تفسير الصّافي - ج ٤

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤١٢

في كلام له قال : وتعلم انّ نواصي الخلق بيده فليس لهم نفس ولحظة الّا بقدرته ومشيّته وهم عاجزون عن إتيان أقلّ شيء في مملكته إلّا باذنه وارادته قال الله تعالى وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ الآية.

(٦٩) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ القمّيّ قال ما عزموا عليه من الاختيار.

أقولُ : وعلى التفسير الأوّل يجوز أن يكون المعنى وَرَبُّكَ هو الّذي يَعْلَمُ ما تكنّه الصدور وتخفيه الضماير دون غيره فله ان يختار للنبوّة والإمامة وغير هما دونهم ولعلّه الى هذا المعنى أشير في أواخر حديث الإكمال بقوله علمنا انّ الاختيار لا يجوز ان يقع الّا ممّن يعلم ما تخفي الصدور وتكنّ الضماير وتنصرف إليه السرائر.

(٧٠) وَهُوَ اللهُ المستحقّ للعبادة لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لا أحد يستحقّها إلّا هو لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ لأنّه المولى للنّعم كلّها عاجلها وآجلها يحمده المؤمنون في الآخرة كما حمدوه في الدنيا بقولهم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ ابتهاجاً بفضله والتذاذاً بحمده وَلَهُ الْحُكْمُ القضاء النّافذ في كلّ شيء وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بالنّشور.

(٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ سماع تدبّر واستبصار.

(٧٢) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ استراحة من متاعب الأشغال أَفَلا تُبْصِرُونَ ولعلّه لم يصف الضّياء بما يقابله لأنّ الضّوء نعمة في ذاته مقصود بنفسه ولا كذلك اللّيل ولأنّ منافع الضّوء أكثر ممّا يقابله ولذلك قرن به أَفَلا تَسْمَعُونَ وباللّيل أَفَلا تُبْصِرُونَ لأنّ استفادة العقل من السّمع أكثر من استفادته من البصر.

(٧٣) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ في اللّيل وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ في النّهار بأنواع المكاسب وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.

١٠١

ولكي تعرفوا نعمة الله في ذلك فتشكروه عليها.

(٧٤) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ تقريع بعد تقريع للاشعار بأنّه لا شيء اجلب لغضب الله من الاشراك به ولانّ الأول لتقرير فساد رأيهم والثاني لبيان انّه لم يكن عن برهان.

(٧٥) وَنَزَعْنا وأخرجنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً يشهد عليهم بما كانوا عليه.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : يقول من كلّ فرقة من هذه الأمة امامها فَقُلْنا للأمم هاتُوا بُرْهانَكُمْ على صحّة ما تتديّنون به فَعَلِمُوا حينئذ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ وغاب عنهم غيبة الضّايع ما كانُوا يَفْتَرُونَ من الباطل.

(٧٦) إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى قيل كان ابن عمّه يصهر بن فاحث بن لاوى وكان ممّن آمن به.

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام : وهو ابن خالته ولا تنافي بين الخبرين فَبَغى عَلَيْهِمْ فطلب الفضل عليهم فتكبّر وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ من الأموال المدّخرة ما إِنَّ مَفاتِحَهُ مفاتيح صنادقه جمع مفتح بالكسر لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ لثقل الجماعة الكثيرة أُولِي الْقُوَّةِ.

القمّيّ العصبيّة ما بين العشرة الى تسعة عشرة قال كان يحمل مفاتيح خزائنه العصبة أولوا القوّة إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ لا تبطر إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ أي بزخارف ، الدنيا في الخصال عن الصادق عن أبيه عليهما السلام : أوحى الله تعالى الى موسى عليه السلام لا تفرح بكثرة المال ولا تدع ذكري على كلّ حال فان كثرة ذكري تنسي الذّنوب وترك ذكري يقسي القلوب.

وفي التوحيد عنه عليه السلام : ان كانت العقوبة عن الله تعالى حقّاً فالفرح لما ذا.

(٧٧) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ من الغنى الدَّارَ الْآخِرَةَ بصرفه فيما يوجبها لك وَلا تَنْسَ ولا تَتْرك نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا

١٠٢

في المعاني عنه عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال : لا تَنْسَ صحّتك وقوّتك وفراغك وشبابك ونشاطك ان تطلب بها الآخرة وَأَحْسِنْ الى عباد الله كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ فيما أنعم عليك او أَحْسِنْ الشكر والطاعة كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ بالانعام وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ.

في مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام : فساد الظاهر من فساد الباطن ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ومن خان الله في السّر هتك الله سرّه في العلانية وأعظم الفساد ان يرضى العبد بالغفلة عن الله تعالى إذ هذا الفساد يتولّد من طول الأمد والحرص والكبر كما اخبر الله تعالى في قصّة قارون في قوله وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ وكانت هذه الخصال من صنع قارون واعتقاده وأصلها من حبّ الدنيا وجمعها ومتابعة النفس وهواها وإقامة شهواتها وحبّ المحمدة وموافقة الشيطان واتّباع خطراته وكلّ ذلك مجتمع تحت الغفلة عن الله ونسيان منّته.

