تفسير الصّافي - ج ٤

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤١٢

مشاركته في الألوهيّة بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ إضراب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالضلال.

(١٢) وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ.

في الكافي عن الكاظم عليه السلام قال : الفهم والعقل.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام قال : أوتي معرفة إمام زمانه أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ لأنّ نفعه عائد إليها وهو دوام النعمة واستحقاق مزيدها وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌ لا يحتاج إلى الشكر حَمِيدٌ حقيق بالحمد حُمِد أو لم يُحْمَد أو محمود ينطق بحمده جميع مخلوقاته.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : شكر كلّ نعمة وان عظمت أن يحمد الله عزّ وجلّ عليها وفي رواية : وإن كان فيما أنعم عليه حقّ أدّاه.

وفي أخرى عنه عليه السلام : من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه فقد أدّى شكرها.

وعنه عليه السلام : أوحى الله عزّ وجلّ الى موسى (ع) يا موسى اشكرني حقّ شكري فقال يا ربّ وكيف أشكرك حقّ شكرك وليس من شكر أشكرك به الّا وأنت أنعمت به عليّ قال يا موسى الآن شكرتني حين علمت انّ ذلك منّي.

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله انّه قال : حقّاً أقول لم يكن لقمان نبيّاً ولكن كان عبداً كثير التفكّر حسن اليقين أحبّ الله فأحبّه ومنَّ عليه بالحكمة كان نائماً نصف النهار إذ جاءه نداء يا لقمان هل لك ان يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس بالحقّ فأجاب الصوت إن خيّرني ربّي قبلت العافية ولم أقبل البلا وإن هو عزم عليَّ فسمعاً وطاعة فانّي اعلم انّه ان فعل بي ذلك اعانني وعصمني فقالت الملائكة بصوت لا يراهم لم يا لقمان؟ قال لأنّ الحكم أشدّ المنازل وآكدها يغشاه الظُّلم من كلّ مكان إن وفى فبالحريّ أن ينجو وإن أخطأ أخطأ طريق الجنّة ومن يكن في الدنيا ذليلاً وفي الآخرة شريفاً خير من أن يكون في الدنيا شريفاً وفي الآخرة ذليلاً

١٤١

ومن تخيّر الدنيا على الآخرة تفته الدنيا ولا يصيب الآخرة فعجبت الملائكة من حُسن منطقه فنام نومة فأعطي الحكمة فانتبه يتكلّم بها ثمّ كان يوازر داود (ع) بحكمته فقال له داود طوبى لك يا لقمان أعطيت الحكمة وصرفت عنك البلوى.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : انّه سئل عن لقمان وحكمته التي ذكرها الله عزّ وجلّ فقال اما والله ما أوتي لقمان الحكمة بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم ولا جمال ولكنّه كان رجلاً قويّاً في أمر الله متورّعاً في الله ساكتاً سكّيتاً عميق النظر طويل الفكر حديد النظر مستغن بالعبر لم ينم نهاراً قطّ ولم يتّك في مجلس قطّ ولم يتفل في مجلس قطّ ولم يعبث بشيء قطّ ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال لشدّة تستّره وعموق نظره وتحفّظه في أمره ولم يضحك من شيء قطّ مخافة الإثم في دينه ولم يغضب قطّ ولم يمازح إنساناً قطّ ولم يفرح بشيء بما أوتيه من الدنيا إن أتاه من أمر الدنيا ولا حزن منها على شيء قطّ وقد نكح من النساء وولد له الأولاد الكثيرة وقدّم أكثرهم أفراطاً فما بكى على موت أحد منهم ولم يمرّ برجلين يختصمان أو يقتتلان الّا أصلح بينهما ولم يمض عنهما حتّى تحابّا ولم يسمع قولاً قطّ من أحد استحسنه الّا سأله عن تفسيره وعمّن أخذه فكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء وكان يغشى القضاة والملوك والسلاطين فيرثي للقضاة ممّا ابتلوا به ويرحم الملوك والسلاطين لعزّتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك ويعتبر ويتعلّم ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه ويحترز به من الشيطان وكان يداوي قلبه بالتفكّر ويداوي نفسه بالعبر وكان لا يظعن الّا فيما ينفعه ولا ينظر الّا فيما يعنيه فبذلك أوتي الحكمة ومنح العصمة وانّ الله تبارك وتعالى امر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت العيون بالقائلة فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم فقالوا يا لقمان هل لك ان يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس فقال لقمان ان أمرني ربّي بذلك فالسمع والطاعة لأنّه إن فعل بي ذلك أعانني عليه وعلّمني وعصمني وإن هو خيّرني قبلت العافية.

