فتوح البلدان

أبوالحسن البلاذري

فتوح البلدان

المؤلف:

أبوالحسن البلاذري


المحقق: لجنة تحقيق التراث
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

حدثني محمد بن عقبة بن مصرم الضبي عن أبيه عن سيف بن عمر التميمي عن أشياخ من أهل الكوفة أن المسلمين لما غزوا الجبال فمروا بالقلة الشرقية التي تدعى سن سميرة ، وسميرة امرأة من ضبة من بنى معاوية بن كعب بن ثعلبة بن سعد بن ضبة من المهاجرات وكانت لها سن فسمى ذلك سن سميرة قال ابن هشام الكلبي وقناطر النعمان نسبت إلى النعمان بن عمرو بن مقرن المزني عسكر عندها وهي قديمة.

وحدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن عوانة قال : كان كثير بن شهاب بن الحصين بن ذى الغصة الحارثي عثمانيا يقع فى على بن أبى طالب ويثبط الناس عن الحسين ومات قبيل خروج المختار بن أبى عبيد أو فى أول أيامه ، وله يقول المختار بن أبى عبيد فى سجعه : أما ورب السحاب ، شديد العقاب ، سريع الحساب ، منزل الكتاب ، لأنبشن قبر كثير بن شهاب ، المفترى الكذاب ، وكان معاوية ولاه الري ودستبى حينا من قبله ومن قبل زياد والمغيرة بن شعبة عامليه ، ثم غلب عليه فحبسه بدمشق وضربه حتى شخص شريح بن هانئ المرادي إليه فى أمره فتخلصه ، وكان يزيد بن معاوية قد حمد مشايعته وأتباعه لهواه فكتب إلى عبد الله بن زياد فى توليته ماسبذان ومهرجا نقذف وحلوان والماهين وأقطعه ضياعا بالجبل فبنى قصره المعروف بقصر كثير ، وهو من عمل الدينور ، وكان زهرة بن الحارث بن منصور بن قيس بن كثير بن شهاب اتخذ بماسبذان ضياعا.

حدثني بعض ولد خشرم بن مالك بن هبيرة الأسدى أن أول نزول الخشارمة ماسبذان كان فى آخر أيام بنى أمية نزع إليها جدهم من الكوفة.

وحدثني العمرى عن الهيثم بن عدى ، قال : كان زياد فى سفر فانقطع سفشق قبائه فأخرج كثير بن شهاب إبرة كانت مغروزة فى قلنسوته وخيطا

٣٠١

كان معه فأصلح السفشق ، فقال له زياد : أنت حازم وما مثلك يعطل فولاه بعض الجبل.

فتح همذان

قالوا : وجه المغيرة بن شعبة وهو عامل عمر بن الخطاب على الكوفة بعد عزل عمار بن ياسر جرير بن عبد الله البجلي إلى همذان ، وذلك فى سنة ثلاث وعشرين فقاتله أهلها ودفع دونها فأصيبت عينه بسهم فقال : احتسبتها عند الله الذي زين بها وجهى ونور لى ما شاء ثم سلبنيها فى سبيله ، ثم أنه فتح همذان على مثل صلح نهاوند وكان ذلك فى آخر سنة ثلاث وعشرين فقاتله أهلها ودفع عنها وغلب على أرضها فأخذها قسرا ، وقال الواقدي : فتح جرير نهاوند فى سنة أربع وعشرين بعد ستة أشهر من وفاة عمر بن الخطاب رحمه‌الله وقد روى بعضهم أن المغيرة بن شعبة سار إلى همذان وعلى مقدمته جرير فافتتحها وإن المغيرة ضم همذان إلى كثير بن شهاب الحارثي.

وحدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جده وعوانة بن الحكم ، أن سعد ابن أبى وقاص لما ولى الكوفة لعثمان بن عفان ولى العلاء بن وهب بن عبد ابن وهبان أحد بنى عامر بن لؤي ماه وهمذان فغدر أهل همذان ونقضوا فقاتلهم ثم أنهم نزلوا على حكمه فصالحهم على أن يؤدوا خراج أرضهم وجزية الرءوس ويعطوه مائة ألف درهم للمسلمين ، ثم لا يعرض لهم فى مال ولا حرمة ولا ولد وقال ابن الكلبي : ونسبت القلعة التي تعرف بماذران إلى السرى بن نسير بن ثور العجلى وهو كان أناخ عليها حتى فتحها.

وحدثني زياد بن عبد الرحمن البلخي عن أشياخ من أهل سيسر ، قال سميت سيسر لأنها فى الخفاض من الأرض بين رؤس اكام ثلاثين فقيل

٣٠٢

ثلاثون رأسا ، وكانت سيسر تدعى سيسر صدخانية أى ثلاثون رأسا ومائة عين وبها عيون كثيرة تكون مائة عين ، قالوا : ولم تزل سيسر وما والاها مراعى لمواشى الأكراد وغيرهم ، وكانت مروج لدواب المهدى أمير المؤمنين وأغنامه ، وعليها مولى له يقال له سليمان بن قيراط صاحب صحراء قيراط بمدينة السلام ، وشريك معه يقال له سلام الطيفورى ، وكان طيفور مولى أبى جعفر المنصور وهبه للمهدي ، فلما كثر الصعاليك والذعار وانتشروا بالجبل فى خلافة المهدى أمير المؤمنين جعلوا هذه الناحية ملجأ لهم وحوزا فكانوا يقطعون ويأوون إليها ولا يطلبون لأنها حد همذان والدينور وأذربيجان ، فكتب سليمان بن قيراط وشريكه إلى المهدى بخبرهم وشكيا عرضهم لما فى أيديهم من الدواب والأغنام ، فوجه إليهم جيشا عظيما وكتب إلى سليمان وسلام يأمرهما ببناء مدينة يأويان إليها وأعوانهما ورعاتهما ويحصنان فيها الدواب والأغنام ممن خافاه عليها ، فبنيا مدينة سيسر وحصناها وأسكناها الناس ، وضم إليها رستاق ما ينهرج من الدينور ورستاق الجوذمة من أذربيجان من كورة برزة ورسطف وخابنجر فكورت بهذه الرساتيق ، ووليها عامل مفرد وكان خراجها يؤدى إليه ، ثم أن الصعاليك كثروا فى خلافة أمير المؤمنين الرشيد وشعثوا سيسر فأمر بمرمتها وتحصينها ورتب فيها ألف رجل من أصحاب خاقان الخادم السغدى ففيها قوم من أولادهم.

