تفسير الصّافي - ج ٤

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤١٢

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى هذا عَطاؤُنا الآية قال : أعطى سليمان (ع) ملكاً عظيماً ثمّ جرت هذه الآية في رسول الله صلّى الله عليه وآله فكان له ان يعطى من شاء وما شاء ويمنع من شاء ما شاء وأعطاه أفضل ممّا أعطى سليمان (ع) لقوله ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.

وعن الرضا عليه السلام : انّه قيل له حقّاً علينا ان نسألكم قال نعم قيل حقّاً عليكم ان تجيبونا قال لا ذاك إلينا إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل أما تسمع قول الله تعالى هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ.

(٤١) وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ بتعب وقرئ بفتح النون وبفتحتين وَعَذابٍ ألم وهو حكاية لكلامه.

(٤٢) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ حكاية لما أجيب به اي اضرب برجلك إلى الأرض هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ أي فضربها فنبعت عين فقيل هذا مُغْتَسَلٌ أي تغتسل به وتشرب منه فيبرئ باطنك وظاهرك.

(٤٣) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ بأن أحييناهم بعد موتهم.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : انّه سئل كيف أوتي مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ قال أحيى لهم من ولده الذين كانوا ماتوا قبل ذلك بآجالهم مثل الذين هلكوا يومئذ.

والقمّيّ عنه عليه السلام قال : أحيى الله لَهُ أَهْلَهُ الذين كانوا قبل البليّة واحيى له الذين ماتوا وهو في البليّة رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ لينتظروا الفرج بالصبر واللجأ إلى الله فيما يحيق بهم.

(٤٤) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً حزمة صغيرة من خشب فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ وذلك : انّه حلف ان يضرب زوجته في أمر ثمّ ندم عليه فحلّ الله يمينه بذلك وهي رخصة باقية في الحدود كما ورد عنهم عليهم السلام إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً فيما أصابه في النفس والأهل والمال نِعْمَ الْعَبْدُ أيّوب (ع) إِنَّهُ أَوَّابٌ مقبل بشراشره على الله.

في العلل عن الصادق عليه السلام قال : انّما كانت بليّة أيّوب (ع) الَّتي ابتلي بها

٣٠١

في الدنيا لنعمة أنعم الله بها عليه فأدّى شكرها وكان إبليس في ذلك الزمان لا يحجب دون العرش فلمّا صعد عمل أيّوب (ع) بأداء شكر النّعمة حسده إبليس فقال يا ربّ انّ أيّوب (ع) لم يؤدّ شكر هذه النعمة الّا بما أعطيته فلو حلت بينه وبين دنياه ما أدّى إليك شكر نعمة فسلّطني على دنياه حتّى تعلم أنّه لا يؤدّي شكر نعمة فقال قد سلّطتك على دنياه فلم يدع له دنيا ولا ولداً الّا أهلك كلّ ذلك وهو يحمد الله عزّ وجلّ ثمّ رجع إليه فقال يا ربّ انّ أيّوب يعلم أنّك ستردّ إليه دنياه التي أخذتها منه فسلّطني على بدنه تعلم انّه لا يؤدّي شكر نعمة قال عزّ وجلّ قد سلّطتك على بدنه ما عدا عينيه وقلبه ولسانه وسمعه قال فانقض مبادراً خشية ان تدركه رحمة الله عزّ وجلّ فيحول بينه وبينه فنفخ في منخريه من نار السموم فصار جسده نقطاً نقطاً.

وعن الكاظم عليه السلام مثله وزاد : قلّما اشتدّت به البلاء وكان في آخر بليّة جاء أصحابه فقالوا يا أيوب ما نعلم أحداً ابتلى بمثل هذه البليّة الّا لسريرة شرّ فلعلّك أسررت سوء في الذي تبدي لنا قال فعند ذلك ناجى أيّوب (ع) ربّه عزّ وجلّ فقال ربّ ابتليتني بهذه البليّة وأنت تعلم انه لم يعرض لي أمران قطّ الّا التزمت أخشنهما على بدني ولم آكل أكلة قطّ الّا وعلى خواني يتيم فلو أنّ لي منك مقعد الخصم لأدليت بحجّتي قال فعرضت له سحابة فنطق فيها ناطق فقال يا أيّوب ادل بحجّتك قال فشدّ عليه ميزره وجثا على ركبتيه فقال ابتليتني بهذه البليّة وأنت تعلم أنّه لم يعرض لي أمران قطّ الّا التزمت أخشنهما على بدني ولم آكل اكلة من طعام الّا وعلى خواني يتيم قال فقيل له يا أيّوب من حبّب إليك الطاعة قال فأخذ كفّا من تراب فوضعه في فيه ثمّ قال أنت يا ربّ.

وعن الصادق عليه السلام : انّ الله تبارك وتعالى ابتلى أيّوب (ع) بلا ذنب فصبر حتّى عيّر وانّ الأنبياء لا يصبرون على التعيير.

