تفسير الصّافي - ج ٥

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٠٠

١
٢

٣

سورة الجاثية

مكّية عدد آيها سَبْع وثلاثون آية كوفيّ ستّ في الباقين اختلافها آية حم كوفيّ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) حم

(٢) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.

(٣) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ القمّيّ وهي النجوم والشمس والقمر وفي الأرض ما يخرج منها من أنواع النبات للنّاس والدوابّ.

(٤) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وقرئ بالنّصب.

(٥) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ من مطر سمّاه رزقاً لأنّه سببه فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها يبسها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ باختلاف جهاتها وأحوالها القمّيّ أي يجيء من كلّ جانب وربّما كانت حارّة وربّما كانت باردة ومنها ما يثير السحاب ومنها ما يبسط في الأرض ومنها ما يلقح الشجر آياتٌ وقرئ وتصريف الرّيح لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فيه القراءتان قيل لعلّ اختلاف الفواصل لاختلاف الآيات في الدقّة والظهور.

(٦) تِلْكَ آياتُ اللهِ تلك الآيات دلائله نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ أي بعد آيات الله وتقديم اسم الله للمبالغة والتعظيم كما في قولك اعجبني زيد وكرمه أو بعد حديث الله وهو القرآن تؤمنون وقرئ بالياء.

(٧) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ كذّاب أَثِيمٍ كثير الإثم.

٤

(٨) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ يقيم على كفره مُسْتَكْبِراً عن الايمان بالآيات وثمّ لاستبعاد الإصرار بعد سماع الآيات كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها أي كأنّه فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ على إصراره.

(٩) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً وإذا بلغه شيء وعلم انّه منها.

والقمّيّ إذا رأى فوضع العلم مكان الرّؤية اتَّخَذَها هُزُواً أي الآيات كلّها او الشيء لأنّه بمعنى الآية أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ لذلك.

(١٠) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ولا يدفع ما كَسَبُوا من الأموال والأولاد شَيْئاً من عذاب الله وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ من الأصنام والرؤساء وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ لا يتحمّلونه.

(١١) هذا هُدىً أي القرآن وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ وقرئ اليم بالرّفع والرّجز أشدّ العذاب.

(١٢) اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ بتسخيره وأنتم راكبوها وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ بالتجارة والغوص والصيد وغيرها وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ هذه النعم.

(١٣) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً بأن خلقها نافعة لكم مِنْهُ كائنة منه إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ في صنايعه.

(١٤) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا أي قل لهم اغفروا يغفروا يعني يعفوا ويصفحوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لا يتوقّعون وقائعه باعدائه لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ وقرئ لنجزي بالنّون القمّيّ قال يقول لأئمّة الحقّ لا تدعوا على ائمّة الجور حتّى يكون الله هو الذي يعاقبهم.

وعن الصادق عليه السلام قال : قل للّذين منّنا عليهم بمعرفتنا ان يعرّفوا الّذين لا يعلمون فإذا عرّفوهم فقد غفروا لهم.

٥

(١٥) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها إذ لها ثواب العمل وعليها عقابه ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ فيجازيكم على عمالكم.

(١٦) وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ التوراة وَالْحُكْمَ والحكمة أو فصل الخصومات وَالنُّبُوَّةَ إذ كثر الأنبياء فيهم ما لم يكثر في غيرهم وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ممّا احلّ الله من اللّذائذ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ عالمي زمانهم.

(١٧) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ ادلة من امر الدين ويندرج فيها المعجزات وقيل آيات من امر النبيّ صلّى الله عليه وآله منبئة لصدقه فَمَا اخْتَلَفُوا في ذلك الامر إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بحقيقة الحال بَغْياً بَيْنَهُمْ عداوة وحسداً إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ بالمؤاخذة والمجازاة.

