تفسير الصّافي - ج ٤

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤١٢

(٧٧) أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ القمّيّ أي ناطق عالم بليغ قيل تسلية ثانية بتهوين ما يقولونه في إنكارهم الحشر.

(٧٨) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً امراً عجيباً وهو نفي القدرة على إحياء الموتى وَنَسِيَ خَلْقَهُ خلقنا إيّاه قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ منكراً إيّاه مستبعداً له والرّميم ما بلى من العظام.

(٧٩) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ فانّ قدرته كما كانت وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ يعلم تفاصيل المخلوقات وكيفيّة خلقها واجزائها المتفتتة المتبدّدة أصولها وفصولها ومواقعها وطريق تميزها وضمّ بعضها إلى بعض.

العيّاشي عن الصادق عليه السلام قال : جاء أبيّ بن خلف فأخذ عظماً بالياً من حائط فَفَتَّه ثمّ قال يا محمد إِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً فنزلت.

وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام : مثله وعن الصادق عليه السلام : انّ الروح مقيمة في مكانها روح المحسن في ضياء وفسحة وروح المسيء في ضيق وظلمة والبدن يصير تراباً كما منه خلق وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها ممّا أكلته ومزّقته كلّ ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة في ظلمات الأرض ويعلم عدد الأشياء ووزنها وانّ تراب الرّوحانيين بمنزلة الذّهب في التراب فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور فتربو الأرض ثمّ تمخض مخض السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذّهب من التراب إذا غسل بالماء والزّبد من اللَّبن إذا مخض فتجمّع تراب كلّ قالب الى قالبه فينتقل بإذن الله القادر الى حيث الرّوح فتعود الصّور بإذن المصوّر كهيئتها وتلج الرّوح فيها فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئاً.

(٨٠) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً قيل بأن يسحق المرْخ (١) على العفار وهما خضراوان يقطر منهما الماء فتنقدح النار.

القمّيّ وهو المرخ والعفار يكون في ناحية من بلاد العرب فإذا أرادوا ان

__________________

(١) المرخ شجر سريع الوري.

٢٦١

يستوقدوا أخذوا من ذلك الشجر ثمّ أخذوا عوداً فحرّكوه فيه فيستوقدون منه النار فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ لا تشكّون في أنّها نار تخرج منه.

(٨١) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مع كبر جرمهما وعظم شأنهما بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ في الصغر والحقارة وقرئ يَقْدِرُ بَلى جواب من الله وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ كثير المخلوقات والمعلومات.

في الاحتجاج عن الصادق عليه السلام : واما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما امر الله به نبيّه صلّى الله عليه وآله ان يجادل به من جحد البعث بعد الموت واحيائه له فقال حاكياً عنه وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ الآية فأراد من نبيّه ان يجادل المبطل الذي قال كيف يجور ان يبعث هذه العظام وهي رميم قال قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ أفيعجز من ابتدأه لا من شيء ان يعيده بعد ان يبلى بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته ثمّ قال الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً أي إذا أكمن النار الحارة في الشجر الأخضر الرّطب ثمّ يستخرجها فعرّفكم انّه على إعادة من بلى اقدر ثمّ قال أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ الآية اي إذا كان خلق السّموات والأرض أعظم وابعد في أوهامكم وقدركم ان تقدروا عليه من إعادة البالي فكيف جوّزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم ولم تجوّزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي.

(٨٢) إِنَّما أَمْرُهُ انّما شأنه إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ تكوّن فَيَكُونُ فهو يكون اي يحدث وقرئ بالنّصب وهو تمثيل لتأثير قدرته في مراده بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور من غير امتناع وتوقّف وافتقار الى مزاولة عمل واستعمال آلة قطعاً لمادّة الشّبهة.

في العيون عن الرضا عليه السلام : كُنْ منه صنع وما يكون به المصنوع.

وفي نهج البلاغة : انّما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه قال : يقول ولا يلفظ ويريد ولا يضمر وقال : يريد بلا همّة وقد سبق أخبار أخر في هذا المعنى في سورة البقرة وغيرها.

٢٦٢

والقمّيّ قال خزائنه في الكاف والنّون.

(٨٣) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ تنزيه له عمّا ضربوا له وتعجيب عمّا قالوا فيه ومَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ما يقوم به ذلك الشّيء من عالم الأرواح والملائكة وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وعد ووعيد للمقرّين والمنكرين وقرئ بفتح التاء.

