فتوح البلدان

أبوالحسن البلاذري

فتوح البلدان

المؤلف:

أبوالحسن البلاذري


المحقق: لجنة تحقيق التراث
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

العراق ، واشترط عليهم أن لا يبغوا المسلمين غائلة ، وأن يكونوا عيونا على أهل فارس وذلك فى سنة اثنتي عشرة.

وحدثني الحسين بن الأسود عن يحيى بن آدم ، قال : سمعت ان أهل الحيرة كانوا ستة آلاف رجل فألزم كل رجل منهم أربعة عشر در هما وزن خمسة فبلغ ذلك أربعة وثمانين ألفا وزن خمسة تكون ستين وزن سبعة ، وكتب لهم بذلك كتابا قد قرأته ، وروى عن يزيد بن نبيشة العامري أنه قال : قدمنا العراق مع خالد بن الوليد فانتهينا إلى مسلحة العذيب ، ثم أتينا الحيرة وقد تحصن أهلها فى القصر الأبيض وقصر ابن بقيلة قصر العدسيين فأجلنا الخيل فى عرصاتهم ثم صالحونا ، قال ابن الكلبي : العدسيون من كلب نسبوا إلى أمهم وهي كلبية أيضا.

وحدثني أبو مسعود الكوفي عن ابن مجالد عن أبيه عن الشعبي أن خريم ابن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن فتح الله عليك الحيرة فأعطنى ابنة بقيلة ، فلما أراد خالد صلح أهل الحيرة ، قال له خريم. إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل لى بنتي بقيلة فلا تدخلها فى صلحك وشهد له بشير بن سعد ، ومحمد بن مسلمة الأنصاريان فاستثناها فى الصلح ودفعها إلى خريم فاشتريت منه بألف درهم ، وكانت عجوزا قد حالت عن عهده فقيل له ويحك لقد أرخصتها كان أهلها يدفعون إليك أضعاف ما سألت بها فقال. ما كنت أظن عددا يكون أكثر من عشر مائة ، وقد جاء فى الحديث أن الذي سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنت بقيلة رجل من ربيعة ، والأول أثبت ، قالوا : وبعث خالد بن الوليد بشير بن سعد أبا النعمان بن بشير الأنصارى إلى بانقيا فلقيته خيل الأعاجم عليها فرخبنداذ فرشقوا من معه بالسهام وحمل عليهم فهزمهم وقتل فرخبنداذ ،

٢٤١

ثم انصرف وبه جراحة انتقضت به وهو بعين التمر فمات منها ، ويقال : إن خالدا لقى فرخبنداذ بنفسه وبشير معه ثم بعث خالد جرير بن عبد الله البجلي إلى أهل بانقيا فخرج إليه بصهرى بن صلوبا فاعتذر إليه من القتال وعرض الصلح فصالحه جرير على ألف درهم وطيلسان ، ويقال : أن ابن صلوبا أتى خالدا فاعتذر إليه وصالحه هذا الصلح ، فلما قتل مهران ومضى يوم النخيلة أتاهم جرير فقبض منهم ومن أهل الحيرة صلحهم وكتب لهم كتابا بقبض ذلك ، وقوم ينكرون أن يكون جرير بن عبد الله قدم العراق إلا فى خلافة عمر بن الخطاب ، وكان أبو مخنف والواقدي يقولان : قدمها مرتين. قالوا : وكتب خالد لبصبهرى بن صلوبا كتابا ووجه إلى أبى بكر بالطيلسان مع مال الحيرة وبالألف درهم فوهب الطيلسان للحسين بن على رضى الله عنهما.

وحدثني أبو نصر التمار ، قال : حدثنا شريك بن عبد الله النخعي عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن عبد الله بن مغفل المزني ، قال : ليس لأهل السواد عهد إلا الحيرة وأليس وبانقيا.

وحدثني الحسين بن الأسود ، قال : حدثنا يحيى بن آدم عن المفضل بن المهلهل عن منصور عن عبيد الله بن الحسن أو أبى الحسن عن ابن مغفل ، قال : لا يصلح بيع أرض دون الجبل إلا أرض بنى صلوبا وأرض الحيرة.

وحدثني الحسين بن الأسود ، قال : حدثنا يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن الأسود بن قيس عن أبيه ، قال انتهينا إلى الحيرة فصالحناهم على كذا وكذا ورحل ، قال. فقلت وما صنعتم بالرحل ، قال لم يكن لصاحب منا رحل فأعطيناه إياه.

وحدثنا أبو عبيد ، قال : حدثنا ابن أبى مريم عن السرى بن يحيى عن حميد بن هلال أن خالدا لما نزل الحيرة صالح أهلها ولم يقاتلوا ، وقال ضرار

٢٤٢

ابن الأزور الأسدى :

أرقت ببانقيا ومن يلق مثل ما

لقيت ببانقيا من الجرح يأرق

وقال الواقدي. المجتمع عليه عند أصحابنا أن ضرارا قتل باليمامة ، قالوا. وأبى خالد الفلاليج منصرفة من بانقيا وبها جمع للعجم فتفرقوا ولم يلق كيدا فرجع إلى الحيرة فبلغه أن جابان فى جمع عظيم بتستر فوجه إليه المثنى بن حارثة الشيبانى وحنظلة بن الربيع بن رباح الأسيدى من بنى تميم ، وهو الذي يقال له حنظلة الكاتب ، فلما انتهيا إليه هرب وسار خالد إلى الأنبار فتحصن أهلها ، ثم أتاه من دله على سوق بغداد وهو السوق العتيق الذي كان عند قرن الصراة فبعث خالد المثنى بن حارثة فأغار عليه فملأ المسلمون أيديهم من الصفراء والبيضاء وما خف محمله من المتاع ثم باتوا بالسيلحين وأتوا الأنبار وخالد بها فحصروا أهلها وحرقوا فى نواحيها ، وإنما سميت الأنبار لأن إهراء العجم كانت بها ، وكان أصحاب النعمان وصنائعه يعطون أرزاقهم منها ، فلما رأى أهل الأنبار ما نزل بهم صالحوا خالد على شيء رضى به فأقرهم ، ويقال أن خالدا قدم المثنى إلى بغداد ثم سار بعده فتولى الغارة عليها ثم رجع إلى الأنبار ، وليس ذلك بثبت.