(١٨) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ طريقة مِنَ الْأَمْرِ امر الدين فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ آراء الجهّال التابعة للشهوات قيل هم رؤساء قريش قالوا له ارجع إلى دين آبائك.

(١٩) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً ممّا أراد بك وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إذ الجنسيّة علّة الانضمام فلو توالهم باتباع أهوائهم وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ فوالِ الله بالتّقى واتّباع الشريعة.

القمّيّ هذا تأديب لرسول الله صلّى الله عليه وآله والمعنى لأمّته.

(٢٠) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ بيّنات تبصرهم وجه الفلاح وَهُدىً من الضلال وَرَحْمَةٌ من الله لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ يطلبون اليقين.

(٢١) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ ام منقطعة ومعنى الهمزة فيه إنكار الحسبان والاجتراح الاكتساب أَنْ نَجْعَلَهُمْ ان نصيّرهم كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مثلهم سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ وقرئ سواء بالنّصب ساءَ ما يَحْكُمُونَ.

(٢٢) وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ

٦

وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بنقص ثواب وتضعيف عذاب.

(٢٣) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ قيل كان أحدهم يستحسن حجراً فيعبده فإذا رأى أحسن منه رفضه إليه.

والقمّيّ قال : نزلت في قريش كلّما هَوَوْا شيئاً عبدوه قال وجرت بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله في أصحابه الّذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السلام واتخذوا اماماً بأهوائهم وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وخذله عالماً بضلاله وفساد جوهر روحه وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ فلا يبالي بالمواعظ ولا يتفكر في الآيات وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فلا ينظر بعين الاستبصار والاعتبار فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ من بعد ضلاله أَفَلا تَذَكَّرُونَ.

(٢٤) وَقالُوا ما هِيَ ما الحياة إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا التي نحن فيها نَمُوتُ وَنَحْيا قيل أي نموت نحن ويحيى آخرون ممّن يأتون بعدنا.

والقمّيّ هذا مقدم ومؤخر لأنّ الدهرية لم يقرّوا بالبعث والنشور بعد الموت وانّما قالوا نحيى ونموت وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ الّا مرور الزّمان وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ إذ لا دليل لهم عليه القمّيّ فهذا ظنّ شَكّ ونزلت هذه الآية في الدهرية وجرت في الذين فعلوا ما فعلوا بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله بأمير المؤمنين عليه السلام وباهل بيته عليهم السلام وانّما كان ايمانهم إقراراً بلا تصديق خوفاً من السيف ورغبة في المال.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في حديث وجوه الكفر قال : فامّا كفر الجحود فهو الجحود بالربوبيّة وهو قول من يقول لا ربّ ولا جنّة ولا نار وهو قول صنفين من الزّنادقة يقال لهم الدّهريّة وهم الذين يقولون وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان منهم على غير تثبّت منهم ولا تحقيق لشيء ممّا يقولون قال الله عزّ وجلّ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ انّ ذلك كما يقولون.

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله انّه قال : لا تسبّوا الدّهر فانّ الله هو

٧

الدهر قال وتأويله انّ أهل الجاهليّة كانوا ينسبون الحوادث المجحفة والبلايا النّازلة الى الدهر فيقولون فعل الدهر كذا وكانوا يسبّون الدهر فقال عليه السلام انّ فاعل هذه الأمور هو الله تعالى فلا تسبّوا فاعلها وقيل معناه فانّ الله مصرف الدهر ومدبره قال والوجه الأوّل أحسن فانّ كلامهم مملوّ من ذلك ينسبون أفعال الله الى الدهر.

(٢٥) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ واضحات الدلالة على ما يخالف معتقدهم ما كانَ حُجَّتَهُمْ ما كان لهم متشبّث يعارضونها به إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

(٢٦) قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ فانّ من قدر على الإبداء قدر على الإعادة وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ لقلّة تفكّرهم وقصور نظرهم على ما يحسّونه.

(٢٧) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تعميم للقدرة بعد تخصيصها وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ.