في ثواب الأعمال عن الباقر عليه السلام : من قرأ يس في عمره مرّة واحدة كتب الله له بكلّ خلق في الدنيا وبكلّ خلق في الآخرة وفي السماء بكلّ واحد ألفي الف حسنة ومحى عنه مثل ذلك ولم يصبه فقر ولا عزم ولا هدم ولا نصب ولا جنون ولا جذام ولا وسواس ولا داء يضرّه وخفّف الله عنه سكرات الموت وأهواله وولي قبض روحه وكان ممّن يضمن الله له السّعة في معيشته والفرح عند لقائه والرّضا بالثواب في آخرته وقال الله للملائكة أجمعين من في السماوات ومن في الأرض قد رضيت عن فلان فاستغفروا له.

وفيه وفي المجمع عن الصادق عليه السلام : انّ لكلّ شيء قلباً وانّ قلب القرآن يس الحديث وذكر فيه ثواباً كثيراً لقراءتها.

٢٦٣

سُورة الصّافّات

مكّيّة عَدد آيها مائة واحدى وَثمانُونَ آية بصريّ وآيتان في الباقي واختلافها آيتان

وَما كانُوا يَعْبُدُونَ غير البصرّي وكلّهم يعدّون وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ غير أبي جعفر.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) وَالصَّافَّاتِ صَفًّا القمّيّ قال الملائكة والأنبياء ومن صفّ لله وعبده.

(٢) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً قال الذين يزجرون النّاس.

(٣) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً قال الذين يقرءون الكتاب من النّاس قال فهو قسم وجوابه.

(٤) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ.

(٥) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ مشارق الكواكب أو مشارق الشمس فانّ لها كلّ يوم مشرقاً وبحسبها المغارب ولذا اكتفي بذكرها مع انّ الشروق أدلّ على القدرة وأبلغ في النعمة.

(٦) إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا القربى منكم بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وقرئ بتنوين زينة وجرّ الكواكب ونصبها.

(٧) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ برمي الشّهب القمّيّ قال المارد الخبيث.

(٨) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى الملائكة واشرافهم وقرئ بالتشديد من التسمّع وهو تطلّب السماع وَيُقْذَفُونَ ويرمون.

القمّيّ يعني الكواكب التي يرمون بها مِنْ كُلِّ جانِبٍ من جوانب السماء إذا قصدوا صعوده.

(٩) دُحُوراً للدّحور وهو الطرد وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ.

٢٦٤

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : أي دائم موجع قد وصل الى قلوبهم.

(١٠) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ اختلس كلام الملائكة مسارقة فَأَتْبَعَهُ فتبعه شِهابٌ ثاقِبٌ مضيء كأنّه يثقب الجوّ بضوئه والشهاب ما يرى كأنّ كوكباً انقضّ القمّيّ وهو ما يرمون به فيحرقون.

وعن الصادق عليه السلام في حديث المعراج قال : فصعد جبرئيل فصعدت معه إلى السماء الدنيا وعليها ملك يقال له إسماعيل وهو صاحب الخطفة التي قال الله إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ وتحته سبعون ألف ملك تحت كلّ ملك سبعون الف ملك الحديث وقد مرّ.

(١١) فَاسْتَفْتِهِمْ فاستخبرهم أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا (١) من الملائكة والسَّموات والأرض وما بينهما والمشارق والكواكب والشّهب الثّواقب إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ.

القمّيّ يعني يلزق باليد.

(١٢) بَلْ عَجِبْتَ من قدرة الله وإنكارهم البعث وقرئ بضمّ التاء.

ونسبها في الجوامع الى عليّ عليه السلام وَيَسْخَرُونَ من تعجّبك أو ممّن يصفني بالقدرة.

(١٣) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ وإذا وعظوا بشيءٍ لا يتعظون به أو إذا ذكر لهم ما يدلّ على صحّة الحشر ما ينتفعون به لبلادتهم وقلّة فكرهم.

(١٤) وَإِذا رَأَوْا آيَةً معجزة تدلّ على صدق القائل به يَسْتَسْخِرُونَ يبالغون في السخرية ويقولون انّه سحر أو يُستدعى بعضهم من بعض ان يسخر منها.

(١٥) وَقالُوا إِنْ هذا يعنون ما يرونه إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ظاهر سحريّته.

(١٦) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ بالغوا في الإنكار ولا سيّما في

__________________

(١) وقيل من الأمم الماضية والقرون السالفة. يريد أنهم ليسوا بأحكم خلقاً من غيرهم ممن أهلكنا من الأمم.

٢٦٥

هذه الحال وقرئ بطرح الهمزة الأولى تارة والثانية اخرى.

(١٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ وقرئ بسكون الواو في أوَ.

(١٨) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ صاغرون.

(١٩) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فإنّما البعثة صيحة واحدة هي النفخة الثانية من زجر الرّاعي غنمه إذا صاح عليها فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ فإذا هم قيام من مراقدهم احياء يبصرون أو ينتظرون ما يفعل بهم.

(٢٠) وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ يوم الحساب والمجازاة.