ثم لما كان فى آخر أيام الرشيد وجه مرة بن أبى مرة الرديني العجلى على سيسر ، فحاول عثمان الأودى مغالبته عليها فلم يقدر على ذلك وغلبه على ما كان فى يده من أذربيجان أو أكثر ، ولم يزل مرة بن الرديني يؤدى الخراج عن سيسر فى أيام محمد الرشيد على مقاطعة قاطعه عليها إلى أن وقعت الفتنة ثم إنها أخذت من عاصم بن مرة فأخرجت من يده فى خلافة المأمون

٣٠٣

فرجعت إلى ضياع الخلافة.

وحدثني مشايخ من أهل المفازة وهي متاخمة لسيسر أن الجرشى لما ولى الجبل جلا أهل المفازة عنها فرفضوها ، وكان للجرشى قائد يقال له همام بن هانئ العبدى فألجأ إليه أكثر أهل المفازة ضياعهم وغلب على ما فيها فكان يؤدى حق بيت المال فيها حتى توفى وضعف ولده عن القيام بها فلما أقبل المأمون أمير المؤمنين من خراسان بعد قتل محمد بن زبيدة يريد مدينة السلام اعترضه بعض ولد همام ورجل من أهلها يقال له محمد بن العباس وأخبرا بقصتها ورضاء جميع أهلها أن يعطوه رقبتها ويكونوا مزارعين له فيها على أن يعزوا ويمتنعوا من الصعاليك وغيرهم فقبلها وأمر بتقويتهم ومعونتهم على عمارتها ومصلحتها فصارت من ضياع الخلافة.

وحدثني المدائني أن ليلى الأخيلية أتت الحجاج فوصلها ، وسألته أن يكتب لها إلى عامله بالري فلما صارت بساوة ماتت فدفنت هناك.

فتح قم وقاشان وأصبهان

قالوا : لما انصرف أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعرى من نهاوند سار إلى الأهواز فاستقرأها ، ثم أتى «قم» وأقام عليها أياما ثم افتتحها ، ووجه الأحنف بن قيس واسمه الضحاك بن قيس التميمي إلى «قاشان» ففتحها عنوة ثم لحق به ، ووجه عمر بن الخطاب عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي إلى «أصبهان» سنة ثلاث وعشرين ، ويقال : بل كتب عمر إلى أبى موسى الأشعرى يأمره بتوجيهه فى جيش إلى أصبهان فوجهه ففتح عبد الله بن بديل جى صلحا بعد قتال على أن يؤدى أهلها الخراج والجزية وعلى أن يؤمنوا على أنفسهم وأموالهم خلا ما فى أيديهم من السلاح ، ووجه عبد الله بن بديل : الأحنف

٣٠٤

ابن قيس وكان فى جيشه إلى اليهودية فصالحه أهلها على مثل ذلك الصلح وغلب ابن بديل على أرض أصبهان وطساسيجها وكان العامل عليها إلى أن مضت من خلافة عثمان سنة ، ثم ولاها عثمان السائب بن الأقرع.

وحدثني محمد بن سعد مولى بنى هاشم ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل عن سليمان بن مسلم عن خاله بشير بن أبى أمية أن الأشعرى نزل بأصبهان فعرض عليهم الإسلام فأبوا ، فعرض عليهم الجزية فصالحوه عليها فباتوا على صلح ثم أصبحوا على غدر فقاتلهم وأظهره الله عليهم ، قال محمد بن سعد : أحسبه عن أهل قم.

وحدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني الهيثم بن جميل عن حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق ، قال وجه عمر بن بديل الخزاعي إلى أصبهان وكان مرزبانها مسنا يسمى الفادوسفان فحاصره وكاتب أهل المدينة فخذلهم عنه ، فلما رأى الشيخ التياث الناس عليه اختار ثلاثين رجلا من الرماة يثق ببأسهم وطاعتهم ، ثم خرج من المدينة هاربا يريد كرمان ليتبع يزدجرد ويلحق به فانتهى خبره إلى عبد الله بن بديل فاتبعه فى خيل كثيفة فالتفت الأعجمى إليه وقد علا شرفا فقال : اتق على نفسك فليس يسقط لمن ترى سهم فإن حملت رميناك وإن شئت أن تبارزنا بارزناك فبارز الأعجمى فضربه ضربة وقعت على قربوص سرجه فكسرته وقطعت اللبب ، ثم قال له يا هذا ما أحب قتلك فإنى أراك عاقلا شجاعا فهل لك فى أن أرجع معك فأصالحك على أداء الجزية عن أهل بلدي فمن أقام كان ذمة ومن هرب لم تعرض له وأدفع المدينة إليك ، فرجع ابن بديل معه ففتح جى ووفى بما أعطاه وقال : يا أهل أصبهان رأيتكم لئاما متخاذلين فكنتم أهلا لما فعلت بكم ، قالوا : وسار ابن بديل فى نواحي أصبهان سهلها وجبلها فغلب عليها ، وعاملهم فى الخراج نحو ما عاملهم عليه أهل الأهواز. قالوا : وكان فتح أصبهان وأرضها فى

٣٠٥

بعض سنة ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين.

