تفسير الصّافي - ج ٤

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤١٢

في ثواب الأعمال عن الكاظم عليه السلام : انّه سئل ما معنى صلاة الله وصلاة ملائكته وصلاة المؤمن قال صلاة الله رحمة من الله وصلاة الملائكة تزكية منهم له وصلاة المؤمنين دعاء منهم له.

وفي المعاني عن الصادق عليه السلام : انّه سئل عن هذه الآية فقال الصلاة من الله عزّ وجلّ رحمة ومن الملائكة تزكية ومن النّاس دعاء وامّا قوله عزّ وجلّ سَلِّمُوا تَسْلِيماً يعني التسليم فيما ورد عنه عليه السلام قيل فكيف نصلّي على محمّد وآله قال تقولون صلوات الله وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه على محمّد وآل محمّد والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته قيل فما ثواب من صلّى على النبيّ صلّى الله عليه وآله بهذه الصلوات قال الخروج من الذنوب والله كهيئة يوم ولدته أمّه.

والقمّيّ قال : صلوات الله عليه تزكية له وثناء عليه وصلاة الملائكة مدحهم له وصلاة الناس دعاؤهم له والتصديق والإقرار بفضله وقوله وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً يعني سلّموا له بالولاية وبما جاء به.

وفي المحاسن عن الصادق عليه السلام : انه سئل عن هذه الآية فقال أثنوا عليه وسلّموا له.

وفي العيون عن الرضا عليه السلام في مجلسه مع المأمون قال : وقد علم المعاندون منهم انّه لمّا نزلت هذه الآية قيل يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك فكيف الصلاة عليك فقال تقولون اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم انّك حميد مجيدٌ فهل بينكم معاشر الناس في هذا خلاف قالوا لا قال المأمون هذا ممّا لا خلاف فيه أصلاً وعليه إجماع الأمّة فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا في القرآن قال نعم أخبروني عن قول الله تعالى يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ فمن عنى بقوله يس قالت العلماء يس محمّد (ص) لم يشكّ فيه أحد قال عليه السلام فانّ الله أعطى محمّداً وآل محمّد من ذلك فضلاً لا يبلغ أحد كنه وصفه الا من عقله وذلك أنّ الله لم يسلّم على

٢٠١

احد الّا على الأنبياء فقال تبارك وتعالى سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ وقال سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ وقال سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ ولم يقل سلام على ال نوح ولم يقل سلام على آل إبراهيم ولم يقل سلام على آل موسى وهرون وقال سَلامٌ عَلى آلْ ياسِينَ يعني آل محمّد صلوات الله عليهم فقال قد علمت انّ في معدن النبوّة شرح هذا وبيانه.

وعنه عليه السلام فيما كتبه في شرايع الدين : والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وآله واجبة في كلّ موطن وعند العطاس والرياح وغير ذلك وفي الخصال : مثله عن الصادق عليه السلام.

وفي الكافي والفقيه عن الباقر عليه السلام : وصلّ على النبيّ كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان وغيره.

وفي الكافي عنه عليه السلام قال : لمّا قبض النبيّ صلّى الله عليه وآله صلّت عليه الملائكة والمهاجرون والأنصار فوجاً فوجاً قال :

وقال أمير المؤمنين عليه السلام سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول في صحّته وسلامته انّما أنزلت هذه الآية في الصلاة عليّ بعد قبض الله لي إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ الآية وفيه مرفوعاً قال : إنّ موسى ناجاه الله تعالى فقال له في مناجاته وقد ذكر محمّداً فصلِّ عليه يا ابن عمران فانّي أصلّي عليه وملائكتي.

وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام : لهذه الآية ظاهر وباطن فالظاهر قوله صَلُّوا عَلَيْهِ والباطن قوله سَلِّمُوا تَسْلِيماً أي سلّموا لمن وصّاه واستخلفه عليكم فضله وما عهد به إليه تسليماً قال وهذا ممّا أخبرتك أنّه لا يعلم تأويله الّا من لطف حسّه وصفاء ذهنه وصحّ تمييزه.

(٥٧) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ يرتكبون ما يكرهانه من الكفر والمخالفة لَعَنَهُمُ اللهُ أبعدهم من رحمته فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً يهينهم مع الإيلام القمّيّ قال : نزلت في من غصب أمير المؤمنين عليه السلام حقّه وأخذ حقّ فاطمة عليها السلام وأذاها وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله من آذاها في حياتي

٢٠٢

كمن آذاها بعد موتي ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي ومن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله وهو قول الله عزّ وجلّ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وفي المجمع عن عليّ عليه السلام : انّه قال وهو آخذ بشعره حدّثني رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو آخذ بشعره فقال من آذى شعرة منك فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فعليه لعنة الله.

وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام قال : أخّر رسول الله صلّى الله عليه وآله ليلة من اللّيالي العشاء الآخرة ما شاء الله فجاء عمر فدقّ الباب فقال يا رسول الله نام النساء نام الصبيان فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال ليس لكم أن تؤذوني ولا تأمروني إنّما عليكم أن تسمعوا وتطيعوا.

(٥٨) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا بغير جناية استحقّوا بها فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ظاهراً.

القمّيّ : يعني عليّاً وفاطمة عليهما السلام وهي جارية في الناس كلّهم.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين المؤذون لأوليائي فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم فيقال هؤلاء الذين آذوا المؤمنين ونصبوا لهم وعاندوهم وعنّفوهم في دينهم ثمّ يؤمر بهم الى جهنّم.

