تفسير الصّافي - ج ٤

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤١٢

وبين ربّه وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

العيّاشي : انّها في عليّ عليه السلام.

(٣٤) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ في الجزاء وحُسن العاقبة ولا الثانية مزيدة لتأكيد النفي ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ادفع السّيّئة حيث اعترضتك بالّتي هي أحسن منها وهي الحسنة على أنّ المراد بالأحسن الزائد مطلقاً أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ أي إذا فعلت ذلك صار عدوّك المشاقّ مثل الوليّ الشّفيق القمّيّ قال ادفع سيّئة من أساء إليك بحسنتك حتّى يكون الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ قال : الحسنة التقية والسيئة الإذاعة قال التي هي أحسن التقيّة.

(٣٥) وَما يُلَقَّاها وما يلقّى هذه السجيّة وهي مقابلة الإساءة بالإحسان إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا فانّها تحبس النّفس عن الانتقام.

في المجمع عن الصادق عليه السلام : إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا في الدنيا على الأذى وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ من الخير وكمال النفس.

في المجمع عن الصادق عليه السلام : وَما يُلَقَّاها إِلَّا كلّ ذي حظّ عظيم.

(٣٦) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ نخس شبّه به وسوسته فَاسْتَعِذْ بِاللهِ من شرّه ولا تطعه إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لاستعاذتك الْعَلِيمُ بنيّتك القمّيّ المخاطبة لرسول الله صلّى الله عليه وآله والمعنى للنّاس.

(٣٧) وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ لأنّهما مخلوقان مأموران مثلكم وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ فانّ السجود أخصّ العبادات هنا موضع السجود كما رواه في المجمع عنهم

(٣٨) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا عن الامتثال فَالَّذِينَ عِنْدَ

٣٦١

رَبِّكَ من الملائكة يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي دائماً وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ وهم لا يملون.

(٣٩) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً يابسة متطامنة مستعار من الخشوع بمعنى التذلّل فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ انتفخت بالنبات إِنَّ الَّذِي أَحْياها بعد موتها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

(٤٠) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ يميلون عن الاستقامة فِي آياتِنا بالطّعن والتحريف والتأويل بالباطل والإِلغاء فيها لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا فنجازيهم على الحادهم وقد مضى في هذا كلام في المقدّمة السادسة من هذا الكتاب.

عن أمير المؤمنين عليه السلام أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ تهديد شديد إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وعيد بالمجازاة.

(٤١) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ بدل من إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ او مستأنف وخبر انّ محذوف أو خبره أُولئِكَ يُنادَوْنَ كذا قيل.

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام : بِالذِّكْرِ يعني بالقرآن وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ.

(٤٢) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ قال لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ من قبل التوراة ولا من قبل الإنجيل والزّبور وَلا مِنْ خَلْفِهِ أي لا يأتيه من بعده كتاب يبطله.

وفي المجمع عنهما عليهما السلام : ليس في إخباره عمّا مضى باطل ولا في اخباره عمّا يكون في المستقبل باطل بل اخباره كلّها موافقة لمخبراتها تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ أيّ حكيم حَمِيدٍ يحمده كلّ مخلوق بما ظهر عليه من نعمه.

(٤٣) ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لأنبيائه وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ لأعدائهم.

(٤٤) وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا قيل جواب لقولهم هلّا نزل هذا القرآن بلغة العجم لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ بيّنت بلسان نفقهه ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ أكلام أعجميّ ومخاطب عربيّ ، القمّيّ لو كان هذا القرآن أعجميّاً لقالوا كيف نتعلّمه ولساننا عربّي

٣٦٢

وأتانا بقرآن أعجميّ فأحبّ ان ينزل بلسانهم وفيه قال الله وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ والاعجميّ يقال للذي لا يفهم كلامه ويقال لكلامه وقرئ اعَجمِيّ بفتح العين وتوحيد الهمزة على أن يكون منسوباً الى العجم قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً الى الحقّ وَشِفاءٌ من الشكّ والشّبهة وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى لتصامّهم عن سماعه وتعاميهم من الآيات أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ تمثيل لعدم قبولهم واستماعهم له بمن يصاح به من مسافة بعيدة.

(٤٥) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ كما اختلف في القرآن وهو تسلية للنبيّ صلّى الله عليه وآله.

في الكافي عن الباقر عليه السلام قال : اختلفوا كما اختلف هذه الأمّة في الكتاب وسيختلفون في الكتاب الذي مع القائم الذي يأتيهم به حتّى ينكره ناس كثير فيقدّمهم فيضرب أعناقهم وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ بالامهال لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ باستيصال المكذّبين وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ من القرآن مُرِيبٍ موجب للاضطراب.

