فتوح البلدان

أبوالحسن البلاذري

فتوح البلدان

المؤلف:

أبوالحسن البلاذري


المحقق: لجنة تحقيق التراث
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

وحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الله بن صالح عن موسى بن على عن أبيه ، قال : كانت جزية الاسكندرية ثمانية عشر ألف دينار ، فلما كانت ولاية هشام بن عبد الملك بلغت ستة وثلاثين ألف دينار.

حدثني عمرو عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : كان عثمان عزل عمرو بن العاصي عن مصر وجعل عليها عبد الله بن سعد ، فلما نزلت الروم الاسكندرية سأل أهل مصر عثمان أن يقر عمرا حتى يفرغ من قتال الروم لأن له معرفة بالحرب وهيبة فى أنفس العدو ففعل حتى هزمهم فأراد عثمان أن يجعل عمرا على الحرب وعبد الله على الخراج فأبى ذلك عمرو وقال : أنا كماسك قرني البقرة والأمير يحلبها فولى عثمان بن سعد مصر ، ثم أقامت الحبش من البيما بعد فتح مصر يقاتلون سبع سنين ما يقدر عليهم لما يفجرون من المياه فى الغياض ، قال عبد الله بن وهب : وأخبرنى الليث بن سعد عن موسى بن على عن أبيه أن عمرا فتح الاسكندرية الفتح الآخر عنوة فى خلافة عثمان بعد وفاة عمر رحمه‌الله.

فتح برقة وزويلة

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن شرحبيل بن أبى عون عن عبد الله ابن هبيرة ، قال : لما فتح عمرو بن العاصي الاسكندرية سار فى جنده يريد المغرب حتى قدم برقة وهي مدينة انطابلس فصالح أهلها على الجزية وهي ثلاثة عشر ألف دينار يبيعون فيها من أبنائهم من أحبوا بيعه.

حدثني بكر بن الهيثم ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح عن سهيل بن عقيل عن عبد الله بن هبيرة ، قال صالح عمرو بن العاصي : أهل انطابلس

٢٢١

ومدينتها برقة وهي بين مصر وإفريقية بعد أن حاصرهم وقاتلهم على الجزية على أن يبيعوا من أبنائهم من أرادوا فى جزيتهم وكتب لهم بذلك كتابا.

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن مسلمة بن سعيد عن إسحاق بن عبد الله بن أبى فروة ، قال : كان أهل برقة يبعثون بخراجهم إلى والى مصر من غير أن يأتيهم حاث أو مستحث فكانوا أخصب قوم بالمغرب ولم يدخلها فتنة ، قال الواقدي : وكان عبد الله بن عمرو بن العاصي يقول : لو لا مالي بالحجاز لنزلت برقة فما أعلم منزلا أسلم ولا أعزل منها.

وحدثني بكر بن الهيثم ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح ، قال : كتب عمرو بن العاصي إلى عمر بن الخطاب يعلمه أنه قد ولى عقبة بن نافع الفهري المغرب فبلغ زويلة وأن من بين زويلة وبرقة سلم كلهم حسنة طاعتهم قد أدى مسلمهم الصدقة ، وأفر معاهدهم بالجزية ، وأنه قد وضع على أهل زويلة ومن بينه وبينها ما رأى أنهم يطيقونه ، وأمر عماله جميعا أن يأخذوا الصدقة من الأغنياء فيردوها فى الفقراء ، ويأخذوا الجزية من الذمة فتحمل إليه بمصر ، وأن يؤخذ من أرض المسلمين العشر ونصف العشر ومن أهل الصلح صلحهم.

وحدثني بكر بن الهيثم ، قال : سألت عبد الله بن صالح عن البربر ، فقال : هم يزعمون أنهم ولد بر بن قيس وما جعل الله لقيس ولدا يقال له بر ، وإنما هم من الجبارين الذين قاتلهم داود عليه‌السلام وكانت منازلهم على أيادى الدهر فلسطين وهم أهل عمود فأتوا المغرب فتناسلوا به.

حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال : حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب أن عمرو بن العاصي ، كتب فى شرطه على أهل لواتة

٢٢٢

من البربر من أهل برقة أن عليكم أن تبيعوا أبناءكم ونساءكم فيما عليكم من الجزية قال الليث : فلو كانوا عبيدا ما حل ذلك منهم.

وحدثني بكر بن الهيثم ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب أن عمر بن عبد العزيز كتب فى اللواتيات : أن من كانت عنده لواتية فليخطبها إلى أبيها أو فليرددها إلى أهلها ، قال : ولواتة قربة من البربر كان لهم عهد.

فتح أطرابلس

حدثني بكر بن الهيثم عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن على ابن طلحة ، قال : سار عمرو بن العاصي حتى نزل أطرابلس فى سنة اثنتين وعشرين فقوتل ، ثم افتتحها عنوة وأصاب بها أحمال بزيون كثيرة مع تجار من تجارها فباعه وقسم ثمنه بين المسلمين وكتب إلى عمر بن الخطاب «أنا قد بلغنا أطرابلس وبينها وبين إفريقية تسعة أيام ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لنا فى غزوها فعل ، فكتب إليه ينهاه عنها ويقول : ما هي بإفريقية ولكنها مفرقة غادرة مغدور بها ، وذلك أن أهلها كانوا يؤدون إلى ملك الروم شيئا فكانوا يغدرون به كثيرا وكان ملك الأندلس صالحهم ثم غدر بهم وكان خبرهم قد بلغ عمر.

حدثني عمرو الناقد ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب عن الليث بن سعد ، قال : حدثني مشيختنا أن أطرابلس فتحت بعهد من عمرو بن العاصي.

