تفسير الصّافي - ج ٤

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤١٢

تعالى يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ الآية قال فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمتها تمشي مقبلة وحولها وصفاؤها عليها سبعون حلّة منسوجة بالياقوت واللّؤلؤ والزّبرجد صبغن بالمسك وعنبر وعلى رأسها تاج الكرامة وفي رجلها نعلان من ذهب مكلّلتان بالياقوت واللّؤلؤ شراكهما ياقوت أحمر فإذا دنت من وليّ الله وهمّ أن يقوم إليها شوقاً تقول له يا وليّ الله ليس هذا يوم تعب ولا نصب ولا تقم انا لك وأنت لي فيغشيها مقدار خمسمائة عام من أعوام الدنيا لا يملّها ولا تملّه قال فينظر إلى عنقها فإذا عليها قلادة من قصب ياقوت أحمر وسطها لوح مكتوب أنت يا وليّ الله حبيبي وانا الحوراء حبيبتك إليك تناهت نفسي وإليّ تناهت نفسك ثمّ يبعث الله إليه ألف ملك يهنّونه بالجنّة ويزوّجونه الحوراء الحديث وقد مرّ تمامه في سورة الرَّعد.

وفي سعد السّعود عن النبيّ صلّى الله عليه وآله في حديث يذكر فيه ما أعد الله لمحبيّ عليّ عليه السلام يوم القيامة قال : فإذا دخلوا منازلهم وجدوا الملائكة يهنّونهم بكرامة ربّهم حتّى إذا استقرّوا قرارهم قيل لهم هل وجدتم ما وعد ربّكم حقّاً قالوا نعم ربّنا رضينا فارض عنّا قال برضاي عنكم وبحبّكم أهل بيت نبيّي حللتم داري وصافحتم الملائكة فهنيئاً هنيئاً عطاء غير مجذوذ ليس فيه تنغيص فعندها قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ الآية.

(٣٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ لا يحكم عليهم بموت ثان فَيَمُوتُوا أو يستريحوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها بل كلّما خبت زيدوا سعيراً كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وقرئ يجزى على بناء المفعول.

(٣٧) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها يستغيثون بالصراخ رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ بإضمار القول أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ جواب من الله وتوبيخ لهم وما يَتَذَكَّرُ فِيهِ يتناول كلّ عمر يمكن فيه من التذكّر.

وفي الفقيه والخصال والمجمع عن الصادق عليه السلام : وهو توبيخ لابن ثماني عشرة سنة وفي نهج البلاغة : العمر الذي أعذر الله فيه الى ابن آدم ستّون سنة.

وفي المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله مرفوعاً : من عمّره الله ستّين سنة فقد

٢٤١

أعذر عليه فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ يدفع العذاب عنهم.

(٣٨) إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يخفى عليه خافية فلا يخفى عليه أحوالهم إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.

(٣٩) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ القمّيّ إليكم مقاليد التصرف فيها او جعلكم خلفاً بعد خلف فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ جزاء كفره وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً بيان له والتكرير للدلالة على انّ اقتضاء الكفر لكلّ واحد من الامرين مستقل باقتضاء قبحه ووجوب التجنّب عنه. والمراد بالمقت وهو أشدّ البغض مقت الله والخسار خسار الآخرة.

(٤٠) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ أخبروني عن هؤلاء الشّركاء الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ يعني آلهتهم والإضافة إليهم لأنّهم جعلوهم شركاء لله أو لأنفسهم فيما يملكونه أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ بدل من أَرَأَيْتُمْ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ شركة مع الله في خلقها فاستحقّوا بذلك شركة في الألوهيّة ذاتية أَمْ آتَيْناهُمْ أي الشّركاء أو المشركين كِتاباً ينطق على انّا اتّخذنا شركاء فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ على حجّة من ذلك الكتاب بأنّ لهم شركة جعليّة وقرئ على بيّنات إشارة إلى انّه لا بدّ في مثله من تعاضد الدّلائل بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً بأنّهم شفعاؤهم عند الله يشفعون لهم بالتّقرّب إليهم.

(٤١) إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ من بعد الله أو من بعد الزّوال إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً حيث أمسكهما وكانتا جديرتين بأن تهدّا هدّا كما قال عزّ وجلّ تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ.

في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنّه سئل عن الله عزّ وجلّ يحمل العرش أم العرش يحمله فقال عليه السلام الله عزّ وجلّ حامل العرش والسماوات والأرض وما فيهما وما بينهما وذلك قول الله تعالى إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا الآية.

٢٤٢

وفي الإكمال عن الرضا عليه السلام في حديث : بنا يمسك الله السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وعنهم عليهم السلام : لو لا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها.

(٤٢) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ قيل وذلك أنّ قريشاً لمّا بلغهم انّ أهل الكتاب كذّبوا رسولهم قالوا لعن الله اليهود والنصارى لو أتانا رسول لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ويأتي في هذا المعنى حديث في سورة ص إن شاء الله فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ يعني محمّد صلّى الله عليه وآله ما زادَهُمْ أي النذير أو مجيئه إِلَّا نُفُوراً تباعداً عن الحقّ.

