تفسير الصّافي - ج ٤

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤١٢

سُورة الأحزاب

(مدنية وهي ثلاث وسبعون آية بالاجماع

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ

القمّيّ وهذا هو الذي قال الصادق عليه السلام : انّ الله بعث نبيّه بإيّاك أعني واسمعي يا جارة فالمخاطبة للنبيّ صلّى الله عليه وآله والمعنى للنّاس في المجمع : نزلت في أبي سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور السلمي قدموا المدينة ونزلوا على عبد الله بن أبيّ بعد غزوة أحد بأمان من رسول الله صلّى الله عليه وآله يكلموه فقاموا وقام معهم عبد الله بن ابي وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبي بيرق فدخلوا على رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالوا يا محمّد ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزىّ ومنات وقل إنّ لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربّك فشقّ ذلك على رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال عمر بن الخطّاب ائذن لنا يا رسول الله في قتلهم فقال إنّي أعطيتهم الأمان وأمر (ص) فاخرجوا من المدينة ونزلت الآية وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ من أهل مكّة أبا سفيان وأبا الأعور وعكرمة والْمُنافِقِينَ ابن أبيّ وابن سعد وطعمه إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً بالمصالح والمفاسد حَكِيماً لا يحكم الّا بما يقتضيه الحكمة.

(٢) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً وقرئ بالياء.

(٣) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً

(٤) ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ما جمع قلبين في جوف ردّ لما زعمت العرب من انّ اللّبيب الأريب له قلبان.

١٦١

في المجمع : نزلت في أبي معمّر حميد بن معمّر بن حبيب الفهريّ وكان لبيباً حافظاً لما يسمع وكان يقول إنّ في جوفي لقلبين أعقل بكلّ واحد منهما أفضل من عقل محمّد صلّى الله عليه وآله وكانت قريش تسمّه ذا القلبين فلمّا كان يوم بدر وهزم المشركون وفيهم أبو معمّر يلقاه أبو سفيان بن حرب وهو أخذ بيده احدى نعليه والأخرى في رجله فقال له يا أبا معمّر ما حال الناس قال انهزموا قال فما بالك احدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك فقال أبو معمّر ما شعرت الّا أنهما في رجلي فعرفوا يومئذ انّه لم يكن له الّا قلب واحد لما نسي نعله في يده.

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام قال قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام : لا يجتمع حبّنا وحبّ عدوّنا في جوف إنسان انّ الله لم يجعل لرجل قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ فيحبّ بهذا ويبغض بهذا فأمّا محبّنا فيخلص الحبّ لنا كما يخلص الذهب بالنّار لا كدر فيه فمن أراد أن يعلم حبّنا فليمتحن قلبه فان شارك في حبّنا حبّ عدوّنا فليس منا ولسنا منه والله عدوّهم وجبرئيل وميكائيل والله عدوّ للكافرين.

وفي الأمالي : ما يقرب منه.

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام : ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ يحبّ بهذا قوماً ويحبّ بهذا أعداءهم.

وفي مصباح الشريعة عنه عليه السلام : فمن كان قلبه متعلّقاً في صلاته بشيء دون الله فهو قريب من ذلك الشيء بعيد عن حقيقة ما أراد الله منه في صلاته ثمّ تلا هذه الآية وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي وقرئ بالياء وحده بدون همزة تُظاهِرُونَ مِنْهُنَ وقرئ بضمّ التاء وتشديد الظّاء وبحذف الالف وتشديد الظاء والهاء أُمَّهاتِكُمْ (١) وما جمع الزوجيّة والأمومة في امرأة ردّ لما زعمت العرب انّ من قال لزوجته أنت عليّ كظهر امّي صارت زوجته كالأمّ له ويأتي تمام الكلام فيه في سورة المجادلة إن شاء الله وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ وما جمع الدّعوة والبنوّة في رجل ردّ لما زعمت العرب انّ

__________________

(١) يقال : ظاهر من امرأته وتظاهر وتظهر : وهو أن يقول لها «انت عليّ كظهر أمي» وكانت العرب تطلق نساءها في الجاهلية بهذا اللفظ فلما جاء الإسلام نهى عنه وأوجب عليه الكفّارة.

١٦٢

دعي الرّجل ابنه ولذلك كانوا يقولون لزيد بن حارثة الكلبي عتيق رسول الله ابن محمّد صلّى الله عليه وآله.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام قال : كان سبب ذلك ان رسول الله لمّا تزوّج خديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة لها ورأى زيداً يباع ورآه غلاماً كيّسا حصيفاً فاشتراه فلمّا نُبِّىءَ رسول الله صلّى الله عليه وآله دعاه الى الإسلام فأسلم وكان يدعى زيد مولى محمّد صلّى الله عليه وآله فلمّا بلغ حارثة بن شراحيل الكلبيّ خبر ولده زيد قدم مكّة وكان رجلاً جليلاً فأتى أبا طالب فقال يا أبا طالب انّ ابني وقع عليه السّبي وبلغني انّه صار الى ابن أخيك تسأله امّا أن يبيعه وامّا أن يفاديه وامّا أن يعتقه فكلّم أبو طالب رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله هو حرّ فليذهب حيث شاء فقام حارثة فأخذ بيد زيد فقال له يا بني الحق بشرفك وحسبك فقال زيد لست أفارق رسول الله صلّى الله عليه وآله أبداً فقال له أبوه فتدع حسبك ونسبك وتكون عبداً لقريش فقال زيد لست أفارق رسول الله ما دمت حيّاً.

