فتوح البلدان

أبوالحسن البلاذري

فتوح البلدان

المؤلف:

أبوالحسن البلاذري


المحقق: لجنة تحقيق التراث
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

للعرب من ابن أبى قحافة ، ثم عقد أبو بكر وهو بالقصة لخالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي على الناس ، وجعل على الأنصار ثابت بن قيس بن شماس الأنصارى ، وهو أحد من استشهد يوم اليمامة إلا أنه كان من تحت يد خالد وأمر خالدا أن يصمد لطليحة بن خويلد الأسدى ، وكان قد أدعى النبوة وهو يومئذ ببزاخة وبزاخة ماء لبنى أسد بن خزيمة فسار إليه خالد ، وقدم أمامه عكاشة بن محصن الأسدى حليف بنى عبد شمس ، وثابت بن أقرم البلوى حليف الأنصار فلقيهما حبال بن خويلد فقتلاه ، وخرج طليحة وسلمة أخوه وقد بلغهما الخبر فلقيا عكاشة وثابتا فقتلاهما فقال طليحة :

ذكرت أخى لما عرفت وجوههم

وأيقنت أنى ثائر بحبال

عشية غادرت ابن أقرم ثاويا

وعكاشة الغنمي عند مجال

ثم التقى المسلمون وعدوهم واقتتلوا قتالا شديدا ، وكان عيينة بن حصن ابن حذيفة بن بدر مع طلحة فى سبعمائة من بنى فزارة ، فلما رأى سيوف المسلمين قد استحملت المشركين أتاه فقال له : أما ترى ما يصنع جيش أبى الفصيل فهل جاءك جبريل بشيء قال : نعم جاءني فقال : إن لك رحا كرحاه ويوما لا تنساه ، فقال عيينة : أرى والله أن لك يوما لا تنساه يا بنى فزارة هذا كذاب وولى عن عسكره ، من فانهزم الناس وظهر المسلمون وأسر عيينة بن حصن فقدم به المدينة فحقن أبو بكر دمه وخلى سبيله ، وهرب طليحة بن خويلد فدخل خباء له فاغتسل وخرج فركب فرسه وأهل بعمرة ثم مضى إلى مكة ثم أتى المدينة مسلما ، وقيل بل أتى الشام فأخذه المسلمون ممن كان غازيا ، وبعثوا به إلى أبى بكر بالمدينة فأسلم وابلى بعد فى فتح العراق ونهاوند ، وقال له عمر : أقتلت العبد الصالح عكاشة بن محصن ، فقال : أن عكاشة بن محصن سعد بى وشقيت به وأنا أستغفر الله.

١٠١

وأخبرنى داود بن حبال الأسدى عن أشياخ من قومه : أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لطليحة : أنت الكذاب على الله حين زعمت أنه أنزل عليك إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم شيئا فاذكروا الله أعفة قياما فإن الرغوة فوق الصريح ، فقال يا أمير المؤمنين : ذلك من فتن الكفر الذي هدمه الإسلام كله ، فلا تعنيف على ببعضه فأسكت عمر ، قالوا : وأتى خالد بن الوليد رمان وأبانين وهناك فل بزاخة فلم يقاتلوه وبايعوه لأبى بكر ، وبعث خالد بن الوليد هشام بن العاصي بن وائل السهمي وأخا عمرو بن العاصي ، وكان قديم الإسلام وهو من مهاجرة الحبشة إلى بنى عامر بن صعصعة فلم يقاتلوه وأظهروا الإسلام والأذان فانصرف عنهم ، وكان قرة بن هبيرة القشيري امتنع من أداء الصدقة وأمد طليحة فأخذه هشام بن العاصي وأتى به خالدا فحمله إلى أبى بكر ، فقال : والله ما كفرت مذ آمنت ولقد مربى عمرو بن العاصي منصرفا من عمان فأكرمته وبررته فسأل أبو بكر عمرا رضى الله عنهما عن ذلك فصدقه فحقن أبو بكر دمه ، ويقال : أن خالدا كان سار إلى بلاد بنى عامر فأخذ قرة وبعث به إلى أبى بكر.

قال : ثم سار خالد بن الوليد إلى الغمر وهناك جماعة من بنى أسد وغطفان وغيرهم وعليهم خارجة بن حصن بن حذيفة ، ويقال انهم كانوا متسايدين قد جعل كل قوم عليهم رئيسا منهم قالوا خالدا والمسلمين فقتلوا منهم جماعة وانهزم الباقون ، وفى يوم الغمر يقول الحطيئة العبسي :

ألا كل أرماح قصار أذلة

فداء لارماح الفوارس بالغمر

ثم أتى خالد جو قراقر ، ويقال أتى النقرة وكان هناك جمع لبنى سليم عليهم أبو شجرة عمرو بن عبد العزى السلمى وأمه الخنساء فقاتلوه فاستشهد رجل من المسلمين ثم فض الله جمع المشركين ، وجعل خالد يومئذ يحرق

١٠٢

المرتدين فقيل لأبى بكر فى ذلك فقال لا أشيم سيفا سله الله على الكفار ، وأسلم أبو شجرة فقدم على عمر وهو يعطى المساكين فاستعطاه فقال له ألست القائل :

