أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسول ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بين المسلمين والبيت وقد هم المؤمنون لذلك أن يبطشوا بهم فأنزل الله تعالى سكينته عليهم فتوقروا وحلموا. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال في حمية الجاهلية : حمت قريش أن يدخل عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا : لا يدخلها علينا أبدا ، وقال ابن بحر ـ كما في البحر ـ حميتهم عصبيتهم لآلهتهم والانفة أن يعبدوا غيرها ، وفي توسيط علي بين الرسول والمؤمنين إيماء إلى أنه سبحانه أنزل على كل سكينة لائقة به.

ووجه تقديم الإنزال على الرسول عليه الصلاة والسلام لا يخفى ؛ وقال الإمام : في هذه الآية لطائف معنوية وهو أنه تعالى أبان غاية البون بين المؤمنين والكافرين حيث باين بين الفاعلين إذ فاعل (جَعَلَ) هو الكفار وفاعل (انزل) هو الله تعالى ، وبين المفعولين إذ تلك حمية وهذه سكينة. وبين الإضافتين إضافة الحمية إلى الجاهلية وإضافة السكينة إليه تعالى ، وبين الفعلين (جَعَلَ) و (أنزل) فالحمية مجعولة في الحال كالعرض الذي لا يبقى والسكينة كالمحفوظة في خزانة الرحمة فأنزلها والحمية قبيحة مذمومة في نفسها وازدادت قبحا بالإضافة إلى الجاهلية والسكينة حسنة في نفسها وازدادت حسنا بإضافتها إلى الله عزوجل ، والعطف في فأنزل بالفاء لا بالواو يدل على المقابلة والمجازاة تقول : أكرمني زيد فأكرمته فيدل على أن إنزال السكينة لجعلهم الحمية في قلوبهم حتى أن المؤمنين لم يغضبوا ولم ينهزموا بل صبروا ، وهو بعيد في العادة فهو من فضل الله تعالى انتهى وهو مما لا بأس به

(وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) هي لا إله إلا الله كما أخرج ذلك الترمذي. وعبد الله بن أحمد. والدار قطني. وغيرهم عن أبي بن كعب مرفوعا وكما أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة وسلمة بن الأكوع كذلك ؛ وأخرج أحمد وابن حبان والحاكم عن حرمان أن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من شيئا قلبه الا حرم على النار فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : أنا أحدثكم ما هي كلمة الإخلاص التي ألزمها الله سبحانه محمدا وأصحابه وهي كلمة التقوى التي ألاص (١) عليها نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمه أبا طالب عند الموت شهادة أن لا إله إلا الله» وروي ذلك أيضا عن علي كرم الله تعالى وجهه على ما نقل أبو حيان وابن عمر وابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة وسعيد بن جبير في آخرين ، وأخرج ذلك عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء الخراساني بزيادة محمد رسول الله ، وأضيفت إلى التقوى لأنها بها يتقى الشرك ومن هنا قال ابن عباس فيما أخرجه ابن المنذر وغيره : هي رأس كل تقوى ، وظاهر كلام عمر رضي الله تعالى عنه أن ضمير ـ هم ـ في (أَلْزَمَهُمْ) للرسول عليه الصلاة والسلام ومن معه وإلزامهم إياها بالحكم والأمر بها ، وأخرج عبد الرزاق. والحاكم وصححه. والبيهقي في الأسماء والصفات وجماعة عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال : هي لا إله إلا الله والله أكبر ، وروي عن ابن عمر أيضا نحوه وأخرج ابن أبي حاتم والدار قطني في الأفراد عن المسور بن مخرمة قال : هي لا إله إلا الله وحده لا

__________________

(١) يقال الاصه على الشيء أراده عليه وأراده منه ا ه منه.

٢٧١

شريك له ؛ وأخرج ابن أبي رباح. ومجاهد أيضا أنها لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وغيرهما عن الزهري قال : هي بسم الله الرحمن الرحيم ، وضم بعضهم إلى هذا محمد رسول الله ، والمراد بإلزامهم إياها اختيارها لهم دون من عدل عنها إلى باسمك اللهم ومحمد بن عبد الله ، وقيل : هي الثبات والوفاء بالعهد ، ونسبه الخفاجي إلى الحسن ، وإلزامهم إياه آمرهم به ، وإطلاق الكلمة على الثبات على العهد والوفاء به قيل : لما أن كلا يتوصل به إلى الغرض وهو نظير ما قيل في إطلاق الكلمة على عيسى عليه‌السلام من أن ذلك لأن كلا منهما يهتدى به ، وجعلت الإضافة على كونها بمعنى الثبات من باب إضافة السبب إلى المسبب فهي إضافة لأدنى ملابسة ، وجوز أن تكون اختصاصية حقيقية بتقدير مضاف أي كلمة أهل التقوى ، وأريد بالعهد على ما يقتضيه ظاهر سبب النزول عهد الصلح الذي وقع بينه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين أهل مكة ؛ وقيل : ما يعم ذلك وسائر عهودهم معه عزوجل.

وأنت تعلم أن الوجه المذكور في نفسه غير ظاهر ، ومثله ما قيل : المراد بالكلمة قولهم في الأصلاب : بلى مقرين بوحدانيته جل شأنه ، وبالإلزام الأمر بالثبات والوفاء بها ، وقيل : هي قول المؤمنين سمعا وطاعة حين يؤمرون أو ينهون ، والظاهر عليه كون الضمير للمؤمنين ، وأرجح الأقوال في هذه الكلمة ما روي مرفوعا وذهب إليه الجم الغفير ، ولعل ما ذكر في الأخبار السابقة من باب الاكتفاء ، والمراد لا إله إلا الله محمد رسول الله.