فغضب أبوه فقال يا معشر قريش اشهدوا أنّي قد برئت منه وليس هو ابني فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله اشهدوا انّ زيد ابني أرثه ويرثني فكان يدعى زيد ابن محمّد وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يحبّه وسمّاه زيد الحب فلمّا هاجر رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى المدينة زوّجه زينب بنت جحش وأبطأ عنه يوماً فأتي رسول الله صلّى الله عليه وآله منزله يسأله عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيباً بفهر لها فدفع رسول الله صلّى الله عليه الباب فنظر إليها وكانت جميلة حسنة فقال سبحان الله خالق النّور فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ثمّ رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله الى منزله ووقعت زينب في قلبه موقعاً عجيباً وجاء زيد الى منزله فأخبرته زينب بما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال لها زيد هل لك أن أطلّقك حتّى يتزوّجك رسول الله صلّى الله عليه وآله فعلّك قد وقعت في قلبه فقالت أخشى إن تطلّقني ولا يتزوّجني رسول الله صلّى الله عليه وآله فجاء زيد إلى رسول الله فقال بأبي أنت وأمّي يا رسول الله اخبرتَني زينب بكذا وكذا فهل لك أن اطلّقها حتّى تتزوّجها فقال له رسول الله

١٦٣

صلى الله عليه وآله لا اذهب واتّق الله وأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ثمّ حكَى الله عزّ وجلّ فقال أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها إلى قوله وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً فزوّجه الله تعالى من فوق عرشه فقال المنافقون يحرّم علينا نساء أبنائنا ويتزوّج امرأة ابنه زيد فأنزل الله عزّ وجلّ في هذا وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ إلى قوله يَهْدِي السَّبِيلَ.

أقولُ : ويأتي قصّة تزويج زينب من رسول الله صلّى الله عليه وآله بنحو آخر في هذه السورة إن شاء الله ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ لا حقيقة له كقول من يهذي وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَ ما له وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ سبيل الحقّ.

(٥) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ انسبوهم إليهم هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ اعدل أريد به مطلق الزيادة لا التفضيل ومعناه البالغ في الصدق فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ لتنسبوهم إليهم فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ فهم إخوانكم في الدين ومواليكم وأولياؤكم فيه فيقولوا هذا أخي ومولاي بهذا التّأويل وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ ولا اثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين قبل النهي أو بعده على النسيان أو سبق اللّسان وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً يعفو عن المخطي.

(٦) النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ يعني أولى بهم في الأمور كلّها فإنّه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلّا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس فلذلك اطلق فيجب عليهم أن يكون أحبّ إليهم من أنفسهم وأمره انفذ عليهم من أمرها وشفقتهم عليه اتمّ من ضفقتهم عليها.

في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّه لمّا أراد غزوة تبوك وامر النّاس بالخروج قال قوم نستأذن آبائنا وامّهاتنا فنزلت هذه الآية.

وعن الباقر والصادق عليهما السلام : انّهما قرءا وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وهو أبٌ لهم

١٦٤

والقمّيّ قال نزلت وهو أب لهم.

أقول : يعني في الدين والدنيا جميعاً أمّا في الدين فانّ كلّ نبيّ أبٌ لامّته من جهة انّه اصل فيما به الحياة الابديّة ولذلك صار المؤمنون إخوة وورد أيضاً عن النبيّ صلّى الله عليه وآله انّه قال : انا وعليّ أبوا هذه الأمّة كما مرّ في سورة البقرة وذلك لأنّهما في هذا المعنى سواء إلّا أنّ عليّاً بعد النبيّ وأمّا في الدنيا فلالزام الله إيّاه مؤنتهم وتربيته أيتامهم ومن يضيع منهم.

القمّيّ جعل الله عزّ وجلّ المؤمنين أولاد رسول الله صلّى الله عليه وآله وجعل رسول الله أباهم لمن لم يقدر أن يصون نفسه ولم يكن له مال وليس له على نفسه ولاية فجعل الله تعالى لنبيّه الولاية على المؤمنين وجعله أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وهو قول رسول الله صلّى الله عليه وآله بغدير خم : أيّها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا بلى.

ثمّ أوجب لأمير المؤمنين عليه السلام ما أوجبه لنفسه عليهم من الولاية فقال : الا من كنت مولاه فعليّ مولاه فلمّا جعل الله النبيّ صلّى الله عليه وآله اباً للمؤمنين ألزمه مؤنتهم وتربية أيتامهم فعند ذلك صعد رسول الله صلّى الله عليه وآله المنبر فقال : من ترك مالاً فلورثته ومن ترك ديناً أو ضياعاً فعليَّ وإليَ فألزم الله نبيّه للمؤمنين ما يلزم الوالد للولد وألزم المؤمنين من الطاعة له ما يلزم الولد للوالد فكذلك ألزم أمير المؤمنين ما ألزم رسول الله من بعد ذلك وبعده الأئمّة واحداً واحداً قال والدليل على أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام هما والدان قوله وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً فالوالدان رسول الله صلّى الله عليه وأمير المؤمنين عليه السلام.

وقال الصادق عليه السلام : فكان إسلام عامّة اليهود بهذا السبب لأنّهم أمنوا على أنفسهم وعيالاتهم.

وفي العلل عن الكاظم عليه السلام : انّه سئل لم كنّي النبيّ صلّى الله عليه وآله

١٦٥

بأبي القاسم فقال لأنّه كان له ابن يقال له القاسم فكنّي به فقال السائل يا بن رسول الله هل تراني اهلاً للزيادة فقال نعم أما علمت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال أنا وعليّ أبوا هذه الأمّة قال بلى قال أما علمت أن رسول الله صلّى الله عليه وآله أبٌ لجميع أمّته وعليّ منهم قال بلى قال أما علمت أنّ علياً عليه السلام قاسم الجنّة والنّار قال بلى قال.

فقيل له أبو القاسم لأنّه أبو قاسم الجنّة والنار قال بلى قال وما معنى ذلك فقال إنّ شفقة النبيّ صلّى الله عليه وآله على أمّته كشفقة الآباء على الأولاد وأفضل امّته عليّ عليه السلام ومن بعده شفقة عليّ عليه السلام عليهم كشفقته لأنّه وصيّه وخليفته والإمام من بعده فلذلك قال أنا وعليّ أبوا هذه الأمّة وصعد النبيّ صلّى الله عليه وآله المنبر فقال من ترك ديناً أو ضياعاً فعليّ وإليّ ومن ترك مالاً فلورثته فصار بذلك أولى من آبائهم وامّهاتهم وصار أولى بهم من أنفسهم وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام بعده جرى ذلك له مثل ما جرى لرسول الله صلّى الله عليه وآله.