وفي الخصال عن الباقر عليه السلام : الناس رجلان مؤمن وجاهل فلا تؤذي المؤمن ولا تجهل على الجاهل فتكون مثله والقمّيّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : من بهتْ مؤمناً أو مؤمنة أقيم في طينة خبال أو يخرج ممّا قال.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام ما في معناه وفي آخره : وسئل وما طينة خبال قال صديد يخرج من فروج المومسات.

(٥٩) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ يغطّين وجوههنّ وأبدانهنّ بملاحفهنّ إذا برزن لحاجة ومن للتّبعيض فانّ المرأة ترخى بعض جلبابها وتتلفّع ببعض ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ يميّزن من الإماء

٢٠٣

والقينات فَلا يُؤْذَيْنَ فلا يؤذينهنّ أهل الريبة بالتعرض لهنّ وَكانَ اللهُ غَفُوراً لما سلف رَحِيماً بعباده حيث يراعي مصالحهم حتّى الجزئيات منها. القمّيّ : كان سبب نزولها انّ النساء كنّ يخرجن إلى المسجد ويصلّين خلف رسول الله صلّى الله عليه وآله فإذا كان باللّيل وخرجن الى صلاة المغرب والعشاء الآخرة والغداة يقعد الشباب لهنّ في طريقهنّ فيؤذونهنّ ويتعرّضون لهنّ فأنزل الله يا أَيُّهَا النَّبِيُ الآية.

(٦٠) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ شكّ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ الذين يرجفون أخبار السوء عن سرايا المسلمين ونحوها وأصله التحريك من الرجفة وهي الزلزلة سمّى به الأخبار الكاذبة لكونه متزلزلاً غير ثابت لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ لنأمرنّك بقتالهم وإجلائهم أو ما يضطرّهم إلى طلب الجلاء ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها في المدينة إِلَّا قَلِيلاً زماناً أو جوازاً قليلاً.

القمّيّ : نزلت في قوم منافقين كانوا في المدينة يرجفون برسول الله صلّى الله عليه وآله إذا خرج في بعض غزواته يقولون قتل وأسر فيغتم المسلمون لذلك ويشكون ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فأنزل الله في ذلك لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الآية قال مَرَضٌ أي شكّ لَنُغْرِيَنَّكَ أي لنأمرنّك بإخراجهم من المدينة.

(٦١) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : فوجبت عليهم اللعنة يقول الله بعد اللّعنة أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً.

(٦٢) سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ سنّ الله ذلك في الأمم الماضية وهو ان يقتل الذين نافقوا الأنبياء وسعوا في وهنهم بالارجاف ونحوه أينما ثُقِفُوا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً لأنّه لا يبدّلها ولا يقدر أحد على تبديلها.

(٦٣) يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ عن وقت قيامها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ لم يطّلع عليها ملكاً ولا نبيّاً وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً شيئاً قريباً.

(٦٤) إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً نار شديدة الإيقاد.

٢٠٤

(٦٥) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا يحفظهم وَلا نَصِيراً يدفع العذاب عنهم.

(٦٦) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ تصرف عن جهة إلى جهة أو من حال الى حال يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا فلن نبتلي بهذا العذاب وقرء كما في الظُّنُونَا وكذلك السبيل في السَّبِيلَا.

(٦٧) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وقرء ساداتنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا

(٦٨) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ مثل ما آتينا منه لأنّهم ضلّوا وأضلونَا وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً أي لعناً هو أشدّ اللعن وأعظمه وقرء كثيراً بالمثلثة اي كثير العدد.

القمّيّ هي كناية عن الذين غصبوا آل محمّد صلوات الله عليهم حقّهم يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا يعني في أمير المؤمنين عليه السلام والسادة والكبراء هما أول من بدء بظلمهم وغصبهم فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا أي طريق الجنّة والسبيل أمير المؤمنينِ عليه السلام.

(٦٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا فأظهر براءته من مقولهم وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً ذا قربة ووجاهة.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : انّ بني إسرائيل كانوا يقولون ليس لموسى ما للرجّال وكان موسى إذا أراد الاغتسال ذهب إلى موضع لا يراه فيه أحد من الناس فكان يوماً يغتسل على شطّ نهر وقد وضع ثيابه على صخرة فأمر الله عزّ وجلّ الصخرة فتباعدت عنه عليه السلام حتّى نظر بنو إسرائيل إليه فعلموا أن ليس كما قالوا فأنزل الله الآية.

وفي المجالس عنه عليه السلام : إنّ رضا الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط ألم ينسبوا إلى موسى أنّه عنّين وآذوه حتّى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً.

وفي المجمع عن عليّ عليه السلام : انّ موسى وهرون عليهما السلام صعدا الجبل فمات هرون عليه السلام فقالت بنو إسرائيل أنت قتلته فأمر الله الملائكة

٢٠٥

فحملته حتّى مرّوا به على بنيّ إسرائيل وتكلّمت الملائكة بموته حتّى عرفوا انّه قد مات فَبَرَّأَهُ اللهُ من ذلك ومرفوعاً : انّ موسى (ع) كان حييئاً ستيراً يغتسل وحده فقال ما يتستّر منّا الّا لعيب بجلده امّا برص وامّا أدرة فذهب مرّة يغتسل فوضع ثوبه على حجر فمرّ الحجر بثوبه فطلبه موسى (ع) فرآه بنو إسرائيل عُرياناً كأحسن الرجال خلقاً فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا.