(وَكانُوا) عطف على ما تقدم أو حال من المنصوب في (أَلْزَمَهُمْ) بتقدير قد أو بدونه والظاهر في الضمير عوده كسابقه كما اقتضاه كلام عمر رضي الله تعالى عنه على الرسول والمؤمنين ، واستظهر بعضهم عوده على المؤمنين وكأنه اعتبر الأول عائدا عليهم أيضا وهو مما لا بأس فيه ، ولعله اعتبر الأقربية. فالمعنى وكان المؤمنون في علم الله تعالى (أَحَقَّ بِها) أي بكلمة التقوى ، وأفعل لزيادة الحقية في نفسها أي متصفين بمزيد استحقاق لها أو على ما هو المشهور فيه والمفضل عليه محذوف أي أحق بها من كفار مكة لأن الله تعالى اختارهم لدينه وصحبة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقيل : من اليهود والنصارى ، وقيل من جميع الأمم لأنهم خير أمة أخرجت للناس.

وحكى المبرد أن الذين كانوا قبلنا لم يكن لأحد منهم أن يقول : لا إله إلا الله في اليوم والليلة إلا مرة واحدة لا يستطيع أن يقولها أكثر من ذلك ، وكان قائلها يمد بها صوته إلى أن ينقطع نفسه تبركا بذكر الله تعالى ، وقد جعل الله عزوجل لهذه الأمة أن يقولوها متى شاءوا وهو قوله تعالى : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) أي ندبهم إلى ذكرها ما استطاعوا وكانوا أحق بها ، وهذا مما لم يثبت ، وجوز الإمام كون التفضيل بالنسبة إلى غير كلمة التقوى أي أحق بها من كلمة غير كلمة تقوى وقال : وهذا كما تقول زيد أحق بالإكرام منه بالإهانة ، وقولك إذا سئل شخص عن زيد بالطب أعلم أو بالفقه : زيد أعلم بالفقه أي من الطب ، وفيه غفلة لا تخفى (وَأَهْلَها) أي المستأهل لها وهو أبلغ من الأحق حتى قيل بينه وبين الأحق كما بين الأحق والحق ، وقيل : إن أحقيتهم بها من الكفار تفهم رجحانهم رجحانا ما عليهم ولا تثبت الأهلية كما إذا اختار الملك اثنين لشغل وكل واحد منهما غير صالح له لكن أحدهما أبعد عن الاستحقاق فيقال للأقرب إليه إذا كان ولا بد فهذا أحق كما يقال : الحبس أهون من القتل ، ولدفع توهم مثل هذا فيما نحن فيه قال سبحانه : (وَأَهْلَها) وقيل : أريد أنهم أحق بها في الدنيا وأهلها بالثواب في الآخرة ، وقيل : في الآية تقديم وتأخير والأصل وكانوا أهلها وأحق بها ، وكذلك هي في مصحف الحارث بن سويد صاحب ابن مسعود وهو الذي دفن مصحفه لمخالفته الإمام أيام الحجاج وكان من كبار تابعي الكوفة وثقاتهم ، وقيل : ضمير (كانُوا) عائد على كفار مكة أي وكان أولئك لكفار الذين جعلوا في قلوبهم الحمية أحق بكلمة التقوى لأنهم أهل حرم الله تعالى ومنهم رسوله

٢٧٢

صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد تقدم إنذارهم لو لا ما سلبوا من التوفيق ، وفيه ما فيه سواء رجح ضمير (أَلْزَمَهُمْ) إلى كفار مكة أيضا أم لا ، وأظن في قائله نزغة رافضية دعته إلى ذلك لكنه لا يتم به غرضه ، وقيل : ضمير (كانُوا) للمؤمنين إلا أن ضميري (بِها وَأَهْلَها) للسكينة ، وفيه ارتكاب خلاف الظاهر من غير داع ، وقيل : هما لمكة أي وكانوا أحق بمكة أن يدخلوها وأهلها ، وأشعر بذكر مكة ذكر المسجد الحرام في قوله تعالى : (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وكذا محل الهدي في قوله سبحانه : (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) وفيه ما لا يخفى (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) فيعلم سبحانه حق كل شيء واستئهاله لما يستأهله فيسوق عزوجل الحق إلى مستحقه والمستأهل إلى مستأهله أو فيعلم هذا ويعلم ما تقتضيه الحكمة والمصلحة من إنزال السكينة والرضا بالصلح فيكون تذييلا للجميع ما تقدم.

(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا) رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المنام قبل خروجه إلى الحديبية ، وأخرج ابن المنذر وغيره عن مجاهد أنه عليه الصلاة والسلام رأى وهو في الحديبية ، والأول أصح ، أنه هو وأصحابه دخلوا مكة آمنين وقد حلقوا وقصروا فقص الرؤيا على أصحابه ففرحوا واستبشروا وحسبوا أنهم داخلوها في عامهم وقالوا : إن رؤيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حق فلما تأخر ذلك قال على طريق الاعتراض عبد الله بن أبي وعبد الله بن نفيل ورفاعة بن الحرث : والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام فنزلت. وقد روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال نحوه على طريق الاستكشاف ليزداد يقينه ، وفي رواية أن رؤياه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما كانت أن ملكا جاءه فقال له : (لَتَدْخُلُنَ) إلخ ، والمعنى لقد صدقه سبحانه في رؤياه على أنه من باب الحذف والإيصال كما في قولهم : صدقني سن بكره ، وتحقيقه أنه تعالى أراه الرؤيا الصادقة.