(٤٣) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ ولا يحيط الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ وهو الماكر قيل وقد حاق بهم يوم بدر فَهَلْ يَنْظُرُونَ ينتظرون إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ سنّة الله فيهم بتعذيب مكذّبيهم فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً إذ لا يبدّلها بجعل التّعذيب غيره ولا يحوّلها بنقله إلى غيرهم.

(٤٤) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قيل استشهاد عليهم بما يشاهدونه في مسايرهم إلى الشام واليمن والعراق من آثار الماضين والقمّيّ قال أولم ينظروا في القرآن وفي أخبار الأمم الهالكة وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ ليسبقه ويفوته فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً بالأشياء كلّها قَدِيراً عليها.

(٤٥) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا من المعاصي ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها ظهر الأرض مِنْ دَابَّةٍ تدبّ عليها بشؤم معاصيهم وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً فيجازيهم على أعمالهم قد سبق ثواب راءتها في آخر سورة سبأ.

٢٤٣

سُورة يس

مَكّيّة عند الجميع قال ابن عبّاس الّا آية منها وهي قوله وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا

نزلت بالمدينة عدد آيها ثلاث وثمانون آية كوفيّ اثنتان في الباقين

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) يس قد مضى نظائره وقيل معناه يا إنسان بلغة طيّ.

وفي المعاني عن الصادق عليه السلام : وامّا يس فاسم من أسماء النبيّ صلّى الله عليه وآله ومعناه يا أيّها السّامع للوحي.

وفي الخصال عن الباقر عليه السلام قال : إنّ لرسول الله صلّى الله عليه وآله عشرة أسماء خمسة في القرآن وخمسة ليست في القرآن فأمّا التي في القرآن فمحمد واحمد وعبد الله ويس ون.

وفي الكافي عنهما عليهما السلام : هذا محمّد أذن لهم في التسمية به فمن أذن لهم في يس يعني التّسمية وهو اسم النبيّ صلّى الله عليه وآله.

وفي العيون عن الرضا عليه السلام : في حديث له في مجلس المأمون قال أخبروني عن قول الله تعالى يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ من عنى بقوله يس قالت العلماء يس محمّد لم يشكّ فيه أحد الحديث وقد سبق تمامه في سورة الأحزاب عند قوله تعالى صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ويأتي أيضاً في سورة الصّافات مع حديث آخر من الاحتجاج في ذلك إن شاء الله.

وفي المجالس عن أمير المؤمنين عليه السلام في قوله عزّ وجلّ سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ قال : يس محمّد ونحن آل محمّد.

٢٤٤

(٢) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ الواو للقسم.

(٣) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ.

(٤) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وهو التوحيد والاستقامة في الأمور.

والقمّيّ قال الصادق عليه السلام : يس اسم رسول الله صلّى الله عليه وآله والدّليل على ذلك قوله تعالى إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ قال على الطريق الواضح.

(٥) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ قال القرآن وقرئ بالرّفع

(٦) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (١)

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال : لِتُنْذِرَ القوم الّذين أنت فيهم كما أنذر آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ عن الله وعن رسوله وعن وعيده.

(٧) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ قال ممّن لا يقرّون بولاية عليّ أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام من بعده فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ قال بإمامة أمير المؤمنين والأوصياء عليهم السلام من بعده فلمّا لم يقرّوا كانت عقوبتهم ما ذكر الله.

(٨) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ القمّيّ قد رفعوا رؤوسهم.

(٩) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : يقول فأعميناهم فهم لا يبصرون الهدى أخذ الله سمعهم وأبصارهم وقلوبهم فأعماهم عن الهدى.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال : هذا في الدّنيا وفي الآخرة في نار جهنّم مقمحون.

القمّيّ : نزلت في أبي جهل بن هشام ونفر من أهل بيته وذلك أنّ النبيّ صلّى الله

__________________

(١) عما تضمّنه القرآن وعمّا أنذر الله به من نزول العذاب والغفلة مثل السهو وهو ذهاب المعنى عن النفس.

٢٤٥

عليه وآله قام يصلّي وقد حلف أبو جهل لعنه الله لئن رآهُ يصلّي ليدمغنّه فجاءه ومعه حجر والنبيّ صلّى الله عليه وآله قائم يصلّي فجعل كلّما رفع الحجر ليرميه أثبت الله عزّ وجلّ يده إلى عنقه ولا يدور الحجر بيده فلمّا رجع إلى أصحابه سقط الحجر من يده ثمّ قام رجل آخر وهو من رهطه أيضاً فقال : أنا أقتله فلما دنا منه جعل يستمع قراءة رسول الله صلّى الله عليه وآله فأرعب فرجع إلى أصحابه فقال حال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه فخفت أن أتقدّم.

(١٠) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ قال فلم يؤمن من أولئك الرَّهط من بني مخزوم احد.

وفي الكافي في الحديث السابق : فهم لا يؤمنون بالله ولا بولاية عليّ عليه السلام ومن بعده قيل إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ قد رفعوا رؤوسهم وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا الآيتين تقرير لتصميمهم على الكفر والطّبع على قلوبهم بحيث لا تغني الآيات والنّذر بتمثيلهم بالّذين غلّت أعناقهم والاغلال واصلة الى أذقانهم فلا يخلّيهم يطأطئون فَهُمْ مُقْمَحُونَ رافعون رؤوسهم غاضّون أبصارهم في أنّهم لا يلتفتون لفت الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطأطئون رؤوسهم له وبمن أحاط بهم سدّان فغطّى أبصارهم بحيث لا يبصرون قدّامهم ووراءهم في أنّهم محبوسون في مطمورة الجهالة ممنوعون عن النّظر في الآيات والدلائل وقرئ سدّاً بالضمّ وهو لغة فيه.

