تفسير الصّافي - ج ٤

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤١٢

اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ فلا يعاقبهم بغير ذنب ولا يخلي الظالم منهم بغير انتقام.

(٣٢) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ يوم ينادي فيه بعضهم بعضاً.

في المعاني عن الصادق عليه السلام : يَوْمَ التَّنادِ يوم ينادي فيه بعضهم بعضاً في المعاني عن الصادق عليه السلام : يَوْمَ التَّنادِ يوم ينادي أهل النار أهل الجنة أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ.

(٣٣) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ يعصمكم من عذابه وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ.

(٣٤) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ موسى بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ من الدين.

في المجمع عن الباقر عليه السلام في حديث : انّه سئل كان يوسف رسولاً نبيّاً فقال نعم أما تسمع قول الله تعالى لَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ وقد مرّ تمامه في سورة يوسُف (ع) حَتَّى إِذا هَلَكَ مات قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ في العصيان مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ شاكّ فيما يشهد به البيّنات لغلبة الوهم والانهماك في التقليد.

(٣٥) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ بغير حجّة أَتاهُمْ بل امّا بتقليد أو شبهة داحضة كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ وقرئ قلب بالتّنوين.

(٣٦) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً بناء مكشوفاً عالياً من صرّح الشيء إذا ظهر لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ الطريق.

(٣٧) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وقرئ بالنّصب على جواب الترجي وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً في دعوى الرّسالة وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ سبيل الرّشاد وقرئ وَصَدَّ على أنّ فرعون صدّ النّاس عن الهدى بأمثال هذه التّمويهات والشبهات وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ أي خسار.

٣٤١

(٣٨) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ بالدلالة سَبِيلَ الرَّشادِ.

(٣٩) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ تمتع يسير لسرعة زوالها وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ لخلودها.

(٤٠) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها عدلاً من الله سبحانه وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ بغير تقدير وموازنة بالعمل بل أضعافاً مضاعفة فضلاً من الله ورحمة.

(٤١) وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ.

(٤٢) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ بربوبيّته عِلْمٌ والمراد نفي المعلوم والاشعار بأنّ الألوهيّة لا بدّ لها من برهان واعتقادها لا يصحّ الّا عن ايقان وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ المستجمع لصفات الألوهيّة من كمال القدرة والغلبة والتمكن من المجازاة والقدرة على التعذيب والغفران.

(٤٣) لا جَرَمَ لا ردّ لما دعوه إليه وجرم بمعنى حقّ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ قيل أي حقّ عدم دعوة آلهتكم إلى عبادتها أو عدم دعوة مستجابة لها وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ بالموت وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ في الضلالة والطغيان هُمْ أَصْحابُ النَّارِ.

(٤٤) فَسَتَذْكُرُونَ عند معاينة العذاب ما أَقُولُ لَكُمْ من النصيحة وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ ليعصمني من كلّ سوء إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ فيحرسهم.

(٤٥) فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا شدائد مكرهم القمّيّ يعني مؤمن آل فرعون وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ.

في الكافي والمحاسن عن الصادق عليه السلام في هذه الآية : اما لقد سطوا عليه وقتلوه ولكن أتدرون ما وقاه وقاه أن يفتنوه في دينه.

والقمّيّ عنه عليه السلام : والله لقد قطعوه إرباً إرباً ولكن فَوَقاهُ اللهُ ان يفتنوه في دينه.