(٢١) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ جواب الملائكة أو قول بعضهم لبعض والْفَصْلِ القضاء والفرق بين المحسن والمسيء.

(٢٢) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا.

القمّيّ قال الَّذِينَ ظَلَمُوا آل محمّد صلوات الله عليهم حقّهم وَأَزْواجَهُمْ وأشباههم وَما كانُوا يَعْبُدُونَ.

(٢٣) مِنْ دُونِ اللهِ من الأصنام وغيرها زيادة في تحسيرهم وتخجيلهم فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : يقول ادعوهم الى طريق الجحيم.

(٢٤) وَقِفُوهُمْ احبسوهم في الموقف إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ قيل عن عقائدهم وأعمالهم.

والقمّيّ قال : عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.

ومثله في الأمالي والعيون عن النبيّ صلّى الله عليه وآله.

وفي العلل عنه عليه السلام انّه قال في تفسير هذه الآية : لا يجاوز قدما عبد حتّى يسئل عن أربع عن شبابه فيما أبلاه وعن عمره فيما أفناه وعن ماله من أين جمعه وفيما أنفقه وعن حبّنا أهل البيت عليهم السلام.

٢٦٦

(٢٥) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ لا ينصر بعضكم بعضاً بالتخليص وهو توبيخ وتقريع.

(٢٦) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ منقادون لعجزهم أو متسالمون يسلم بعضهم بعضاً ويخذله.

القمّيّ يعني العذاب.

(٢٧) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ يسأل بعضهم بعضاً للتوبيخ.

(٢٨) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ قيل يعني عن أقوى الوجوه وأيمنه.

(٢٩) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ.

(٣٠) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ

(٣١) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ.

القمّيّ قال العذاب.

(٣٢) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ.

(٣٣) فَإِنَّهُمْ فإنّ الأتباع والمتبوعين يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ كما كانوا في الغواية مشتركين.

(٣٤) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ بالمشركين.

(٣٥) إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ.

(٣٦) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ يعنون النبيّ صلّى الله عليه وآله.

(٣٧) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ردّ عليهم بأنّ ما جاء به من التوحيد حقّ قام به البرهان وتطابق عليه المرسلون.

٢٦٧

(٣٨) إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ بالإشراك وتكذيب الرسول.

(٣٩) وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

(٤٠) إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ استثناء منقطع.

(٤١) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ.

(٤٢) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ.

في الكافي عن الباقر عليه السلام عن النبيّ صلّى الله عليه وآله في حديث يصف فيه أهل الجنّة قال : وامّا قوله أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ قال يعلمه الخدّام فيأتون به أولياء الله قبل أن يسألوهم إيّاه وامّا قوله فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ قال فإنّهم لا يشتهون شيئاً في الجنّة الّا أكرموا به.

(٤٣) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.

(٤٤) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ.

(٤٥) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ بإناءٍ فيه خمر مِنْ مَعِينٍ من شراب مَعِينٍ او نهر مَعِينٍ أي جار ظاهر للعيون أو خارج من العيون وصف به خمر الجنّة لأنّها تجري كالماء.

(٤٦) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ قيل وصفها بلذّة امّا للمبالغة أو لأنّها تأنيث لذّ بمعنى لذيذ.

(٤٧) لا فِيها غَوْلٌ غائلة وفساد كما في خمر الدنيا كالخمار وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ قيل أي يسكرون من نزف إذا ذهب عقله.

والقمّيّ أي لا يطردون منها وقرئ بكسر الزّاي.

(٤٨) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ قصرن ابصارهنّ على أزواجهنّ عِينٌ عيناء فسرّت تارة بواسعات العيون لحسانها واخرى بالشديدة بياض العين الشّديدة سوادها.

٢٦٨

(٤٩) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ شبّههنّ ببيض النعام الذي تكنّه بريشها مصوناً من الغبار ونحوه في الصفا والبياض المخلوط بأدنى صفرة فانّه أحسن الوان الأبدان كذا قيل.

(٥٠) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ عن المعارف والفضائل وما جرى لهم وعليهم في الدنيا فانّه ألذّ اللّذات كما قيل وما بقيت من اللّذات الّا أحاديث الكرام على المدام.

(٥١) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ في مكالمتهم إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ جليس في الدنيا.

(٥٢) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ يوبّخني على التصديق بالبعث.

(٥٣) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ لمجزيّون من الدّين بمعنى الجراء.

(٥٤) قالَ أي ذلك القائل لجلسائه هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ الى أهل النار لأريكم ذلك القرين وقيل والقائل هو الله أو بعض الملائكة يقول لهم هل تحبّون ان تطّلعوا على أهل النار لأريكم ذلك القرين فتعلموا أين منزلتكم من منزلتهم.

(٥٥) فَاطَّلَعَ عليهم فَرَآهُ أي قرينه فِي سَواءِ الْجَحِيمِ.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : يقول في وسط الجحيم.