(٧٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً

(٧١) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ

في الكافي عن الصادق عليه السلام : انّه قال لعبّاد بن كثير الصوفي البصري ويحك يا عباد غرّك أن عفّ بطنك وفرجك انّ الله عزّ وجلّ يقول في كتابه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ اعلم انّه لا يقبل الله منك شيئاً حتّى تقول قولاً عدلاً وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً.

في الكافي والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : في قول الله عزّ وجلّ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ في ولاية عليّ عليه السلام والأئمّة عليهم السلام من بعده فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً هكذا نزلت.

(٧٢) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً.

أقولُ : ما قيل في تفسير هذه الآية في مقام التعميم انّ المراد بالامانة التكليف وبعرضها عليهنّ النظر إلى استعدادهنّ وبآبائهنّ الآباء الطبيعي الذي هو عدم اللّياقة والاستعداد وبحمل الإنسان قابليّته واستعداده لها وكونه ظلوماً جهولاً لما غلب عليه من القوّة الغضبيّة والشهويّة وهو وصف للجنس باعتبار الأغلب وكلّ ما ورد في تأويلها في مقام التخصيص يرجع إلى هذا المعنى كما يظهر بالتدبر.

في العيون والمعاني عن الرضا عليه السلام : في هذه الآية قال الْأَمانَةَ الولاية من ادّعاها بغير حقّ فقد كفر.

٢٠٦

أقولُ : يعني بالولاية الامرة والإمامة يحتمل إرادة القرب من الله.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : هي ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.

وفي البصائر عن الباقر عليه السلام : هي الولاية فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها كفراً وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ والإنسان أبو فلان.

وفي المعاني عن الصادق عليه السلام : الْأَمانَةَ الولاية والْإِنْسانُ ابو الشرّور المنافق.

وعنه عليه السلام ما ملخّصه : انّ الله عرض أرواح الأئمّة على السماوات والأرض والجبال فغشيها نورهم وقال في فضلهم ما قال ثمّ قال فولايتهم امانة عند خلقي فأيّكم يحملها بأثقالها ويدّعيها لنفسه فأبت من ادّعاء منزلتها وتمنّي محلّها من عظمة ربّهم فلمّا أسكن الله آدم عليه السلام وزوجته الجنّة وقال لهما ما قال حملهما الشيطان على تمنّي منزلتهم فنظر إليهم بعين الحسد فخذلا حتّى اكلا من شجرة الحنطة وساق الحديث إلى أن قال : فلم يزل أنبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة ويخبرون بها أوصياءهم والمخلصين من امّتهم فيأبون حملها ويشفقون من ادّعائها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ الذي قد عرف بأصل كلّ ظلم منه إلى يوم القيامة وذلك قول الله عزّ وجلّ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ الآية.

والقمّيّ الْأَمانَةَ هي الإمامة والامر والنهي والدليل على ان الْأَمانَةَ هي الإمامة قوله عزّ وجلّ للأئمّة إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها يعني الإمامة فالامانة هي الإمامة عرضت عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها أن يدعوها أو يغصبوها أهلها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ يعني الأول إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً.

أقولُ : ويدلّ على أن تخصيص الأمانة بالولاية والإمامة اللّتين مرجعهما واحد والإنسان بالّاول في هذه الأخبار لا ينافي صحّة إرادة عمومها لكلّ امانة وتكليف وشمول الإنسان كلّ مكلّف لما عرفت في مقدّمات الكتاب من تعميم المعاني وارادة الحقائق وفي نهج البلاغة في جملة وصاياه للمسلمين : ثمّ أداء الأمانة فقد خاب من

٢٠٧

ليس أهلها انّها عرضت على السماوات المبنيّة والأرض المدحوّة والجبال ذات الطول المنصوبة فلا أطول ولا اعرض ولا أعلا ولا أعظم منها ولو امتنع شيء بطول أو عرض او قوة أو عزّ لامتنعن ولكن أشفقن من العقوبة وعقلن ما جهل من هو أضعف منهنّ وهو الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً.

وفي الكافي : ما يقرب منه وفي العوالي : انّ عليّاً عليه السلام إذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلّون فيقال له ما لك يا أمير المؤمنين فيقول جاء وقت الصلاة وقت أمانة عرضها الله عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها.

وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام : انّه سئل عن الرجل يبعث الى الرجل يقول له ابتع لي ثوباً فيطلب له في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده قال لا يقربنّ هذا ولا يدنس نفسه انّ الله عزّ وجلّ يقول إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ الآية قال وإن كان عنده خير ممّا يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده.