وقد روى أن عمر بن الخطاب وجه عبد الله بن بديل فى جيش فوافى أبا موسى وقد فتح «قم» و «قاشان» فغزوا جميعا «أصبهان» وعلى مقدمة أبى موسى الأشعرى الأحنف بن قيس ففتحا اليهودية جميعا على ما وصفنا ، ثم فتح ابن بديل «جى» وسارا جميعا فى أرض «أصبهان» فغلبا عليها ، وأصح الأخبار أن أبا موسى فتح «قم» و «قاشان» وأن عبد الله بن بديل فتح «جى» و «اليهودية».

وحدثني أبو حسان الزيادي عن رجل من ثقيف قال : كان لعثمان بن أبى العاصي الثقفي مشهد بأصبهان.

وحدثنا محمد بن يحيى التميمي عن أشياخه ، قال : كانت للأشراف من أهل أصبهان معاقل بجفرباد من رستاق الثيمرة الكبرى ببهجاورسان وبقلعة تعرف بماربين فلما فتحت جى دخلوا فى الطاعة على أن يؤدوا الخراج وأنفوا من الجزية فأسلموا.

وقال الكلبي وأبو اليقظان : ولى الهذيل بن قيس العنبري أصبهان فى أيام مروان فمذ ذاك صار العنبريون إليها ، قالوا : وكان جد أبى دلف ، وأبو دلف القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل العجلى يعالج العطر ويحلب الغنم ، فقدم الجبل فى عدة من أهله فنزلوا قرية من قرى همذان تدعى مس ، ثم أنهم أثروا واتخذوا الضياع ، ووثب إدريس بن معقل على رجل من التجار كان له عليه مال فخنقه ، ويقال بل خنقه وأخذ ماله ، فحمل إلى الكوفة وحبس بها فى ولاية يوسف بن عمر الثقفي العراقي زمن هشام بن عبد الملك ، ثم أن عيسى بن إدريس نزل الكرج وغلب عليها وبنى حصنها وكان حصنا رثا ، وقويت حال أبى دلف القاسم بن عيسى وعظم شأنه عند السلطان فكبر ذلك الحصن ومدن الكرج فقيل كرج أبى دلف والكرج اليوم مصر من الأمصار.

٣٠٦

وكان المأمون وجه على بن هشام المروزي إلى قم وقد عصى أهلها وخالفوا ومنعوا الخراج وأمره بمحاربتهم وأمده بالجيوش ففعل وقتل رئيسهم وهو يحيى بن عمران ، وهدم سور مدينتهم وألصقه بالأرض وجباها سبعة آلاف ألف درهم وكسرا ، وكان أهلها قبل ذلك يتظلمون من ألفى ألف درهم ، وقد نقضوا فى خلافة أبى عبد الله المعتز بالله بن المتوكل على الله فوجه إليهم موسى بن بغا عامله على الجبل لمحاربة الطالبين الذين ظهروا بطبرستان ففتحت عنوة وقتل من أهلها خلق كثير ، وكتب المعتز بالله فى حمل جماعة من وجوها.

مقتل يزدجرد بن شهريار بن كسرى

أبرويز بن هرمز بن أنوشروان

قالوا : هرب يزدجرد من المدائن إلى حلوان ثم إلى أصبهان ، فلما فرغ المسلمون من أمر نهاوند هرب من أصبهان إلى إصطخر فتوجه عبد الله بن بديل بن ورقاء بعد فتح أصبهان لاتباعه فلم يقدر عليه ، ووافى أبو موسى الأشعرى إصطخر فرام فتحها فلم يمكنه ذلك وعاناها عثمان بن أبى العاصي الثقفي فلم يقدر عليها ، وقدم عبد الله بن عامر بن كريز البصرة سنة تسع وعشرين وقد افتتحت فارس كلها إلا إصطخر وجور فهم يزدجرد بأن يأتى طبرستان وذلك أن مرزبانها عرض عليه وهو بأصبهان أن يأتيها وأخبره بحصانتها ثم بدا له فهرب إلى كرمان ، واتبعه بن عامر مجاشع بن مسعود السلمى وهرم بن حيان العبدى فمضى مجاشع فنزل بيمنذ من كرمان ، فأصاب الناس الدمق وهلك جيشه فلم ينج إلا القليل فسمى القصر قصر مجاشع ، وانصرف مجاشع إلى ابن عامر ، وكان يزدجرد جلس ذات يوم بكرمان فدخل عليه مرزبانها

٣٠٧

فلم يكلمه تيها فأمر بجر رجله وقال : ما أنت بأهل لولاية قرية فضلا عن الملك ولو علم الله فيك خيرا ما صيرك إلى هذه الحال ، فمضى إلى سجستان فأكرمه ملكها وعظمه فلما مضت عليه أيام سأله عن الخراج فتنكر له.