(٥٦) قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ إن كدت لتهلكني بالإغواء.

(٥٧) وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي بالهداية والعصمة لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ معك فيها.

(٥٨) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ عطف على محذوف أي نحن مخلّدون منعّمون فَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ أي بمن شأنه الموت.

(٥٩) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى التي كانت في الدنيا وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ كالكفّار.

(٦٠) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

٢٦٩

(٦١) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام قال : إذا دخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار جيء بالموت فيذبح كالكبش بين الجنّة والنار ثمّ يقال خلود فلا موت أبداً فيقول أهل الجنة أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ الآيات.

(٦٢) أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ شجرة ثمرها نزل أهل النار وفيه دلالة على أنّ ما ذكر من النعيم لأهل الجنّة بمنزلة ما يقام للنّازل ولهم ما وراء ذلك ما يقصر عنه الافهام وكذلك الزَّقُّومِ لأهل النار قيل هو اسم شجرة صغيرة الورق ذفرة مرّة تكون بتهامة سمّيت به الشجرة الموصوفة.

(٦٣) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ محنة وعذاباً لهم في الآخرة أو ابتلاء في الدنيا.

في المجمع : روي أنّ قريشاً لمّا سمعت هذه الآية إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ قالت ما نعرف هذه الشجرة قال ابن الزبعريّ الزَّقُّومِ بكلام البربر التمر والزبد وفي رواية : بلغة اليمن فقال أبو جهل لجاريته يا جارية زقّمينا فأتته الجارية بتمر وزبد فقال لأصحابه تزقّموا بهذا الذي يخوّفكم به محمّد صلّى الله عليه وآله فيزعم أنّ النار تنبت الشجر والنار تحرق الشجر فأنزل الله سبحانه إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ.

(٦٤) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ منبتها في قعر جهنّم وأغصانها ترفع الى دركاتها.

(٦٥) طَلْعُها حملها مُسْتعار من طلع التمر كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ في تناهي القبح والهول قيل هو تشبيه بالمتخيّل كتشبيه الفائق في الحسن بالملك.

(٦٦) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ لغلبة الجوع.

(٦٧) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها أي بعد ما شبعوا منها وغلبهم العطش وطال

٢٧٠

استقاؤهم لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ لشراباً من غسّاق أو صديد مشوباً بماء حميم يقطع أمعاءهم.

(٦٨) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ فانّ الزّقّوم والحميم نزل يقدم إليهم قبل دخولها وقيل الحميم خارج عنها لقوله تعالى هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ يوردون إليه كما يورد الإبل الى الماء ثمّ يردّون الى الجحيم.

(٦٩) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ.

(٧٠) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ تعليل لاستحقاقهم تلك الشدائد بتقليد الآباء في الضلال والاهراع الاسراع الشديد كأنّهم يزعجون على الإسراع على أثرهم وفيه إشعار بأنّهم بادروا إلى ذلك من غير توقّف على بحث ونظر.

(٧١) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ قبل قومك أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ.

(٧٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ أنبياء أنذروهم من العواقب.

(٧٣) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ من الشدّة والفظاعة.

(٧٤) إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ الّا الّذين تنبّهوا بإنذارهم فأخلصوا دينهم لله وقرئ بالفتح اي الذين أخلصهم الله لدينه والخطاب مع الرّسول صلّى الله عليه وآله والمقصود خطاب قومه فانّهم أيضاً سمعوا اخبارهم ورأوا آثارهم.

(٧٥) وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ شروع في تفصيل القصص بعد إجمالها اي ولقد دعانا حين آيس من قومه فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ أي فأجبناه أحسن الإجابة فو الله فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ نحن.

(٧٦) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ من أذى قومه والغرق.

(٧٧) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ اذْ هلك من هلك.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام في هذه الآية : يقول الحقّ والنبوّة والكتاب

٢٧١

والإيمان في عقبه وليس كلّ من في الأرض من بني آدم من ولد نوح قال الله عزّ وجلّ في كتابه احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ وقال أيضاً ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ.

(٧٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ من الأمم.

(٧٩) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ قيل أي تَرَكْنا عَلَيْهِ فيهم التحيّة بهذه الكلمة والدعاء بثبوتها في الملائكة والثقلين وقيل بل هو سَلامٌ من الله عليه ومفعول تَرَكْنا محذوف مثل الثنا.