وفي الكافي عنه عليه السلام : انّ الله تعالى يبتلي المؤمن بكلّ بليّة ويميته بكلّ ميتة ولا يبتليه بذهاب عقله أما ترى أيّوب (ع) كيف سلّط إبليس على ماله وعلى اهله وعلى كلّ شيء منه ولم يسلطه على عقله ترك له يوحّد الله عزّ وجلّ وفي رواية : فسلّط

٣٠٢

على أيّوب (ع) فشوّه خلقه ولم يسلّطه على دينه.

وفي الخصال والعلل عنه عليه السلام : ابتلي أيّوب سبع سنين بلا ذنب.

وفي الخصال عنه عن أبيه عليهما السلام قال : انّ أيوب عليه السلام ابتلي بغير ذنب سبع سنين وانّ الأنبياء معصومون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً وقال إنّ أيّوب مع جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة ولا قبحت له صورة ولا خرجت منه مِدَّة (١) من دم ولا قيح ولا استقذره أحد رآه ولا استوحش منه أحد شاهده ولا تدوّد شيء من جسده وهكذا يصنع الله عزّ وجلّ بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرّمين عليه وانّما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره لجهلهم بما له عند ربّه تعالى ذكره من التأييد والفرج وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وآله أعظم النّاس بلاء الأنبياء ثمّ الأولياء ثمّ الأمثل فالأمثل وانّما ابتلاه الله بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلّا يدّعوا له معه الربوبيّة إذا شاهدوا ما أراد الله تعالى ذكره ان يوصله إليه من عظائم نعمه متى شاهدوه ليستدلّوا بذلك على أنّ الثواب من الله تعالى على ضربين استحقاق واختصاص ولئلّا يحقّروا ضعيفاً لضعفه ولا فقيراً لفقره ولا مريضاً لمرضه وليعلموا انّه يسقم من يشاء متى شاء كيف شاء بأيّ شيء شاء ويجعل ذلك عبرة لمن يشاء وشقاوة لمن يشاء وسعادة لمن يشاء وهو عزّ وجلّ في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في أفعاله لا يفعل بعباده الّا الأصلح لهم ولا قوّة الّا بالله.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : انّه سئل عن بليّة أيّوب (ع) التي ابتلي بها في الدنيا لأيّ علّة كانت قال لنعمة أنعم الله عزّ وجلّ عليه بها في الدنيا وأدّى شكرها وكان في ذلك الزمان لا يحجب إبليس عن دون العرش فلمّا صعد ورأى شكر نعمة أيّوب (ع) حسده إبليس فقال يا ربّ انّ أيّوب لم يؤدّ إليك شكر هذه النعمة الّا بما أعطيته من الدنيا ولو حرمته دنياه ما أدّى إليك شكر نعمة أبداً فسلّطني على دنياه حتّى تعلم أنّه لا يؤدّي إليك شكر نعمة أبداً فقيل له قد سلطتك على ماله وولده قال فانحدر إبليس فلم يبق له مالاً ولا ولداً إلّا أعطبه فازداد أيوب

__________________

(١) المدّة بالكسر وتشديد المهملة : ما يجتمع في الجرح من التقيح الغليظ.

٣٠٣

لله شكراً وحمداً قال سلّطني على زرعه قال قد فعلت فجمع شياطينه فنفخ فيه فاحترق فازداد أيّوب (ع) لله شكراً وحمداً فقال يا ربّ فسلّطني على غنمه فسلطه على غنمه فأهلكها فازداد أيّوب (ع) لله شكراً وحمداً فقال يا ربّ سلّطني على بدنه فسلّطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه فبقي في ذلك دهراً طويلاً يحمد الله ويشكره حتّى وقع في بدنه الدّود فكانت تخرج من بدنه فيردّها فيقول لها ارجعي الى موضعك الذي خلقك الله منه ونتن حتّى أخرجوه أهل القرية من القرية وألقوه في المزبلة خارج القرية وكانت امرأته رحمة بنت يوسف بن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم (ع) تتصدّق من الناس وتأتيه بما تجده قال فلمّا طال عليه البلاء ورأى إبليس صبره اتى أصحاباً لأيّوب (ع) كانوا رهباناً في الجبال وقال لهم مرّوا بنا الى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليّته فركبوا بغالاً شهباء فجاءوا فلمّا دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه فنظر بعضهم إلى بعض ثمّ مشوا إليه وكان فيهم شابّ حدث السنّ فقعدوا إليه فقالوا يا أيّوب لو أخبرتنا بذنبك لعلّ الله كان يملكنا إذا سألناه وما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحداً الّا من امر كنت تستره فقال أيّوب وعزّة ربّي انّه ليعلم انّي ما أكلت طعاماً الّا ويتيم او ضعيف يأكل معي وما عرض لي أمران كلاهما طاعة لله الّا أخذت بأشدّهما على بدني فقال الشّابّ سوءة لكم عيّرتم نبيّ الله حتّى أظهر من عبادة ربّه ما كان يسترها فقال أيّوب يا ربّ لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجّتي بعث الله عزّ وجلّ إليه غمامة فقال يا أيّوب ادل بحجّتك فقد أقعدتك مقعد الحكم وها انا ذا قريب ولم أزل فقال يا ربّ انّك لتعلم أنّه لم يعرض لي أمران قطّ كلاهما لك طاعة الّا أخذت بأشدّهما على نفسي ألم أحمدك ألم أشكرك ألم اسبّحك قال فنودي من الغمامة بعشرة آلاف لسان يا أيّوب من صيّرك تعبد الله والنّاس عنه غافلون وتحمده وتسبّحه وتكبّره والنّاس عنه غافلون اتمنّى على الله بما لله فيه المنّة عليك قال فأخذ التراب فوضعه في فيه ثمّ قال لك العُتبى يا ربّ أنت فعلت ذلك بي فأنزل الله عليه ملكاً فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء فعاد أحسن ما كان وأطرأ وأنبت الله عليه روضة خضراء وردّ عليه اهله وماله وولده وزرعه وقعد معه الملك يحدّثه

