فتوح البلدان

أبوالحسن البلاذري

فتوح البلدان

المؤلف:

أبوالحسن البلاذري


المحقق: لجنة تحقيق التراث
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

قال أبو مسعود : وكان عمر بن هبيرة بن معية الفزاري أيام ولايته العراق أحدث قنطرة الكوفة ثم أصلحها خالد بن عبد الله القسري واستوثق منها ، وقد أصلحت بعد ذلك مرات قال ، وقال بعض أشياخنا : كان أول من بناها رجل من العباد من جعفي فى الجاهلية ، ثم سقطت فاتخذ فى موضعها جسرا ، ثم بناها فى الإسلام زياد بن أبى سفيان ، ثم ابن هبيرة ، ثم خالد بن عبد الله ، ثم يزيد بن عمر بن هبيرة ، ثم أصلحت بعد بنى أمية مرات.

حدثني أبو مسعود وغيره ، قالوا كان يزيد بن عمر بن هبيرة بنى مدينة بالكوفة على الفرات ونزلها ومنها شيء يسير لم يستتم فأتاه كتاب مروان يأمره باجتناب مجاورة أهل الكوفة فتركها وبنى القصر الذي يعرف بقصر ابن هبيرة بالقرب مى جسر سورا ، فلما ظهر أمير المؤمنين أبو العباس نزل تلك المدينة واستتم مقاصير فيها وأحدث فيها بناء وسماها الهاشمية فكان الناس ينسبونها إلى ابن هبيرة على العادة ، فقال : ما أرى ذكر ابن يسقط عنها ، فرفضها وبنى بحيالها الهاشمية ونزلها ، ثم اختار نزول الأنبار فبنى بها مدينته المعروفة فلما توفى دفن بها ، واستخلف أبو جعفر المنصور فنزل المدينة الهاشمية بالكوفة واستتم شيئا كان بقي منها وزاد فيها بناء وهيأها على ما أراد ، ثم تحول منها إلى بغداد فبنى مدينته ومصر بغداد وسماها مدينة السلام وأصلح سورها القديم الذي يبتدئ من دجلة وينتهى إلى الصراط ، وبالهاشمية حبس المنصور عبد الله بن حسن بن حسن بن على بن أبى طالب بسبب ابنيه محمد وابراهيم وبها قبره ، وبنى المنصور بالكوفة الرصافة وأمر أبا الخصيب مرزوقا مولاه فبنى له القصر المعروف بأبى الخصيب على أساس قديم ، ويقال : أن أبا الخصيب بناه لنفسه فكان المنصور يزوره فيه ، وأما الخورنق فكان قديما فارسيا بناه النعمان بن امرئ القيس وهو ابن الشقيقة

٢٨١

بنت أبى ربيعة بن ذهل بن شيبان لبهرام جور بن يزدجرد بن بهرام بن سابور ذى الأكتاف ، وكان بهرام جور فى حجره والنعمان هذا الذي ترك ملكه وساح فذكره عدى بن زيد العبادي فى شعره ، فلما ظهرت الدولة المباركة أقطع الخورنق إبراهيم بن سلمة أحد الدعاة بخراسان وهو جد عبد الرحمن بن إسحاق القاضي كان بمدينة السلام فى خلافة المأمون والمعتصم بالله رحمهما‌الله ، وكان مولى للرباب وإبراهيم أحدث فيه الخورنق فى خلافة أبى العباس ولم تكن قبل ذلك.

وحدثني أبو مسعود الكوفي ، قال : حدثنا يحيى بن سلمة بن كهيل الحضرمي عن مشايخ من أهل الكوفة أن المسلمين لما فتحوا المدائن أصابوا بها فيلا وقد كانوا قتلوا ما لقيهم قبل ذلك من الفيلة فكتبوا فيه إلى عمر فكتب إليهم أن بيعوه أن وجدتم له مباعا فاشتراه رجل من أهل الحيرة فكان عنده يريه الناس ويجلله ويطوف به فى القرى فمكث عنده حينا ، ثم أن أم أيوب بنت عمارة بن عقبة بن أبى معيط امرأة المغيرة بن شعبة وهي التي خلف عليها زياد بعده أحبت النظر إليه وهي تنزل دار أبيها فأتى به ووقف على باب المسجد الذي يدعى اليوم باب الفيل فجعلت تنظر إليه ووهبت لصاحبه شيئا وصرفته فلم يخط إلا خطى يسيرة حتى سقط ميتا فسمى الباب باب الفيل ، وقد قيل أن الناظرة إليه امرأة الوليد بن عقبة بن أبى معيط ، وقيل أن ساحرا أرى الناس أنه أخرج من هذا الباب فيلا على حمار وذلك باطل ، وقيل : أن الأجانة التي فى المسجد حملت على فيل وأدخلت من هذا الباب فسمى باب الفيل ، وقال بعضهم : أن فيلا لبعض الولاة اقتحم هذا الباب فنسب إليه : والخبر الأول أثبت هذه الأخبار.

وحدثني أبو مسعود ، قال : جبانة ميميون بالكوفة نسبت إلى ميمون

٢٨٢

مولى محمد بن على بن عبد الله وهو أبو بشر بن ميمون صاحب الطاقات ببغداد بالقرب من باب الشام ، وصحراء أم سلمة نسبت إلى أم سلمة بنت يعقوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم امرأة أبى العباس. وحدثني أبو مسعود ، قال : أخذ المنصور أهل الكوفة بحفر خندقها وألزم كل امرئ منهم للنفقة عليه أربعين درهما وكان ذاما لهم لميلهم إلى الطالبين وأرجافهم بالسلطان.