(٤٦) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ نفعه وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ضرّه وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فيفعل بهم ما ليس له أن يفعله.

(٤٧) إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ إذا سئل عنها إذ لا يعلمها إلّا هوَ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها من أوعيتها جمع كِمْ بالكسر وقرئ من ثمرات بالجمع لاختلاف الأنواع وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ الّا مقروناً بعلمه واقعاً حَسَب تعلّقه به وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي بزعمكم القمّيّ يعني ما كانوا يعبدون من دون الله قالُوا آذَنَّاكَ أعلمناك ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ من أحد منّا يشهد لهم بالشّركة إذ تبرّأْنا منهم لمّا عاينّا الحال والسّؤال للتّوبيخ أو ما من أحد منّا يشاهدهم لأنّهم ضلّوا عنّا.

(٤٨) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ يعبدون مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا وأيقنوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ مهرب.

(٤٩) لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ القمّيّ أي لا يملّ ولا يعي من أن يدعو

٣٦٣

لنفسه بالخير وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ قيل أي يائس من روح الله وفرجه.

(٥٠) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ بتفريجها عنه لَيَقُولَنَّ هذا لِي حقّي استحقّه لما لي من الفضل والعمل أولى دائماً لا يزول وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً تقوم وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى أي ولئن قامت على التوهم كان لي عند الله الحالة الحسنى من الكرامة وذلك لاعتقاده انّ ما اصابه من نعم الدنيا فلاستحقاق لا ينفك عنه فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا فلنجزينّهم بحقيقة أعمالهم ولينصرنّهم خلاف ما اعتقدوا فيها وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ لا يمكنهم التفصّي عنه.

(٥١) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ عن الشكر وَنَأى بِجانِبِهِ وانحرف عنه وذهب بنفسه وتباعد عنه بكلّيته تكبّراً والجانب مجاز عن النفس كالجنب في قوله فِي جَنْبِ اللهِوَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كالفقر والمرض والشدّة فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ كثير.

(٥٢) قُلْ أَرَأَيْتُمْ أخبروني إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ أي القرآن ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ من غير نظر واتباع دليل مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ من اضلّ منكم فوضع الموصول موضع الضمير شرحاً لحالهم وتعليلاً لمزيد ضلالهم.

(٥٣) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ قيل يعني سَنُرِيهِمْ حججنا ودلائلنا على ما ندعوهم إليه من التوحيد وما يتبعه في آفاق العالم وأقطار السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والبحار والأشجار والدوابّ وَفِي أَنْفُسِهِمْ وما فيها من لطائف الصنعة وودايع الحكمة حتّى يظهر لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ.

أقولُ : هؤلاء القوم يستشهدون بالصنائع على الصانع كما هو داب المتوسطين من الناس الذين لا يرضون بمحض التقليد ويرون أنفسهم فوق ذلك القمّيّ فِي الْآفاقِ الكسوف والزّلازل وما يعرض في السماء من الآيات وامّا فِي أَنْفُسِهِمْ فمرّة بالجوع ومرّة بالعطش ومرّة يشبع ومرّة يروى ومرّة يمرض ومرّة يصحّ ومرّة يستغني ومرّة يفتقر ومرّة يرضى ومرّة يغضب ومرّة يخاف ومرّة يأمن فهذا من عظم دلالة الله على التوحيد.

٣٦٤

قال الشاعر وفي كلّ شيء له آية تدلّ على أنّه واحد.

أقول : وهذا تخصيص للآيات ببعضها ممّا يناسب افهام العوام.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال : نريهم فِي أَنْفُسِهِمْ المسخ ونريهم فِي الْآفاقِ انتقاض الآفاق عليهم فيرون قدرة الله عزّ وجلّ في أنفسهم وفي الآفاق قيل حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ قال خروج القائم عليه السلام هو الحقّ من عند الله عزّ وجلّ يراه الخلق لا بدّ منه وفي رواية خسف ومسخ وقذف سئل حَتَّى يَتَبَيَّنَ قال دع ذا ذاك قيام القائم عليه السلام.

وفي إرشاد المفيد عن الكاظم عليه السلام قال : الفتن في آفاق الأرض والمسخ في اعداء الحقّ.

أقولُ : كأنّه عليه السلام أراد أنّ ذلك انّما يكون في الرجعة وعند ظهور القائم عليه السلام حيث يرون من العجائب والغرائب في الآفاق وفي الأنفس ما يتبيّن لهم به انّ الإمامة والولاية وظهور الامام حقّ فهذا للجاحدين أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ يعني أولم يكفك شهادة ربّك على كلّ شيء دليلاً عليه.

أقولُ : هذا للخواص الذين يستشهدون بالله على الله ولهذا خصّه به في الخطاب.