وفي الإكمال عن الصادق عليه السلام في حديث : وبشّرهم نوح بهود وأمرهم باتّباعه وان يقيموا الوصيّة كلّ عام فينظروا فيها ويكون عيداً لهم كما أمرهم آدم فظهرت الجبريّة من ولد حام ويافث فاستخفى ولد سام بما عندهم من العلم جرت على سام بعد نوح الدّولة لحام ويافث وهو قول الله عزّ وجلّ وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ يقول تركت على نوح دولة الجبّارين ويعزّي الله محمّداً صلّى الله عليه وآله بذلك قال ووُلِد لحام السّند والهند والحبش وولد لسام العرب والعجم وجرت عليهم الدولة وكانوا يتوارثون الوصيّة عالم بعد عالم حتّى بعث الله عزّ وجلّ هوداً.

(٨٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يعني أنّه مجازاة له على إحسانه.

(٨١) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ.

(٨٢) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ يعني كفّار قومه.

(٨٣) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ ممّن شايعه في الإيمان وأصول الشريعة لَإِبْراهِيمَ

في المجمع والقمّيّ عن الباقر عليه السلام : ليهنّئكم الاسم قيل وما هو قال الشيعة قيل إنّ الناس يعيّروننا بذلك قال أما تسمع قول الله وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ وقوله فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ.

(٨٤) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ من حبّ الدنيا وقد مضى في معناه اخبار

٢٧٢

في سورة الشعراء.

(٨٥) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ.

(٨٦) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ آلِهَةً دُونَ اللهِ إِفْكاً فقدّم للعناية.

(٨٧) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ بمن هو حقيق بالعبادة حتّى أشركتم به غيره وأمنتم من عذابه.

(٨٨) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَراى مواقعها واتصالاتها.

(٨٩) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ قيل أراهم انّه استدلّ بها على أنّه مشارف للسقم لئلّا يخرجوه الى معبدهم لأنّهم كانوا منجّمين وذلك حين سألوه ان يعيّد معهم وكان أغلب أسقامهم الطّاعون وكانوا يخافون العدوى.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : والله ما كان سقيماً وما كذب وفي المعاني والقمّيّ عن الصادق عليه السلام مثله وزاد : وانّما عنى سقيماً في دينه مرتاداً.

قال في المعاني وقد روي : انّه عنى بقوله إِنِّي سَقِيمٌ أي سأسقم وكلّ ميّت سقيم وقد قال الله عزّ وجلّ لنبيّه إِنَّكَ مَيِّتٌ أي ستموت.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال : انّه حسب فرأى ما يحلّ بالحسين عليه السلام فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ لما يحلّ بالحسين.

والعيّاشي عنه عليه السلام قال : إنّ الله تبارك وتعالى خلق روح القدس فلم يخلق خلقاً اقرب إليه منها وليست بأكرم خلقه إليه فإذا أراد امراً ألقاه إليه فألقاه الى النجوم فجرت به.

(٩٠) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ الى عيد لهم.

(٩١) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فذهب إليها في خفية فَقالَ أي للأصنام استهزاء أَلا تَأْكُلُونَ يعني الطّعام الّذي كان عندهم.

٢٧٣

(٩٢) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ بجوابي (١).

(٩٣) فَراغَ عَلَيْهِمْ فمال عليهم مستخفياً والتعدية بعلى للاستعلاء وكراهة الميل ضَرْباً بِالْيَمِينِ يضربهم ضرباً بها.

(٩٤) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ الى إبراهيم بعد ما رجعوا فرأوا أصنامهم مكسّرة وبحثوا عن كاسرها فظنّوا انّه هو كما شرحه في قوله مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا الآية يَزِفُّونَ يسرعون وقرئ على البناء للمفعول اي يحملون على الزّفيف.

(٩٥) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ ما تنحتونه من الأصنام.

(٩٦) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ وما تعملونه فانّ جوهرها بخلقه ونحتها باقتداره.

(٩٧) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ في النّار الشديدة.

(٩٨) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فانّه لمّا قهرهم بالحجّة قصدوا تعذيبه بذلك لئلّا يظهر للعامّة عجزهم فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ الأذلّين بإبطال كيدهم وجعله برهاناً منيراً على علوّ شأنه حيث جعل النّار عليه برداً وسلاماً وقد مضت قصّته في سُورة الأنبياء.

(٩٩) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ في الكافي عن الصادق عليه السلام : يعني بيت المقدس.

وفي التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام في جواب من اشتبه عليه من الآيات قال : ولقد أعلمتك انّ رُبّ شيء من كتاب الله تأويله على غير تنزيله ولا يشبه كلام البشر وسأنبّئك بطرف منه فيكفي إن شاء الله من ذلك قول إبراهيم إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ فذهابه الى ربّه توجّهه إليه عبادة واجتهاداً وقربة إلى الله جلّ وعزّ ألا ترى انّ تأويله على غير تنزيله.

(١٠٠) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ بعض الصالحين يعينني على الدعوة

__________________

(١) وقيل معناه بالقسم الذي سبق وهو قوله تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ.

٢٧٤

والطاعة ويؤنسني في الغربة يعني الولد لأنّ لفظة الهبة غالبة فيه.