وحدثني الحسين بن الأسود ، قال : حدثني يحيى بن آدم قال : حدثنا الحسن بن صالح عن جابر عن الشعبي أنه قال : لأهل الأنبار عهد وعقد.

وحدثني مشايخ من أهل الأنبار أنهم صالحوا فى خلافة عمر رحمه‌الله على طسوجهم على أربعمائة ألف درهم وألف عباءة قطوانية فى كل سنة وتولى الصلح جرير بن عبد الله البجلي ، ويقال : صالحهم على ثمانين ألفا والله أعلم.

قالوا : وفتح جرير بوازيج الأنبار وبها قوم من مواليه ، قالوا : وأتى خالد بن الوليد رجل دله على سوق يجتمع فيها كلب وبكر بن وائل وطوائف

٢٤٣

من قضاعة فوق الأنبار ، فوجه إليها المثنى بن حارثة فأغار عليها فأصاب ما فيها وقتل وسبى ، ثم أتى خالد عين التمر فألصق بحصنها وكانت فيه مسلحة للأعاجم عظيمة فخرج أهل الحصن فقاتلوا ، ثم لزموا حصنهم فحاصرهم خالد والمسلمون حتى سألوا الأمان فأبى أن يؤمنهم وافتتح الحصن عنوة وقتل وسبى ، ووجد فى كنيسة هناك جماعة سباهم فكان من ذلك السبي حمران بن أبان ابن خالد التمري ، وقوم يقولون : كان اسم أبيه أبان وحمران مولى عثمان ، وكان للمسيب بن نجبة الفزاري فاشتراه منه فأعتقه ، ثم وجهه إلى الكوفة للمسألة عن عامله فكذبه فأخرجه من جواره فنزل البصرة ، وسيرين أبو محمد بن سيرين وأخوته ، وهم يحيى بن سيرين ، وأنس بن سيرين ، ومعبد بن سيرين وهو أكبر أخوته ، وهم موالي أنس بن مالك الأنصارى ، وكان من ذلك السبي أيضا أبو عمرة جد عبد الأعلى الشاعر ، ويسار جد محمد بن إسحاق صاحب السيرة ، وهو مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف ، وكان منهم مرة أبو عبيد جد محمد بن زيد بن عبيد ابن مرة ، ونفيس بن محمد بن زيد بن عبيد بن مرة صاحب القصر عند الحرة ابن محمد هذا وبنوه ويقولون عبيد بن مرة بن المعلى الأنصارى ثم الزرقي ، ونصير أبو موسى بن نصير صاحب المغرب ، وهو مولى لبنى أمية وله بالثغور موال من أولاد من أعتق يقولون ذلك.

وقال ابن الكلبي : كان أبو فروة عبد الرحمن بن الأسود ، ونصير أبو موسى ابن نصير عربيين من أراشة من يلي : سبيا أيام أبى بكر رحمه‌الله من جبل الجليل بالشام ، وكان اسم نصير نصرا فصغر وأعتقه بعض بنى أمية فرجع إلى الشام وولد له موسى بقرية يقال لها كفر مرى وكان أعرج ، وقال الكلبي : وقد قيل أنهما أخوان من سبى عين التمر وأن ولاءهما لبنى ضبة.

٢٤٤

وقال على بن محمد المدائني يقال : أن أبا فروة ونصيرا كانا من سبى عين التمر فابتاع ناعم الأسدى أبا فروة ثم ابتاعه منه عثمان وجعله يحفر القبور فلما وثب الناس به كان معهم عليه ، فقال له : رد المدالم فقال له : أنت أولها ابتعتك من مال الصدقة لتحفر القبور فتركت ذلك ، وكان ابنه عبد الله ابن أبى فروة من سراة الموالي ، والربيع صاحب المنصور الربيع بن يونس ابن محمد بن أبى فروة ، وإنما لقب أبا فروة لفروة كانت عليه حين سبى.

وقد قيل : أن خالدا صالح أهل حصن عين التمر وأن هذا السبي وجد فى كنيسة ببعض الطسوج ، وقيل : أن سيرين من أهل جرجرايا ، وأنه كان زائرا لقرابة له فأخذ فى الكنيسة معهم.

حدثني الحسين بن الأسود ، قال : حدثني يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن أشعب عن الشعبي قال : صالح خالد بن الوليد أهل الحيرة وأهل عين التمر ، وكتب بذلك إلى أبى بكر فأجازه ، قال يحيى : فقلت للحسن ابن صالح. أفأهل عين التمر مثل أهل الحيرة إنما هو شيء عليهم وليس على أراضيهم شيء فقال نعم.

قالوا : وكان هلال بن عقه بن قيس بن البشر النمري على النمر بن قاسط بعين التمر فجمع لخالد وقاتله فظفر به فقتله وصلبه ، وقال ابن الكلبي كان على التمر يومئذ عقه بن قيس بن البشر بنفسه.