فلما رأى يزدجرد ذلك سار إلى خراسان ، فلما صار إلى حد مرو تلقاه ماهويه مرزبانها معظما مبجلا وقدم عليه نيزك طرخان فحمله وخلع عليه وأكرمه فأقام نيزك عنده شهرا ثم شخص وكتب إليه يخطب ابنته فاحفظ ذلك يزدجرد وقال : اكتبوا إليه إنما أنت عبد من عبيدي فما جرأك على أن تخطب إلى ، وأمر بمحاسبة ماهويه مرزبان مرو وسأله عن الأموال ، فكتب ماهويه إلى نيزك يحرضه عليه ويقول : هذا الذي قدم مفلولا طريدا فمننت عليه ليرد عليه ملكه ، فكتب إليك بما كتب ثم تضافر على قتله وأقبل نيزك فى الأتراك حتى نزل الجنابذ فحاربوه فتكافا الترك ، ثم عادت الديرة عليه فقتل أصحابه ونهب عسكره فأتى مدينة مرو فلم يفتح له فنزل عن دابته ومشى حتى دخل بيت طحان على المرغاب ، ويقال أن ماهويه بعث إليه رسله حين بلغه خبره فقتلوه فى بيت الطحان ، ويقال أنه دس إلى الطحان فأمره بقتله فقتله ، ثم قال : ما ينبغي لقاتل ملك أن يعيش فأمر بالطحان فقتل ، ويقال أن الطحان قدم له طعاما فأكل وأتاه بشراب فشرب فسكر فلما كان المساء أخرج تاجه فوضعه على رأسه فبصر به الطحان فطمع فيه فعمد إلى رحا فألقاها عليه فلما قتله أخذ تاجه وثيابه وألقاه فى الماء ثم عرف ماهويه خبره فقتل الطحان وأهل بيته وأخذ التاج والثياب.

ويقال : أن يزدجرد نذر برسل ماهويه فهرب ونزل الماء فطلب من الطحان فقال : قد خرج من بيتي فوجدوه فى الماء ، فقال خلوا عنى أعطكم منطقتي وخاتمي وتاجى ، فتغيبوا عنه وسألهم شيئا يأكل به خبزا

٣٠٨

فأعطاهم بعضهم أربعة دراهم فضحك وقال : لقد قيل لى أنك ستحتاج إلى أربعة دراهم.

ثم أنه هجم عليه بعد ذلك قوم وجههم ماهويه لطلبه فقال : لا تقتلوني واحملونى إلى ملك العرب لأصالحه عنى وعنكم فتأمنوا فأبوا ذلك وخنقوه بوتر ثم أخذوا ثيابه فجعلت فى جراب وألقوا جثته فى الماء ، ووقع فيروز ابن يزدجرد فيما يزعمون إلى الترك فزوجوه وأقام عندهم.

فتح الري وقومس

حدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن أبى مخنف ، أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمار بن ياسر وهو عامله على الكوفة بعد شهرين من وقعه نهاوند يأمره أن يبعث عروة بن زيد الخيل الطائي إلى الري ودستبى فى ثمانية آلاف ففعل ، وسار عروة إلى ما هناك فجمعت له الديلم وأمدهم أهل الري فقاتلوه فأظهره الله عليهم فقتلهم واجتاحهم ثم خلف حنظلة بن زيد أخاه وقدم على عمار فسأله أن يوجهه إلى عمر وذلك أنه كان القادم عليه بخبر الجسر فأحب أن يأتيه بما يسره فلما رآه عمر قال (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) فقال عروة : بل أحمد الله فقد نصرنا وأظهرنا وحدثه بحديثه ، فقال : هلا أقمت وأرسلت قال : قد استخلفت أخى وأحببت أن آتيك بنفسي فسماه البشير ، وقال عروة :

برزت لأهل القادسية معلما

وما كل من يغشى الكريهة يعلم

ويوما بأكناف النخيلة قبلها

شهدت : فلم أبرح أدمى وأكلم

وأيقنت يوم الديلميين أننى

متى ينصرف وجهى إلى القوم يهزموا

محافظة أنى امرؤ ذو حفيظة

إذا لم جد مستأخرا أتقدم

٣٠٩

المنذر بن حسان بن ضرار أحد بنى مالك بن زيد شرك فى دم مهران يوم النخيلة ، قالوا فلما انصرف عروة بعث حذيفة على جيشه سلمة بن عمرو بن ضرار الضبي ويقال البراء بن عازب وقد كانت وقعة عروة كسرت الديلم وأهل الري فأناخ على حصن الفرخان بن الزينبدى والعرب تسميه الزينبي وكان يدعى عارين فصالحه ابن الزينبي بعد قتال على أن يكونوا ذمة يؤدون الجزية والخراج وأعطاه عن أهل الري وقومس خمسمائة ألف على أن لا يقتل منهم أحدا ولا يسبيه ولا يهدم لهم بيت ناري ، وأن يكونوا أسوة أهل نهاوند فى خراجهم ، وصالحه أيضا عن أهل دستى الرازي وكانت دستبى قسمين قسما رازيا وقسما همذانيا.

ووجه سليمان بن عمرو الضبي ويقال البراء بن عازب إلى قومس خيلا فلم يمتنعوا وفتحوا أبواب الدامغان ، ثم لما عزل عمر بن الخطاب عمارا وولى المغيرة بن شعبة الكوفة ولى المغيرة بن شعبة كثير بن شهاب الحارثي الري ودستبى ، وكان لكثير أثر جميل يوم القادسية ، فلما صاروا إلى الري وجد أهلها قد نقضوا فقاتلهم حتى رجعوا إلى الطاعة وأذعنوا بالخراج والجزية وغزا الديلم فأوقع بهم وغزا الببر والطيلسان.