أقول : لا منافاة بين هذه الأخبار حيث خصّصت الأمانة تارة بالولاية والأخرى بما يعمّ كلّ امانة وتكليف لما عرفت في مقدّمات الكتاب من جواز تعميم اللّفظ بحيث يشمل المعاني المحتملة كلّها بارادة الحقايق تارة والتخصيص بواحد واحد اخرى ثمّ أقول ما يقال في تأويل هذه الآية في مقام التعميم انّ المراد بالامانة التكليف بالعبودية لله على وجهها والتقرّب بها إلى الله سبحانه كما ينبغي لكلّ عبد بحسب استعداده لها وأعظمها الخلافة الالهيّة لأهلها ثمّ تسليم من لم يكن من أهلها لأهلها وعدم ادّعاء منزلتها لنفسه ثمّ سائر التكاليف والمراد بعرضها على السماوات والأرض والجبال انظر إلى استعدادهنّ لذلك وبإبائهن الإباء الطبيعي الذي هو عبارة عن عدم اللّياقة لها وبحمل الإنسان ايّاها تحمّله لها من غير استحقاق تكبّراً على أهلها ومع تقصيره بحسب وسعه في أدائها وبكونها ظلوماً جهولاً ما غلب عليه من القوّة الغضبيّة والشهويّة وهو وصف للجنس باعتبار الأغلب فهذه حقائق معانيها الكلّية وكلّ ما ورد في تأويلها في مقام التخصيص يرجع إلى هذه الحقايق كما يظهر عند التدبّر

٢٠٨

والتوفيق من الله.

(٥٧٣) لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ تعليل للحمل من حيث إنّه نتيجته وذكر التّوبة في الوعد اشعار بأنّ كونهم ظلوماً جهولاً في جبلّتهم لا يخليهم من فرطات وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً حيث تاب على فرطاتهم وأثاب بالفوز على طاعتهم.

في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام : من كان كثير القراءة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمّد صلّى الله عليه وآله وأزواجه وزاد في ثواب الأعمال : ثمّ قال سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب وكانت أطول من سورة البقرة ولكن نقصوها وحرّفوها.

٢٠٩

سُورة سَبا

مَكّية عدد آيها خَمس وخَمسون آية شامي أربع في الباقين اختلافها آية عَنْ يَمِينٍ

وَشِمالٍ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ كلمة نعمة من الله فله الحمد في الدنيا وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ لأنّ نعمها أيضاً من الله كلّها وَهُوَ الْحَكِيمُ الذي أحكم أمر الدارين الْخَبِيرُ ببواطن الأشياء.

(٢) يَعْلَمُ ما يَلِجُ يدخل فِي اْلَارْضِ من مطر أو كنز أو ميّت وَما يَخْرُجُ مِنْها من ماء أو فلزّ أو نبات أو حيوان وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ من مطر وملك أو رزق وَما يَعْرُجُ فِيها من عمل أو ملك وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ للمقصّرين في شكر نعمه.

(٣) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ إنكارٌ لمجيئها أو استبطاء استهزاء بالوعد به قُلْ بَلى وَرَبِّي ردّ لكلامهم واثبات لما تفوّه لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ تكرير لإيجابه مؤكّداً بالقسم مقرّراً له بوصف المقسم به بصفات تقرّر إمكانه وتنفي استبعاده وقرئ علّام وبالرّفع لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وقرئ لا يعزب بالكسر وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ رفعهما بالابتداء والجملة مؤكّدة لنفي العزوب وقرئ بالفتح على نفي الجنس.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام قال : أوّل ما خلق الله القلم فقال له اكتب فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ علّة لإتيانها وبيان لما يقتضيه أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ لا تعب فيه ولا منّ عليه.

(٥) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا بالابطال وتزهيد الناس فيها مُعاجِزِينَ مسابقين كي يفوتونا وقرئ معجزين أي مثبّطين عن الايمان من أراده أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ من

٢١٠

سيّء العذاب أَلِيمٌ مؤلم وقرئ بالرّفع.

(٦) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا (١) الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ

القمّيّ قال هو أمير المؤمنين عليه السلام صدق رسول الله بما أنزل الله عليه وقرئ برفع الحقّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الذي هو التوحيد والتدرّع بلباس التقوى.

(٧) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا قال بعضهم لبعض هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يعنون النبيّ صلّى الله عليه وآله يُنَبِّئُكُمْ يحدّثكم بأعجب الأعاجيب إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ انّكم تنشئون خلقاً جديداً بعد ان تفرّق أجسادكم كلّ تمزيق وتفريق بحيث تصير تراباً.

(٨) أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ ردّ من الله عليهم ترديدهم.

(٩) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ما أحاط بجوانبهم مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ممّا يدلّ على كمال قدرة الله وانهم في سلطانه تجري عليهم قدرته إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ لتكذيبهم الآيات بعد ظهور البيّنات وقرئ بالياء في ثلاثتهنّ وكسفاً بتحريك السّين إِنَّ فِي ذلِكَ النظر والفكر فيهما وما يدلّان عليه لَآيَةً لدلالة لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ راجع الى ربّه فانّه يكون كثير التأمّل في أمره.

(١٠) وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي ارجعي مَعَهُ التسبيح.

القمّيّ أي سبّحي لله وَالطَّيْرَ أي ارجعي أيضاً أو أنت والطَّيْرَ وقرئ بالرّفع وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ جعلناه في يده كالشمع يصرفه كيف يشاء من غير احماء وطرق.

القمّيّ قال : كان داود إذا مرّ بالبراري يقرأ الزبور تسبّح الجبال والطير معه

__________________

(١) يعني القرآن هُوَ الْحَقَ أي يعلمونه الحق لأنّهم يتدبرونه ويتفكرون فيه فيعلمون بالنظر والاستدلال انه ليس من قبل البشر

٢١١

والوحوش والان الله له الحديد مثل الشمع حتّى كان يتّخذ منه ما أحبّ وقال أعطى داود وسليمان ما لم يعط أحداً من أنبياء الله من الآيات علّمهما منطق الطير وألان لهما الحديد والصفر من غير نار وجعلت الجبال يسبحن مع داود.