وقال الراغب : الصدق يكون بالقول ويكون بالفعل وما في الآية صدق بالفعل وهو التحقيق أي حقق سبحانه رؤيته. وفي شرح الكرماني كذب يعتدي إلى مفعولين يقال : كذبني الحديث وكذا صدق كما في الآية ، وهو غريب لتعدي المثقل لواحد والمخفف لمفعولين انتهى. وفي البحر صدق يتعدى إلى اثنين الثاني منهما بنفسه وبحرف الجر تقول صدقت زيدا الحديث وصدقته في الحديث ، وقد عدها بعضهم في أخوات استغفر وأمر والمشهور ما أشرنا إليه أولا (بِالْحَقِ) صفة لمصدر محذوف أي صدقا ملتبسا بالحق أي بالفرض الصحيح والحكمة البالغة وهو ظهور حال المتزلزل في الإيمان والراسخ فيه ، ولأجل ذلك أخر وقوع الرؤيا إلى العام القابل أو حال من الرؤيا أي ملتبسة بالحق ليست من قبيل أضغاث الأحلام ، وجوز كونه حالا من الاسم الجليل وكونه حالا من (رَسُولَهُ) وكونه ظرفا لغوا. لصدق. وكونه قسما بالحق الذي هو من أسمائه عزوجل أو بنقيض الباطل ، وقوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) عليه جواب القسم والوقف على (الرُّؤْيا) وهو على جميع ما تقدم جواب قسم مقدر والوقف على (بِالْحَقِ) أي والله لتدخلن إلخ ، وقوله سبحانه : (إِنْ شاءَ اللهُ) تعليق للعدة بالمشيئة لتعليم العباد ، وبه ينحل ما يقال : إنه تعالى خالق للأشياء كلها وعالم بها قبل وقوعها فكيف وقع التعليق منه سبحانه بالمشيئة ، وفي معنى ما ذكر قول ثعلب : استثنى سبحانه وتعالى فيما يعلم ليستثنى الخلق فيما لا يعلمون.

وفيه تعريض بأن وقوع الدخول من مشيئته تعالى لا من جلادتهم وتدبيرهم ، وذكر الخفاجي أنه قد وضع فيه الظاهر موضع الضمير وأصله لتدخلنه لا محالة إلا إن شاء عدم الدخول فهو وعد لهم عدل به عن ظاهره لأجل التعريض بهم والإنكار على المعترضين على الرؤيا فيكون من باب الكناية انتهى. وقد أجيب عن السؤال بغير ذلك فقيل : الشك راجع إلى المخاطبين ، وفيه شيء ستعلمه قريبا إن شاء الله تعالى ؛ وقال الحسين بن الفضل : إن التعليق راجع إلى دخولهم جميعا وحكي ذلك عن الجبائي ، وقيل : إنه ناظر إلى الأمن فهو مقدم من تأخير أي لتدخلنه حال كونكم

٢٧٣

(آمِنِينَ) من العدو إن شاء الله. وردهما في الكشف فقال : أما جعله قيد دخولهم بالأسر أو الأمن ففيه أن السؤال بعد باق لأن الدخول المخصوص أيضا خبر من الله تعالى وهو ينافي الشك ، وليس نظير قول يوسف عليه‌السلام : (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) [يوسف : ٩٩] إذ لا يبعد أن لا يعرف عليه‌السلام مستقر الأمر من الأمن أو الخوف فإما أن يؤول بأن الشك راجع إلى المخاطبين أو بأنه تعليم ، والثاني أولى لأن تغليب الشاكين لا يناسب هذا المساق بل الأمر بالعكس. ودفع وروده على الحسين بأن المراد أنه في معنى ليدخلنه من شاء الله دخوله منكم فيكون كناية عن أن منهم من لا يدخله لأن أجله يمنعه منه فلا يلزم الرجوع لما ذكر.

وقيل : هو حكاية لما قاله ملك الرؤيا له صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإليه ذهب ابن كيسان أو لما قاله هو عليه الصلاة والسلام لأصحابه. ورده صاحب التقريب بأنه كيف يدخل في كلامه تعالى ما ليس منه بدون حكاية. ودفع بأن المراد أن جواب القسم بيان للرؤيا وقائلها في المنام الملك وفي اليقظة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهي في حكم المحكي في دقيق النظر كأنه قيل : وهي قول الملك أو الرسول لتدخلن إلخ ، وأنت تعلم أن هذا وإن صحح النظم الكريم لا يدفع البعد ، وقد اعترض به على ذلك صاحب الكشف لكنه ادعى أن كونه حكاية ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام أقل بعدا من جعله من قول الملك ، وقال أبو عبيدة. وقوم من النحاة : (إِنْ) بمعنى إذ وجعلوا من ذلك قوله تعالى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٣٩] وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في زيارة القبور : «أنتم السابقون وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون» والبصريون لا يرتضون ذلك ، وقوله تعالى : (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) حال كآمنين من الواو المحذوفة لالتقاء الساكنين من قوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَ) إلا أن آمنين حال مقارنة وهذا حال مقدرة لأن الدخول في حال الإحرام لا في حال الحلق والتقصير ، وجوز أن يكون حالا من ضمير (آمِنِينَ) والمراد محلقا بعضكم رأس بعض ومقصرا آخرون ففي الكلام تقدير أو فيه نسبة ما للجزء إلى الكل ، والقرينة عليه أنه لا يجتمع الحلق وهو معروف والتقصير وهو أخذ بعض الشعر فلا بد من نسبة كل منهما لبعض منهم ، وقوله تعالى : (لا تَخافُونَ) حال من فاعل (لَتَدْخُلُنَ) أيضا لبيان الأمن بعد تمام الحج و (آمِنِينَ) فيما تقدم لبيان الأمن وقت الدخول فلا تكرار أو حال من الضمير المستتر في (آمِنِينَ) فإن أريد به معنى آمنين كان حالا مؤكدة ، وإن أريد لا تخافون تبعة في الحلق أو التقصير ولا نقص ثواب فهو حال مؤسسة ، ولا يخفى الحال إذا جعل حالا من الضمير في (مُحَلِّقِينَ) أو (مُقَصِّرِينَ) ، وجوز أن يكون استئنافا بيانيا في جواب سؤال مقدر كأنه قيل : فكيف الحال بعد الدخول؟ فقيل : لا تخافون أي بعد الدخول.