فتح إفريقية

قالوا : لما ولى عبد الله بن سعد بن أبى سرح مصر والمغرب بعث المسلمين فى جرائد خيل فأصابوا من أطراف إفريقية وغنموا ، وكان عثمان

٢٢٣

ابن عفان رضى الله عنه متوقفا عن غزوها ثم إنه عزم على ذلك بعد أن استشار فيه ، وكتب إلى عبد الله فى سنة سبع وعشرين ويقال : فى سنة ثمان وعشرين ويقال فى سنة تسع وعشرين يأمره بغزوها وأمده بجيش عظيم فيه معبد بن العباس بن عبد المطلب ، ومروان بن الحكم بن أبى العاصي بن أمية ، والحارث بن الحكم أخوه ، وعبد الله بن الزبير بن العوام ، والمسور ابن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ، وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعاصم ابن عمر ، وعبيد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبى بكر ، وعبد الله بن عمرو بن العاصي ، وبسر بن أبى أرطاة بن عويمر العامري ، وأبو ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي الشاعر وبها توفى فقام بأمره ابن الزبير حتى واراه فى لحده ، وخرج فى هذه الغزاة ممن حول المدينة من العرب خلق كثير.

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن أسامة بن زيد بن أسلم عن نافع مولى آل الزبير عن عبد الله بن الزبير ، قال : اغزانا عثمان بن عفان إفريقية وكان بها بطريق سلطانه من أطرابلس إلى طنجة ، فسار عبد الله بن سعد ابن أبى سرح حتى حل بعقوبة فقاتله أياما فقتله الله ، وكنت أنا الذي قتلته ، وهرب جيشه فتمزقوا ، وبث ابن أبى سرح السرايا ففرقها فى البلاد فأصابوا غنائم كثيرة واستاقوا من المواشي ما قدروا عليه ، فلما رأى ذلك عظماء إفريقية اجتمعوا فطلبوا إلى عبد الله بن سعد أن يأخذ منهم ثلاثمائة قنطار من ذهب على أن يكف عنهم ويخرج من بلادهم فقبل ذلك.

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن أسامة بن زيد الليثي عن ابن كعب أن عبد الله بن سعد بن أبى سرح صالح بطريق إفريقية على ألفى

٢٢٤

ألف دينار وخمسمائة ألف. وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن موسى بن ضمرة المازني عن أبيه ، قال : لما صالح عبد الله بن سعد بطريق إفريقية رجع إلى مصر ولم يول على إفريقية أحدا ، ولم يكن لها يومئذ قيروان ولا مصر جامع.

قال : فلما قتل عثمان وولى أمر مصر محمد بن أبى حذيفة بن عتبة بن ربيعة لم يوجه إليها أحدا فلما ولى معاوية بن أبى سفيان ولى معاوية بن حديج السكوني مصر فبعث فى سنة خمسين عقبة بن نافع بن عبد قيس بن لقيط الفهري فغزاها واختطها ، قالوا : ووجه عقبة بسر بن أبى أرطاة إلى قلعة من القيروان فافتتحها وقتل وسبى ، وهي اليوم تعرف بقلعة بسر ، وهي بالقرب من مدينة تدعى مجانة عند معدن الفضة (١).

وقد سمعت من يذكر أن موسى بن نصير وجه بسرا ، وبسر ابن اثنتين وثمانين سنة إلى هذه القلعة فافتتحها ، وكان مولد بسر قبل وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسنتين ، وغير الواقدي يزعم أنه قد روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والله أعلم.

وقال الواقدي. ولم يزل عبد الله بن سعد واليا حتى غلب محمد بن أبى حذيفة على مصر ، وهو كان أنغلها على عثمان ثم أن عليا رضى الله عنه ولى قيس بن سعد بن عبادة الأنصارى مصر ، ثم عزله واستعمل عليها محمد بن أبى بكر الصديق ثم عزله وولى مالكا الأشتر فاعتل بالقلزم ثم ولى محمد بن أبى بكر ثانية ورده عليها فقتله معاوية بن حديج وأحرقه فى جوف حمار ، وكان الوالي عمرو بن العاصي من قبل معاوية بن أبى سفيان فمات

__________________

(١) يقال بأن عقبة بسر بن أبي أرطأة عند ما احتل مجانة قد خرب معالمها وقتل معظم سكانها ونهب أموالهم ، وأخذ أطفالهم وبناتهم.

٢٢٥

عمرو بمصر يوم الفطر سنة اثنتين وأربعين ويقال سنة ثلاث وأربعين وولى عبد الله بن عمرو ابنه بعده ثم عزله معاوية بن حديج فأقام بها أربع سنين ثم غزا فغنم ثم قدم مصر فوجه عقبة بن نافع بن عبد قيس الفهري ، ويقال : بل ولاه معاوية المغرب فغزا إفريقية فى عشرة آلاف من المسلمين فافتتح إفريقية واختط قيروانها ، وكان موضع غيضة ذات طرفاء وشجر لا يرام من السباع والحيات والعقارب القتالة وكان ابن نافع رجلا صالحا مستجاب الدعوة فدعا ربه فاذهب ذلك كله حتى إن كانت السباع لتحمل أولادها هاربة بها.

وقال الواقدي : قلت لموسى بن على رأيت بناء إفريقية المتصل المجتمع الذي نراه اليوم من بناه فقال : أول من بناها عقبة بن نافع الفهري اختطها ثم بنى وبنى الناس معه الدور والمساكن وبنى المسجد الجامع بها.