فقالت الملائكة يا لقمان لم قلت ذلك قال لأنّ الحكم بين الناس بأشدّ المنازل من الدّين وأكثر فتناً وبلاء ما يخذل ولا يعان ويغشاه الظُّلم من كلّ مكان

١٤٢

وصاحبه منه بين أمرين إن أصاب فيه الحقّ فبالحريّ ان يسلم وان اخطأ اخطأ طريق الجنّة ومن يكن في الدنيا ذليلاً ضعيفاً كان اهون عليه في المعاد من أن يكون فيه حكماً سريا شريفاً ومن اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كلتاهما تزول هذه ولا يدرك تلك قال فعجبت الملائكة من حكمته واستحسن الرّحمن منطقه فلمّا أمسى وأخذ مضجعه من اللّيل انزل الله عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم وغطّاه بالحكمة غطاء فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه وخرج على الناس ينطق بالحكمة ويبثها فيها قال فلمّا أوتي الحكم بالخلافة ولم يقبلها أمر الله عزّ وجلّ الملائكة فنادت داود (ع) بالخلافة فقبلها ولم يشترط فيها بشرط لقمان فأعطاه الله عزّ وجلّ الخلافة في الأرض وابتلى فيها غير مرّة وكلّ ذلك يهوي في الخطأ يقبله الله تعالى ويغفر له وكان لقمان يكثر زيارة داود (ع) ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه وكان داود (ع) يقول له طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة وصرفت عنك البليّة واعطي داود الخلافة وابتلى بالحكم والفتنة.

(١٣) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَ تصغير اشفاق وقرئ بكسر الياء وبإسكانها لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ لأنّه تسوية بين من لا نعمة الّا منه ومن لا نعمة منه.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : الظّلم ثلاثة ظلم يغفره الله وظلم لا يغفره الله وظلم لا يدعه الله فامّا الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك وامّا الظلم الذي يغفره فظلم الرّجل نفسه فيما بينه وبين الله وامّا الظلم الذي لا يدعه الله فالمداينة بين العباد.

(١٤) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ تضعف ضعفاً فوق ضعف فانّها لا يزال يتضاعف ضعفها وقرئ بفتح الهاء وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ وفطامه في انقضاء عامين وكانت ترضعه في تلك المدّة والجملتان اعتراض مؤكّد للتوصية في حقّها أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ فاحاسبك على شكرك وكفرك.

في العيون عن الرضا عليه السلام في حديث : وأمرنا بالشكر له وبالوالدين فمن

١٤٣

لم يشكر والديه لم يشكر الله وعنه عليه السلام : من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عزّ وجلّ.

(١٥) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ باستحقاقه الأشتراك تقليداً لهما يعني ما لَيْسَ فَلا تُطِعْهُما في ذلك وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً صحاباً معروفاً يرتضيه الشرع ويقتضيه الكرم.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : انّ رجلاً أتى النبيّ صلّى الله عليه وآله فقال يا رسول الله أوصني فقال لا تشرك بالله شيئاً وان حرقت بالنّار وعذّبت الّا وقلبك مطمئنّ بالإيمان ووالديك فأطعهما وبرّهما حيّين كانا أو ميّتين وان أمراك ان تخرج من أهلك ومالك فافعل فانّ ذلك من الإيمان.

وعنه عليه السلام : جاء رجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله فقال يا رسول الله من أبرّ قال أمّك قال ثمّ من قال أمّك قال ثمّ من قال أمّك قال ثمّ من قال أباك.

وعن الرضا عليه السلام : قيل له أدعو لوالديّ إن كانا لا يعرفان الحق؟ قال ادع لهما وتصدّق عنهما وان كانا حيّين لا يعرفان الحقّ فدارهما فانّ رسول الله صلّى الله عليه وآله. قال إنّ الله بعثني بالرّحمة لا بالعقوق.

وفي العيون عنه عليه السلام : وبرّ الوالدين واجب وان كانا مشركين ولا طاعة لهما في معصية الخالق ولا لغيرهما فانّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وفي مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام : برّ الوالدين من حسن معرفة العبد بالله إذ لا عبادة أسرع بلوغاً بصاحبها إلى رضاء الله تعالى من حرمة الوالدين المسلمين لوجه الله تعالى لأنّ حقّ الوالدين مشتقّ من حقّ الله إذا كانا على منهاج الدّين والسنّة ولا يكونان يمنعان الولد من طاعة الله الى معصيته ومن اليقين الى الشكّ ومن الزّهد إلى الدنيا ولا يدعوانه الى خلاف ذلك فإذا كانا كذلك فمعصيتهما طاعة وطاعتهما معصية قال الله تعالى وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وامّا في باب العشرة فدارهما وارفق بهما واحتمل أذاهما نحو ما احتملا عنك في حال صغرك ولا

١٤٤

تضيّق عليهما بما قد وسع الله عليك من المأكول والملبوس ولا تحوّل بوجهك عنهما ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما فانّ تعظيمهما من الله تعالى وقل لهما بأحسن القول والطفة فانّ الله لا يضيع أجر المحسنين وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ بالتَّوحيد والإخلاص والطاعة.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : يقول اتَّبِعْ سَبِيلَ محمّد صلّى الله عليه وآله ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ جميعاً فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الآيتان معترضان في تضاعيف وصيّة لقمان تأكيداً لما فيها من النهي عن الشرك كأنّه قال وقد وصّينا بمثل ما وصّي به وذكر الوالدين للمبالغة في ذلك فانّهما مع انّهما تلوا الباري في استحقاق التعظيم والطاعة لا يجوز أن يستحقّا في الإشراك فما ظنّك بغيرهما.