واستدل بالآية على أن الحلق غير متعين في النسك بل يجزئ عنه التقصير ، وظاهر تقديمه عليه أنه أفضل منه وهو الذي دلت عليه الأخبار في غير النساء. أخرج الشيخان وأحمد وابن ماجه عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللهم اغفر للمحلقين قالوا : يا رسول الله والمقصرين قال : اللهم اغفر للمحلقين ثلاثا قالوا : يا رسول الله والمقصرين قال : والمقصرين» وأما في النساء فقد أخرج أبو داود والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس على النساء حلق وإنما على النساء التقصير» والسنة في الحلق أن يبدأ بالجانب الأيمن ، فقد أخرج ابن أبي شيبة عن أنس أنه رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال للحلاق هكذا وأشار بيده إلى جانب الأيمن وإن يبلغ به إلى العظمين كما قال عطاء.

وأخرج ابن أبي شيبة أيضا عن ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم أنهما كانا يقولان للحلاق ابدأ بالأيمن وابلغ بالحلق العظمين ، واستدل بالآية أيضا على أن التقصير بالرأس دون اللحية وسائر شعر البدن إذ الظاهر أن المراد ومقصرين رءوسكم أي شعرها لظهور أن الرءوس أنفسها لا تقصر (فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا) الظاهر عطفه على (لَقَدْ صَدَقَ) فالترتيب باعتبار التعلق الفعلي بالمعلوم أي فعلم عقيب ما أراه الرؤيا الصادقة ما لم تعلموا من الحكمة الداعية

٢٧٤

لتقديم ما يشهد للصدق علما فعليا ، وقيل : الفاء للترتيب الذكري (فَجَعَلَ) لأجل هذا العلم (مِنْ دُونِ ذلِكَ) أي من دون تحقق مصداق ما أراه من دخول المسجد الحرام آمنين إلخ ، وقيل : أي من دون فتح مكة ، والأول أظهر ، وهذا أنسب بقوله تعالى : (فَتْحاً قَرِيباً) وهو فتح خيبر كما قال ابن زيد وغيره ، والمراد بجعله وعده تعالى وإنجازه من غير تسويف ليستدل به على صدق الرؤيا وتستروح قلوب المؤمنين إلى تيسر وقوعها.

وقال في الكشاف : (ما لَمْ تَعْلَمُوا) أي من الحكمة في تأخير فتح مكة إلى العام القابل ، وفيه أمران: الأول أن فتح مكة لم يقع في العام الذي قاله بل في السنة الثامنة ، والتجوز في العام القابل أو تأويل الفتح بدخول المؤمنين مكة معتمرين لا يخفى حاله. الثاني إباء الفاء عما ذكر لأن علمه تعالى بذلك متقدم على إراءة الرؤيا قطعا.

وأجيب عن هذا بالتزام كون الفاء للترتيب الذكري أو كون المراد فأظهر معلومه لكم وهو الحكمة فتدبر.

ونقل عن كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن الفتح القريب في الآية هو بيعة الرضوان ، وقال مجاهد ، وابن إسحاق : هو فتح الحديبية ، ومن الغريب ما قيل : إن المراد به فتح مكة مع أنه لم يكن دخول الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه دون مكة على أنه مناف للسياق كما لا يخفى.

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى) أي ملتبسا به على أن الباء للملابسة ، والجار والمجرور في موضع الحال من المفعول ، والتباسه بالهدى بمعنى أنه هاد ، وقيل : أي مصاحبا للهدى ، والمراد به الدليل الواضح والحجة الساطعة أو القرآن ، وجوز أن تكون الباء للسببية أو للتعليل وهما متقاربان ، والجار والمجرور متعلق بأرسل أي أرسله بسبب الهدى أو لأجله (وَدِينِ الْحَقِ) وبدين الإسلام ، والظاهر أن المراد به ما يعم الأصول والفروع ، وجوز أن يراد بالهدى الأصول وبدين الحق الفروع فإن من الرسل عليهم‌السلام من لم يرسل بالفروع وإنما أرسل بالأصول وتبيانها ، والظاهر أن المراد بالحق نقيض الباطل ، وجوز أن يراد به ما هو من أسمائه تعالى أي ودين الله الحق ، وجوز الإمام غير ذلك أيضا (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ليعليه على جنس الدين بجميع أفراده أي ما يدان به من الشرائع والملل فيشمل الحق والباطل ، وأصل الإظهار جعل الشيء على الظهر فلذا كني به عن الإعلاء وعن جعله باديا للرائي ثم شاع في ذلك حتى صار حقيقة عرفية ، وإظهاره على الحق بنسخ بعض أحكامه المتبدلة بتبدل الاعصار ، وعلى الباطل ببيان بطلانه ، وجوز غير واحد ، ولعله الأظهر بحسب المقام ، أن يكون إظهاره على الدين بتسليط المسلمين على جميع أهل الأديان وقالوا : ما من أهل دين حاربوا المسلمين إلا وقد قهرهم المسلمون ، ويكفي في ذلك استمرار ما ذكر زمانا معتدا به كما لا يخفى على الواقفين على كتب التواريخ والوقائع ، وقيل : إن تمام هذا الاعلاء عند نزول عيسى عليه‌السلام وخروج المهدي رضي الله تعالى عنه حيث لا يبقى حينئذ دين سوى الإسلام ، ووقوع خلاف ذلك بعد لا يضر اما لنحو ما سمعت وإما لأن الباقي من الدنيا إذ ذاك كلا شيء ، وفي الجملة فضل تأكيد لما وعد الله تعالى به من الفتح وتوطين لنفوس المؤمنين على أنه تعالى سيفتح لهم من البلاد ويتيح لهم من الغلبة على الأقاليم ما يستقلون بالنسبة إليه فتح مكة (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) على أن ما عده عزوجل من إظهار دينه على جميع الأديان أو الفتح كائن لا محالة أو كفى بالله شهيدا على رسالته صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه عليه الصلاة والسلام ادعاها وأظهر الله تعالى المعجزة على يده وذلك شهادة منه تعالى عليها ، واقتصر على هذا الوجه الرازي وجعل ذلك تسلية عما وقع من سهيل بن عمرو إذ لم يرض بكتابة محمد رسول الله وقال ما قال.