وفي الكافي عن سليم بن قيس قال سمعت عبد الله بن جعفر الطيّار يقول : كنا عند معاوية أنا والحسن والحسين عليهما السلام وعبد الله بن عبّاس وعمر بن أمّ سلمة وأسامة بن زيد فجرى بيني وبين معاوية كلام فقلت لمعاوية سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول أنا أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ثمّ أخي عليّ بن أبي طالب أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فإذا استشهد فالحسن بن علي أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ثمّ ابني الحسين من بعده أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فإذا استشهد فابنه عليّ بن الحسين أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وستدركه يا عليّ ثمّ ابنه محمّد بن عليّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وستدركه يا حسين ثمّ تكملة اثني عشر إماماً تسعة من ولد الحسين عليهم السلام.

قال عبد الله بن جعفر : واستشهدت الحسن والحسين وعبد الله بن عبّاس وعمر ابن أمّ سلمة وأسامة بن زيد فشهدوا لي عند معاوية قال سليم : وقد سمعت ذلك من سلمان وأبي ذرّ والمقداد وذكروا انّه سمعوا ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وآله.

١٦٦

وعن الصادق عليه السلام : انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه وعليّ أولى به من بعدي فقيل له ما معنى ذلك فقال قول النبيّ صلّى الله عليه وآله من ترك دَيناً أو ضياعاً فعليّ وإليّ ومن ترك مالاً فلورثته فالرجل ليست على نفسه ولاية إذا لم يكن له مال وليس له على عياله امر ولا نهي إذا لم يجر عليهم النفقة والنبيّ وأمير المؤمنين ومن بعدهما سلام الله عليهم الزمهم هذا فمن هناك صاروا أولى بهم من أنفسهم وما كان سبب إسلام عامّة اليهود الّا من بعد هذا القول من رسول الله صلّى الله عليه وآله وانّهم أمنوا على أنفسهم وعيالاتهم.

وفي نهج البلاغة في حديث له قال : فو الله إنّي لأولى الناس بالناس وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ منزّلات منزلتهنّ في التحريم مطلقاً وفي استحقاق التعظيم ما دمن على طاعة الله.

في الكافي عن الباقر عليه السلام في حديث : وأزواج رسول الله صلّى الله عليه وآله في الحرمة مثل أمّهاتهم.

وفي الإكمال عن القائم عليه السلام : انّه سئل عن معنى الطلاق الذي فوّض رسول الله حكمه الى أمير المؤمنين عليه السلام قال إنّ الله تقدّس اسمه عظّم شأن نساء النبيّ صلّى الله عليه وآله فخصهنّ بشرف الامّهات فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله يا أبا الحسن إنّ هذا الشرف باق ما دمن على الطاعة فأيّتهنّ عصت الله بَعدي بالخروج عليك فأطلقها في الأزواج وأسقطها من تشرّف الامّهات ومن شرف أمومة المؤمنين وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ في حكمه المكتوب.

القمّيّ قال نزلت في الإمامة.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : انّه سئل عن هذه الآية فيمن نزلت قال نزلت في الامرة إنّ هذه الآية جرت في ولد الحسين عليه السلام من بعده فنحن أولى بالأمر وبرسول الله صلّى الله عليه وآله من المهاجرين والأنصار.

أقولُ : وقد مضت هذه الآية بعينها في آخر سورة الأنفال وانّها نزلت في نسخ التوارث بالهجرة والنصرة والتوفيق بنزول هذه في الامرة وتلك في الميراث لا يلائم

١٦٧

الاستثناء في هذه الآية ولا ما يأتي في بيانه الّا أن يقال إنّ الامرة تأويل كما يستفاد ممّا يأتي نقلاً من العلل عند قوله تعالى أَنَّما يُرِيدُ اللهُ الآية وبالتّعميم في الآيتين يرتفع التخالف مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ صلة لأولي الأرحام اي أُولُوا الْأَرْحامِ بحقّ القرابة أولى بالامرة أو بالميراث مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بحقّ الدين والْمُهاجِرِينَ بحقّ الهجرة وان حملنا الآية على الميراث احتمل أيضاً أن يكون بياناً لأولي الأرحام إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً يعني به الوصيّة.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : انّه سئل أيّ شيء للموالي فقال ليس لهم من الميراث إلّا ما قال الله عزّ وجلّ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً أي ما ذكر في الآيتين في اللّوح ثابت كذا قيل.

(٧) وَإِذْ أَخَذْنا مقدّر باذكر مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً القمّيّ قال وهذه الواو زيادة في قوله وَمِنْكَ انَّما هُوَ مِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ فأخذ الله عزّ وجلّ الميثاق لنفسه على الأنبياء ثمّ أخذ لنبيّه صلّى الله عليه وآله على الأنبياء والأئمّة عليهم السلام ثمّ أخذ للأنبياء على رسوله

(٨) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ فعلنا ذلك ليسأل الله يوم القيامة الأنبياء الذين صدقوا عهدهم فيظهر صدقهم وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً كأنّه قيل فأثاب المؤمنين وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ

(٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ يعني الأحزاب وهم قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً ريح الدبور وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها الملائكة وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً من حفر الخندق وقرئ بالياء يعني من التحزّب والمحاربة.

(١٠) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ من على الوادي وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ من أسفل الوادي وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ مالت عن مستوى نظرها حيرة وشخوصاً وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ رعباً فانّ الريّة تنتفخ من شدّة الرّوع فترتفع بارتفاعها الى رأس الحنجرة وهي منتهى الحلقوم وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا الأنواع من الظنّ وقرئ بحذف الألف في

١٦٨

الوصل ومطلقاً.

(١١) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ اختبروا فظهر المخلص من المنافق والثابت من المتزلزل وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً من شدّة الفزع.

(١٢) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ من الظفر وإعلاء الدين إِلَّا غُرُوراً وعداً باطلاً.

(١٣) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ اهل مدينة لا مُقامَ لَكُمْ لا موضع قيام لكم هاهنا وقرئ بضمّ الميم على أنّه مكان أو مصدر من الإقامة فَارْجِعُوا الى منازلكم هاربين وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَ للرّجوع يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ غير حصينة وأصلها الخلل وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ.

في المجمع عن الصادق عليه السلام : بل هي رفيعة السّمك حصينة.

والعيّاشي عن الباقر عليه السلام : كان بيوتهم في أطراف البيوت حيث ينفرد الناس فاكذبهم قال وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً من القتال.