(٢٨) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً قيل أي مجتمعة من الجثوة وهي الجماعة أو باركة مستوفزة على الركب والقمّيّ أي على ركبها كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا صحيفة أعمالها وقرء كلّ بالنّصب الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ على تقدير القول.

(٢٩) هذا كِتابُنا قيل أضاف صحائف أعمالهم إلى نفسه لأنّه امر الكتبة ان يكتبوا فيها أعمالهم.

أقولُ : وياتي له وجه آخر عن قريب يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ يشهد عليكم بما عملتم بلا زيادة ونقصان إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ نستكتب الملائكة ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أعمالكم.

وفي الكافي والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال إنّ الكتاب لم ينطق ولن ينطق ولكن رسول الله صلّى الله عليه وآله هو الناطق بالكتاب قال الله تعالى هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ فقيل انّا لا نقرؤها هكذا فقال هكذا

٨

والله نزل بها جبرئيل على محمّد صلّى الله عليه وآله ولكنّه ممّا حرّف من كتاب الله.

أقول : كأنّه قرأ عليه السلام ينطق بضمّ الياء وفتح الطاء.

القمّيّ [عنه عليه السلام (خ ـ ل)] وعن الصادق : انّه سئل عن ن وَالْقَلَمِ قال إنّ الله خلق القلم من شجرة في الجنّة يقال لها الخلد ثمّ قال لنهر في الجنّة كن مداداً فجمد النّهر وكان أشدّ بياضاً من الثلج وأحلى من الشهد ثمّ قال للقلم اكتب قال يا ربّ ما اكتب قال اكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة فكتب القلم في رقّ أشدّ بياضاً من الفضّة وأصفى من الياقوت ثمّ طواه فجعله في ركن العرش ثمّ ختم على فم القلم فلم ينطق فلا ينطق أبداً فهو الكتاب المكنون الذي منه النسخ كلها أو لستم عرباً فكيف لا تعرفون معنى الكلام واحدكم يقول لصاحبه انسخ ذلك الكتاب وليس انّما ينسخ من كتاب آخر من الأصل وهو قوله إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

وفي سعد السعود في حديث الملكين الموكّلين بالعبد : انّهما أرادا النزول صباحاً ومساء ينسخ لهما إسرافيل عمل العبد من اللّوح المحفوظ فيعطيهما ذلك فإذا صعدا صباحاً ومساء بديوان العبد قابله إسرافيل بالنسخ التي انتسخ لهما حتّى يظهر انه كان كما نسخ منه.

(٣٠) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ التي من جملتها الجنّة ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ لخلوصه عن الشوائب.

(٣١) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ أي فيقال لهم ذلك فَاسْتَكْبَرْتُمْ عن الايمان بها وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ عادتكم الاجرام

(٣٢) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها وقرئ بالنّصب قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ.

(٣٣) وَبَدا لَهُمْ ظهر لهم سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا بان عرفوا قبحها وعاينوا وخامة عاقبتها وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ وهو الجزاء.

٩

(٣٤) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ نترككم في العذاب ترك ما ينسى كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا كما تركتم عدّته ولم تبالوا به وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ يخلصونكم منها.

(٣٥) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً القمّيّ وهم الأئمّة عليهم السلام اي كذّبتموهم واستهزأتم بهم وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فحسبتم ان لا حياة سواها فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها من النار وقرء بفتح الياء وضمّ الرّاء وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ لا يطلب منهم ان يعتبوا ربّهم اي يرضوه لفوات اوانه والقمّيّ ولا يجاوبون ولا يقبلهم الله.

(٣٦) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ إذ الكل نعمة منه.

(٣٧) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إذ ظهر فيها آثار قدرته في الحديث القدسي : الكبرياء ردائي والعظمة ازاري فمن نازعني واحدة منهما ألقيته في نار جهنّم وَهُوَ الْعَزِيزُ الذي لا يغلب الْحَكِيمُ فيما قدّر وقضى فاحمدوه وكبّروه وأطيعوا له.