(٧٨) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عندي.

القمّيّ يعني ما له وكان يعمل الكيمياء أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ القمّيّ لا يسئل من كان قبلهم عن ذنوب هؤلاء.

(٧٩) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ القمّيّ في الثياب المصبغات يجرّها بالأرض وقيل انّه خرج على بغلة شهباء عليه الأرجوان وعليها سرج من ذهب ومعه أربعة آلاف على زية قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا على ما هو عادة الناس من الرّغبة فيها يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ تمنّوا مثله لا عينه حذراً عن الحسد إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ من الدنيا.

(٨٠) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بأحوال الآخرة للمتمنّين.

القمّيّ قال لهم الخالص من أصحاب موسى وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ

١٠٣

وَعَمِلَ صالِحاً ممّا أوتي قارون بل من الدنيا وما فيها وَلا يُلَقَّاها أي هذه الكلمة التي تكلّم بها العلماء إِلَّا الصَّابِرُونَ على الطاعات وعن المعاصي.

(٨١) فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ في مناهي الفقيه : ونهى ان يختال الرجل في مشيه وقال من لبس ثوباً فاختال فيه خسف الله به من شفير جهنّم وكان قرين قارون لأنّه أوّل من اختال فخسف الله به وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ أعوان يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ فيدفعون عنه عذابه وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ الممتنعين منه روي : انّ موسى باهله بأخيه هرون وبنيه فخسف به وبأهله وماله ومن وازره من قومه.

والقمّيّ وكان سبب هلاك قارون انّه لمّا اخرج موسى (ع) بني إسرائيل من مصر وأنزلهم البادية أنزل الله عليهم المنّ والسلوى إلى أن قال ففرض الله عليهم دخول مصر وحرّمها عليهم أربعين سنة وكانوا يقومون من أوّل اللّيل ويأخذون في قراءة التوراة والدعاء والبكاء وكان قارون منهم وكان يقرأ التوراة ولم يكن فيهم أحسن صوتاً منه وكان يسمّى المنون لحُسن قراءته وكان يعمل الكيمياء فلمّا طال الأمر على بني إسرائيل في التيه والتوبة وكان قارون قد امتنع من الدخول معهم في التوبة وكان موسى (ع) يحبه فدخل عليه موسى فقال له يا قارون قومك في التوبة وأنت قاعد هاهنا ادخل معهم والّا ينزل بك العذاب فاستهان به واستهزء بقوله فخرج موسى من عنده مغتمّاً فجلس في فناء قصره وعليه جبّة شعر وفي رجله نعلان من جلد حمار شراكهما من خيوط شعر بيده العصا فأمر قارون ان يصبّ عليه رماد قد خلط بالماء فصبّ عليه فغضب موسى (ع) غضباً شديداً وكان في كتفه شعرات كان إذا غضب خرجت من ثيابه قطر منها الدّم فقال موسى (ع) يا ربّ ان لم تغضب لي فلست لك بنبي فأوحى الله عزّ وجلّ إليه قد أمرت الأرض ان تطيعك فمُرها بما شئت وقد كان قارون قد امر ان يغلق باب القصر فأقبل موسى فأومى الى الأبواب فانفرجت ودخل عليه فلمّا نظر إليه قارون علم انّه قد أوتي بالعذاب فقال يا موسى أسئلك بالرّحم الذي بيني وبينك فقال له موسى يا ابن لاوى لا تزدني من كلامك يا ارض خذيه فدخل القصر بما فيه في الأرض ودخل قارون في الأرض الى ركبتيه فبكى وحلفه بالرّحم فقال له موسى يا ابن لاوى لا تزدني من كلامك يا ارض خذيه