وفي مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام : العبوديّة جوهرة كنهها الرّبوبيّة فما فقد من العبودية وجد في الربوبية وما خفي عن الربوبية أصيب في العبودية قال الله تعالى سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ إلى قوله شَهِيدٌ أي موجود في غيبتك وحضرتك.

(٥٤) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ شكّ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ بالبعث والجزاء أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ عالم به مقتدر عليه لا يفوته شيء وتأويله يستفاد ممّا في المصباح.

في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام : من قرأ حم السّجدة كانت له نوراً يوم القيامة مدّ بصره وسروراً وعاش في الدنيا محموداً مغبوطاً.

وفي الخصال عنه عليه السلام : انّ العزائم أربع وعدّ منها هذه السورة كما مرّ في الم السجدة.

٣٦٥

سورة حمعسق وتسمّى سورة الشورى

وهي مكيّة عدد آيها ثلاث وخمسون آية كوفي وخمسون في الباقي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) حم.

(٢) عسق.

في المعاني عن الصادق عليه السلام : معناه الحكيم المثيب العالم السميع القادر القوي.

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام : هو حرف من اسم الله الأعظم المقطوع يؤلّفه الرّسول والإمام عليهما السلام فيكون الاسم الأعظم الذي إذا دُعي الله به أجاب وعنه عليه السلام : عس عدد سني القائم عليه السلام وقاف جبل محيط بالدنيا من زمردة خضراء فخضرة السماء من ذلك الجبل وعلم كلّ شيء في عسق.

(٣) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وقرئ يوحى بفتح الحاء.

(٤) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

(٥) تَكادُ السَّماواتُ وقرئ بالياء يَتَفَطَّرْنَ يتشقّقن من عظمة الله.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : يتصدعن وقرئ يَنْفَطِرن مِنْ فَوْقِهِنَ من جهتهنّ الفوقانية أو من فوق الأرضين وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ القمّيّ قال للمؤمنين من الشيعة التوابين خاصّة ولفظ الآية عامّ والمعنى خاص.

٣٦٦

وفي الجوامع عن الصادق عليه السلام : وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ من المؤمنين أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

(٦) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ رقيب على أحوالهم وأعمالهم فيجازيهم بها وَما أَنْتَ يا محمد عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ.

(٧) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى أهل أمّ القرى وهي مكّة وقد مرّ وجه تسميتها في سورة الأنعام وَمَنْ حَوْلَها سائر الأرض وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ يوم القيامة يجمع فيه الخلائق لا رَيْبَ فِيهِ اعتراض فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال : خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله النّاس ثمّ رفع يده اليمنى قابضاً على كفّه ثمّ قال أتدرون أيّها الناس ما في كفّي قالوا الله ورسوله أعلم فقال فيها أسماء أهل الجنّة وأسماء آبائهم وقبائلهم إلى يوم القيامة ثمّ رفع يده الشمال فقال أيها الناس أتدرون ما في كفّي قالوا الله ورسوله أعلم فقال اسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم إلى يوم القيامة ثمّ قال حكم الله وعدل حكم الله وعدل فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.

(٨) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً مهتدين القمّيّ لو شاء أن يجعلهم كلّهم معصومين مثل الملائكة بلا طباع لقدر عليه وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ بالهداية وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ أي ويدعهم بغير وليّ ولا نصير في عذابه.

(٩) أَمِ اتَّخَذُوا بل اتَّخذوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

(١٠) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ القمّيّ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ من المذاهب واخترتم لأنفسكم من الأديان فحكم ذلك كلّه إلى الله يوم القيامة وقيل وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ من تأويل متشابه فارجعوا إلى المحكم من كتاب الله ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ في مجامع الأمور وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ارجع.

(١١) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً القمّيّ يعني

٣٦٧

النساء وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً قال يعني ذكراً وأنثى يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ يبثّكم ويكثركم القمّيّ يعني النسل الذي يكون من الذكور والإناث لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ردّ الله على من وصف الله قيل الكاف زائدة وقيل بل المراد المبالغة في نفي المثل عنه فانّه إذا نفى عمّن يناسبه ويسدّ مسدّه كان نفيه عنه أولى في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ إذ كان الشيء من مشيّة فكان لا يشبه مكوّنه رواها في مصباح المتهجّد وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ لكلّ ما يسمع ويبصر.

(١٢) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خزائنهما يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ يوسّع ويقتر على وفق مشيّته إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فيفعله على ما ينبغي.

