فتوح البلدان

أبوالحسن البلاذري

فتوح البلدان

المؤلف:

أبوالحسن البلاذري


المحقق: لجنة تحقيق التراث
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

حتى بلغت قرب نيسابور ودس ابن خازم إلى أوس من سمه فمرض ، واجتمعوا للقتال فحض ابن خازم أصحابه فقال : اجعلوه يومكم واطعنوا الخيل من مناخرها فإنه لم يطعن فرس قط فى منخره إلا أدبر فاقتتلوا قتالا شديدا ، وأصابت أوسا جراحة وهو عليل فمات منها بعد أيام ، وولى ابن خازم ابنه محمدا هراة ، وجعل على شرطته بكير ابن وشاح وصفت له خراسان.

ثم أن بنى تميم هاجوا بهراة وقتلوا محمدا فظفر أبوه بعثمان بن بشر بن المختفز فقتله صبرا ، وقتل رجلا من بنى تميم فاجتمع بنو تميم فتناظروا ، وقالوا ما نرى هذا يقلع عنا فيصير جماعة منا إلى طوس فإذا خرج إليهم خلعه من بمرو منا ، فمضى بجير بن وقاء الصريمى من بنى تميم إلى طوس فى جماعة فدخلوا الحصن ثم تحولوا إلى أبرشهر وخلعوا ابن خازم فوجه ابن خازم ثقله مع ابنه موسى إلى الترمذ ، ولم يأمن عليه من بمرو من بنى تميم ، وورد كتاب عبد الملك بن مروان على ابن خازم بولاية خراسان فأطعم رسوله الكتاب ، وقال : ما كنت لألقى الله وقد نكثت بيعة ابن حوارى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبايعت ابن طريده ، فكتب عبد الملك إلى بكير بن وشاح بولايته خراسان فخاف ابن خازم أن يأتيه فى أهل مرو ، وقد كان بكير خلع ابن خازم ، وأخذ السلاح وبيت المال ودعى أهل مرو إلى بيعة عبد الملك فبايعوه ، فمضى ابن خازم يريد ابنه موسى وهو بالترمذ فى عياله وثقله فاتبعه بحير فقاتله بقرب مرو ، ودعيا وكيف بن الدورقية القريعى ، واسم أبيه عميرة وأمه من سبى دورق نسب إليه بدرعه وسلاحه فلبسه وخرج فحمل على ابن خازم ومعه بجير بن وقاء فطعناه وقعد وكيع على صدره ، وقال : يا لثارات دويلة ودويلة أخو وكيع لأمه ، وكان مولى لبنى قريع قتله ابن خازم فتنخم ابن خازم فى وجهه ، وقال لعنك الله أتقتل كبش مضر بأخيك علج لا يساوى كفا من نوى ، وقال وكيع :

٤٠١

ذق يا ابن عجلى مثل ما قد أذقتنى

ولا تحسبني كنت عن ذاك غافلا

عجلى أم ابن خازم وكان يكنى أبا صالح ، وكنية وكيع بن الدورقية أبو ربيعة وقتل مع عبد الله بن خازم ابناه عنبسة ويحيى وطعن طهمان مولى ابن خازم ، وهو جد يعقوب بن داود كاتب أمير المؤمنين المهدى بعد أبى عبيد الله ، وأتى بكير بن وشاح برأس ابن خازم فبعث به إلى عبد الملك بن مروان فنصبه بدمشق ، وقطعوا يده اليمنى وبعثوا بها إلى ولد عثمان بن بشر ابن المحتفز المزني.

وكان وكيع جافيا عظيم الخلقة صلى يوما وبين يديه نبت فجعل يأكل منه فقيل له : أتأكل وأنت تصلى ، فقال : ما كان الله أحرم نبتا أنبته بماء السماء على طين الثرى ، وكان يشرب الخمر فعوتب عليها ، فقال : فى الخمر تعاتبونى وهي تجلو بولي حتى تصيره كالفضة.

قالوا : وغضب قوم لابن خازم ووقع الاختلاف ، وصارت طائفة مع بكير بن وشاح ، وطائفة مع بجير ، فكتب وجوه أهل خراسان وخيارهم إلى عبد الملك يعلمونه أنه لا تصلح خراسان بعد الفتنة إلا برجل من قريش ، فولى أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبى العيص بن أمية خراسان ، فولى بكير ابن وشاح طخارستان ، ثم ولاه غزو ما وراء النهر : ثم عزم أمية على غزو بخارى ثم إتيان موسى بن عبد الله بن خازم بالترمذ فانصرف بكير إلى مرو وأخذ ابن أمية فحبسه ودعى الناس إلى خلع أمية فأجابوه ، وبلغ ذلك أمية فصالح أهل بخارى على فدية قليلة واتخذ السفن. وقد كان بكير أحرقها ورجع وترك موسى بن عبد الله فقدم فقاتله بكير. ثم صالحه على أن يوليه أى ناحية شاء ، ثم بلغ أمية أنه يسعى فى خلعه بعد ذلك ، فأمر إذا دخل داره أن يأخذ فدخلها فأخذ وأمر بحبسه فوثب به بجير بن وقاء فقتله.

٤٠٢

وغزا أمية الختل وقد نقضوا بعد أن صالحهم سعيد بن عثمان فافتتحها ، أن الحجاج بن يوسف ولى خراسان مع العراقين ، قولي خراسان المهلب بن أبى صفرة ، واسمه ظالم بن سراق بن صبح بن العتيك من الأزد ، ويكنى أبا سعيد سنة تسع وتسعين فغزى كثيرة ، وفتح الختل وقد انتقضت ، وفتح خجندة فأدت إليه السغد الأتاوة ، وغزاكش ونسف ورجع فمات بزاغول من مرو الروذ بالشوصة ، وكان بدء علته الحزن على ابنه المغيرة بن المهلب واستخلف المهلب ابنه يزيد بن المهلب فغازا مغازي كثيرة وفتح البتم على يد مخلد بن يزيد بن المهلب.