قال : وبإفريقية استشهد معبد بن العباس رحمه‌الله فى غزاة ابن أبى سرح فى خلافة عثمان ، ويقال : بل مات فى أيام القتال ، واستشهاده أثبت.

وقال الواقدي وغيره : عزل معاوية بن أبى سفيان معاوية بن حذيج وولى مصر والمغرب مسلمة بن مخلد الأنصارى ، فولى المغرب أبا المهاجر مولاه فلما ولى يزيد بن معاوية رد عقبة بن نافع على عمله فغزا السوس الأدنى وهو خلف طنجة وجول فيما هناك لا يعرض له أحد ولا يقاتله فانصرف ومات يزيد بن معاوية وبويع لابنه معاوية بن يزيد وهو أبو ليلى فنادى : الصلاة جامعة ، ثم تبرأ من الخلافة وجلس فى بيته ومات بعد شهرين ، ثم كانت ولاية مروان بن الحكم وفتنة بن الزبير (١) ثم ولى عبد الملك بن مروان فاستقام له

__________________

(١) ولي عبد الله بن الزبير مصر وهو عبد الرحمن بن عقبة الفهري فأخرج عن مصر ، ويقال : قتل بها فولى مروان عقبة بن نافع.

٢٢٦

الناس فاستعمل أخاه عبد العزيز على مصر فولى إفريقية زهير بن قيس البلوى ففتح تونس ، ثم انصرف إلى برقة فبلغه أن جماعة من الروم خرجوا من مراكب لهم فعاثوا فتوجهوا إليهم فى جريدة خيل فلقيهم فاستشهد ومن معه فقبره هناك وقبورهم تدعى قبور الشهداء. ثم ولى حسان بن النعمان الغساني فغزا ملكة البربر الكاهنة فهزمته فأتى قصورا فى حيز برقة فنزلها وهي قصور يضمها قصر سقوفه أزاج فسميت قصور حسان ، ثم أن حسان غزاها ثانية فقتلها وسبى سبيا من البربر ، وبعث به إلى عبد العزيز فكان أبو محجن نصيب الشاعر يقول : لقد حضرت عند عبد العزيز سبيا من البربر ما رأيت قط وجوها أحسن من وجوههم.

قال ابن الكلبي : ولى هشام كلثوم بن عياض بن وحوح القشيري إفريقية فانتقض أهلها عليه فقتل بها ، وقال ابن الكلبي : كان أفريقيس بن قيس بن صيفي الحميري غلب على إفريقية فى الجاهلية فسميت به وهو الذي قتل جرجير ملكها فقال للبرابرة : ما أكثر بربرة هؤلاء فسموا البرابرة.

وحدثني جماعة من أهل إفريقية عن أشياخهم أن عقبة بن نافع الفهري لما أراد تمصير القيروان فكر فى موضع المسجد منه فأرى فى منامه كأن رجلا أذن فى الموضع الذي جعل فيه مئذنته ، فلما أصبح بنى المنابر فى موقف الرجل ثم بنى المسجد.

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي ، قال : ولى محمد بن الأشعث الخزاعي إفريقية من قبل أبى العباس أمير المؤمنين فرم مدينة القيروان ومسجدها ثم عزله المنصور وولى عمر بن حفص هزار مردد مكانه.

* * *

٢٢٧

فتح طنجة

قال الواقدي : وجه عبد العزيز بن مروان موسى بن نصير مولى بنى أمية وأصله من عين التمر ، ويقال : بل هو من أراشة من بلى ويقال هو من لخم واليا على إفريقية ، ويقال : بل وليها فى زمن الوليد بن عبد الملك سنة تسع وثمانين ففتح طنجة ونزلها ، وهو أول من نزلها واختط فيها للمسلمين وانتهت خيله إلى السوس الأدنى وبينه وبين السوس الأقصى نيف وعشرون يوما فوطئهم وسبى منهم وأدوا إليه الطاعة وقبض عامله منهم الصدقة ثم ولاها طارق بن زياد مولاه وانصرف إلى قيروان إفريقية.

فتح الأندلس

قال الواقدي : غزا طارق بن زياد عامل موسى بن نصير الأندلس وهو أول من غزاها وذلك فى سنة اثنتين وتسعين فلقيه أليان وهو وال على مجاز الأندلس فآمنه طارق على أن حمله وأصحابه إلى الأندلس فى السفن ، فلما صار إليها حاربه أهلها ففتحها وذلك فى سنة اثنتين وتسعين ، وكان ملكها فيما يزعمون من الأشبان وأصلهم من أصبهان ، ثم أن موسى بن نصير كتب إلى طارق كتابا غليظا لتغريره بالمسلمين وافتتانه عليه بالرأى فى غزوه وأمر أن لا يجاوز قرطبة وسار موسى إلى قرطبة من الأندلس فترضاه طارق فرضي عنه فافتتح طارق مدينة طليطلة وهي مدينة مملكة الأندلس وهي مما يلي فرنجة وأصاب بها مائدة عظيمة أهداها موسى بن نصير إلى الوليد بن عبد الملك بدمشق حين قفل سنة ست وتسعين والوليد مريض ، فلما ولى سليمان بن عبد الملك أخذ موسى بن نصير بمائة ألف دينار فكلمه فيه يزيد بن المهلب فأمسك عنه ، ثم لما كانت خلافة عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه ولى المغرب إسماعيل بن عبد الله

٢٢٨

بن أبى المهاجر مولى بنى مخزوم ، فسار أحسن سيره ودعى البربر إلى الإسلام وكتب إليهم عمر بن عبد العزيز كتبا يدعوهم بعد إلى ذلك فقرأها إسماعيل عليهم فى النواحي فغلب الإسلام على المغرب.