(١٠١) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ قيل ما نعت الله نبيّاً بالحلم لعزّة وجوده غير إبراهيم وابنه.

(١٠٢) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ أي فَلَمَّا وجد وبلغ ان يسعى معه في أعماله قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى من الرأي قيل وانّما شاوره وهو حتم ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء الله فيثبت قدمه ان جزع ويأمن عليه ان سلّم وليوطّن نفسه عليه فيهون ويكتسب المثوبة بالانقياد قبل نزوله وقرء ما ذا ترى بضمّ التاء وكسر الرّاء قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ ما تؤمر به وانّما ذكر بلفظ المضارع لتكرّر الرّؤيا سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.

(١٠٣) فَلَمَّا أَسْلَما استسلما لأمر الله أو أسلم الذّبيح نفسه وإبراهيم ابنه.

وفي المجمع عن أمير المؤمنين والصادق عليهما السلام : انّهما قرءا فلمّا سلّما من التّسليم وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ صرعه على شقّه فوقع جبينه على الأرض وهو احد جانبي الجبهة.

(١٠٤) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ.

(١٠٥) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا بالعزم والإتيان بما كان تحت قدرتك من ذلك وجواب «لما» محذوف تقديره كان ما كان ممّا ينطق به الحال ولا يحيط به المقال من استبشارهما وشكرهما لله على ما أنعم عليهما من رفع البلاء بعد حلوله والتوفيق لما لم يوفّق غيرهما لمثله وإظهار فضلهما به على العالمين مع إحراز الثواب العظيم الى غير ذلك إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.

(١٠٦) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ الابتلاء البيّن الذي يتميّز فيه المخلص من غيره أو المحنة البيّنة الصعوبة فانّه لا أصعب منها.

(١٠٧) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ بما بدله عظيم القدر أو الجثّة سمين.

٢٧٥

العيّاشي عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل كم كان بين بشارة إبراهيم عليه السلام بإسماعيل وبين بشارته باسحق قال كان بين البشارتين خمس سنين قال الله سبحانه فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ يعني إسماعيل وهي أوّل بشارة بشّر الله بها إبراهيم عليه السلام في الولد ولمّا ولد لإبراهيم اسحق عليهما السلام من سارة وبلغ اسحق ثلاث سنين اقبل إسماعيل الى اسحق وهو في حجر إبراهيم فنحّاه وجلس في مجلسه فبصرت به سارة فقالت يا إبراهيم نحّي ابن هاجر ابني من حجرك ويجلس هو مكانه لا والله لا تجاورني هاجر وابنها في بلاد أبداً فنحّهما عنّي وكان إبراهيم عليه السلام مكرماً لسارة يعزّها ويعرف حقّها وذلك لأنّها كانت من وُلد الأنبياء وبنت خالته فشقّ ذلك على إبراهيم عليه السلام واغتمّ لفراق إسماعيل فلمّا كان في اللّيل اتى إبراهيم آت من ربّه فأراه الرّؤيا في ذبح ابنه إسماعيل عليه السلام بموسم مكّة فأصبح إبراهيم عليه السلام حزيناً للرّؤيا التي رآها فلمّا حضر موسم ذلك العام حمل إبراهيم عليه السلام هاجر وإسماعيل في ذي الحجّة من ارض الشام فانطلق بهما الى مكّة ليذبحه في الموسم فبدأ بقواعد البيت الحرام فلمّا رفع قواعده خرج إلى منى حاجّاً وقضى نسكه بمنى ثمّ رجع إلى مكّة فطاف بالبيت اسبوعاً ثمّ انطلقا فلمّا صارا في السّعي قال إبراهيم عليه السلام لإسماعيل يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ في الموسم عامي هذا ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ فلمّا فرغا من سعيهما انطلق به إبراهيم عليه السلام الى منى وذلك يوم النّحر فلمّا انتهى الى الجمرة الوسطى وأضجعه لجنبه الأيسر وأخذ الشّفرة ليذبحه نُودي أَنْ يا إِبْراهِيمُ عليه السلام قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا الى آخره وفدى إسماعيل عليه السلام بكبش عظيم فذبحه وتصدّق بلحمه على المساكين.

وعنه عليه السلام : انّه سئل عن صاحب الذبح فقال هو إسماعيل عليه السلام.

وعن الباقر عليه السلام : مثله والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : مثله.

وفي الفقيه عنه عليه السلام : انّه سئل عن الذبيح من كان فقال إسماعيل عليه السلام لأنّ الله تعالى ذكر قصّته في كتابه ثمّ قال وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ

٢٧٦

قال وقد اختلف الرّوايات في الذبيح فمنها ما ورد بأنّه إسماعيل عليه السلام ومنها ما ورد بأنّه اسحق ولا سبيل الى ردّ الاخبار متى صحّ طرقها وكان الذبيح إسماعيل لكن اسحق لمّا ولد بعد ذلك تمنّى أن يكون هو الذي امر أبوه بذبحه وكان يصبر لأمر الله ويسلّم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب فعلم الله ذلك من قلبه فسمّاه الله بين ملائكته ذبيحاً لتمنيّه لذلك قال وقد ذكرت اسناد ذلك.