٣٠٤

ويؤنسه فأقبلت امرأته معها الكسرة فلمّا انتهت إلى الموضع إذ الموضع متغيّر وإذا رجلان جالسان فبكت وصاحت وقالت يا أيّوب ما دهاك فناداها أيّوب فأقبلت فلمّا رأته وقد ردّ الله عليه بدنه ونعمته سجدت لله عزّ وجلّ شكراً فرأى ذوابتها مقطوعة وذلك أنّها سألت قوماً ان يعطوها ما تحمله الى أيّوب من الطعام وكانت حسنة الذوائب فقالوا لها بيعينا ذؤابتك هذه حتّى نعطيك فقطعتها ودفعتها إليهم وأخذت منهم طعاماً لأيّوب فلمّا رآها مقطوعة الشعر غضب وحلف عليها ان يضربها مائة فأخبرته انّه كان سببه كيت وكيت فاغتمّ أيّوب من ذلك فأوحى الله عزّ وجلّ إليه خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ فأخذ عِذقاً مشتملاً على مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة فخرج من يمينه قال فردّ الله عليه اهله الذين ماتوا قبل البلاء وردّ عليه اهله الذين ماتوا بعد ما أصابهم البلاء كلّهم أحياهم الله له فعاشوا معه وسئل أيّوب (ع) بعد ما عافاه الله أيّ شيء كان أشدّ عليك ممّا مرّ عليك فقال شماتة الأعداء قال فأمطر الله عليه في داره جراد الذهب وكان يجمعه فكان إذا ذهبت الريح منه بشيء عدا خلفه فردّه فقال له جبرئيل أما تشبع يا أيّوب قال ومن يشبع من رزق ربّه عزّ وجلّ.

أقولُ : لعلّ المراد ببدنه الذي قيل في الرواية الأولى انّه لم ينتن رائحته ولم يتدوّد بدنه الأصلي الذي يرفع من الأنبياء والأوصياء إلى السماء الذي خلق من طينته خلقت منها أرواح المؤمنين وببدنه الذي قيل في هذه الرواية انّه أنتن وتدوّد بدنه العنصريّ الذي هو كالغلاف لذلك ولا مبالاة للخواص به فلا تنافي بين الروايتين.

(٤٥) وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ القمّيّ عن الباقر عليه السلام قال : أولوا القوّة في العبادة والبصر فيها.

(٤٦) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة لا شوب فيها هي ذِكْرَى الدَّارِ أي تذكّرهم للآخرة دائماً فانّ خلوصهم في الطاعة بسببها وذلك لأنّه كان مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون جوار الله والفوز بلقائه واطلاق الدار للاشعار بأنّها الدار الحقيقية والدنيا معبر.

(٤٧) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ.

٣٠٥

(٤٨) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ قيل هو ابن أخطوب استخلفه إلياس على بني إسرائيل ثمّ استنبأ وَذَا الْكِفْلِ هو يوشع بن نون كما مرّ في سورة الأنبياء وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ.

(٤٩) هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ مرجع.

(٥٠) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ.

(٥١) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ قيل الاقتصار على الفاكهة للاشعار بأنّ مطاعمهم لمحض التلذّذ فانّ التغذّي للتحلّل ولا تحلّل ثمّة.

(٥٢) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ لا ينظرن إلى غير أزواجهنّ أَتْرابٌ لدات بعضهنّ لبعض لا عجوز فيهنّ ولا صبيّة.

(٥٣) هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ لأجله وقرئ بالياء.

(٥٤) إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ انقطاع.

(٥٥) هذا الأمر هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ.

(٥٦) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ القمّيّ وهم الأوّل والثاني وبنو أميّة.

(٥٧) هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وقرئ بالتخفيف هو ما يغسق اي يسيل من صديد أهل النار.

والقمّيّ قال الغسّاق واد في جهنّم فيه ثلاثمائة وثلاثون قصراً في كلّ قصر ثلاثمائة بيت في كلّ بيت أربعون زاوية في كلّ زاوية شجاع في كلّ شجاع ثلاثمائة وثلاثون عقرباً في حمة كلّ عقرب ثلاثمائة وثلاثون قلّة من سمّ لو أنّ عقرباً نضحت سمّها على أهل جهنّم لوسعهم سمّها.

(٥٨) وَآخَرُ وقرئ واخَر على الجَمع مِنْ شَكْلِهِ قيل من مثل المذوق أو العذاب في الشدّة أو مثل الذائق أَزْواجٌ أصناف والقمّيّ وهم بنو العبّاس.