قالوا : ولما ولى يزيد بن عبد الملك ولى يزيد بن أبى مسلم مولى الحجاج ابن يوسف إفريقية والمغرب ، فقدم إفريقية فى سنة اثنتين ومائة وكان حرسه البربر فوسم كل امرئ منهم على يده حرسى ، فأنكروا ذلك وملوا سيرته فدب بعضهم إلى بعض وتضافروا على قتله فخرج ذات عشية لصلاة المعرب فقتلوه فى مصلاه فولى يزيد بشر بن صفوان الكلبي فضرب عنق عبد الله بن موسى بن نصير بيزيد ، وذلك أنه اتهم بقتله وتأليب الناس عليه ، ثم ولى هشام بن عبد الملك بشر بن صفوان أيضا فتوفى بالقيروان سنة تسع ومائة فولى مكانه عبيدة بن عبد الرحمن القيسي ، ثم استعمل بعده عبد الله بن الحبحاب مولى بنى سلول فأغزى عبد الرحمن بن حبيب بن أبى عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري السوس وأرض السودان فظفر ظفرا لم ير أحد مثله قط ، وأصاب جاريتين من نساء ما هناك ليس للمرأة منهن إلا ثدي واحد وهم يسمون تراجان ثم ولى بعد ابن الحبحاب كلثوم بن عياض القشيري فقدم إفريقية فى سنة ثلاث وعشرين فقتل ، ثم ولى بعده حنظلة بن صفوان الكلبي أخا بشر بن صفوان فقاتل الخوارج وتوفى هناك وهو وال ، وقام الوليد بن يزيد بن عبد الملك فخالف عليه عبد الرحمن بن حبيب الفهري وكان محببا فى ذلك الثغر لما كان من آثار جده عقبه بن نافع فيه فغلب عليه وانصرف عنه حنظلة فبقى عبد الرحمن عليه ، وولى يزيد بن الوليد الخلافة فلم يبعث إلى المغرب عاملا وقام مروان بن محمد فكاتبه عبد الرحمن بن حبيب وأظهر له الطاعة وبعث إليه بالهدايا ، وكان كاتبه خالد بن ربيعة الإفريقي. وكان بينه وبين عبد الحميد بن يحيى مودة ومكاتبة فأقر مروان

٢٢٩

عبد الرحمن على الثغر ثم ولى بعده الياس بن حبيب ثم حبيب بن عبد الرحمن ثم غلب البربر والإباضية من الخوارج ، ثم دخل محمد بن الأشعث الخزاعي إفريقية واليا عليها فى آخر خلافة أبى العباس فى سبعين ألفا ويقال فى أربعين ألفا فوليها أربع سنين فرم مدينة القيروان ، ثم وثب عليه جند البلد وغيرهم ، وسمعت من تحدث أن أهل البلد والجند المقيمين فيه وثبوا به فمكث يقاتلهم أربعين يوما وهو فى قصره حتى اجتمع إليه أهل الطاعة ممن كان شخص معه من أهل خراسان وغيرهم وظفر بمن حاربه وعرضهم على الأسماء ، فمن كان اسمه معاوية أو سفيان أو مروان أو اسما موافقا لأسماء بنى أمية قتله ، ومن كان اسمه خلاف ذلك استبقاه فعزله المنصور. وولى عمر بن حفص بن عثمان بن قبيصة بن أبى صفرة العتكي ، وهو الذي سمى هزار مرد ، وكان المنصور به معجبا فدخل إفريقية وغزا منها حتى بلغ أقصى بلاد البربر وابتنى هناك مدينة سماها العباسية ، ثم أن أبا حاتم السدراتى الإباضي من أهل سدراتة وهو مولى لكندة قاتله فاستشهد وجماعة من أهل بيته وانتقض الثغر وهدمت تلك المدينة التي ابتناها ، وولى بعد هزار مرد يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب ، فخرج فى خمسين ألفا ، وشيعه أبو جعفر المنصور إلى بيت المقدس وأنفق عليه مالا عظيما فسار يزيد حتى لقى أبا حاتم باطرابلس فقتله ودخل إفريقية فاستقامت له ، ثم ولى بعد يزيد بن حاتم روح بن حاتم ثم الفضل بن روح فوثب الجند عليه فذبحوه.

وحدثني أحمد بن ناقد مولى بنى الأغلب ، قال : كان الأغلب بن سالم التميمي من أهل مرو الروز فيمن قدم مع المسودة من خراسان فولاه موسى الهادي المغرب فجمع له حريش ، وهو رجل كان من جند الثغر من تونس جمعا ، وسار إليه وهو بقيروان إفريقية فحصره ، ثم أن الأغلب خرج إليه