(١١) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ في الكافي في الحديث السابق : يعني أمير المؤمنين عليه السلام وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ.

(١٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى الأموات بالبعث والجهّال بالهداية وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا ما أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة وَآثارَهُمْ كعلم علّموه وخطوه مشوا بها الى المساجد وكإشاعة باطل وتأسيس ظلم.

في المجمع : انّ بني سلمة كانوا في ناحية من المدينة فشكوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد منازلهم من المسجد والصلاة معه فنزلت الآية وَكُلَّ شَيْءٍ

٢٤٦

أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ قيل يعني اللّوح المحفوظ والقمّيّ يعني في كتاب مُبين وعن أمير المؤمنين عليه السلام انّه قال : انا والله الإمام المبين أبيّن الحقّ من الباطل ورثْتُه منْ رسول الله صلّى الله عليه وآله.

وفي المعاني عن الباقر عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال : لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ قام أبو بكر وعمر من مجلسهما وقالا يا رسول الله هو التوراة قال لا قالا فهو الإنجيل قال لا قالا فهو القرآن قال لا قال فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله هو هذا انّه الامام الذي احصى الله فيه علم كلّ شيء.

وفي الاحتجاج عن النبيّ صلّى الله عليه وآله في حديث قال : معاشر النّاس ما من علم الّا علّمنيه ربّي وانا علّمته عليّاً وقد أحصاه الله فيّ وكلّ علم علمت فقد أحصيته في إِمام المتّقين وما من علم الّا علّمته عليّاً.

(١٣) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ قرية أنطاكية إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ قيل أرسلهم الله أو أرسلهم عيسى على نبيّنا وآله وعليه السلام بأمر الله.

(١٤) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا فقوّينا بِثالِثٍ هو شمعون فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام انه سئل عن تفسير هذه الآية فقال : بعث الله رجلين الى أهل مدينة أنطاكية فجاءاهم بما لا يعرفون فغلظوا عليهما فأخذوهما وحبسوهما في بيت الأصنام فبعث الله الثالث فدخل المدينة فقال ارشدوني الى باب الملك قال فلمّا وقف على الباب قال انا رجل كنت اتعيّد في فلاة من الأرض وقد أحببت ان أعبد اله الملك فأبلغوا كلامه الملك فقال أدخلوه الى بيت الآلهة فأدخلوه فمكث سنة مع صاحبيه فقال لهما بهذا ينقل قوم من دين الى دين بالخرق أفلا رفقتما ثمّ قال لهما الا تقرّان بمعرفتي ثمّ ادخل على الملك فقال له الملك بلغني انّك كنت تعبد الهي فلم أزل وأنت اخي فسلني حاجتك فقال ما لي من حاجة أيّها الملك ولكن رأيت رجلين في بيت الآلهة فما حالهما قال الملك هذان رجلان أتيانى ببطلان ديني ويدعوانى الى إله سماويّ فقال أيّها الملك فمناظرة جميلة فان يكن الحقّ لهما اتّبعناهما وان يكن الحقّ لنا دخلا معنا في ديننا وكان لهما ما لنا وعليهما ما علينا قال فبعث الملك اليهما

٢٤٧

فلمّا دخلا إليه قال لهما صاحبهما ما الّذي جئتماني به قالا جئنا ندعوه إلى عبادة الله الذي خلق السماوات والأرض ويخلق في الأرحام ما يشاء ويصوّر كيف يشاء وأنبت الأشجار والثمار وانزل القطر من السّماء قال فقال لهما إلهكما هذا الذي تدعوان إليه وإلى عبادته ان جئنا بأعمى أيقدر أن يردّه صحيحاً قالا ان سألناه أن يفعل فعل إن شاء قال : أيّها الملك عليّ بأعمى لم يبصر شيئاً قط قال فاتي به فقال لهما ادعوا الهكما ان يردّ بصر هذا فقاما وصليا ركعتين فإذا عيناه مفتوحتان وهو ينظر إلى السّماء فقال أيّها الملك عليَّ بأعمى آخر فأتي به قال فسجد سجدة ثمّ رفع رأسه فإذا الأعمى يبصر فقال أيّها الملك حجّة بحجّة عليّ بمقعدٍ فأتِي به فقال لهما مثل ذلك فصلّيا ودَعَوا الله فإذا المقعد قد أطلقت رجلاه وقام يمشي فقال أيّها الملك عليّ بمُقعد آخر فأتى به فصنع به كما صنع أوّل مرّة فانطلق المُقعد فقال ايُّها الملك قد أتيا بحجّتين وأتينا بمثلهما ولكن بقي شيء واحد فان كان هما فعلاه دخلت معهما في دينهما ثمّ قال أيّها الملك بلغني انّه كان للملك ابن واحد ومات فان أحياه الهما دخلت معهما في دينهما فقال له الملك وانا أيضاً معك ثمّ قال لهما قد بقيت هذه الخصلة الواحدة قد مات ابن الملك فادعوا إلهكما ان يحييه قال فخرّا ساجدين لله عزّ وجلّ وأطالا السجود ثمّ رفعا رؤوسهما وقالا للملك ابعث إلى قبر ابنك تجده قد قام من قبره إن شاء الله قال فخرج النّاس ينظرون فوجدوه قد خرج من قبره ينفض رأسه من التراب قال فأتِيَ به الملك فعرف انّه ابنه فقال ما حالك يا بنيّ قال كنت ميّتاً فرأيت رجلين بين يدي ربّي الساعة ساجدين يسألانه ان يحييني فأحياني قال يا بنيّ تعرفهما إذا رأيتهما قال نعم قال فاخرج النّاس جملة الى الصحراء فكان يمرّ عليه رجل رجل فيقول له أبوه انظر فيقول لا ثمّ مرّوا عليه بأحدهما بعد جمع كثير فقال هذا أحدهما وأشار بيده إليه ثمّ مرّوا أيضاً بقوم كثيرين حتّى رأى صاحبه الآخر فقال وهذا الآخر قال فقال النبيّ عليه السلام صاحب الرجلين امّا انا فقد آمنت بالهكما وعلمت انّ ما جئتما به هو الحقّ قال فقال الملك وانا ايضاً آمنت بإلهكما وآمن أهل مملكته كلّهم.