وولى الحجاج يزيد بن المهلب وصار عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة ابن الحارث بن عبد المطلب إلى هراة فى فل ابن الأشعث وغيرهم ، وكان خرج مع ابن الأشعث فقتل الرقاد العتكي وجبى الخراج فسار إليه يزيد فاقتتلوا فهزمهم يزيد وأمر بالكف عن اتباعهم ولحق الهاشمي بالسند ، وغزا يزيد خارزم وأصاب سبيا فلبس الجند ثياب السبي فماتوا من البرد ، ثم ولى الحجاج المفضل بن المهلب بن أبى صفرة ففتح بادغيس وقد انتقضت وشومان وآخرون وأصاب غنائم قسمها بين الناس.

قالوا : وكان موسى بن عبد الله بن خازم السلمى بالترمذ ، فأتى سمرقند فأكرمه ملكها طرخون ، فوثب رجل من أصحابه على رجل من السغد فقتله فأخرجه ومن معه وأتى صاحب كش. ثم أتى الترمذ وهو حصن فنزل على دهقان الترمذ وهيأ له طعاما فلما أكل اضطجع. فقال له الدهقان : أخرج فقال : لست أعرف منزلا مثل هذا. وقاتل أهل الترمذ حتى غلب عليها. فخرج دهقانها وأهلها إلى الترك يستنصرونهم فلم ينصروهم. وقالوا : لعنكم الله فما ترجون بجبر أتاكم رجل فى مائة وأخرجكم عن مدينتكم وغلبكم عليها.

٤٠٣

ثم تتام أصحاب موسى إليه ممن كان مع أبيه وغيرهم ، ولم يزل صاحب الترمذ وأهلها بالترك حتى أعانوا وأطافوا جميعا بموسى ومن معه فبيتهم موسى وحوى عسكرهم وأصيب من المسلمين ستة عشر رجلا ، وكان ثابت وحريث ابنا قطبة الخزاعيان مع موسى فاستجاشا طرخون وأصحابه لموسى فأنجده وأنهض إليه بشرا كثيرا فعظمت دالتهما عليه وكانا الآمرين والناهيين فى عسكره فقيل له إنما لك الاسم وهذان صاحبا العسكر والأمر ، وخرج إليه من أهل الترمذ خلق من الهياطلة والترك واقتلوا قتالا شديدا فغلبهم المسلمون ومن معهم فبلغ ذلك الحجاج ، فقال : احمد لله الذي نصر المنافقين على المشركين ، وجعل موسى من رؤس من قاتله جوسقين عظيمين ، وقتل حريث بن قطبة بنشابة أصابته فقال أصحاب موسى لموسى : قد أراحنا الله من حريث فأرحنا من ثابت فإنه لا يصفو عيش معه ، وبلغ ثابتا ما يخوضون فيه فلما استثبته لحق بحشورا واستنجد طرخون فأنجده ، فنهض إليه موسى فغلب على ربض المدينة ، ثم كبرت أمداد السغد فرجع إلى الترمذ فتحصن بها وأعانه أهل كش ونسف وبخارى فحصر ثابت موسى وهو فى ثمانين ألفا فوجه موسى يزيد بن هزيل كالمعزى لزياد القصير الخزاعي وقد أصيب بمصيبة فالتمس الغرة من ثابت فضربه بالسيف على رأسه ضربة عاش بعدها سبعة أيام ثم مات وألقى يزيد نفسه فى نهر الصغانيان فنجا وقام طرخون بأمر أصحابه فبيتهم موسى فرجعت الأعاجم إلى بلادها ، وكان أهل خراسان يقولون : ما رأينا مثل موسى قاتل مع أبيه سنتين لم يفل ، ثم أتى الترمذ فغلب عليها وهو فى عدة يسيرة وأخرج ملكها عنها ثم قاتل الترك والعجم فهزمهم وأوقع بهم فلما عزل يزيد ابن المهلب وتولى المفضل بن المهلب خراسان وجه عثمان بن مسعود ، فسار حتى نزل جزيرة بالترمذ تدعى اليوم جزيرة عثمان ، وهو فى خمسة عشر ألفا

٤٠٤

فضيق على موسى وكتب إلى طرخون فقدم عليه ، فلما رأى موسى الذي ورد عليه خرج من المدينة وقال لأصحابه الذين خلفهم فيها : أن قتلت فادفعوا المدينة إلى مدرك بن المهلب ولا تدفعوها إلى ابن مسعود ، وحال الترك والسغد بين موسى والحصن وعثر به فرسه فسقط فارتدف خلف مولى له ، وجعل يقول : الموت كريه فنظر إليه عثمان فقال وثبة موسى ورب الكعبة وقصد له حتى سقط ومولاه فانطووا عليه فقتلوه وقتل أصحابه فلم ينج منهم إلا رقية بن الحرفانه دفعه إلى خالد بن أبى برزة الأسلمى ، وكان الذي أجهز على موسى بن عبد الله واصل بن طيسلة العنبري ، ودفعت المدينة إلى مدرك ابن المهلب وكان قتله فى آخر سنة خمس وثمانين وضرب رجل ساق موسى وهو قتيل فلما ولى قتيبة قتله.

قالوا : ثم ولى الحجاج قتيبة بن مسلم الباهلي خراسان ، فخرج يريد آخرون فلما كان بالطالقاه تلقاه دهاقين بلخ فعبروا معه النهر فأتاه حين عبر النهر ملك الصغانيان بهدايا ومفتاح من ذهب وأعطاه الطاعة ودعاه إلى نزول بلاده وكان ملك آخرون وشومان قد ضيق على ملك الصغانيان وغزاه فلذلك أعطى قتيبة ما أعطاه ودعاه إلى ما دعاه إليه ، وأتى قتيبة ملك كفيان بنحو ما أتاه به ملك الصغانيان وسلما إليه ، بلديهما ، فانصرف قتيبة إلى مرو وخلف أخاه صالحا على ما وراء النهر ففتح صالح كاسان واورشت ، وهي من فرغانة وكان نصر بن سيار معه فى جيشه وفتح بيعنخر وفتح خشكت من فرغانة وهي مدينتها القديمة ، وكان آخر من فتح كاسان وأورشت ، وقد انتقض أهلها نوح بن أسد فى خلافة أمير المؤمنين المنتصر بالله رحمه‌الله.