٣٤٢

وفي الاحتجاج عنه عليه السلام في حديث له قال : كان حزقيل يدعوهم إلى توحيد الله ونبوّة موسى (ع) وتفضيل محمّد على جميع رسل الله وخلقه وتفضيل علي ابن أبي طالب والخيار من الأئمّة عليهم السلام على ساير أوصياء النبيّين وإلى البراءة من ربوبيّة فرعون فوشى به الواشون إلى فرعون وقالوا إنّ حزقيل يدعو الى مخالفتك ويعين أعداءك على مضادّتك فقال لهم فرعون ابن عمّي وخليفتي على ملكي ووليّ عهدي ان فعل ما قلتم فقد استحقّ العذاب على كفره بنعمتي وان كنتم عليه كاذبين فقد استحققتم أشدّ العذاب لإيثاركم الدخول في مساءَة فجاء بحزقيل وجاء بهم فكاشفوه وقالوا أأنت تجحد ربوبيّة فرعون الملك وتكفر بنعماه فقال حزقيل أيّها الملك هل جرّبت عليّ كذباً قطّ قال لا قال فسلهم من ربّهم قالوا فرعون هذا قال ومن خالقكم قالوا فرعون هذا قال ومن رازقكم الكافل لمعايشكم والدافع عنكم مكارهكم قالوا فرعون هذا قال حزقيل أيّها الملك فأشهدك وكلّ من حضرك انّ ربّهم هو ربّي وخالقهم هو خالقي ورازقهم هو رازقي ومصلح معايشهم هو مصلح معايشي لا ربّ لي ولا رازق غير ربّهم وخالقهم ورازقهم وأشهدك ومن حضرك انّ كلّ ربّ ورازق وخالق سوى ربّهم وخالقهم ورازقهم فأنا بريء منه ومن ربوبيّته وكافر بآلهيّته يقول حزقيل هذا وهو يعني أنّ ربّهم هو الله ربّي ولم يقل إنّ الّذي قالوا إنّه ربّهم هو ربّي وخفي هذا المعنى على فرعون ومن حضره وتوهّم وتوهّموا انّه يقول فرعون ربّي وخالقي ورازقي فقال لهم فرعون يا رجال السوء يا طلّاب الفساد في ملكي ومريدي الفتنة بيني وبين ابن عمّي وهو عضُدي أنتم المستحقون لعذابي لارادتكم فساد أمري وإهلاك ابن عمّي والفت في عضدي ثمّ امر بالأوتاد فجعل في ساق كلّ واحد منهم وتد وفي صدره وتد ومرّ أصحاب أمشاط الحديد فشقّوا بها لحومهم من أبدانهم فذلك ما قال الله تعالى فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا به لمّا وشوا به إلى فرعون ليهلكوه وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ وهم الذين وشوا بحزقيل إليه لمّا أوتد فيهم الأوتاد ومشط عن أبدانهم لحومها بالامشاط.

(٤٦) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا.

في المجمع عن الصادق عليه السلام : ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة لأنّ في نار

٣٤٣

القيامة لا يكون غدوّ وعشيّ ثمّ قال ان كانوا انّما يعذّبون في النار غدوَّاً وعشيّاً فيما بين ذلك هم من السعداء لا ولكن هذا في نار البرزخ قبل يوم القيامة ألم تسمع قوله عزّ وجلّ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ الآية.

والقمّيّ قال عنى ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة وذلك أنّ في القيامة لا يكون غدوّ ولا عشاء لأنّ الغدوّ والعشاء انّما يكون في الشمس والقمر وليس في جنان الخلد ونيرانها شمس ولا قمر.

قال : وسئل الصادق عليه السلام عن هذه الآية فقال ما يقول الناس فيها فقيل يقولون إنّها في نار الخلد وهم لا يعذّبون فيما بين ذلك فقال فهم من السّعداء ثمّ قال انّما هذا في الدنيا وامّا في نار الخلد فهو قوله وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ الآية.

وفي الكافي عنه عليه السلام : انّ أرواح الكفّار في نار جهنّم يُعْرَضُونَ عَلَيْها يقولون ربّنا لا تقم لنا الساعة ولا تنجز لنا ما وعدتنا ولا تلحق آخرنا بأوّلنا.

وعن الباقر عليه السلام : انّ لله تعالى ناراً في المشرق خلقها ليسكنها أرواح الكفّار ويأكلون من زقّومها ويشربون من حميمها ليلهم فإذا طلع الفجر هاجت الى واد باليمن يقال له برهوت أشدّ حرّاً من نار الدنيا كانوا فيه يتلاقون ويتعارفون فإذا كان المساء عادوا إلى النار فهم كذلك إلى يوم القيامة.

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ ان كان من أهل الجنّة فمن الجنة وإن كان من أهل النار فمن النار يقال هذا مقعدك حتّى يبعثك الله يوم القيامة وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ وقرئ ادخلوا بضمّتين.

(٤٧) وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ بالدفع أو الحمل.

في مصباح المتهجّد في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام : خطب بها يوم الغدير وقرأ فيها هذه الآية ثمّ أفتدرون الاستكبار ما هو هو ترك الطّاعة لمن أمروا

٣٤٤

بطاعته والترفّع على من ندبوا الى متابعته والقرآن ينطق من هذا عن كثير.

(٤٨) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها نحن وأنتم فكيف نغني عنكم ولو قدرنا لأغنينا عن أنفسنا إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ ولا معقّب لحكمه.

(٤٩) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ.

(٥٠) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ أرادوا به إلزامهم الحجّة وتوبيخهم على اضاعتهم أوقات الدعاء وتعطيلهم أسباب الإجابة قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا فانّا لا نجتري فيه إذ لم يؤذن لنا في الدّعاء لأمثالكم وفيه اقناط لهم عن الإجابة وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ في ضياع لا يجاب.

(٥١) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ.

القمّيّ يعني الأئمّة عليهم السلام.