١٠٤

فابتلعته بقصره وخزائنه وهذا ما قال موسى لقارون يوم أهلكه الله عزّ وجلّ فعيّره الله عزّ وجلّ بما قاله لقارون فعلم موسى (ع) انّ الله تبارك وتعالى قد عيّره بذلك فقال يا ربّ انّ قارون دعاني بغيرك ولو دعاني بك لأجبته فقال الله عزّ وجلّ يا ابن لاوى ولا تزدني من كلامك فقال موسى يا ربّ لو علمت انّ ذلك لك رضىً لأجبته فقال الله يا موسى وعزّتي وجلالي وجودي ومجدي وعلوّ مكاني لو أنّ قارون كما دعاك دعاني لأجبته ولكنّه لمّا دعاك وكّلته إليك يا ابن عمران لا تجزع من الموت فانّي كتبت الموت على كلّ نفس وقد مهدت لك مهاداً لو قد وردت عليه لقرّت عيناك فخرج موسى (ع) الى جبل طور سيناء مع وصيّه وصعد موسى (ع) الجبل فنظر إلى رجل قد اقبل ومعه مكتل ومسحاة فقال له موسى (ع) ما تريد قال إنّ رجلاً من أولياء الله قد توفّى وانا احفر له قبراً فقال له موسى (ع) أفلا أعينك عليه قال بلى قال فحفر القبر فلمّا فرغا أراد الرّجل ان ينزل الى القبر فقال له موسى ما تريد قال ادخل القبر فانظر كيف مضجعه فقال له موسى انا أكفيك فدخل موسى ما تريد قال ادخل القبر فانظر كيف مضجعه فقال له موسى انا أكفيك فدخل موسى فاضطجع فيه فقبض ملك الموت روحه وانضم عليه الجبل ، والقمّيّ في سورة يونس وقد سأل بعض اليهود أمير المؤمنين عليه السلام عن سجن طاف أقطار الأرض بصاحبه فقال يا يهوديّ امّا السجن الذي طاف أقطار الأرض بصاحبه فانّه الحوت الذي حبس يُونس في بطنه فدخل في بحر القلزم ثمّ خرج إلى بحر مصر ثمّ دخل بحر طبرستان ثمّ خرج في دجلة الغور قال ثمّ مرت به تحت الأرض حتّى لحقت بقارون وكان قارون هلك في أيّام موسى ووكّل الله به ملكاً يدخله في الأرض كلّ يوم قامة رجل وكان يونس في بطن الحوت يسبّح الله ويستغفره فسمع قارون صوته فقال للملك الموكّل به انظرني فانّي اسمع كلام آدميّ فأوحى الله الى الملك الموكّل به انظره فأنظره ثمّ قال قارون من أنت قال يونس انا المذنب الخاطي يونس بن متّى قال فما فعل شديد الغضب لله موسى بن عمران قال هيهات هلك قال فما فعل الرّؤوف الرّحيم على قومه هرون بن عمران قال هلك قال فما فعلت كلثم بنت عمران التي كانت سمّيت لي قال هيهات ما بقي من آل عمران أحد فقال قارون اسفاً على آل عمران فشكر الله تعالى له على ذلك فأمر الموكّل به ان يرفع عنه العذاب أيّام الدنيا

١٠٥

فرفع عنه الحديث ، ويأتي تمامه في سورة الصافّات.

والعيّاشي عن الباقر عليه السلام قال : إنّ يونس عليه السلام لما أذاه قومه وساق الحديث إلى أن قال فألق نفسه فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ فطاف به البحار السبعة حتّى صار الى البحر المسجور وبه يعذّب قارون فسمع قارون دويّاً فسأل الملك عن ذلك فأخبره انّه يونس وانّ الله حبسه في بطن الحوت فقال له قارون أتأذن لي ان اكلّمه فأذن له فسأله عن موسى فأخبره انّه مات فبكى ثمّ سأله عن هرون (ع) فأخبره انّه مات فبكى وجزع جزعاً شديداً وسأله عن أخته كلثم وكانت مسمّاة له فأخبره انّها ماتت فبكى وجزع جزعاً شديداً قال فأوحى الله الى الملك الموكّل به ان ارفع عنه العذاب بقيّة أيّام الدنيا لرقّته على قرابته.

(٨٢) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ منزلته بِالْأَمْسِ منذ زمان قريب يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ القمّيّ قال هي لغة سريانيّة يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ بمقتضى مشيّته لا لكرامة تقتضي البسط ولا لهوان يوجب القبض لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا فلم يعطنا ما تمنّينا لَخَسَفَ بِنا لتوليده فينا ما ولّده فيه فخسف به لأجله وقرء بفتح الخاء والسين وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ لنعمة الله.

(٨٣) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ التي سمعت خبرها وبلغك وصفها نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ غلبة وقهراً وَلا فَساداً ظلماً على الناس.

في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام : انّه كان يمشي في الأسواق وهو وال يرشد الضّالّ ويعين الضعيف ويمرّ بالبيّاع والبقّال فيفتح عليه القرآن ويقرأ هذه الآية ويقول نزلت في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر النّاس وعنه عليه السلام قال : الرجل ليعجبه شراك نعله فيدخل في هذه الآية وفي رواية : انّ الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : العلوّ الشّرف والفساد النّباء.

وعنه عليه السلام : انّه قال لحفص بن غياث يا حفص ما منزلة الدنيا من نفسي الّا بمنزلة الميتة إذا اضطررت إليها أكلت منها يا حَفْص انّ الله تبارك وتعالى علم ما

١٠٦

العباد عاملون والى ما هم صايرون فحلم عنهم عند أعمالهم السيئة لعلمه السابق فيهم فلا يغرّنك حسن الطلب ممّن لا يخاف الفوت ثمّ تلا قوله تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ الآية وجعل يبكي ويقول ذهبت والله الاماني عند هذه الآية فاز والله الأبرار تدري من هم هُم الذين لا يؤذون الذرّ كفى بخشية الله علماً وكفى بالاغترار بالله جهلاً الحديث وَالْعاقِبَةُ المحمودة لِلْمُتَّقِينَ من اتّقى ما لا يرضاه الله.