(١٤) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها من جوانبها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ الردّة ومقاتلة المسلمين لَآتَوْها لأعطوها وقرء بالقصر وَما تَلَبَّثُوا بِها بالفتنة أي بإعطائها إِلَّا يَسِيراً.

(١٥) وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً عن الوفاء به.

(١٦) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ فإنّه لا بدّ لكلّ احد من حتف انف أو قتل في وقت معيّن سبق به القضاء وجرى عليه القلم وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً أي وان نفعكم الفرار مثلاً فمتْعتم بالتّأخير لم يكن ذلك التمتيع الّا تمتيعاً أو زماناً قليلاً.

(١٧) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا ينفعهم وَلا نَصِيراً يدفع الضرر عنهم.

١٦٩

(١٨) قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ المثبطين عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وهم المنافقون وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا قرّبوا أنفسكم إلينا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً ولا يقاتلون إِلَّا قَلِيلاً.

(١٩) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ قيل بخلاء عليكم بالمعاونة أو النفقة في سبيل الله أو الظفر والغنيمة فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ في احداقهم كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ كنظر المغشيّ عليه مِنَ الْمَوْتِ من معالجة سكرات الموت خوفاً ولواذاً بك فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ وحيّزت الغنائم سَلَقُوكُمْ ضربوكم بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ ذربة يطلبون الغنيمة والسلق البسط والقهر باليد أو باللّسان أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا اخلاصاً فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً هيّناً.

(٢٠) يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا أي هؤلاء لجبنهم يظُّنُون انّ الأحزاب لم ينهزموا وقد انهزموا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ كرٌة ثانية يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ تمنّوا أنّهم خارجون إلى البدو وحاصلون بين الأعراب يَسْئَلُونَ كلّ قادم من جانب المدينة عَنْ أَنْبائِكُمْ عمّا جرى عليكم وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ هذه الكرّة ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً رياء وخوفاً عن التعيير.

القمّيّ : نزلت هذه الآيات في قصّة الأحزاب من قريش والعرب الذين تحزّبوا على رسول الله قال وذلك ان قريشا تجمّعت في سنة خمس من الهجرة وساروا الى العرب وجلبوا واستفزّوهم لحرب رسول الله صلّى الله عليه وآله فوافوا في عشرة آلاف ومعهم كنانة وسليم وفزارة وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله حين إجلا بني النضير وهم بطن من اليهود من المدينة وكان رئيسهم حيّ بن أخطب وهم يهود من بني هارون على نبيّنا وآله وعليه السلام فلمّا أجلاهم من المدينة صاروا الى خيبر وخرج حيّ بن أخطب الى قريش بمكّة وقال لهم انّ محمّداً قد وتركم ووترنا وأجلانا من المدينة من ديارنا وأموالنا وأجلى بني عمّنا بني قنيقاع فسيروا في الأرض واجمعوا حلفائكم وغيرهم حتّى نسير إليهم فانّه قد بقي من قومي بيثرب سبع مائة مقاتل وهم بنو قريظة وبينهم وبين محمّد عهد وميثاق وأنا أحملهم على نقض العهد بينهم وبين محمّد

١٧٠

ويكونون معنا عليهم فتأتون أنتم من فوق وهم من أسفل وكان موضع بني قريظة من المدينة على قدر ميلين وهو الموضع الذي يسمّى بئر بني المطّلب فلم يزل يسير معهم حيّ بن أخطب في قبايل العرب حتّى اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش وكنانة والأقرع بن حابس في قومه وعبّاس بن مرداس في بني سليم فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله فاستشار أصحابه وكانوا سبعمائة رجل فقال سلمان الفارسيّ (ره) يا رسول الله إنّ القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة قال فما نضع قال نحفر خندقاً يكون بينك وبينهم حجاباً فيمكنك معهم المطاولة ولا يمكنهم أن يأتونا من كلّ وجه فانّا كنّا معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم من عدوّنا نحفر الخنادق فتكون الحرب من مواضع معروفة فنزل جبرئيل على رسول الله فقال أشار بصواب فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بمسحه من ناحية أحد إلى راتج وجعل على كلّ عشرين خطوة وثلاثين خطوة قوم من المهاجرين والأنصار يحفرونه فحملت المساحي والمعاول وبدأ رسول الله صلّى الله عليه وآله وأخذ معولاً فحفر في موضع المهاجرين بنفسه وأمير المؤمنين عليه السلام ينقل التراب من الحفرة حتّى عرق رسول الله صلّى الله عليه وآله وعي وقال لا عيش الّا عيش الآخرة اللهمّ اغفر للأنصار والمهاجرين فلمّا نظر النّاس إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله يحفر اجتهدوا في الحفر ونقلوا التراب فلمّا كان في اليوم الثاني بكروا الى الحفر وقعد رسول الله صلّى الله عليه وآله في مسجد الفتح فبينا المهاجرون والأنصار يحفرون إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه فبعثوا جابر بن عبد الله الأنصاري إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله يعمله بذلك قال جابر فجئت إلى المسجد ورسول الله مستلق على قفاه ورداؤه تحت رأسه وقد شدّ على بطنه حجراً فقلت يا رسول الله انّه قد عرض لنا جبل لا تعمل المعاول فيه فقام مسرعاً حتّى جاءه ثمّ دعا بماء في إناء فغسل وجهه وذراعيه ومسح على رأسه ورجليه ثمّ شرب ومجّ من ذلك الماء في فيه ثمّ صبّه على ذلك الحجر ثمّ أخذ معولاً فضرب ضربة فبرقت برقة نظرنا فيها الى قصور الشام ثمّ ضرب اخرى فبرقت برقة نظرنا فيها الى قصور المدائن ثمّ ضرب اخرى فبرقت برقة اخرى فنظرنا فيها الى قصور اليمن فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله اما انه سيفتح الله عليكم هذه المواطن التي برقت