فحدثني حفص بن عمر العمرى عن الهيثم بن عدى عن ابن عياش الهمذاني وغيره أن كثير بن شهاب كان على الري ودستبى وقزوين ، وكان جميلا حازما مقعدا فكان يقول ما من مقعد إلا وهو عيال على أهله سواي ، وكان إذا ركب ثابت سويقتيه كالمحراثين ، وكان إذا غزا أخذ كل امرئ ممن معه بترس ودرع وبيضة ومسلة وخمس أبر وخيوط كتان وبمخفف ومقراض ومخلاة وتليسة ، وكان بخيلا ، وكانت له جفنة توضع بين يديه فإذا جاءه إنسان قال : لا أبا لك أكانت لك علينا عين ، وقال يوما يا غلام أطعمنا فقال : ما عندي

٣١٠

إلا خبر وبقل ، فقال : وهل اقتتلت فارس والروم إلا على الخبز والبقل ، وولى الري ودستبى أيضا أيام معاوية حينا ، قال : ولما ولى سعد بن أبى وقاص الكوفة فى مرته الثانية أتى الري وكانت ملتاثة فأصلحها وغزا الديلم وذلك فى أول سنة خمس وعشرين ثم انصرف.

وحدثني بكر بن الهيثم عن يحيى بن ضريس قاضى الري ، قال : لم تزل الري بعد أن فتحت أيام حذيفة تنتقض وتفتح حتى كان آخر من فتحها قرظة ابن كعب الأنصارى فى ولاية أبى موسى الكوفة لعثمان فاستقامت ، وكان عمالها ينزلون حصن الزنبدى ويجمعون فى مسجد اتخذ بحضرته وقد دخل ذلك فى فصيل المحدثة ، وكانوا يغزون الديلم من دستبى ، قال : وقد كان قرظة بعد ولى الكوفة لعلى ومات بها فصلى عليه على رضى الله عنه.

وحدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جده ، قال : ولى على يزيد بن حجبة ابن عامر بن تيم الله بن ثعلبة بن عكابة الري ودستبى فكسر الخراج فحبسه فخرج فلحق بمعاوية ، وقد كان أبو موسى غزا الري بنفسه وقد نقض أهلها ففتحها على أمرها الأول.

وحدثني جعفر بن محمد الرازي ، قال قدم أمير المؤمنين المهدى فى خلافة المنصور فبنى مدينة الري التي الناس بها اليوم وجعل حولها خندقا وبنى فيها مسجدا جامعا جرى على يدي عمار بن أبى الخصيب ، وكتب اسمه على حائطه فأرخ بناءها سنة ثمان وخمسين ومائة وجعل لها فصيلا يطيف به فارقين أجر وسماها المحمدية فأهل الري يدعون المدينة الداخلة ويسمون الفصيل المدينة الخارجة وحصن الزنبدى فى داخل المحمدية وكان المهدى قد أمر بمرمته ونزله وهو مطل على المسجد الجامع ودار الأمارة وقد كان جعل بعد سجنا.

قال : وبالري أهل بيت يقال لهم بنو الحريش نزلوا بعد بناء المدينة ، قال :

٣١١

وكانت مدينة الري تدعى فى الجاهلية أرازى فيقال أنه خسف بها وهي على ست فراسخ من المحمدية وبها سميت الري ، وقال وكان المهدى فى أول مقدمه الري نزل قرية يقال لها السير وأن ، قال وفى قلعة الفرخان يقول الشاعر الغطمش بن الأعور بن عمرو الضبي :

على الجوسق الملعون بالري لا ينى

على رأسه داعي المنية يلمع

قال بكر بن الهيثم : حدثني يحيى بن ضريس القاضي ، قال : كان الشعبي دخل الري مع قتيبة بن مسلم ، فقال له : ما أحب الشراب إليك فقال أهونه وجودا وأعزه فقدا قال : ودخل سعيد بن جبير الري أيضا فلقيه الضحاك فكتب عنه التفسير.

قال : وكان عمرو بن معدى كرب الزبيدي غزا الري أول ما غزيت فلما انصرف توفى فدفن فوق روذة وبوسنة بموضع يسمى كرمانشاهان وبالري دفن الكسائي النحوي ، واسمه على بن حمزة ، وكان شخص إليها مع الرشيد رحمه‌الله وهو يريد خراسان وبهامات الحجاج بن أرطاة ، وكان شخص إليها مع المهدى ويكنى أبا أرطاة ، وقال الكلبي : نسب قصر جابر بدستبى إلى جابر أحد بنى زيبان بن تيم الله بن ثعلبة.

قالوا : ولم تزل وظيفة الري اثنى عشر ألف ألف درهم حتى مربها المأمون منصرفا من خراسان يريد مدينة السلام فأسقط من وظيفتها ألفى ألف درهم وأسجل بذلك لأهلها.

* * *

٣١٢

فتح قزوين ونجبار

حدثني عدة من أهل قزوين ، وبكر بن الهيثم عن شيخ من أهل الري قالوا : وكان حصن قزوين بالفارسية كشوين ومعناه الحد المنظور إليه أى المحفوظ وبينه وبين الديلم جبل ، ولم يزل فيه لأهل فارس مقاتله من الأساورة يرابطون فيه فيدفعون الديلم إذا لم يكن بينهم هدنة ويحفظون بلدهم من متلصصيهم وغيرهم إذا جرى بينهم صلح ، وكانت دستبى مقسومة بين الري وهمذان فقسم يدعى الرازي وقسم يدعى الهمذاني ، فلما ولى المغيرة ابن شعبة الكوفة ولى جرير بن عبد الله همذان وولى البراء بن عازب قزوين وأمره أن يسير إليها فإن فتحها الله على يده غزا الديلم منها ، وإنما كان مغزاهم قبل ذلك من دستبى ، فسار البراء ومعه حنظلة بن زيد الخيل حتى أتى أبهر ، فقام على حصنها وهو حصن بناه بعض الأعاجم على عيون سدها بجلود البقر والصوف واتخذ عليها دكة ثم أنشأ الحصن عليها فقاتلوه ، ثم طلبوا الأمان فآمنهم على مثل ما آمن عليه حذيفة أهل نهاوند وصالحهم على ذلك وغلب على أراضى أبهر ، ثم غزا أهل حصن قزوين ، فلما بلغهم قصد المسلمين لهم وجهوا إلى الديالمة يسئلونهم نصرتهم ، فوعدوهم أن يفعلوا وحل البراء والمسلمون بعقوتهم فخرجوا لقتالهم والديلميون وقوف على الجبل لا يمدون إلى المسلمين يدا ، فلما رأوا ذلك طلبوا الصلح فعرض عليهم ما أعطى أهل أبهر فأنفقوا من الجزية وأظهروا الإسلام فقيل أنهم نزلوا على مثل ما نزل عليه أساورة البصرة من الإسلام على أن يكونوا مع من شاءوا ، فنزلوا الكوفة ، وحالفوا زهرة بن حوية فسموا حمراء الديلم ، وقيل : انهم أسلموا وأقاموا بمكانهم وصارت أرضوهم عشرية ، فرتب البراء معهم خمس مائة رجل من المسلمين معهم طليحة