وفي المجمع قال وهب بن منبه : بعث عيسى هذين الرّسولين الى أنطاكية فأتياها

٢٤٨

ولم يصلا الى ملكها وطالت مدّة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبّرا وذكرا الله فغضب وامر بحبسهما وجلد كلّ واحد منهما مائة جلدة فلمّا كذّب الرّسولان وضربا بعث عيسى عليه السلام شمعون الصّفا رأس الحواريّين على أثرهما لينصرهما فدخل شمعون البلدة منكّراً فجعل يعاشر حاشية الملك حتّى آنسوا به فرفعوا خبره الى الملك فدعاه ورضي عشرته وآنس به وأكرمه ثمّ قال له ذات يوم أيّها الملك بلغني انّك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك فهل سمعت قولهما قال الملك حال الغضب بيني وبين ذلك قال فان رأى الملك دعاهما حتّى يتطلّع ما عندهما فدعاهما الملك فقال لهما شمعون من أرسلكما الى هاهنا قالا الله الذي خلق كلّ شيء لا شريك له قال وما آتاكُما قالا ما تتمنّاه فأمر الملك حتّى جاؤوا بغلام مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة فما زالا يدعوان الله حتّى انشقّ موضع البصر فأخذا بندقتين من الطين فوضعاهما في حدقتيه فصارا مقلتين (١) يبصر بهما فتعجّب الملك فقال شمعون للملك أرأيت لو سألت إلهك حتّى يصنع صنيعاً مثل هذا فيكون لك ولإلهك شرفاً فقال الملك ليس لي عنك سر انّ إلهنا الذي نعبده لا يضرّ ولا ينفع ثمّ قال الملك للرّسولين ان قدر إلهكما على إحياء ميّت آمنّا به وبكما قالا إلهنا قادر على كلّ شيء فقال الملك انّ هاهنا ميّتاً مات منذ سبعة أيّام لم ندفنه حتّى يرجع أبوه وكان غائباً فجاءوا بالميّت وقد تغّير وأروح فجعلا يدعوان ربّهما علانية وجعل شمعون يدعو ربّه سرّاً فقام الميّت وقال لهم انّي قد متّ منذ سبعة أيّام وادخلت في سبعة أودية من النّار وانا احذّركم ما أنتم فيه فآمنوا بالله فتعجّب الملك فلمّا علم شمعون انّ قوله اثّر في الملك دعاه إلى الله فآمن وآمن من أهل مملكته قوم وكفر آخرون وقد روى مثل ذلك العيّاشي بإسناده عن الثمالي وغيره عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهم السلام الّا انّ في بعض الروايات : بعث الله الرّسولين الى أنطاكية ثمّ بعث الثالث وفي بعضها : انّ عيسى عليه السلام أوحى الله إليه ان يبعثهما ثمّ بعث وصيّه شمعون ليخلّصهما وان الميّت الّذي أحياه الله بدعائهما كان ابن الملك وانّه قد خرج من قبره ينفض التراب من رأسه فقال له يا بنيّ ما حالك قال كنت ميّتاً فرأيت رجلين

__________________

(١) المقلة شمعة العين التي تجمع السواد والبياض.

٢٤٩

ساجدين يسألان الله ان يحييني قال يا بنيّ فتعرفهما إذا رأيتهما قال نعم فأخرج النّاس الى الصحراء فكان يمرّ عليه رجل بعد رجل فمرّ أحدهما بعد جمع كثير فقال هذا أحدهما ثمّ مرّ الآخر فعرفهما وأشار بيده اليهما فآمن الملك وأهل مملكته إلى هنا كلام صاحب المجمع.

(١٥) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا لا مزيّة لكم علينا تقتضي اختصاصكم بما تدّعون وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ وحي ورسالة إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ في دعوى رسالته.

(١٦) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ الاستشهاد بعلم الله يجري مجرى القسم.