١٧١

فيها البرق ثمّ انهال علينا الجبل كما ينهال الرّمل فقال جابر فعلمت انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله مقوى أي جائع لما رأيت على بطنه الحجر فقلت يا رسول الله هل لك في الغذاء قال ما عندك يا جابر فقلت عناق وصاع من شعير فقال تقدّم وأصلح ما عندك قال جابر فجئت الى أهلي فأمرتها فطحنت الشعير وذبحت العنز وسلختها وأمرتها ان تخبز وتطبخ وتشوي فلمّا فرغت من ذلك جئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقلت بأبي أنت وأمّي يا رسول الله قد فرغنا فاحضر مع من أجبت فقام الى شفير الخندق ثمّ قال يا معاشر المهاجرين والأنصار أجيبوا جابر قال جابر وكان في الخندق سبعمائة رجل فخرجوا كلّهم ثمّ لم يمر بأحد من المهاجرين والأنصار الّا قال أجيبوا جابر فتقدّمت فقلت لأهلي قد والله أتاك محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله بما لا قبل لك به فقالت أعلمته أنت بما عندنا قال نعم قالت فهو أعلم بما أتى قال جابر فدخل رسول الله صلّى الله عليه وآله فنظر في القدر ثمّ قال اغرفي وابقي ثمّ نظر في التنّور ثمّ قال اخرجي وابقي ثمّ دعا بصحفة وثرد فيها وغرف فقال يا جابر ادخل عليَّ عشرة عشرة فأدخلت عشرة فأكلوا حتّى نهلوا وما يرى في القصعة الّا اثار أصابعهم ثمّ قال يا جابر عليَّ بالذّراع فأتيته بالذّراع فأكلوه ثمّ قال ادخل عليّ عشرة فأدخلتهم حتّى أكلوا ونهلوا أو ما يرى في القصعة الّا آثار أصابعهم ثمّ قال يا جابر عليّ بالذراع فأكلوا وخرجوا ثمّ قال : ادخل عليّ عشرة فأدخلتهم فأكلوا حتى نهلوا وما ترى في القصعة إلّا آثار أصابعهم ثمّ قال عليّ بالذراع فأتيته فقلت يا رسول الله كم للشّاة من الذّراع قال ذراعان فقلت والذي بعثك بالحقّ لقد أتيتك بثلاثة فقال اما لو سكتّ يا جابر أكل الناس كلّهم من الذراع قال جابر فأقبلت ادخل عشرة عشرة فيأكلون حتّى أكلوا كلّهم وبقي والله لنا من ذلك الطعام ما عشنا به ايّاماً قال وحفر رسول الله صلّى الله عليه وآله الخندق وجعل له ثمانية أبواب وجعل على كل باب رجلاً من المهاجرين ورجلاً من الأنصار مع جماعة يحفظونه وقدمت قريش وكنانة وسليم وهلال فنزلوا الزغابة ففرغ رسول الله صلّى الله عليه وآله من حفر الخندق قبل قدوم قريش بثلاثة أيّام وأقبلت قريش ومعهم حيّ بن أخطب فلمّا نزلوا العقيق جاء حيّ بن أخطب الى بني قريظة في جوف اللّيل وكانوا في احصنهم قد تمسّكوا بعهد رسول الله (ص) فدقّ باب الحصن فسمع كعب بن أسيد فقال لأهله هذا قرع الباب أخوك قد شأم قومه وجاء الآن يشأمنا ويهلكنا ويأمرنا نقض العهد بيننا

١٧٢

وبين محمّد صلّى الله عليه وآله وقد وفي لنا محمّد صلّى الله عليه وآله وأحسن جوارنا فنزل إليه من غرفته فقال له من أنت قال حيّ بن أخطب قد جئتك بعزّ الدّهر فقال كعب بل جئتني بذلّ الدهر فقال كعب هذه قريش في قادتها وسادتها قد نزلت بالعقيق مع حلفائهم من كنانة وهذه فزارة مع قادتها وسادتها قد نزلت الزغابة وهذه سليم وغيرهم قد نزلوا حصن بني ذبيان ولا يفلت محمّد وأصحابه من هذا الجمع أبداً فافتح الباب وانقض العهد الذي بينك وبين محمّد صلّى الله عليه وآله فقال كعب لست بفاتح لك الباب ارجع من حيث جئت فقال حيّ ما يمنعك من فتح الباب الّا حشيشك التي في التنّور مخافة أن أشركك فيها فافتح فانّك أمن من ذلك فقال له كعب لعنك الله لقد دخلت عليّ من باب دقيق ثمّ قال افتحوا له الباب ففتح له فقال ويلك يا كعب انقض العهد الذي بينك وبين محمّد صلّى الله عليه وآله ولا تردّ رأيي فانّ محمّداً لا يفلت من هذا الجمع أبداً فان فاتك هذا الوقت لا تدرك مثله أبداً قال فاجتمع كلّ من كان في الحصن من رؤساء اليهود مثل غزال بن شمول وياسر بن قيس ورفاعة بن زيد والزبير ابن ياطا فقال لهم كعب ما ترون قالوا أنت سيّدنا والمطاع فينا وصاحب عهدنا وعقدنا فان نقضت نقضنا معك وان أقمت أقمنا معك وان خرجت خرجنا معك فقال الزبير بن ياطا وكان شيخاً كبيراً مجرّباً وقد ذهب بصره قد قرأت التوراة التي أنزلها الله تعالى في سفرنا بأنّه يبعث نبيّاً في آخر الزمان يكون مخرجه بمكّة ومهاجره في هذه البحيرة يركب الحمار العريّ ويلبس الشملة بالكسيرات يجترني والتميرات وهو الضحوك القتّال في عينيه الحمرة وبين كتفيه خاتم النبوّة يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخفّ والحافر فان كان هو هذا فلا يهولّنه هؤلاء وجمعهم ولو ناوى على هذه الجبال الرّواسي لغلبها فقال حيّ ليس هذا ذاك ذلك النبيّ صلّى الله عليه وآله من بني إسرائيل وهذا من العرب من ولد إسماعيل ولا يكونوا بنو إسرائيل اتباعاً لولد إسماعيل (ع) أبداً لأنّ الله قد فضّلهم على الناس جميعاً وجعل فيهم النبوّة والملك وقد عهد إلينا موسى (ع) أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ وليس مع محمّد آية وانما جمعهم جمعاً وسحرهم ويريد أن يغلبهم بذلك فلم يزل يقلبهم عن رأيهم حتّى أجابوه فقال لهم اخرجوا الكتاب الذي بينكم وبين محمّد