ورويت رمحي من كتيبة خالد

وإنى لأرجو بعدها أن أعمرا

وعلاه بالدرة فقال : قد محا الإسلام ذلك يا أمير المؤمنين قالوا : وأتى الفجاءة وهو بجير بن إياس بن عبد الله السلمى أبا بكر فقال : احملنى وقوني أقاتل المرتدين فحمله وأعطاه سلاحا. فخرج يعترض الناس فيقتل المسلمين والمرتدين. وجمع جمعا. فكتب أبو بكر إلى طريفة بن حاجزة أخى معن بن حاجزة يأمره بقتاله فقاتله وأسره ابن حاجزة فبعث به إلى أبى بكر فأمر أبو بكر بإحراقه فى ناحية المصلى. ويقال : إن أبا بكر كتب إلى معن فى أمر الفجاءة فوجه معن إليه طريفة أخاه فأسره ، ثم سار خالد إلى سن بالبطاح والبعوضة من بنى تميم فقاتلوه ففض جمعهم وقتل مالك بن نويرة أخا متمم بن نويرة وكان مالك عاملا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على صدقات بنى حنظلة ، فلما قبض صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلى ما كان فى يده من الفرائض وقال : شأنكم بأموالكم يا بنى حنظلة وقد قيل : إن خالدا لم يلق بالبطاح والبعوضة أحدا ولكنه بث السرايا فى بنى تميم وكان منها سرية عليها ضرار ابن الأزور الأسدى فلقى ضرار مالكا فاقتتلوا وأسره وجماعة معه فأتى بهم خالدا فأمر بهم فضربت أعناقهم وتولى ضرار ضرب عنق مالك.

ويقال : إن مالكا قال لخالد : إنى والله ما ارتددت وشهد أبو قتادة الأنصارى أن بنى حنظلة وضعوا السلاح وأذنوا فقال عمر بن الخطاب لأبى بكر رضى الله عنهما : بعثت رجلا يقتل المسلمين ويعذب بالنار.

وقد روى أن متمم بن نويرة دخل على عمر بن الخطاب فقال له : ما بلغ من

١٠٣

وجدك على أخيك مالك قال : بكيته حولا حتى أسعدت عيني الذاهبة عيني الصحيحة وما رأيت نارا إلا كدت انقطع لها أسفا عليه لأنه كان يوقد ناره إلى الصبح مخافة أن يأتيه ضيف فلا يعرف مكانه. قال : فصفه لى قال كان يركب الفرس الجرور ويقود الجمل الثفال وهو بين المزادتين النضوحين فى الليلة القرة وعليه شملة فلوت معتقلا رمحا خطلا فيسرى ليلته ثم يصبح وكان وجهه فلقة قمر ، قال فأنشدنى بعض ما قلت فيه فأنشده مرثيته التي يقول فيها :

وكنا كندمانى جذيمة حقبة

من الدهر حتى قيل : لن يتصدعا

فقال عمر : لو كنت أحسن قول الشعر لرثيت أخى زيدا ، فقال متمم : ولا سواء يا أمير المؤمنين : لو كان أخى صرع مصرع أخيك ما بكيته فقال عمر ما عزانى أحد بأحسن مما عزيتنى.

قالوا : وتنبأت أم صادر سجاح بنت أوس بن أسامة بن العنبر بن يربوع ابن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، ويقال : هي سجاح بنت الحارث ابن عقفان بن سويد بن خالد بن أسامة وتكهنت فأتبعها قوم من بنى تميم وقوم من أخوالها بنى تغلب ثم انها سجعت ذات يوم فقالت : إن رب السحاب ، يأمركم أن تغزوا الرباب ، فغزتهم فهزموها ولم يقاتلها أحد غيرهم فأتت مسيلمة الكذاب وهو بحجر فتزوجته وجعلت دينها ودينه واحدا ، فلما قتل صارت إلى أخوالها فماتت عندهم ، وقال ابن الكلبي : أسلمت سجاح وهاجرت إلى البصرة وحسن إسلامها ، وقال عبد الأعلى بن حماد النرسي ، سمعت مشايخ من البصريين إن سمرة بن جندب الفزاري صلى عليها وهو يلي البصرة من قبل معاوية قبل قدوم عبيد الله بن زياد من خراسان وولايته البصرة ، وقال ابن الكلبي كان مؤذن سجاح الجنبة بن طارق بن عمرو بن حوط الرياحي ، وقوم يقولون : إن شبث بن ربعي الرياحي كان يؤذن لها.

١٠٤

قالوا : وارتدت خولان باليمن فوجه أبو بكر إليهم يعلى بن منية وهي أمه وهي من بنى مازن بن منصور بن عكرمة بن حصفة بن قيس بن عيلان بن مضر وأبوه أمية بن أبى عبيدة من ولد مالك بن حنظلة بن مالك حليف بنى نوفل بن عبد مناف نظفر بهم وأصاب منهم غنيمة وسبابا ، ويقال : لم يلق حربا فرجع القوم إلى الإسلام.

ردة بني وليعة والأشعث بن قيس

ابن معدى كرب بن معاوية الكندي

قالوا : ولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زياد بن لبيد البياضي من الأنصار حضرموت ، ثم ضم إليه كندة ، ويقال ، إن الذي ضم إليه كندة أبو بكر الصديق رضى الله عنه ، وكان زياد بن لبيد رجلا حازما صليبا فأخذ فى الصدقة من بعض كندة قلوصا فسأله الكندي ردها عليه وأخذ غيرها وكان قد وسمها بميسم الصدقة فأبى ذلك ، وكلمه الأشعث بن قيس فيه فلم يجبه ، وقال : لست براد شيئا قد وقع الميسم عليه فانتقضت عليه كندة كلها إلا السكون فإنهم كانوا معه فقال شاعرهم :

ونحن نصرنا الدين إذ ضل قومنا

شقاء ، وشايعنا ابن أم زياد

ولم نبغ عن حق البياضي مزحلا

وكان تقى الرحمن أفضل زاد

وجمع له بنو عمرو بن معاوية بن الحارث الكندي فبيتهم فيمن معه من المسلمين فقتل منهم بشرا فيهم مخوس ومشرح وجمد وأبضعة بنو معدى كرب بن وليعة بن شرحبيل بن معاوية بن حجر القرد «والقرد» الجواد فى كلامهم بن الحارث بن الولادة بن عمرو بن معاوية بن الحارث ، وكانت لها ولاء الأخوة أودية يملكونها فسموا الملوك الأربعة ، وكانوا وفدوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم ارتدوا ، وقتلت أخت لهم يقال لها العمردة