قالوا. وانتقض ببشير بن سعد الأنصارى جرحه فمات فدفن بعين التمر ودفن إلى جنبة عمير بن رئاب بن مهشم بن سعيد بن سهم بن عمرو. وكان أصابه سهم بعين التمر فاستشهد.

ووجه خالد بن الوليد وهو بعين التمر النسير بن ديسم بن ثور إلى ماء لبنى تغلب فطرقهم ليلا فقتل وأسر ، فسأله رجل من الأسرى أن يطلقه على

٢٤٥

أن يدله على حي من ربيعة ففعل فأتى النسير ذلك الحي فبيتهم فغنم وسبى ومضى إلى ناحية تكريت فى البر فغنم المسلمون.

وحدثني أبو مسعود الكوفي عن محمد بن مروان أن النسير أتى عكبراء فأمن أهلها وأخرجوا لمن معه طعاما وعلفا ثم مر بالبردان فأقبل أهلها يعدون من بين أيدى المسلمين ، فقال لهم : لا بأس فكان ذلك أمانا ، قال : ثم أتى المخرم ، قال أبو مسعود : ولم يكن يدعى يومئذ مخرما إنما نزله بعض ولد مخرم بن حزن زياد بن أنس بن الديان الحارثي فسمى به فيما ذكر هشام بن محمد الكلبي ، ثم عبر المسلمون جسرا كان معقودا عند قصر سابور الذي يعرف اليوم بقصر عيسى بن على فخرج إليه خرزاد بن ماهبنداذ وكان موكلا به ، فقابلوه وهزموه ثم لجوا فأتوا عين التمر ، وقال الواقدي. وجه المثنى بن حارثة النسير وحذيفة بن محصن بعد يوم الجسر وبعد انحيازه بالمسلمين إلى خفان وذلك فى خلافة عمر بن الخطاب فى خيل ، فأوقعا بقوم من بنى تغلب وعبر إلى تكريت فأصاب نعما وشاء ، وقال عتاب بن إبراهيم فيما ذكر لى عنه أبو مسعود أن النسير وحذيفة آمنا أهل تكريت وكتبا لهم كتابا أنفذه له عتبة بن فرقد السلمى حين فتح الطيرهان ، والموصل ، وذكر أيضا أن النسير توجه من قبل خالد بن الوليد فأغار على قرى بمسكن وقطربل فغنم منها غنيمة حسنة ، قالوا : ثم سار خالد من عين التمر إلى الشام ، وقال للمثنى بن حارثة ارجع رحمك الله إلى سلطانك فغير مقصر ولا وأن وقال الشاعر :

صبحنا بالكتائب حي بكر

وحيا من قضاعة غير ميل

أبحنا دارهم والخيل تردى

بكل سميدع سامى التليل

يعنى من كان فى السوق الذي فوق الأنبار ، وقال آخر :

وللمثنى بالعال معركة

شاهدها من قبيلة بشر

٢٤٦

يعنى بالعال الأنبار وقطربل ومسكن وبادوريا ، فأراد سوق بغداد :

كتيبة أفزعت بوقعتها

كسرى وكاد الأيوان ينفطر

وشجع المسلمون إذ حذروا

وفى صروف التجارب العبر

سهل نهج السبيل فاقتفروا

آثاره والأمور تقتفر

وقال بعضهم حين لقوا خرزاد :

وآل منا الفارسي الحذره

حين لقيناه دوينا المنظره

بكل قباء لحوق مضمرة

بمثلها يهزم جمع الكفره

يعنى بالمنظرة تل عقرقوف ، وكان شخوص خالد إلى الشام فى شهر ربيع الآخر ، ويقال : فى شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة ، وقال قوم أن خالدا أتى دومة من عين التمر ففتحها ثم أقبل إلى الحيرة فمنها مضى إلى الشام وأصح ذلك مضيه من عين التمر.

خلافة عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه

قالوا : لما استخلف عمر بن الخطاب رضى الله عنه وجه أبا عبيد بن عمرو ابن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف ، وهو أبو المختار بن أبى عبيد ، إلى العراق فى ألف ، وكتب إلى المثنى بن حارثة يأمره بتلقيه والسمع والطاعة له ، وبعث مع أبى عبيد سليط بن عمرو الأنصارى وقال له : لو لا عجلة فيك لوليتك ولكن الحرب زبون لا يصلح لها إلا الرجل المكيث ، فأقبل أبو عبيد لا يمر بقوم من العرب إلا رغبهم فى الجهاد والغنيمة فصحبه خلق ، فلما صار بالعذيب بلغه أن جابان الأعجمى يتستر فى جمع كثير فلقيه فهزم جمعه وأسر منهم ، ثم أتى درنى وبها جمع للعجم فهزمهم إلى كسكر وسار الى الجالينوس وهو ببار وسما فصالحه بن الأنذر زعز عن كل رأس على

٢٤٧

أربعة دراهم على أن ينصرف ، ووجه أبو عبيد المثنى إلى زندورد فوجدهم قد نقضوا فحاربهم فظفر وسبى ، ووجه عروة بن زيد بن الخيل الطائي إلى الزوابي فصالح دهقانها على مثل صلح باروسما.