٣١٣

ابن خويلد الأسدى وأقطعهم أرضين لا حق فيها لأحد ، قال بكر وأنشدنى رجل من أهل قزوين لجد أبيه وكان مع البراء :

قد علم الديلم إذ تحارب

حين أتى فى جيشه بن عازب

بأن ظن المشركين كاذب

فكم قطعنا فى دجى الغياهب

من جبل وعر ومن سباسب وغزا الديلم حتى أدوا إليه الأتاوة وغزا جيلان والببر والطيلسان وفتح زنجان عنوة ، ولما ولى الوليد بن عقبة بن أبى معيط بن أبى عمرو بن أمية الكوفة لعثمان بن عفان غزا الديلم مما يلي قزوين ، وغزا أذربيجان ، وغزا جيلان وموقان والببر والطيلسان ، ثم انصرف ، وولى سعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي بن أمية بعد الوليد فغزا الديلم ومصر قزوين فكانت ثغر أهل الكوفة وفيها بنيانهم.

وحدثني أحمد بن ابراهيم الدورقي ، قال : حدثنا خلف بن تميم ، قال ، حدثنا زائدة بن قدامة عن إسماعيل عن مرة الهمذاني ، قال : قال على بن أبى طالب رضى الله عنه من كره منكم أن يقاتل معنا معاوية فليأخذ عطاءه وليخرج إلى الديلم فليقاتلهم ، قال : كنت فى النخت فأخذنا أعطياتنا وخرجنا إلى الديلم ونحن أربعة آلاف أو خمسة آلاف ، وحدثنا عبد الله بن صالح العجلى عن ابن يملو عن سفيان ، قال : أغزى على رضى الله عنه الربيع بن خثيم الثوري الديلم وعقد له على أربعة آلاف من المسلمين.

وحدثني بعض أهل قزوين ، قال بقزوين مسجد الربيع بن خيثم معروف وكانت فيه شجرة يتمسح بها العامة ويقال أنه غرس سواكه فى الأرض فأورق حتى كانت الشجرة منه فقطعها عامل طاهر بن عبد لله بن طاهر فى خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله خوفا من أن يفتتن بها الناس ، قالوا : وكان موسى

٣١٤

الهادي لما صار إلى الري أتى قزوين فأمر ببناء مدينة بازائها ، وهي تعرف بمدينة موسى ، وابتاع أرضا تدعى رستماباذ فوقفها على مصالح المدينة ، وكان عمرو الرومي مولاه يتولاها ثم تولاها بعده محمد بن عمرو ، وكان المبارك التركي بنى حصنا يسمى مدينة المبارك وبها قوم من مواليه.

وحدثني محمد بن هارون الأصبهانى ، قال : مر الرشيد بهمذان وهو يريد خراسان واعترضه أهل قزوين فأخبروه بمكانهم من بلاد العدو وغنائهم فى مجاهدته وسألوه النظر لهم وتخفيف ما يلزمهم من عشر غلاتهم فى القصبة فصير عليهم فى كل سنة عشرة آلاف درهم مقاطعة ، وكان القاسم بن أمير المؤمنين الرشيد ولى جرجان وطبرستان وقزوين فألجأ إليه أهل زنجان ضياعهم تعززا به ودفعا لمكروه الصعاليك وظلم العمال عنهم ، وكتبوا له عليها الأشرية وصاروا مزارعين له ، وهي اليوم من الضياع وكان القاقزان عشريا لأن أهله أسلموا عليه وأحيوه بعد الإسلام فألجأوه إلى القاسم أيضا على أن جعلوا له عشرا ثانيا سوى عشر بيت المال فصار أيضا فى الضياع ولم تزل دستبى على قسميها بعضها من الري وبعضها من همذان إلى أن سعى رجل ممن بقزوين من بنى تميم يقال له حنظلة بن خالد يكنى أبا مالك فى أمرها حتى صيرت كلها إلى قزوين ، فسمعه رجل من أهل بلده يقول كورتها وأنا أبو مالك فقال بل أفسدتها وأنت أبو هالك.

وحدثني المدائني وغيره : أن الأكراد عاثوا وأفسدوا فى أيام خروج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، فبعث الحجاج عمرو بن هانئ العبسي فى أهل دمشق إليهم فأوقع بهم وقتل منهم خلقا ثم أمره بغزو الديلم فغزاهم فى اثنى عشر ألفا فيهم من بنى عجل ومواليهم من أهل الكوفة ثمانون منهم محمد ابن سنان العجلى فحدثني عوف بن أحمد العبدى قال : حدثني أبو حنش العجلى

٣١٥

عن أبيه ، قال : أدركت رجلا من التميميين العجليين الذين وجههم الحجاج لمرابطة الديلم فحدثني قال رأيت من موالي بنى عجل رجلا يزعم أنه صليبة فقلت : ان أباك كان لا يحب بنسبه فى العجم ولاية فى العرب بدلا فمن أين زعمت أنك صليبه ، فقال : أخبرتنى أمى بذلك فقلت هي مصدقة هي أعلم بأبيك.