(٨٤) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها ذاتاً وقدراً ووصفاً وقد مضى في هذه الآية حديث في آخر سورة الأنعام وفي نظيرها في آخر سورة النّمل وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ وضع فيه الظاهر موضع الضمير تهجينا لحالهم بتكرير اسناد السيّئة إليهم إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ مثل ما كانُوا يَعْمَلُونَ حذف المثل مبالغة في المماثلة.

(٨٥) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ أيّ معاد.

القمّيّ عن السجّاد قال : يرجع إليكم نبيّكم وأمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام.

عن الباقر عليه السلام : انّه ذكر عنده جابر فقال رحم الله جابراً لقد بلغ من علمه انّه كان يعرف تأويل هذه الآية يعني الرّجعة قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يعني به نفسه والمشركين.

(٨٦) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ولكن ألقاه رحمة منه فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ قيل بمداراتهم والتحمّل عنهم والإجابة الى طلبتهم.

والقمّيّ قال المخاطبة للنبيّ صلّى الله عليه وآله والمعنى للنّاس.

(٨٧) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ الى عبادته وتوحيده وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

(٨٨) وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ.

١٠٧

القمّيّ المخاطبة للنّبي صلى الله عليه وآله والمعنى للنّاس وهو قول الصادق عليه السلام : انّ الله بعث نبيّه بإيّاك أعني واسمعي يا جارة لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : انّما عني بذلك وجه الله الذي يؤتى منه.

وفي التوحيد عن الباقر عليه السلام : انّ الله عزّ وجلّ أعظم من أن يوصف بالوجه لكن معناه كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا دينه والوجه الذي يؤتى منه.

أقولُ : يعني بالوجه الذي يؤتى منه الذي يهدي العباد إلى الله تعالى والى معرفته من نبيّ أو وصيّ أو عقل كامل بذلك وفيّ فانّه وجه الله الذي يؤتى الله منه وذلك لأنّ الوجه ما يواجه به والله سبحانه انّما يواجه عباده ويخاطبهم بواسطة نبيّ أو وصيّ أو عقل كامل.

وفي التوحيد عن الصادق عليه السلام قال : كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا من أخذ طريق الحقّ وعنه عليه السلام : من اتى الله بما أمره من طاعة محمّد والأئمّة صلوات الله عليهم من بعده فهو الوجه الذي لا يهلك ثمّ قرء مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ.

وفي الكافي عنه عليه السلام ما في معناه : والمراد انّ كلّ مطيع لله ولرسوله متوجّه إلى الله فهو باق في الجنان ابد الآبدين وهو وجه الله في خلقه به يواجه الله تعالى عباده ومن هو بخلافه فهو في النيران مع الهالكين وقراءة الآية إشارة إلى انّ طاعته للرّسول توجّه منه إلى الله والى وجهه وتوجّه من الله تعالى الى خلقه وهو السبب في تسميته وجه الله واضافته إليه.

وفي التوحيد عنه عليه السلام : نحن وجه الله الذي لا يهلك.

وعنه عليه السلام : إِلَّا وَجْهَهُ قال دينه وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام دين الله ووجهه وعينه في عباده ولسانه الذي ينطق به ويده على خلقه ونحن وجه الله الذي يؤتى منه لن نزال في عباده ما دامت لله فيهم رؤية

١٠٨

قيل وما الرّؤية قال الحاجة فإذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه وصنع بنا ما احبّ.

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام : في هذه الآية قال فيفنى كلّ شيء ويبقى الوجهَ الله أعظم من أن يوصف ولكن معناه كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا دينه ونحن الوجه الذي يؤتى منه لن نزال في عباده.

اجلّ وأعظم من ذلك وانّما وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام : المراد كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا دينه لأنّ المحال ان يهلك منه كلّ شيء ويبقى الوجه هو وذكر مثل ما في التوحيد يهلك من ليس منه ألا ترى انّه قال كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ففضّل بين خلقه ووجهه.

أقول : وورد في حديث آخر عنهم عليهم السلام : ان الضمير في وَجْهَهُ راجع إلى الشيء وعلى هذا فمعناه أنّ وجه الشيء لا يهلك وهو ما يقابل منه إلى الله وهو روحه وحقيقته وملكوته ومحلّ معرفة الله منه التي تبقى بعد فناء جسمه وشخصه والمعنيان متقاربان وربّما يفسّر الوجه بالذّات وليس بذلك البعيد لَهُ الْحُكْمُ القضاء النّافذ في الخلق وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ للجزاء بالحقّ قد سبق ثواب قراءة هذه السورة في آخر سورة الشعراء.