وحدثنا الحسين بن الأسود ، قال : حدثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر ، قال : كتب عمر إلى أهل الكوفة رأس العرب. وحدثنا الحسين قال : حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبى ثابت عن نافع بن جبير بن مطعم ، قال : قال عمر بالكوفة وجوه الناس. وحدثنا الحسين وإبراهيم بن مسلم الخوارزمي ، قالا : حدثنا وكيع عن يونس بن أبى إسحاق عن الشعبي ، قال : كتب عمر إلى أهل الكوفة إلى رأس الإسلام. وحدثنا الحسين بن الأسود ، قال : حدثنا وكيع عن قيس بن الربيع عن شمر بن عطية قال : قال عمر وذكر الكوفة ، فقال : هم رمح الله وكنز الإيمان وجمجمة العرب يحرزون ثغورهم ويمدون أهل الأمصار.

وحدثنا أبو نصر التمار ، قال : حدثنا شريك بن عبد الله بن أبى شريك العامري عن جندب عن سلمان قال : الكوفة قبة الإسلام ، يأتى على الناس زمان لا يبقى مؤمن ألا وهويها أو يهوى قلبه إليها.

٢٨٣

أمر واسط العراق

حدثني عبد الحميد بن واسع الختلي الحاسب ، قال : حدثني يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح ، قال : أول مسجد جامع بنى بالسواد مسجد المدائن بناه سعد وأصحابه ثم وسع بعد وأحكم بناؤه وجرى ذلك على يدي حذيفة ابن اليمان وبالمدائن مات حذيفة سنة ست وثلاثين ، ثم بنى مسجد الكوفة ثم مسجد الأنبار قال : وأحدث الحجاج مدينة واسط فى سنة ثلاث وثمانين أو سنة أربع وثمانين وبنى مسجدها وقصرها وقبة الخضراء بها ، وكانت واسط أرض قصب فسميت واسط القصب ، وبينها وبين الأهواز والبصرة والكوفة مقدار واحد ، وقال ابن القرية : بناه فى غير بلده ويتركها لغير ولده.

وحدثني شيخ من أهل واسط عن أشياخ منهم. أن الحجاج لما فرغ من واسط كتب إلى عبد الملك بن مروان أنى اتخذت مدينة فى كرش من الأرض بين الجبل والمصرين وسميتها واسطا فلذلك سمى أهل واسط الكرشيين ، وكان الحجاج قبل اتخاذه واسطا أراد نزول الصين من كسكر فحفر نهر الصين وجمع له الفعلة وأمر بأن يسلسوا لئلا يشذوا ويتبلطوا» ثم بدا له فأحدث واسطا فنزلها واحتفر النيل والزابي وسماه زابيا لأخذه من الزابي القديم ، وأحيا ما على هذين النهرين من الأرضين ، وأحدث المدينة التي تعرف بالنيل ومصرها ، وعمد إلى ضياع كان عبد الله بن دراج مولى معاوية بن أبى سفيان استخرجها له أيام ولايته خراج الكوفة مع المغيرة ابن شعبة من موات مرفوض ونقوض مياه ومغايض وآجام ضرب عليها المسنيات ، ثم قلع قصبها فحازها لعبد الملك بن مروان وعمرها ونقل الحجاج إلى قصره والمسجد الجامع بواسط أبوابا من زندورد والدوقرة ودار

٢٨٤

وساط ودير ماسرجسان وشرايط فضج أهل هذه المدن ، وقالوا : قد أومنا على مدننا وأموالنا فلم يلتفت إلى قولهم ، قال : وحفر خالد بن عبد الله القسري المبارك فقال الفرزدق :

كأنك بالمبارك بعد شهر

تخوض غموره بقع الكلاب

ثم قال فى شعر له طويل :

أعطى خليفته بقوة خالد

نهرا يفيض له على الأنهار

أن المبارك كاسمه يسقى به

حرث السواد وناعم الجبار

وكأن دجلة حين أقبل مدها

ناب يمد له بحبل قطار

وحدثني محمد بن خالد بن عبد الله الطحان ، قال : حدثني مشايخنا أن خالد بن عبد الله القسري كتب إلى هشام بن عبد الملك يستأذنه فى عمل قنطرة على دجلة فكتب إليه هشام ، لو كان هذا ممكنا لسبق إليه الفرس فراجعه فكتب إليه : أن كنت متيقنا أنها تتم فاعملها فعملها وأعظم النفقة عليها فلم يلبث أن قطعها الماء فأغرمه هشام ما كان أنفق عليها.

قالوا : وكان النهر المعروف بالبزاق قديما وكان يدعى بالنبطية البساق أى الذي يقطع الماء عما يليه ويجره إليه وهو نهر يجتمع إليه فضول مياه آجام السيب وماء من ماء الفرات فقال الناس البزاق ، فأما الميمون فأول من حفره وكيل لأم جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور يقال له سعيد بن زيد ، وكانت فوهته عند قرية تدعى قرية ميمون فحولت فى أيام الواثق بالله على يدي عمر بن فرج الرخجي وسمى الميمون لئلا يسقط عنه ذكر اليمن.

وحدثني محمد بن خالد ، قال : أمر المهدى أمير المؤمنين بحفر نهر الصلة فحفر وأحيى ما عليه من الأرضين وجعلت غلته لصلات أهل الحرمين والنفقة هناك ، وكان شرط لمن تألف إليه من المزارعين الشرط الذي هم عليه اليوم

٢٨٥

خمسين سنة على أن يقاسموا بعد انقضاء الخمسين مقاسمة النصف ، وأما نهر الأمير فنسب إلى عيسى بن على وهو فى قطيعته.