وجعل بعض الأفاضل إظهار المعجزة شهادة منه تعالى على تحقق وعده عزوجل أيضا ولا يظهر إلا بضم إخباره عليه الصلاة والسلام به.

٢٧٥

(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) أي هو أو ذلك الرسول المرسل بالهدى ودين الحق محمد على أن الاسم الشريف خبر مبتدأ محذوف و (رَسُولُ اللهِ) عطف بيان أو نعت أو بدل ، والجملة استئناف مبين لقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) وهذا هو الوجه الأرجح الأنسب بالمساق كما في الكشف ويؤيده نظرا إلى بعض ما يأتي من الأوجه إن شاء الله تعالى قراءة ابن عامر في رواية (رَسُولُ) بالنصب على المدح ، وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ مَعَهُ) مبتدأ خبره قوله سبحانه : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) وقال أبو حيان : الظاهر أن (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) مبتدأ وخبر والجملة عليه مبينة للمشهود به ، أما على كونه الرسالة فظاهر ، وأما على كونه محقق الوعد فقيل : لأن كينونة ما وعده لازمة لكونه عليه الصلاة والسلام رسول الله إذ هو لا يوعد إلا بما هو محقق ولا يخبر إلا عن كل صدق.

وجوز كون (مُحَمَّدٌ) مبتدأ و (رَسُولُ) تابعا له (وَالَّذِينَ مَعَهُ) عطفا عليه والخبر عنه وعنهم قوله تعالى : (أَشِدَّاءُ) إلخ.

وقرأ الحسن «أشدّاء». «رحماء» بنصبهما فقيل على المدح وقيل على الحال ، والعامل فيهما العامل في (مَعَهُ) فيكون الخبر على هذا الوجه جملة (تَراهُمْ) الآتي وكذا خبر (الَّذِينَ) على الوجه الأول ، والمراد بالذين معه عند ابن عباس من شهد الحديبية ، وقال الجمهور : جميع أصحابه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي الله تعالى عنهم ، و (أَشِدَّاءُ) جمع شديد و (رُحَماءُ) جمع رحيم ، والمعنى أن فيهم غلظة وشدة على أعداء الدين ورحمة ورقة على إخوانهم المؤمنين ، وفي وصفهم بالرحمة بعد وصفهم بالرحمة بعد وصفهم بالشدة تكميل واحتراس فإنه لو اكتفى بالوصف الأول لربما توهم أن مفهوم القيد غير معتبر فيتوهم الفظاظة والغلظة مطلقا فدفع بإرداف الوصف الثاني ، ومآل ذلك أنهم مع كونهم أشداء على الأعداء رحماء على الاخوان ، ونحوه قوله تعالى : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) [المائدة : ٥٤] وعلى هذا قوله :

حليم إذا ما الحلم زين أهله

على أنه عند العدو مهيب

وقد بلغ كما روي عن الحسن من تشددهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم وبلغ من ترحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنا إلا صافحه وعانقه. والمصافحة لم يختلف فيها الفقهاء. أخرج أبو داود عن البراء قال «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما» وفي رواية الترمذي «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا» وفي الاذكار النووية أنها مستحبة عند كل لقاء وأما ما اعتاده الناس بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له ولكن لا بأس به ، فإن أصل المصافحة سنة وكونهم محافظين عليها في بعض الأحوال ومفرطين في كثير منها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها ، وجعل ذلك العز بن عبد السلام في قواعده من البدع المباحة ، وأطال الشيخ إبراهيم الكوراني قدس‌سره الكلام في ذلك ، وأما المعانقة فقال الزمخشري : كرهها أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وكذلك التقبيل قال : لا أحب أن يقبل الرجل من الرجل وجهه ولا يده ولا شيئا من جسده ، ورخص أبو يوسف عليه الرحمة المعانقة ؛ ويؤيد ما روي عن الإمام ما أخرجه الترمذي عن أنس قال : «سمعت رجلا يقول لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أينحني له؟ قال : لا قال : أفيلتزمه ويقبله؟ قال : لا قال : أيأخذ بيده ويصافحه؟ قال : نعم» وفي الاذكار التقبيل وكذا المعانقة لا بأس به عند القدوم من سفر ونحوه ، ومكروه كراهة تنزيه في غيره ، وللأمرد الحسن حرام بكل حال.

أخرج الترمذي وحسنه عن عائشة قالت : قدم زيد بن خالد بن حارثة المدينة ورسول الله في بيتي فقرع الباب فقام إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجر ثوبه فاعتنقه وقبله ، وزاد رزين في حديث أنس السابق بعد قوله : ويقبله قال : «لا إلا أن يأتي

٢٧٦

من سفره» وروى أبو داود سئل أبو ذر هل كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال : ما لقيته قط إلا صافحني وبعث إلي ذات يوم ولم أكن في أهلي فجئت فأخبرت أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسل إلي فأتيته وهو على سريره فالتزمني فكانت أجود أجود ، وهذا يؤيد الإطلاق المحكي عن أبي يوسف ؛ وينبغي التأسي بهم رضي الله تعالى عنهم في التشدد على أعداء الدين والرحمة على المؤمنين. وقد أخرج ابن أبي شيبة وأبو داود عن عبد الله بن عمر مرفوعا «من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا» وأخرجاهما. وأحمد وابن حبان والترمذي وحسنه عن أبي هريرة قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا تنزع الرحمة إلا من شقي» ولا بأس بالبر والإحسان على عدو الدين إذا تضمن مصلحة شرعية كما أفاد ذلك ابن حجر في فتاويه الحديثية فليراجع. وقرأ يحيى بن يعمر «أشدا» بالقصر وهي قراءة شاذة لأن قصر الممدود في الشعر نحو قوله :

لا بد من صنعا وإن طال السفر

وقوله تعالى : (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) خبر آخر ـ للذين ـ أو استئناف ويجوز فيه غير ذلك على ما لا يخفى ، والرؤية بصرية ، والخطاب لكل من تتأتى منه ، و (رُكَّعاً سُجَّداً) حال من المفعول ، والمراد تراهم مصلين ، والتعبير بالركوع والسجود عن الصلاة مجاز مرسل ، والتعبير بالمضارع للاستمرار وهو استمرار عرفي ، ومن هنا قال في البحر : هذا دليل على كثرة الصلاة منهم (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) أي ثوابا ورضا ، والجملة إما خبر آخر أو حال من مفعول (تَراهُمْ) أو من المستتر في (رُكَّعاً سُجَّداً) أو استئناف مبني على سؤال نشأ من بيان مواظبتهم على الركوع والسجود كأنه قيل : ما ذا يريدون بذلك؟ فقيل : يبتغون فضلا إلخ.