(١٣) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أي شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ دين نوح عليه السلام ومحمّد صلّى الله عليه وآله ومن بينهما من أرباب الشرايع وهو الأصل والمشترك فيما بينهم القمّيّ مخاطبة لرسول الله صلّى الله عليه وآله أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ قال اي تعلّموا الدين يعني التوحيد واقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحجّ البيت والسّنن والأحكام التي في الكتب والإقرار بولاية أمير المؤمنين عليه السلام وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ولا تختلفوا فيه كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ عظم عليهم ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ قال من ذكر هذه الشرائع اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ يختار ويجتلب الى الدّين وَيَهْدِي إِلَيْهِ بالإرشاد والتوفيق مَنْ يُنِيبُ من يقبل إليه القمّيّ وهم الأئمّة الذين اختارهُم واجتباهم.

وعن الصادق عليه السلام : أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ قال الإمام عليه السلام وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كناية عن أمير المؤمنين عليه السلام ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ من ولاية عليّ عليه السلام مَنْ يَشاءُ كناية عن عليّ عليه السلام.

وفي الكافي عن الرضا عليه السلام : نحن الذين شرع الله لنا دينه فقال في كتابه شَرَعَ لَكُمْ يا آل محمد مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وقد وصّينا بما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يا محمد وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى فقد علمنا وبلغنا علم ما علمنا واستودعنا علمهم نحن ورثة أولي العزم من الرسل أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ يا آل محمد

٣٦٨

وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ وكونوا على جماعة كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ من أشرك بولاية عليّ عليه السلام ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ من ولاية عليّ عليه السلام انّ الله يا محمد يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ من يجيبك إلى ولاية عليّ عليه السلام.

وفي البصائر عنه عن السجّاد عليهما السلام وفي الكافي عنه عليه السلام : في قول الله عزّ وجلّ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بولاية عليّ عليه السلام ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ يا محمّد من ولاية عليّ عليه السلام هكذا في الكتاب مخطوطة.

وعن الباقر عليه السلام : انّ الله عزّ وجلّ بعث نوحاً إلى قومه أن اعبدوا الله واتّقوه وأطيعون ثمّ دعاهم إلى الله وحده وان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ثمّ بعث الأنبياء على ذلك إلى أن قد بلغوا محمّداً صلّى الله عليه وآله وعليهم فدعاهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا وقال شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ إلى قوله مَنْ يُنِيبُ فبعث الأنبياء الى قومهم بشهادة ان لا إله إلّا الله والإقرار بما جاء من عند الله فمن آمن مخلصاً ومات على ذلك أدخله الله الجنّة بذلك وذلك أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ* وذلك أنّ الله لم يكن يعذّب عبدا حتّى يغلظ عليه في القتل والمعاصي التي أوجب الله عليه بها النار ولمن عمل بها فلمّا استجاب له من قومه من المؤمنين جعل لكلّ نبيّ منهم شِرْعَةً وَمِنْهاجاً والشرعة والمنهاج سبيل وسنّة.

(١٤) وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ.

القمّيّ قال لم يتفرّقوا بجهل ولكنهم تفرّقوا لما جاءهم وعرفوه فحسد بعضهم بعضاً وبغى بعضهم على بعض لما رأوا من تفاضيل أمير المؤمنين عليه السلام بأمر الله فتفرّقوا في المذاهب وأخذوا بالآراء والأهواء وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ بالامهال إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ.

القمّيّ قالوا لو لا انّ الله قد قدّر ذلك أن يكون في التقدير الأوّل لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ إذا اختلفوا واهلكهم ولم ينظرهم ولكن أخّرهم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى المقدّر وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ قال كناية عن الذين نقضوا امر رسول الله صلّى الله عليه وآله.

٣٦٩

(١٥) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ قال يعني لهذه الأمور والدين الذي تقدم ذكره وموالاة أمير المؤمنين عليه السلام فَادْعُ.

وعن الصادق عليه السلام : يعني إلى ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ فيه وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ يعني جميع الكتب المنزلة وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ خالق الكل ومتولّي أمره لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وكلّ مجازى بعلمه لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ لا حجاج بمعنى لا خصومة إذا الحقّ قد ظهر ولم يبق للمحاجّة مجال اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا يوم القيامة وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ مرجع الكل.

(١٦) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ في دينه مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ لدينه أو لرسوله حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ القمّيّ يحتجّون على الله بعد ما شاء الله ان يبعث عليهم الرسل فبعث الله إليهم الرسل والكتب فغيّروا وبدّلوا ثمّ يحتجّون يوم القيامة فحجّتهم على الله داحِضَةٌ أي باطلة عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بمعاندتهم.

(١٧) اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ.

القمّيّ قال الْمِيزانَ أمير المؤمنين عليه السلام وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ إتيانها.

(١٨) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها استهزاء وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها خائفون منها مع اعتناء بها لتوقع الثواب وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ الكائن لا محالة أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ.