(١١) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ دروعاً واسعات وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ في نسجها بحيث تتناسب حلقها أو في مساميرها في الدقّة والغلظ فلا تغلق ولا تحرق.

في قرب الإسناد عن الرضا عليه السلام قال : الحلقة بعد الحلقة والقمّيّ قال المسامير التي في الحلقة وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.

(١٢) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ وسخّرنا له الريح وقرئ بالرفع غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشيّ كذلك.

القمّيّ قال : كانت الريح تحمل كرسيّ سليمان فتسير به بالغداة مسيرة شهر وبالعشيّ مسيرة شهر وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ القمّيّ الصفر وقيل أسال له النحاس المذاب من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ولذلك سمّاه عيناً وكان ذلك باليمن وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا ومن يعدل منهم عمّا أمرناه به من طاعة سليمان نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ قيل عذاب الآخرة وقيل عذاب الدنيا.

(١٣) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ قصور حصينة ومساكن شريفة سمّيت بها لأنّها يذبّ عنها ويحارب عليها وَتَماثِيلَ وصوراً.

في الكافي والمجمع عن الصادق عليه السلام : والله ما هي تماثيل الرجال والنساء ولكنّها الشجر وشبهه وَجِفانٍ صحاف كَالْجَوابِ كالحياض الكبار جمع جابية من الجباية وَقُدُورٍ راسِياتٍ ثابتات على الاثافي لا تنزل عنها لعظمها اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ المتوفر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه أكثر أوقاته ومع ذلك لا يوفي حقّه لأنّ توفيقه للشّكر نعمة يستدعي شكراً آخر لا الى نهاية ولذلك قيل الشَّكُورُ من يرى عجزه عن الشكر.

٢١٢

(١٤) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ أي على سليمان ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ أي الأرضة والأرض فعلها أضيفت إليه تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ عصاه من نساه إذا طرده فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ في المجمع : وفي الشواذ تَبَيَّنَتِ الانس ثمّ نسبها الى السجّاد والصادق عليهما السلام ويأتي ذكرها.

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال : إنّ الله عزّ وجلّ أوحى الى سليمان بن داود (ع) انّ آية موتك انّ شجرة تخرج من بيت المقدس يقال لها الخرنوبة قال فنظر سليمان يوماً فإذا الشجرة الخرنوبة قد طلعت من بيت المقدس فقال لها ما اسمك قالت الخرنوبة قال فولّى سليمان مدبراً الى محرابه فقام فيه متّكئاً على عصاه فقبض روحه من ساعته قال فجعلت الجنّ والإنس يخدمونه ويسعون في أمره كما كانوا وهم يظنّون انّه حيّ لم يمت يغدون ويروحون وهو قائم ثابت حتّى دبت الأرضة من عصاه فأكلت مِنْسَأَتَهُ فانكسرت وخرّ سليمان إلى الأرض أفلا تسمع لقوله عزّ وجلّ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُ الآية.

وفي العلل عن الباقر عليه السلام قال : أمر سليمان بن داود (ع) الجنّ فصنعوا له قبّة من قوارير فبينا هو متّكئ على عصاه في القبّة ينظر إلى الجنّ كيف يعملون وينظرون إليه إذ حانت منه التفاتة فإذا هو برجل معه في القبّة ففزع منه فقال له من أنت قال انا الذي لا اقبل الرشا ولا أهاب الملوك انا ملك الموت فقبضه وهو متّكئ على عصاه في القبّة والجن ينظرون إليه قال فمكثوا سنة يَدْابُونَ له حتّى بعث الله عزّ وجلّ الأرضة فأكلت مِنْسَأَتَهُ وهي العصا فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُ الآية قال عليه السلام : فالجن يشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان فما تكاد تراها في مكان الّا وعندها ماء وطين.

والقمّيّ قال : لمّا أوحى الله الى سليمان انّك ميّت أمر الشياطين ان تتخذ له بيتاً من قوارير ووضعوه في لجّة البحر ودخله سليمان فاتّكى على عصاه وكان يقرأ الزّبور والشياطين حوله ينظرون إليه ولا يجسرون أن يبرحوا فبينا هو كذلك إذ حانت منه التفاتة ثمّ ذكر كالحديث السابق ثمّ قال : فَلَمَّا خَرَّ على وجهه تَبَيَّنَتِ الانس انّ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ فهكذا نزلت هذه الآية وذلك أنّ

٢١٣

الانس كانوا يقولون إنّ الجنّ يعلمون الغيب فلمّا سقطَّ سليمان (ع) على وجهه علموا ان لو يعلم الجنّ الغيب لم يعملوا سنة سليمان (ع) وهو ميّت ويتوهّمونه حيّاً.