وحدثنا محمد بن خالد ، قال : كان محمد بن القاسم أهدى إلى الحجاج من السند فيلا فأجيز البطائح فى سفينة وأخرج فى المشرعة التي تدعى مشرعة الفيل فسميت تلك المشرعة مشرعه الفيل وفرضة الفيل.

أمر البطائح

حدثني جماعة من أهل العلم : أن الفرس كانت تتحدث بزوال ملكها وتروى فى آية ذلك زلازل وطوفان تحدث ، وكانت دجلة تصب إلى دجلة البصرة التي تدعى العوراء فى أنهار متشعبة ومن عمود مجراها الذي كان باقى مائها يجرى فيه وهو كبعض تلك الأنهار ، فلما كان زمان قباذ بن فيروز انبثق فى أسافل كسكر بثق عظيم فأغفل حتى غلب ماؤه وغرق كثيرا من أرضين عامرة ، وكان قباذ واهنا قليل التفقد لأمره ، فلما ولى أنوشروان ابنه أمر بذلك الماء فردم بالمسنيات حتى عاد بعض تلك الأرضين إلى عمارة ، ثم لما كانت السنة التي بعث فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى أبرويز وهي سنة سبع من الهجرة ، ويقال سنة ست زاد الفرات ودجلة زيادة عظيمة لم ير مثلها قبلها لا بعدها ، وانبثقت بثوق عظام فجهد أبرويز أن يسكرها فغلبه الماء ومال إلى موضع البطائح فطفا على العمارات والزروع فغرق عدة طساسيج كانت هناك ، وركب كسرى بنفسه لسد تلك البثوق ونثر الأموال على الأنطاع وقتل الفعلة بالكفاية ، وصلب على بعض البثوق فيما يقال أربعين جسارا فى يوم فلم يقدر للماء على حيلة ، ثم دخلت العرب أرض العراق وشغلت الأعاجم بالحروب فكانت البثوق تنفجر فلا يلتفت إليها ويعجز الداهقين عن سد

٢٨٦

عظمها فاتسعت البطيحة وعرضت ، فلما ولى معاوية بن أبى سفيان ولى عبد الله بن دراج مولاه خراج العراق واستخرج له من الأرضين بالبطائح ما بلغت غلته خمسة آلاف ألف وذلك أنه قطع القصب وغلب الماء بالمسنيات ، ثم كان حسان النبطي مولى بنى ضبة وصاحب حوض حسان بالبصرة والذي تنسب إليه منارة حسان بالبطائح فاستخرج للحجاج أيام الوليد ولهشام بن عبد الملك أرضين من أراضى البطيحة ، قالوا : وكان بكسكر قبل حدوث البطائح نهر يقال له الجنب ، وكان طريق البريد إلى ميسان ودستميسان وإلى الأهواز فى شقه القبلي فلما تبطحت البطائح سمى ما استاجم من شق طريق البريد آجام البريد وسمى الشق الآخر اجام أغمر بثى ، وفى ذلك الآجام الكبرى والنهر اليوم يظهر فى الأرضين الجامدة التي استخرجت حديثا.

وحدثني أبو مسعود الكوفي عن أشياخه ، قالوا : حدثت البطائح بعد مهاجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وملك الفرس أبرويز ، وذلك أنه انبثقت بثوق عظام عجز كسرى عن سدها وفاضت الأنهار حتى حدثت البطائح ، ثم كان مد فى أيام محاربة المسلمين الأعاجم بثوق لم يعن أحد بسدها فاتسعت البطيحة لذلك وعظمت ، وقد كان بنو أمية استخرجوا بعض أرضيها ، فلما كان زمن الحجاج غرق ذلك لأن بثوقا انفجرت فلم يعان الحجاج سدها مضارة للدهاقين لأنه كان اتهمهم بممالأة ابن الأشعث حين خرج عليه واستخرج حسان النبطي لهشام أرضين من أرضى البطيحة أيضا.

وكان أبو الأسد الذي نسب إليه نهر أبى الأسد قائدا من قواد المنصور أمير المؤمنين ممن كان وجه إلى البصرة أيام مقام عبد الله بن على بها وهو الذي أدخل عبد الله بن على الكوفة.

٢٨٧

وحدثني عمر بن بكير : أن المنصور رحمه‌الله وجه أبا الأسد مولى أمير المؤمنين فعسكر بينه وبين عسكر عيسى بن موسى حين كان يحارب ابراهيم ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب وهو حفر النهر المعروف بأبى أسد عند البطيحة ، وقال غيره : أقام على فم النهر لأن السفن لم تدخله لضيقه عنها فوسعه ونسب إليه.

قال أبو مسعود : وقد انبثقت فى أيام الدولة المباركة بثوق زادت فى البطائح سعة ، وحدثت أيضا من الفرات آجام استخرج بعضها.