وعن الصادق عليه السلام : ذلك والله في الرجعة أما علمت انّ أنبياء كثيرة لم ينصروا في الدنيا وقتلوا والأئمّة عليهم السلام من بعدهم قتلوا ولم ينصروا وذلك في الرجعة.

(٥٢) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ لبطلانها وقرئ بالتاء وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ البعد من الرحمة وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ جهنّم.

(٥٣) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى ما يهتدي به في الدّين من المعجزات والصحف والشرايع وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وتركنا عليهم بعده من ذلك التوراة هُدىً وَذِكْرى هداية وتذكرة لِأُولِي الْأَلْبابِ لذوي العقول السّليمة.

(٥٥) فَاصْبِرْ على أذى المشركين إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ بالنصر وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ لترك الأولى والاهتمام بأمر العدى وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ.

(٥٦) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ عامّ في كلّ مجادل

٣٤٥

مبطل وان نزلت في مشركي مكّة أو اليهود على ما قيل إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ الّا عظمة وتكبّر عن الحقّ ما هُمْ بِبالِغِيهِ ببالغي مقتضى تلك العظمة لأنّ الله مذلّهم فَاسْتَعِذْ بِاللهِ فالتجئ إليه إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ لأقوالكم وأفعالكم.

(٥٧) لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ فمن قدر على خلقها اوّلا من غير أصل قدر على خلق الناس ثانياً من أصل كذا قيل وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ لأنّهم لا ينظرون ولا يتأمّلون لفرط غفلتهم وأتباعهم أهوائهم.

(٥٨) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ الجاهل والمستبصر وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ والمحسن والمسيء فينبغي أن يكون لهم حال يظهر فيها التفاوت وهي ما بعد البعث قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ وقرئ بالتاء.

(٥٩) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها في مجيئها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ لا يصدّقون بها لقصور نظرهم على ظاهر ما يحسّون به.

(٦٠) وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي دعائي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ صاغرين وقرئ سيدخلون بضمّ الياء وفتح الخاء.

في الكافي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال : هو الدعاء وأفضل العبادة الدعاء.

وعنه عليه السلام : انّه سئل أيّ العبادة أفضل فقال له ما من شيء أفضل عند الله عزّ وجلّ من أن يسئل ويطلب ما عنده وما من أحد أبغض إلى الله عزّ وجلّ ممّن يستكبر عن عبادته ولا يسئل ما عنده.

وعن الصادق عليه السلام : ادع ولا تقل قد فرغ من الأمر فانّ الدعاء هو العبادة انّ الله يقول وتلا هذه الآية.

وفي الصحيفة السجّادية بعد ذكر هذه الآية : فَسَمَّيْتَ دُعاءَكَ عِبادَةً وَتَرْكَهُ اسْتِكْباراً وَتَوَعَّدْتَ عَلى تَرْكِهِ دُخُولَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ.

وفي الاحتجاج عن الصادق عليه السلام : انّه سئل أليس يقول الله ادْعُونِي

٣٤٦

أَسْتَجِبْ لَكُمْ وقد نرى المضطرّ يدعوه ولا يجاب له والمظلوم يستنصره على عدوّه فلا ينصره قال ويحك ما يدعوه أحد الّا استجاب له امّا الظالم فدعاؤه مردود إلى أن يتوب وامّا المحقّ فإذا دعاه استجاب له وصرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه أو ادّخر له ثواباً جزيلاً ليوم حاجته إليه وإن لم يكن الامر الّذي سئل العبد خيراً له ان أعطاه امسك عنه والمؤمن العارف بالله ربّما عزّ عليه أن يدعوه فيما لا يدري أصواب ذلك أم خطأ وقد مضى أخبار أخر في هذا المعنى في سورة البقرة عند قوله تعالى أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ.

(٦١) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ لتستريحوا فيه بأن خلقه بارداً مظلماً ليؤدّي الى ضعف المحركات أو هدوء الحواس وَالنَّهارَ مُبْصِراً يبصر فيه أو به واسناد الإبصار إليه مجاز فيه مبالغة إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ فضل لا يوازيه فضل وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ لجهلهم بالمنعم واغفالهم عن مواقع النعم.

(٦٢) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره.

(٦٣) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ.

(٦٤) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ بأن خلقكم منتصب القامة بادي البشرة متناسب الأعضاء والتخطيطات متهيّأ لمزاولة الصنايع واكتساب الكمالات وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ اللّذائذ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ فانّ كلّ ما سواه مربوب مفتقر بالذات معرض للزوال.

(٦٥) هُوَ الْحَيُ المتفرّد بالحياة الذّاتية لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لا أحد يساويه أو يدانيه في ذاته وصفاته فَادْعُوهُ فاعبدوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ من الشرك والرياء الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ قائلين له.