(٥٩) هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ حكاية ما يقال لرؤساء الطاغين إذا دخلوا النار

٣٠٦

ودخل معهم فوج تبعهم في الضلال والاقتحام ركوب الشدّة والدخول فيها.

في المجمع والقمّيّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّ النار تضيق عليهم كضيق الزجّ بالرمح لا مَرْحَباً بِهِمْ دعاء من المتبوعين على أتباعهم إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ القمّيّ فيقول بنو أميّة لا مَرْحَباً بِهِمْ.

(٦٠) قالُوا أي الاتباع للرّؤساء بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ بل أنتم أحقّ بما قلتم لضلالكم وإضلالكم أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا القمّيّ فيقول بنو فلان بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا بدأتم بظلم آل محمّد صلوات الله عليهم فَبِئْسَ الْقَرارُ فبئس المقرّ جهنّم.

(٦١) قالُوا القمّيّ ثمّ يقول بنو أميّة رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ وذلك ان تزيد على عذابه مثله فيصير ضعفين من العذاب قال يعنون الأوّل والثاني.

(٦٢) وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ القمّيّ ثمّ يقول اعداء آل محمّد صلوات الله عليهم في النار ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ في الدنيا وهم شيعة أمير المؤمنين عليه السلام.

(٦٣) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا هزواً صفة اخرى لرجالاً وقرئ بالضمّ وبهمزة الاستفهام على أنّه إنكار لأنفسهم وتأنيب لها في الاستسخار منهم أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ مالت فلا نريهم و «أم» معادلة ل ما لَنا لا نَرى على انّ المراد نفي رؤيتهم لغيبتهم كأنّهم قالوا ليسوا هاهنا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ أبصارنا.

(٦٤) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ فيما بينهم.

القمّيّ وذلك قول الصادق عليه السلام : انّكم لفي الجنّة تحبرون وفي النار تطلبون وزاد في البصائر : فلا توجدون.

وفي الكافي عنه عليه السلام قال : لقد ذكركم الله إذ حكى عن عدوّكم في النار بقوله وَقالُوا ما لَنا لا نَرى الآية قال والله ما عنى الله ولا أراد بهذا غيركم صرتم عند أهل هذا العالم من أشرار النّاس وأنتم والله في الجنّة تحبرون وفي النار تطلبون.

٣٠٧

وفي رواية : اما والله لا يدخل النّار منكم اثنان لا والله ولا واحد والله انّكم الّذين قال الله تعالى وَقالُوا ما لَنا الآية ثمّ قال : طلبوكم والله في النار فما وجدوا منكم أحداً وفي أخرى : إذا استقرّ أهل النار في النار يتفقّدونكم فلا يرون منكم أحداً فيقول بعضهم لبعض ما لَنا الآية قال وذلك قول الله تعالى إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ يتخاصمون فيكم كما كانوا يقولون في الدنيا.

وفي المجمع والجوامع : ما يقرب منه.

(٦٥) قُلْ يا محمّد للمشركين إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ أنذركم عذاب الله وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ الْواحِدُ الذي لا شريك له ولا يتبعّض الْقَهَّارُ لكل شيء.

(٦٦) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا منه خلقها وإليه أمرها الْعَزِيزُ الذي لا يغلب إذا عاقب الْغَفَّارُ الذي يغفر ما يشاء من الذنوب لمن يشاء وفي هذه الأوصاف تقرير للتوحيد ووعد ووعيد للموحّدين والمشركين وتكرير ما يشعر بالوعيد وتقديمه لأنّ المدّعى هو الانذار.

(٦٧) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ

(٦٨) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ قيل أي ما انبأكم به وقيل ما بعده من نبأ آدم.

والقمّيّ يعني أمير المؤمنين عليه السلام.

وفي البصائر عن الباقر عليه السلام : هو والله أمير المؤمنين عليه السلام وعن الصادق عليه السلام : النبأ الإِمامة.

(٦٩) ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ إذ الاطّلاع على كلام الملائكة وتقاولهم لا يحصل الّا بالوحي.

(٧٠) إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي الّا لانّما وقرئ انّما بالكسر على الحكاية.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام في حديث المعراج وقد مرّ صدوره في أوّل سورة بني إسرائيل (ع) قال : فلمّا انتهى به إلى سدرة المنتهى تخلّف عنه جبرئيل