وحدثني أبو مسعود عن عوانة ، قال : انبثقت البثوق أيام الحجاج فكتب الحجاج إلى الوليد بن عبد الملك يعلمه : أنه قدر لسدها ثلاثة آلاف ألف درهم فاستكثرها الوليد ، فقال له مسلمة بن عبد الملك : أنا أنفق عليها على أن تقطعني الأرضين المنخفضة التي يبقى فيها الماء بعد انفاق ثلاثة آلاف ألف درهم يتولى إنفاقها ثقتك ونصيحك الحجاج فأجابه إلى ذلك فحصلت له أرضون من طساسيج متصلة فخفر السيبين وتألف الاكرة والمزارعين وعمر تلك الأرضين وألجأ الناس إليها ضياعا كثيرة للتغزز به ، فلما جاءت الدولة المباركة وقبضت أموال بنى أمية أقطع جميع السيبين داود بن على ابن عبد الله بن العباس ، ثم ابتيع ذلك من ورثته بحقوقه وحدوده فصار من ضياع الخلافة.

* * *

٢٨٨

أمر مدينة السلام

قالوا : وكانت بغداد قديمة فمصرها أمير المؤمنين المنصور رحمه‌الله وابتنى بها مدينة وابتدأها فى سنة خمس وأربعين ومائة فلما بلغه خروج محمد وابراهيم بنى عبد الله بن حسن بن حسن عاد إلى الكوفة ، ثم حول بيوت الأموال والخزائن والدواوين من الكوفة إلى بغداد سنة ست وأربعين ومائة وسماها مدينة السلام واستتم بناء حائط مدينته وجميع أمره وبناء سور بغداد القديم سنة سبع وأربعين ومائة وتوفى سنة ثمان وخمسين ومائة بمكة ودفن عند بئر ميمون الحضرمي حليف بن أمية ، وبن المنصور للمهدي الرصافة فى الجانب الشرقي ببغداد ، وكان هذا الجانب يدعى عسكر المهدى لأنه عسكر فيه حين خرج إلى الري ، فلما قدم من الري وقد بدا للمنصور فى إنفاذه إلى خراسان للاقامة بها نزل الرصافة وذلك فى سنة إحدى وخمسين ومائة وقد كان المنصور أمر فبنى للمهدي قبل إنزاله الجانب الشرقي قصره الذي يعرف بقصر الوضاح وبقصر المهدى وبالشرقية ، وهو مما يلي باب الكرخ ، والوضاح رجل من أهل الأنبار كان تولى النفقة عليه فنسب إليه ، وبنى المنصور مسجدى مدينة السلام ، وبنى القنطرة الجديدة على الصراة ، وابتاع أرض مدينة السلام من قوم من أرباب القرى بادوريا وقطربل وبهزبوق ونهربين وأقطعها أهل بيته وقواده وجنده وصحابته وكتابه ، وجعل مجمع الأسواق بالكرخ وأمر التجار فابتنوا الحوانيت وألزمهم الغلة.

وحدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه ، قال : سمى المخرم ببغداد مخرما لأن مخرم بن شريح بن حزن الحارثي نزله ، قال : وكان ناحية قنطرة البردان للسرى بن الحطيم صاحب الحطيمة التي تعرف ببغداد.

وحدثني مشايخ من أهل بغداد : إن الصالحية ببغداد نسبت إلى صالح بن

٢٨٩

المنصور ، قالوا : والحربية نسبت إلى حرب بن عبد الله البلخي ، وكان على شرط جعفر بن أبى جعفر بالموصل ، والزهيرية تعرف بباب التبن نسبت إلى زهير بن محمد من أهل أبيورد ، وعيساباذ نسبت إلى عيسى بن المهدى وكان فى حجر منازل التركي وهو ابن الخيزران ، وقصر عبودية مما يلي براثا نسبت إلى رجل من الأزد يقال له عبدويه وكان من وجوه أهل الدولة ، قالوا : وأقطع المنصور ببغداد سليمان بن مجالد ومجالد سروى مولى لعلى بن عبد الله موضع داره وأقطع مهلهل بن صفوان قطيعه بالمدينة وإليه ينسب درب مهلهل ، وكان صفوان مولى على بن عبد الله ، وكان اسم مهلهل يحيى فاستنشده محمد بن على شعرا فأنشده :

أليلتنا بذي حشم أنيرى

وهي لمهلهل فسماه مهلهلا ، ومحمد أعتقه وأقطع المنصور عمارة بن حمزة الناحية المعروفة به خلف مربعة شبيب بن واج ، وأقطع ميمون أبا بشر ابن ميمون قطيعة عند بستان القس ناحية باب الشام ، وطاقات بشر تنسب إلى بشر بن ميمون : هذا ، وكان ميمون مولى على بن عبد الله واقطع شبيلا مولاه قطيعة عند دار يقطين وهناك مسجد يعرف بشبيل ، وأقطع أم عبيدة وهي حاضنة لهم ومولاة لمحمد بن على قطيعة وإليها تنسب طاقات أم عبيدة بقرب الجسر ، وأقطع منيرة مولاة محمد بن على وإليها ينسب درب منيرة وخان منيرة فى الجانب الشرقي وأقطع ريشانة موضعا يعرف بمسجد بنى رغبان ، مولى حبيب بن مسلمة الفهري يدخل فى قصر عيسى بن جعفر أو جعفر بن جعفر بن المنصور ودرب مهرويه فى الجانب الشرقي نسب إلى مهرويه الرازي ، وكان من سبى سنفاذ فأعتقه المهدى ولم يزل المنصور رحمه‌الله بمدينة السلام إلى آخر سنى خلافته ، ثم حج منها وتوفى بمكة ، ونزلها بعده المهدى أمير المؤمنين ، ثم شخص منها إلى ماسبذان فتوفى بها ، وكان أكثر نزوله من مدينة السلام بعيساباذ فى أبنية بناها هناك ، ثم