١٠٥

وقاتلها يحسبها رجلا ، ثم أن زيادا أقبل بالسبي والأموال فمر على الأشعث ابن قيس وقومه فصرخ النساء والصبيان وبكوا فحمى الأشعث أنفا وخرج فى جماعة من قومه فعرض لزياد ومعه فأصيب ناس من المسلمين ثم هزموهم فاجتمعت عظماء كندة إلى الأشعث بن قيس ، فلما رأى زياد ذلك كتب إلى أبى بكر يستمده.

وكتب أبو بكر إلى المهاجر بن أبى أمية يأمره بإنجاده فلقيا الأشعث بن قيس فيمن معهما من المسلمين ففضا جمعه وأوقعا بأصحابه فقتلا منهم مقتلة عظيمة ثم انهم لجأوا إلى النجير ـ وهو حصن لهم ـ فحصرهم المسلمون حتى جهدوا فطلب الأشعث الأمان لعدة منهم وأخرج نفسه من العدة وذلك أن الجفشيش الكندي وأسمه معدان بن الأسود بن معدى كرب أخذ بحقوه ، وقال : اجعلنى من العدة فأدخله وأخرج نفسه ونزل إلى زياد بن لبيد والمهاجر فبعثا به إلى أبى بكر الصديق فمن عليه وزوجه أخته أم فروة بنت أبى قحافة فولدت له محمدا واسحاق وقريبة وحبابة وجعدة ، وبعضهم يقول : زوجه أخته قريبة ، ولما تزوجها أتى السوق فلم يربها جزورا إلا كشف عرقوبيها وأعطى ثمنها وأطعمها الناس وأقام بالمدينة ثم سار إلى الشام والعراق غازيا ، ومات بالكوفة وصلى عليه الحسن بن أبى طالب بعد صلحه معاوية ، وكان الأشعث يكنى أبا محمد ويلقب عرف النار.

وقال بعض الرواة : ارتد بنو وليعة قبل وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما بلغت زياد بن لبيد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا الناس إلى بيعة أبى بكر فبايعوه خلابنى وليعة فبيتهم وارتد الأشعث وتحصن فى النجير فحاصره زياد بن لبيد والمهاجر اجتمعا عليه وأمدهما أبو بكر رضى الله عنه بعكرمة ابن أبى جهل بعد انصرافه من عمان فقدم عليهما وقد فتح النجير فسأل أبو بكر المسلمين أن يشركوه فى الغنيمة ففعلوا ، قالوا : وكان بالنجيرة نسوة

١٠٦

شمتن بوفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكتب أبو بكر رضى الله عنه فى قطع أيديهن وأرجلهن منهن الثبجاء الحضرمية ، وهند بنت يامين اليهودية.

وحدثني بكر بن الهيثم ، قال : حدثني عبد الرزاق بن همام اليماني عن مشايخ حدثوه من أهل اليمن أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولى خالد بن سعيد بن العاصي صنعاء فأخرجه العنسي الكذاب عنها ، وأنه ولى المهاجر بن أبى أمية على كندة وزياد بن لبيد الأنصارى على حضرموت والصدف وهم ولد مالك بن مرتع بن معاوية بن كندة وانما سمى صدفا لأن مرتعا تزوج حضرمية وشرط لها أن تكون عنده فإذا ولدت ولدا لم يخرجها من دار قومها فولدت له مالكا فقضى الحاكم عليه بأن يخرجها إلى أهلها ، فلما خرج مالك عنه معها قال : صدف عنى مالك فسمى الصدف ، وقال عبد الرزاق فأخبرنى مشايخ من أهل اليمن ، قالوا : كتب أبو بكر إلى زياد بن لبيد والمهاجر ابن أبى أمية المخزومي وهو يومئذ على كندة يأمرهما أن يجتمعا فتكون أيديهما يدا وأمرهما واحدا فيأخذ له البيعة ويقاتلا من امتنع من أداء الصدقة وأن يستعينا بالمؤمنين على الكافرين وبالمطيعين على العاصين والمخالفين فأخذا من رجل من كندة فى الصدقة بكرة من الإبل فسألهما أخذ غيرها فسامحه المهاجر وأبى زياد إلا أخذها وقال : ما كنت لأردها بعد أن وقع عليها ميسم الصدقة ، فجمع بنو عمرو بن معاوية جمعا فقال زياد بن لبيد للمهاجر : قد ترى هذا الجمع وليس الرأى أن نزول جميعا عن مكاننا ولكن انفصل عن العسكر فى جماعة فيكون ذلك أخفى للأمر وأستر ثم أبيت هؤلاء الكفرة ، وكان زياد حازما صليبا فصار إلى بنى عمرو وألفاهم فى الليل فبيتهم فأتى على أكثرهم وجعل بعضهم يقتل بعضا ثم اجتمع والمهاجر ومعهما السبي والأسارى فعرض لهما الأشعث بن قيس ووجوه كندة فقاتلاهم قتالا شديدا ، ثم إن الكنديين

١٠٧

تحصنوا بالنجير فحاصراهم حتى جهدهم الحصار وأضربهم ونزل الأشعث على الحكم قالوا : وكانت حضرموت أتت كندة منجدة لها فواقعهم زياد والمهاجر فظفرا بهم وارتدت خولان فوجه إليهم أبو بكر يعلى بن منية فقاتلهم حتى أذعنوا وأقروا بالصدقة ، ثم أتى المهاجر كتاب أبى بكر بتوليته صنعاء ومخاليفها وجمع عمله لزياد إلى ما كان فى يده فكانت اليمن بين ثلاثة المهاجر ، وزياد ، ويعلى وولى أبو سفيان بن حرب ما بين آخر حد الحجاز وآخر حد بحران.