في كتاب النبوّة متّصلاً بالصادق عليه السلام.

أقولُ : ويؤيّد هذا انّ البشارة بإسحاق كانت مقرونة بولادة يعقوب فلا يناسب الامر بذبحه مراهقاً.

وفي الكافي عنهما عليهما السلام : يذكران انّه لما كان يوم التروية قال جبرئيل لإبراهيم عليه السلام تروّ من الماء فسمّيت التروية ثمّ أتى منى فأباته بها ثمّ غدا به الى عرفات فضرب خِباه بنمرة دون عرفة فبنى مسجداً بأحجار بيض وكان يعرف اثر مسجد إبراهيم عليه السلام حتّى ادخل في هذا المسجد الذي بنمرة حيث يصلّي الإمام يوم عرفة فصلّى بها الظهر والعصر ثمّ عمد به الى عرفات فقال هذه عرفات فاعرف بها مناسكك واعترف بذنبك فسمّى عرفات ثمّ أفاض الى المزدلفة فسمّيت المزدلفة لأنّه ازدلف إليها ثمّ قام على المشعر الحرام فأمر الله ان يذبح ابنه وقد رأى فيه شمائله وخلائقه وانس ما كان إليه فلمّا أصبح أفاض من المشعر الى منى فقال لأمّه زوري البيت أنت واحتبس الغلام فقال يا بنيّ هات الحمار والسكين حتّى اقرب القربان سئل الراوي ما أراد بالحمار والسكين قال أراد أن يذبحه ثمّ يحمله فيجهّزه ويدفنه قال فجاء الغلام بالحمار والسكين فقال يا أبت أين القربان قال ربّك يعلم اين هو يا بنيّ أنت والله هو انّ الله قد أمرني بذبحك فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ قال فلمّا عزم على الذبح قال يا أبت خمّر وجهي وشدّ وثاقي قال يا بنيّ الوثاق مع الذبح والله لا اجمعهما عليك اليوم قال الباقر عليه السلام فطرح له قرطان الحمار ثمّ أضجعه عليه وأخذ المدية فوضعها على حلقه قال فأقبل شيخ فقال ما تريد من هذا الغلام قال أريد أن أذبحه فقال سبحان الله

٢٧٧

غلام لم يعص الله طرفة عين تذبحه فقال نعم انّ الله قد أمرني بذبحه فقال بل ربّك ينهاك عن ذبحه وانّما أمرك بهذا الشيطان في منامك قال ويلك الكلام الذي سمعت هو الذي بلغ بي ما ترى لا والله لا اكلّمك ثمّ عزم على الذبح فقال الشيخ يا إبراهيم انّك إمام يقتدى بك فان ذبحت ولدك ذبح الناس أولادهم فمهلاً فأبى أن يكلّمه ثمّ قال عليه السلام فأضجعه عند الجمرة الوسطى ثمّ أخذ المدية فوضعها على حلقه ثمّ رفع رأسه إلى السماء ثمّ انتحى عليه المدية فقلبها جبرئيل عليه السلام عن حلقه فنظر إبراهيم فإذا هي مقلوبة فقلبها إبراهيم عليه السلام على حدّها وقلبها جبرئيل عليه السلام على قفاها ففعل ذلك مراراً ثمّ نودي من ميسرة مسجد الخيف (١) يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا واجترّ الغلام من تحته وتناول جبرئيل الكبش من قُلَّة بثير فوضعه تحته وخرج الشيخ الخبيث حتّى لحق بالعجوز حين نظرت إلى البيت والبيت في وسط الوادي فقال ما شيخ رأيته بمنى فنعت نعت إبراهيم عليه السلام قالت ذاك بعلي قال فما وصيف رأيته معه وَنَعَت نعته فقالت ذاك ابني قال فانّي رأيته أضجعه وأخذ المدية ليذبحه قالت كلّا ما رأيته إبراهيم (ع) ارحم النّاس وكيف رأيته يذبح ابنه قال وربّ السماء والأرض وربّ هذه البنية لقد رأيته أضجعه وأخد المدية ليذبحه قالت لِمَ قال زعم أنّ ربّه أمره بذبحه قالت فحقّ له ان يطيع ربّه قال فلمّا قضت مناسكها فرقّت أن يكون قد نزل في ابنها شيء فكأنّي انظر إليها مسرعة في الوادي واضعة يدها على رأسها وهي تقول ربّ لا تؤاخذني بما عملت بامّ إسماعيل قال فلمّا جاءت سارة فأخبرت الخبر قامت الى ابنها تنظر فإذا اثر السّكين خدوشاً في حلقه ففزعت واشتكت وكان بدو مرضها الذي هلكت فيه قال عليه السلام أراد أن يذبحه في الموضع الذي حملت أمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله عند الجمرة الوسطى فلم يزل مضربهم يتوارثون به كابر عن كابر حتّى كان آخر من ارتحل منه عليّ بن الحسين عليهما السلام في شيء كان بين بني هاشم وبين بني أميّة فارتحل فضرب بالعرين.