٢٩٠

نزلها الهادي موسى بن المهدى فتوفى بها ، ونزلها الرشيد هارون بن المهدى ثم شخص عنها إلى الرافقة فأقام بها وسار منها إلى خراسان فتوفى بطوس ، ونزلها محمد بن الرشيد فقتل بها وقدمها المأمون عبد الله بن الرشيد من خراسان فأقام بها ثم شخص عنها غازيا فمات بالفذندون ودفن بطرسوس ، ونزلها أمير المؤمنين المعتصم بالله ثم شخص عنها إلى القاطول فنزل قصر الرشيد كان ابتناه حين حفر قاطوله الذي دعاه أبا الجند لقيام ما يسقى من الأرضين بأرزاق جنده ، ثم بنى بالقاطول بناء نزله ودفع ذلك القصر إلى أشناس التركي مولاه وهم بتمصير ما هناك وابتدأ بناء مدينة تركها ثم رأى تمصير سر من رأى فمصرها ونقل الناس إليها وأقام بها ، وبنى مسجدا جامعا فى طرف الأسواق وسماها سر من رأى ، ونزل أشناس مولاه فيمن ضم إليه من القواد كرخ فيروز ، وأنزل بعض قواده الدور المعروفة بالعربايى وتوفى رحمه‌الله بسر من رأى فى سنة سبع وعشرين ومائتين ، وأقام هارون الواثق بالله بسر من رأى فى بناء بناه وسماه الهاروني حتى توفى به ، ثم استخلف أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله رحمه‌الله فى ذى الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين فأقام بالهارونى وبنى بناء كثيرا وأقطع الناس فى ظهر سر من رأى بالحائر الذي كان المعتصم بالله احتجره بها قطائع فاتسعوا بها وبنى مسجدا جامعا كبيرا وأعظم النفقة عليه وأمر برفع منارته لتعلو أصوات المؤذنين فيها حتى نظر إليها من فراسخ ، فجمع الناس فيه وتركوا المسجد الأول ، ثم أنه أحدث مدينة سماها المتوكلية وعمرها وأقام بها وأقطع الناس فيها القطائع وجعلها فيها بين الكوخ المعروف بفيروز وبين القاطول المعروف بكسرى فدخلت الدور والقرية المعروفة بالماحوز فيها ، وبنى بها مسجدا جامعا وكان من ابتدائه إياها إلى أن نزلها أشهر ونزلها فى أول سنة ست وأربعين ومائتين ثم توفى بها رحمه‌الله فى شوال

٢٩١

سنة سبع وأربعين واستخلف فى هذه الليلة المنتصر بالله فانتقل عنها إلى سر من رأى يوم الثلاثاء لعشر خلون من شوال ومات بها.

قالوا : كانت عيون الطف مثل عين الصيد ، والقطقطانة ، والرهيمة ، وعين جمل وذواتها للموكلين بالمسالح التي وراء السواد : وهي عيون خندق سابور الذي حفره بينه وبين العرب الموكلين بمسالح الخندق وغيرهم ، وذلك أن سابور أقطعهم أرضها فاعتموها من غير أن يلزمهم لها خراجا ، فلما كان يوم ذى قار ونصر الله العرب بنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم غلبت العرب على طائفة من تلك العيون وبقي فى أيدى الأعاجم بعضها ، ثم لما قدم المسلمون الحيرة وهربت الأعاجم بعد أن طمت عامة ما فى أيديهم منها وبقي الذي فى أيدى العرب فأسلموا عليه وصار ما عمروه من الأرضين عشريا ، ولما مضى أمر القادسية والمدائن دفع ما جلا عنه أهله من أراضى تلك العيون إلى المسلمين فأقطعوه فصارت عشرية أيضا وكذلك مجرى عيون الطف وأرضيها مجرى أعراض المدينة وقرى نجد وكل صدقتها إلى عمال المدينة ، فلما ولى إسحاق بن ابراهيم بن مصعب السواد للمتوكل على الله ضمها إلى ما فى يده فتولى عمالة عشرها وصيرها سوادية وهي على ذلك إلى اليوم ، وقد استخرج عيون اسلامية مجرى ما سقت عيونها من الأرضين هذا المجرى.

وحدثني بعض المشايخ : أن جملا مات عند عين الجمل فنسبت إليه ، وقال بعض أهل واسط أن المستخرج لها كان يسمى جملا ، قالوا : وسميت العين عين الصيد لأن السمك يجتمع فيها.

وأخبرنى بعض الكريزين : أن عين الصيد كانت مما طم فبينا رجل من المسلمين تحول فيما هناك إذ ساخت قوائم فرسه فيها فنزل عنه فخفر فظهر له الماء فجمع قوما عاونوه على كشف التراب والطين عنها وتنقيتها حتى

٢٩٢

عادت إلى ما كانت عليه ، ثم إنها صارت بعد إلى عيسى بن على ، وكان عيسى ابتاعها من ولد حسن بن حسن بن على بن أبى طالب ، وكانت عنده منهم أم كلثوم بنت حسن بن حسن ، وكان معاوية أقطع الحسن بن على عين صيد هذه عوضا من الخلافة مع غيرها ، وكانت عين الرحبة مما طم قديما فرآها رجل من حجاج أهل كرمان وهي تبض فلما انصرف من حجه أتى عيسى بن موسى متنصحا فدله عليها فاستقطعها وأرضها واستخرجها له الكرماني فاعتمل ما عليها من الأرضين وغرس النخل الذي فى طريق العذيب وعلى فراسخ من هيت عيون تدعى العرق تجرى هذا المجرى أعشارها إلى صاحب هيت.

