فتوح البلدان

أبوالحسن البلاذري

فتوح البلدان

المؤلف:

أبوالحسن البلاذري


المحقق: لجنة تحقيق التراث
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

كما ظننتم وأمر بالإمساك ، ثم أنه قدم البصرة فأمر باستخراج السبيطية فاستخرجت له فكانت منها أجمة لرجل من الدهاقين يقال له سبيط ، فحبس عنه الوكيل الذي قلد القيام بأمر الضيعة واستخراجها بعض ثمنها وضربه فلم يزل على باب المنصور يطالب بما بقي له من ثمن أجمعته ويختلف فى ذلك إلى ديوانه حتى مات فنسبت الضيعة إليه بسبب أجمته فقيل السبيطية.

وقالوا قنطرة قرة بالبصرة نسبت إلى قرة بن حيان الباهلي ، وكان عندها نهر قديم ثم اشترته أم عبد الله بن عامر فتصدقت به مغيضا لأهل البصرة وابتاع عبد الله بن عامر السوق فتصدق به ، قالوا ومر عبيد الله بن زياد يوم نعى يزيد بن معاوية على نهر أم عبد الله فإذا هو بنخل فأمر به فعقر ، وهدم حمام حمران بن أبان وموضعه اليوم يعمل فيه الرباب.

قالوا : ومسجد الحامرة نسب إلى قوم قدموا اليمامة عجم من عمان ثم صاروا منها إلى البصرة على حمير فأقاموا بحضرة هذا المسجد ، وقال بعضهم بنوه ثم جدد بعد.

وحدثني على الأثرم عن أبى عبيدة عن أبى عمرو بن العلاء ، قال : كان قيس بن مسعود الشيبانى على الطف من قبل كسرى فهو اتخذ المنجشانية على ستة أميال من البصرة وجرت على يد عضروط يقال له منجشان فنسبت إليه ، قال : وفوق ذلك روضة الخيل كانت مهارته ترعى فيها.

وقال ابن الكلبي : نسب الماء الذي يعرف بالحوأب إلى الحوأب بنت كلب بن وبرة ، وكانت عند مر بن أد بن طابخة ، ونسب حمى ضرية إلى ضرية بنت ربيعة بن نزار وهي أم حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ، قالوا نسب حلوان إلى حلوان هذا.

٣٦١

أمر الأساورة والزط

حدثني جماعة من أهل العلم ، قالوا : كان سياه الأسوارى على مقدمة يزدجرد ، ثم أنه بعث به إلى الأهواز فنزل الكلبانية وأبو موسى الأشعرى محاصر السوس ، فلما رأى ظهور الإسلام وعز أهله وأن السوس قد فتحت والأمداد متتابعة إلى أبى موسى أرسل إليه : إنا قد أحببنا الدخول معكم فى دينكم على أن نقاتل عدوكم من العجم معكم وعلى أنه إن وقع بينكم اختلاف لم نقاتل بعضكم مع بعض ، وعلى أنه ان قاتلنا العرب منعتمونا منهم وأعنتمونا عليهم ، وعلى أن ننزل بحيث شئنا من البلدان ونكون فيمن شئنا منكم ، وعلى أن نلحق بشرف العطاء ويعقد لنا بذلك الأمير الذي بعثكم ، فقال أبو موسى بل لكم ما لنا وعليكم ما علينا ، قالوا لا نرضى ، فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر ، أن أعطهم جميع ما سألوا ، فخرجوا حتى لحقوا بالمسلمين وشهدوا مع أبى موسى حصار تستر فلم يظهر منهم نكاية ، فقال لسياه يا عون ما أنت وأصحابك كما كنا نظن ، فقال له أخبرك أنه ليست بصائرنا كبصائركم ولا لنا فيكم حرم نخاف عليها ونقاتل ، وإنما دخلنا فى هذا الدين فى بدء أمرنا تعوذا وان كان الله قد رزق خيرا كثيرا ، ثم فرض لهم فى شرف العطاء ، فلما صاروا إلى البصرة سألوا أى الأحياء أقرب نسبا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقيل : بنو تميم وكانوا على أن يحالفوا الأزد فتركوهم وحالفوا بنى تميم ، ثم خطت لهم خططهم فنزلوا وحفروا نهرهم وهو يعرف بنهر الأساورة ، ويقال أن عبد الله بن عامر حفره.