وحدثني أبو التمار ، قال : حدثني شريك قال أنبأنا ابراهيم بن مهاجر عن ابراهيم النخعي ، قال : ارتد الأشعث بن قيس الكندي فى ناس من كندة فحوصرا فأخذ الأمان لسبعين منهم ولم يأخذه لنفسه فأتى به أبو بكر فقال : أنا قاتلوك لأنه لا أمان لك إذ أخرجت نفسك من العدة ، فقال : بل تمن على يا خليفة رسول الله وتزوجني فعل وزوجه أخته. وحدثني القاسم بن سلام أبو عبيد ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد عن علوان بن صالح عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عوف عن أبى بكر الصديق أنه قال : ثلاث تركتهن وودت أنى لم أفعل ، وددت أنى يوم أتيت بالأشعث بن قيس ضربت عنقه فإنه تخيل إلى أنه لا يرى شرا إلا سعى فيه وأعان عليه ، ووددت أنى يوم أتيت بالفجاءة قتلته ولم أحرقه ، ووددت أنى حيث وجهت خالدا إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق فأكون قد بسطت يميني وشمالي جميعا فى سبيل الله.

أخبرنى عبد الله بن صالح العجلى ، عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن فراس أو بنان ، عن الشعبي أن أبا بكر رد سبايا النجير بالفداء لكل رأس أربعمائة درهم ، وان الأشعث بن قيس استسلف من تجار المدينة فداءهم ففداهم ثم رده لهم ، وقال الأشعث بن قيس يرثى بشير بن الأودح ، وكان ممن

١٠٨

وفد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم ارتد ويزيد بن أماناة ومن قتل يوم النجير.

لعمري وما عمرى على بهين

لقد كنت بالقتلى أحق ضنين

فلا غرو إلا يوم يقسم سبيهم

وما الدهر عندي بعدهم بأمين

وكنت كذات البوّ ريعت فأقبلت

على بوها إذ طربت بحنين

عن ابن أماناة الكريم وبعده

بشير الندى فليجر دمع عيون

أمر الأسود العنسي ومن ارتد معه باليمن

قالوا : كان الأسود بن كعب بن عوف العنسي قد تكهن وادعى النبوة فاتبعه عنس ، واسم عنس زيد بن مالك بن ادد بن يشجب بن غريب بن زيد ابن كهلان بن سبا ، وعنس أخو مراد بن مالك ، وخالد بن مالك وسعد العشيرة ابن مالك ، واتبعه أيضا قوم من غير عنس ، وسمى نفسه رحمان اليمن كما تسمى مسيلمة رحمان اليمامة ، وكان له حمار معلم يقول له اسجد لربك فيسجد ويقول له ابرك فيبرك فسمى ذا الحمار ، وقال بعضهم : هو ذو الخمار لأنه كان متخمرا معتما أبدا. وأخبرنى بعض أهل اليمن أنه كان أسود الوجه فسمى الأسود للونه وإن اسمه عهلة.

قالوا : فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جرير بن عبد الله البجلي فى السنة التي توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها ، وفيها كان إرسال جرير إلى الأسود يدعوه إلى الإسلام فلم يجبه ، وبعض الرواة ينكر بعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جريرا إلى اليمن ، قالوا ، وأتى الأسود صنعاء فغلب عليها وأخرج خالد بن سعيد بن العاصي عنها ، ويقال ، أنه إنما أخرج المهاجرين أبى أمية وانحاز إلى ناحية زياد بن لبيد البياضي ، وكان عنده حتى أتاه كتاب أبى بكر يأمره

١٠٩

بمعاوية زياد ، فلما فرغ من أمرهما ولاه صنعاء وأعمالها ، وكان الأسود متجبرا فاستذل الأبناء ، وهم أولاد أهل فارس الذين وجههم. كسرى إلى اليمن مع ابن ذى يزن وعليهم وهرز واستخدمهم فأضر بهم ، وتزوج المرزبانة امرأة باذام ملكهم وعامل أبرويز عليهم فوجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قيس بن هبيرة المكشوح المرادي لقتاله ، وانما سمى المكشوح لأنه كوى على كشحه من داء كان به ، وأمره باستمالة الأبناء وبعث معه فروة بن مسيك المرادي ، فلما صار إلى اليمن بلغتهما وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأظهر قيس للأسود أنه على رأيه حتى خلى بينه وبين دخول صنعاء فدخلها فى جماعة من مذحج وهمدان وغيرهم ثم استمال فيروز بن الديلمي أحد الأبناء ، وكان فيروز قد أسلم ثم أتيا باذام رأس الأبناء ، ويقال : ان باذام قد كان مات ورأس الأبناء بعده خليفة له يسمى داذوية ، وذلك أثبت فأسلم داذويه ولقى قيس ثات بن ذى الحرة الحميري فاستماله وبث داذويه دعاته فى الأبناء فأسلموا ، فتطابق هؤلاء جميعا على قتل الأسود واغتياله ودسوا إلى المرزبانة امرأته من أعلمها الذي هم عليه وكانت شانئة له فدلتهم على جدول يدخل إليه منه فدخلوا سحرا ويقال : بل نقبوا جدار بيته بالخل نقبا ثم دخلوا عليه فى السحر وهو سكران نائم فذبحه قيس ذبحا فجعل يخور خوار الثور حتى أفزع ذلك حرسه ، فقالوا : ما شأن رحمان اليمن فبدرت امرأته فقالت : إن الوحى ينزل عليه فسكنوا وأمسكوا واحتز قيس رأسه ثم علا سور المدينة حين أصبح فقال : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأن الأسود كذاب عدو الله ، فاجتمع أصحاب الأسود فألقى إليهم رأسه فتفرقوا إلا قليلا ، وخرج أصحاب قيس ففتحوا الباب ووضعوا فى بقية أصحاب العنسي السيف فلم ينجح إلا من أسلم منهم.