القمّيّ كناية عن القيامة فانّهم كانوا يقولون لرسول الله صلّى الله عليه وآله أقم لنا الساعة فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فقال الله تعالى أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ أي يخاصمون.

(١٩) اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ بربهم بصنوف من البرّ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ قيل أي يرزقه كما يشاء فيخصّ كلّا من عباده بنوع من البرّ على ما اقتضته حكمته وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ

٣٧٠

المنيع الذي لا يغلب.

(٢٠) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ ثوابها شبّهه بالزرع من حيث إنّه فائدة تحصل بعمل الدنيا ولذلك قيل الدنيا مزرعة الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ فنعطه بالواحد عشراً الى سبعمائة فما فوقها وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها شيئاً منها على ما قسمنا له وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ إذ الأعمال بالنيّات وانما لكلّ امرئ ما نوى.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : المال والبنون حَرْثَ الدُّنْيا والعمل الصالح حَرْثَ الْآخِرَةِ وقد يجمعهما الله لأقوام.

وفي الكافي عنه عليه السلام : من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ومن أراد به خير الآخرة أعطاه الله خير الدنيا والآخرة.

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : من كانت نيّته الدنيا فرّق الله عليه أمره وجعل الفقر بين عينيه ولم يؤته من الدنيا الّا ما كتب له ومن كانت نيّته الآخرة جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : قيل له اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ قال ولاية أمير المؤمنين عليه السلام قيل مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ قال معرفة أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام قيل نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ قال نزيده منها يستوفي نصيبه من دولتهم وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ قال ليس له في دولة الحقّ مع الإمام نصيب.

(٢١) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ.

في الكافي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال : لو لا ما تقدّم فيهم من الله عزّ ذكره ما أبقى القائم منهم أحداً.

أقولُ : يعني قائم كلّ عصر وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.

(٢٢) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا خائفين ممّا ارتكبوا وعملوا وَهُوَ واقِعٌ

٣٧١

بِهِمْ أي ما يخافونه وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ (١) عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ.

(٢٣) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وقرئ يبشر من أبشره قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ على ما أتعاطاه من التبليغ أَجْراً نفعاً منكم إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى أن تودّوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم.

كذا في المجمع عن السجّاد والباقر والصادق عليهم السلام وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال : لما رجع رسول الله من حجّة الوداع وقدم المدينة أتته الأنصار فقال يا رسول الله انّ الله تعالى قد أحسن إلينا وشرّفنا بك وبنزولك بين ظهرانينا فقد فرّح الله صديقنا وكبت عدونا وقد تأتيك وفود فلا تجد ما تعطيهم فيشمت بك العدو فنحبّ ان تأخذ ثلث أموالنا حتّى إذا قدم عليك وفد مكّة وجدت ما تعطيهم فلم يردّ رسول الله صلّى الله عليه وآله عليهم شيئاً وكان ينتظر ما يأتيه من ربّه فنزل عليه جبرئيل وقال قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ولم يقبل أموالهم فقال المنافقون ما أنزل الله هذا على محمّد صلّى الله عليه وآله وما يريد الّا ان يرفع بضبع ابن عمّه ويحمل علينا أهل بيته يقول أمس من كنت مولاه فعليّ مولاه واليوم قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.

وفي قرب الإسناد عنه عن آبائه عليهم السلام : لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله قام رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال أيّها الناس انّ الله تبارك وتعالى قد فرض لي عليكم فرضاً فهل أنتم مؤدّوه قال فلم يجبه أحد منهم فانصرف فلمّا كان من الغد قام فقال مثل ذلك ثمّ قام فيهم فقال مثل ذلك في اليوم الثالث فلم يتكلّم أحد فقال أيها الناس انّه ليس من ذهب ولا فضة ولا مطعم ولا مشرب قالوا فالقه اذن قال إنّ الله تبارك وتعالى أنزل عليّ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فقالوا امّا هذه فنعم.

قال الصادق عليه السلام فو الله ما وفى بها الّا سبعة نفر سلمان وأبو ذرّ وعمّار

__________________

(١) أي لَهُمْ ما يتمنون ويشتهون يوم القيامة.

٣٧٢

والمقداد بن الأسود الكندي وجابر بن عبد الله الأنصاري ومولى رسول الله صلّى الله عليه وآله يقال له البيت وزيد بن أرقم.

وفي العيون عن الرضا عليه السلام : ما يقرب منه مع بسط وبيان وفي الجوامع روى : انّ المشركين قالوا فيما بينهم أترون انّ محمّداً صلّى الله عليه وآله يسأل على ما يتعاطاه أجراً فنزلت هذه الآية ويأتي أخبار أخر في هذه الآية عن قريب إن شاء الله.