قالوا : وكان محمد بن سنان العجلى نزل قرية من قرى دستبى ، ثم صار إلى قزوين فبنى دارا فى ربضها فعزله أهل الثغر ، وقالوا : عرضت نفسك للتلف وعرضتنا للوهن ان نالك العدو بسوء ، فلم يلتفت إلى قولهم فأمر ولده وأهل بيته فبنوا معه خارج المدينة ، ثم انتقل الناس بعد فبنوا حتى تم ربض المدينة قالوا : وكان أبو دلف القاسم بن عيسى غزا الديلم فى خلافة المأمون وهو وال فى خلافة المعتصم بالله أيام ولاية الافشين الجبال ففتح حصونا منها اقليسم صالح أهله على أتاوة ، ومنها بومج فتحه عنوة ، ثم صالح أهله على أتاوة ، ومنها الأبلام ، ومنها انداق فى حصون أخر وأغزى الأفشين غير أبى دلف ففتح أيضا من ايلم حصونا ، ولما كانت سنة ثلاث وخمسين ومائتين وجه أمير المؤمنين المعتز بالله موسى بن بغا الكبير مولاه إلى الطالبيين الذين ظهروا بالديلم وناحية طبرستان ، وكانت الديالمة قد اشتملت على رجل منهم يعرف بالكوكبي فغزا الديلم وأو غل فى بلادهم وحاربوه فأوقع بهم وثقلت وطأته عليهم واشتدت نكايته. وأخبرنى رجل من أهل قزوين أن قبور هؤلاء الندماء براوند من عمل أصبهان وأن الشاعر إنما قال :

ألم تعلما أنى براوند مفردا

وحدثني عبد الله بن صالح العجلى ، قال : بلغني أن ثلاثة نفر من أهل الكوفة كانوا فى جيش الحجاج الذي (١) وجهه إلى الديلم فكانوا يتنادمون ثلاثتهم ولا

__________________

(١) كان جيش الحجاج الذي أرسل إلى الديلم مجهزا تجهيزا كبيرا بالسلاح والعتاد بعد أن أنفقت عليه الأموال الطائلة.

٣١٦

يخالطون غيرهم فإنهم على ذلك إذ مات أحدهم فدفنه صاحباه ، وكانا يشربان عند قبره فإذا بلغته الكاس هرقاها على قبره وبكيا ، ثم أن الثاني مات فدفنه الباقي إلى جانبه ، وكان يجلس عند قبريهما فيشرب ، ثم يصب على القبر الذي يليه ثم على الآخر ويبكى ، فأنشد ذات يوم يقول :

خليلي هبا طال ما قد رقدتما

أجدكما ما تقضيان كراكما

ألم تعلما أنى بقزوين مفرد

وما لي فيها من خليل سواكما

مقيما على قبريكما لست بارحا

طوال الليالي أو يجيب صداكما

سأبكيكما طول الحياة وما الذي

يرد على ذى لوعة أن بكاكما

ثم لم يلبث أن مات فدفن عند صاحبيه فقبورهم تعرف بقبور الندماء

فتح أذربيجان

حدثنا الحسين بن عمرو الأردبيلى عن واقد الأردبيلى عن مشايخ أدركتهم أن المغيرة بن شعبة قدم الكوفة واليا من قبل عمر بن الخطاب ومعه كتاب إلى حذيفة بن اليمان بولاية أذربيجان فأنفذه إليه وهو بنهاوند وبقربها فسار حتى أتى أردبيل وهي مدينة أذربيجان وبها مرزبانها واليه جباية خراجها ، وكان المرزبان قد جمع إليه المقاتلة من أهل باجروان وميمذ والنرير وسراة والشيز والميانج وغيرهم فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا أياما ، ثم أن المرزبان صالح حذيفة عن جميع أهل أذربيجان على ثمانمائة ألف درهم وزن ثمانية على أن لا يقتل منهم أحدا ولا يسبيه ولا يهدم بيت نار ولا يعرض لأكراد البلاسجان وسبلان وساترودان ، ولا يمنع أهل الشيز خاصة من الزفن فى أعيادهم وإظهار ما كانوا يظهرونه ، ثم أنه غزا موقان وجيلان فأوقع بهم وصالحهم على أتاوة.

٣١٧

قالوا ثم عزل عمر حذيفة وولى أذربيجان عتبة بن فرقد السلمى فأتاها من الموصل ويقال : بل أتاها من شهر زور على السلق الذي يعرف اليوم بمعاوية الأودى ، فلما دخل أردبيل وجد أهلها على العهد وانتقضت عليه نواح فغزاها فظفر وغنم ، وكان معه عمرو بن عتبة الزاهد.

وروى الواقدي فى إسناده : أن المغيرة بن شعبة غزا أذربيجان من الكوفة فى سنة اثنتين وعشرين حتى انتهى إليها ففتحها عنوة ووضع عليها الخراج ، وروى ابن الكلبي عن أبى مخنف : أن المغيرة غزا اذربيجان سنة عشرين ففتحها ثم أنهم كفروا فغزاها الأشعث بن قيس الكندي ففتح حصن باجروان وصالحهم على صلح المغيرة ومضى صلح الأشعث إلى اليوم.