قالوا : وأرسل ملك الجوزجان إلى قتيبة فصالحه على أن يأتيه فصار إليه ، ثم رجع فمات بالطالقان. ثم غزا قتيبة بيكند سنة سبع وثمانين ومعه

٤٠٥

نيزك فقطع النهر من زم إلى بيكند ، وهي أدنى مدائن بخارى إلى النهر فغدروا واستنصروا السغد فقاتلهم وأغار عليهم وحصرهم فطلبوا الصلح ففتحها عنوة وغزا قتيبة تومشكت وكرمينية سنة ثمان وثمانين واستخلف على مرو بشار بن مسلم أخاه فصالحهم وافتتح حصونا صغارا وغزا قتيبة بخارى ففتحها على صلح ، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى أتى قتيبة بخارى فاحترسوا منه ، فقال دعوني أدخلها فأصلى ركعتين فأذنوا له فى ذلك فاكمن لهم قوما ، فلما دخلوا كاثروا أهل الباب ودخلوا فأصاب فيها مالا عظيما وغدر بأهلها ، قال : وأوقع قتيبة بالسغد وقتل نيزك بطخارستان وصلبه وافتتح كش ونسف وهي نخشب صلحا.

قالوا : وكان ملك خارزم ضعيفا ، وكان أخوه خر زاد قد ضاده وقوى عليه ، فبعث ملك خارزم إلى قتيبة أنى أعطيك كذا وكذا وأدفع إليك المفاتيح على أن تملكني على بلادي دون أخى ، وخارزم ثلاث مدائن يحاط بها فارقين ومدينة الفيل أحصنها.

وقال على بن مجاهد إنما مدينة الفيل سمرقند ، فنزل الملك أحصن المدائن وبعث إلى قتيبة بالمال الذي صالحه عليه وبالمفاتيح فوجه قتيبة أخاه عبد الرحمن بن مسلم إلى خرزاد فقاتله وظفر بأربعة آلاف أسير فقتلهم ، وملك ملك خارزم الأول على ما شرط له ، فقال له أهل مملكته : أنه ضعيف ووثبوا عليه فقتلوه ، فولى قتيبة أخاه عبيد الله بن مسلم خوارزم ، وغزا قتيبة سمرقند ، وكانت ملوك السغد تنزلها قديما ، ثم نزلت اشتيخن ، فحصر قتيبة أهل سمرقند والتقوا مرارا فاقتتلوا ، وكتب ملك السغد إلى ملك الشاش وهو مقيم بالطاربند ، فأتاه فى خلق من مقاتلته فلقيهم المسلمون فاقتتلوا أشد قتال ، ثم أن قتيبة أوقع بهم وكسرهم فصالحه غوزك على الفى ألف ومائتي ألف درهم فى كل عام وعلى أن يصلى فى المدينة فدخلها وقد اتخذ له غوزك طعاما فأكل وصلى واتخذ مسجدا وخلف بها جماعة من

٤٠٦

المسلمين فيهم الضحاك بن مزاحم صاحب التفسير ، ويقال : أنه صالح قتيبة على سبعمائة ألف درهم وضيافة المسلمين ثلاثة أيام ، وكان فى صلحه بيوت الأصنام والنيران فأخرجت الأصنام فسلبت حليتها وأحرقت ، وكانت الأعاجم تقول أن فيها أصناما من استخف بها هلك فلما حرقها قتيبة بيده أسلم منهم خلق ، فقال المختار بن كعب الجعفي فى قتيبة :

دوخ السغد بالقبائل حتى

ترك السغد بالعراء قعودا

وقال أبو عبيدة وغيره لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد عليه قوم من أهل سمرقند فرفعوا إليه أن قتيبة دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين على غدر فكتب عمر إلى عامله يأمره أن ينصب لهم قاضيا ينظر فيما ذكروا فان قضى بإخراج المسلمين أخرجوا فنصب لهم جميع بن حاضر الباجى فحكم بإخراج المسلمين على أن ينابذوهم على سواء فكره أهل مدينة سمرقند الحرب وأقروا المسلمين فأقاموا بين أظهرهم.

وقال الهيثم بن عدى : حدثني ابن عياش الهمذاني ، قال : فتح قتيبة عامة الشاش وبلغ أسبيجاب ، وقيل كان فتح حصن أسبيجاب قديما ثم غلب عليه الترك ومعهم قوم من أهل الشاش ، ثم فتحه نوح بن أسد فى خلافة أمير المؤمنين المعتصم بالله وبنى حوله سورا يحيط بكروم أهله ومزارعهم.

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى فتح قتيبة خارزم وفتح سمرقند عنوة ، وقد كان سعيد بن عثمان صالح أهلها ففتحها قتيبة بعده ولم يكونوا نقضوا ولكنه استقل صلحهم ، قال : وفتح بيكند وكش ونسف والشاش ، وغزا فرغانة ففتح بعضها وغزا السغد وأشر وسنة ، قالوا : وكان قتيبة مستوحشا من سليمان بن عبد الملك وذلك أنه سعى فى بيعة عبد العزيز بن الوليد فأراد دفعها عن سليمان ، فلما مات الوليد. وقام سليمان خطب الناس فقال