(١٧) وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ.

(١٨) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ تشاء منا بكم قيل ذلك لاستغرابهم ما ادعوه به وتنفّرهم عنه.

والقمّيّ تَطَيَّرْنا بِكُمْ قال بأسمائكم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا عن مقالتكم هذه لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ.

(١٩) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ سبب شؤمكم معكم وهو سوء عقيدتكم وأعمالكم أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ أئن وعظتم به تطيّرتم أو توعدتم بالرّجم والتعذيب فحذف الجواب بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ عادتكم الإسراف.

(٢٠) وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ.

القمّيّ قال نزلت في حبيب النجّار إلى قوله وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ قيل إنّه ممّن آمن بمحمّد صلّى الله عليه وآله وبينهما ستّ مائة سنة وقيل كان في غار يعبد الله فلمّا بلغه خبر الرّسل أظهر دينه.

وفي المجالس عن النبيّ صلّى عليه وآله قال : الصدّيقون ثلاثة حبيب النجّار مؤمن آل يس الّذي يقول اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ الآية وحزقيل مؤمن آل فرعون وعليّ بن

٢٥٠

أبي طالب عليه السلام وهو أفضلهم.

وفي الجوامع عنه صلّى الله عليه وآله قال : سبّاق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وصاحب يس ومؤمن آل فرعون فهم الصدّيقون وعليّ أفضلهم.

وفي الخصال عنه عليه السلام قال : ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين مؤمن آل يس وعليّ بن أبي طالب عليه السلام وآسية امرأة فرعون.

(٢١) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً على النّصح وتبليغ الرّسالة وَهُمْ مُهْتَدُونَ الى خير الدارين.

(٢٢) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي تلطّف في الإرشاد بإِيراده في معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح حيث أراد لهم ما أراد لنفسه والمراد تقريعهم على تركهم عبادة خالقهم إلى عبادة غيره ولذلك قال وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ مبالغة في التهديد ثمّ عاد الى المساق الأوّل فقال.

(٢٣) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً لا تنفعني شفاعتهم وَلا يُنْقِذُونِ بالنّصر والمظاهرة.

(٢٤) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ بيّن لا يخفى على عاقل.

(٢٥) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ الذي خلقكم أو هو خطاب للرّسل بعد ما أراد القوم ان يقتلوه فَاسْمَعُونِ فاسمعوا ايماني.

(٢٦) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قيل له ذلك لمّا قتلوه بشرى بأنّه من أهل الجنّة أو اكراماً واذنا له في دخولها قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ.

(٢٧) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ.

في الجوامع ورد في حديث مرفوعاً : انّه نصح قومه حيّاً وميّتاً.

(٢٨) وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ لإهلاكهم كما أرسلنا

٢٥١

يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ وما صحّ في حكمتنا ان ننزل إذ قدّرنا لكلّ شيء سبباً وجعلنا ذلك سبباً لانتصارك من قومك وقيل ما موصولة معطوفة على جُنْدٍ أي وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ على من قبلهم من حجارة وريح وأمطار شديدة.

(٢٩) إِنْ كانَتْ ما كانت الأخذة إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً صاح بها جبرئيل عليه السلام فَإِذا هُمْ خامِدُونَ ميّتون شبّهوا بالنّار رمزاً الى انّ الحيّ كالنّار الساطع والميّت كرمادها.

(٣٠) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ تعالى فهذا أوانك.

وفي الجوامع عن السجّاد عليه السلام : يا حَسْرَة الْعِبادِ على الإضافة إليهم لاختصاصها بهم من حيث إنّها موجّهة إليهم ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فانّ المستهزئين بالناصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدّارين أحقّاء بأن يتحسّروا ويتحسّر عليهم وقد تلهّف على حالهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين.

(٣١) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ.

(٣٢) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ ان مخفّفة من الثّقيلة وما مزيدة للتّأكيد وقرئ لمّا بالتشديد بمعنى «الّا» فيكون «إن» نافية.

(٣٣) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ وقرئ بالتشديد أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ قيل قدّم الصلة للدلالة على أنّ الحبّ معظم ما يؤكل ويعاش به.

(٣٤) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ.

(٣٥) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ ثمر ما ذكر وقرئ بضمّتين وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ممّا يتّخذ منه كالعصير والدّبس ونحوهما وقرئ بلا هاء وقيل «ما» نافية أَفَلا يَشْكُرُونَ.

(٣٦) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها الأنواع والأصناف مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ من النبات والشجر وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ الذكر والأنثى وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ وأزواجاً ممّا لا يطلعهم الله عليه.

٢٥٢

القمّيّ عن الصادق عليه السلام : انّ النطفة تقع من السماء إلى الأرض على النبات والثمر والشجر فيأكل الناس منه والبهائم فيجري فيهم.

(٣٧) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ نزيله ونكشف عن مكانه مستعار من سلخ الشّاة فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ داخلون في الظلام.

في الكافي عن الباقر عليه السلام : يعني قبض محمّد صلّى الله عليه وآله وظهرت الظلمة فلم يبصروا فضل أهل بيته.

(٣٨) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها لحدّ معيّن ينتهي إليه دورها.

وفي المجمع عنهما عليهما السلام : لا مستقرّ لها بنصب الرّاء أي لا سكون لها فانّها متحرّكة دائماً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.