في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام : من قرئ سورة الجاثية كان ثوابها ان لا يرى النار أبداً ولا يسمع زفير جهنّم ولا شهيقها وهو مع محمّد صلّى الله عليه وآله.

١٠

سورة الأحقاف

مكّية عدد آيها خمس وثلاثون آية كوفي أربع في الباقين

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) حم.

(٢) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.

(٣) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ينتهي اليه الكلّ وهو يوم القيامة أو كلّ واحد وهو آخر مدّة بقائه المقدّر له وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ لا يتفكّرون فيه ولا يستعدّون لحلوله.

(٤) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أي أخبروا عن حال آلهتكم بعد تأمّل فيها هل يعقل أن يكون لها مدخل في أنفسها في خلق شيء من اجزاء العالم فيستحقّ به العبادة ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا من قبل هذا الكتاب يعني القرآن فانّه ناطق بالتوحيد أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ او بقيّة من علم بقيت عليكم من علوم الأوّلين هل فيها ما يدلّ على استحقاقهم للعبادة أو الامر به إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعواكم وهو الزام بعدم ما يدلّ على ألوهيّتهم بوجه ما نقلا بعد إلزامهم بعدم ما يقتضيها عقلا وفي المجمع : قرأ عليّ عليه السلام او اثره بسكون الثاء من غير الف.

في الكافي عن الباقر عليه السلام : انّه سئل عن هذه الآية فقال عني بالكتاب التوراة والإنجيل وامّا اثارة من العلم فانّما عني بذلك علم أوصياء الأنبياء.

(٥) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إنكار أن يكون

١١

احد اضلُّ من المشركين حيث تركوا عبادة السميع المجيب القادر الخبير إلى عبادة من لا يستجيب لهم لو سمع دعائهم فضلاً ان يعلم سرائرهم ويراعي مصالحهم إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ما دامت الدنيا وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ لأنّهم امّا جمادات وامّا عباد مسخّرون مشتغلون بأحوالهم.

(٦) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً يضرّونهم ولا ينفعونهم وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ كلّ من الضميرين ذو وجهين.

(٧) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِ لأجله وفي شأنه لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ ظاهر بطلانه.

(٨) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ اضراب عن ذكر تسميتهم إيّاه سحراً الى ذكر ما هو اشنع منه وإنكار له وتعجيب قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ على الفرض فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً أي ان عاجلني الله بالعقوبة فلا تقدرون على دفع شيء منها فكيف اجترئ عليه واعرض نفسي للعقاب من غير توقّع نفع ولا دفع ضرّ من قبلكم هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ تندفعون فيه من القدح في آياته كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ يشهد لي بالبلاغ وعليكم بالكذب والإنكار وهو وعيد بجزاء إفاضتهم وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وعد بالمغفرة والرحمة لمن تاب وآمن واشعار بحلم الله عنهم مع جرأتهم وقد سبق من العيون حديث في شأن نزول هذه الآية في سورة الشورى عند قوله تعالى وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ.

(٩) قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ بديعاً منهم أدعوكم الى ما لم يدعوا إليه واقدر على ما لم يقدروا عليه وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ في الدارين على التفصيل إذ لا علم لي بالغيب وقد سبق في هذه الآية من الاحتجاج حديث في المقدّمة السادسة إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ لا أتجاوزه وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ عن عقاب الله مُبِينٌ يبيّن الانذار عن العواقب بالشواهد المبيّنة والمعجزات المصدّقة.