٤٠٧

أنه قد وليكم هبنقة العائشى ، وذلك أن سليمان كان يعطى ويصطنع أهل النعم واليسار ويدع من سواهم ، وكان هبنقة وهو يزيد بن ثروان يؤثر سمان ابله بالعلف والمرعى ، ويقول : أنا لا أصلح ما أفسد الله ودعا الناس إلى خلعه فلم يجبه أحد إلى ذلك فشتم بنى تميم ونسبهم إلى الغدر ، وقال لستم بنى تميم ولكنكم بنى ذميم ، وذم بنى بكر بن وائل ، وقال : يا أخوة مسلمة ، وذم الأزد فقال بدلتم الرماح بالمراد وبالسفن أعنة الحصن ، وقال : يا أهل السافلة ولا أقول أهل العالية لأضعنكم بحيث وضعكم الله ، قال : فكتب سليمان إلى قتيبة بالولاية وأمره بإطلاق كل من فى حبسه وأن يعطى الناس أعطياتهم ويأذن لمن أراد القفول فى القفول وكانوا متطلعين إلى ذلك وأمر رسوله باعلام الناس ما كتب به ، فقال قتيبة : هذا من تدبيره على وقام فقال : أيها الناس إن سليمان قد مناكم مخ أعضاد البعوض وأنكم ستدعون إلى بيعة أنور صبي لا تحل ذبيحته وكانوا حنقين عليه لشتمه إياهم فاعتذر من ذلك ، وقال : انى غضبت فلم أدر ما قلت وما أردت لكم إلا الخير فتكلموا ، وقالوا : إن أذن لنا فى القفول كان خيرا له. وإن لم يفعل فلا يلومن إلا نفسه ، وبلغه ذلك فخطب الناس فعدد إحسانه إليهم وذم قلة وفائهم له وخلافهم عليه وخوفهم بالأعاجم الذين استظهر بهم عليهم ، فأجمعوا على حربه ولم يجيبوه بشيء وطلبوا إلى الحصين بن المنذر أن يولوه أمرهم فأبى وأشار عليهم بوكيع بن حسان بن قيس بن أبى سود بن كلب بن عوف بن مالك بن غدانة بن يربوع بن حنظلة التميمي ، وقال : لا يقوى على هذا الأمر غيره لأنه أعرابى جاف تطيعه عشيرته وهو من بنى تميم وقد قتل قتيبة بنى الأهتم فهم يطلبونه بدمائهم فسعوا إلى وكيع فأعطاهم يده فبايعوه ، وكان السفير بينه وبينهم قبل ذلك حيان مولى مصقلة وبخراسان يومئذ من مقاتلة أهل البصرة أربعون

٤٠٨

ألفا ومن أهل الكوفة سبعة آلاف ومن الموالي سبعة آلاف ، وإن وكيعا تمارض ولزم منزله فكان قتيبة يبعث إليه وقد طلى رجليه وساقه بمغرة فيقول أنا عليل لا تمكنني الحركة ، وكان إذا أرسل إليه قوما يأتونه به تسللوا وأتوا وكيعا فأخبروه فدعا وكيع بسلاحه وبرمح وأخذ خمار أم ولده فعقده عليه ، ولقيه رجل يقال له إدريس فقال له يا أبا مطرف أنك تريد أمرا وتخاف ما قد أمنك الرجل منه فالله الله ، فقال وكيع : هذا إدريس رسول إبليس أقتيبة يؤمنني والله لا آتيه حتى أوتى برأسه ، ودلف نحو فسطاط قتيبة وتلاحق به وقتيبة فى أهل بيته وقوم وفوا له فقال صالح أخوه لغلامه : هات قوسي ، فقال له بعضهم وهو يهزأ به : ليس هذا يوم قوس ورماه رجل من بنى ضبة فأصاب رهابته فصرع وأدخل الفسطاط فقضى وقتيبة عند رأسه وكان قتيبة يقول لحيان وهو على الأعاجم أحمل فيقول لم يأن ذلك بعد وحملت العجم على العرب ، فقال حيان : يا معشر العجم لم تقتلون أنفسكم لقتيبة ألحسن بلائه عندكم فانحاز بهم إلى بنى تميم وتهايج الناس وصبر مع قتيبة أخوته وأهل بيته وقوم من أبناء ملوك السغد أنفوا من خذلانه وقطعت أطناب الفسطاط وأطناب الفازة فسقطت على قتيبة وسقط عمود الفازة على هامته فقتله فاحتز رأسه عبد الله بن علوان ، وقال قوم منهم هشام بن الكلبي : بل دخلوا عليه فسطاطه فقتله جهم بن زحر الجعفي وضربه سعد بن مجد واحتز رأسه بن علوان ، قالوا : وقتل معه جماعة من أخوته وأهل بيته وأم ولده الصماء ونجا ضرار بن مسلم أمنه بنو تميم ، وأخذت الأزد رأس قتيبة وخاتمه وأتى وكيع برأس قتيبة فبعث به إلى سليمان مع سليط بن عطية الحنفي. وأقبل الناس يسلبون باهلة فمنع من ذلك ، وكتب وكيع إلى أبى مجاز لاحق بن حميدة بعهده على مرو فقبله ورضى الناس به ، وكان قتيبة يوم قتل ابن خمس وخمسين سنة ، ولما قبل وكيع بن أبى سود بصارم بخراسان

٤٠٩

وضبطها فأراد سليمان توليته إياها فقيل له أن وكيعا ترفعه الفتنة وتضعه الجماعة وفيه جفاء وإعرابية ، وكان وكيع يدعو بطست فيبول والناس ينظرن إليه فمكث تسعة أشهر حتى قدم عليه يزيد بن المهلب ، وكان بالعراق ، فكتب إليه سليمان أن يأتى خراسان وبعث إليه بعهده فقدم يزيد مخلدا ابنه فحاسب وكيعا وحبسه ، وقال له : أد مال الله فقال : أو خازنا لله كنت ، وغزا مخلد البتم ففتحها ثم نقضوا بعده فتركهم ومال عنهم فطمعوا فى انصرافه ، ثم كر عليهم حتى دخلها ودخلها جهم بن زحر وأصاب بها مالا وأصناما من ذهب فأهل البتم ينسبون إلى ولائه ، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : كانوا يرون أن عبد الله بن عبد الله بن الأهتم أبا خاقان قد كتب إلى الحجاج يسعى بقتيبة ويخبر بما صار إليه من المال وهو يومئذ خليفة قتيبة على مرو ، وكان قتيبة إذا غزا استخلفه على مرو ، فلما كانت غزوة بخارى وما يليها واستخلفه أتاه بشير أحد بنى الأهتم ، فقال له : أنك قد انبسطت إلى عبد الله وهو ذو غوائل حسود فلا نأمنه أن يعزلك فيستفسدنا قال إنما قلت هذا حسدا لابن عمك ، قال فليكن عذري عندك فإن كان ذلك عذرتني وغزا ، فكتب بما كتب به إلى الحجاج فطوى الحجاج كتابه فى كتابه إلى قتيبة ، فجاء الرسول حتى نزل السكة بمرو وجاوزها ، ولم يأت عبد الله فأحس بالشر فهرب فلحق بالشام فمكث زمنا يبيع الخمر والكتانيات فى رزمة على عنقه يطوف بها ، ثم أنه وضع خرقة وقطنة على إحدى عينيه ثم عصبها واكتنى بأبى طينة ، وكان يبيع الزيت فلم يزل على هذه الحال حتى هلك الوليد بن عبد الملك ، وقام سليمان فألقى عنه ذاك الدنس والخرقة وقام بخطبة تهنئة لسليمان ووقوعا فى الحجاج وقتيبة ، وكان قد بايع لعبد العزيز بن الوليد وخلع سليمان فتفرق الناس وهم يقولون : أبو طينة الزيات أبلغ الناس ، فلما انتهى إلى قتيبة كتاب ابن الأهتم إلى الحجاج وقد فاته عكر على