٢٣٠

فقاتله فأصابه فى المعركة سهم فسقط ميتا وأصحابه لا يعلمون بمصابه ولم يعلم به أصحاب حريش ، ثم أن حريشا انهزم وجيشه فاتبعهم أصحاب الأغلب ثلاثة أيام فقتلوهم وقتلوا حريشا بموضع يعرف بسوق الأجد فسمى الأغلب الشهيد ، قال : وكان ابراهيم بن الأغلب من وجوه جند مصر فوثب واثنا عشر رجلا معه فأخذوا من بيت المال مقدار أرزاقهم لم يزدادوا على ذلك شيا وهربوا فلحقوا بموضع يقال له الزاب ، وهو من القيروان على مسيرة أكثر من عشرة أيام ، وعامل الثغر يومئذ من قبل الرشيد هارون هرثمة ابن أعين واعتقد ابراهيم بن الأغلب على من كان من تلك الناحية من الجند وغيرهم الرياسة وأقبل يهدى إلى هرثمة ويلاطفه ويكتب إليه يعلمه أنه لم يخرج يدا من طاعة ولا اشتمل على معصية وأنه إنما دعاه إلى ما كان منه الإحواج والضرورة فولاه هرثمة ناحيته واستكفاه أمرها ، فلما صرف هرثمة من الثغر وليه بعده ابن العكي فساء أثره فيه حتى انتقض عليه فاستشار الرشيد هرثمة فى رجل يوليه إياه ويقلده أمره فأشار عليه باستصلاح ابراهيم واصطناعه وتوليته الثغر فكتب إليه الرشيد يعلمه أنه قد صفح له عن جرمه وأقاله هفوته ورأى توليته بلاد المغرب اصطناعا له ليستقبل به الإحسان ويستقبل به النصيحة ، فولى ابراهيم ذلك الثغر وقام به وضبطه ، ثم أن رجلا من جند البلد يقال له عمران بن مجالد خالف ونقض فانضم إليه جند الثغر وطلبوا أرزاقهم وحاصروا ابراهيم بالقيروان فلم يلبثوا إن أتاهم العراض والمعطون ومعهم مال من خراج مصر فلما أعطوا تفرقوا فابتنى ابراهيم القصر الأبيض الذي فى قبلة القيروان على ميلين منها وخط للناس حوله فابتنوا ومصر ما هناك وبنى مسجدا جامعا بالجص والآجر وعمد الرخام وسقفه بالأردن وجعله مائتي ذراع فى نحو مائتي ذراع وابتاع عبيدا أعتقهم فبلغوا خمسة آلاف وأسكنهم حوله وسمى تلك المدينة العباسية وهي اليوم آهلة عامرة.

٢٣١

وكان محمد بن الأغلب بن ابراهيم بن الأغلب أحدث فى سنة تسع وثلاثين ومائتان مدينة بقرب تاهرت سماها العباسية أيضا فأخربها أفلح بن عبد الوهاب الإباضي ، وكتب إلى الأموى صاحب الأندلس يعلمه ذلك تقربا إليه به فبعت إليه الأموى مائة ألف درهم.

وبالمغرب أرض تعرف بالأرض الكبيرة وبينها وبين برقة مسيرة خمسة عشر يوما أو أقل من ذلك قليلا أو أكثر قليلا وبها مدينة على شاطئ البحر تدعى بارة ، وكان أهلها نصارى وليسوا بروم غزاها حبلة مولى الأغلب فلم يقدر عليها ، ثم غزاها خلفون البربري ، ويقال : أنه مولى لربيعة ففتحها فى أول خلافة المتوكل على الله ، وقام بعده رجل يقال له المرج بن سلام ففتح أربعة وعشرين حصنا واستولى عليها وكتب إلى صاحب البريد بمصر يعلمه خبره وأنه لا يرى لنفسه ومن معه من المسلمين صلاة إلا بأن يعقد له الامام على ناحيته ويوليه إياها ليخرج من حد المتغلبين ، وبنى مسجدا جامعا ، ثم أن أصحابه شغبوا عليه فقتلوه ، وقام بعده سوران فوجه رسوله إلى أمير المؤمنين المتوكل على الله يسأله عقدا وكتاب ولاية ، فتوفى قبل أن ينصرف رسوله إليه وتوفى المنتصر بالله.

وكانت خلافته ستة أشهر ، وقام المستعين بالله أحمد بن محمد بن المعتصم بالله فأمر عامله على المغرب وهو أو تامش مولى أمير المؤمنين بأن يعقد له على ناحيته فلم يشخص رسوله من سر من رأى حتى قتل أو تامش وولى الناحية وصيف مولى أمير المؤمنين فعقد له وأنفذه.

٢٣٢

فتح جزائر في البحر

قالوا : غزا معاوية بن حديج الكندي أيام معاوية بن أبى سفيان سقلية وكان أول من غزاها ولم تزل تغزى بعد ذلك ، وقد فتح آل الأغلب بن سالم الإفريقي منها نيفا وعشرين مدينة وهي فى أيدى المسلمين ، وفتح احمد بن محمد بن الأغلب منها فى خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله قصريانه وحصن غليانة ، وقال الواقدي : سبى عبد الله بن قيس بن مخلد الدزقى سقلية فأصاب أصنام ذهب وفضة مكالمة بالجوهر فبعث بها إلى معاوية فوجه بها معاوية إلى البصرة لتحمل إلى الهند فتباع هناك ليثمن بها ، قالوا : وكان معاوية بن أبى سفيان يغزى برا وبحرا فبعث جنادة بن أبى أمية الأزدى إلى رودس وجنادة أحد من روى عنه الحديث ولقى أبا بكر وعمرو معاذ بن جبل ومات فى سنة ثمانين ففتحها عنوة ، وكانت غيضة فى البحر وأمره معاوية فأنزلها قوما من المسلمين وكان ذلك فى سنة اثنتين وخمسين ، قالوا : ورودس من أخصب الجزائر وهي نحو ستين ميلا فيها الزيتون والكروم والثمار والمياه العذبة.