وفي المحاسن عن الباقر عليه السلام : انّه سئل عن هذه الآية فقال هي والله فريضة من الله على العباد لمحمّد صلّى الله عليه وآله في أهل بيته.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام انّه قال : ما يقول أهل البصرة في هذه الآية قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ الآية قيل إنّهم يقولون إنّها لأقارب رسول الله صلّى الله عليه وآله قال كذبوا انّما نزلت فينا خاصّة في أهل البيت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام أصحاب الكساء.

وفي المجمع عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت هذه الآية قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ الآية قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين أمرنا الله بموالاتهم قال عليّ وفاطمة وولدهما عليهم السلام.

وعن عليّ عليه السلام قال : فينا في آل حم آية لا يحفظ مودّتنا الّا كلّ مؤمن ثمّ قرأ هذه الآية.

وعن النبيّ صلّى الله عليه وآله : ان الله خلق الأنبياء من أشجار شتّى وخلقت انا وعليّ من شجرة واحدة فانا أصلها وعليّ فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين عليهم السلام ثمارها وأشياعنا أوراقها فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ومن زاغ هوى ولو أنّ عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثمّ ألف عام ثمّ ألف عام حتّى يصير كالشنّ البالي ثمّ لم يدرك محبّتنا أكبّه الله على منخريه ثمّ تلا قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ الآية.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : انّه سئل عنها فقال هم الأئمّة عليهم السلام

٣٧٣

وفي الخصال عن عليّ عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من لم يحبّ عترتي فهو لإحدى ثلاث امّا منافق وامّا لزنية وامّا حملت به أمه في غير طهر وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ.

في المجمع عن الصادق عليه السلام : أنها نزلت فينا أهل البيت أصحاب الكساء عليهم السلام.

وعن الحسن المجتبى عليه السلام : انّه قال في خطبة انا من أهل بيت الذين افترض الله مودّتهم على كلّ مسلم فقال قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ إلى قوله حُسْناً قال فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت عليهم السلام.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : في هذه الآية قال من توالى الأوصياء من آل محمّد صلوات الله عليهم واتبع آثارهم فذاك نزيده ولاية من مضى من النبيّين والمؤمنين الأولين حتّى يصل ولايتهم الى آدم عليه السلام.

وعنه عليه السلام : الاقتراف التسليم لنا والصدق علينا وان لا يكذب علينا.

(٢٤) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ بإمساك الوحي وقيل استبعاد للافتراء عن مثله بالاشعار على أنّه انّما يجتري عليه من كان مختوماً على قلبه جاهلاً بربّه فامّا من كان ذا بصيرة ومعرفة فلا وكأنّه قال فَإِنْ يَشَإِ اللهُ خذلانك يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ لتجتري بالافتراء عليه وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ المفتري وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.

في الكافي عن الباقر عليه السلام : يقول لو شئت حبست عنك الوحي فلم تكلّم بفضل أهل بيتك ولا بمودّتهم وقد قال الله تعالى وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ يقول يُحِقُ لأهل بيتك الولاية إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ يقول بما القوه في صدورهم من العداوة لأهل بيتك والظلم بعدك.

القمّيّ عنه عليه السلام قال : جاءت الأنصار إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالوا إنّا قد آوَينا ونصرنا فخذ طائفة من أموالنا فاستعن بها على ما نابك فأنزل الله عزّ

٣٧٤

وجلّ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً يعني على النبوّة إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى أي في أهل بيته ثمّ قال ألا ترى انّ الرجل يكون له صديق وفي نفس ذلك الرجل شيء على أهل بيته فلا يسلم صدره فأراد الله عزّ وجلّ أن لا يكون في نفس رسول الله صلّى الله عليه وآله شيء على أمته ففرض الله عليهم المودّة في القربى فان أخذوا أخذوا مفروضاً وان تركوا تركوا مفروضاً قال فانصرفوا من عنده وبعضهم يقول عرضنا عليه أموالنا فقال لا قاتلوا عن أهل بيتي من بعدي وقالت طائفة ما قال هذا رسول الله صلّى الله عليه وآله وجحدوه وقالوا كما حكى الله عزّ وجلّ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فقال الله عزّ وجلّ فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ قال لو افتريت وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ يعني يبطله وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ يعني بالأئمّة والقائم من آل محمّد صلوات الله عليهم.

(٢٥) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ وقرئ بالياء.