(١٦) يا بُنَيَ وقرئ بكسر الياء إِنَّها (١) إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أي الخصلة من الإساءة أو الإحسان تك مثلاً في الصغر كحبّة الخردل وقرئ مثقال بالرَّفع فالهاء للقصّة والكون تامّة فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ في أخفى مكان وأحرزه وأعلاه وأسفله يَأْتِ بِهَا اللهُ يحضرها ويحاسب عليها.

والقمّيّ قال من الرّزق يأتيك به الله إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ يصل علمه الى كل خفيّ خَبِيرٌ عالم بكنهه.

والعيّاشي عن الصادق عليه السلام : اتّقوا المحقّرات من الذّنوب فانّ لها طالباً لا يقولنّ أحدكم أذنب واستغفر الله انّ الله يقول إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ الآية رواه في المجمع عنه عليه السلام وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : مثله.

(١٧) يا بُنَيَ وقرئ بكسر الياء وإسكانها أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ من الشدائد.

في المجمع عن عليّ عليه السلام : من المشقّة والأذى في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ قطعه قطع إيجاب والزام ومنه الحديث : انّ

__________________

(١) معناه إن فعلة الإنسان من خير أو شرّ إن كانت مقدار حبّة خردل من وزن.

١٤٥

الله يحبّ ان يؤخذ برخصه كما يحبّ ان يؤخذ بعزائمه.

(١٨) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ولا تمل وجهك من الناس تكبّراً ولا تعرض عمّن يكلّمك استخفافاً به.

كذا في المجمع عن الصادق عليه السلام قيل هو من الصَعَّر وهو داء يعتري البعير فيلوي عنقه والقمّيّ أي لا تذلّ للنّاس طمعاً فيما عندهم وقرئ لا تصاعر وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً فرحاً وهو البطر.

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام : يقول بالعظمة إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ علّة النهي.

في المجالس والفقيه عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انّه نهى ان يختال الرجل في مشيته وقال : من لبس ثوباً فاختال فيه خسف الله به من شفير جهنّم وكان قرين قارون لأنّه أوّل من اختال فخسف به وبداره الأرض ومن اختال فقد نازع الله في جبروته.

(١٩) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ توسّط فيه بين الدّبيب والإسراع.

والقمّيّ أي لا تعجل.

وفي الخصال عن الصادق عليه السلام قال : سرعة المشي تذهب ببهاء المؤمن وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ اقصر منه والقمّيّ أي لا ترفعه إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ أوحشها لَصَوْتُ الْحَمِيرِ.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : انّه سئل عنه عليه السلام فقال العطسة القبيحة.

وفي المجمع عنه عليه السلام قال : هي العطسة المرتفعة القبيحة والرجل يرفع صوته بالحديث رفعاً قبيحاً الّا أن يكون داعياً أو يقرأ القرآن والقمّيّ عنه عليه السلام في قول الله تعالى وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ الآيات قال : فوعظ لقمان ابنه باثار حتّى تفطّر وانشقّ وكان فيما وعظ به أن قال يا بنيّ انّك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة فدار أنت إليها تسير اقرب إليك من دار أنت عنها متباعد يا بنيّ

١٤٦

جالس العُلماء وزاحمهم بركبتيك ولا تجادلهم فيمنعوك وخذ من الدنيا بلاغا ولا ترفضها فتكون عيالاً على الناس ولا تدخل فيها دخولاً يضرّ بآخرتك وصُم صوماً يقطع شهوتك ولا تصم صياماً يمنعك من الصلاة فانّ الصلاة أحبّ إلى الله من الصيام يا بنّي انّ الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير فاجعل سفينتك فيها الإيمان واجعل شراعها التوكّل واجعل زادك فيها تقوى الله فان نجوت فبرحمة الله وان هلكت فبذنوبك يا بنيّ ان تأدّبت صغيراً انتفعت به كبيراً ومن عنى بالأدب اهتمّ به ومن اهتمّ به تكلّف علمه ومن تكلّف علمه اشتدّ له طلبه ومن اشتدّ له طلبه أدرك منفعته فاتّخذه عادة فانّك تخلف في سلفك وتنفع به من خلفك ويرتجيك فيه راغب ويخشى صولتك راهب وايّاك والكسل عنه والطلب لغيره فان غلبت على الدنيا فلا تغلبنّ على الآخرة وإذا فاتك طلب العلم في مظانّه فقد غلبت على الآخرة واجعل في ايّامك ولياليك وساعاتك لنفسك نصيباً في طلب العلم فانّك لن تجد له تضييعاً أشدّ من تركه ولا تمارينّ فيه لجوجاً ولا تجادلنّ فقيهاً ولا تعادينّ سلطاناً ولا تماشينّ ظلوماً ولا تصادقنّه ولا تواخينّ فاسقاً نطفاً ولا تصاحبنّ متّهماً واخزن علمك كما تخزن ورقك.