القمّيّ عن السجّاد عليه السلام : إذا قال أحدكم لا اله إلّا الله فليقل الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فانّ الله يقول هُوَ الْحَيُ الآية.

٣٤٧

(٦٦) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ان أنقاد وأخلص له ديني.

(٦٧) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا ثمّ يبقيكم لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ من قبل الشيخوخة أو بلوغ الأشدّ وَلِتَبْلُغُوا ويفعل ذلك لِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وقت الموت وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ما في ذلك من الحجج والعبر.

(٦٨) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فإذا أراده فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ من غير عُدّة وتجشّم كلفة بلا صوت ولا حرف والفاء الأولى للدلالة على أنّ ذلك نتيجة ما سبق.

(٦٩) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ عن التصديق بها.

(٧٠) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ جزاء تكذيبهم.

(٧١) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ بها.

(٧٢) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ يحرقون.

(٧٣) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ.

(٧٤) مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا ضاعوا عنّا فلم نجد ما كنّا نتوقّع منهم بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً بل تبيّن لنا انّا لم نكن نعبد شيئاً بعبادتهم.

في الكافي والقمّيّ عن الباقر عليه السلام : فامّا النصاب من أهل القبلة فانّهم يخدّ لهم خدّاً إلى النار التي خلقها الله في المشرق فيدخل عليهم منها اللهب والشرر والدخان وفورة الحميم إلى يوم القيامة ثمّ مصيرهم إلى الحميم ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أي أين إمامكم الذي اتّخذتموه دون الإِمام الذي جعل الله للناس إماماً.

٣٤٨

وفي البصائر عنه عليه السلام قال : كنت خلف أبي وهو على بغلته فنفرت بغلته فإذا هو شيخ في عنقه سلسلة ورجل يتبعه فقال يا عليّ بن الحسين اسقني فقال الرجل لا تسقه لا سقاه الله وكان الشيخ معاوية وفي هذا المعنى أخبار أخر كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ حتّى لا يهتدوا إلى شيء ينفعهم في الآخرة.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال : فقد سمّاهم الله كافرين مشركين بأن كذّبوا بالكتاب وقد أرسل الله رسله بالكتاب وبتأويله فمن كذّب بالكتاب أو كذّب بما أرسل الله به رسله من تأويل الكتاب فهو مشرك كافر.

(٧٥) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ تبطرون وتتكبّرون بِغَيْرِ الْحَقِ وهو الشرك والطغيان وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ تتوسّعون في الفرح.

(٧٦) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ الأبواب السّبعة المقسومة لكم خالِدِينَ فِيها مقدّرين الخلود فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ عن الحقّ جهنّم.

(٧٧) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ باهلاك الكفّار وتعذيبهم حَقٌ كائن لا محالة فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ فان نُرِكَ وما مزيدة لتأكيد الشّرطيّة ولذلك لحقت النون الفعل بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ وهو القتل والأسر أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل أن تراه فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ يوم القيامة فنجازيهم بأعمالهم.

(٧٨) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ.

في الخصال عنهم عليهم السلام : انّ عددهم مائة ألف وأربعة وعشرون الفاً.

وفي المجمع عن عليّ : بعث الله نبيّاً اسود لم يقصّ علينا قصّته وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ فانّ المعجزات عطايا قسمها بينهم على ما اقتضت حكمته ليس لهم اختيار في إيثار بعضها والاستبداد بإتيان المقترح بها فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ بالعذاب في الدنيا والآخرة قُضِيَ بِالْحَقِ بإنجاء المحقّ وتعذيب المبطل وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ المعاندون باقتراح الآيات بعد ظهور ما يغنيهم عنها.

٣٤٩

(٧٩) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ فانّ منها ما يؤكل كالغنم ومنها ما يؤكل ويركب كالإبل والبقر.

(٨٠) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كالألبان والجلود والأوبار وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ بالمسافرة عليها وَعَلَيْها في البرّ وَعَلَى الْفُلْكِ في البحر تُحْمَلُونَ.

(٨١) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ الدالة على كمال قدرته وفرط رحمته فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ فانّها لظهورها لا تقبل الإنكار.

(٨٢) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ منهم قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ ما بقي منهم من القصور والمصانع وغير ذلك فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ما الأولى تحتمل النافية والاستفهاميّة والثانية الموصولة والمصدريّة.

(٨٣) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ واستحقروا علم الرّسل وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.

(٨٤) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا شدّة عذابنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ يعنون الأصنام.

(٨٥) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا لأنّه غير مقبول حينئذ سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ سنّ الله ذلك سنّة ماضية في العباد وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ أي وقت رؤيتهم البأس استعير اسم المكان للزمان.