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي وغيره ، قالوا : أقام المسلمون برودس سبع سنين فى حصن اتخذ لهم ، فلما مات معاوية كتب يزيد إلى جنادة يأمره بهدم الحصن والقفل ، وكان معاوية يعاقب بين الناس فيها وكان مجاهد بن جبر مقيما بها يقرئ الناس القرآن ، وفتح جنادة بن أبى أمية فى سنة أربع وخمسين أرواد وأسكنها معاوية المسلمين ، وكان ممن فتحها مجاهد وتبيع بن امرأة كعب الأحبار وبها أقرأ مجاهد تبيعا القرآن ، ويقال : أنه أقرأه القرآن برودس وأرواد جزيرة بالقرب من القسطنطينية ، وغزا جنادة اقريطش ، فلما كان زمن الوليد فتح بعضها ثم أغلق وغزاها حميد بن معيوق الهمداني فى خلافة

٢٣٣

الرشيد ففتح بعضها ، ثم غزاها فى خلافة المأمون أبو حفص عمر بن عيسى الأندلسى المعروف بالأقريطشى وافتتح منها حصنا واحدا ونزله ، ثم لم يزل يفتح شيئا بعد شيء حتى لم يبق فيها من الروم أحد وأخرب حصونهم.

صلح التوبة

حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني محمد بن عمر الواقدي عن الوليد بن كثير عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير ، قال : لما فتح المسلمون مصر بعث عمرو بن العاصي إلى القرى التي حولها الخيل ليطأهم فبعث عقبة بن نافع الفهري ، وكان نافع أخا العاصي لأمه فدخلت خيولهم أرض النوبة كما تدخل صوائف الروم فلقى المسلمون بالنوبة قتالا شديدا لقد لاقوهم فرشقوهم بالنبل حتى جرح عامتهم فانصرفوا بجراحات كثيرة وحدق مفقوءة فسموا رماة الحدق فلم يزالوا على ذلك حتى ولى مصر عبد الله بن سعد بن أبى سرح فسألوه الصلح والموادعة فأجابهم إلى ذلك على غير جزية لكن على هدية ثلاثمائة رأس فى كل سنة وعلى أن يهدى المسلمون إليهم طعاما بقدر ذلك.

حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني الواقدي ، قال : حدثنا ابراهيم بن جعفر عن عمرو بن الحارث عن أبى قبيل حيي بن هاني المعافري عن شيخ من حمير ، قال : شهدت النوبة مرتين فى ولاية عمر بن الخطاب فلم أر قوما أحد فى حرب منهم لقد رأيت أحدهم يقول : للمسلم : اين تحب أن أضع سهمي منك فربما عبث الفتى منا فقال فى مكان كذا فلا يخطئه كانوا يكثرون الرمى بالنبل فما يكاد يرى من نبلهم فى الأرض شيء فخرجوا إلينا ذات يوم فصافونا ونحن نريد أن نجعلها حملة واحدة بالسيوف فما قدرنا على معالجتهم رمونا حتى ذهبت الأعين فعدت مائة وخمسين عينا مفقودة ، فقلنا : مالها ولاء خير من

٢٣٤

الصلح إن سلبهم لقليل وإن نكايتهم لشديدة ، فلم يصالحهم عمرو ولم يزل يكالبهم حتى نزع وولى عبد الله بن سعد بن أبى سرح فصالحهم ، قال الواقدي : وبالنوبة ذهبت عين معاوية بن حديج الكندي وكان أعور.

حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ، قال. حدثنا عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : ليس بيننا وبين الأساود عهد ولا ميثاق إنما هي هدنة بينا وبينهم على إن نعطيهم شيئا من قمح وعدس ويعطونا رقيقا فلا بأس بشراء رقيقهم منهم أو من غيرهم.

حدثنا أبو عبيد عن عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد ، قال : إنما الصلح بيننا وبين النوبة على أن لا نقاتلهم ولا يقاتلونا وأن يعطونا رقيقا ونعطيهم بقدر ذلك طعاما فإن باعوا نساءهم وأبناءهم لم أر بذلك بأسا أن يشترى ، ومن رواية أبى البحتري وغيره أن عبد الله بن سعد بن أبى سرح صالح أهل النوبة على أن يهدوا فى السنة أربعمائة رأس يخرجوا بها يأخذون بها طعاما.

وكان المهدى أمير المؤمنين أمر بالزام النوبة فى كل سنة ثلاثمائة رأس وستين رأسا وزرافة على أن يعطوا قمحا وخل خمر وثيابا وفرشا أو قيمته ، وقد ادعوا حديثا أنه ليس يجب عليهم البقط لكل سنة وانهم كانوا طولبوا بذلك فى خلافة المهدى فرفعوا إليه أن هذا البقط مما يأخذون من رقيق أعدائهم فإذا لم يجدوا منه شيئا عادوا على أولادهم فأعطوا منهم فيه بهذه العدة فأمر بأن يحملوا فى ذلك على أن يؤخذ منهم لكل ثلاث سنين بقط سنة ولم يوجد لهذه الدعوى ثبت فى دواوين الحضرة ووجد فى الديوان بمصر ، وكان المتوكل على الله أمر بتوجيه رجل يقال له محمد بن عبد الله ويعرف بالقمى إلى المعدن بمصر واليا عليه وولاه القلزم ، وطريق الحجاز ، وبذرقة حاج مصر ، فلما وافى المعدن حمل الميرة من القلزم إلى بلاد البجة. ووافى ساحلا يعرف بعيذاب

٢٣٥

فوافته المراكب هناك فاستعان بتلك الميرة وتقوتها ومن معه حتى وصل إلى قلعة ملك البجة فناهضه وكان فى عدة يسيرة ، فخرج إليه البجوى فى الدهم على إبل محزمة فعمد القمي إلى الأجراس فقلدها الخيل ، فلما سمعت الإبل أصواتها تقطعت بالبجويين فى الأودية والجبال وقتل صاحب البجة ، ثم قام من بعده ابن أخته وكان أبوه أحد ملوك البجويين وطلب الهدنة فأبى المتوكل على الله ذلك إلا أن يطأ بساطه فقدم سر من رأى فصولح فى سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة على أداء الاتاوة والبقط ورد مع القمي فأهل البجة على الهدنة يؤدون ولا يمنعون المسلمين من العمل فى معدن الذهب وكان ذلك فى الشرط على صاحبهم (١)