١٧٣

صلّى الله عليه وآله فأخرجوه فأخذ حيّ بن أخطب ومزّقه وقال قد وقع الامر فتجهّزوا وتهيّؤوا للقتال وبلغ رسول الله صلّى الله عليه وآله ذلك فغمّه غمّاً شديداً وفزع أصحابه فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله لسعد بن معاذ وأسيد بن حصين وكانا من الأوس وكانت بنو قريظة حلفاء الأوس ائتيا بني قريظة فانظرا ما صنعوا فان كانوا نقضوا العهد فلا تُعْلِما أحداً إذا رجعتما إليّ وقولا عضل والقارة فجاء سعد بن معاذ وأسيد بن حصين الى باب الحصن فأشرف عليهما كعب من الحصن فشتم سعداً وشتم رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال له سعد انّما أنت ثعلب في حجر لتولينّ قريش وليحاصرنّك رسول الله صلّى الله عليه وآله ثمّ لينزلنّك على الصّغر والقماع وليضربنّ عنقك ثمّ رجعا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالا له عضل والقارة فقال رسول الله صلّى عليه وآله لعلّنا نحن امرناهم بذلك وذلك انّه كان على عهد رسول الله عيون لقريش يتجسّسون اخباره وكانت عضل والقارة قبلتان من العرب دخلا في الإسلام ثمّ عذرا فكان إذا عذر أحد ضرب بهما المثل فيقال عضل والقارة ورجع حيّ ابن أخطب الى أبي سفيان وقريش فأخبرهم بنقض بني قريظة العهد بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله ففرحت قريش بذلك فلمّا كان في جوف الليل جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وقد كان أسلم قبل قدوم قريش بثلاثة أيّام فقال يا رسول الله قد آمنت بالله وصدّقتك كتمت إيماني عن الكفرة فإن أمرتني ان اتيك بنفسي وأنصرك بنفسي فعلت وان أمرتني ان اخذل بين اليهود وبين قريش فعلت حتّى لا يخرجوا من حصنهم فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله اخذل بين اليهود وبين قريش فانّه أوقع عندي قال فتأذن لي ان أقول فيك ما أريد قال قل ما بدا لك فجاء الى أبي سفيان فقال له أتعرف مودّتي لكم ونصحي ومحبّتي ان ينصركم الله على عدوّكم وقد بلغني انّ محمّداً قد وافق اليهود ان يدخلوا بين عسكركم ويميلوا عليكم ووعدهم إذا فعلوا ذلك ان يردّ عليهم جناحهم الذي قطعه بنو النضير وقينقاع فلا أرى أن تدعوهم يدخلوا عسكركم حتّى تأخذوا منهم رهناً تبعثوا به الى مكّة فتأمنوا مكرهم وغدرهم فقال له أبو سفيان وفّقك الله وأحسن جزاك مثلك أهدى النصايح ولم يعلم أبو سفيان بإسلام نعيم ولا أحد من اليهود ثمّ جاء من فوره ذلك الى بني قريظة

١٧٤

فقال له يا كعب تعلم مودّتي لكم وقد بلغني أنّ أبا سفيان قال نخرج بهؤلاء اليهود فنضعهم في نحر محمّد صلّى الله عليه وآله فان ظفروا كان الذكر لنا دونهم وان كانت علينا كانوا هؤلاء مقاديم الحرب فما ارى لكم ان تدعوهم يدخلوا عسكركم حتّى تأخذوا منهم عشرة من أشرافهم يكونون في حصنكم انّهم ان لم يظفروا بمحمّد صلّى الله عليه وآله لم يرجعوا حتّى يردّوا عليكم عهدكم وعقدكم بين محمّد صلّى الله عليه وآله وبينكم لأنّه ان ولّت قريش ولم يظفر بمحمّد غزاكم محمّد صلّى الله عليه وآله فتقتلكم فقالوا أحسنت وأبلغت في النصيحة لا نخرج من حصننا حتّى نأخذ منهم رهناً يكونون في حصننا وأقبلت قريش فلمّا نظروا إلى الخندق قالوا هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها قبل ذلك فقيل لهم هذا من تدبير الفارسيّ الذي معه فوافى عمرو ابن عبد ود وهبيرة بن وهب وضرار بن الخطّاب الى الخندق وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله قد صفّ أصحابه بين يديه فصاحوا بخيلهم حتّى طفروا الخندق الى جانب رسول الله (ص) فصاروا أصحاب رسول الله (ص) كلهم خلفه وقدموا رسول الله بين أيديهم.

وقال رجل من المهاجرين وهو فلان لرجل بجنبه من إخوانه أما ترى هذا الشيطان عمروا اما والله ما يفلت من بين يديه أحد فهلمّوا ندفع إليه محمّداً صلّى الله عليه وآله ليقتله ونلحق نحن بقومنا فأنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه صلّى الله عليه وآله في ذلك الوقت قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ إلى قوله تعالى وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً وركز عمرو بن عبد ود رمحه في الأرض وأقبل يجول جولة ويرتجز ويقول :

ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز

ووقفت إذ جبن الشجاع مواقف القرن المناجز

إنِّي كذلك لم أزل متسرّعاً نحو الهزاهز

إنّ الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرائز

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله من لهذا الكلب فلم يجبه أحد فوثب إليه أمير المؤمنين عليه السلام فقال أنا له يا رسول الله فقال يا عليّ هذا عمرو بن عبد ود

١٧٥

فارس نبيل فقال أنا عليّ بن أبي طالب فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله ادن مني فدنا منه فعمّمه بيده ودفع إليه سيفه ذا الفقار وقال له اذهب وقاتل بهذا وقال اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته فمرّ أمير المؤمنين عليه السلام يهرول في مشيته وهو يقول :