في العيون عن الرضا عليه السلام : أنّه سئل لأيّ علّة غرق الله تعالى فرعون وقد آمن به وأقرّ بتوحيده قال لأنّه آمن عند رؤية البأس والايمان عند رؤية البأس غير مقبول وذلك حكم الله تعالى ذكره في السّلف والخلف قال الله عزّ وجلّ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا الآيتين.

وفي الكافي : قدم الى المتوكّل رجل نصرانيّ فجر بامرأة مسلمة فأراد ان يقيم عليه الحدّ فأسلم فقيل قد هدم إيمانه شركه وفعله وقيل يضرب ثلاثة حدود وقيل غير

٣٥٠

ذلك فأرسل المتوكّل الى الهادي عليه السلام وسأله عن ذلك فكتب عليه السلام يضرب حتّى يموت فأنكروا ذلك وقالوا هذا شيء لم ينطق به كتاب ولم تجيء به سنّة فسلوه ثانياً البيان فكتب هاتين الآيتين بعد البسملة فأمر به المتوكّل فضرب حتّى مات.

في ثواب الأعمال والمجمع عن الباقر عليه السلام قال : من قرأ حم المؤمن في كلّ ليلة غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر والزمه كلمة التقوى وجعل الآخرة خيراً له من الدنيا.

وعن الصادق عليه السلام : الحواميم رياحين القرآن.

٣٥١

سورة حم السَّجّدة

مَكّيةٌ عَدد آيها ثلاث وخمسون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) حم.

(٢) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

(٣) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ القمّيّ أي بيّن حلالها وحرامها وأحكامها وسننها قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.

(٤) بَشِيراً وَنَذِيراً.

القمّيّ يبشّر المؤمنين وينذر الظالمين فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ عن تدبّره وقبوله فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ سماع تأمّل وطاعة.

(٥) وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ في اغطية وَفِي آذانِنا وَقْرٌ صمم واصله الثقل وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ يمنعنا عن التواصل.

القمّيّ أي تَدْعُونا الى ما لا نفهمه ولا نعقله قيل وهذه تمثيلات لنبوّ قلوبهم عن ادراك ما يدعوهم إليه واعتقادهُم ومَجِّ أسماعهم له وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرّسول صلّى الله عليه وآله فَاعْمَلْ على دينك إِنَّنا عامِلُونَ على ديننا.

(٦) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لست ملكاً ولا جنيّاً لا يمكنكم التلقّي منه ولا أدعوكم الى ما ينبو عنه العقول والاسماع وانما أدعوكم إلى التوحيد والاستقامة في العمل فَاسْتَقِيمُوا في أفعالكم متوجّهين إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ

٣٥٢

ممّا أنتم عليه وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ من فرط جهالتهم واستخفافهم بالله.

(٧) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ لبخلهم وعدم إشفاقهم على الخلق وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : أترى انّ الله عزّ وجلّ طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم يشركون به حيث يقول وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ قيل جعلت فداك فسرّه لي فقال وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الذين أشركوا بالإِمام الأوّل وهُمْ بالأئمّة الآخرين كافِرُونَ انّما دعا الله العباد إلى الإيمان به فإذا آمنوا بالله وبرسوله افترض عليهم الفرائض.

أقولُ : هذا الحديث يدلّ على ما هو التحقيق عندي من انّ الكفّار غير مكلّفين بالاحكام الشرعيّة ما داموا باقين على الكفر وعن ابن عبّاس : أي لا يطهّرون أنفسهم من الشّرك بالتوحيد ولعلّه انّما أوّل الزكاة بالتطهير لما ذكر.

(٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ لا يمنّ به عليهم.

(٩) قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ.

(١٠) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وأكثر خيرها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ القمّيّ : معنى يَوْمَيْنِ أي وقتين ابتداء الخلق وانقضائه قال وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها أي لا تزول وتبقى فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً يعني في أربعة أوقات وهي التي يخرج الله عزّ وجلّ فيها أقوات العالم من الناس والبهائم والطير وحشرات الأرض وما في البرّ والبحر من الخلق من الثمار والنبات والشجر وما يكون فيها معاش الحيوان كلّه وهو الربيع والصيف والخريف والشتاء ففي الشتاء يرسل الله الرياح والأمطار والأنداء والطلول من السماء فيلقح الأرض والشجرة وهو وقت بارد ثمّ يجيء بعد الربيع وهو وقت معتدل حارّ وبارد فيخرج الثمر من الشجر والأرض نباتها فيكون اخضر ضعيفاً ثمّ يجيء وقت الصيف وهو حار فينضج الثمار ويصلب الحبوب