٤١٠

بنى عمه وبنيه ، وكان أحدهم شيبة أبو شبيب فقتل تسعه أناسى منهم أحدهم بشير : فقال له بشير : اذكر عذري عندك فقال قدمت رجلا وأخرت رجلا يا عدو الله فقتلهم جميعا ، وكان وكيع بن أبى سود قبل ذلك على بنى تميم بخراسان فعزله عنهم قتيبة واستعمل رجلا من بنى ضرار الضبي ، فقال حين قتلهم : قتلني الله أنا أقتله ويفقدوه فلم يصل الظهر ولا العصر ، فقالوا له : أنك لم تصل ، فقال : وكيف أصلى لرب قتل منا عامتهم صبيان ولم يغضب لهم.

وقال أبو عبيدة : غزا قتيبة مدينة فيل ففتحها ، وقد كان أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد فتحها ثم نكثوا ورامهم يزيد بن المهلب فلم يقدر عليها ، فقال كعب الأشقرى :

أعطتك فيل بأيديها وحق لها

ورامها قبلك الفجاجة الصلف

يعنى يزيد بن المهلب ، قالوا : ولما استخلف عمر بن عبد العزيز كتب إلى ملوك ما وراء النهر يدعوهم إلى الإسلام فأسلم بعضهم ، وكان عامل عمر على خراسان الجراح بن عبد الله الحكمي فأخذ مخلد بن يزيد وعمال يزيد فحبسهم ووجه الجراح عبد الله بن معمر اليشكري إلى ما وراء النهر فأوغل فى بلاد العدو وهم بدخول الصين فأحاطت به الترك حتى افتدى منهم وتخلص وصار إلى الشاش ، ورفع عمر الخراج على من أسلم بخراسان وفرض لمن أسلم وابتنى الخانات ، ثم بلغ عمر عن الجراح عصبية وكتب إليه أنه لا يصلح أهل خراسان إلا السيف فأنكر ذلك وعزله وكان عليه دين فقضاه ، وولى عبد الرحمن بن نعيم الغامدى حرب خراسان وعبد الرحمن بن عبد الله القشيري خراجها.

قال وكان الجراح بن عبد الله يتخذ نقرا من فضة وذهب ويصيرها تحت

٤١١

بساط فى مجلسه على أوزان مختلفة ، فإذا دخل عليه الداخل من أخوته والمعتزين به رمى إلى كل امرئ منهم مقدار ما يؤهل له ، ثم ولى يزيد بن عبد الملك فولى مسلمة بن عبد الملك العراق وخراسان ، فولى مسلمة سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبى العاص بن أمية خراسان وسعيد هذا يلقب حذيفة ، وذلك أن بعض دهاقين ما وراء النهر دخل عليه وعليه معصفر وقد رجل شعره ، فقال : هذا حذيفة يعنى دهقانه ، وكان سعيد صهر مسلمة على ابنته فقدم سعيد سورة بن الحر الحنظلي ، ثم ابنه فتوجه إلى ما وراء النهر فنزل اشتيخن وقد صارت الترك إليها فحاربهم وهزمهم ومنع الناس من طلبهم حينا ، ثم لقى الترك ثانية فهزموهم وأكثروا القتل فى أصحابه وولى سعيد نصر بن سيار وفى سعيد يقول الشاعر :

فسرت إلى الأعداء تلهو بلعبة

فايرك مشهور وسيفك مغمد

وشخص قوم من وجوه أهل خراسان إلى مسلمة يشكون سعيدا فعزله وولى سعيد بن عمر الجرشى خراسان ، فلما قدمها أمر كاتبه بقراءة عهده وكان لحانا ، فقال سعيد : أيها الناس أن الأمير بريء مما تسمعون من هذا اللحن ووجه إلى السغد يدعوهم إلى الفئة والمراجعة وكف عن مهايجتهم حتى أنته رسله بإقامتهم على خلافة فزحف إليهم فانقطع عن عظيمهم زهاء عشرة آلاف رجل ، وفارقوهم مائلين إلى الطاعة ، وافتتح الجرشى عامة حصون السغد ونال من العدو نيلا شافيا.

وكان يزيد بن عبد الملك ولى عهده هشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد بعده ، فلما مات يزيد بن عبد الملك قام هشام فولى عمر بن هبيرة الفزاري العراق فعزل الجرشى واستعمل على خراسان مسلم بن سعيد فغزا افشين فصالحه على ستة آلاف رأس ودفع إليه قلعته ثم انصرف إلى مرو ، وولى

٤١٢

طخارستان نصر بن سيار فخالفه خلق من العرب فأوقع بهم ثم سفرت بينهم السفراء فاصطلحوا.