وفي العيون والعلل عن الرضا عن أبيه عن أبيه عليهم السلام : انّ سليمان بن داود (ع) قال ذات يوم لأصحابه انّ الله تعالى وهب لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي سخّر لي الريح والجنّ والإنس والطير والوحوش وعلّمني منطق الطير وآتاني من كلّ شيء ومع جميع ما أوتيت من الملك ما تمّ لي سرور يوم الى الليل وقد أحببت ان ادخل قصري في غد فأصعد أعلاه وانظر إلى ممالكي ولا تأذنوا لأحد عليّ لئلا يرد عليّ ما ينقص عليّ يومي قالوا نعم فلمّا كان من الغد أخذ عصاه بيده وصعد الى على موضع من قصره ووقف متّكئاً على عصاه ينظر إلى ممالكه مسروراً بما أوتي فرحاً بما اعطي إذ نظر إلى شابّ حسن الوجه واللّباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره فلمّا بصر به سليمان (ع) قال له من أدخلك الى هذا القصر وقد أردت ان أخلو فيه اليوم فبإذن من دخلت قال الشابّ أدخلني هذا القصر ربّه وباذنه دخلت فقال ربّه أحقّ به منّي فمن أنت قال انا ملك الموت قال وفيما جئت قال جئت لأقبض روحك قال امض لما أمرت به فهذا يوم سروري وأبى الله عزّ وجلّ أن يكون لي سرور دون لقائه فقبض ملك الموت روحه وهو متّكئ على عصاه فبقي سليمان متّكئاً على عصاه وهو ميّت ما شاء الله والناس ينظرون إليه وهم يقدّرون انّه حيّ فافتتنوا فيه واختلفوا فمنهم من قال قد بقي سليمان (ع) متّكئاً على عصاه هذه الأيّام الكثيرة ولم يتعب ولم ينم ولم يأكل ولم يشرب انّه لربّنا الذي يجب علينا ان نعبده وقال قوم انّ سليمان ساحر وانّه يرينا انّه واقف متّكئ على عصاه يسحر أعيننا وليس كذلك فقال المؤمنون انّ سليمان هو عبد الله ونبيّه يدبّر الله أمره بما يشاء فلمّا اختلفوا بعث الله عزّ وجلّ الأرضة فدبّت في عصاه فلمّا أكلت جوفه انكسرت العصا وخرّ سليمان من قصره على وجهه فشكرت الجنّ للأرضة صنيعها فلأجل ذلك لا توجد الأرضة في مكان الّا وعندها ماء وطين وذلك قول الله عزّ وجلّ فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ يعني عصاه القمّيّ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا الآية.

ثمّ قال الصادق عليه السلام : والله ما نزلت هذه الآية هكذا وانّما نزلت فَلَمَّا خَرَّ

٢١٤

تَبَيَّنَتِ الانس انّ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ.

وفي الاحتجاج عن الصادق عليه السلام : انّه سئل كيف صعدت الشياطين إلى السماء وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود (ع) من البناء ما يعجز عنه ولد آدم قال غلظوا لسليمان كما سخّروا وهم خلق رقيق غذّاهم التنسّم والدليل على ذلك صعودهم إلى السماء لاستراق السمع ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها الّا بسلّم أو سبب.

في الإكمال عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : عاش سليمان بن داود سبعمائة سنة واثنتي عشرة سنة.

(١٥) لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ لأولاد سبأ بن يشخب بن يعرب بن قحطان (١).

في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّه سئل عن سبأ أرجل هو أم امرأة فقال هو رجل من العرب ولد عشرة تيامن منهم ستّة وتشأم منهم أربعة فامّا الذين تيامنوا فالأزد وكندة ومذحج والأشعرون والانمار وحمير قيل ما أنمار قال الذين منهم خثعم وبجيلة وأمّا الذين تشأموا فعاملة وجذام ولحم وغسّان فِي مَسْكَنِهِمْ موضع سكناهم قيل وهي باليمن يقال لها مآرِب بينها وبين صَنعاء مسيرة ثلاث وقرئ بالافراد ثمّ بفتح الكاف وكسره آيَةٌ علامة دالّة على وجود الصانع المختار وانّه قادرٌ على ما يشاء من الأمور العجيبة جَنَّتانِ جماعتان من البساتين عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ جماعة عن يمين بلدهم وجماعة عن شماله كلّ واحدة منهما في تقاربهما وتضايقهما كأنّه جنّة واحدة كذا قيل كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ على إرادة القول بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ وقرئ الكلّ بالنصب.

(١٦) فَأَعْرِضُوا عن الشكر فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ أي العظيم الشديد.

القمّيّ قال : إنّ بحراً كان في اليمن وكان سليمان (ع) أمر جنوده أن يجروا لهم خليجاً من البحر العذب الى بلاد الهند ففعلوا ذلك وعقدوا له عقدة عظيمة من

__________________

(١) المراد من سبأ هنا القبيلة الذين هم أولاد سبأ بن يشخب.

٢١٥

الصخر والكلس حتّى يفيض على بلادهم وجعلوا للخليج مجاري فكانوا إذا أرادوا ان يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر ما يحتاجون إليه وكانت لهم جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ عن مسيرة عشرة أيّام فيها يمرّ المارّ لا يقع عليه الشّمس من التفافها فلمّا عملوا بالمعاصي وعتوا عن امر ربّهم ونهاهم الصّالحون فلم ينتهوا بعث الله عزّ وجلّ على ذلك السدّ الجرد وهي الفارة الكبيرة فكانت تقلع الصخرة التي لا تستقلّها الرجال وترمي بها فلمّا رأى ذلك قوم منهم هربوا وتركوا البلاد فما زال الجرذ تقلع الحجر حتّى خربوا ذلك فلم يشعروا حتّى غشيهم السّيل وخرب بلادهم وقلع أشجارهم وهو قوله تعالى لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ الآية إلى قوله سَيْلَ الْعَرِمِ أي العظيم الشديد وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ مرّ بشع.