٣٥٣

التي هي أقوات العالم وجميع الحيوان ثمّ يجيء بعد وقت الخريف فيطيبه ويبرده ولو كان الوقت كلّه شيئاً واحداً لم يخرج النبات من الأرض لأنّه لو كان الوقت كلّه ربيعاً لم ينضج الثمار ولم يبلغ الحبوب ولو كان كلّه صيفاً لاحترق كلّ شيء في الأرض ولم يكن للحيوان معاش ولا قوت ولو كان الوقت كلّه خريفاً ولم يتقدّمه شيء من هذه الأوقات لم يكن شيء يتقوّته العالم فجعل الله هذه الأقوات في أربعة أوقات في الشتاء والربيع والصيف والخريف وقام به العالم واستوى وبقي وسمّى الله هذه الأوقات ايّاماً للسّائلين يعني المحتاجين لأنّ كلّ محتاج سائل وفي العالم من خلق الله من لا يسأل ولا يقدر عليه من الحيوان كثير فهم سائلون وان لم يسألوا.

أقولُ : يعني انّهم سائلون بلسان الحال وهو افصح وأبلغ من لسان المقال وقد سبق تفسير آخر الآية في سورة الأعراف وقرئ سواءٍ بالجرّ.

(١١) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ قيل أي قصد نحوها من قولهم استوى الى مكان كذا توجّه توجّهاً لا يلوي إلى غيره وثمّ لتفاوت ما بين الخلقين لا للتراخي في المدّة إذ لا مدّة قبل خلق السماء وَهِيَ دُخانٌ ظلمانيّ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً شئتما ذلك أو أبيتما قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ منقادين بالذات تمثيل لتأثير قدرته فيهما وتأثّرهما بالذّات عنها بأمر المطاع وإجابة المطيع الطائع كقوله كُنْ فَيَكُونُ او هو نوع من الكلام باطناً من دون حرف ولا صوت.

القمّيّ : سئل الرضا عليه السلام عمّن كلّم الله لا من الجنّ ولا من الانس فقال السماوات والأرض في قوله ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ.

(١٢) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فخلقهنّ خلقاً إبداعياً فِي يَوْمَيْنِ القمّيّ يعني في وقتين إبداء وانقضاء وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها شأنها وما يتأتّى منها بأن حملها عليه اختياراً أو طبعاً وقيل أوحى الى أهلها بأوامره.

والقمّيّ هذا وحي تقدير وتدبير وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ بالنجوم وَحِفْظاً من الشيطان المسترق وسائر الآفات.

في الإكمال عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : النّجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت

٣٥٤

النجوم ذهب أهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ البالغ في القدرة والعلم.

(١٣) فَإِنْ أَعْرَضُوا عن الإِيمان بعد هذا البيان.

القمّيّ وهم قريش وهو معطوف على قوله فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَفَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ.

(١٤) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أي من جميع جوانبهم واجتهدوا بهم من كلّ جهة أو من جهة الدنيا بالإنذار بما جرى على الكفّار فيها ومن جهة الآخرة بالتحذير عما أعدّ لهم فيها والذين أرسلوا إليهم والذين أرسلوا من قبل أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا إرسال الرّسل لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً برسالته فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ على زعمكم كافِرُونَ إذ أنتم بشر مثلنا لا فضل لكم علينا.

(١٥) فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ فتعظّموا فيها على أهلها بغير استحقاق وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً اغترّوا بقوّتهم وشوكتهم قيل كان من قوّتهم انّ الرجل منهم ينزع الصخرة فيقلعها بيده أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً قدرة وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ يعرفون انّها حقّ وينكرونها.

(١٦) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : الصرصر البارد فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ قال مياشيم وقرئ بالسكون لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ بدفع العذاب عنهم.

(١٧) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فذلّلناهم على الحقّ بنصب الحجج وإرسال الرسل فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فاختاروا الضلالة عَلَى الْهُدى.

في التوحيد عن الصادق عليه السلام : عرّفناهم فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى هم يعرفون.

وفي الاعتقادات عنه عليه السلام : وجوب الطاعات وتحريم المعاصي وهم

٣٥٥

يعرفون فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.

(١٨) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ.

(١٩) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ وقرئ بالنون وضمّ الشين فَهُمْ يُوزَعُونَ القمّيّ أي يجيئون من كلّ ناحية.

وعن الباقر عليه السلام : يحبس اوّلهم على آخرهم يعني ليتلاحقوا.

(٢٠) حَتَّى إِذا ما جاؤُها اذا حضروها وما مزيدة لتأكيد اتّصال الشهادة بالحضور شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ بأن ينطقها الله.