(٣٩) وَالْقَمَرَ وقرئ بالنّصب قَدَّرْناهُ قدّرنا مسيره مَنازِلَ وهي ثمانية وعشرون منزلاً ينزل كلّ ليلة في واحد منها لا يتخطّاه ولا يتقاصر عنه حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ كالشمراخ المعوج العتيق.

(٤٠) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها يصحّ لها ويتسهّل أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يسيرون فيه بانبساط.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : يقول الشمس سلطان النهار والقمر سلطان اللّيل لا ينبغي للشمس أن يكون مع ضوء القمر في اللّيل ولا يسبق اللّيل النهار يقول لا يذهب اللّيل حتّى يدركه النّهار وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يقول يجيء وراء الفلك الاستدارة.

أقولُ : يعني يجيء تابعاً لسير الفلك على الاستدارة.

وفي المجمع عن العيّاشي عن الرضا عليه السلام : انّ النهار خلق قبل الليل وفي قوله تعالى وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ قال اي سبقه النهار.

وفي الاحتجاج عن الصادق عليه السلام : خلق النهار قبل اللّيل والشمس قبل

٢٥٣

القمر والأرض قبل السماء.

وزاد في الكافي : وخلق النّور قبل الظلمة.

(٤١) وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ المملو أي فلك نوح عليه السلام كما في قوله ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وحمل الله ذرّيتهم فيها حمله آبائهم الأقدمين وفي أصلابهم ذرّياتهم وتخصيص الذرّية لأنّه ابلغ في الامتنان وادخل في التعجّب مع الإيجاز.

في الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث : انّه سئل فما التّسعون فقال الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ اتّخذ نوح فيه تسعين بيتاً للبهائم وقيل ذُرِّيَّتَهُمْ أولادهم الّذين يبعثونهم الى تجاراتهم أو صبيانهم ونسائهم الذين يستصحبونهم فانّ الذرّية تقع عليهنّ لأنّهنّ مزارعها وتخصيصهم لأنّ استقرارهم فيها اشقّ وتماسكهم فيها اعجب.

والقمّيّ قال السفن الممتلية وكأنّه ناظر الى المعنى الأخير لتعميمه الفلك.

(٤٢) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ من مثل الفلك ما يَرْكَبُونَ من الأنعام والدوابّ ولا سيما الإبل فإنها سفائن البر أو من السفن والزوارق.

(٤٣) وَإِنْ نَشَأْ (١) نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ فلا مغيث لهم يحرسهم من الغرق وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ ينجون به من الموت.

(٤٤) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً الّا لرحمة وليتمتّع بالحياة إِلى حِينٍ زمان قدّر لآجالهم.

(٤٥) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ في المجمع عن الصادق عليه السلام : معناه اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ من الذنوب وَما خَلْفَكُمْ من العقوبة لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ لتكونوا راجين رحمة الله وجواب إذا محذوف دلّ عليه ما بعده كأنّه قيل اعرضوا.

(٤٦) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ لأنّهم اعتادوه وتمرنوا عليه.

(٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ على محاويجكم قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا

__________________

(١) أي وَإِنْ نَشَأْ إذا حملناهم في السفن نُغْرِقْهُمْ بتهييج الرياح والأمواج.

٢٥٤

لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ امّا تهكّم به من إقرارهم بالله وتعليقهم الأمور بمشيئة الله وامّا إيهام بأنّ الله لمّا كان قادراً على أن يطعمهم فلم يطعمهم فنحن أحقّ بذلك وهذا من فرط جهالتهم فانّ الله يطعم بأسباب منها حثّ الأغنياء على اطعام الفقراء وتوفيقهم له إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.

(٤٨) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعنون وعد البعث.

(٤٩) ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً هي النّفخة الأولى تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ يعني يتخاصمون في متاجرهم ومعاملاتهم لا يخطر ببالهم أمرها كقوله جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً.

(٥٠) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ.

القمّيّ قال ذلك في آخر الزمان يصاح فيهم صيحة وهم في أسواقهم يتخاصمون فيموتون كلّهم في مكانهم لا يرجع أحد الى منزله ولا يوصي بوصيّة.

وفي المجمع في الحديث : تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان فما يطويانه حتّى تقوم الساعة والرّجل يرفع أكلته الى فيه فما تصل الى فيه حتّى تقوم والرجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتّى تقوم.

(٥١) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ أي مرّة ثانية كما يأتي في سورة الزمر فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ من القبور إِلى رَبِّهِمْ (١) يَنْسِلُونَ يسرعون.

(٥٢) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا.

في الجوامع عن عليّ عليه السلام : انّه قرئ من بعثنا على من الجارّة والمصدر هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام قال : فانّ القوم كانوا في القبور فلمّا قاموا حسبوا انّهم كانوا نياماً قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا قالت الملائكة هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ.

__________________

(١) أي إلى الموضع الذي يحكم الله فيه ولا حكم فيه لغيره هناك.

٢٥٥

(٥٣) إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً هي النفخة الأخيرة فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ بمجرّد الصيحة وفي ذلك تهوين امر البعث والحشر واستغناؤه عن الأسباب التي ينوط بها فيما يشاهدونه.