(١٠) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ أي القرآن وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ قيل هو عبد الله بن سلام وقيل موسى عليه السلام وشهادته ما في التوراة

١٢

من نعت الرسول صلّى الله عليه وآله عَلى مِثْلِهِ ممّا في التوراة من المعاني المصدقة له المطابقة عليه فَآمَنَ أي بالقرآن لمّا رآه من جنس الوحي مطابقاً للحقّ وَاسْتَكْبَرْتُمْ عنِ الايمان إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ استيناف مشعر بأنّ كفرهم به لضلالهم المسبّب عن ظلمهم ودليل على الجواب المحذوف اي ألستم ظالمين.

(١١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لاجلهم لَوْ كانَ خَيْراً أي الايمان أو ما جاء به محمّد صلّى الله عليه وآله ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وهم فقراء وموال ودعاة وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ كذب قَدِيمٌ وهو كقولهم أساطير الأوّلين.

(١٢) وَمِنْ قَبْلِهِ ومن قبل القرآن كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لكتاب موسى لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وقرئ بالتّاء وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ.

(١٣) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا قيل أي جمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم والاستقامة في الأمور التي هي منتهى العمل وثمّ للدلالة على تأخّر رتبة العمل وتوقّف اعتباره على التوحيد والقمّيّ قال اسْتَقامُوا على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وقد مرّ له بيان في حم السَّجدة فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من لحوق مكروه وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على فوات محبوب.

(١٤) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.

(١٥) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وقرئ إحساناً.

وفي المجمع عن عليّ عليه السلام : حسناً بفتحتين حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وقرئ بالفتح وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ومدّة حمله وفطامه وقرئ وفصله ثَلاثُونَ شَهْراً ذلك كلّه بيان لما تكابده الام في تربية الولد مبالغة في التوصية بها حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ استحكم قوّته وعقله وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي الهمني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ عما يشغل عنك وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ المخلصين لك.

(١٦) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ وقرئ

١٣

بالنون فيهما فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ في الدنيا.

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال : لمّا حملت فاطمة بالحسين عليهما السلام جاء جبرئيل عليه السلام الى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال إنّ فاطمة ستلد غلاماً تقتله امّتك من بعدك فلما حملت فاطمة بالحسين عليهما السلام كرهت حمله وحين وضعته كرهت وضعه ثمّ قال لم تر في الدنيا أمّ تلد غلاماً تكرهه ولكنّها كرهته لما علمت انّه سيقتل قال وفيه نزلت هذه الآية وفي رواية أخرى ثمّ هبط جبرئيل فقال يا محمّد انّ ربّك يقرؤك السلام ويبشّرك بأنّه جاعل في ذرّيته الإمامة والولاية والوصيّة فقال إنّي رضيت ثمّ بشّر فاطمة بذلك فرضيت قال فلو لا انّه قال أصلح لي في ذرّيتي لكانت ذرّيته كلّهم ائمّة قال ولم يرضع بالحسين عليه السلام من فاطمة ولا من أنثى كان يؤتى به النبيّ صلّى الله عليه وآله فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين والثلاث فنبت لحم الحسين عليه السلام من لحم رسول الله صلّى الله عليه وآله ودمه ولم يولد لستّة أشهر الّا عيسى بن مريم عليه السلام والحسين عليه السلام.

وفي العلل عنه عليه السلام ما يقرب منها وزاد القمّيّ ونقص.

وفي إرشاد المفيد رووا : انّ عمر اتي بامرأة قد ولدت لستّة أشهر فهمّ برجمها فقال له أمير المؤمنين عليه السلام ان خاصمتك بكتاب الله خصمتك انّ الله تعالى يقول وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً يقول وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ لسنتين وكان حمله وفصاله ثلاثين شهراً كان الحمل منها ستّة أشهر فخلّى عمر سبيل المرأة وثبت الحكم بذلك يعمل به الصحابة والتابعون ومن أخذ عنه الى يومنا هذا.

وفي الخصال عن الصادق عليه السلام قال : إذا بلغ العبد ثلاثاً وثلاثين سنة فقد بلغ أشدّه وإذا بلغ أربعين سنة فقد بلغ وانتهى منتهاه فإذا طعن في احدى وأربعين فهو في النقصان وينبغي لصاحب الخمسين أن يكون كمن كان في النّزع.