٣٠٨

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله يا جبرئيل أفي هذا الموضع تخذلني فقال تقدّم امامك فوالله لقد بلغت مبلغاً لم يبلغه أحد من خلق الله قبلك فرأيت من نور ربّي وحال بيني وبينه السّبحة سئل الإِمام عليه السلام وما السّبحة فأومى بوجهه إلى الأرض وبيده إلى السماء وهو يقول جلال ربّي ثلاث مرّات قال يا محمّد قلت لبّيك يا ربّ قال فيم اختصم الملأ الأعلى قال قلت سبحانك لا علم لي الّا ما علّمتني قال فوضع يده اي يد القدرة بين كتفيّ فوجدت بردها بين ثديّي قال فلم يسألني عمّا مضى ولا عمّا بقي الّا علمته فقال يا محمّد فيم اختصم الملأ الأعلى قال قلت في الكفّارات والدرجات والحسنات فقال لي يا محمّد قد انقطع أكلك وانقضت نبوّتك فمن وصيّك فقلت يا ربّ قد بلوت خلقك فلم أر أحداً من خلقك أطوع لي من عليّ فقال ولي يا محمّد فقلت يا ربّ انّي قد بلوت خلقك فلم أر في خلقك أحداً أشدّ حبّاً لي من عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال ولي يا محمّد فبشّره بأنّه راية الهدى وإمام أوليائي ونور لمن أطاعني والكلمة التي ألزمتها المتّقين من أحبّه فقد أحبّني ومن أبغضه فقد أبغضني مع ما انّي اخصّه بما لم أخصّ به أحداً فقلت يا ربّ اخي وصاحبي ووزيري ووارثي فقال إنّه امر قد سبق انّه مبتلى ومبتلى به مع ما انّي قد نحلته ونحلته ونحلته ونحلته أربعة أشياء عقدها بيده ولا يفصح بها عقدها.

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : قال لي ربّي أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى فقلت لا قال اختصموا في الكفّارات والدّرجات فأمّا الكفّارات فإسباغ الوضوء في السبرات ونقل الأقدام الى الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة وامّا الدرجات فإفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة باللّيل والناس نيام.

وفي الخصال : بنحو آخر قريب منه.

(٧١) إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ.

(٧٢) فَإِذا سَوَّيْتُهُ عدّلت خلقته وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي وأحييته بنفخ الرّوح فيه واضافته إلى نفسه لشرفه وطهارته.

فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فخرّوا لَهُ ساجِدِينَ تكرمة وتبجيلاً له وقد مرّ الكلام فيه في سورة البقرة.

٣٠٩

(٧٣) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ.

(٧٤) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ تعظّم وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ في علم الله.

(٧٥) قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ.

في العيون والتوحيد عن الرضا عليه السلام قال : يعني بقدرتي وقوّتي.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : لو أنّ الله تعالى خلق الخلق كلّهم بيده لم يحتجّ في خلق آدم انّه خلقه بيده فيقول ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ أفترى الله يبعث الأشياء بيده أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ تكبّرت من غير استحقاق أو كنت ممّن علا واستحقّ التفوّق.

(٧٦) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ مرّ بيانه في سورة الأعراف.

(٧٧) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ.

(٧٨) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ.

(٧٩) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.

(٨٠) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ.

(٨١) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ مرّ بيانه في سورة الحجر.

(٨٢) قالَ فَبِعِزَّتِكَ فبسلطانك وقهرك لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ.

(٨٣) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ الّذين أخلصهم الله أو أخلصوا قلوبهم لله على اختلاف القراءتين.

(٨٤) قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ أي فاحقّ الحقّ وأقوله.

والقمّيّ فقال الله الحقّ اي انّك تفعل ذلك والحقّ أقوله وقرء برفع الأوّل على الابتداء اي الْحَقَ يميني أو الخبر اي انا الْحَقَ.

٣١٠

(٨٥) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ.

(٨٦) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ على التبليغ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ المتصنّعين.

في الكافي عن الباقر عليه السلام : قال لأعداء الله أولياء الشيطان اهل التكذيب والإنكار قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ يقول متكلّفاً ان أسألكم ما لستم بأهله فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض أما يكفي محمّداً صلّى الله عليه وآله أن يكون قهرنا عشرين سنة حتّى يريد أن يحمل أهل بيته على رقابنا فقالوا ما أنزل الله هذا وما هو إلّا شيء يتقوّله يريد أن يرفع أهل بيته على رقابنا ولئن قتل محمّد صلّى الله عليه وآله أو مات لننزعنّها من أهل بيته ثمّ لا نعيدها فيهم أبداً.

وفي التوحيد عن الرضا عن أمير المؤمنين عليهما السلام : انّ المسلمين قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وآله لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الإِسلام لكثر عددنا وقوينا على عدوّنا فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله ما كنت لألقى الله تعالى ببدعة لم يحدث إليّ فيها شيئاً وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ.

في الجوامع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : للمتكلّف ثلاث علامات ينازع من فوقه ويتعاطى ما لا ينال ويقول ما لا يعلم.

وفي الخصال عن الصادق عليه السلام عن لقمان : مثله.

وعنه عليه السلام : ومن العلماء من يضع نفسه للفتاوى ويقول سلوني ولعلّه لا يصيب حرفاً واحداً والله لا يحبّ الْمُتَكَلِّفِينَ فذاك في الدّرك السّادس من النار.

وفي مصباح الشريعة عنه عليه السلام قال : المتكلّف مخطئ وإن أصاب المتكلّف لا يستجلب في عاقبة أمره الّا الهوان وفي الوقت الّا التعب والعناء والشّقاء والمتكلّف ظاهره وباطنه نفاق وهما جناحان بهما يطير المتكلّف وليس في الجملة من اخلاق الصالحين ولا من اشعار المتّقين التكلّف في أيّ باب كان قال

٣١١

الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وآله قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ.

(٨٧) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ عظة لِلْعالَمِينَ.