حدثني الأثرم عن أبى عبيدة عن أبى عمرو بن العلاء ، قال : لما رأت العرب كثرة القرى والنخل والشجر ، قالوا : ما رأينا سوادا أكثر والسواد الشخص فتر لك سمى السواد سوادا.

وحدثني القاسم بن سلام ، قال. حدثنا محمد بن عبيد عن محمد بن أبى موسى قال : خرج على إلى السوق فرأى أهله قد حازوا أمكنتهم ، فقال : ليس ذلك لهم أن سوق المسلمين كمصلاهم من سبق إلى موضع فهو له يومه حتى يدعه.

حدثني أبو عبيد ، قال : حدثني مروان بن معاوية عن عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه ، قال : كنا نغدو إلى السوق فى زمن المغيرة بن شعبة فمن قعد فى موضع كان أحق به إلى الليل ، فلما كان زياد قال : من قعد فى موضع كان أحق به ما دام فيه ، قال مروان : وولى المغيرة الكوفة مرتين لعمر مرة ومرة لمعاوية.

٢٩٣

نقل ديوان الفارسية

وحدثني المدائني على بن محمد بن أبى سيف عن أشياخه. قالوا : لم يزل ديوان خراج السواد وسائر العراق بالفارسية ، فلما ولى الحجاج العراق استكتب زادان فروخ بن بيرى وكان معه صالح بن عبد الرحمن مولى بنى تميم يخط بين يديه بالعربية والفارسية وكان أبو صالح من سبى سجستان فوصل زادان فروخ صالحا بالحجاج وخف على قلبه ، فقال له ذات يوم : إنك شبيبى إلى الأمير وأراه قد استخفنى ولا آمن أن يقدمني عليك وأن تسقط ، فقال : لا تظن ذلك هو أحوج إلى منه إليك لأنه لا يجد من يكفيه حسابه غيرى ، فقال : والله لو شئت أن أحول الحساب إلى العربية لحولته ، قال : فحول منه شطرا حتى أرى ففعل فقال له نمارض فتمارض فبعث إليه الحجاج طبيبه فلم ير به علة وبلغ زادان فروخ ذلك فأمره أن يظهر ، ثم أن زادان فروخ قتل أيام عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي وهو خارج من منزل كان فيه إلى منزله أو منزل غيره فاستكتب الحجاج صالحا مكانه فأعلمه الذي كان جرى بينه وبين زادان فروخ فى نقل الديوان فعزم الحجاج على أن يجعل الديوان بالعربية وقلد ذلك صالحا فقال له مردانشاه بن زادان فروخ كيف تصنع بدهويه وششويه ، قال : اكتب عشر ونصف عشر ، قال : فكيف تصنع بويد ، قال : اكتبه أيضا والويد النيف والزيادة تزاد ، فقال : قطع الله أصلك من الدنيا كما قطعت أصل الفارسية ، وبذلت له مائة ألف درهم على أن يظهر العجز عن نقل الديوان ويمسك عن ذلك فأبى ونقله ، فكان عبد الحميد بن يحيى كاتب مروان بن محمد يقول : لله در صالح ما أعظم منته على الكتاب.

وحدثني عمر بن شبة قال حدثني أبو عاصم النبيل ، قال : أنبأنا سهل بن أبى الصلت ، قال ، أجل الحجاج صالح بن عبد الرحمن أجلا حتى قلب الديوان.

٢٩٤

فتح الجبال (حلوان)

قالوا : لما فرغ المسلمون من أمر جلولاء الوقيعة ضم هاشم بن عتبة بن أبى وقاص إلى جرير بن عبد الله البجلي خيلا كثيفة ورتبه بجلولاء ليكون بين المسلمين وبين عدوهم ثم أن سعدا وجه إليهم زهاء ثلاثة آلاف من المسلمين وأمره أن ينهض بهم وبمن معه إلى حلوان ، فلما كان بالقرب منها هرب يزدجرد إلى ناحية أصبهان ففتح جرير حلوان صلحا على أن كف عنهم وأمنهم على دمائهم وأموالهم وجعل لمن أحب منهم الهرب أن لا يعرض لهم ، ثم خلف بحلوان جريرا مع عزرة بن قيس بن غزية البجلي ومضى نحو الدينور فلم يفتحها وفتح قرماسين على مثل ما فتح عليه حلوان وقدم حلوان فأقام بها واليا عليها إلى أن قدم عمار بن ياسر الكوفة فكتب إليه يعلمه أن عمر بن الخطاب أمره أن يمد به أبا موسى الأشعرى فخلف جرير عزرة ابن قيس على حلوان وسار حتى أتى أبا موسى الأشعرى فى سنة تسع عشرة.

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن محمد بن نجاد عن عائشة بنت سعد بن أبى وقاص قالت : لما قتل معاوية حجر بن عدى الكندي ، قال أبى : لو رأى معاوية ما كان من حجوم عين قنطرة حلوان لعرف أن له غناء عظيما عن الإسلام ، قال الواقدي : وقد نزل حلوان قوم من ولد جرير بن عبد الله فاعقابهم بها.