١١٠

وذكر بعض الرواة أن الذي قتل الأسود العنسي فيروز بن الديلمي وأن قيسا أجهز عليه واحتز رأسه. وذكر بعض أهل العلم إن قتل الأسود كان قبل وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخمسة أيام

فقال فى مرضه. قد قتل الله الأسود العنسي قتله الرجل الصالح فيروز بن الديلمي ،

وأن الفتح ورد على أبى بكر بعد ما استخلف بعشر ليال.

وأخبرنى بكر بن الهيثم. قال. حدثني ابن انس اليماني ، عمن أخبره عن النعمان ابن برزج أحد الأبناء أن عامل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي أخرجه الأسود عن صنعاء أبان بن العاصي ، وأن الذي قتل الأسود العنسي فيروز بن الديلمي وأن قيسا وفيروزا ادعيا قتله وهما بالمدينة فقال عمر. قتله هذا الأسد يعنى فيروز. قالوا : ثم ان قيسا اتهم بقتل داذويه وبلغ أبا بكر أنه على اجلاء الأبناء عن صنعاه فأغضبه ذلك ، وكتب إلى المهاجر بن أبى أمية حين دخل صنعاء وهو عامله عليها يأمره بحمل قيس إلى ما قبله فلما قدم به عليه أحلفه خمسين يمينا عند منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ما قتل داذويه فحلف فخلى سبيله ووجه إلى الشام مع من انتدب لغز الروم من المسلمين.

فتوح الشام

قالوا : لما فرغ أبو بكر رضى الله عنه من أمر أهل الردة رأى توجيه الجيوش إلى الشام فكتب إلى أهل مكة ، والطائف ، واليمن ، وجميع العرب بنجد والحجاز يستنفرهم للجهاد ويرغبهم فيه وفى غنائم الروم ، فسارع الناس إليه من بين محتسب وطامع وأتو المدينة من كل أوب فعقد ثلاثة ألوية لثلاثة رجال خالد ابن سعيد بن العاصي بن أمية ، وشرحبيل بن حسنة حليف بنى جمح ، وشرحبيل فيما ذكر الواقدي ابن عبد الله بن المطاع الكندي. وحسنة أمه وهي مولاة

١١١

معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح. وقال الكلبي : هو شرحبيل ابن ربيعة بن المطاع من ولد صوفة وهم الغوث بن مر بن اد بن طابخة ، وعمرو بن العاصي بن وائل السهمي ، وكان عقده هذه الألوية يوم الخميس المستهل صفر سنة ثلاث عشرة وذلك بعد مقام الجيوش معسكرين بالجرف المحرم كله ، وأبو عبيدة بن الجراح يصلى بهم. وكان أبو بكر أراد أبا عبيدة أن يعقد له فاستعفاه من ذلك ، وقد روى قوم أنه عقد له وليس ذلك بثبت ولكن عمر ولاه الشام كله حين استخلف.

وذكر أبو مخنف أن أبا بكر قال للأمراء : إن اجتمعتم على قتال فأميركم أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري وإلا فيزيد بن أبى سفيان وذكر أن عمرو بن العاصي إنما كان مددا للمسلمين وأميرا على من ضم إليه. قال : ولما عقد أبو بكر لخالد بن سعيد كره عمر ذلك فكلم أبا بكر فى عزله ، وقال : أنه رجل فخور يحمل أمره على المغالبة والتعصب فعزله أبو بكر ووجه أبا أروى الدوسي لأخذ لوائه فلقيه بذي المروة فأخذ اللواء منه وورد به على أبى بكر فدفعه أبو بكر رضى الله عنه إلى يزيد بن أبى سفيان فسار به ومعاوية أخوه يحمله بين يديه ، ويقال : بل سلم إليه اللواء بذي المروة فمضى على جيش خالد وسار خالد بن سعيد محتسبا فى جيش شرحبيل.

وأمر أبو بكر رضى الله عنه عمرو بن العاصي أن يسلك طريق أيلة عامدا لفلسطين ، وأمر يزيد أن يسلك طريق تبوك ، وكتب إلى شرحبيل أن يسلك أيضا طريق تبوك ، وكان العقد لكل أمير فى بدء الأمر على ثلاثة آلاف رجل فلم يزل أبو بكر يتبعهم الأمداد حتى صار مع كل أمير سبعة آلاف وخمسمائة ثم تتام جمعهم بعد ذلك أربعة وعشرين ألفا. وروى عن الواقدي أن أبا بكر ولى عمرا فلسطين ، وشرحبيل الأردن ، ويزيد دمشق ،