يوم قس الناطف وهو يوم الجسر

قالوا : بعث الفرس إلى العرب حين بلغها اجتماعها ذا الحاجب مردانشاه وكان أنوشروان لقبه بهمن لتبركه به وسمى ذا الحاجب لأنه كان يصعب حاجبيه ليرفعهما عن عينه كبرا ، ويقال : أن اسمه رستم ، فأمر أبو عبيد بالجسر فعقد وأعانه على عقده عهده أهل بانقيا ، ويقال : أن ذلك الجسر كان قديما لأهل الحيرة يعبرون عليه إلى ضياعهم فأصلحه أبو عبيد ، وذلك أنه كان معتلا مقطوعا ثم عبر أبو عبيد والمسلمون من المروحة على الجسر فلقوا ذا الحاجب وهو فى أربعة آلاف مدجج ومعه فيل ، ويقال : عدة فيلة واقتتلوا قتالا شديدا وكثرت الجراحات وفشت فى المسلمين ، فقال سليط بن قيس : يا أبا عبيد قد كنت نهيتك عن قطع هذا الجسر إليهم ، وأشرت عليك بالانحياز إلى بعض النواحي والكتاب إلى أمير المؤمنين بالاستمداد فأبيت ، وقاتل سليط حتى قتل ، وسأل أبو عبيد : أين مقتل هذه الدابة فقيل خرطومه فحمل فضرب خرطوم الفيل ، وحمل عليه أبو محجن بن حبيب الثقفي فضرب رجله فعلقها ، وحمل المشركون فقتل أبو عبيد رحمه‌الله ، ويقال : أن الفيل برك عليه فمات تحته فأخذ اللواء أخوه الحكم فقتل فأخذ ابنه حبر فقتل ثم أن المثنى بن حارثة أخذه ساعة وانصرف بالناس وبعضهم على حامية بعض ، وقاتل عروة بن زيد الخيل يومئذ قتالا شديدا عدل بقتال جماعة ، وقاتل أبو زبيد الطائي الشاعر حمية للمسلمين بالغربية ، وكان أتى الحيرة فى بعض أموره وكان نصرانيا ، وأتى

٢٤٨

المثنى أليس ، فنزلها وكتب إلى عمر بن الخطاب بالخبر مع عروة بن زيد وكان ممن قتل يوم الجسر فيما ذكر أبو مخنف أبو زيد الأنصارى أحد من جمع القرآن على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالوا : وكانت وقعة الجسر يوم السبت فى آخر شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وقال أبو محجن بن حبيب :

أنى تسدت نحونا أم يوسف

ومن دون مسراها فياف مجاهل

إلى فتية بالطف نيل سراتهم

وغودر أفراس لهم ورواحل

مرت على الأنصار وسط رحالهم

فقلت لهم هل منكم اليوم قافل

حدثني أبو عبيد القاسم بن سلام ، قال : حدثنا محمد بن كثير عن زائد عن إسماعيل بن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم ، قال : عبر أبو عبيد بانقيافى ناس من أصحابه فقطع المشركون الجسر فأصيب ناس من أصحابه ، قال إسماعيل ، وقال أبو عمرو الشيبانى : كان يوم مهران فى أول السنة والقادسية فى آخرها.

يوم مهران وهو يوم النخيلة

قال : أبو مخنف وغيره ، مكث عمر بن الخطاب رضى الله عنه سنة لا يذكر العراق لمصاب أبى عبيد وسليط ، وكان المثنى بن حارثة مقيما بناحية أليس يدعو العرب إلى الجهاد ، ثم أن عمر رضى الله عنه ندب الناس إلى العراق فجعلوا يتحامونه ويتثاقلون عنه حتى هم أن يغزو بنفسه ، وقدم عليه خلق من الأزد يريدون غزو الشام فدعاهم إلى العراق ورغبهم فى غنائم آل كسرى فردوا الاختيار إليه فأمرهم بالشخوص ، وقدم جرير بن عبد الله من السراة فى بجيلة فسأل أن يأتى العراق على أن يعطى وقومه ربع ما غلبوا عليه فأجابه عمر إلى ذلك فسار نحو العراق. وقوم يزعمون أنه مر على طريق البصرة وواقع

٢٤٩

مرزبان المذار فهزمه ، وآخرون يزعمون أنه واقع المرزبان وهو مع خالد بن الوليد ، وقوم يقولون أنه سلك الطريق على فيد والثعلبة إلى العذيب.

حدثني عفان بن مسلم قال حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا داود بن أبى هند ، قال أخبرنى الشعبي أن عمر وجه جرير بن عبد الله إلى الكوفة بعد قتل أبى عبيد أول من وجه قال هل لك فى العراق وانفلك الثلث بعد الخمس؟ قال نعم ، قالوا واجتمع المسلمون بدير هند فى سنة أربع عشرة وقد هلك شيرويه وملكت بوران بنت كسرى إلى أن يبلغ يزدجرد بن شهريار فبعث إليهم مهران بن مهر بنداذ الهمذاني فى اثنى عشر ألفا فأمهل المسلمون له حتى عبر الجسر وصار مما يلي دير الأعور ، وروى سيف أن مهران صار عند عبور الجسر إلى موضع يقال له البويب وهذا الموضع الذي قتل به ، ويقال أن جنبتي البويب أفعمت عظاما حتى استوى وعفا عليها التراب زمان الفتنة وأنه بإيثار هناك وذلك ما بين السكون وبنى سليم فكان مغيضا للفرات زمن الأكاسرة يصب فى الجوف ، وعسكر المسلمين بالنخيلة.