في العيون عن سيّد الشهداء عليه السلام قال : اجتمع المهاجرون والأنصار الى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالوا إنّ لك يا رسول الله مؤنة في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود وهذه أموالنا مع دمائنا فاحكم بارّاً مأجوراً أعط ما شئت وأمسك ما شئت من غير حرج قال فأنزل الله عزّ وجلّ عليه الروح الأمين فقال قُلْ يا محمد لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى يعني أن تودّوا قرابتي من بعدي فخرجوا فقال المنافقون ما حمل رسول الله على ترك ما عرضنا عليه الّا ليحثّنا على قرابته من بعده ان هو الّا شيء افتراه محمّد في مجلسه وكان ذلك في قولهم عظيماً فأنزل الله تعالى هذه الآية أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ فبعث إليهم النبيّ صلّى الله عليه وآله فقال هل من حدث فقالوا إي والله يا رسول الله لقد قال بعضنا كلاماً عظيماً كرهناه فتلا عليهم رسول الله صلّى الله عليه وآله الآية فبكوا واشتدّ بكاؤهم فأنزل الله عزّ وجلّ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ الآية.

(٢٦) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ

٣٧٥

وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ.

في المجمع عن ابن عبّاس : انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله حين قدم المدينة واستحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها نأتي رسول الله صلّى الله عليه وآله ونقول له انّه يعروك أمور هذه أموالنا تحكم فيها غير حرج ولا محظور عليك فأتوه في ذلك فنزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ الآية فقرأها عليهم وقال تودّون قرابتي من بعدي فخرجوا من عنده مسلّمين لقوله فقال المنافقون انّ هذا لشيء افتراه في مجلسه أراد أن يذلّلنا لقرابته من بعده فنزلت أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فأرسل إليهم فتلاها عليهم فبكوا واشتدّ عليهم فأنزل الله وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ الآية فأرسل في أثرهم فبشّرهم وقال وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وهم الذين سلّموا لقوله.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : في قوله تعالى وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب فيقول له الملك آمين ويقول العزيز الجبّار ولك مثل ما سألت وقد أعطيت ما سألت لحبّك إيّاه.

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ الشّفاعة لمن وجبت له النار ممّن أحسن إليهم في الدنيا.

(٢٧) وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ لتكبروا وأفسدوا بطراً.

القمّيّ قال الصادق عليه السلام : لو فعل لفعلوا ولكن جعلهم محتاجين بعضهم إلى بعض واستعبدهم بذلك ولو جعلهم كلّهم أغنياء لبغوا وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ قال بما يعلم أنّه يصلحهم في دينهم ودنياهُم إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ في الحديث القدسي : انّ من عبادي من لا يصلحه الّا الغنى ولو أفقرته لأفسده وانّ من عبادي من لا يصلحه الّا الفقر ولو أغنيته لأفسده وذلك انّي ادبّر عبادي لعلمي بقلوبهم.

(٢٨) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ المطر الذي يغيثهم من الجدب ولذلك خصّ بالنّافع وقرئ ينزّل بالتشديد مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا ايسوا منه وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان وَهُوَ الْوَلِيُ الذي يتولّى عباده بإحسانه ونشر رحمته الْحَمِيدُ المستحق للحمد.

٣٧٦

(٢٩) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ.

(٣٠) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ فبسبب معاصيكم وقرئ بدون الفاء وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ من الذنوب فلا يعاقب عليها والآية مخصوصة بالمجرمين فانّ ما أصاب غيرهم فلزيادة الأجر.

في الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال : ليس من التواء عرق ولا نكبة حجر ولا عثرة قدم ولا خدش عود الّا بذنب ولما ما يعفو الله أكثر فمن عجّل الله عقوبة ذنبه في الدنيا فانّ الله أجلّ وأكرم وأعظم من أن يعود في عقوبته في الآخرة.

وفيه والقمّيّ عنه عليه السلام : أنّه سئل أرأيت ما أصاب عليّاً وأهل بيته من هؤلاء من بعده أهو بما كسبت أيديهم وهم أهل بيت طهارة معصومون فقال إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يتوب إلى الله ويستغفره في كلّ يوم وليلة مائة مرّة من غير ذنب انّ الله يخصّ أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب.

وفي المجمع عن عليّ عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : خير آية في كتاب الله هذه الآية يا عليّ ما من خدش عود ولا نكبة قدم الّا بذنب وما عفا الله عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعود فيه وما عاقب عليه في الدنيا فهو اعدل من أن يثنّى على عبده.

(٣١) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ فائتين ما قضى عليكم من المصائب وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍ يحرسكم عنها وَلا نَصِيرٍ يدفعها عنكم.

(٣٢) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ السفن الجارية فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ كالجبال

(٣٣) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ فيبقين ثوابت على ظهر البحر إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ لكل من وكل همّته وحبس نفسه على النظر في آيات الله والتفكر في آلائه أو لكلّ مؤمن كامل الايمان فانّ الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر كما ورد في الحديث.

٣٧٧

(٣٤) أَوْ يُوبِقْهُنَ او يهلكهنّ يعني أهلها بإرسال الرياح العاصفة المغرقة بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ بانجائهم.