يا بنيّ خف الله عزّ وجلّ خوفاً لو أتيت يوم القيامة ببرّ الثّقلين خفت ان يعذّبك وارج الله رجاء لو وافيت القيامة بإثم الثقلين رجوت ان يغفر الله لك فقال له ابنه يا أبت وكيف أطيق هذا وانّما لي قلب واحد فقال له لقمان يا بنيّ لو استخرج قلب المؤمن فشق لوجد فيه نوران نور للخوف ونور للرّجاء لو وزنا ما رجّح أحدهما على الآخر بمثقال ذرّة فمن يؤمن بالله يصدّق ما قال الله عزّ وجلّ ومن يصدّق ما قال الله يفعل ما أمر الله عزّ وجلّ ومن لم يفعل ما أمر الله لم يصدق ما قال الله فانّ هذه الأخلاق يشهد بعضها لبعض فمن يؤمن بالله ايماناً صادقاً يعمل لله خالصاً ناصحاً فقد آمن بالله صادقاً ومن أطاع الله خافه ومن خافه فقد أحبّه ومن أحبّه فقد اتّبع أمره ومن اتّبع أمره استوجب جنّته ومرضاته ومن لم يتّبع رضوان الله فقد هان عليه سخط الله نعوذ بالله من سخط الله.

١٤٧

يا بنيّ لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بها فما خلق الله خلقاً هو اهون عليه منها ألا ترى انّه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين.

(٢٠) أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ بأن جعله اسباباً لمنافعكم وَما فِي الْأَرْضِ بأن مكّنكم من الانتفاع به وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً محسوسة ومعقولة ما تعرفونه وما لا تعرفونه وقرئ نعمه على الجمع.

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام : امّا النعمة الظاهرة فالنبيّ صلّى الله عليه وآله وما جاء به من معرفة الله وتوحيده وامّا النعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت وعقد مودّتنا.

وفي الإكمال والمناقب عن الكاظم عليه السلام : النّعمة الظاهرة الامام الظاهر والباطنة الامام الغائب.

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : امّا ما ظهر فالإسلام وما سوّى الله من خلقك وما أفضل عليك من الرزق وامّا ما بطن فستر مساوي عملك ولم يفضحك به.

وفي الأمالي عن الباقر عليه السلام : انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لعليّ عليه السلام قل : ما أوّل نعمة أبلاك الله عزّ وجلّ وأنعم عليك بها قال ان خلقني جلّ ثناؤه ولم أك شيئاً مذكوراً قال صدقت فما الثانية قال ان أحسن بي إذ خلقني فجعلني حيّاً لا مواتاً قال صدقت فما الثّالثة قال ان انشأني وله الحمد في احسن صورة واعدل تركيب قال صدقت فما الرّابعة قال ان جعلني متفكرّاً راعياً لا ساهياً قال صدقت فما الخامسة قال ان جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت بها وجعل لي سراجاً منيراً قال صدقت فما السادسة قال ان هداني الله لدينه ولم يضلّني عن سبيله قال صدقت فما السابعة قال ان جعل لي مردّا في حياة لا انقطاع لها قال صدقت فما الثامنة قال ان جعلني ملكاً مالكاً لا مملوكاً قال صدقت فما التاسعة قال ان سخّر لي سماءه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه قال صدقت فما العاشرة قال ان جعلنا سبحانه ذكراناً قواماً على حلائلنا لا اناثاً قال صدقت فما بعدها قال كثرت نعم الله يا نبيّ الله فطابت وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وآله

١٤٨

وقال ليهنئك الحكمة ليهنئك العلم يا أبا الحسن فأنت وارث علمي والمبيّن لأمّتي ما اختلفت فيه من بعدي الحديث.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ في توحيده وصفاته بِغَيْرِ عِلْمٍ مستفاد من برهان وَلا هُدىً راجع الى رسول أو وصيّ رسول وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ أنزله الله بل تقليد من لا يجوز تقليده.

(٢١) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ القمّيّ عن الباقر عليه السلام : هو النضر بن الحارث قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله اتّبع ما انزل إليك من ربّك قال بل أتّبع ما وجدت عليه آبائي.

(٢٢) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ بان فوّض أمره إليه وأقبل بشراشره عَليه وَهُوَ مُحْسِنٌ في علمه فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى تعلّق بأوثق ما يتعلّق به.

القمّيّ قال بالولاية وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ إذ الكلّ صائر إليه.

(٢٣) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ فانّه لا يضرّك إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.

(٢٤) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ.

(٢٥) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ لوضوح البرهان بحيث اضطرّوا الى الإذعان.

في التوحيد عن الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : كلّ مولود يولد على الفطرة يعني على المعرفة بأنّ الله عزّ وجلّ خالقه وذلك قول الله عزّ وجلّ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ الآية.

وعن الجواد عليه السلام : انّه سئل ما معنى الواحد فقال اجتماع الألسن عليه بالتوحيد كما قال عزّ وجلّ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ الآية قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ على إلزامهم والجائهم الى الاعتراف بما يوجب بطلان معتقدهم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ انّ ذلك يلزمهم.

١٤٩

(٢٦) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يستحق العبادة فيهما غيره إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ عن حمد الحامدين الْحَمِيدُ المستحق للحمد وان لم يحمد.

(٢٧) وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ والبحر المحيط بسعته مداداً ممدوداً بسبعة أبحر فأغنى عن ذكر المداد بمدّه لأنّه من مدّ الدّواة وأمدّها والبحر بالنصب.