(٢١) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ القمّيّ نزلت في يوم تعرض عليهم أعمالهم فينكرونها فيقولون ما علمنا شيئاً فتشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم أعمالهم.

قال الصادق عليه السلام : فيقولون لله يا ربّ هؤلاء ملائكتك يشهدون لك ثمّ يحلفون بالله ما فعلوا من ذلك شيئاً وهو قول الله عزّ وجلّ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ* عزّ وجلّ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وهم الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السلام فعند ذلك يختم الله على ألسنتهم وينطق جوارحهم فيشهد السّمع بما سمع ممّا حرّم الله ويشهد البصر بما نظر به الى ما حرّم الله عزّ وجلّ وتشهد اليدان بما أخذتا وتشهد الرّجلان بما سعتا فيما حرّم الله عزّ وجلّ ويشهد الفرج بما ارتكب ممّا حرّم الله ثمّ انطق الله عزّ وجلّ ألسنتهم فيقولون هم لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا الآية.

(٢٢) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ قال اي من الله أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ قال الجلود الفروج.

وفي الكافي عنه عليه السلام في هذه الآية قال : يعني بالجلود الفروج والأفخاذ

وفي الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام فيها قال : يعني بالجلود الفروج وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ فلذلك اجترأتم على ما فعلتم وقيل معنى الآية

٣٥٦

كنتم تستترون النّاس عند ارتكاب الفواحش مخافة الفضاحة وما ظننتم انّ أعضاءكم تشهد عليكم فما استترتم عليها وقيل بل معناه وما كنتم تتركون المعاصي حذراً ان يشهد عليكم جوارحكم بها لأنّكم ما تظنّون ذلك وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ لجهلكم بالله فهان عليكم ارتكاب المعاصي لذلك.

(٢٣) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ إذ صار ما منحوا للاستسعاد به في الدارين سبباً لشقاء المنزلين.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : انّ آخر عبد يؤمر به إلى النار فإذا أمر به التفت فيقول الجبّار جلّ جلاله ردّوه فيردّونه فيقول له لم التفت إليّ فيقول يا ربّ لم يكن ظنّي بك هذا فيقول وما كان ظنّك بي فيقول يا ربّ كان ظنّي بك ان تغفر لي خطيئتي وتسكنني جنّتك قال فيقول الجبّار يا ملائكتي لا وعزّتي وجلالي وآلائي وعُلوّي وارتفاع مكاني ما ظنّ بي عبدي هذا ساعة من خير قطّ ولو ظنّ بي ساعة من خير ما روّعته بالنار أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنّة ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله ليس من عبد يظنّ بالله عزّ وجلّ خيراً الّا كان عند ظنّه به وذلك قوله عزّ وجلّ وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ.

(٢٤) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ لا خلاص لهم عنها وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا يسئلوا العتبى وهي الرجوع الى ما يحبّون فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ أي لا يجابوا إلى ذلك ونظيره قوله تعالى حكاية أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ.

(٢٥) وَقَيَّضْنا وقدّرنا لَهُمْ قُرَناءَ القمّيّ يعني الشياطين من الجنّ والإنس فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ من أمر الدنيا واتّباع الشهوات وَما خَلْفَهُمْ من امر الآخرة وإنكاره وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ أي كلمة العذاب فِي أُمَمٍ في جملة امم قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وقد عملوا مثل أعمالهم إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ.

(٢٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ وعارضوه بالخرافات القمّيّ وصيّروه سخريّة ولغواً لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ تغلبونه على قراءته.

٣٥٧

(٢٧) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ سيّئات أعمالهم وقد سبق مثله.

(٢٨) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ ينكرون الحقّ.

(٢٩) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ شيطاني النّوعين الحاملين على الضلالة والعصيان.

في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام : يعنون إبليس الأبالسة وقابيل ابن آدم أوّل من أبدع المعصية.

والقمّيّ قال العالم عليه السلام : مِنَ الْجِنِ إبليس الذي ردّ عليه قتل رسول الله صلّى الله عليه وآله وأضلّ الناس بالمعاصي وجاء بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله الى أبي بكر فبايعه ومن الانس فلان.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال : هما ثمّ قال وكان فلان شيطاناً.

أقولُ : لعلّ ذلك لأنّ ولد الزنا يخلق من مائي الزّاني والشيطان معاً وفي رواية : هما والله هما ثلاثاً وقرئ أرنا بالتخفيف نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا ندسّهما انتقاماً منهما لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ذلّا ومكاناً.