(٣٥) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا قيل عطف على علّة مقدرة مثل لينتقم منهم ويعلم وقرئ بالرفع على الاستيناف ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ محيد من العذاب.

(٣٦) فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا تمتّعون به مدّة حياتكم وَما عِنْدَ اللهِ من ثواب الآخرة خَيْرٌ وَأَبْقى لخلوص نفعه ودوامه لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.

(٣٧) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وقرئ كبير الإثم وقد سبق تفسير الكبائر في سورة النساء وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ.

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام قال : من كظم غيظاً وهو يقدر على إمضائه حشا الله قلبه أمناً وايماناً يوم القيامة قال ومن ملك نفسه إذا رغب وإذا رهب وإذا غضب حرّم الله جسده على النار.

وفي هذا المعنى في الكافي وغيره أخبار كثيرة.

(٣٨) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ قبلوا ما أمروا به والقمّيّ قال في إقامة الامام وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ تشاور بينهم ولا ينفردون برأي حتّى يتشاوروا ويجتمعوا عليه وذلك من فرط تيقّظهم في الأمور.

والقمّيّ يشاورون الإمام عليه السلام فيما يحتاجون إليه من أمر دينهم كما قال الله وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ.

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : ما من رجل يشاور أحداً الّا هدي الى الرّشد وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ في سبيل الخير.

(٣٩) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ على ما جعله الله لهم كراهة التذلّل وهو وصفهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر أمّهات الفضائل وهو لا ينافي وصفهم بالغفران فانّ الغفران ينبئ عن عجز المغفور والانتصار يشعر عن مقاومة

٣٧٨

الخصم والحلم عن العاجز محمود وعن المتغلب مذموم لأنّه إجراء وإغراء على البغي.

(٤٠) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها سمّى الثانية سيّئة للازدواج أو لأنّها تسوء من تنزل به وهذا منع عن التعدي في الانتصار فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ بينه وبين عدوّه فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ عِدَة مبهمة تدلّ على عظم الموعود.

في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان أَجْرُهُ عَلَى اللهِ فليدخل الجنّة فيقال من ذا الذي اجره على الله فيقال العافون عن الناس يدخلون الجنّة بغير حساب.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : عليكم بالعفو فانّ العفو لا يزيد العبد الّا عزّاً فتعافوا يعزّكم الله إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ المبتدءين بالسّيّئة والمتجاوزين في الانتقام.

(٤١) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ بعد ما ظلم فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ بالمعاتبة والمعاقبة.

في الخصال عن السجّاد عليه السلام : وحقّ من أساءك ان تعفو عنه وان علمت انّ العفو يضرّ انتصرت قال الله تعالى وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ.

وعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ثلاثة ان لم تظلمهم ظلموك السفلة والزّوجة والمملوك.

(٤٢) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ يبتدؤونهم بالإضرار ويطلبون ما لا يستحقونه تجبّراً عليهم وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ على ظلمهم وبغيهم.

(٤٣) وَلَمَنْ صَبَرَ على الأذى وَغَفَرَ ولم ينتصر إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي إِنَّ ذلِكَ منه لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ.

٣٧٩

(٤٤) وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ من ناصر يتولّاه من بعد خذلان الله إيّاه وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ حين يرونه يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ أي من رجعة إلى الدنيا.

(٤٥) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها أي على النار ويدلّ عليه العذاب خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ متذلّلين متقاصرين ممّا يلحقهم من الذل يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ أي يبتدي نظرهم إلى النّار من تحريك لأجفانهم ضعيف كالمصبور ينظر إلى السّيف وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ بالتعريض للعذاب المخلّد يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام قال : وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ يعني القائم عليه السلام وأصحابه إذا قام انتصر من بني أمّية ومن المكذبين والنصاب هو وأصحابه وهو قول الله تعالى إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ الآية وَتَرَى الظَّالِمِينَ آل محمّد صلوات الله عليهم حقّهم لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وعليّ هو العذاب في هذا الوجه يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ فنوالي عليّاً عليه السلام وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ لعليّ عليه السلام يَنْظُرُونَ الى عليّ عليه السلام مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا يعني آل محمّد صلوات الله عليهم وشيعتهم أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ من آل محمّد صلوات الله عليهم حقّهم فِي عَذابٍ مُقِيمٍ قال والله يعني النصاب الذين نصبوا العداوة لأمير المؤمنين عليه السلام وذرّيته والمكذبين.

(٤٦) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ الى الهدى والنجاة.

(٤٧) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ من الله مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ إنكار لما اقترفتموه لأنّه مثبت في صحائف أعمالكم يشهد عليه جوارحكم.

(٤٨) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً رقيباً.

٣٨٠