في الكافي عن الصادق عليه السلام قال : كان أبو ذرّ رحمه الله يقول في خطبته وما بين الموت والبعث الّا كنومة نمتها ثمّ استيقظت منها الحديث.

والقمّيّ عنه عليه السلام قال : إذا أمات الله أهل الأرض لبث كمثل ما خلق الله الخلق ومثل ما أماتهم وأضعاف ذلك ثمّ أمات أهل سماء الدنيا ثمّ لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ما أمات أهل الأرض وأهل سماء الدّنيا وأضعاف ذلك ثمّ أمات أهل السماء الثانية ثمّ لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ما أمات اهل الأرض وأهل السماء الدنيا والسماء الثانية و

أضعاف ذلك ثمّ أمات أهل السماء الثالثة ثمّ لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ما أمات أهل الأرض وأهل السماء الدنيا والسماء الثانية والثالثة وأضعاف ذلك في كل سماء مثل ذلك وأضعاف ذلك ثمّ أمات ميكائيل ثمّ لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ذلك كلّه وأضعاف ذلك ثمّ أمات جبرئيل ثمّ لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ذلك كلّه وأضعاف ذلك ثمّ أمات إسرافيل ثمّ لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ذلك كلّه وأضعاف ذلك ثمّ أمات ملك الموت ثمّ لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ذلك كلّه وأضعاف ذلك ثمّ يقول الله عزّ وجلّ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ فيردّ على نفسه لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ اين الجبّارون أين الذين ادّعوا معي الهاً آخر أين المتكبّرون ونخوتهم ثمّ يبعث الخلق قال الرّاوي فقلت إنّ هذا الامر كائن طول ذلك فقال أرأيت ما كان هل علمت به فقلت لا قال فكذلك هذا.

(٥٤) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

(٥٥) إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ متلذّذون في النّعمة وإبهامه لتعظيم ما هم فيه.

القمّيّ قال في افتضاض العذارى فاكِهُونَ قال يفاكهون النّساء ويلاعبونهنّ.

٢٥٦

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام : شغلوا بافتضاض العذارى قال وحواجبهن كالأهلّة وأشفار أعينهنّ كقوادم النّسور.

(٥٦) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ السرر المزيّنة مُتَّكِؤُنَ.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام قال : الْأَرائِكِ السرر عليها الحجال.

وعنه عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إذا جلس المؤمن على سريره اهتزّ سريره فرحاً في حديث قد سبق بعضه في أواخر سورة فاطر.

(٥٧) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ قيل افتعال من الدّعاء وقيل أي يتمنّون من قولهم ادّع عليّ ما شئت اي تمنّه وقيل ما يدعونه في الدنيا من الجنّة ودرجاتها.

(٥٨) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ يقال لهم قولاً كائناً من جهته يعني أنّ الله يسلّم عليهم.

القمّيّ قال السلام منه هو الأمان.

(٥٩) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ وانفردوا عن المؤمنين وذلك حين يسار بالمؤمنين إلى الجنّة كقوله تعالى وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ.

القمّيّ قال : إذا جمع الله الخلق يوم القيامة بقوا قياماً على أقدامهم حتّى يلجمهم العرق فينادوا يا ربّ حاسبنا ولو إلى النّار قال فيبعث الله عزّ وجلّ رياحاً فتضرب بينهم وينادي مناد وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ فيميّز بينهم فصار المجرمون في النار ومن كان في قلبه الإيمان صار إلى الجنّة.

(٦٠) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ جعلها عبادة الشيطان لأنّه الآمر بها المزيّن لها وقد ثبت أنّ كلّ من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد عبده كما قال الله عزّ وجلّ اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ حيث احلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً فأطاعوهم ومن عبد غير الخالق فقد عبد هواه كما قال الله تعالى أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ومن عبد هواه فقد عبد الشيطان.

٢٥٧

في الكافي عن الصادق عليه السلام : من أطاع رجلاً في معصيته فقد عبده وعن الباقر عليه السلام : من أصغى الى ناطق فقد عبده فان كان الناطق يروي عن الله فقد عبد الله عزّ وجلّ وإن كان الناطق يروي عن الشيطان فقد عبد الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ.

(٦١) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ إشارة إلى ما عهد إليهم أو إلى عبادة الله.

(٦٢) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أي خلقاً كثيراً وفيه لغات متعدّدة وقرئ بها أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ.

(٦٣) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.

(٦٤) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ذوقوا حرّها اليوم بكفركم في الدنيا.

(٦٥) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ نمنعها عن الكلام وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.

القمّيّ قال : إذا جمع الله عزّ وجلّ الخلق يوم القيامة دفع الى كلّ إنسان كتابه فينظرون فيه فينكرون انّهم عملوا من ذلك شيئاً فتشهد عليهم الملائكة فيقولون يا ربّ ملائكتك يشهدون لك ثمّ يحلفون انّهم لم يعملوا من ذلك شيئاً وهو قول الله عزّ وجلّ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ فإذا فعلوا ذلك ختم الله على ألسنتهم وتنطق جوارحهم بما كانوا يكسبون.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : وليست تشهد الجوارح على مؤمن انّما تشهد على من حقّت عليه كلمة العذاب فامّا المؤمن فيعطى كتابه بيمينه قال الله عزّ وجل فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً.