١١٢

وقال إذا كان بكم قتال فأميركم الذي تكونون فى عمله. وروى أيضا أنه أمر عمرا مشافهة أن يصلى بالناس إذا اجتمعوا ، وإذا تفرقوا صلى كل أمير بأصحابه وأمر الأمراء أن يعقدوا لكل قبيلة لواء يكون فيهم ، قالوا : فلما صار عمرو بن العاصي إلى أول عمل فلسطين كتب إلى أبى بكر يعلمه كثرة عدد العدو وعدتهم وسعة أرضهم ونجدة مقاتلتهم ، فكتب أبو بكر إلى خالد ابن الوليد بن المغيرة المخزومي وهو بالعراق يأمره بالمسير إلى الشام فيقال : أنه جعله أميرا على الأمراء فى الحرب ، وقال قوم : كان خالد أميرا على أصحابه الذين شخصوا معه ، وكان المسلمون إذا اجتمعوا لحرب أمره الأمراء فيها لبأسه وكيده ويمن نقيبته. قالوا : فأول وقعة كانت بين المسلمين وعدوهم بقرية من قرى غزة يقال لها داثن كانت بينهم وبين بطريق غزة فاقتتلوا فيها قتالا شديدا ثم ان الله تعالى أظهر أولياءه وهزم أعداءه وفض جمعهم وذلك قبل قدوم خالد بن الوليد الشام ، وتوجه يزيد بن أبى سفيان فى طلب ذلك البطريق فبلغه أن بالعربة من أرض فلسطين جمعا للروم فوجه إليهم أبا أمامة الصدى بن عجلان الباهلي فأوقع بهم وقتل عظيمهم ثم انصرف.

وروى أبو مخنف فى يوم العربة أن ستة قواد من قواد الروم نزلوا العربة فى ثلاثة آلاف فسار إليهم ابو أمامة فى كثف من المسلمين فهزمهم وقتل أحد القواد ثم اتبعهم فصاروا إلى الدبية ـ وهي الدابية ـ فهزموهم وغنم المسلمون غنما حسنا.

وحدثني أبو حفص الشامي عن مشايخ من أهل الشام قالوا : كانت أول وقائع المسلمين وقعة العربة ولم يقاتلوا قبل ذلك مذ فصلوا من الحجاز ، ولم يمروا بشيء من الأرض فيما بين الحجاز وموضع هذه الوقعة إلا غلبوا عليه بغير حرب وصار فى أيديهم.

١١٣

شخوص خالد بن الوليد إلى الشام

وما فتح فى طريقه

قالوا : لما أتى خالد بن الوليد كتاب أبى بكر وهو بالحيرة خلف المثنى ابن حارثة الشيبانى على ناحية الكوفة ، وسار فى شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة فى ثمانمائة ، ويقال فى ستمائة ، ويقال فى خمسمائة ، فأتى عين التمر ففتحها عنوة ، ويقال. إن كتاب أبى بكر وافاه وهو بعين التمر وقد فتحها ، فسار خالد من عين التمر فأتى صندوداء وبها قوم من كندة وإباد والعجم ، فقاتله أهلها وخلف بها سعد بن عمرو بن حرام الأنصاري فولده اليوم بها ، وبلغ خالدا أن جمعا لبنى تغلب بن وائل بالمضيح والحصيد مرتدين عليهم ربيعة بن بجير فأتاهم فقاتلوه فهزمهم وسبى وغنم وبعث بالسبي إلى أبى بكر ، فكانت منهم أم حبيب الصهباء بنت حبيب بن بجير ، وهي أم عمر بن على ابن أبى طالب ، ثم أغار خالد على قراقر وهو ماء لكلب ثم فوز منه إلى سوى وهو ماء لكلب أيضا ومعهم فيه قوم من بهراء فقتل حرقوص بن النعمان البهراني من قضاعة واكتسح أموالهم وكان خالد لما ركب المفازة عمد إلى الرواحل فأرواها من الماء ثم قطع مشافرها وأجرها لئلا تجتر فتعطش ثم استكثر من الماء وحمله معه فنفد فى طريقه فجعل ينحر تلك الرواحل راحلة راحلة ويشرب وأصحابه الماء من أكراشها ، وكان له دليل يقال له. رافع بن عمير الطائي ففيه يقول الشاعر.

لله در نافع إنى أهتدى

فوز من قراقر إلى سوى

ماء إذا ما رامه الجيش انثنى

ما جازها قبلك من أنس يرى

وكان المسلمون لما انتهوا إلى سوى وجدوا حرقوصا وجماعة معه يشربون ويتغنون وحرقوص يقول :

ألا عللانى قبل جيش أبى بكر

لعل منايانا قريب ولا ندري

١١٤

فلما قتله المسلمون جعل دمه يسيل فى الجفنة التي كان فيها شرابه ويقال إن رأسه سقط فيها أيضا. وقال بعض الرواة أن المغني بهذا البيت رجل ممن كان أغار خالد عليه من بنى تغلب مع ربيعة بن بجير.

وقال الواقدي : خرج خالد من سوى إلى الكواثل ثم أتى قرقيسيا فخرج إليه صاحبها فى خلق فتركه وانحاز إلى البر ومضى لوجهه وأتى خالد أركة ـ وهي أرك ـ فأغار على أهلها وحاصرهم ففتحها صلحا على شيء أخذه منهم للمسلمين ، وأتى دومة الجندل ففتحها ، ثم أتى قصم فصالحه بنو مشجعة ابن التيم بن النمر بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وكتب لهم أمانا ، ثم أتى تدمر فامتنع أهلها وتحصنوا ثم طلبوا الأمان فأمنهم على أن يكونوا ذمة وعلى أن قروا المسلمين ورضخوا لهم ، ثم أتى القريتين فقاتله أهلها فظفر وغنم ، ثم أتى حوارين من سنير فأغار على مواشى أهلها فقاتلوه وقد جاءهم مدد أهل بعلبك وأهل بصرى وهي مدينة حوران فظفر بهم فسبى وقتل ، ثم أتى مرج راهط فأغار على غسان فى يوم فصحهم وهم نصارى فسبى وقتل ، ووجه خالد بسر بن أبى أرطاة العامري من قريش وحبيب بن مسلمة الفهري إلى غوطة دمشق فأغارا على قرى من قراها ، وصار خالد إلى الثنية التي تعرف بثنية العقاب بدمشق فوقف عليها ساعة ناشرا رايته وهي راية كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سوداء فسميت ثنية العقاب يومئذ والعرب تسمى الراية عقابا ، وقوم يقولون : إنها سميت بعقاب من الطير كانت ساقطة عليها ، والخبر الأول أصح ، وسمعت من يقول : كان هناك مثال عقاب من حجارة وليس ذلك بشيء ، قالوا : ونزل خالد بالباب الشرقي من دمشق ، ويقال : بل نزل بباب الجابية فأخرج إليه اسقف دمشق نزلا وخدمة فقال. احفظ لى هذا العهد فوعده بذلك ، ثم سار خالد حتى انتهى إلى المسلمين وهم بقناة بصرى