وقرأ عمرو بن عبيد «ورضوانا» بضم الراء (سِيماهُمْ) أي علامتهم وقرئ «سيمياؤهم» بزيادة ياء بعد الميم والمد وهي لغة فصيحة كثيرة في الشعر قال الشاعر :

غلام رماه الله بالحسن يافعا

له سيمياء لا تشق على البصر

وجاء سيماء بالمد واشتقاقها من السومة بالضم العلامة تجعل على الشاة والياء مبدلة من الواو ، وهي مبتدأ خبره قوله تعالى : (فِي وُجُوهِهِمْ) أي في جباههم أو هي على ظاهرها ، وقوله سبحانه : (مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) حال من المستكن في الجار والمجرور الواقع خبرا لسيماهم أو بيان لها أي سيماهم التي هي أثر السجود ، ووجه إضافة الأثر إلى السجود أنه حادث من التأثير الذي يؤثره السجود ، وشاع تفسير ذلك بما يحدث في جبهة السجاد مما يشبه أثر الكي وثفنة البعير وكان كل من العليين علي بن الحسين زين العابدين وعلي بن عبد الله بن عباس أبي الاملاك رضي الله تعالى عنهما يقال له ذو الثفنات لأن كثرة سجودهما أحدث في مواقعه منهما أشباه ثفنات البعير وهي ما يقع على الأرض من أعضائه إذا غلظ ، وما روي من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تعلبوا صوركم» أي لا تسموها من العلب بفتح العين المهملة وسكون اللام الأثر ، وقول ابن عمر وقد رأى رجلا بأنفه أثر السجود : إن صورة وجهك أنفك فلا تعلب وجهك ولا تشن صورتك فذلك إنما هو إذا اعتمد بجبهته وأنفه على الأرض لتحدث تلك السمة وذاك محض رياء ونفاق يستعاذ بالله تعالى منه ، والكلام فيما حدث في وجه السجاد الذي لا يسجد إلا خالصا لوجه الله عزوجل ، وأنكر بعضهم كون المراد بالسيما ذلك.

أخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن حميد بن عبد الرحمن قال : كنت عند السائب بن يزيد إذ جاء رجل وفي وجهه أثر السجود فقال : لقد أفسد هذا وجهه أما والله ما هي السيما التي سمى الله تعالى ولقد صليت على وجهي منذ ثمانين سنة ما أثر السجود بين عينيّ ، وربما يحمل على أنه استشعر من الرجل تعمدا لذلك فنفى أن يكون ما حصل به هو السيما التي سمى الله تعالى ، ونظيره ما حكي عن بعض المتقدمين قال : كنا نصلي فلا يرى بين أعيننا شيء ونرى أحدنا الآن يصلي فترى بين عينيه ركبة البعير فما ندري أثقلت الأرؤس أم خشنت الأرض.

٢٧٧

وأخرج ابن جرير وجماعة عن سعيد بن جبير أنه قال : هذه السيما ندى الطهور وتراب الأرض ، وروي نحوه عن سعيد بن المسيب وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد أنه قال : ليس له أثر في الوجه ولكنه الخشوع ، وفي رواية هي الخشوع والتواضع ، وقال منصور : سألت مجاهدا أهذه السيما هي الأثر يكون بين عيني الرجل قال : لا وقد يكون مثل ركبة البعير وهو أقسى قلبا من الحجارة ، وقيل : هي صفرة الوجه من سهر الليل وروي ذلك عن عكرمة والضحاك ، وروى السلمي عن عبد العزيز المكي ليس ذاك هو النحول والصفرة ولكنه نور يظهر على وجوه العابدين يبدو من باطنهم على ظاهرهم يتبين ذلك للمؤمنين ولو كان في زنجي أو حبشي ، وقال عطاء : والربيع ابن أنس : هو حسن يعتري وجوه المصلين ، وأخرج ابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : السمت الحسن ، وعن بعضهم ترى على وجوههم هيبة لقرب عهدهم بمناجاة سيدهم ، والذاهبون إلى هذه الأقوال قائلون : إن المراد علامتهم في وجوههم وهم في الدنيا ، وقال غير واحد : هذه السيما في الآخرة ، أخرج البخاري في تاريخه. وابن نصر عن ابن عباس أنه قال في الآية : بياض يغشى وجوههم يوم القيامة. وأخرج ابن نصر وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن مثله ، وأخرجوا عن عطية العوفي قال : موضع السجود أشد وجوههم بياضا ، وأخرج الطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه بسند حسن عن أبي بن كعب قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله تعالى : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) النور يوم القيامة» النور يوم القيامة» ولا يبعد أن يكون النور علامة في وجوههم في الدنيا والآخرة لكنه لما كان في الآخرة أظهر وأتم خصه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالذكر ، وإذا صح الحديث فهو مذهبي. وقرأ ابن هرمز «إثر» بكسر الهمزة وسكون الثاء وهو لغة في أثر. وقرأ قتادة من «آثار» بالجمع (ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر من نعوتهم الجليلة ؛ وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان بعلو شأنه وبعد منزلته في الفضل ، وقيل : البعد باعتبار المبتدأ أعني (أَشِدَّاءُ) ولو قيل هذا لتوهم أن المشار إليه هو النعت الأخير. أعني (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ). وهو مبتدأ خبره قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ) أي وصفهم العجيب الشأن الجاري في الغرابة مجرى الأمثال ، وقوله سبحانه وتعالى : (فِي التَّوْراةِ) حال من (مَثَلُهُمْ) والعامل معنى الإشارة ؛ وقوله تعالى : (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) عطف على (مَثَلُهُمْ) الأول كأنه قيل : ذلك مثلهم في التوراة والإنجيل ، وتكرير (مَثَلُهُمْ) لتأكيد غرابته وزيادة تقريرها ، وقرئ «الإنجيل» بفتح الهمزة ، وقوله عزوجل : (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) إلخ تمثيل مستأنف أي هم أو مثلهم كزرع إلخ فالوقف على (الْإِنْجِيلِ) وهذا مروي عن مجاهد ، وقيل : (مَثَلُهُمْ) الثاني مبتدأ وقوله تعالى : (كَزَرْعٍ) إلخ خبره فالوقف على (التَّوْراةِ) وهذا مروي عن الضحاك وأبي حاتم وقتادة ، وجوز أن يكون ذلك إشارة مبهمة أوضحت بقوله تعالى : (كَزَرْعٍ) إلخ كقوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) [الحجر : ٦٦] فعلى الأول والثالث «مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل» شيء واحد إلا أنه على الأول (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) إلخ ، وعلى الثالث (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) إلخ وعلى الثاني (مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) شيء وهو (أَشِدَّاءُ) إلخ ومثلهم في الإنجيل شيء آخر وهو (كَزَرْعٍ) إلخ.