* * *

٢٩٥

فتح نهاوند

قالوا : لما هرب يزدجرد من حلوان فى سنة تسع عشرة تكانبت الفرس وأهل الري وقومس وأصبهان وهمذان والماهين وتجمعوا إلى يزدجرد وذلك فى سنة عشرين فأمر عليهم مردانشاه ذا الحاجب وأخرجوا رأيتهم الدرفشكابيان ، وكانت عدة المشركين يومئذ ستين ألفا ويقال مائة ألف ، وقد كان عمار بن ياسر كتب إلى عمر بن الخطاب بخبرهم فهم أن يغزوهم بنفسه ثم خاف أن ينتشر أمر العرب بنجد وغيرها ، وأشير عليه بأن يغزى أهل الشام من شامهم وأهل اليمن من يمنهم فخاف أن فعل ذلك أن تعود الروم إلى أوطانها وتغلب الحبشة على ما يليها ، فكتب إلى أهل الكوفة يأمرهم أن يسير ثلثاهم ويبقى ثلثهم لحفظ بلدهم وديارهم وبعث من أهل البصرة بعثا ، وقال : لاستعملن رجلا يكون لأول ما يلقاه من الأسنة ، فكتب إلى النعمان بن عمرو بن مقرن المزني وكان مع السائب بن الأقرع الثقفي بتوليته الجيش ، وقال : أن أصبت فالأمير حذيفة بن اليمان فإن أصيب فجرير بن عبد الله البجلي فإن أصيب فالمغيرة بن شعبة فإن أصيب فالأشعث ابن قيس ، وكان النعمان عاملا على كسكر وناحيتها ويقال بل كان بالمدينة فولاه عمر أمر هذا الجيش مشافهة فشخص منها.

وحدثني شيبان ، قال : حدثنا حماد بن سلمة عن أبى عمران الجواني عن علقمة بن عبد الله عن معقل بن يسار أن عمر بن الخطاب شاور الهرمزان فسأل ما ترى أنبدأ بأصبهان أو بأذربيجان فقال الهرمزان : أصبهان الرأس وأذربيجان الجناحان ، فإن قطعت الرأس سقط الجناحان والرأس.

قال : فدخل عمر المسجد فبصر النعمان بن مقرن فقعد إلى جنبه ، فلما قضى صلاته قال : أما إنى سأستعملك ، فقال النعمان : أما جابيا فلا ولكن غازيا قال

٢٩٦

فأنت غاز فأرسله ، وكتب إلى أهل الكوفة أن يمدوه فأمدوه وفيهم المغيرة بن شعبة فبعث النعمان المغيرة إلى ذى الحاجبين عظيم العجم بنهاوند فجعل يشق بسطه برمحه حتى قام بين يديه ثم قعد على سريره فأمر به فسحب ، فقال إنى رسول ، ثم التقى المسلمون والمشركون فسلسلوا كل عشرة فى سلسلة وكل خمسة فى سلسلة لئلا يفروا ، قال : فرمونا حتى جرحوا منا جماعة وذلك قبل القتال.

وقال النعمان : شهدت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكان إذا لم يقاتل فى أول النهار انتظر زوال الشمس وهبوب الرياح ونزول النصر ، ثم قال : إنى هاز لوائى ثلاث هزات ، فأما أول هزة فليتوضأ الرجل بعدها وليقض حاجته ، وأما الهزة الثانية فلينظر الرجل بعدها إلى سيفه أو قال شعه وليتهيأ وليصلح من شأنه ، وأما الثالثة فإذا كانت إن شاء الله فاحملوا ولا يلوين أحد على أحد ، فهز لواءه ففعلوا ما أمرهم وثقل درعه عليه فقاتل وقاتل الناس ، فكان رحمه‌الله أول قتيل قال : وسقط الفارسي عن بغلته فانشق بطنه ، قال فأتيت النعمان وبه رمق فغسلت وجهه من أدواة ماء كانت معى فقال : من أنت قلت معقل قال : ما صنع المسلمون قلت : أبشر بفتح الله ونصره قال : الحمد لله اكتبوا إلى عمر.

حدثني شيبان ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثني على بن زيد بن جدعان عن أبى عثمان النهدي ، قال : أنا ذهبت بالبشارة إلى عمر فقال : ما فعل النعمان قلت قتل قال : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ثم بكى فقلت : قتل والله فى آخرين لا أعلمهم قال ولكن الله يعلمهم.

وحدثني أحمد بن ابراهيم ، قال : حدثنا أبو أسامة وأبو عامر العقدى وسلم بن قتيبة جميعا عن شعبة عن على بن زيد عن أبى عثمان النهدي ، قال : رأيت عمر بن الخطاب لما جاءه نعى النعمان بن مقرن وضع يده على رأسه وجعل يبكى.

٢٩٧

وحدثنا القاسم بن سلام ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصارى عن النهاس بن قهم عن القاسم بن عوف عن أبيه عن السائب بن الأقرع ـ أو عن عمر بن السائب عن أبيه شك الأنصارى ـ قال : زحف إلى المسلمين زحف لم ير مثله ، فذكر حديث عمر فيما هم به من الغزو بنفسه وتوليته النعمان بن مقرن وأنه بعث إليه بكتابه مع السائب وولى السائب الغنائم ، وقال : لا ترفعن باطلا ولا تحبسن حقا ثم ذكر الواقعة ، قال : فكان النعمان أول مقتول يوم نهاوند ، ثم أخذ حذيفة الراية ففتح الله عليهم.

قال السائب : فجمعت تلك الغنائم ثم قسمتها ، ثم أتانى ذو العوينتين فقال : إن كنز النخيرخان فى القلعة قال : فصعدتها فإذا أنا بسفطين فيهما جوهر لم أر مثله قط قال : فأقبلت إلى عمر وقد راث عنه الخبر وهو يتطوف المدينة ، ويسأل ، فلما رآني قال : ويلك ما وراءك فحدثته بحديث الوقعة ومقتل النعمان وذكرت له شأن السفطين فقال : اذهب بهما فبعهما ثم اقسم ثمنهما بين المسلمين ، فأقبلت بهما إلى الكوفة فأتاني شاب من قريش يقال له عمرو بن حريث فاشتراهما باعطية الذرية والمقاتلة ، ثم انطلق بإحداهما إلى الحيرة فباعه بما اشتراهما به منى وفضل الآخر فكان ذلك أول لهوة مال اتخذه.