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام : انّه قرئ وَالْبَحْرُ مداده ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ يكتبها بتلك الاقلام المداد إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ لا يعجزه شيء حَكِيمٌ لا يخرج عن علمه وحكمته أمر.

القمّيّ : وذلك أنّ اليهود سألوا رسول الله صلّى الله عليه وآله عن الرّوح فقال الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً قالوا نحن خاصّة قال بل الناس عامة قالوا فكيف يجتمع هذا يا محمّد أتزعم أنّك لم تؤت من العلم الّا قليلاً وقد أوتيت القرآن وأوتينا التوراة وقد قرأت وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ وهي التوراة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً فأنزل الله تبارك وتعالى وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ الآية يقول علم الله أكثر من ذلك وما أوتيتم كثير فيكم قليل عند الله.

(٢٨) ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ قيل الا كخلقها وبعثها إذ لا يشغله شأن عن شأن.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : بلغنا والله أعلم انّهم قالوا يا محمّد خلقنا اطواراً نطفاً ثمّ علقاً ثمّ أنشأنا خلقاً آخر كما تزعم وتزعم انّا نبعث في ساعة واحدة فقال الله ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ انّما يقول له كن فيكون إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ لا يشغله سمع عن سمع ولا إبصار عن إبصار.

(٢٩) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ

القمّيّ يقول ما ينقص من الليل يدخل في النهار وما ينقص من النهار يدخل في اللّيل وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌ من النّيرين يَجْرِي في فلكه إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى

١٥٠

القمّيّ يقول كلّ واحد منهما يجري الى منتهاه لا يقصر عنه ولا يجاوزه وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ عالم بكنهه.

(٣٠) ذلِكَ إشارة إلى الذي ذكر من سعة العلم وشمول القدرة وعجائب الصنع واختصاص الباري عزّ اسمه بها بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وقرئ بالياء وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ المترفّع على كلّ شيء والمتسلّط عليه.

(٣١) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ بإحسانه في تهيئة أسبابه.

القمّيّ قال السفن تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بقدرة الله لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ دلائله إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ قيل أي لكلّ من حبس نفسه على النظر في آيات الله والتفكّر في آلائه والشكر لنعمائه.

والقمّيّ قال الذي يصبر على الفقر والفاقة ويشكر الله على جميع أحواله.

أقول : ولعلّه أراد به من لا يركب البحر لطلب الرزق ويعتبر لمن ركبه لذلك وقيل أريد بالصبّار الشكور المؤمن وفي الحديث : الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر رواه في المجمع.

أقولُ : راكب البحر بين خوف من الغرق ورجاء للخلاص فهو لا يزال بين بليّة ونعمة والبليّة تطلبه بالصبر والنعمة تطلبه بالشكر فهو صبّار شكور.

(٣٢) وَإِذا غَشِيَهُمْ علاهم وغطّاهم يعني في البحر مَوْجٌ كَالظُّلَلِ كما يُظلّ من جبل أو سحاب أو غيرهما دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ القمّيّ أي صالح وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ غدّار ينقض العهد الفطريّ وما كان في البحر والختر أشدّ الغدر.

والقمّيّ قال الختّار الخدّاع كَفُورٍ للنّعم.

(٣٣) يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ لا يقضي

١٥١

عنه وقرئ لا يجزي من إجزاء أي لا يغني وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ بالثواب والعقاب.

القمّيّ قال ذلك القيامة فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا بتشويقها في الكافي عن السجّاد عليه السلام : الدنيا دنياءان دنيا بلاغ ودنيا ملعونة وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ الشيطان بأن يرجيكم التوبة والمغفرة فيجرئكم على المعاصي.

(٣٤) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ علم وقت قيامها وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ في إنائه المقدّرة له والمحلّ المعيّن له في علمه وقرئ بالتشديد وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ في نهج البلاغة : من ذكر أو أنثى وقبيح أو جميل وسخيّ أو بخيل وشقيّ أو سعيد ومن يكون للنّار حطباً أو في الجنان للنبيّين مرافقاً وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً من خير أو شرّ وربّما تعزم على شيء فتفعل خلافه وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : هذه الخمسة أشياء لم يطّلع عليها ملك مقرّب. ولا نبيّ مرسل وهي من صفات الله تعالى.

وفي نهج البلاغة : فهذا هو علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلّا الله.

وفي المجمع جاء في الحديث : انّ مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهنّ الا الله وقرأ هذه الآية

وقد روي عن أئمّة الهدى : انّ هذه الأشياء الخمسة لا يعلمها على التّفصيل والتحقيق غيره تعالى.

أقولُ : وانّما قيل على التفصيل والتحقيق لأنّهم عليهم السلام ربّما كانوا يخبرون عن بعض هذه على الإجمال وانّما كان ذلك تعلّماً من ذي علم كما قاله أمير المؤمنين عليه السلام إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ يعلم الأشياء كلّها خَبِيرٌ يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها.