(٨٨) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ من الوعد والوعيد بَعْدَ حِينٍ.

في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : عند خروج القائم عليه السلام.

في ثواب الأعمال والمجمع عن العيّاشي عن الباقر عليه السلام : من قرأ سورة ص في ليلة الجمعة أعطي من خير الدنيا والآخرة ما لم يعط أحداً من النّاس إلّا نبيّ مرسل أو ملك مقرّب وأدخله الله الجنّة وكلّ من أحبّ من أهل بيته حتّى خادمه الذي يخدمه وإن لم يكن في حدّ عياله ولا حدّ من يشفع فيه.

٣١٢

سُورة الزّمر

وتسمّى أيضاً سورة الغرف وهي مكيّة كُلّها

وقيل سوى ثلاث آيات نزلن بالمدينة قُلْ يا عِبادِيَ إلى آخرهن وقيل غير آية

قُلْ يا عِبادِيَ عدد آيها خمس وسبعون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.

(٢) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ من الشرك والرّياء.

(٣) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ لأنّه المتفرّد بصفات الالوهيّة والاطّلاع على الاسرار والضّمائر وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى بإضمار القول إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من أمور الدّين فيعاقب كلّا بقدر استحقاقه وقيل بإدخال المحقّ الجنّة والمبطل النار والضمير للكفرة ومقابليهم أو لهم ولمعبوديهم فانّهم يرجون شفاعتهم وهم يلعنونهم.

في الاحتجاج عن النبيّ صلّى الله عليه وآله في حديث : ثمّ اقبل صلّى الله عليه وآله على مشركي العرب فقال وأنتم فلم عبدتم الأصنام من دون الله فقالوا نتقرّب بذلك إلى الله تعالى فقال أو هي سامعة مطيعة لربّها عابدة له حتّى تتقرّبوا بتعظيمها إلى الله قالوا لا قال فأنتم الذين تنحتونها بأيديكم قالوا نعم قال فلان تعبدكم هي لو كان يجوز منها العبادة احْرى من أن تعبدوها إذا لم يكن أمركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم والحكيم فيما يكلّفكم.

وفي قرب الإسناد عن الصادق عن أبيه عليهما السلام : انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال إنّ الله تبارك وتعالى يأتي يوم القيامة بكلّ شيء يعبد من دونه من

٣١٣

شمس أو قمر أو غير ذلك ثمّ يسأل كلّ إنسان عمّا كان يعبد فيقول من عبد غيره ربّنا انّا كنّا نعبدها لتقرّبنا إليك زُلْفى قال فيقول الله تبارك وتعالى للملائكة اذهبوا بهم وبما كانوا يعبدون إلى النّار ما خلا من استثنيت فانّ أولئك عنها مبعدون إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي لا يوفّق للاهتداء إلى الحقّ مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ فانّهما فاقدا البصيرة.

لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً كما زعموا ونسبوا إليه الملائكة والمسيح وعزيز لَاصْطَفى لاختار مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ قيل أي ما كان يتّخذ الولد باختيارهم حتّى يضيفوا إليه من شاءوا بل كان يختص من خلقه من يشاء لذلك نظيره لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّاسُبْحانَهُ عن الشريك والصاحبة والولد هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ليس له في الأشياء شبيه ولا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم

كذا في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام في معنى واحديّته تعالى.

(٥) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ يغشى كلّ واحد منهما الآخر كأنّه يلفّ عليه لفّ اللّباس باللّابس أو يغيبه به كما يغيب الملفوف باللّفافة أو يجعله كاراً عليه كروراً متتابعاً تتابع أكوار العِمامة وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الغالب على كلّ شيء الْغَفَّارُ حيث لم يعاجل بالعقوبة.

(٦) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها قد سبق تفسيره في سورة النساء وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ أهلي ووحشيّ من البقر والضّان والمعز وبخاتيّ وعراب من الإبل كما مرّ بيانه في سورة الأنعام.

في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الآية قال : انزاله ذلك خلقه إيّاه يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ حيواناً سويّاً من بعد عظام مكسوّة لحماً من بعد عظام عارية من بعد مضغةٍ من بعد علقة من بعد نطفة في نهج البلاغة : أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام وشغف الأستار نطفة دهاقاً وعلقة محاقاً وجنيناً وراضعاً ووليداً ويافعاً فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ.

٣١٤

في المجمع عن الباقر عليه السلام والقمّيّ قال : ظلمة البطن وظلمة الرّحم وظلمة المشيمة.

وفي التوحيد عن الصادق عليه السلام مثله وزاد : حيث لا حيلة له في طلب غذاء ولا دفع أذى ولا استجلاب منفعة ولا دفع مضرّة فأنّه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات فلا يزال ذلك غذاؤه حتّى إذا أكمل خلقه واستحكم بدنه وقوي أديمه على مباشرة الهواء وبصره على ملاقاة الضّياء هاج الطلق بامّه فأزعجه أشدّ إزعاج فأعنفه حتّى يولد ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ الذي هذه أفعاله هو المستحقّ لعبادتكم والمالك لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إذ لا يشاركه في الخلق غيره فَأَنَّى تُصْرَفُونَ يعدل بكم عن عبادته الى الإشراك.