(٣٠) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ اعترافاً بربوبيّته وإقراراً بوحدانيّته ثُمَّ اسْتَقامُوا على مقتضاه. القمّيّ قال على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ويأتي ما في معناه وفي نهج البلاغة : وانّي متكلّم بعدة الله وحجّته قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا الآية وقد قلتم رَبُّنَا اللهُ فاستقيموا على كتابه وعلى منهاج أمره وعلى الطريقة الصالحة من عبادته ثمّ لا تمرقوا منها ولا تبتدعوا فيها ولا تخالفوا عنها فانّ اهل المروق منقطع بهم عند الله يوم القيامة تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ.

في المجمع عن الصادق عليه السلام والقمّيّ : قال عند الموت أَلَّا تَخافُوا ما

٣٥٨

تقدمون عليه وَلا تَحْزَنُوا على ما خلّفتم وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ في الدنيا.

(٣١) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا القمّيّ قال كنّا نحرسكم من الشياطين وَفِي الْآخِرَةِ قال اي عند الموت وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ ما تتمنّون من الدّعاء بمعنى الطلب.

(٣٢) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ.

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال : اسْتَقامُوا على الأئمّة واحداً بعد واحد.

وفي المجمع عن الرضا عليه السلام : أنّه سئل ما الاستقامة قال هي والله ما أنتم عليه.

وعن الباقر عليه السلام : نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي نحرسكم في الدنيا وعند الموت فِي الْآخِرَةِ.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام قال : ما يموت موالٍ لنا مبغض لأعدائنا الّا ويحضره رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام فيرونه ويبشّرونه وإن كان غير مُوالٍ يراهم بحيث يسوء والدّليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام لحارث الهمداني (يا حار همدان من يمت يرني) من مؤمن أو منافق قبلاً.

وفي تفسير الإمام عليه السلام عند قوله تعالى يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ من سورة البقرة قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا يزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة ولا يتيقّن الوصول إلى رضوان الله حتّى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له وذلك أنّ ملك الموت يرد على المؤمن وهو في شدّة علّته وعظيم ضيق صدره بما يخلّفه من أمواله وبما هو عليه من اضطراب أحواله من معامليه وعياله وقد بقيت في نفسه حسراتها واقتطع دون امانيّه فلم ينلها فيقول له ملك الموت ما لك تتجرّع

٣٥٩

غصصك قال لاضطراب أحوالي واقتطاعك لي دون آمالي فيقول له ملك الموت وهل يحزن عاقل من فقد درهم زائف واعتياض ألف ألف ضعف الدنيا فيقول لا فيقول ملك الموت فانظر فوقك فينظر فيرى درجات الجنان وقصورها التي يقصر دونها الأماني فيقول ملك الموت تلك منازلك ونعمك وأموالك وأهلك وعيالك ومن كان من أهلك هاهنا وذرّيتك صالحاً فهم هنالك معك أفترضى بدلاً ممّا هاهنا فيقول بلى والله ثمّ يقول انظر فينظر فيرى محمّداً وعليّاً والطّيبين من آلهما عليهم السلام في على علّيّين فيقول أوتريهم هؤلاء ساداتك وائمّتك هم هناك جُلّاسك وانّاسك أفما ترضى بهم بدلاً ممّا تفارق هنا فيقول بلى وربّي فذلك ما قال الله عزّ وجلّ إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا فما أمامكم من الأهوال فقد كفيتموها ولا تحزنوا على ما تخلّفونه من الذراري والعيال فهذا الذي شاهدتموه في الجنان بدلاً منهم وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ هؤلاء أولياؤكم وهؤلاء ساداتكم انّاسكم وجلّاسكم.

وفي البصائر عن الباقر عليه السلام : انّه قيل له يبلغنا أنّ الملائكة تتنزّل عليكم قال إي والله لتنزّل علينا فتطأ فرشنا أما تقرأ كتاب الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ الآية.

وفي الخرايج عن الصادق عليه السلام : في هذه الآية قال اما والله لربّما وسدناهم الوسائد في منزلنا وقال هُم الطف بصبياننا منّا بهم وربما التقطنا من زغبها.

وفي الكافي عنه عن أبيه عن جدّه عليهم السلام في حديث ليلة القدر قال : زعم ابن عبّاس انّه من الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فقلت له هل رأيت الملائكة تخبرك بولايتها لك في الدنيا والآخرة مع الامن من الخوف والحزن قال فقال إنّ الله تبارك وتعالى يقول إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ وقد دخل في هذا جميع الأمّة فاستضحكت ثمّ قلت صدقت يا ابن عبّاس.

(٣٣) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً (١) مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ إلى عبادته وَعَمِلَ صالِحاً فيما بينه

__________________

(١) صورته صورة الاستفهام والمراد به النفي ، تقديره وليس أحد أمس قولاً ممن دعى إلى طاعة الله.

٣٦٠