__________________

(١) في صفحات التاريخ رواية تفيد بأن البجاة غاروا على أرض مصر بعد أن رفضوا تقديم الجزية المفروضة عليهم من الذهب الخالص ، وأبدوا عن عدم استعدادهم لنقل هذا الذهب إلى مصر. وعند ما هاجموا العمال الذين يستخدمهم والي مصر في تعدين الذهب ، هرب هؤلاء خوفا من القتل ، فكتب والي مصر يعرض الأمر على الخليفة العباسي ، الذي علم أن أهل تلك المنطقة ليسوا سوى أهل بادية وأصحاب إبل وماشية ، وإن الوصول إلى بلادهم صعب لصعوبة مسالكها ، ولكثرة مفاوزها ، ووعورة أرضها ، وبينها وبين بلاد الإسلام مسيرة شهر في أرض قفراء خالية من الماء ، وعلى الجيوش التي ترغب في دخولها التزود بالغذاء الذي يكفيها مدة شهر متى تخرج منها ، فإن جاوز تلك المدة هلكت وفتك بمجموعها البجاة باليد ، فأمسك المتوكل عنهم فطمعوا وزاد شرهم حتى ارتعدت فرائص أهل مصر منهم ، فبعث والي مصر جيشا لمحاربتهم ، فلما وصل الجيش إلى عنبسة زود بما يلزمه من الغذاء ، فواصل السير إلى أرض البجة وتبعه عمال المعادن وبعض المتطوعة ، بين فارس وراجل قيل أنهم بلغوا العشرين ألفا ، ووجه إلى القلزم فحمل له في البحر سبع مراكب عامرة بالمواد التموينية ، وأمر أصحابه أن يوافوه بها إلى ساحل البحر مما يلي بلاد البجة. ولما وصل الجيش إلى منطقة مناجم الذهب وحاول مهاجمة الحصون والقلاع خرج إليه ملك تلك البلاد علي بابا في جيش كبير يفوق عدد الجيش المصري بكثير ، وهم على إبل سريعة ، ـ

٢٣٦

أمر القراطيس

قالوا : كانت القراطيس تدخل بلاد الروم من أرض مصر ويأتى العرب من قبل الروم الدنانير. فكان عبد الملك بن مروان أول من أحدث الكتاب الذي يكتب فى رؤس الطوامير من (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وغيرها من ذكر الله فكتب إليه ملك الروم أنكم أحدثتم فى قراطيسكم كتابا نكرهه فإن تركتموه وإلا أتاكم فى الدنانير من ذكر نبيكم ما تكرهونه. قال : فكبر ذلك فى صدر عبد الملك فكره إن يدع سنة حسنة سنها ، فأرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية ، فقال له : يا أبا هاشم إحدى بنات طبق وأخبره الخبر ، فقال : افرخ روعك يا أمير المؤمنين حرم دنانيرهم فلا يتعامل بها وأضرب للناس سككا ، ولا

__________________

ـ فوقعت بينهم معارك طاحنة استمرت عدة أيام ، حتى وصلت المراكب التي فيها الأقوات في البحر فوزعها القمي قائد الجيش المصري على الجميع ، ولما شعر علي بابا بأن المصريين قد اشتد ساعدهم بالأقوات شنّ هجوما قويا عليهم ، ولكن القمي جمع صفوفه وخاض معركة طاحنة أفضت عن انكسار البجة وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون حتى أدركهم الليل فرجعوا إلى معسكرهم ، ولما شعر علي بابا بضراوة المعارك طلب الأمان ، فآمنه القمي على أن يدفع الجزية والخراج. فحمل علي بابا ما عليه من ضرائب للمدة التي منعها وهي أربع سنين. ثم غادر القمي البلاد ومعه علي بابا وقد استخلف ابنه فلما دخل على المتوكل خلع عليه وعلى أصحابه الديباج وولى المتوكل سعد الخادم البجة وطريق ما بين مصر ومكة.

٢٣٧

تعف هؤلاء الكفرة مما كرهوا فى الطوامير ، فقال عبد الملك : فرجتها عنى فرج الله عنك وضرب الدنانير. قال عوانة بن الحكم وكانت الأقباط تذكر المسيح فى رؤس الطوامير وتنسبه إلى الربوبية تعالى الله علوا كبيرا ، وتجعل الصليب مكان بسم الله الرحمن الرحيم فلذلك كره ملك الروم ما كره واشتد عليه تغير عبد الملك ما غيره ، وقال المدائني ، قال مسلمة بن محارب : أشار خالد بن يزيد على عبد الملك بتحريم دنانيرهم ومنع من التعامل بها وأن يدخل بلاد الروم شيء من القراطيس فمكث حينا لا يحمل إليهم.