١١٥

ويقال : أنه أتى الجابية وبها أبو عبيدة فى جماعة من المسلمين فالتقيا ومضيا جميعا إلى بصرى.

فتح بصرى

قالوا : لما قدم خالد بن الوليد على المسلمين بصرى اجتمعوا عليها وأمروا خالدا فى حربها ، ثم الصقوا بها وحاربوا بطريقها حتى ألجئوه وكماة أصحابه إليها ويقال : بل كان يزيد بن أبى سفيان المتقلد لأمر الحرب لأن ولايتها وإمرتها كانت إليه لأنها من دمشق ثم أن أهلها صالحوا على أن يؤمنوا على دمائهم وأموالهم وأولادهم على أن يؤدوا الجزية.

وذكر بعض الرواة أن أهل بصرى صالحوا على أن يؤدوا عن كل حالم دينارا وجريب حنطة ، وافتتح المسلمون جميع أرض كورة حوران وغلبوا عليها قال : وتوجه أبو عبيدة بن الجراح فى جماعة من المسلمين كثيفة من أصحاب الأمراء ضموا إليه فأتى مآب من أرض البلقاء ، وبها جمع العدو فافتتحها صلحا على مثل صلح بصرى ، وقال بعضهم : أن فتح مآب قبل فتح بصرى ، وقال بعضهم : أن أبا عبيدة فتح مآب وهو أمير على جميع الشام أيام عمر.

يوم أجنادين

ثم كانت وقعة أجنادين وشهدها من الروم زهاء مائة ألف سرب هرقل أكثرهم وتجمع باقوهم من النواحي ، وهرقل يومئذ مقيم بحمص فقاتلهم المسلمون قتالا شديدا ، وأيلى خالد بن الوليد يومئذ بلاء حسنا ، ثم أن الله هزم

١١٦

أعداءه ومزقهم ممزق وقتل منهم خلق كثير ، واستشهد يومئذ عبد الله ابن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم ، وعمرو بن سعيد بن العاصي بن أمية ، وأخوه أبان بن سعيد وذلك الثبت ، ويقال : بل توفى أبان فى سنة تسع وعشرين وطليب بن عمير بن وهب بن عبد بن قصى بارزه علج فضربه ضربة أبانت يده اليمنى فسقط سيفه مع كفه ، ثم غشيه الروم فقتلوه ، وأمه أروى بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان يكنى أبا عدى ، وسلمة بن هشام بن المغيرة ويقال : أنه قتل بمرج الصفر ، وعكرمة ابن أبى جهل بن هشام المخزومي ، وهبار بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي ويقال : بل قتل يوم مؤتة ، ونعيم بن عبد الله النحام العدوى ، ويقال. قتل يوم اليرموك ، وهشام بن العاصي بن وائل السهمي ، ويقال : قتل يوم اليرموك ، وعمرو بن الطفيل بن عمرو الدوسي ، ويقال : قتل يوم اليرموك وجندب بن عمرو الدوسي. وسعيد بن الحارث ، والحارث بن الحارث ، والحجاج بن الحارث بن قيس بن عدى السهمي ، وقال هشام بن محمد الكلبي : قتل النحل يوم مؤتة ، وقتل سعيد بن الحارث بن قيس يوم اليرموك ، وقتل تميم بن الحارث يوم أجنادين ، وقتل عبيد الله بن عبد الأسد أخوه يوم اليرموك قال : وقتل الحارث بن هشام بن المغيرة يوم أجنادين.

قالوا : ولما انتهى خبر هذه الوقعة إلى هرقل نخب قلبه وسقط فى يده وملئ رعبا فهرب من حمص إلى انطاكية ، وقد ذكر بعضهم أن هربه من حمص إلى انطاكية كان عند قدوم المسلمين الشام ، وكانت وقعة أجناين يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة ، ويقال : لليلتين خلتا من جمادى الآخرة ، ويقال : لليلتين بقيتا منه.

قالوا : ثم جمعت الروم جمعا بالياقوصة ـ والياقوصة واد فمه الفوارة ـ فلقيهم المسلمون هناك فكشفوهم وهزموهم وقتلوا كثيرا منهم ولحق

١١٧

فلهم بمدن الشام وتوفى أبو بكر رضى الله عنه فى جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة فأتى المسلمين نعيه وهم بالياقوصة.

يوم فحل من الأردن

قالوا : وكانت وقعة «فحل» من «الأردن» لليلتين بقيتا من ذى القعدة ، بعد خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه بخمسة أشهر ، وأمير الناس أبو عبيدة بن الجراح ، وكان عمر قد كتب إليه بولايته الشام وأمره الأمراء مع عامر بن أبى وقاص أخى سعد بن أبى وقاص ، وقوم يقولون ، أن ولاية أبى عبيدة الشام أتته والناس محاصرون دمشق فكتمها خالدا أياما لأن خالدا كان أمير الناس فى الحرب فقال له خالد ، ما دعاك ـ رحمك الله ـ إلى ما فعلت قال : كرهت أن أكسرك وأوهن أمرك وأنت بازاء عدو.