لا تعجلنّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز

ذو نيّة وبصيرة والصدق منجي كلّ فائز

انّي لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقى صيتها بعد الهزاهز

فقال له عمرو من أنت قال أنا عليّ بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وآله وخنته فقال والله إنّ أباك كان لي صديقاً ونديماً وإنّي أكره أن أقتلك ما أمن ابن عمّك حين بعثك إليَّ أن اختطفك برمحي هذا فأتركك شائلاً بين السماء والأرض لا حيّ ولا ميّت فقال له أمير المؤمنين عليه السلام قد علم ابن عمّي أنّك إن قتلتني دخلت الجنّة وأنت في النار وإن قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنّة فقال عمرو وكلتاهما لك يا عليّ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى فقال عليّ عليه السلام دع هذا يا عمرو وانّي سمعت منك وأنت متعلّق بأستار الكعبة تقول لا يعرض عليّ أحد في الحرب ثلاث خصال الّا أجبته إلى واحدة منها وأنا أعرض عليك ثلاث خصال فأجبني إلى واحدة قال هات يا عليّ قال تشهد أن لا إِله إلّا الله محمّداً رسول الله صلّى الله عليه وآله قال نحّ عنّي هذا فاسأل الثانية فقال أن ترجع وتردّ هذا الجيش عن رسول الله صلّى الله عليه وآله فإن يك صادقاً فأنتم على به عيناً وإن يك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره فقال إذا لا تتحدّث نساء قريش بذلك ولا تنشد الشعراء في أشعارها أني جبنت ورجعت الى عقبي من الحرب وخذلت قوماً راسوني عليهم؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام فالثالثة أن تنزل إلى قتالي فإنّك فارس وأنا راجل حتّى أنابذك فوثب عن فرسه وعرقبه وقال هذه خصلة ما ظننت أنّ أحداً من العرب يسومني عليها ثمّ بدأ فضرب أمير المؤمنين عليه السلام بالسيف على رأسه فاتقاه أمير المؤمنين عليه السلام بالدرقة فقطعها وثبت السّيف على رأسه فقال له عليّ عليه السلام أما كفاك أنّي بارزتك وأنت فارس العرب حتّى استعنت عليّ بظهير فالتفت عمرو الى خلفه فضربه أمير المؤمنين عليه السلام مسرعاً على ساقيه فقطعهما جميعاً وارتفعت بينهما عجاجة

١٧٦

فقال المنافقون قتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام ثمّ انكشفت العجاجة ونظروا فإذا أمير المؤمنين عليه السلام على صدره وأخذ بلحيته يريد أن يذبحه ثمّ أخذ رأسه وأقبل إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله والدماء تسيل على رأسه من ضربة عمرو وسيفه يقطر منه الدم وهو يقول والرأس بيده :

أنا ابن عبد المطّلب

الموت خير للفتى من الهرب

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله يا عليّ ماكَرْتَهُ قال نعم يا رسول الله الحرب خديعة وبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله الزبير إلى هبيرة بن وهب فضربه على رأسه ضربة فلقت هامته وأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله عمر بن الخطّاب أن يبارز ضرار بن الخطّاب فلمّا برز إليه ضرار انتزع له عمر سهماً فقال له ضرار ويلك يا ابن صهّاك أترميني في مبارزة والله لئن رميتني لا تركت عدويا بمكّة إلّا قتلته فانهزم عند ذلك عمر ومرّ نحوه ضرار وضربه ضرار على رأسه بالقناة ثمّ قال احفظها يا عمر فأنّي آليت أن لا أقتل قرشياً ما قدرت عليه فكان عمر يحفظ له ذلك بعد ما ولّى ولّاه فبقي رسول الله صلّى الله عليه وآله يحاربهم في الخندق خمسة عشر يوماً فقال أبو سفيان لحيّ بن أخطب ويلك يا يهوديّ أين قومك؟ فسار حيّ بن أخطب إليهم فقال ويلكم اخرجوا فقد نابذكم محمّد الحرب فلا أنتم مع محمّد صلّى الله عليه وآله ولا أنتم مع قريش فقال كعب لسنا خارجين حتّى تعطينا قريش عشرة من أشرافهم رهناً يكونون في حصننا أنّهم إن لم يظفروا بمحمّد صلّى الله عليه وآله لم يبرحوا حتّى يردّ محمّد علينا عهدنا وعقدنا فإنّا لا نأمن أن تفرّ قريش ونبقى نحن في عقر دارنا ويغزونا محمّد صلّى الله عليه وآله فيقتل رجالنا ويسبي نساءَنا وذرارينا وإن لم نخرج لعلّه يردّ علينا عهدنا فقال له حيّ بن أخطب تطمع في غير مطمع قد نابذت العرب محمّد الحرب فلا أنتم مع محمّد صلّى الله عليه وآله ولا أنتم مع قريش فقال كعب هذا من شومك انّما أنت طائر تطير مع قريش غداً وتتركنا في عقر دارنا ويغزونا محمّد صلّى الله عليه وآله فقال له هل لك عهد الله عليّ وعهد موسى انّه ان لم تظفر قريش بمحمّد صلّى الله عليه وآله اني ارجع معك الى حصنك يصيبني ما يصيبك فقال كعب هو الذي قد قلته لك ان أعطتنا قريش أشرافهم رهناً يكونون عندنا والّا لم نخرج فرجع حيّ بن