١٠٩

سورة العنكبوت مكّية كلّها

في قول مدنية في آخر مكّيّة إلّا عشر آيات من أوّلها فإنها مدنية في ثالث

عدد آيها تسع وستون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) الم

(٢) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ لا يختبرون.

في المجمع عن الصادق عليه السلام : معنى يُفْتَنُونَ يبتلون في أنفسهم وأموالهم وعن النبيّ صلّى الله عليه وآله انّه لما نزلت هذه الآية قال لا بدّ من فتنة تبتلى بها الأمّة بعد نبيّها ليتعيّن الصادق من الكاذب لأنّ الوحي قد انقطع وبقي السّيف وافتراق الكلمة إلى يوم القيامة.

وفي نهج البلاغة : قام رجل فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الفتنة وهل سألت رسول الله عنها فقال عليّ عليه السلام لمّا أنزل الله سبحانه الم أَحَسِبَ النَّاسُ الآية علمت انّ الفتنة لا تزل بنا ورسول الله بين أظهرنا فقلت يا رسول الله ما هذه الفتنة التي أخبرك الله بها فقال يا عليّ انّ أمّتي سيفتنون من بعدي فقلت يا رسول الله ا وليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين وجيزت عنّي الشهادة فشقّ ذلك عليَّ فقلت لي ابشر فانّ الشهادة من ورائك فقال لي انّ ذلك كذلك فكيف صبرك اذن فقلت يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشرى والشكر فقال يا عليّ سيفتنون بأموالهم ويمنون بدينهم على ربّهم ويتمنّون رحمته ويأمنون سطوته ويستحلّون حرامه بالشبهات الكاذبة والاهواء السّاهية فيستحلّون الخمر بالنبيذ والسّحت بالهديّة والربّا بالبيع قلت يا رسول الله

١١٠

فبأيّ المنازل أنزلهم أبمنزلة ردّة أم بمنزلة فتنة فقال بمنزلة فتنة.

والقمّيّ عن الكاظم عليه السلام قال : جاء العبّاس الى أمير المؤمنين (ع) فقال انطلق يبايع لك الناس فقال له أمير المؤمنين عليه السلام أوتراهم فاعلين قال نعم قال فأين قوله عزّ وجلّ الم أَحَسِبَ النَّاسُ الآية.

وفي الكافي عنه عليه السلام : انّه قرء هذه الآية ثمّ قال ما الفتنة قيل الفتنة في الدين فقال يفتنون كما يفتن الذهب ثمّ قال يخلصون كما يخلص الذهب.

(٣) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اختبرناهم فانّ ذلك سنّة قديمة جارية في الأمم كلّها فلا ينبغي أن يتوقّع خلافه فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ فليعلمنّهم في الوجود ممتحنين بحيث يتميّز الذين صدقوا في الايمان والذين كذبوا فيه بعد ما كان يعلمهم قبل ذلك انّهم سيوجدون ويمتحنون.

وفي المجمع عن أمير المؤمنين والصادق عليهما السلام : انّهما قرءا بضمّ الياء وكسر اللّام فيهما من الاعلام اي ليعرفنّهم النّاس.

(٤) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ الكفر والمعاصي أَنْ يَسْبِقُونا ان يفوتونا فلا نقدر ان نجازيهم على مساوئهم ساءَ ما يَحْكُمُونَ

(٥) مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ القمّيّ قال من أحبّ لِقاءَ اللهِ جاءه الأجل.

وفي التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام : يعني من كان يؤمن بأنّه مبعوث فَإِنَ وعد الله لَآتٍ من الثواب والعقاب قال فاللّقاء هاهنا ليس بالرّؤية واللّقاء هو البعث وَهُوَ السَّمِيعُ لاقوال العباد الْعَلِيمُ بعقائدهم وأعمالهم.

(٦) وَمَنْ جاهَدَ

القمّيّ قال نفسه عن اللّذات والشهوات والمعاصي فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ لأنّ منفعته لها إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ فلا حاجة به الى طاعتهم.

١١١

(٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ احسن جزاء أعمالهم.

(٨) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً القمّيّ قال هما اللّذان ولّداه وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ بالهيّته عبّر عن نفيها بنفي العلم بها اشعاراً بانّ ما لا يعلم صحّته لا يجوز اتّباعه وان لم يعلم بطلانه فضلاً عمّا علم بطلانه فَلا تُطِعْهُما في ذلك فانّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بالجزاء عليه.

(٩) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ في جملتهم.

(١٠) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ القمّيّ قال إذا أذاه إنسان أو اصابه ضرٌّ وفاقة أو خوف من الظالمين دخل معهم في دينهم فرأى انّ ما يفعلونه هو مثل عذاب الله الذي لا ينقطع وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ فتح وغنيمة.