فتوح سواد العراق

(خلافة أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه)

قالوا : وكان المثنى بن حارثة بن سلمة بن ضمضم الشيبانى يغير على السواد فى رجال من قومه فبلغ أبا بكر الصديق رضى الله عنه خبره فسأل عنه ، فقال له قيس بن عاصم بن سنان المنقري : هذا رجل غير خامل الذكر ، ولا مجهول النسب ، ولا ذليل العماد : هذا المثنى بن حارثة الشيبانى ، ثم أن المثنى قدم على أبى بكر ، فقال له يا خليفة رسول الله استعملني على من أسلم من قومي أقاتل هذه الأعاجم من أهل فارس ، فكتب له أبو بكر فى ذلك عهدا ، فسار حتى نزل خفان ودعا قومه إلى الإسلام فأسلموا ، ثم أن أبا بكر رضى الله عنه كتب إلى خالد بن الوليد المخزومي يأمره بالمسير إلى العراق ، ويقال : بل وجهه من المدينة ، وكتب أبو بكر إلى المثنى بن حارثة يأمره بالسمع والطاعة له وتلقيه ، وكان مذعور بن عدى العجلى قد كتب إلى أبى بكر يعلمه حاله وحال قومه ويسأله توليته قتال الفرس ، فكتب إليه يأمره بأن ينضم إلى خالد فيقيم معه إذا أقام ويشخص إذا شخص ، فلما نزل خالد النباج لقيه المثنى بن حارثة بها

٢٣٨

وأقبل خالد حتى أتى البصرة وبها سويد بن قطبة الذهلي ، وقال غير أبى مخنف كان بها قطبة بن قتادة الذهلي ، من بكر بن وائل ومعه جماعة من قومه وهو يريد أن يفعل بالبصرة مثل فعل المثنى بالكوفة ، ولم تكن الكوفة يومئذ إنما كانت الحيرة ، فقال سويد لخالد : إن أهل الابلة قد جمعوا لى ولا أحسبهم امتنوا منى إلا لمكانك ، قال له خالد فالرأى إن أخرج من البصرة نهارا ثم أعود ليلا فأدخل عسكرك بأصحابى فإن صبحوك حاربناهم ففعل خالد ذلك وتوجه نحو الحيرة ، فلما جن عليه الليل انكفأ راجعا حتى صار إلى عسكر سويد فدخله بأصحابه وأصبح الأبليون وقد بلغهم انصراف خالد عن البصرة فأقبلوا نحو سويد ، فلما رأوا كثرة من فى عسكره سقط فى أيديهم وانكسروا ، فقال خالد : احملوا عليهم فإنى أرى هيئة قوم قد ألقى الله فى قلوبهم الرعب ، فحملوا عليهم فهزموهم وقتل الله منهم بشرا ، وغرق طائفة فى دجلة البصرة ، ثم مر خالد بالخريبة ففتحها وسبى من فيها ، واستخلف بها فيما ذكر الكلبي شريح بن عامر بن قين من بنى سعد بن بكر بن هوازن ، وكانت مسلحة للعجم ، ويقال أيضا : أنه أتى النهر الذي يعرف بنهر المرأة فصالح أهله ، وأنه قاتل جمعا بالمذار ، ثم سار يريد الحيرة وخلف سويد بن قطبة على ناحيته ، وقال له : قد عركنا هذه الأعاجم بناحيتك عركة أذاتهم لك.

وقد روى أن خالدا لما كان بناحية اليمامة كتب إلى أبى بكر يستمده فأمده بجرير بن عبد الله البجلي فلقيه جرير منصرفا من اليمامة فكان معه وواقع صاحب المذار بأمره والله أعلم.

وقال الواقدي : والذي عليه أصحابنا من أهل الحجاز أن خالدا قدم المدينة من اليمامة ثم خرج منها إلى العراق على فيد والثعلبية ثم أتى الحيرة.

٢٣٩

قالوا : ومر خالد بن الوليد بزندورد من كسكر فافتتحها وافتتح درتا وذواتها بأمان بعد أن كانت من أهل زندورد مراماة للمسلمين ساعة ، وأتى هرمزجرد فآمن أهلها أيضا وفتحها ، وأتى أليس فخرج إليه جابان عظيم العجم فقدم إليه المثنى بن حارثة الشيبانى فلقيه بنهر الدم ، وصالح خالد أهل أليس على أن يكونوا عيونا للمسلمين على الفرس وأدلاء وأعوانا.

وأقبل خالد إلى مجتمع الأنهار فلقيه أراذبه صاحب مسالح كسرى فيما بينه وبين العرب فقاتله المسلمون وهزموه ، ثم نزل خالد خفان ، ويقال : بل سار قاصدا إلى الحيرة فخرج إليه عبد المسيح بن عمر بن قيس بن حيان ابن بقيلة ، واسم بقيلة الحارث وهو من الأزد ، وهانئ بن قبيصة بن مسعود الشيباني وإياس بن قبيصة الطائي ، ويقال فروة بن إياس ، وكان إياس عامل كسرى أبرويز على الحيرة بعد النعمان بن المنذر فصالحوه على مائة ألف درهم ، ويقال على ثمانين ألف درهم فى كل عام ، وعلى أن يكونوا عيونا للمسلمين على أهل فارس ، وأن لا يهدم لهم بيعة ولا قصرا ، وروى أبو مخنف عن أبى المثنى الوليد بن القطامي وهو الشرقي بن القطامي الكلبي : أن عبد المسيح استقبل خالدا وكان كبير السن ، فقال له خالد : من أين أقصى أثرك يا شيخ ، فقال : من ظهر أبى ، قال : فمن أين خرجت ، قال : من بطن أمى ، قال : ويحك فى أى شيء أنت ، قال : فى ثيابي ، قال : ويحك على أى شيء أنت ، قال : على الأرض ، قال : أتعقل قال : نعم وأقيد ، قال : ويحك إنما أكلمك بكلام الناس ، قال : وأنا إنما أجيبك جواب الناس ، قال أسلم أنت أم حرب؟ قال : بل سلم ، قال : فما هذه الحصون ، قال : بنيناها للسفيه حتى يجيء الحليم ، ثم تذاكرا الصلح فاصطلحا على مائة ألف يؤدونها فى كل سنة فكان الذي أخذ منهم أول مال حمل إلى المدينة من

٢٤٠