القمّيّ وهم أمّ غيلان وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ قيل معطوفان على أُكُلٍ لا خَمْطٍ فانّ الأثل هو الطّرفاء ولا ثمر له ووصف السّدر بالقلّة لأن جناه وهو النّبق ممّا يطيب اكله ولذلك تغرس في البساتين وتسمية البدل جنّتين للمشاكلة والتهكّم.

(١٧) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا بكفرانهم النعمة وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ الّا البليغ في الكفران وقرئ بالنّون ونصب الكفور.

(١٨) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها بالتوسعة على أهلها قيل هي قرى الشّام والقمّيّ قال مكّة قُرىً ظاهِرَةً متواصلة يظهر بعضها لبعض وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ بحيث يقيل الغادي في قرية ويبيت في أخرى سِيرُوا فِيها على إرادة القول لَيالِيَ وَأَيَّاماً متى شئتم من ليل أو نهار آمِنِينَ.

(١٩) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا اشروا النّعمة وملّوا العافية فسألوا الله ان يجعل بينهم وبين الشام مفاوز ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل وتزوّد الأزواد فأجابهم الله بتخريب القرى المتوسطة وقرئ بَعِّد.

وفي المجمع عن الباقر عليه السلام : رَبَّنا باعَدَ بلفظ الخبر على أنّه شكوى منهم لبعد سفرهم افراطاً منهم في الترفيه وعدم الاعتداد بما أنعم الله عليهم فيه وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ حيث بطروا النعمة فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ يتحدّث النّاس بهم تعجّباً وضرب مثل

٢١٦

فيقولون تفرّقوا أيدي سبأ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ وفرّقناهم غاية التفريق حتّى لحق غسّان منهم بالشام وأنمار بيثرب وجذام بتهامة والأزد بعمّان إِنَّ فِي ذلِكَ فيما ذكر لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ عن المعاصي شَكُورٍ على النعم.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال هؤلاء قوم كانت لهم قرىً متّصلة ينظر بعضهم إلى بعض وأنهار جارية واموال ظاهرة فكفروا نعم الله عزّ وجلّ وغيّروا ما بأنفسهم من عافية الله فغيّر الله ما بهم من نعمة وإِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ فأرسل الله عليهم سَيْلَ الْعَرِمِ فغرق قراهم وخرب ديارهم وذهب بأموالهم وابدالهم مكان جنّتيهم جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ.

وفي الاحتجاج عن الباقر عليه السلام في حديث الحسن البصري في هذه الآية قال عليه السلام : بل فينا ضرب الله الأمثال في القرآن فنحن القرى الّتي بارك الله فيها وذلك قول الله عزّ وجلّ فيمن أقرّ بفضلنا حيث أمرهم ان يأتونا فقال وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها أي جعلنا بينهم وبين شيعتهم الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً والقرى الظاهرة الرسل والنقلة عنّا الى شيعتنا وفقهاء شيعتنا وقوله سبحانه وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ والسير مثل للعلم سير به فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً مثل لما يسير من العلم في اللّيالي والأيّام عنّا إليهم في الحلال والحرام والفرائض والأحكام آمِنِينَ فيها إذاً أخذوا عن معدنها الذي أمروا ان يأخذوا منه آمِنِينَ من الشكَ والضلال والنقلة من الحرام إلى الحلال.

وعن السجّاد عليه السلام : انّما عني بالقرى الرّجال ثمّ تلا آيات في هذا المعنى من القرآن قيل فمن هم قال نحن هم قال أولم تسمع إلى قوله سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ قال آمنين من الزّيغ.

وفي الإكمال عن القائم عليه السلام في هذه الآية قال : نحن والله الْقُرَى الَّتِي بارك الله فيها وأنتم القرى الظاهرة.

وفي العلل عن الصادق عليه السلام في حديث أبي حنيفة الذي سبق صدره في

٢١٧

آخر المقدّمة الثانية سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ قال : مع قائمنا أهل البيت عليهم السلام.

(٢٠) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ (١) إِبْلِيسُ ظَنَّهُ صدق في ظنّه وهو قوله لَأُضِلَّنَّهُمْ ولَأُغْوِيَنَّهُمْ* وقرئ بالتشديد اي حقّقه فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

(٢١) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ تسلّط واستيلاء بوسوسة واستغواء إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ ليتميّز المؤمن من الشاكّ أراد بحصول العلم حصول متعلّقه وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ.

في الكافي عن الباقر عليه السلام قال : كان تأويل هذه الآية لمّا قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله والظنّ من إبليس حين قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وآله انّه ينطق عن الهوى فظنّ بهم إبليس ظنّاً فصدّقوا ظنّه.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : لمّا أمر الله نبيّه صلّى الله عليه وآله ان ينصب أمير المؤمنين عليه السلام للنّاس في قوله يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ في عليّ بغدير خم فقال من كنت مولاه فعليّ مولاه فجاءت الأبالسة الى إبليس الأكبر وحثوا التراب على رؤوسهم فقال لهم إبليس ما لكم قالوا إنّ هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلّها شيء إلى يوم القيامة فقال لهم إبليس كلّا انّ الذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني فأنزل الله عزّ وجلّ على رسوله وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ الآية.