وكان على الناس فيما تزعم بجيلة جرير بن عبد الله ، وفيما تقول ربيعة المثنى بن حارثة ، وقد قيل : أنهم كانوا متسايدين على كل قوم رئيسهم فالتقى المسلمون وعدوهم فأبلى شرحبيل بن السمط الكندي يومئذ بلاء حسنا ، وقتل مسعود بن حارثة أخو المثنى بن حارثة ، فقال المثنى : يا معشر المسلمين لا يرعكم مصرع أخى فإن مصارع خياركم هكذا ، فحملوا حملة رجل واحد محققين صابرين حتى قتل الله مهران وهزم الكفرة فاتبعهم المسلمون يقتلونهم فقتل من نجا منهم ، وضارب قرط بن جماح العبدى يومئذ حتى انثنى سيفه وجاء الليل فتناموا إلى عسكرهم وذلك فى سنة أربع عشرة فتولى قتل مهران جرير بن عبد الله ، والمنذر بن حسان بن ضرار الضبي ، فقال : هذا أنا قتلته ، وقال هذا أنا قتلته وتنازعا نزاعا شديدا

٢٥٠

فأخذ المنذر منطقته وأخذ جرير سائر سلبه ، ويقال : أن الحصن بن معبد ابن زرارة بن عدس التميمي كان ممن قتله.

ثم لم يزل المسلمون يشنون الغارات ويتابعونها فيما بين الحيرة وكسكر وفيما بين كسكر وسورا وبربيسما وصراة جاماسب وما بين الفلوجتين والنهرين وعين التمر ، وأتوا حصن مليقيا وكان منظرة ففتحوه وأجلوا العجم عن مناظر كانت بالطف وكانوا منخوبين قد وهن سلطانهم وضعف أمرهم وعبر بعض المسلمين نهر سورا فأتوا كوثى ، ونهر الملك ، وبادوريا ، وبلغ بعضهم كلواذى ، وكانوا يعيشون بما ينالون من الغارات ، ويقال : أن ما بين مهران والقادسية ثمانية عشر شهرا.

يوم القادسية

قالوا : كتب المسلمون إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه يعلمونه كثرة من تجمع لهم من أهل فارس ويسألونه المدد ، فأراد أن يغزو بنفسه وعسكر لذلك ، فأشار عليه العباس بن عبد المطلب ، وجماعة من مشايخ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمقام وتوجيه الجيوش والبعوث ففعل ذلك ، وأشار عليه على بن أبى طالب بالمسير ، فقال له : انى قد عزمت على المقام وعرض على على رضى الله عنه الشخوص فأباه فأراد عمر توجيه سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل العدوى ، ثم بدا له فوجه سعد بن أبى وقاص ، واسم أبى وقاص مالك ابن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ، وقال : أنه رجل شجاع رام ويقال : ان سعيد بن زيد بن عمرو كان يومئذ بالشام غازيا ، قالوا : وسار إلى العراق فأقام بالثعلبية ثلاثة أشهر حتى تلاحق به الناس ، ثم قدم العزيب فى سنة خمس عشرة ، وكان المثنى بن حارثة مريضا فأشار عليه بأن يحارب العدو

٢٥١

بين القادسية والعذيب ثم اشتد وجعه فحمل إلى قومه فمات فيهم ، وتزوج سعد امرأته.

قال الواقدي : توفى المثنى قبل نزول رستم القادسية ، قالوا : وأقبل رستم وهو من أهل الري ، ويقال بل هو من أهل همذان فنزل برس ، ثم سار فأقام بين الحيرة والسيلحين أربعة أشهر لا يقدم على المسلمين ولا يقاتلهم والمسلمون معسكرون بين العذيب والقادسية ، وقدم رستم ذا الحاجب فكان معسكرا بطيزناباذ ، وكان المشركون زهاء مائة ألف وعشرين ألفا ومعهم ثلاثون فيلا وروايتهم العظمى التي تدعى درفش كابيان ، وكان جمع المسلمون ما بين تسعة آلاف إلى عشرة آلاف فإذا احتاجوا إلى العلف والطعام أخرجوا خيولا فى البر فأغارت على أسفل الفرات ، وكان عمر يبعث إليهم من المدينة الغنم والجزر ، قالوا : وكانت البصرة قد مصرت فيما بين يوم النخيلة ويوم القادسية مصرها عتبة بن غزوان ، ثم استأذن للحج وخلف المغيرة بن شعبة فكتب عمر بعهده فلم يلبث أن قرف بما قرف به فولى أبا موسى البصرة وأشخص المغيرة إلى المدينة ، ثم أن عمر رده ومن شهد عليه إلى البصرة ، فلما حضر يوم القادسية كتب عمر إلى أبى موسى يأمره بإمداد سعد فأمده بالغيرة فى ثمانمائة ويقال فى أربعمائة فشهدها ثم شخص إلى المدينة فكتب عمر إلى أبى عبيدة بن الجراح فأمد سعدا بقيس ابن هبيرة بن المكشوح المرادي ، فيقال : أنه شهد القادسية ، ويقال : بل قدم على المسلمين وقد فرغ من حربها وكان قيس فى سبعمائة.

وكان يوم القادسية فى آخر سنة ست عشرة ، وقد قبل أن الذي أمدى سعدا بالمغيرة عتبة بن غزوان وأن المغيرة إنما ولى البصرة بعد قدومه من القادسية وأن عمر لم يخرجه من المدينة حين أشخصه إليها لما قرف به إلا واليا على الكوفة.