واستعمل هشام خالد بن عبد الله القسري على العراق فولى أسد بن عبد الله أخاه خراسان وبلغ ذلك مسلم بن سعيد ، فسار حتى أتى فرغانة فأناخ على مدينتها فقطع الشجر وأخرب العمارة وانحدر عليه خاقان الترك فى عسكره فارتحل عن فرغانة وسار فى يوم واحد ثلاث مراحل حتى قامت دوابه وتطرفت الترك عسكره فقاب بعض الشعراء :

غزوت بنا من خشية العزل عاصيا

فلم تنج من دنيا معن غرورها

وقدم أسد سمرقند فاستعمل عليها الحسن بن أبى العمرطة ، فكانت الترك تطرف سمرقند وتغير ، وكان الحسن ينفر كلما أغاروا فلا يلحقهم ، فخطب ذات يوم فدعا على الترك فى خطبته ، فقال : اللهم أقطع آثارهم وعجل أقدارهم وأنزل عليهم الصبر فشتمه أهل سمرقند ، وقالوا : لا بل أنزل الله علينا الصبر وزلزل أقدامهم.

وغزا أسد جبال نمرود فصالحه نمرود وأسلم وغزا الختل ، فلما قدم بلخ أمر ببناء مدينتها ونقل الدواوين إليها وصار إلى الختل فلم يقدر منها على شيء وأصاب الناس ضر وجوع وبلغه عن نصر بن سيار كلام فضربه وبعث به إلى خالد مع ثلاثة نفر اتهموا بالشغب ، ثم شخص أسد عن خراسان وخلف عليها الحكم بن عوانة الكلبي ، واستعمل هشام أشرس بن عبد الله السلمى على خراسان ، وكان معه كاتب نبطي يسمى عميرة ويكنى أبا أمية فزين له الشر فزاد أشرس وظائف خراسان واستخف بالدهاقين ، ودعا أهل ما وراء النهر إلى الإسلام وأمر بطرح الجزية عمن أسلم فسارعوا إلى الإسلام وانكسر الخراج ، فلما رأى أشرس ذلك أخذ المسألة فأنكروا ذلك وألاحوا منه

٤١٣

وغضب لهم ثابت قطنة الأزدى ، وإنما قيل له قطنة لأن عينه فقئت فكان يضع عليها قطنة فبعث إليهم أشرس من فرق جمعهم وأخذ ثابتا فحبسه ثم خلاه بكفالة ووجهه فى وجه فخرجت عليه الترك فقتلته.

واستعمل هشام فى سنة اثنتي عشرة ومائة الجنيد بن عبد الرحمن المري على خراسان فلقى الترك فحاربهم ووجه طلائع له فظفروا بابن خاقان وهو سكران يتصيد ، فأخذوه فأتوا به الجنيد بن عبد الرحمن فبعث به إلى هشام ، ولم يزل يقاتل الترك حتى دفعهم ، فكتب إلى هشام يستمده فأمده بعمرو بن مسلم فى عشرة آلاف رجل من أهل البصرة وبعبد الرحمن بن نعيم فى عشرة آلاف من أهل الكوفة وحمل إليه ثلاثين ألف قناة وثلاثين ألف ترس وأطلق يده فى الفريضة ففرض لخمسة عشر ألف رجل ، وكانت للجنيد مغاز وانتشرت دعاة بنى هشام فى ولايته وقوى أمرهم وكانت وفاة الجنيد بمرو ، وولى هشام خراسان عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي ، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى التاثت نواح من طخارستان ففتحها الجنيد بن عبد الرحمن وردها إلى صلحها ومقاطعتها.

قال : وكان نصر بن سيار غزا اشر وسنة أيام مروان بن محمد فلم يقدر على شيء منها ، فلما استخلف أمير المؤمنين العباس رحمه‌الله ومن بعده من الخلفاء كانوا يولون عمالهم فينقصون حدود أرض العدو وأطرافها ويحاربون من نكث البيعة ونقض العهد من أهل القبالة ويعيدون مصالحة من امتنع من الوفاء بصلحه بنصب الحرب له.

قالوا : ولما استخلف المأمون أمير المؤمنين أغزى السغد وأشروسنة ومن انتقض عليه من أهل فرغانة الجند وألح عليهم بالحروب وبالغارات أيام مقامه بخراسان وبعد ذلك ، وكان مع تسريته الخيول إليهم يكاتبهم بالدعاء إلى الإسلام والطاعة والترغيب فيهما.

٤١٤

ووجه إلى كابل شاه جيشا فأدى الأتاوة وأذعن بالطاعة واتصل إليها البريد حتى حمل إليها منها إهليلج وصل رطبا ، وكان كاوس ملك اشروسنة كتب إلى الفضل بن سهل المعروف بذي الرياستين ، وهو وزير المأمون وكاتبه يسأله الصلح على مال يؤديه على أن لا يغزى المسلمين بلده فأجيب إلى ذلك ، فلما قدم المأمون رحمه‌الله إلى مدينة السلام امتنع كاوس من الوفاء بالصلح ، وكان له قهرمان أثير عنده قد زوج ابنته من الفضل بن كاوس فكان يفرط الفضل عنده ويقربه من قبله ويذم حيدر بن كاوس المعروف بالأفشين ويشنعه ، فوثب حيدر على القرمان فقتله على باب كنب مدينتهم وهرب إلى هاشم بن محوز الختلي ، وكان هاشم ببلده مملكا عليه ، فسأله أن يكتب إلى أبيه فى الرضى عليه ، وكان كاوس قد زوج أم جنيد حين قتل قهرمانه طراديس وهرب ببعض دهاقينه.

فلما بلغ حيدر ذلك أظهر الإسلام وشخص إلى مدينة السلام ، فوصف للمأمون سهولة الأمر فى أشر وسنة وهون عليه ما يهوله الناس من خبروها ووصف له طريقا مختصرة إليها ، فوجه المأمون أحمد بن أبى خالد الأحول الكاتب لغزوها فى جيش عظيم ، فلما بلغ كاوس إقباله نحوه بعث الفضل ابن كاوس إلى الترك يستنجدهم فأنجده منهم الدهم ، وقدم أحمد بن أبى خالد بلد أشر وسنة فأناخ على مدينتها قبل موافاة الفضل بالأتراك فكان تقدير كاوس فيه أن يسلك الطريق البعيدة وأنه لا يعرف هذه الطريق المختصرة فسقط فى يده ونخب قلبه فاستسلم وخرج فى الطاعة وبلغ الفضل خبره فانحاز بالأتراك إلى مفازة هناك ثم فارقهم وسار جلدا حتى أتى أباه فدخل فى أمانه وهلك الأتراك عطشا ، وورد كاوس مدينة السلام فأظهر الإسلام وملكه المأمون على بلاده ، ثم ملك حيدر ابنه وهو الأفشين بعده ، وكان المأمون رحمه‌الله يكتب إلى عماله على خراسان فى غزو من لم يكن على