وكان سبب هذه الوقعة أن هرقل لما صار إلى أنطاكية استنفر الروم وأهل الجزيرة وبعث عليهم رجلا من خاصته وثقاته فى نفسه فلقوا المسلمين بفحل من الأردن فقاتلوهم أشد قتال وأبرحه حتى أظهرهم الله عليهم وقتل بطريقهم وزهاء عشرة آلاف معه ، وتفرق الباقون فى مدن الشام ولحق بعضهم بهرقل وتحصن أهل «فحل» فحصرهم المسلمون حتى سألوا الأمان على أداء الجزية عن رؤسهم والخراج عن أرضهم ، فأمنوهم على أنفسهم وأموالهم وأن لا تهدم حيطانهم ، وتولى عقد ذلك أبو عبيدة بن الجراح ، ويقال : تولاه شرحبيل بن حسنة.

أمر الأردن

حدثني حفص بن عمر العمرى ، عن الهيثم بن عدى ، قال : افتتح

١١٨

شرحبيل بن حسنة «الأردن» عنوة ما خلا طبرية فإن أهلها صالحوه على انصاف منازلهم وكنائسهم. وحدثني أبو حفص الدمشقي ، عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن عدة منهم أبو بشر مؤذن مسجد دمشق أن المسلمين لما قدموا الشام كان كل أمير منهم يقصد لناحية ليغزوها ويبث غاراته فيها فكان عمرو بن العاصي يقصد لفلسطين ، وكان شرحبيل يقصد الأردن ، وكان يزيد بن أبى سفيان يقصد لأرض دمشق ، وكانوا إذا اجتمع لهم العدو اجتمعوا عليه وإذا احتاج أحدهم إلى معاضدة صاحبه وانجاده سارع إلى ذلك ، وكان أميرهم عند الاجتماع فى حربهم أول أيام أبى بكر رضى الله عنه عمرو بن العاصي حتى قدم خالد بن الوليد الشام فكان أمير المسلمين فى كل حرب ، ثم ولى أبو عبيدة بن الجراح أمر الشام كله ، وأمره الأمراء فى الحرب والسلم من قبل عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وذلك أنه لما استخلف كتب إلى خالد بعزله وولى أبا عبيدة.

ففتح شرحبيل بن حسنة طبرية صلحا بعد حصار أيام على أن أمن أهلها على أنفسهم وأموالهم وأولادهم وكنائسهم ومنازلهم إلا ما جلوا عنه وخلوه واستثنى لمسجد المسلمين موضعا ثم أنهم نقضوا فى خلافة عمر واجتمع إليهم قوم من الروم وغيرهم ، فأمر أبو عبيدة عمر بن العاصي بغزوهم فسار إليهم فى أربعة آلاف ففتحها على مثل صلح شرحبيل ، ويقال : بل فتحها شرحبيل ثانية ، وفتح شرحبيل جميع مدن الأردن وحصونها على هذا الصلح فتحا يسيرا بغير قتال ففتح بليسان ، وفتح سوسية ، وفتح أفيق ، وجرش ، وبيت رأس. وقدس والجولان ، وغلب على سواد الأردن وجميع أرضها.

قال أبو حفص ، قال أبو محمد سعيد بن عبد العزيز ، وبلغني أن الوضين ابن عطاء ، قال ، فتح شرحبيل عكا وصور ، وصفورية ، وقال أبو بشر المؤذن

١١٩

أن أبا عبيدة وجه عمرو بن العاصي إلى سواحل الأردن فكثر به الروم وجاءهم المدد من ناحية هرقل وهو بالقسطنطينية ، فكتب إلى أبى عبيدة يستمده فوجه أبو عبيدة يزيد بن أبى سفيان فسار يزيد وعلى مقدمته معاوية أخوه ففتح يزيد وعمرو سواحل الأردن ، فكتب أبو عبيدة بفتحهما لها وكان لمعاوية فى ذلك بلاء حسن وأثر جميل.

وحدثني أبو اليسع الأنطاكى ، عن أبيه عن مشايخ أهل أنطاكية والأردن ، قالوا : نقل معاوية قوما من فرس بلعبك ، وحمص ، وأنطاكية إلى سواحل الأردن ، وصور ، وعكا ، وغيرها سنة اثنتين وأربعين ونقل من أساورة البصرة والكوفة وفرس بعلبك وحمص إلى أنطاكية فى هذه السنة أو قبلها أو بعدها بسنة جماعة ، فكان من قواد الفرس مسلم بن عبد الله جد عبد الله بن حبيب بن النعمان بن مسلم الأنطاكى. وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي ، وأخبرنى هشام بن الليث الصوري ، عن مشايخ من أهل الشام ، قالوا : رم معاوية عكا عند ركوبه منها إلى قبرص : ورم صور ثم أن عبد الملك بن مروان جددهما وقد كانتا خربتا. وحدثني هشام بن الليث قال : حدثني أشياخنا ، قالوا : نزلنا صور والسواحل وبها جند من العرب وحلق من الروم ثم نزع إلينا أهل بلدان شتى فنزلوها معنا وكذلك جميع سواحل الشام.

وحدثني محمد بن سهم الأنطاكى عن مشايخ أدركهم قالوا : لما كانت سنة تسع وأربعين خرجت الروم إلى السواحل وكانت الصناعة بمصر فقط فأمر معاوية بن أبى سفيان بجمع الصناع والنجارين فجمعوا ورتبهم فى السواحل وكانت الصناعة فى الأردن بعكا قال : فذكر أبو الخطاب الأزدى أنه كانت لرجل من ولد أبى معيط بعكا أرحاء ومستغلات فأراده هشام بن عبد الملك على

١٢٠