وقال أبو الحسن المدائني : أراد شيرويه الأسوارى أن ينزل فى بكر بن وائل مع خالد بن معمر وبنى سدوس فأبى سياه ذلك فنزلوا فى بنى تميم ولم

٣٦٢

يكن يومئذ الأزد بالبصرة ولا عبد شمس ، قال فانضم إلى الأساورة السيابجة وكانوا قبل الإسلام بالسواحل وكذلك الزط وكانوا بالطفوف يتتبعون الكلأ فلما اجتمعت الأساورة والزط والسيابجة تنازعتهم بنو تميم فرغبوا فيهم فصارت الأساورة فى بنى سعد والزط والسيابجة فى بنى حنظلة فأقاموا معهم يقاتلون المشركين وخرجوا مع ابن عامر إلى خراسان ولم يشهدوا معهم الجمل وصفين ولا شيئا من حروبهم حتى كان يوم مسعود ، ثم شهدوا بعد يوم مسعود الربذة ، وشهدوا أمر ابن الأشعث معه فأضربهم الحجاج فهدم دورهم وحط أعطياتهم وأجلى بعضهم ، وقال : كان فى شرطكم أن لا تعينوا بعضنا على بعض.

وقد روى : أن الأساورة لما انحازوا إلى الكلبانية وجه أبو موسى إليهم الزبير بن زياد الحارثي فقاتلهم ، ثم أنهم استأمنوا على أن يسلموا ويحاربوا العدو ويحالفوا من شاءوا وينزلوا بحيث أحبوا ، قالوا : وانحاز إلى هؤلاء الأساورة قوم من مقاتلة الفرس ممن لا أرض له فلحقوا بهم بعد أن وضعت الحرب أوزارها فى النواحي فصاروا معهم ودخلوا فى الإسلام.

وقال المدائني : لما توجه يزدجرد إلى أصبهان دعا سياه فوجه إلى إصطخر فى ثلاثمائة فيهم سبعون رجلا من عظمائهم وأمره أن ينتخب من أحب من أهل كل بلد ومقاتلته ، ثم اتبعه يزدجرد ، فلما صار بإصطخر وجهه إلى السوس وأبو موسى محاصر لها ، ووجهه الهرمزان إلى تستر فنزل سياه الكلبانية ، وبلغ أهل السوس أمر يزدجرد وهربه فسألوا أبا موسى الصلح فصالحهم فلم يزل سياه مقيما بالكلبانية حتى سار أبو موسى إلى تستر فتحول سياه فنزل بين رامهرمز وتستر حتى قدم عمار فجمع سياه الرؤساء الذين خرجوا معه من أصبهان ، فقال : قد علمتم بما كنا نتحدث به من أن

٣٦٣

هؤلاء القوم سيغلبون على هذه المملكة ويروا دوابهم فى إيوان إصطخر وأمرهم فى الظهور على ما ترون فانظروا لأنفسكم وادخلوا فى دينهم فأجابوه إلى ذلك فوجه شيرويه فى عشرة إلى أبى موسى فأخذوا ميثاقا على ما وصفنا من الشرط وأسلموا.