(٢٢) قُلِ للمشركين ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ آلهة مِنْ دُونِ اللهِ فيما يهمّكم من جلب نفع أو دفع ضرّ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ من خير أو شرّ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ في أمرهما وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ من شركة لا خلقاً ولا ملكاً وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ يعينه على تدبير أمرهما.

(٢٣) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ ولا تنفعهم شفاعة أيضاً كما يزعمون إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ

__________________

(١) الضمير في عَلَيْهِمْ يعود إلى أهل سبأ وقيل إلى الناس كلّهم إلّا من أطاع الله.

٢١٨

لَهُ ان يشفع وقرئ بضمّ الهمزة.

القمّيّ قال لا يشفع أحد من أنبياء الله وأولياء الله ورسله يوم القيامة حتّى يأذن الله له الّا رسول الله صلّى الله عليه وآله فانّ الله عزّ وجلّ قد اذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة والشفاعة له وللأئمّة عليهم السلام ثمّ بعد ذلك للأنبياء.

وعن الباقر عليه السلام : ما من أحد من الأوّلين والآخرين الّا وهو محتاج الى شفاعة رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم القيامة ثمّ إنّ لرسول الله صلّى الله عليه وآله الشفاعة في أمّته ولنا الشفاعة في شيعتنا ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم ثمّ قال وإنّ المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر وإنّ المؤمن ليشفع حتّى لخادمه يقول يا ربّ حقّ خدمتي كان يقيني الحرّ والبرد حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ يعني يتربّصون فزعين حتّى إذا كشف الفزع عن قلوبهم وقرئ على البناء للفاعل قالُوا قال بعضهم لبعض ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ذو العلوّ والكبرياء.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : وذلك أنّ أهل السماوات لم يسمعوا وحياً فيما بين ان بعث عيسى بن مريم (ع) الى أن بعث محمّد صلّى الله عليه وآله فلمّا بعث الله جبرئيل الى محمّد صلّى الله عليه وآله سمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا فصعق أهل السماوات فلمّا فرغ من الوحي انحدر جبرئيل كلّما مرّ بأهل سماء فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ يقول كشف عن قلوبهم فقال بعضهم لبعض ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ.

(٢٤) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تقرير لقوله لا يَمْلِكُونَقُلِ اللهُ إذ لا جواب سواه وفيه أشعار بأنّهم إن سكتوا أو تلعثموا في الجواب مخافة الإلزام فهم مقرون به بقلوبهم وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي وانّ أحد الفريقين من الموحّدين والمشركين لعلى أحد الامرين من الهدى والضلال المبين وهو أبلغ من التصريح لأنّه في صورة الإنصاف المسكت للخصم المشاغب قيل اختلاف الحرفين لأنّ الهادي كمن صعد مناراً ينظر الأشياء ويطلع عليها أو ركب جواداً يركضه حيث يشاء والضّال كأنّه منغمس في ظلام مرتبكٍ لا يرى أو محبوس في مطمورة لا

٢١٩

يستطيع ان يتفصّى منها.

(٢٥) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ هذا ادخل في الإنصاف وابلغ في الإخبات حيث أسند الاجرام الى أنفسهم والعمل الى المخاطبين.

(٢٦) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا يوم القيامة ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِ يحكم ويفصل بأن يدخل المحقّين الجنّة والمبطلين النار وَهُوَ الْفَتَّاحُ الحاكم الفاصل الْعَلِيمُ بما ينبغي أن يقضى به.

(٢٧) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ لأرى بأيّ صفة ألحقتموهم بالله في استحقاق العبادة وهو استفسار عن شبهتهم بعد الزام الحجّة عليهم زيادة في تبكيتهم كَلَّا ردع لهم عن المشاركة بعد إبطال المقايسة بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الموصوف بالغلبة وكمال القدرة والحكمة وهؤلاء الملحقون متّسمة بالذلّة متأبّية عن قبول العلم والقدرة رأسا.

(٢٨) وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ الّا لرسالة عامّة لهم من الكفّ فإنّها إذا عمّتهم فقد كفّتهم ان يخرج منها أحد منهم بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ فَيحملهم جهلهم على مخالفتك.

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال : إنّ الله تبارك وتعالى أعطى محمّداً صلى الله عليه وآله شرايع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى على نبيّنا وآله وعليهم السلام إلى أن قال وأرسله كافّة الى الأبيض والأسود والجنّ والإنس.

وفي روضة الواعظين عن السجّاد عليه السلام : انّ أبا طالب سأل النبيّ صلّى الله عليه وآله يا ابن أخ إلى الناس كافّة ارْسِلْتَ أم الى قومك خاصّة قال لا بل الى النّاس ارْسِلْتُ كافّة الأبيض والأسود والعربيّ والعجمي (١) والذي نفسي بيده لأدعونّ الى هذا الأمر الأبيض والأسود من على رؤوس الجبال ومن في لجج البحار ولا دعونّ

__________________

(١) ويؤيده الحديث المروي عن ابن عبّاس (ره) عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : أعطيت خمساً ولا أقول فخراً : بعثت إلى الأحمر والأسود وجعلت لي الأرض طهورا ومسجداً وأحلّ لي المغنم ولم يحل لأحد قبلي ونصرت بالرعب فهو يسير أمامي مسيرة شهر وأعطيت الشفاعة فادخرتها لأمتي يوم القيامة

.

٢٢٠