٢٥٢

وحدثني العباس بن الوليد النرسى ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد عن مجلد عن الشعبي ، قال : كتب عمر إلى أبى عبيدة ابعث قيس بن مكشوح إلى القادسية فيمن انتدب معه فانتدب معه خلق فقدم متعجلا فى سبعمائة ، وقد فتح على سعد فسألوه الغنيمة فكتب إلى عمر فى ذلك فكتب إليه عمر إن كان قيس قدم قبل دفن القتلى فاقسم له نصيبه ، قالوا : وأرسل رستم إلى سعد يسأله توجيه بعض أصحابه إليه فوجه المغيرة بن شعبة فقصد قصد سريره ليجلس معه وعليه فمنعته الأساورة من ذلك ، وكلمه رستم بكلام كثير ، ثم قال له : قد علمت أنه لم يحملكم على ما أنتم فيه إلا ضيق المعاش وشدة الجهد ونحن نعطيكم ما تتشبعون به ونصرفكم ببعض ما تحبون ، فقال المغيرة. إن الله بعث إلينا نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسعدنا بإجابته واتباعه ، وأمرنا بجهاد من خالف ديننا (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) ، ونحن ندعوك إلى عبادة الله وحده ، والإيمان بنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإن فعلت وإلا فالسيف بيننا وبينكم ، فنحر رستم غضبا ، ثم قال. والشمس والقمر لا يرتفع الضحى غدا حتى نقتلكم أجمعين ، فقال المغيرة : لا حول ولا قوة إلا بالله وانصرف عنه ، وكان على فرس له مهزول وعليه سيف معلوب ملفوف عليه الخرق.

وكتب عمر إلى سعد يأمره بأن يبعث إلى عظيم الفرس قوما يدعونه إلى الإسلام ، فوجه عمرو بن معدى كرب الزبيدي ، والأشعث بن قيس الكندي فى جماعة فمروا برستم فأتى بهم ، فقال. أين تريدون ، قالوا صاحبكم فجرى بينهم كلام كثير حتى قالوا إن نبينا قد وعدنا أن نغلب على أرضكم فدعا بزبيل من تراب ، فقال : هذا لكم من أرضنا ، فقام عمرو ابن معدى كرب مبادرا فبسط رداءه وأخذ من ذلك التراب فيه وانصرف ،

٢٥٣

فقيل له ما دعاك إلى ما صنعت قال تفاءلت بأن أرضهم تصير إلينا ونغلب عليها ، ثم أتوا الملك ودعوه إلى الإسلام فغضب وأمرهم بالانصراف ، وقال : لو لا أنكم رسل لقتلتكم ، وكتب إلى رستم يعنفه على إنفاذهم إليه.

ثم أن علافة المسلمين وعليها زهرة بن حوية بن عبد الله بن قتادة التميمي ثم السعدي ، ويقال : كان عليها قتادة بن حوية لقيت خيلا للأعاجم فكان ذلك سبب الوقعة أغاثت الأعاجم خيلها وأغاث المسلمون علافتهم فالتحمت الحرب بينهم وذلك بعد الظهر ، وحمل عمرو بن معدى كرب الزبيدي فاعتنق عظيما من الفرس فوضعه بين يديه فى السرج ، وقال : أنا أبو ثور افعلوا كذا ثم حطم فيلا من الفيلة ، وقال الزموا سيوفكم خراطيمها فإن مقتل الفيل خرطومه ، وكان سعد قد استخلف على العسكر والناس خالد بن عرفطة العذرى حليف بنى زهرة لعلة وجدها ، وكان مقيما فى قصر العذيب فجعلت امرأته وهي سلمى بنت حفصة من بنى تيم الله بن ثعلبة امرة المثنى بن حارثة تقول : وا مثنياه ولا مثنى للخيل فلطمها ، فقالت يا سعد : أغيرة وجبنا ، وكان أبو محجن الثقفي بباضع غربه إليها عمر بن الخطاب رضى الله عنه لشربه الخمر فتخلص حتى لحق بسعد ولم يكن فيمن شخص معه فيما ذكر الواقدي وشرب الخمر فى عسكر سعد فضربه وحبسه فى قصر العذيب فسأل زبراء أم ولد سعد أن تطلقه ليقاتل ثم يعود إلى حديده فأحلفته بالله ليفعلن إن أطلقته ، فركب فرس سعد وحمل على الأعاجم فخرق صفهم وحطم الفيل الأبيض بسيفه وسعد يراه ، فقال : أما الفرس ففرسى : وأما الحملة فحملة أبى محجن ، ثم أنه رجع إلى حديده ، ويقال : ان سلمى بنت حفصة أعطته الفرس. والأول أصح وأثبت.

فلما انقضى أمر رستم ، قال له سعد : والله لأضربتك فى الخمر بعد ما رأيت

٢٥٤

منك أبدا ، قال : وأنا والله فلا شربتها أبد ، وأبلى طليحة بن خويلد الأسدى يومئذ وضرب الجالينوس ضربة قدت مغفره ولم تعمل فى رأسه ، وقال قيس بن مكشوح : يا قوم إن منايا الكرام القتل فلا يكونن هؤلاء القلف أولى بالصبر وأسخى نفسا بالموت منكم ، ثم قاتل قتالا شديدا وقتل الله رستم فوجد بدنه مملوءا ضربا وطعنا فلم يعلم من قاتله ، وقد كان مشى إليه عمرو بن معدى كرب ، وطليحة بن خويلد الأسدى ، وقرط بن جماح العبدى وضرار بن الأزور الأسدى ، وكان الواقدي يقول : قتل ضرار يوم اليمامة وقد قيل أن زهير بن عبد شمس البجلي قتله وقيل أيضا أن قاتله عوام بن عبد شمس وقيل أن قاتله هلال بن علفة التيمي ، فكان قتال القادسية يوم الخميس والجمعة وليلة السبت وهي ليلة الهرير ، وإنما سميت ليلة صفين بها ويقال : أن قيس بن مكشوح لم يحضر القتال بالقادسية ولكنه قدمها وقد فرغ المسلمون من القتال.