١٧٧

اخطب الى قريش فأخبرهم فلمّا قال يسألون الرهن قال أبو سفيان هذا والله أوّل الغدر قد صدق نعيم بن مسعود لا حاجة لنا في إخوان القردة والخنازير فلمّا طال على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله الأمر واشتدّ عليهم الحصار وكانوا في برد شديد وأصابتهم مجاعة وخافوا من اليهود خوفاً شديداً وتكلّم المنافقون بما حكى الله عزّ وجلّ عنهم ولم يبق أحد من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله الّا نافق الّا القليل وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله أخبر أصحابه إنّ العرب تتحزّب عليّ ويجيئوننا من فوق وتغدر اليهود وتخافهم من أسفل وإنّه يصيبهم جهد شديد ولكن يكون العاقبة لي عليهم فلمّا جاءت قريش وغدرت اليهود قال المنافقون ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً وكان قوم لهم دور في أطراف المدينة فقالوا يا رسول الله تأذن لنا أن نرجع إلى دورنا فانّها في أطراف المدينة وهي عورة ونخاف اليهود أن يغيروا عليها وقال قوم هلمّوا فنهرب ونصير في البادية ونستجير بالأعراب فانّ الذي كان يعدنا محمّد صلّى الله عليه وآله كان باطلاً كلّه ورسول الله صلّى الله عليه وآله امر أصحابه ان يحرسوا المدينة باللّيل وكان أمير المؤمنين عليه السلام على العسكر كلّه باللّيل يحرسهم فان تحرك أحد من قريش نابذهم وكان أمير المؤمنين عليه السلام يجوز الخندق ويصير الى قرب قريش حيث يراهم فلا يزال الليل كلّه قائماً وحده يصلّي فإذا أصبح رجع إلى مركزه ومسجد أمير المؤمنين عليه السلام هناك معروف يأتيه من يعرفه فيصلّي فيه وهو من مسجد الفتح الى العقيق أكثر من غلوة النشاب فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله من أصحابه الجزع لطول الحصار صعد الى مسجد الفتح وهو الجبل الذي عليه مسجد الفتح اليوم فدعا الله عزّ وجلّ وناجاه فيما وعده وكان ممّا دعاه أن قال «يا صريخَ المكروبين ويا مُجِيبَ دعوةِ المُضطرّينَ ويا كاشفَ الكربِ العظيمِ أنتَ مَولايَ ووليّي ووليّ آبائي الاوّلينَ اكْشفْ عنّا غَمّنا وَهَمَّنا وكرْبَنا واصرِفْ عنّا شَرَّ هؤُلاءِ القومِ بِقوّتِكَ وَحولك وقدرتك» فنزل جبرئيل فقال يا محمّد انّ الله عزّ وجلّ قد سمع مقالتك وأجاب دعوتك وأمر الدبور وهي الريح مع الملائكة أن تهزم قريشاً والأحزاب وبعث الله عزّ وجلّ على قريش الدبور فانهزموا وقلعت أخبيتهم ونزل جبرئيل (ع) فأخبره بذلك فنادى رسول الله صلّى الله عليه وآله حذيفة

١٧٨

ابن اليمان رضي الله عنه وكان قريباً منه فلم يجبه ثمّ ناداه ثانياً فلم يجبه ثمّ ناداه ثالثاً فقال لبّيك يا رسول الله قال أدعوك فلا تجيبني قال يا رسول الله بأبي أنت وأمّي من الخوف والبرد والجوع فقال ادخل في القوم وائتني بأخبارهم ولا تحدثن حدثاً حتّى ترجع إليّ فانّ الله عزّ وجلّ قد أخبرني أنّه قد أرسل الرياح على قريش وهزمهم قال حذيفة فمضيت وأنا أنتفض من البرد فو الله ما كان الّا بقدر ما جزت الخندق حتّى كأنّي في الحمّام فقصدت خبأ عظيماً فإذا نار تخبو وتوقد وإذا خيمة فيها أبو سفيان قد دلّى خصيتيه على النار وهو ينتفض من شدّة البرد ويقول يا معشر قريش إن كنّا نقاتل أهل السماء بزعم محمّد صلّى الله عليه وآله فلا طاقة لنا بأهل السماء وإن كنّا نقاتل أهل الأرض فنقدر عليهم ثمّ قال لينظر كلّ رجل منكم إلى جليسه لا يكون لمحمّد عين فيما بيننا قال حذيفة فبادرت أنا فقلت للذي عن يميني من أنت فقال أنا عمرو بن العاص ثمّ قلت للذي عن يساري من أنت فقال أنا معاوية وانّما بادرت إلى ذلك لئلّا يسألني أحد من أنت ثمّ ركب أبو سفيان راحلته وهي معقولة فلو لا انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لا تحدث حدثاً حتّى ترجع إليّ لقدرت ان أقتله ثمّ قال أبو سفيان لخالد بن الوليد يا با سليمان لا بدّ من أن أقيم انا وأنت على ضعفاء الناس ثمّ قال ارتحلوا انّا مرتحلون ففرّوا منهزمين فلمّا أصبح رسول الله (ص) قال لأصحابه لا تبرحوا فلما طلعت الشمس دخلوا المدينة وبقي رسول الله (ص) في نفر يسير وكان ابن عرقد الكنانيّ رمى سعد بن معاذ بسهم في الخندق فقطع اكحله فنزفه الدم فقبض سعد على أكحله بيده ثمّ قال اللهمّ ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها فلا أجد أحبّ إليّ من محاربتهم من قوم حاربوا الله ورسوله وإن كانت الحرب قد وضعت أوزارها بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وبين قريش فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتّى تقرّ عيني من بني قريظة فأمسك الدم وتورّمت يده وضرب له رسول الله صلّى الله عليه وآله في المسجد خيمة وكان يتعاهده بنفسه فأنزل الله عزّ وجلّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ الآيات إلى قوله إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعني بني قريظة حين غدروا وخافهم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ إلى قوله إِنْ

١٧٩

يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً وهم الذين قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وآله تأذن لنا نرجع إلى منازلنا فإنها في أطراف المدينة ونخاف اليهود عليها فأنزل الله فيهم إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ الى قوله وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً ونزلت هذه الآية في الثاني لما قال لعبد الرحمن بن عوف هلمّ ندفع محمّداً صلّى الله عليه وآله الى قريش فنلحق نحن بقومنا.

(٢١) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في أفعاله وأخلاقه كثباته في الحرب ومقاساته للشدائد وغير ذلك وقرء بضمّ الهمزة لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً قرن بالرجاء كثرة الذكر المؤدّية إلى ملازمة الطاعة فإنّ المؤتسى بالرسول من كان كذلك.

(٢٢) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ

القمّيّ وصف الله المؤمنين المصدّقين بما أخبرهم رسول الله صلّى الله عليه وآله ما يصيبهم في الخندق من الجهد وَما زادَهُمْ قال يعني ذلك البلاء والجهد والخوف إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً

روي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : سيشتدّ الامر باجتماع الأحزاب عليكم والعاقبة لكم عليهم وقال : انّهم سائرون إليكم بعد تسع أو عشر.

(٢٣) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ وفوا بعهدهم فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ نذره والنّحب النّذر استعير للموت لأنّه كنذر لازم في الرّقبة وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ الشهادة وَما بَدَّلُوا العهد ولا غيّروه تَبْدِيلاً شيئاً من التبديل فيه تعريض لأهل النفاق ومرض القلب بالتبديل.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : في قوله تعالى رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ قال الّا يفرّوا أبداً فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ أي اجله وهو حمزة وجعفر بن أبي طالب وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ أجله يعني عليّاً عليه السلام.

وفي الخصال عنه عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث له مع

١٨٠