(٧) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ عن إيمانكم وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ لاستضرارهم به رحمة عليهم وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ لأنّه سَبَبُ فَلا حِكُمْ وقرئ بإسكان الهاء وبإشباع ضمّتها.

القمّيّ فهذا كفر النعم وفي المحاسن مرفوعاً : قال الكفر ها هنا الخلاف والشكر الولاية والمعرفة وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بالمحاسبة والمجازاة إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فلا يخفى عليه خافية من أعمالكم.

(٨) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ لزوال ما ينازع العقل في الدلالة على انّ مبدأ الكلّ منه سُبحانه ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ أعطاه تفضّلاً فانّ التحْويل مختصّ بالتفضّل نِعْمَةً مِنْهُ من الله نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ أي الضّرّ الذي كان يدعو الله الى كشفه مِنْ قَبْلُ من قبل النّعمة وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً شركاء لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وقرئ بفتح الياء قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ امر تهديد فيه اشعار بأنّ الكفر نوع تشهّى لا مستند له واقناط للكافرين من التمتّع في الآخرة القمّيّ نزلت في أبي فلان.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال نزلت في أبي الفصيل انّه كان رسول الله صلّى الله عليه وآله عنده ساحراً فكان إذا مسّه الضر يعني

٣١٥

السّقم دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ يعني تائباً إليه من قوله في رسول الله ما يقول ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ يعني العافية نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ يعني نسي التّوبة إلى الله تعالى ممّا كان يقول في رسول الله صلّى الله عليه وآله انّه ساحر ولذلك قال الله عزّ وجلّ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ يعني امْرتَكَ على الناس بغير حقّ من الله عزّ وجلّ ومن رسوله قال ثمّ عطف القول من الله عزّ وجلّ في عليّ عليه السلام يخبر بحاله وفضله عند الله تبارك وتعالى فقال.

(٩) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ انّ محمّداً رسول الله صلّى الله عليه وآله وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ انّ محمّداً رسول الله أو انّه ساحر كذّاب إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ثمّ قال هذا تأويله.

وفيه وفي العلل عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً قال : يعني صلاة اللّيل.

وفي الكافي عنه عليه السلام : إنّما نحن الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وعدوّنا الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ وشيعتنا أُولُوا الْأَلْبابِ.

وعن الصادق عليه السلام : لقد ذكرنا الله وشيعتنا وعدوّنا في آية واحدة من كتابه فقال قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الآية ثمّ فسّرها بما ذكر وعن الحسن المجتبى عليه السلام والقمّيّ أُولُوا الْأَلْبابِ هم أولو العقول وقرئ أمَنْ هو بتخفيف الميم.

(١٠) قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ بلزوم طاعته لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ الظّرف امّا متعلّق بأحسنوا أو بحسنة وعلى الأوّل تشمل الحسنة حسنة الدارين وعلى الثاني لا ينافي نيل حسنة الآخرة أيضاً والحسنة في الدنيا كالصحّة والعافية.

في الأمالي عن أمير المؤمنين عليه السلام : انّ المؤمن يعمل لثلث من الثواب امّا لخير فانّ الله يثيبه بعمله في دنياه ثمّ تلا هذه الآية ثمّ قال فمن أعطاهم الله في

٣١٦

الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ فمن تعسّر عليه التوفّر على الإحسان في وطنه فليهاجر الى حيث تمكّن منه إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ على مشاقّ الطاعة من احتمال البلاء ومهاجرة الأوطان لها أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ اجر لا يهتدي إليه حساب الحساب.

العيّاشي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إذا نشرت الدواوين ونصبت الموازين لم ينصب لأهل البلاء ميزان ولم ينشر لهم ديوان ثمّ تلا هذه الآية.

وفي الكافي عنه عليه السلام : إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنّة فيضربونه فيقال لهم من أنتم فيقولون نحن أهل الصبر فيقال لهم على ما صبرتم فيقولون كنّا نصبر على طاعة الله ونصبر عن معاصي الله فيقول الله عزّ وجلّ صدقوا أدخلوهم الجنّة وهو قول الله عزّ وجلّ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ.

(١١) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ موحّداً له.

(١٢) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ مقدّمهم في الدنيا والآخرة.

(١٣) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بترك الإخلاص عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

(١٤) قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي امتثالاً لأمره.

(١٥) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ تهديد وخذلان لهم قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الكاملين في الخسران الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : يقول غُبِنُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ.

(١٦) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ اطباق منها تظلّهم وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ أطباق قيل وهي ظلل الآخرين ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ ذلك العذاب هو الذي

٣١٧

يخوّفهم به ليجتنبوا ما يوقعهم فيه يا عِبادِ فَاتَّقُونِ ولا تتعرّضوا لما يوجب سخطي.

(١٧) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ البالغ غاية الطّغيان أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ واقبلوا إليه بشراشرهم عمّا سواه لَهُمُ الْبُشْرى بالثواب على ألسنة الرّسل وعلى السنة الملائكة عند حضور الموت.

في المجمع عن الصادق عليه السلام قال : أنتم هم ومن أطاع جبّاراً فقد عبده فَبَشِّرْ عِبادِ.