واعترض الوجه الثالث بأن الأصل في الإشارة أن تكون لمتقدم وإنما يشار إلى المتأخر إذا كان نعتا لاسم الإشارة نحو (ذلِكَ الْكِتابُ) ، وفيه أن الحصر ممنوع ، والشطء فروخ الزرع كما قال غير واحد وهو ما خرج منه وتفرع في شاطئيه أي في جانبيه ؛ وجمعه كما قال الراغب اشطاء ، وقال قطرب : شوك السنبل يخرج من الحبة عشر سنبلات وتسع وثمان ، وقال الكسائي. والأخفش : طرفه ، وأنشدوا :

اخرج الشطء على وجه الثرى

ومن الأشجار أفنان الثمر

٢٧٨

وزعم أبو الفتح أن الشطء لا يكون إلا في البر والشعير ، وقال صاحب اللوامح : شطأ الزرع وأشطأ إذا أخرج فراخه وهو في الحنطة والشعير وغيرهما ، وفي البحر أشطأ الزرع افرخ والشجرة أخرجت غصونها.

وفي القاموس الشطء فراخ النخل والزرع أو ورقه جمعه شطوء ، وشطأ كمنع شطأ وشطوءا أخرجها ، ومن الشجر ما خرج حول أصله وجمعه اشطاء ، وأشطأ أخرجها ا ه ، وفيه ما يرد به على أبي الفتح مع زيادة لا تخفى فائدتها فلا تغفل.

وقرأ ابن كثير وابن ذكوان «شطأه» بفتح الطاء وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وعيسى الكوفي كذلك وبالمد. وقرأ زيد بن علي كذلك أيضا وبألف بدل الهمزة فاحتمل أن يكون مقصورا وإن يكون أصله الهمز فنقل الحركة وأبدل الهمزة ألفا كما قالوا في المرأة والكمأة المراة والكماة ، وهو تخفيف مقيس عند الكوفيين وعند البصريين شاذ لا يقاس عليه ، وقرأ أبو جعفر «شطه» بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على الطاء ، ورويت عن شيبة ونافع والجحدري ، وعن الجحدري أيضا «شطوه» بإسكان الطاء وواو بعدها ، قال أبو الفتح : هي لغة أو بدل من الهمزة (فَآزَرَهُ) أي أعانه وقواه قاله الحسن وغيره ، قال الراغب : وأصله من شد الإزار كون الكفار مستيقنين بالآخرة ومتحققين كون الوعد منه عزوجل بعيد ، وضمير (مِنْهُمْ) لمن عاد عليه الضمائر السابقة ، و (من) للبيان مثلها في قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠] وليس مجيئها كذلك مخصوصا بما إذا كانت داخلة على ظاهر كما توهم صاحب التحفة الاثني عشرية في الكلام على قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) [النور : ٥٥] فقال : حمل «من» للبيان إذا كان داخلا على الضمير مخالف لاستعمال العرب ، وأنكر ذلك عليه صاحب الترجمة لكن قال : لو ادعى هذا الخلاف في ضميري الخطاب والتكلم لم يبعد.