وكان أبو مخنف لوط بن يحيى يقول : أن عمر ولى سعدا ثم عمارا ثم المغيرة ثم رد سعدا وكتب إليه وإلى أمراء الأمصار فى قدوم المدينة فى السنة التي توفى فيها فلذلك حضر سعد الشورى وأوصى القائم بالخلافة أن يرده إلى عمله ، وقال غيره توفى عمر والمغيرة واليه على الكوفة وأوصى بتولية سعد الكوفة وتولية أبى موسى البصرة فولاهما عثمان ثم عزلهما.

وحدثني المدائني عن على بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن الزهري قال : لما هزم الله المشركين بنهاوند رجع الناس إلى أمصارهم وبقي أهل الكوفة مع حذيفة فغزا أذربيجان فصالحوه على مائة ألف.

وحدثني المدائني عن على بن مجاهد عن عاصم الأحول عن أبى عثمان النهدي ، قال : عزل عمر حذيفة عن أذربيجان ، واستعمل عليها عتبة بن فرقد السلمى فبعث إليه باخبصة قد أدرجها فى كرابيس ، فلما وردت عليه قال أورق قالوا : لا قال : فما هي قال لطف بعث به ، فلما نظر إليه قال : ردوها عليه ، وكتب إليه يا ابن أم عتبة إنك لتأكل الخبيص من غير كدك ولا كد أبيك ، وقال عتبة

٣١٨

قدمت من أذربيجان وافدا على عمر فإذا بين يديه عضلة جزور.

وحدثني المدائني عن عبد الله بن القاسم عن فروة بن لقيط قال : لما قام عثمان بن عفان رضى الله عنه استعمل الوليد بن عقبة بن أبى معيط فعزل عتبة عن أذربيجان فنقضوا فغزاهم الوليد سنة خمس وعشرين وعلى مقدمته عبد الله شبل الأحمسى فأغار على أهل موقان والببر والطيلسان فغنم وسبى وطلب أهل كور أذربيجان الصلح فصالحهم صلح حذيفة ، قال ابن الكلبي ، ولى على ابن أبى طالب رضى الله عنه أذربيجان سعيد بن سارية الخزاعي ثم الأشعث بن قيس الكندي.

وحدثني عبد الله بن معاذ العبقري عن أبيه عن سعد بن الحكم بن عتبة عن زيد بن وهب ، قال : لما هزم الله المشركين بنهاوند رجع أهل الحجاز إلى حجازهم وأهل البصرة إلى بصرتهم ، وأقام حذيفة بنهاوند فى أهل الكوفة فغزا أذربيجان فصالحوه على ثمانمائة ألف درهم ، فكتب عمر بن الخطاب إنكم بأرض طعام ولباسهم الميتة فلا تأكلوا الأذكياء ولا تلبسوا الأزكيا يريد الفراء.

وحدثني العباس بن الوليد النرسي ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد قال : حدثنا عاصم الأحول عن أبى عثمان النهدي ، قال : كنت مع عتبة بن فرقد حين افتتح أذربيجان فصنع سفطين من خبيص وألبسهما الجلود واللبود ، ثم بعث بهما إلى عمر مع سحيم مولى عتبة ، فلما قدم عليه ، قال : ما الذي جئت به أذهب أم ورق وأمر به فكشف عنه فذاق الخبيص ، فقال : إن هذا لطيب أثر أكل المهاجرين أكل منه شبعه ، قال : لا إنما هو شيء خصك به فكتب إليه.

٣١٩

من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عتبة بن فرقد أما بعد فليس كدك ولا كد أمك ولا كد أبيك لا نأكل إلا ما يشبع منه المسلمون فى رحالهم.

وحدثني الحسين بن عمرو وأحمد بن مصلح الأزدى عن مشايخ من أهل أذربيجان ، قالوا : قدم الوليد بن عقبة أذربيجان ومعه الأشعث بن قيس ، فلما انصرف الوليد ولاه أذربيجان فانتقضت فكتب إليه يستمده ، فأمده بجيش عظيم من أهل الكوفة ، فتتبع الأشعث بن قيس حانا حانا ـ والحان الحائر فى كلام أهل أذربيجان ، ففتحها على مثل صلح حذيفة وعتبة بن فرقد وأسكنها ناسا من العرب من أهل العطاء والديوان وأمرهم بدعاء الناس إلى الإسلام ، ثم تولى سعيد بن العاصي فغزا أهل أذربيجان فأوقع بأهل موقان وجيلان. وتجمع له بناحية أرم وبلوا نكرح خلق من الأرمن وأهل أذربيجان فوجه إليهم جرير بن عبد الله البجلي فهزمهم وأخذ رئيسهم فصلبه على قلعة باجروان ، ويقال : أن الشماخ بن ضرار الثعلبي كان مع سعيد بن العاصي فى هذه الغزاة ، وكان بكير بن شداد بن عامر فارس اطلال معهم فى هذه الغزاة وفيه يقول الشماخ :

وغنيت عن خيل بموقان أسلمت

بكير بنى الشداخ فارس اطلال

وهو من بنى كنانة ، وهو الذي سمع يهوديا فى خلافة عمر ينشد :

وأشعث غره الإسلام منى

خلوت بعرسه ليلى النمام

فقتله ثم ولى على بن أبى طالب الأشعث أذربيجان ، فلما قدمها وجد أكثرها قد أسلموا وقرأوا القرآن ، فأنزل أردبيل جماعة من أهل العطاء والديوان من العرب ومصرها وبنى مسجدها إلا أنه وسع بعد ذلك ، قال الحسين بن عمرو : وأخبرنى واقد أن العرب لما نزلت أذربيجان نزعت إليها عشائرها من المصرين والشام وغلب كل قوم على ما أمكنهم وابتاع

٣٢٠