والقمّيّ يعني القائم عليه السلام لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ في الدين فأشركونا فيه أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ من الإخلاص والنفاق.

(١١) وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بقلوبهم وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ فيجازي الفريقين.

(١٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ.

القمّيّ قال كان الكفّار يقولون للمؤمنين كونوا معنا فانّ الذي تخافون أنتم ليس بشيء فان كان حقّاً نتحمّل نحن ذنوبكم فيعذّبهم الله عزّ وجلّ مرّتين مرّة بذنوبهم ومرّة بذنوب غيرهم وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ

(١٣) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ أثقال ما اقترفته أنفسهم وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وأَثْقالاً اخر معها لما تسببوا له بالإضلال والحمل على المعصية من غير أنّ ينقص من أثقال من تبعهم شيء وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ سؤال تقريع وتبكيت عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ من

١١٢

الأباطيل الّذي اضلّوا بها.

(١٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً

في الإكمال عن الباقر عليه السلام : لم يشاركه في نبوّته احد وفي الكافي عنه عليه السلام : يدعوهم سرّاً وعلانية فلمّا أبوا وعتوا قال رَبِ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ

(١٥) فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ يتّعظون ويستدلّون بها.

(١٦) وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ ممّا أنتم عليه إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ

(١٧) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً وتكذبون كذباً في تسميتها آلهة أو ادّعاء شفاعتها عند الله إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

(١٨) وَإِنْ تُكَذِّبُوا وان تكذّبوني قيل هي من جملة قصّة إبراهيم (ع) والقمّيّ انقطع خبر إبراهيم وخاطب الله أمّة محمّد صلّى الله عليه وآله فقال وإِنْ تُكَذِّبُوا الى قوله لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ثمّ عطف على خبر إبراهيم (ع) فقال فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ فهذا من المنقطع المعطوف.

أقولُ : الوجه فيه انّ مساق قصة إبراهيم (ع) لتسلية الرسول والتنفيس عنه بأن أباه خليل الله كان ممنوّا بنحو ما مني به من شرك القوم وتكذيبهم وتشبيه حاله فيهم بحال إبراهيم (ع) في قومه ولذلك توسّط مخاطبتهم بين طرفي قصّته فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ الرّسل فلم يضرّهم تكذيبهم وانّما ضرّ أنفسهم فكذا تكذيبهم وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ.

(١٩) أَوَلَمْ يَرَوْا وقرء بالتاء على تقدير القول كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ إذ لا يفتقر في فعله إلى شيء.

١١٣

(٢٠) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ خطاب لمحمّد صلّى الله عليه وآله ان كانت هذه الآية معترضة في قصّة إبراهيم كما ذكره.

والقمّيّ وحكاية كلام الله لإبراهيم (ع) ان كانت من جملة قصّته فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ وقرء بفتح الشّين والمدّ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

(٢١) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ تردّون.

(٢٢) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ربّكم عن ادراككم وَلا فِي السَّماءِ ان فررتم من قضائه بالتّواري في إحداهما وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ يحرسكم عن بلائه.

(٢٣) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ بالبعث أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي لإنكارهم البعث والجزاء وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بكفرهم.

(٢٤) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ قوم إبراهيم (ع) له إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ قيل وكان ذلك قول بعضهم لكن لمّا قال فيهم ورضي به الباقون أسند الى كلّهم فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ أي فقذفوه فيها فأنجاه منها بأن جعلها عليه برداً وسلاماً إِنَّ فِي ذلِكَ في انجائه منها لَآياتٍ هي حفظه من أذى النار وإخمادها مع عظمها في زمان يسير وإنشاء روض مكانها لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لأنّهم المنتفعون بها.

(٢٥) وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ وقرء بالإضافة منصوبة ومرفوعة فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي لتتوادَّوا بينكم وتتواصلوا لاجتماعكم على عبادتها ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : يعني يتبرء بعضكم من بعض. وفي التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام : الكفر في هذه الآية البراءة يقول فيبرء بعضكم من بعض قال ونظيرها في سورة إبراهيم (ع) قول الشيطان إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ وقول إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن كَفَرْنا بِكُمْ أي تبرّأنا

١١٤

منكم وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أي يقوم التناكر والتلاعن بينكم أو بينكم وبين الأوثان كقوله وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : ليس قوم ائتمّوا بإمام في الدنيا الّا جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه الّا أنتم ومن كان على مثل حالكم.

وفي المحاسن عنه عليه السلام : أما ترضون ان يأتي كلّ قوم يلعن بعضهم بعضاً الّا أنتم ومن قال بمقالتكم وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ يخلصونكم منها.

(٢٦) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وكان ابن خالته كما سبق في قصّتهما وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي قيل مهاجر من قومي الى حيث أمرني ربّي.

القمّيّ قال مهاجر من هجر السّيئات وتاب إلى الله إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الذي يمنعني من اعدائي الْحَكِيمُ الذي لا يأمرني الّا بما فيه صلاحي.