(١٧) وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي وقرئ بنون واحدة مشدّدة أَنْ أُخْرَجَ

١٤

ابعث وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي فلم يرجع أحد منهم وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أباطيلهم التي كتبوها القمّيّ قال نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر.

(١٨) أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ بأنّهم أهل النار فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ.

(١٩) وَلِكُلٍ من الفريقين دَرَجاتٌ مراتب مِمَّا عَمِلُوا من جزاء ما عملوا من الخير والشرّ أو من اجل ما عملوا والدرجات غالبة في المثوبة وهاهنا جاءت على التغليب وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ جزاءها وقرئ بالنون وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بنقص ثواب وزيادة عقاب.

(٢٠) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ يعذّبون بها وقيل تعرض النّار عليهم فقلب مبالغة كقولهم عرضت النّاقة على الحوض أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ لذائذكم اي يقال لهم أذهبتم وقرء بالاستفهام فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا باستيفائها وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فما بقي لكم منها شيء القمّيّ قال أكلتم وشربتم ولبستم وركبتم وهي في بني فلان فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ قال العطش بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ عن طاعة الله.

في المحاسن عن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال : اتى النبيّ صلّى الله عليه وآله بخبيص فأبى ان يأكله فقيل أتحرّمه فقال لا ولكنّي اكره ان تتوق إليه نفسي ثمّ تلا هذه الآية أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا.

(٢١) وَاذْكُرْ أَخا عادٍ يعني هوداً إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ قيل هي جمع حقف وهي رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء القمّيّ الأحقاف من بلاد عاد من الشقوق الى الأجفر وهي أربعة منازل وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ الرسل مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ قبل هود وبعده أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ هائل بسبب شرككم.

(٢٢) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا لتصرفنا عَنْ آلِهَتِنا عن عبادتها فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب على الشرك إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ في وعدك.

١٥

(٢٣) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ لا علم لي بوقت عذابكم ولا مدخل لي فيه فاستعجل به وانّما علمه عند الله فيأتيكم به في وقته المقدّر له وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وما على الرسول الّا البلاغ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ لا تعلمون انّ الرسل بعثوا مبلغين ومنذرين لا معذّبين مقترحين.

(٢٤) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً سحاباً عرض في أفق السماء مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ متوجّه أوديتهم قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا أي يأتينا بالمطر بَلْ هُوَ أي قال هود بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ من العذاب رِيحٌ هي ريح فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ.

(٢٥) تُدَمِّرُ تهلك كُلَّ شَيْءٍ من نفوسهم وأموالهم بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ أي فجاءتهم الريح فدمّرتهم فأصبحوا وقرئ لا ترى على الخطاب يعني بحيث لو حضرت بلادهم لا ترى الّا مساكنهم وقرئ لا يري بالياء المضمومة ورفع المساكن كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ القمّيّ كان نبيّهم هود وكانت بلادهم كثيرة الخير خصبة فحبس الله عنهم المطر سبع سنين حتّى اجدبوا وذهب خيرهم من بلادهم وكان هود يقول لهم ما حكى الله في سورة هود اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إلى قوله وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ فلم يؤمنوا وعتوا فأوحى الله الى هود انّه يأتيهم العذاب في وقت كذا وكذا رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ فلمّا كان ذلك الوقت نظروا الى سحابة قد أقبلت ففرحوا ف قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا الساعة نمطر فقال لهم هود بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ إلى قوله بِأَمْرِ رَبِّها قال فلفظه عامّ ومعناه خاصّ لأنّها تركت أشياء كثيرة لم تدمّرها وانّما دمّرت مالهم كلّه قال وكلّ هذه الأخبار من هلاك الأمم تخويف وتحذير لامّة محمّد صلّى الله عليه وآله وروي أنّ هود لمّا احسّ بالريح اعتزل بالمؤمنين في الحظيرة وجاءت الريح فأمالت الأحقاف على الكفرة وكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيّام ثمّ كشفت عنهم واحتملتهم وقذفتهم في البحر.