في ثواب الأعمال والمجمع عن الباقر عليه السلام : من قرأ سورة لقمان في ليلة وكل الله به في ليلته ملائكة يحفظونه من إبليس وجنوده حتّى يصبح وإذا قرأها بالنهار لم يزالوا يحفظونه من إبليس عليه اللّعنة وجنوده حتّى يمسي.

١٥٢

سُورَة السَّجْدَة

مَكّيَّة الّا ثلاث آيات منها فانَّها نزلت بالمدينة أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً الى تمام الآيات

عدد آيها تسعٌ وعشرون آية بصري وثلاثون في الباقين

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) الم

(٢) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ

(٣) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ إذ كانوا أهل الفترة لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ بانذارك ايّاهم.

(٤) اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ سبق تفسيره في سورة الأعراف ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ إذا جاوزتم أمره أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ بمواعظ الله.

(٥) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.

القمّيّ يعني الأمور التي يدبّرها والامر والنهي الذي امر به وأعمال العباد كلّ هذا يظهر يوم القيامة فيكون مقدار ذلك اليوم ألف سنة من سنيّ الدنيا وقد سبق في سورة الحجّ اخبار في هذا المعنى

(٦) ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فيدبّر أمرها على وفق الحكمة الْعَزِيزُ الغالب على أمره الرَّحِيمُ على العباد في تدبيره.

(٧) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ موفّراً عليه ما يستعدّه ويليق به على وفق

١٥٣

الحكمة والمصلحة وقرء بفتح اللّام وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ القمّيّ قال هو آدم.

(٨) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ ذريته سميت به لأنّها تنسل منه أي تنفصل مِنْ سُلالَةٍ القمّيّ نَسْلَهُ أي ولده مِنْ سُلالَةٍ قال هو الصّفوة من الطعام والشراب مِنْ ماءٍ مَهِينٍ قال النطفة المني.

(٩) ثُمَّ سَوَّاهُ قوّمه بتصوير أعضائه على ما ينبغي

القمّيّ استحاله من نطفة الى علقة ومن علقة الى مضغة حتّى نفخ فيه الرّوح.

وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ إضافة إلى نفسه تشريفاً وإظهاراً بأنّه خلق عجيب وانّ له لشأناً له مناسبة ما الى الحضرة الربوبيّة ولأجله قيل : من عرف نفسه فقد عرف ربّه وقد مضى في معنى الرّوح أخبار في سورة الحجر وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ خصوصاً لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ شكراً قليلاً.

(١٠) وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أي صرنا تراباً مخلوطاً بتراب الأرض لا نتميّز عنه أو غبنا فيها وقرء بحذف الهمزة.

وفي الجوامع عن أمير المؤمنين عليه السلام : انّه قرء بالمهملة وكسر اللّام من صلّ اللحم إذا أنتن أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ يجدّد خلقنا وقرئ بحذف الهمزة بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ.

في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام : يعني البعث فسمّاه الله عزّ وجلّ لقائه.

(١١) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ يستوفي نفوسكم لا يترك منها شيئاً ولا يبقى منكم أحداً مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ بقبض أرواحكم واحصاء آجالكم ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ للحساب والجزاء.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لما اسري بي إلى السماء رأيت ملكاً من الملائكة بيده لوح من نور لا يلتفت يميناً ولا

١٥٤

شمالاً مقبلاً عليه كهيئة الحزين فقلت من هذا يا جبرئيل قال هذا ملك الموت مشغول في قبض الأرواح فقلت ادنني منه يا جبرئيل لأكلّمه فأدناني منه فقلت له يا ملك الموت أكل من مات أو هو ميّت فيما بعد أنت تقبض روحه قال نعم قلت وتحضرهم بنفسك قال نعم ما الدنيا كلّها عندي فيما سخّرها الله عزّ وجلّ لي ومكّنني منها الّا كالدّرهم في كفّ الرجل يقلّبه كيف شاء وما من دار في الدنيا الّا وأدخلها في كلّ يوم خمس مرّات وأقول إذا بكى أهل البيت على ميّتهم لا تبكوا عليه فانّ لي إليكم عودة وعودة حتّى لا يبقى منكم أحد.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله كفى بالموت طامّة يا جبرئيل فقال جبرئيل ما بعد الموت أطمّ وأعظم من الموت.

(١٢) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ من الحياء والخزي رَبَّنا قائلين رَبَّنا أَبْصَرْنا ما وعّدتنا وَسَمِعْنا منك تصديق رسلك فَارْجِعْنا إلى الدنيا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ إذ لم يبق لنا شكّ بما شاهدنا.

القمّيّ أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا في الدنيا ولم نعمل به.

(١٣) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ما تهتدي به إلى الإيمان والعمل الصالح بالتوفيق له.

القمّيّ قال لَوْ شِئْنا ان نجعلهم كلّهم معصومين لقدرنا وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي ثبت قضائي وسبق وعيدي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

(١٤) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ.

القمّيّ أي تركناكم وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من التكذيب والمعاصي.

(١٥) إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها وعظوا بها خَرُّوا سُجَّداً خوفاً من عذاب الله وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ونزّهوه عمّا لا يليق به كالعجز عن البعث حامدين له

١٥٥

شكراً على ما وفّقهم للإسلام وأتاهم الهدى وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن الإيمان والطاعة.