في الإكمال عن الباقر عليه السلام : انّ إبراهيم عليه السلام كان نبوّته بكوثى وهي قرية من قرى السّواد يعني به الكوفة قال فيها بدا أوّل أمره ثمّ هاجر منها وليست بهجرة قتال وذلك قول الله عزّ وجلّ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ.

(٢٧) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ولداً ونافلة حين أيس عن الولادة من عجوز عاقر ولذلك لم يذكر إسماعيل وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ فكثر منهم الأنبياء والْكِتابَ يشمل الكتب الأربعة والصّحف وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا بإعطاء الولد في غير أوانه والذريّة الطيّبة التي من جملتهم خاتم الأنبياء وسيّد المرسلين وأمير المؤمنين عليهما السلام : وعترتهما الطّيبين واستمرار النبوّة فيهم وانتماء الملل إليه والصلاة والثّناء عليه إلى آخر الدّهر وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ لفي عداد الكاملين في الصلاح.

(٢٨) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ وقرء بحذف همزة الاستفهام على الخبر لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ الفعلة البالغة في القبح ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ.

١١٥

(٢٩) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وتتعرّضون للسّابلة بالفاحشة والفضيحة حتّى انقطعت الطّرق وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ في مجالسكن الغاصّة ولا يقال النّادي الّا لما فيه أهله الْمُنْكَرَ.

في المجمع عن الرضا عليه السلام : كانوا يتضارطون في مجالسهم من غير حشمة ولا حياء والقمّيّ قال كان يضرط بعضهم على بعض.

وفي العوالي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : هو الخذف فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ.

(٣٠) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ بابتداع الفاحشة فيمن بعدهم.

(٣١) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى بالبشارة بالولد والنافلة قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ قرية سدوم إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ.

(٣٢) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وقرء بالتخفيف وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ الباقين في العذاب.

(٣٣) وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ جاءته المساءة والغمّ بسببهم وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وضاق بشأنهم وتدبير أمرهم ذرعه اي طاقته وَقالُوا لمّا رأوا فيه من أثر الضّجرة لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وقرء بالتّخفيف وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ.

(٣٤) إِنَّا مُنْزِلُونَ وقرء بالتّشديد عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ عذاباً منها بِما كانُوا يَفْسُقُونَ بسبب فسقهم.

(٣٥) وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ هي منزل لوط بقي عبرة للسيّارة كما سبق في قصّتهم المشروحة في سورة هود.

(٣٦) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ

١١٦

وافعلوا ما ترجون به ثوابه وقيل انّه من الرجاء بمعنى الخوف وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ.

(٣٧) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ الزلزلة الشديدة التي فيها الصّيحة فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ باركين على الرّكب ميّتين.

(٣٨) وَعاداً وَثَمُودَ أي واذكرهما واهلكناهما وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ بعض مساكنهم إذا نظرتم إليها عند مروركم بها وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ من الكفر والمعاصي فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ السبيل السويّ الذي بيّن لهم الرّسل وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ متمكنين من النظر والاستبصار ولكنّهم لم يفعلوا.

(٣٩) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ قدّم قارُونَ لشرف نسبه وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ فائتين بل أدركهم أمر الله.

(٤٠) فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً حصباء كقوم لوط وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ كمدين وثمود وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ كقارون وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا كفرعون وقومه وقوم نوح وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ فيعاقبهم بغير جرم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بالتعريض للعذاب.

(٤١) مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ فيما اتّخذوه معتمداً ومتّكلاً كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً فيما نسجه في الوهن والخور وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لا بيت أوهن وأقلّ وقاية للحرّ والبرد منه لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ يرجعون الى علم لعلموا أنّ هذا مثلهم.

(٤٢) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تدعون وقرء بالياء مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

(٤٣) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ يعني هذا المثل ونظائره نَضْرِبُها لِلنَّاسِ تقريباً لما بعد من افهامهم وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ الذين يتدبّرون الأشياء على ما ينبغي.

القمّيّ يعني آل محمّد صلوات الله عليهم.

١١٧

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّه تلا هذه الآية فقال العالم الذي عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه.

(٤٤) خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لأنّهم المنتفعون بها.

(٤٥) اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ تقرّباً إلى الله بقراءته وتحفّظاً لألفاظه واستكشافاً لمعانيه وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ القمّيّ قال : من لم تنهه الصلاة عن الفحشاء والمنكر لم تزدده من الله عزّ وجلّ الّا بُعداً.

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : مثله وروي : انّ فتى من الأنصار كان يصلّي الصلوات مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ويرتكب الفواحش فوصف ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وآله فقال إنّ صلاته تنهاه يوماً ما فلم يلبث أن تاب.

في التوحيد عن الصادق عليه السلام قال : الصلاة حجزة الله وذلك انّها تحجز المصلّي عن المعاصي ما دام في صلاته ثمّ تلا هذه الآية.