(١٨) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ يميّزون بين الحقّ والباطل ويؤثرون الأفضل.

في الكافي عن الكاظم عليه السلام : انّ الله بشّر أهل العقل والفهم في كتابه فقال فَبَشِّرْ.

وعن الصادق عليه السلام : هو الذي يسمع الحديث فيحدّث به كما سمعه لا يزيد فيه ولا ينقص منه ، وفي رواية : هم المسلّمون لآل محمّد صلوات الله عليهم الّذين إذا سمعوا الحديث لم يزيدوا فيه ولم ينقصوا منه جاؤوا به كما سمعوه أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ لدينه وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ العقول السّليمة عن منازعة الوهم والعادة.

(١٩) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ إنكار واستبعاد لانقاذه من حقّ عليه الكلمة من النّار بالسعي في دعائه الى الإِيمان ودلالة على أنّ من حكم عليه بالعذاب كالواقع فيه لامتناع الخلف فيه.

(٢٠) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ علا بعضها فوق بعض مَبْنِيَّةٌ بنيت بناء المنازل على الأرض تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ.

في الكافي والقمّيّ عن الباقر عليه السلام : سأل عليّ رسول الله صلوات الله عليهما عن تفسير هذه الآية بما ذا بنيت هذه الغرف يا رسول الله فقال يا عليّ عليه

٣١٨

السلام تلك غرف بناها الله لأوليائه بالدّرّ والياقوت والزبرجد سقوفها الذّهب محبوكة بالفضّة لكلّ غرفة منها ألف باب من ذهب على كلّ باب منها ملك موكّل به وفيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير والديباج بألوان مختلفة وحشوها المسك والعنبر والكافور وذلك قول الله تعالى وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ الحديث وقد سبق بعضه في سورة الفاطر وبعضه في سورة الرعد.

(٢١) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ عيوناً وركايا ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ يثور عن منبته بالجفاف فَتَراهُ مُصْفَرًّا من يبسه ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً فتاتاً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لتذكير آياته لا بدّ من صانع حكيم دبّره وسوّاه وبأنّه مثل الحياة الدنيا فلا يغترّ بها لِأُولِي الْأَلْبابِ إذ لا يتذكّر به غيرهم.

(٢٢) أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ حتّى تمكّن فيه بيسر فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ.

في روضة الواعظين عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّه قرء هذه الآية فقال إنّ النّور إذا وقع في القلب انفسخ له وانشرح قالوا يا رسول الله فهل لذلك علامة يعرف بها قال التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله.

والقمّيّ قال نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام والعامّة نزلت في حمزة وعليّ وما بعده في أبي لهب وولده فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ من اجل ذكره وهي أشدّ تأبّياً عن قبوله من القاسي عنه بسبب آخر فمن ابلغ هنا.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : القسوة والرقّة من القلب وهو قوله فَوَيْلٌ الآية أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.

(٢٣) اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ يعني القرآن كِتاباً مُتَشابِهاً يشبه بعضه بعضاً في الإِعجاز وتجاوب النّظم وصحّة المعنى والدلالة على المنافع العامّة كذا قيل مَثانِيَ

٣١٩

ثنيّ فيه القول يتكرّر كذا ورد في أحد وجوه تسمية فاتحة الكتاب بها وقد مرّ لها معان اخر في سورة الحجر وانّما وصف الواحد بالجمع لأنّ الكتاب جملة ذات تفاصيل وان جعل مثاني تميزاً لمتشابهاً يكون المعنى متشابهة تصاريفه قيل الفائدة في التكرير والتّثنية انّ النفوس تنفر عن النصيحة والمواعظ فما لم يكرّر عليها عوداً بعد بدء لم يرسخ فيها.

أقولُ : وهو قوله سبحانه وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَتَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ تنقبض وتشمئزّ خوفاً ممّا فيه من الوعيد وهو مثل في شدّة الخوف.

في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : إذا اقشعرّ جلد العبد من خشية الله تتحاتّ عنه ذنوبه كما يتحاتّ عن الشجرة اليابسة ورقها ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ تطمئنّ إليه بالرّحمة وعموم المغفرة ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ ومن يخذله فَما لَهُ مِنْ هادٍ يخرجه من الضلال.

(٢٤) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ يجعله درعه يقي به نفسه لأنّه يكون مغلولة يداه الى عنقه فلا يقدر أن يتّقي الّا بوجهه سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ كمن هو آمن منه فحذف الخبر كما حذف في نظائره وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ أي لهم فوضع الظاهر موضعه تسجيلاً عليهم بالظّلم واشعاراً بالموجب لما يقال لهم ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ أي وباله.

(٢٥) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ من الجهة التي كانت لا تخطر ببالهم انّ الشرّ يأتيهم منها.

(٢٦) فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ الذلّ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا كالمسخ والخسف والقتل والسّبي والاجلاء وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ المعدّ لهم أَكْبَرُ لشدّته ودوامه لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. لاعتبروا به واجتنبوا عنه.

(٢٧) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ يحتاج إليه النّاظر في أمر دينه لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ يتّعظون به.

٣٢٠