(٢٦) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ ان نافية أو شرطيّة محذوفة الجواب اي كان بغيكم أكثر وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً ليعرفوا تلك النعم ويستدلّوا بها على مانحها ويواظبوا على شكره فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ

١٦

شَيْءٍ من الإغناء إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ من العذاب القمّيّ قد أعطيناهم فكفروا فنزل بهم العذاب فاحذروا ان لا ينزل بكم ما نزل بهم.

(٢٧) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ يا أهل مكّة مِنَ الْقُرى كحجر ثمود وقرئ قوم لوط وَصَرَّفْنَا الْآياتِ بتكريرها لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عن كفرهم.

(٢٨) فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً فهلّا منعتهم من الهلاك آلهتهم الذين يتقرّبون بهم إلى الله حيث قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ غابوا عن نصرهم وامتنع ان يستمدّوا بهم امتناع الاستمداد بالضلال وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وذلك الاتخاذ الذي هذا اثره صرفهم عن الحقّ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ.

(٢٩) وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ املناهم إليك والنّفر دون العشرة.

وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام : انّهم كانوا تسعة ، واحد من جنّ نصيبين والثمان من بني عمرو بن عامر وذكر اسمائهم يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا قال بعضهم لبعض اسكتوا لنستمعه فَلَمَّا قُضِيَ اتمّ وفرغ عن قراءته وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ايّاهم.

(٣٠) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ.

(٣١) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ بعض ذنوبكم قيل هو ما يكون من خالص حقّ الله فانّ المظالم لا تغفر بالايمان وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ معدّ للكفّار.

(٣٢) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ إذ لا ينجي منه مهرب وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ يمنعونه منه أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه القمّيّ فهذا كلّه حكاية الجنّ وكان سبب نزول هذه الآية انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله خرج من مكّة الى سوق عكاظ ومعه زيد بن حارثة يدعو الناس الى الإسلام

١٧

فلم يجبه أحد ولم يجد أحد يقبله ثمّ رجع إلى مكّة فلمّا بلغ موضعاً يقال له وادي مجنّة تهجّد بالقرآن في جوف اللّيل فمرّ به نفر من الجنّ فلمّا سمعوا قراءته قال بعضهم لبعض أَنْصِتُوا يعني اسكتوا فَلَمَّا قُضِيَ أي فرغ رسول الله صلّى الله عليه وآله من القراءة وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قالُوا يا قَوْمَنا إلى قوله فِي ضَلالٍ مُبِينٍ فجاءوا الى رسول الله صلّى الله عليه وآله واسلموا وآمنوا وعلّمهم رسول الله صلّى الله عليه وآله شرايع الإسلام فأنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه صلّى الله عليه وآله قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ السّورة كلّها فحكى الله عزّ وجلّ قولهم وولّى عليهم رسول الله صلّى الله عليه وآله منهم وكانوا يعودون الى رسول الله صلّى الله عليه وآله في كلّ وقت فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام ان يعلّمهم ويفقّههم فمنهم مؤمنون وكافرون وناصبون ويهود ونصارى ومجوس وهم ولد الجانّ وسئل العالم عليه السلام عن مؤمني الجنّ أيدخلون الجنّة فقال لا ولكنّ لله خطائر بين الجنّة والنار يكون فيها مؤمن الجنّ وفسّاق الشيعة.

(٣٣) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى الباء مزيدة لتأكيد النفي وقرئ بقدر بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

(٣٤) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ الإشارة الى العذاب قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ اهانة وتوبيخ لهم.