(١٦) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ ترتفع وتتنحّى عَنِ الْمَضاجِعِ الفرش ومواضع النّوم.

في المجمع عنهما عليهما السلام : هم المتهجّدون باللّيل الذين يقومون عن فرشهم للصلاة يَدْعُونَ رَبَّهُمْ داعين إيّاه خَوْفاً من سخطه وَطَمَعاً في رحمته وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ في وجوه الخير.

في العلل عن الباقر عليه السلام : في هذه الآية قال لعلّك ترى انّ القوم لم يكونوا ينامون لا بدّ لهذا البدن أن تريحه حتّى يخرج نفسه فإذا خرج النفس استراح البدن ورجع الرّوح قوّة على العمل قال نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام واتباعه من شيعتنا ينامون في أوّل اللّيل فإذا ذهب ثلثا اللّيل أو ما شاء الله فزعوا الى ربّهم راغبين مرهبين طامعين فيما عنده فذكر الله في كتابه فأخبر كم بما أعطاهم انّه أسكنهم في جواره وأدخلهم جنتّه وآمنهم خوفهم وأذهب رعبهم.

وفي الكافي عنه عليه السلام وفي المجالس عن الصادق عليه السلام وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : ألا أخبرك بأبواب الخير قيل نعم قال الصوم جنّة من النار والصدقة تكفر الخطيئة وقيام الرجل في جوف اللّيل يبتغي وجه الله وفي رواية : يذكر الله وفي أخرى : يناجي ربّه ثمّ قرأ هذه الآية تَتَجافى جُنُوبُهُمْ.

وفي الأمالي عن الصادق عليه السلام : في هذه الآية قال لا ينامون حتّى يُصَلُّوا العتمة.

(١٧) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ وقرئ بسكون الياء مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ممّا تقرّبه عيونهم جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : ما من عمل حسن يعمله العبد الّا وله ثواب في القرآن الّا صلاة الليل فانّ الله عزّ وجلّ لم يبيّن ثوابها لعظم خطره عنده فقال جلّ ذكره تَتَجافى جُنُوبُهُمْ إلى قوله يَعْمَلُونَ ثمّ قال إنّ لله كرامة في عباده المؤمنين في كلّ يوم جمعة فإذا كان يوم الجمعة بعث الله الى المؤمن ملكاً معه حلّتان فينتهي إلى باب

١٥٦

الجنّة فيقول استأذنوا لي على فلان فيقال له هذا رسول ربّك على الباب فيقول لأزواجه أيّ شيء ترين عليَّ أحسن؟ فيقلن يا سيّدنا والّذي أباحك الجنّة ما رأينا عليك شيئاً أحسن من هذا بعث إليك ربّك فيتّزر بواحدة ويتعطّف بالأخرى فلا يمرّ بشيء الّا أضاء له حتّى ينتهي إلى الموعد فإذا اجتمعوا تجلّى لهم الربّ تبارك وتعالى فإذا نظروا إليه خرّوا سجّداً فيقول عبادي ارفعوا رؤوسكم ليس هذا يوم سجود ولا يوم عبادة قد رفعت عنكم المؤنة فيقولون يا ربّ وأيّ شيء أفضل ممّا أعطيتنا أعطيتنا الجنّة فيقول لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفاً فيرجع المؤمن كلّ جمعة سبعين ضعفاً مثل ما في يديه وهو قوله وَلَدَيْنا مَزِيدٌ وهو يوم الجمعة ليلتها ليلة غرّاء ويومها يوم أزهر فأكثروا فيها من التسبيح والتكبير والتهليل والثناء على الله والصلاة على محمّد وآله قال فيمرّ المؤمن فلا يمرّ بشيء الّا أضاء له حتّى ينتهي الى أزواجه فيقلن والذي أباحنا الجنّة يا سيّدنا ما رأيناك قطّ أحسن منك السّاعة فيقول انّي قد نظرت الى نور ربّي ثمّ قال إنّ أزواجه لا يغرن ولا يحضن ولا يصلفن قال الراوي : قلت جعلت فداك إنّي أردت ان اسألك عن شيء استحي منه قال سل قلت في الجنّة غناء قال إنّ في الجنّة شجر يأمر الله رياحها فتهبّ فتضرب تلك الشجرة بأصوات لم يسمع الخلائق بمثلها حسناً ثمّ قال هذا عوض لمن ترك السماع للغناء في الدنيا من مخافة الله.

قال قلت جعلت فداك زدني فقال إنّ الله خلق جنّة بيده ولم ترها عين ولم يطلع عليها مخلوق يفتحها الربّ كلّ صباح فيقول ازدادي ريحاً وازدادي طيباً وهو قول الله فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.