وحدثني أحمد بن سلمان الباهلي عن السهمي عن أشياخه أن سلمان بن ربيعة غزا الشام مع أبى أمامة الصدى بن عجلان الباهلي فشهد مشاهد المسلمين هناك ثم خرج إلى العراق فيمن خرج من المدد إلى القادسية متعجلا فشهد الوقعة وأقام بالكوفة وقتل ببلنجر.

وقال الواقدي فى إسناده. خد قوم من الأعاجم لرأيتهم وقالوا لا نبرح موضعنا حتى نموت فحمل عليهم سلمان بن ربيعة الباهلي فقتلهم وأخذ الراية ، قالوا : وبعث سعد خالد بن عرفطة على خيل الطلب فجعلوا يقتلون من لحقوا حتى انتهوا إلى برس ونزل خالد على رجل له بسطام فأكرمه وبره وسمى نهر هناك نهر بسطام واجتاز خالد بالصراة فلحق جالينوس فحمل عليه كثير بن شهاب الحارثي فطعنه ويقال قتله ، وقال ابن الكلبي. قتله

٢٥٥

زهرة بن حوية السعدي وذلك أثبت ، وهرب الفرس إلى المدائن ولحقوا بيزدجرد وكتب سعد إلى عمر بالفتح وبمصاب من أصيب.

وحدثني أبو رجاء الفارسي عن أبيه عن جده ، قال : حضرت وقعة القادسية وأنا مجوسي ، فلما رمتنا العرب بالنبل جعلنا نقول دوك دوك نعنى مغازل فما زالت بنا تلك المغازل حتى أزالت أمرنا ، لقد كان الرجل منا يرمى عن القوس الناوكية فما يزيد سهما على أن يتعلق بثوب أحدهم ، ولقد كانت النبلة من نبالهم تهتك الدرع الحصينة والجوسن المضاعف مما علينا.

وقال هشام بن الكلبي : كان أول من قتل أعجميا يوم القادسية ربيعة بن عثمان بن ربيعة أحد بنى نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور وقال طليحة فى يوم القادسية :

أنا ضربت الجالينوس ضربة

حين جياد الخيل وسط الكبة

وقال أبو محجن الثقفي حين رأى الحرب :

كفى حزنا أن تدعس الخيل بالفنا

وأترك قد شدوا على وثاقيا

إذا قمت عناني الحديد وغلقت

مصاريع من دوني تصم المناديا

وقال زهير بن عبد شمس بن عوف البجلي :

أنا زهير وابن عبد شمس

أرديت بالسيف عظيم الفرس

رستم ذا النخوة والدمقس

أطعت ربى وشفيت نفسي

وقال الأشعث بن عبد الحجر بن سراقة الكلابي وشهد الحيرة والقادسية :

وما عقرت بالسيلحين مطيتي

وبالقصر إلا خيفة أن أعيرا

فبئس امرؤ يبأى على برهطه

وقد ساد أشياخى معدا وحميرا

٢٥٦

وقال بعض المسلمين يومئذ :

وقاتلت حتى أنزل الله نصره

وسعد بباب القادسية معصم

فرحنا وقد آمت نساء كثيرة

ونسوة سعد ليس منهن أيم

وقال قيس بن المكشوح ويقال أنها لغيره :

جلبت الخيل من صنعا تردى

بكل مدجج كالليث سام

إلى وادي القرى فديار كلب

إلى اليرموك فالبلد الشآمى

وجئنا القادسية بعد شهر

مسومة دوابرها دوامي

فناهضنا هنالك جمع كسرى

وأبناء المرازنة الكرام

فلما أن رأيت الخيل جالت

قصدت لموقف الملك الهمام

فاضرب رأسه فهوى صريعا

بسيف لا أقل ولا كهام

وقد أبلى الإله هناك خيرا

وفعل الخير عند الله نام

وقال عصام بن المقشعرى :

فلو شهدتنى بالقوادس أبصرت

جلاد امرئ ماض إذا القوم أحجموا

أضارب بالمخشوب حتى أفله

واطعن بالرمح المتل وأقدم

وقال طليحة بن خويلد :

طرقت سليمى أرحل الركب

إنى اهتديت بسبسب سهب

إنى كلفت سلام بعدكم

بالغارة الشعواء والحرب

لو كنت يوم القادسية إذ

نازلتهم بمهند عضب

أبصرت شداتى ومنصرفي

وإقامتى للطعن والضرب

وقال بشر بن ربيعة بن عمرو الخثعمي :

ألم خيال من أميمة موهنا

وقد جعلت أولى النجوم تغور

ونحن بصحراء العذيب ودارها

حجازية أن المحلى شطير

٢٥٧

ولا غرو إلا جوبها البيد فى الدجى

ومن دوننا وعن أشم وقور

تحن بباب القادسية ناقتي

وسعد بن وقاص على أمير

وسعد أمير شره دون خيره

طويل الشذمى كابى الزناد قصير

تذكر هداك الله وقع سيوفنا

بباب قديس والمكر عسير

عشية ود القوم لو أن بعضهم

يعار جناحي طائر فيطير

قال : واستشهد يومئذ سعد بن عبيد الأنصارى فاغتم عمر لمصابه وقال : لقد كان قتله ينغص على هذا الفتح.