وقال بعض أهل الصيرة : اقتتلوا بنهاوند يوم الأربعاء ويوم الخميس ثم تحاجزوا ثم اقتتلوا يوم الجمعة ، وذكر من حديث الوقعة نحو حديث حماد ابن سلمة ، وقال ابن الكلبي عن أبى مخنف : أن النعمان بن مقرن نزل الأسبيذهار وجعل على ميمنته الأشعث بن قيس ، وعلى الميسرة المغيرة بن شعبة فاقتتلوا فقتل النعمان ثم ظفر المسلمون فسمى ذلك الفتح فتح الفتوح ، قال : وكان فتح نهاوند فى سنة تسع عشرة يوم الأربعاء ويقال فى سنة عشرين.

٢٩٨

وحدثنا الرفاعي قال حدثنا العبقري عن أبى بكر الهذلي عن الحسن ومحمد قالا : كانت وقعة نهاوند سنة إحدى وعشرين.

وحدثني الرفاعي ، قال حدثنا العبقري عن أبى معشر عن محمد بن كعب مثله ، قالوا : ولما هزم الجيش الأعاجم وظهر المسلمون وحذيفة يومئذ على الناس حاصر نهاوند فكان أهلها يخرجون فيقاتلون وهزمهم المسلمون ، ثم أن سماك بن عبيد العبسي اتبع رجلا منهم ذات يوم ومعه ثمانية فوارس فجعل لا يبرز إليه رجل منهم إلا قتله حتى لم يبق غير الرجل وحده فاستسلم وألقى سلاحه فأخذه أسيرا. فتكلم بالفارسية فدعى له سماك برجل يفهم كلامه فترجمه فإذا هو يقول : اذهب إلى أميركم حتى أصالحه عن هذه الأرض وأؤدى إليه الجزية وأعطيك على أسرك إياى ما شئت فإنك قد مننت على إذ لم تقتلني فقال له وما اسمك قال دينار فأنطلق به إلى حذيفة فصالحه على الخراج والجزية وآمن أهل مدينته نهاوند على أموالهم وحيطانهم ومنازلهم فسميت نهاوند ماه دينار وكان دينار يأتى بعد ذلك سماكا ويهدى إليه ويبره.

وحدثني أبو مسعود الكوفي عن المبارك بن سعيد عن أبيه قال وكانت نهاوند من فتوح أهل الكوفة والدينور من فتوح أهل البصرة فلما كثر المسلمون بالكوفة احتاجوا إلى أن يزادوا فى النواحي التي كان خراجها مقسوما فيهم فصيرت لهم الدينور وعوض أهل البصرة نهاوند لأنها من أصبهان فصار فضل ما بين خراج الدينور ونهاوند لأهل الكوفة فسميت نهاوند ماه البصرة والدينور ماه الكوفة وذلك فى خلافة معاوية.

وحدثني جماعة من أهل العلم أن حذيفة بن اليمان وهو حذيفة بن حسيل بن جابر العبسي حليف بنى عبد الأشهل من الأنصار وأمه الرباب بنت كعب بن عدى من عبد الأشهل وكان أبو حذيفة قتل يوم أحد قتله

٢٩٩

عبد الله بن مسعود الهذلي خطأ وهو يحسبه كافرا فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإخراج ديته فوهبه حذيفة للمسلمين وكان الواقدي يقول سمى حسيل اليمان لأنه كان يتجر إلى اليمن فإذا أتى المدينة قالوا قد جاء اليماني.

وقال الكلبي : هو حذيفة بن حسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة وجروة هو اليمان نسب إليه حذيفة وبنيهما آباء وكان قد أصاب فى الجاهلية دما وهرب إلى المدينة وحالف بنى عبد الأشهل فقال قومه هو يمان لأنه حالف اليمانية.

صلح الدينور وماسبذان ومهرجا نقذف

قالوا : انصرف أبو موسى الأشعرى من نهاوند وقد كان سار بنفسه إليها على بعث أهل البصرة ممدا للنعمان بن مقرن فمر بالدينور فأقام عليها خمسة أيام قوتل منها يوما واحدا ، ثم أن أهلها أقروا بالجزية والخراج وسألوا الأمان على أنفسهم وأموالهم وأولادهم فأجابهم إلى ذلك وخلف بها عامله فى خيل ثم مضى إلى ماسبذان فلم يقاتله أهلها وصالحه أهل السيروان على مثل صلح الدينور وعلى أن يؤدوا الجزية والخراج ، وبث السرايا وفيهم فغلب على أرضها وقوم يقولون : أن أبا موسى فتح ماسبذان قبل وقعة نهاوند وبعث أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعرى السائب بن الأقرع الثقفي وهو صهره على ابنته وهي أم محمد بن السائب إلى الصيمرة مدينة مهرجا نقذف ففتحها صلحا على حقن الدماء وترك السباء والصفح عن الصفراء والبيضاء وعلى أداء الجزية وخراج الأرض وفتح جميع كور مهرجا نقذف ، وأثبت الخبر أنه وجه السائب من الأهواز ففتحها.

٣٠٠