ومن مجيئها للبيان داخلة على ضمير الغائب قوله تعالى : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) عند القائلين بأن ضمير (تَزَيَّلُوا) للمؤمنين لا للتبعيض كما يقوله الشيعة الزاعمون ارتداد أكثر الصحابة رضي الله تعالى عنهم من أهل بيعة الرضوان وغيرهم ، فإن مدحهم السابق بما يدل على الاستمرار كقوله تعالى : (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) ووصفهم بما يدل على الدوام والثبات كقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) يأبى التبعيض والارتداد الذين زعموه عند من له أدنى إنصاف وشمة من دين ، ويزيد زعمهم هذا سقوطا عن درجة الاعتبار أن مدحهم ذاك قد كتبه الله تعالى في التوراة قبل أن يخلق السموات والأرض ، ولا يكاد عاقل يقبل أنه تعالى أطلق المدح وكتبه لأناس لم يثبت على تلك الصفة إلا قليل منهم ، وإذا قلنا : إن هؤلاء الممدوحين هم أهل بيعة الرضوان الذين بايعوه عليه الصلاة والسلام في الحديبية كما يشعر به (وَالَّذِينَ مَعَهُ) لا سيما على القول بأن السورة بتمامها نزلت عند منصرفه عليه الصلاة والسلام من الحديبية قبل أن يتفرقوا عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان سقوط ذلك الزعم أبين وأبين لأن الارتداد الذي يزعمونه كان لترك مبايعة علي كرم الله تعالى وجهه بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم مع العلم بالنص على خلافته بزعمهم ومبايعة أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، وكيف يكون ذاك ارتدادا والله عزوجل حين رضي عنهم على أنهم يفعلونه ، والقول بأنه سبحانه إنما رضي عن مبايعتهم أو عنهم من حيث المبايعة ولم يرض سبحانه عنهم مطلقا لأجلها خلاف ظاهر الآية ، والظاهر ما نفي ، ولا يعكر عليه صدور بعض المعاصي من بعضهم بعد وإنما يعكر صدور ما لا يجامع الرضا أصلا كالارتداد والعياذ بالله تعالى ، وبالجملة جعل (من) للتبعيض ليتم للشيعة ما زعموه مما يأباه الكتاب والسنة وكلام العترة. وفي التحفة الاثني عشرية من ذلك ما تنشرح له الصدور وتزداد به قلوب المؤمنين نورا على نور ، ويا سبحان الله أين جعل (من) للتبعيض من دعوى الارتداد ، ولكن من يضلل الله فما له من هاد ، وتأخير (مِنْهُمْ) هنا عن (عَمِلُوا الصَّالِحاتِ)

٢٧٩

وتقديم (مِنْكُمْ) عليه في آية النور التي ذكرناها آنفا لأن عمل الصالحات لا ينفك عنهم ، وذلك ثمت لبيان الخلفاء والعمل الصالح ليس موقوفا عليه لاستمرار صحة خلافتهم حتى لا ينعزلوا بالفسق ، وقال ابن جرير : (مِنْهُمْ) يعني من الشطء الذي أخرجه الزرع وهم الداخلون في الإسلام إلى يوم القيامة فأعاد الضمير على معنى الشطء وكذلك فعل البغوي ولا يخفى بعده.

وهذا وفي المواهب أن الإمام مالكا قد استنبط من هذه الآية تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، فإنهم يغيظونهم ومن غاظه الصحابة فهو كافر ، ووافقه كثير من العلماء انتهى. وفي البحر ذكر عند مالك رجل ينتقص الصحابة فقرأ مالك هذه الآية فقال : من أصبح من الناس في قلبه غيظ. من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد أصابته هذه الآية ، ويعلم تكفير الرافضة بخصوصهم ، وفي كلام عائشة يقال : أزرته أي شددت إزاره ويقال : آزرت البناء وأزرته قويت أسافله ، وتأزر النبات طال وقوي.

وذكر غير واحد أنه إما من المؤازرة بمعنى المعاونة أو من الإيزار وهي الإعانة. وفي البحر «آزر» أفعل كما حكي عن الأخفش ، وقول مجاهد وغيره فاعل خطأ لأنه لم يسمع في مضارعه ألا يؤزر على وزن يكرم دون يوازر.

وتعقب بأن هذه الشهادة نفي غير مسموعة على أنه يجوز أن يكون ورد من بابين واستغنى بأحدهما عن الآخر ومثله كثير ، مع أن السرقسطي نقله عن المازني لكنه قال : يقال آزر الشيء غيره أي ساواه وحاذاه ، وأنشد لإمرئ القيس :

بمحنية قد آزر الضال نبتها

بجر جيوش غانمين وخيب

وجعل ما في الآية من ذلك ، وهو مروي أيضا عن السدي قال : آزره صار مثل الأصل في الطول ، والجمهور على ما نقل أولا ، والضمير المرفوع في (آزره) للشطء والمنصوب للزرع أي فقوي ذلك الشطء الزرع ، والظاهر أن الإسناد في (أَخْرَجَ) و «آزر» مجازي وكون ذلك من الاسناد إلى الموجب ، وهو حقيقة على ما ذهب إليه السالكوتي في حواشيه على المطول حيث قال في قولهم : سرتني رؤيتك. هذا القول مجاز إذا أريد منه حصول السرور عند الرؤية أما إذا أريد منه أن الرؤية موجبة للسرور فهو حقيقة لا يخفى حاله. وقرأ ابن ذكوان «فآزره» ثلاثيا. وقرئ «فأزّره» بشد الزاي أي فشد أزره وقواه (فَاسْتَغْلَظَ) فصار من الدقة إلى الغلظ وهو من باب استنوق الجمل ، ويحتمل أن يراد المبالغة في الغلظ كما في استعصم ونحوه ، وأوثر الأول لأن المساق ينبئ عن التدرج (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) فاستقام على قصبه وأصوله جمع ساق نحو لابة ولوب وقارة وقور. وقرأ ابن كثير «سوقه» بإبدال الواو المضموم ما قبلها همزة ، قيل : وهي لغة ضعيفة ، ومن ذلك قوله :

أحب المؤقدين إلي موسى

(يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) بقوته وكثافته وغلظه وحسن منظره ، والجملة في موضع الحال أي معجبا لهم ، وخصهم تعالى بالذكر لأنه إذا أعجب الزراع وهم يعرفون عيوب الزرع فهو أحرى أن يعجب غيرهم ، وهنا تم المثل وهو مثل ضربه الله تعالى للصحابة رضي الله تعالى عنهم قلوا في بدء الإسلام ثم كثروا واستحكموا فترقى أمرهم يوما فيوما بحيث أعجب الناس ، وهذا ما اختاره بعضهم وقد أخرجه ابن جرير وابن المنذر ، عن الضحاك وابن جرير وعبد بن حميد عن قتادة ، وذكرا عنه أنه قال أيضا : مكتوب في الإنجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يخرج منهم قوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وفي الكشاف هو مثل ضربه الله تعالى لبدء ملة الإسلام وترقيه في الزيادة إلى أن قوي

٢٨٠