فتح المدائن

قالوا : مضى المسلمون بعد القادسية فلما جاوزوا دير كعب لقيهم النخيرخان إليها وبدأ فى جمع عظيم من أهل المدائن فاقتتلوا وعانق زهير بن سليم الأزدى النخيرخان فسقط إلى الأرض وأخذ زهير خنجرا كان فى وسط النخيرخان فشق بطنه فقتله ، وسار سعد والمسلمون فنزلوا ساباط واجتمعوا بمدينة بهر سير وهي المدينة التي فى شق الكوفة فأقاموا تسعة أشهر ويقال ثمانية عشر شهرا حتى أكلوا الرطب مرتين ، وكان أهل تلك المدينة يقاتلونهم فإذا تحاجزوا دخلوها ، فلما فتحها المسلمون أجمع يزدجرد بن شهريار ملك فارس على الهرب فدلى من أبيض المدائن فى زبيل فسماه النبط برزبيلا ومضى إلى حلوان معه وجوه أساورته وحمل معه بيت ماله وخف متاعه وخزانته والنساء والذراري وكانت السنة التي هرب فيها سنة مجاعة وطاعون عم أهل فارس ثم عبر المسلمون خوضا ففتحوا المدينة الشرقية.

حدثني عفان بن مسلم ، قال : أخبرنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، قال : أخبرنا أبو وائل ، قال : لما انهزم الأعاجم من القادسية اتبعناهم فاجتمعوا بكوثى

٢٥٨

فاتبعناهم ثم انتهينا إلى دجلة ، فقال المسلمون : ما تنتظرون بهذه النطفة أن نخوضها فخضناها فهزمناهم.

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابن أبى سبرة عن ابن عجلان عن أبان بن صالح ، قال : لما انهزمت الفرس من القادسية قدم فلهم المدائن فانتهى المسلمون إلى دجلة وهي تطفح بماء لم ير مثله قط وإذا الفرس قد رفعوا السفن والمعابر إلى الجيزة الشرقية وحرقوا الجسر فاغتم سعد والمسلمون إذ لم يجدوا إلى العبور سبيلا. فانتدب رجل من المسلمين فسبح فرسه وعبر فسبح المسلمون ، ثم أمروا أصحاب السفن فعبروا الأثقال. فقالت الفرس : والله ما تقاتلون إلا جنا فانهزموا.

حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن عوانة بن الحكم وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى : حدثني أبو عمرو بن العلاء ، قالا : وجه سعد بن أبى وقاص خالد بن عرفطة على مقدمته فلم يرد سعد حتى فتح خالد ساباط ، ثم قدم فأقام على الرومية حتى صالح أهلها على أن يجلو من أحب منهم ويقيم من أقام على الطاعة والمناصحة وأداء الخراج ودلاله المسلمين ولا ينطووا لهم على غش ولم يجد معابر فدل على مخاضة عند قرية الصيادين فأخاضوها الحيل فجعل الفرس يرمونهم فسلموا غير رجل من طيء يقال له سليل بن يزيد بن مالك السنبسي لم يصب يومئذ غيره.

حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني من أثق به عن المجالد بن سعيد عن الشعبي إنه قال : أخذ المسلمون يوم المدائن جواري من جواري كسرى جيء بهن من الآفاق فكن تصنعن له فكانت أمى إحداهن ، قال : وجعل المسلمون يأخذون الكافور يومئذ فيلقونه فى قدورهم ويظنونه ملحا ، قال الواقدي : كان فراغ سعد من المدائن وجلولاء فى سنة ست عشرة.

٢٥٩

يوم جلولاء الوقيعة

قالوا : مكث المسلمون بالمدائن أياما ، ثم بلغهم أن يزدجرد قد جمع جمعا عظيما ووجهه إليهم وأن الجمع بجلولاء ، فسرح سعد بن أبى وقاص هاشم بن عتبة بن أبى وقاص إليهم فى اثنى عشر ألفا ، فوجدوا الأعاجم قد تحصنوا وخندقوا وجعلوا عيالهم وثقلهم بخانقين وتعاهدوا أن لا يفروا وجعلت الأمداد تقدم عليهم من حلوان والجبال ، فقال المسلمون : ينبغي أن نعالجهم قبل أن تكثر أمدادهم فلقوهم وحجر بن عدى الكندي على الميمنة ، وعمر بن معدى كرب على الخيل ، وطليحة بن خويلد على الرجال ، وعلى الأعاجم يومئذ خرزاذ أخو رستم فاقتتلوا قتالا شديدا لم يقتلوا مثله رميا بالنبل وطعنا بالرماح حتى تقصفت وتجالدوا بالسيوف حتى انثنت ، ثم أن المسلمين حملوا حملة واحدة قلعوا بها الأعاجم عن موقفهم وهزموهم فولوا هاربين وركب المسلمون أكتافهم يقتلونهم قتلا ذريعا حتى حال الظلام بينهم ثم انصرفوا إلى معسكرهم ، وجعل هاشم بن عتبة جرير بن عبد الله بجلولاء فى خيل كثيفة ليكون بين المسلمين وبين عدوهم ، فارتحل يزدجرد من حلوان ، وأقبل المسلمون يغيرون فى نواحي السواد من جانب دجلة الشرقي فأتوا مهروذ فصالح دهقانها هاشما على جريب من دراهم على أن لا يقتل أحدا منهم وقتل دهقان الدسكرة وذلك أنه اتهمه بغش المسلمين وأتى البندبجين فطلب أهله الأمان على أداء الجزية والخراج فأمنهم ، وأتى جرير بن عبد الله خانقين وبها بقية من الأعاجم فقتلهم ولم يبق من سواد دجلة ناحية إلا غلب عليها المسلمون وصارت فى أيديهم ، وقال هشام بن الكلبي : كان على الناس يوم جلولاء من قبل سعد عمرو بن عتبة ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة وأمه عاتكة بنت أبى وقاص،

٢٦٠