٤١٥

الطاعة والإسلام من أهل ما وراء النهر ، ويوجه رسله فيفرضون لمن رغب فى الديوان وأراد الفريضة من أهل تلك النواحي وأبناء ملوكهم ويستميلهم بالرغبة فإذا وردوا بابه شرفهم وأسنى صلاتهم وأرزاقهم ، ثم استخلف المعتصم بالله فكان على مثل ذلك حتى صار حل شهود عسكره من جند أهل ما وراء النهر من السغد والفراعنة والأشروسنة وأهل الشاش وغيرهم ، وحضر ملوكهم بابه وغلب الإسلام على ما هناك ، وصار أهل تلك البلاد يغزون من وراءهم من الترك ، وأعزى عبد الله بن طاهر ابنه طاهر بن عبد الله بلاد الغوزية ، ففتح مواضع لم يصل إليها أحد قبله.

وحدثني العمرى عن الهيثم بن عدى عن ابن عياش أن قتيبة أسكن العرب ما وراء النهر حتى أسكنهم أرض فرغانة والشاش.

فتوح السند

أخبرنا على بن محمد بن عبد الله بن أبى سيف ، قال : ولى عمر بن الخطاب رضى الله عنه عثمان بن أبى العاصي الثقفي البحرين وعمان سنة خمس عشرة فوجه أخاه الحكم إلى البحرين ومضى إلى عمان فأقطع جيشا إلى تانه ، فلما رجع الجيش كتب إلى عمر يعلمه ذلك ، فكتب إليه عمر : يا أخا ثقيف حملت دودا على عود وإنى أحلف بالله لو أصيبوا لأخذت من قومك مثلهم ، ووجه الحكم أيضا إلى بروص ، ووجه أخاه المغيرة بن أبى العاصي إلى خور الديبل ، فلقى العدو فظفر ، فلما ولى عثمان بن عفان رضى الله عنه ، وولى عبد الله بن عامر بن كريز العراق كتب إليه يأمره أن يوجه إلى ثغر الهند من يعلم علمه وينصرف إليه بخبره فوجه حكيم بن جبلة العبدى ، فلما رجع أوفده إلى عثمان فسأله عن حال البلاد فقال : يا أمير المؤمنين قد عرفتها وتنحرتها ، قال فصفها لى ، قال : ماؤها وشل

٤١٦

وثمرها دفل ولصها بطل ، إن قل الجيش فيها ضاعوا ، وإن كثروا جاعوا ، فقال له عثمان : أخابر أم ساجع ، قال : بل خابر فلم يغزها أحدا ، فلما كان آخر سنة ثمان وثلاثين وأول سنة تسع وثلاثين فى خلافة على بن أبى طالب رضى الله عنه توجه إلى ذلك الثغر الحارث بن مرة العبدى متطوعا بإذن على فظفر وأصاب مغنما وسبيا وقسم فى يوم واحد ألف رأس ، ثم إنه قتل ومن معه بأرض القيقان إلا قليلا ، وكان مقتله فى سنة اثنتين وأربعين والقيقان من بلاد السند مما يلي خراسان ، ثم غزا ذلك الثغر المهلب بن أبى صفرة فى أيام معاوية سنة أربع وأربعين فأتى بنة والأهواز وهما بين الملتان وكابل فلقيه العدو فقاتله ومن معه ، ولقى المهلب ببلاد القيقان ثمانية عشر فارسا من الترك على خيل محذوفة فقاتلوه فقتلوا جميعا ، فقال المهلب : ما جعل هؤلاء الأعاجم أولى بالتمشير منا فحذف الخيل فكان أول من حذفها من المسلمين وفى بنة يقول الأزدى :

ألم تر أن الأزد ليلة بيتوا

ببنة كانوا خير جيش المهلب

ثم ولى عبد الله بن عامر فى زمن معاوية بن أبى سفيان عبد الله بن سوار العبدى ، ويقال ولاه معاوية من قبله ثغر الهند ، فغزا القيقان فأصاب مغنما ، ثم وفد إلى معاوية وأهدى إليه خيلا قيقانية وأقام عنده ، ثم رجع إلى القيقان فاستجاشوا الترك فقتلوه وفيه يقول الشاعر :

وابن سوار على عدته

موقد النار وقتال السغب

وكان سخيا لم يوقد أحد نارا غير ناره فى عسكره ، فرأى ذات ليلة نارا فقال : ما هذه ، فقالوا : امرأة نفساء يعمل لها خبيص فأمر أن يطعم الناس الخبيص ثلاثا وولى زياد بن أبى سفيان فى أيام معاوية سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي ، وكان فاضلا متألها ، وهو أول من أحلف الجند بالطلاق فأتى الثغر ففتح مكران عنوة ومصرها وأقام بها وضبط البلاد ، وفيه يقول الشاعر :

٤١٧

رأيت هذيلا أحدثت فى يمينها

طلاق نساء ما يسوق لها مهرا

لهان على حلفة ابن محبق

إذا رفعت أعناقها حلقا صفرا

وقال ابن الكلبي : كان الذي فتح مكران حكيم بن جبلة العبدى ، ثم استعمل زياد على الثغر راشد بن عمرو الجديدى من الأزد فأتى مكران ، ثم غزا القيقان فظفر ، ثم غزا الميد فقتل ، وقام بأمر الناس سنان بن سلمة فولاه زياد الثغر فأقام به سنتين ، وقال أعشى همدان فى مكران :

وأنت تسير إلى مكران

فقد شحط الورد والمصدر

ولم تك حاجتي مكران

ولا الغزو فيها ولا المتجر

وحدثت عنها ولم آتها

فما زالت من ذكر آخر

بأن الكثير بها جائع

وأن القليل بها معور

(١) وغزا عباد بن زياد ثغر الهند من سجستان فأتى سناروذ ثم أخذ على حوى كهز إلى الروذبار من أرض سجستان إلى الهندمند فنزل كش وقطع المفازة حتى أتى القندهار فقاتل أهلها فهزمهم وفلهم وفتحها بعد أن أصيب رجال من المسلمين ، ورأى قلانس أهلها طوالا فعمل عليها فسميت العبادية وقال ابن مفرغ : (١)