(٣٥) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ أولوا الثّبات والجدّ منهم فانّك من جملتهم وأولوا العزم أصحاب الشرايع اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها وصبروا على مشاقّها.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال : هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد عليه وآله وعليهم السلام قيل كيف صاروا أولي العزم قال لأنّ نوحاً بعث بكتاب وشريعة وكلّ من جاء بعد نوح عليه السلام وشريعته ومنهاجه حتّى جاء إبراهيم عليه السلام بالصحف وبعزيمة ترك كتاب نوح لا كفراً به فكلّ نبيّ جاء بعد إبراهيم عليه السلام أخذ بشريعة إبراهيم عليه السلام ومنهاجه وبالصحف حتّى جاء

١٨

موسى بالتوراة وبشريعته ومنهاجه وبعزيمة ترك الصحف فكل نبيّ جاء بعد موسى عليه السلام أخذ بالتوراة وبشريعته ومنهاجه حتّى جاء المسيح عليه السلام بالإنجيل وبعزيمة ترك شريعة موسى عليه السلام ومنهاجه فكلّ نبيّ جاء بعد المسيح أخذ بشريعته ومنهاجه حتّى جاء محمّد صلّى الله عليه وآله فجاء بالقرآن وبشريعته ومنهاجه فحلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة فهؤلاء أولو العزم من الرسل.

وعنه عليه السلام : سادة النبيّين خمسة وهم أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وعليهم دارت الرّحا نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد صلوات الله عليه وآله وعليهم وعلى جميع الأنبياء.

وفي العيون عن الرضا عليه السلام : ما يقرب من الروايتين.

وفي الكافي والعلل عن الباقر عليه السلام : انّما سمّوا أولي العزم لأنّه عهد إليهم في محمّد صلّى الله عليه وآله والأوصياء من بعده والمهديّ وسيرته عليهم السلام فاجمع عزمهم انّ ذلك كذلك والإقرار به والقمّيّ ومعنى أولي العزم انّهم سبقوا الأنبياء الى الإقرار بالله والإقرار بكلّ نبيّ كان قبلهم وبعدهم وعزموا على الصبر مع التكذيب والأذى وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ لكفّار قريش بالعذاب فانّه نازل بهم في وقته لا محالة كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ استقصروا من هوله مدّة لبثهم في الدنيا حتّى يحسبونها ساعة بَلاغٌ هذا الذي وعظتم به كفاية أو تبليغ من الرسول فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ الخارجون عن الاتعاظ والطاعة.

في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام : من قرأ كلّ ليلة أو كلّ جمعة سورة الأحقاف لم يصبه الله تعالى بروعة في الحياة الدنيا وآمنه من فزع يوم القيامة إن شاء الله.

١٩

سُورة محمد (ص) وتُسمّى سُورة القِتال أيضاً وهي مدنيّة

عدد آيها أربعون آية بصريّ ثمان وثلاثون كوفي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ

القمّيّ : نزلت في أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله الذين ارتدّوا بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وغصبوا اهل بيته حقّهم وصدّوا عن أمير المؤمنين وعن ولاية الأئمّة عليهم السلام اضلّ أعمالهم اي أبطل ما كان تقدّم منهم مع رسول الله صلّى الله عليه وآله من الجهاد والنصرة.

وعن الباقر عليه السلام قال قال : أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله في المسجد والناس مجتمعون بصوت عال الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ فقال له ابن عبّاس يا أبا الحسن لم قلت ما قلت قال قرأت شيئاً من القرآن قال لقد قلته لأمر قال نعم انّ الله يقول في كتابه وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فتشهد على رسول الله صلّى الله عليه وآله انّه استخلف أبا بكر قال ما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله أوصى الّا إليك قال فهلّا بايعتني قال اجتمع الناس على أبي بكر فكنت منهم فقال أمير المؤمنين عليه السلام كما اجتمع أهل العجل على العجل هاهنا فتنتم ومثلكم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ

(٢) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وآله.

٢٠