والعيّاشي والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : ما يقرب منه بزيادة ونقصان.

__________________

(١) الخيف ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء ومنه سمي مسجد الخيف بمنى

٢٧٨

وزاد القمّيّ : ونزل الكبش على الجبل الذي عن يمين مسجد منى نزل من السماء وكان يأكل في سواد ويمشي في سواد اقرن قيل ما كان لونه قال كان أملح أغبر.

وفي العيون عن الرضا عليه السلام قال : لمّا أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام ان يذبح مكان ابنه إسماعيل عليه السلام الكبش الذي أنزل عليه تمنّى إبراهيم عليه السلام أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل عليه السلام بيده وانّه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده بيده فيستحقّ بذلك ارفع درجات أهل الثواب على المصائب فأوحى الله عزّ وجلّ إليه يا إبراهيم من احبّ خلقي إليك قال يا ربّ ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ من حبيبك محمّد صلّى الله عليه وآله فأوحى الله عزّ وجلّ إليه يا إبراهيم هو أحبّ إليك أو نفسك قال بل هو أحبّ إليّ من نفسي قال فولده أحبّ إليك أو ولدك قال بل ولده قال فذبح ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي قال يا ربّ بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي قال يا إبراهيم انّ طائفة تزعم أنّها من أمّة محمّد صلّى الله عليه وآله ستقتل الحسين عليه السلام ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش ويستوجبون بذلك سخطي فجزع إبراهيم عليه السلام لذلك فتوجّع قلبه واقبل يبكي فأوحى الله تعالى إليه يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل عليه السلام لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين عليه السلام وقتله وأوجبت لك ارفع درجات أهل الثواب على المصائب وذلك قول الله عزّ وجلّ وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ولا حول ولا قوّة الّا بالله العليّ العظيم وسئل عن معنى قول النبيّ صلّى الله عليه وآله انا ابن الذبيحين قال يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام وعبد الله بن عبد المطّلب امّا إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر الله تعالى به إبراهيم (ع) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ وهو لمّا عمل مثل عمله قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلما عزم على ذبحه فداه الله بذبح عظيم بكبش أملح يأكل في سواد ويشرب في سواد وينظر في سواد ويمشي في سواد ويبول ويبعر في سواد وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنّة أربعين عاماً وما خرج من

٢٧٩

رحم أنثى وانّما قال الله تعالى له كن فكان ليفتدي به إسماعيل عليه السلام فكلّ ما يذبح بمنى فهو فدية لإسماعيل إلى يوم القيامة فهدا أحد الذبيحين ثمّ ذكر قصّة الذبيح الآخر ثمّ قال والعلّة التي من أجلها دفع الله عزّ وجلّ الذّبح عن إسماعيل عليه السلام هي العلّة التي من أجلها دفع الله الذبح عن عبد الله وهي كون النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام في صلبهما فببركة النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام دفع الله الذبح عنهما عليهما السلام فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم ولو لا ذلك لوجب على الناس كلّ اضحى التقرّب إلى الله تعالى ذكره بقتل أولادهم وكلّ ما يتقرّب به الناس من اضحية فهو فداء لإسماعيل إلى يوم القيامة.

وفي الكافي عنه عليه السلام : لو خلق الله مضغة هي أطيب من الضّان لفدى بها إسماعيل عليه السلام.

(١٠٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ.

(١٠٩) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (ع) سبق بيانه في قصّة نوح (ع).

(١١٠) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.

(١١١) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ.

(١١٢) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ.

(١١٣) وَبارَكْنا عَلَيْهِ على إبراهيم (ع) وَعَلى إِسْحاقَ أفضنا عليهما بركات الدّين والدّنيا وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ بالكفر والمعاصي مُبِينٌ ظاهر ظلمه وفي ذلك تنبيه على أنّ النسب لا أثر له في الهدى والضلال وانّ الظلم في أعقابهما لا يعود عليهما بنقيصة وعيب.

(١١٤) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ أنعمنا عليهما بالنبوّة وغيرها من المنافع الدينيّة والدنيويّة.

(١١٥) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ من تغلّب الفرعون أو الغرق.

٢٨٠