كم بالجروم وأرض الهند من قدم

ومن سرائنك قتلى لا هم قبروا

بقندهار ومن تكتب منيته

بقندهار يرجم دونه الخبر

ثم ولى زياد المنذر بن الجارود العبدى ويكنى أبا الأشعث ثغر الهند ، فغزا البوقان والقيقان فظفر المسلمون وغنموا وبث السرايا فى بلادهم ، وفتح قصدار وسبابها ، وكان سنان قد فتحها إلا أن أهلها انتقضوا ، وبها مات فقال الشاعر :

حل بقصدار فأضحى بها

فى القبر لم يغفل مع الغافلين

__________________

(١) وردت في الأصل مقارع فصححناها اعتمادا على بعض المصادر الأدبية.

٤١٨

لله قصدار وأعنابها

أى فتى دنيا أجنت ودين

ثم ولى عبيد بن زياد بن حرى الباهلي ، ففتح الله تلك البلاد على يده وقاتل بها قتالا شديدا فظفر وغنم ، وقال قوم : أن عبيد الله بن زياد ولى سنان ابن سلمة ، وكان حرى على سراياه وفى حرى بن حرى يقول الشاعر :

لو لا طعانى بالبوقان ما رجعت

منه سرايا ابن حرى باسلاب

وأهل البوقان اليوم مسلمون وقد بنى عمران بن موسى بن يحيى بن خالد البرمكي بها مدينة سماها البيضاء وذلك فى خلافة المعتصم بالله ، ولما ولى الحجاج ابن يوسف بن الحكم بن أبى عقيل الثقفي العراق ولى سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي مكران وذلك الثغر فخرج عليه معاوية ومحمد ابنا الحارث العلافيان فقتل وغلب العلافيان على الثغر واسم علاف هو ربان بن حلوان بن عمران ابن الحاف بن قضاعة ، وهو أبو جرم ، فولى الحجاج مجاعة بن سعر التميمي ذلك الثغر فغزا مجاعة فغنم وفتح طوائف من قندابيل ، ثم أتم فتحها محمد ابن القاسم ومات مجاعة بعد سنة بمكران قال الشاعر :

ما من مشاهدك التي شاهدتها

إلا يزينك ذكرها مجاعا

ثم استعمل الحجاج بعد مجاعة محمد بن هارون بن ذراع النمري فأهدى إلى الحجاج فى ولايته ملك جزيرة الياقوت نسوة ولدن فى بلاده مسلمات ومات آباؤهن وكانوا تجارا فأراد التقرب بهن ، فعرض للسفينة التي كنا فيها قوم من ميد الديبل فى بوارج فأخذوا السفينة بما فيها فنادت امرأة منهن وكانت من بنى يربوع يا حجاج ، وبلغ الحجاج ذلك فقال : يا لبيك فأرسل إلى داهر يسأله تخلية النسوة. فقال : إنما أخذهن لصوص لا أقدر عليهم ، فأغزى الحجاج عبيد الله بن نبهان الديبل فقتل ، فكتب إلى بديل بن طهفة البجلي وهو بعمان يأمره أن يسير إلى الديبل ، فلما لقيهم نفر به فرسه فأطاف به العدو

٤١٩

فقتلوه وقال بعضهم قتله زط البدهة ، قال : وإنما سميت هذه الجزيرة جزيرة الياقوت لحسن وجوه نسائها ، ثم ولى الحجاج محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبى عقيل فى أيام الوليد بن عبد الملك فغزا السند ، وكان محمد بفارس وقد أمره أن يسير إلى الري وعلى مقدمته أبو الأسود جهم بن زحر الجعفي فرده إليه وعقد له على ثغر السند وضم إليه ستة آلاف من جند أهل الشام وخلقا من غيرهم وجهزه بكل ما احتاج إليه حتى الخيوط والمال ، وأمره أن يقيم بشيراز حتى يتتام إليه أصحابه ويوافيه ما عدله ، فعمد الحجاج إلى القطن المحلوج فنقع فى الخل الخمر الحاذق ، ثم جفف فى الظل فقال : إذا صرتم إلى السند فان الخل بها ضيق فانقعوا هذا القطن فى الماء ثم اطبخوا به واصطبغوا ، ويقال أن محمدا لما صار إلى الثغر كتب يشكو ضيق الخل عليهم فبعث إليه بالقطن المنقوع فى الخل ، فسار محمد بن القاسم إلى مكران فأقام بها أياما ثم أتى قنزبور ففتحها ثم أتى ارمائيل ففتحها وكان محمد بن هارون بن ذراع قد لقيه فانضم إليه وسار معه فتوفى بالقرب منها فدفن بقنيل ، ثم سار محمد بن القاسم من ارمائيل ومعه جهم بن زحر الجعفي فقدم الديبل يوم جمعة ووافته سفن كان حمل فيها الرجال والسلاح والأداة فخندق حين نزل الديبل ، وركزت الرماح على الخندق ، ونشرت الأعلام ، وأنزل الناس على راياتهم ، ونصب منجنيقا تعرف بالعرس كان يمد فيها خمسمائة رجل ، وكان بالديبل بد عظيم عليه دقل طويل وعلى الدقل راية حمراء إذا هبت الريح أطافت بالمدينة وكانت تدور والبد فيما ذكروا منارة عظيمة يتخذ فى بناء لهم فيه صنم لهم أو أصنام يشهر بها وقد يكون الصنم فى داخل المنارة أيضا وكل شيء أعظموه من طريق العبادة فهو عندهم بد ، والصنم بد أيضا ، وكانت كتب الحجاج ترد على محمد وكتب محمد ترد عليه بصفة ما قبله واستطلاع رأيه فيما يعمل به فى كل ثلاثة أيام ، فورد على محمد من الحجاج

٤٢٠