وفي المحاسن عنهما عليهما السلام : قالا قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لمّا أسري بي رأيت في الجنّة نهراً أبيض من اللّبن وأحلى من العسل وأشدّ استقامة من السّهم فيه أباريق عدد النجوم على شاطئه قباب الياقوت الأحمر والدرّ الأبيض فضرب جبرئيل بجناحيه فإذا هو مسكة ذفرة ثمّ قال والذي نفس محمّد صلّى الله عليه وآله بيده انّ في الجنّة لشجراً يتصفّق بالتسبيح بصوت لم يسمع الأوّلون والآخرون يثمر ثمراً

١٥٧

كالرمّان يلقي ثمره الى الرجل فيشقّها عن سبعين حلّة والمؤمنون على الكراسي وهم الغرّ المحجّلون حيث شاءوا من الجنّة فبيناهم كذلك إذ أشرفت عليهم امرأة من فوقه تقول سبحان الله يا عبد الله ما لنا منك دولة فيقول من أنت فتقول انا من اللّواتي قال الله فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ.

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما اطّلعتكم عليه اقرؤا ان شئتم فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ الآية.

أقولُ : بله ككتف بمعنى دع أو سوى.

(١٨) أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً خارجاً عن الإيمان لا يَسْتَوُونَ في الشرف والمثوبة.

(١٩) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً النزل ما يعدّ للنّازل من طعام وشراب وصلة بِما كانُوا يَعْمَلُونَ

(٢٠) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها عبارة عن خلودهم فيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ إهانة لهم وزيادة في غيظهم.

القمّيّ قال : إنّ جهنّم إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاماً فإذا بلغوا أسفلها زفرت بهم جهنّم فإذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد فهذه حالهم.

(٢١) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ أي قبل أن يصلوا الى الآخرة.

القمّيّ قال : الْعَذابِ الْأَدْنى عذاب الرجعة بالسيف لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ قال فانّهم يرجعون في الرجعة حتّى يعذَّبوا.

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام : انّ الْعَذابِ الْأَدْنى عذاب القبر قال والأكثر في الرواية عن الباقر والصادق عليهما السلام : انّ الْعَذابِ الْأَدْنى الدابّة

١٥٨

والدجال.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام قال : إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام والوليد بن عقبة تشاجرا فقال الفاسق الوليد بن عقبة أنا والله أبسط منك لساناً وأحدّ منك شأناً وأمثل جثواً في الكتيبة فقال عليّ عليه السلام اسكت انّما أنت فاسق فأنزل الله هذه الآيات.

وفي الاحتجاج عن الحسن المجتبى عليه السلام في حديث له : وامّا أنت يا وليد ابن عقبة فو الله ما ألومك ان تبغض عليّاً وقد جلدك في الخمر ثمانين جلدة وقتل أباك صبراً بيده يوم بدر أم كيف تسبّه وقد سمّاه الله مؤمناً في عشر آيات من القرآن وسمّاك فاسقاً وهو قول الله عزّ وجلّ أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ.

أقولُ : الأخبار مستفيضة من طريق العامّة والخاصّة بأنّ هذه الآيات نزلت في عليّ عليه السلام والوليد.

(٢٢) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها فلم يتفكّر فيها وثمّ لاستبعاد الاعراض عنها مع فرط وضوحها وإرشادها الى أسباب السعادة بعد التذكير بها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ فكيف ممّن كان أظلم من كلّ ظالم.

(٢٣) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ قيل من لقاء موسى عليه السلام ربّه في الآخرة.

كذا عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ.

(٢٤) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وقرئ بكسر اللّام والتخفيف.

القمّيّ قال كان في علم الله انهم يصبرون على ما يصيبهم فجعلهم أَئِمَّةً.

وعن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال : الأئمّة في كتاب الله إمامان قال الله تعالى وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لا بِامْرِ النّاسِ يقدّمون أمر الله قبل أمرهم وحكم الله قبل حكمهم الحديث وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ لإمعانهم فيها النّظر.

١٥٩

(٢٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يقضي فيميّز الحقّ من الباطل بتمييز المحقّ من المبطل فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من أمر الدين.

(٢٦) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ أي كثرة من أهلكناهم يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ قيل يعني أهل مكّة يمرّون في متاجرهم على ديارهم إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ سماع تدبّر واتّعاظ.

(٢٧) أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ التي جُرز نباتها اي قطع وأزيل.

القمّيّ قال الأرض الخراب فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ كالتّبن والورق وَأَنْفُسُهُمْ كالحبّ والثمر أَفَلا يُبْصِرُونَ فيستدلّون به على كمال قدرته وفضله.

(٢٨) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في الوعد به.

(٢٩) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ولا يمهلون.

(٣٠) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ

القمّيّ هو مثل ضربه الله في الرجعة والقائم عليه السلام فلمّا أخبرهم رسُول الله صلّى الله عليه وآله بخبر الرجعة قالوا مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وهذه معطوفة على قوله وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ.

في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام : من قرأ سورة السجدة في كلّ ليلة جمعة أعطاه الله كتابه بيمينه ولم يحاسبه بما كان منه وكان من رفقاء محمّد وأهل بيته عليه وآله السلام

وفي ثواب الأعمال عنه عليه السلام : من اشتاق إلى الجنّة وإلى صفتها فليقرأ الواقعة ومن أحبّ أن ينظر إلى صفة النار فليقرأ سجدة لقمان وفي الخصال عنه عليه السلام قال : إنّ العزائم أربع اقْرأ باسم ربّك الذي خلق والنجم وتنزيل السجد وحم السّجدة والله يعلم.

١٦٠