(٦٦) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ لمسحنا أعينهم حتّى تصير ممسوحة فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فاستبقوا الى الطريق الذي اعتادوا سلوكه فَأَنَّى يُبْصِرُونَ الطريق وجهة السلوك فضلاً عن غيره.

٢٥٨

(٦٧) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ بتغيير صورهم وإبطال قواهم عَلى مَكانَتِهِمْ مكانهم بحيث يخمدون فيه.

القمّيّ يعني في الدنيا وقرئ مكاناتهم فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا ذهاباً وَلا يَرْجِعُونَ ولا رجوعاً أو لا يرجعون عن تكذيبهم.

(٦٨) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نطل عمره نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ نقلّبه فيه فلا يزال يتزايد ضعفه وانتقاص بنيته وقواه عكس ما كان عليه بدو أمره وقرئ بالتخفيف أَفَلا يَعْقِلُونَ انّ من قدر على ذلك قدر على الطمس والمسخ فانّه مشتمل عليهما وزيادة غير أنّه على تدرّج وقرئ بالتاء.

(٦٩) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ بتعليم القرآن يعني ليس ما أنزلنا عليه من صناعة الشعر في شيء اي ممّا يتوخّاه الشعراء من التخيّلات المرغّبة والمنفرّة ونحوهما ممّا لا حقيقة له ولا أصل وانّما هو تمويه محض موزوناً كان أو غير موزون وَما يَنْبَغِي لَهُ يعني هذه الصناعة.

القمّيّ قال : كانت قريش تقول انّ هذا الّذي يقول محمّد شعر فردّ الله عزّ وجلّ عليهم قال ولم يقل رسول الله صلّى الله عليه وآله شعراً قطّ.

أقولُ : كأنّ المراد انّه لم يقل كلاماً شعريّاً لا انّه لم يقل كلاماً موزوناً فانّ الشعر يطلق على المعنيين جميعاً ولهذا عدّوا القرآن شعراً مع أنّه ليس بمقفّى ولا موزون.

وقد ورد في الحديث : انّ من الشعر لحكمة يعني من الكلام الموزون وقد نقل عنه صلّى الله عليه وآله كلمات موزونة كقوله :

انا النبيّ «صلّى الله عليه وآله» لا كذب

انا ابن عبد المطّلب

وقوله :

هل أنت الّا إصبع دميت

وفي سبيل الله ما لقيت

وغير ذلك وما روته العامّة : انّه كان يتمثّل بالأبيات على غير وجهها لتصير غير موزونة لم يثبت فان صحّ فلعلّه انّما فعل ذلك لئلّا يتوهّموا انّه شاعر وانّ كلامه كلام شعريّ فانّ الوزن والقافية ليسا بنقص في الكلام ولو كانا نقصاً ما اتى بهما أمير المؤمنين عليه السلام وقد استفاض عنه الأبيات وكذا عن ساير الأئمّة وانّما النّقص في الكلام الشعريّ.

٢٥٩

قال في المجمع وقد صحّ : انّه صلّى الله عليه وآله كان يسمع الشّعر ويحثّ عليه وقال لحسّان بن ثابت لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ عظة وَقُرْآنٌ مُبِينٌ كتاب سماويّ يتلى في المعابد.

(٧٠) لِيُنْذِرَ وقرئ بالتّاء مَنْ كانَ حَيًّا.

في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام : أي عاقلاً والقمّيّ : يعني مؤمناً حيّ القلب وفي معناه خبر آخر مرّ في سورة الأنعام عند قوله أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ والمعنيان متقاربان وَيَحِقَّ الْقَوْلُ وتجب كلمة العذاب عَلَى الْكافِرِينَ المصرّين على الكفر.

(٧١) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا قيل يعني ممّا تولّينا احداثه ولم يقدر على أحداثه غيرنا وذكر الأيدي واسناد العمل إليها استعارة تفيد مبالغة في الاختصاص والتفرّد بالاحداث والقمّيّ أي بقوّتنا خلقناها أَنْعاماً خصّها بالذّكر لما فيها من بدائع الفطرة وكثرة المنافع فَهُمْ لَها مالِكُونَ يتصرّفون فيها بتسخيرنا ايّاها لهم.

(٧٢) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فصيّرناها منقادة لهم فانّ الإبل مع قوّتها وعظمتها يسوقها الطّفل فَمِنْها رَكُوبُهُمْ مركوبهم وَمِنْها يَأْكُلُونَ أي يأكلون لحمه.

(٧٣) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ بما يكسبون بها ومن الجلود والأصواف والأوبار وَمَشارِبُ من ألبانها أَفَلا يَشْكُرُونَ نعم الله في ذلك.

(٧٤) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً أشركوها به في العبادة لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ رجاء أن ينصروهم.

(٧٥) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : يقول لا يستطيع الآلهة لهم نصراً وهم للآلهة جُنْدٌ مُحْضَرُونَ قيل أي معدّون لحفظهم والذب عنهم او مُحْضَرُونَ أثرهم في النار.

(٧٦) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ في الله بالشرك والإلحاد أو فيك بالتكذيب والتهجين إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ فنجازيهم عليه وكفى بذلك تسلية لك.

٢٦٠