وفي الكافي عن سعد الخفّاف عن الباقر عليه السلام : انّه سأله هل يتكلّم القرآن فتبسّم ثمّ قال رحم الله الضعفاء من شيعتنا انّهم أهل تسليم ثمّ قال نعم يا سعد والصلاة تتكلّم ولها صورة وخلق تأمر وتنهى قال فتغيّر لذلك لوني وقلت هذا شيء لا أستطيع أن أتكلّم به في الناس فقال عليه السلام وهل الناس الّا شيعتنا فمن لم يعرف الصلاة فقد أنكر حقّنا ثمّ قال يا سعد أسمعك كلام القرآن قال سعد فقلت بلى صلّى الله عليك فقال إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ فالنّهي كلام والْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ رجال ونحن ذكر الله ونحن أكبر.

أقولُ : والْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ الأوّلان إذ هما صورتهما وخلقهما والصلاة من ينهى عنهما وهو معروف وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : يقول لَذِكْرُ اللهِ لأهل الصلاة أَكْبَرُ من ذكرهم إيّاه ألا ترى أنّه يقول فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ.

١١٨

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام في قول الله تعالى وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ قال : ذكر الله عند ما أحل وحرّم وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ.

(٤٦) وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ قد مضى تفسيره في سورة النحل عند قوله تعالى وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ بالإفراط والاعتداء وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ هو من المجادلة بالّتي هي أحسن.

وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله انّه قال : لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم وقولوا آمنّا بالله وبكتبه ورسله فان قالوا باطلاً لم تصدّقوهم وان قالوا حقّاً لم تكذّبوهم وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ مطيعون له خاصّة ولعلّ فيه تعريضاً باتّخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.

(٤٧) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ.

القمّيّ هم آل محمّد صلوات الله عليهم وَمِنْ هؤُلاءِ قال يعني أهل الإيمان من أهل القبلة مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا مع ظهورها وقيام الحجّة عليها إِلَّا الْكافِرُونَ القمّيّ يعني ما يَجْحَدُ بأمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام إِلَّا الْكافِرُونَ.

(٤٨) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ فانّ ظهور هذا الكتاب الجامع لأنواع العلوم الشريفة على امّي لم يعرف بالقراءة والتعلّم خارق للعادة وذكر اليمين زيادة تصوير للمنفي ونفي للتجوّز في الاسناد إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ أي لو كنت ممّن تخطّ وتقرأ لقالوا لعلّه تعلّمه أو التقطه من كتب الأقدمين. القمّيّ هذه الآية معطوفة على قوله في سُورة الفرقان اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً فردّ الله عليهم فقال كيف يدّعون انّ الذي تقرؤه أو تخبر به تكتبه عن غيرك وأنت ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ أي شكّوا.

وفي العيون عن الرضا عليه السلام في حديث : ومن آياته انّه كان يتيماً فقيراً

١١٩

راعياً أجيراً لم يتعلّم كتاباً ولم يختلف الى معلم ثمّ جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء وأخبارهم حرفاً حرفاً وأخبار من مضى ومن بقي إلى يوم القيامة.

(٤٩) بَلْ هُوَ القرآن آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ.

في الكافي عن الباقر عليه السلام : انّه تلا هذه الآية فأومى بيده الى صدره وعنه عليه السلام : انّه تلاها فقال ما بين دفّتي المصحف قيل من هم قال من عسى أن يكونوا غيرنا.

وعن الصادق عليه السلام : هم الأئمّة عليهم السلام وقال : نحن وإيّانا عنى في اخبار كثيرة وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ.

(٥٠) وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ مثل ناقة صالح وعصا موسى (ع) ومائدة عيسى (ع) وقرء آيات قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ ينزلها كما يشاء لست أملكها فآتيكم بما تقترحونه وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ليس من شأني الّا الإنذار بما أعطيت من الآيات.

(٥١) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ آية مغنية عمّا اقترحوه أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ يدوم تلاوته عليهم إِنَّ فِي ذلِكَ أي في ذلك الكتاب والذي هو آية مستمرّة وحجّة مبيّنة لَرَحْمَةً لنعمة عظيمةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وتذكرة لمن همّه الإيمان دون التعنّت.

روي : انّ اناساً من المسلمين أتوا رسول الله صلّى الله عليه وآله بكتف كتب فيها بعض ما يقوله اليهود فقال كفى بها ضلالة قوم أن يرغبوا عمّا جاء به نبيّهم الى ما جاء به غير نبيّهم فنزلت.

(٥٢) قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً بصدقي وقد صدّقني بالمعجزات يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فلا يخفى عليه حالي وحالكم وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وهو ما يعبدون من دون الله وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان.

(٥٣) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ بقولهم فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِوَلَوْ لا أَجَلٌ

١٢٠