وحدثني غير المدائني عن عوانة ، قال : حالفت الأساورة الأزد ثم سألوا عن أقرب الحيين من الأزد وبنى تميم نسبا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والخلفاء وأقربهم مددا فقيل بنو تميم فحالفوهم وسيد بنى تميم يومئذ الأحنف بن قيس وقد شهد وقعة الربذة أيام ابن الزبير جماعة من الأساورة فقتلوا خلقا بعدتهم من النشاب ولم يخطئ لأحد منهم رمية ، وأما السيابجة والزط والاندغار فإنهم كانوا فى جند الفرس ممن سبوه وفرضوا له من أهل السند ومن كان سبيا من أولى الغزاة ، فلما سمعوا بما كان من أمر الأساورة أسلموا وأتوا أبا موسى فأنزلهم البصرة كما أنزل الأساورة.

وحدثني روح بن عبد المؤمن ، قال حدثني يعقوب بن الحضرمي عن سلام ، قال : أتى الحجاج بخلق من زط السند وأصناف ممن بها من الأمم معهم أهلوهم وأولادهم وجواميسهم فأسكنهم بأسافل كسكر ، قال روح : فغلبوا على البطيحة وتناسلوا بها ، ثم أنه ضوى إليهم قوم من أباق العبيد وموالي باهله وخولة محمد بن سليمان بن على وغيرهم ، فشجعوهم على قطع الطريق ومبارزة السلطان بالمعصية ، وإنما كانت غايتهم قبل ذلك أن يسألوا الشيء الطفيف ويصيبوا غرة من أهل السفينة فيتناولوا منها ما أمكنهم اختلاسه ، وكان الناس فى بعض أيام المأمون قد تحاموا الاجتياز بهم وانقطع عن بغداد جميع ما كان يحمل إليها من البصرة فى السفن فلما استخلف المعتصم بالله تجرد لهم ، وولى محاربتهم رجلا من أهل خراسان يقال له عجيف بن عنبثة ، وضم إليه من

٣٦٤

القواد والجند خلقا ولم يمنعه شيئا طلبه من الأموال ، فرتب بين البطائح ومدينة السلام خيلا مضمرة ملهوبة الأذناب ، وكانت أخبار الزط تأتيه بمدينة السلام فى ساعات من النهار أو أول الليل وأمر عجيفا فسكر عنهم الماء بالمؤن العظام حتى أخذوا فلم يشذ منهم أحد وقدم بهم إلى مدينة السلام فى الزواريق فجعل بعضهم بخانقين وفرق سائرهم فى عين زربة والثغور.

قالوا : وكانت جماعة السيابجة موكلين ببيت مال البصرة ، يقال أنهم أربعون ، ويقال أربعمائة ، فلما قدم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام البصرة وعليها من قبل على بن أبى طالب عثمان بن حنيف الأنصارى أبوا أن يسلموا بيت المال إلى قدوم على رضى الله عنه فأتوهم فى السحر فقتلوهم وكان عبد الله بن الزبير المتولى لأمرهم فى جماعة تسرعوا إليهم معه ، وكان على السيابجة يومئذ أبو سالمة الزطي ، وكان رجلا صالحا ، وقد كان معاوية نقل من الزط والسيابجة القدماء إلى سواحل الشام وانطاكية بشرا ، وقد كان الوليد بن عبد الملك نقل قوما من الزط إلى انطاكية وناحيتها.

قالوا : وكان عبيد الله بن زياد سبى خلقا من أهل بخارى ويقال بل نزلوا على حكمه ، ويقال بل دعاهم إلى الأمان والفريضة فنزلوا على ذلك ورغبوا فيه فأسكنهم البصرة ، فلما بنى الحجاج مدينة واسط نقل كثيرا منهم إليها فمن نسلهم اليوم بها قوم منهم خالد الشاطر المعروف بابن مارقلى ، قال ولاندغار من ناحية كرمان مما يلي سجستان.

* * *

٣٦٥

فتح كور الأهواز

قالوا : غزا المغيرة بن شعبة سوق الأهواز فى ولايته حين شخص عتبة بن غزوان من البصرة فى آخر سنة خمس عشرة وأول سنة ست عشرة فقاتله البيرواز دهقانها ثم صالحه على مال ثم أنه نكث ، فغزاها أبو موسى الأشعرى حين ولاه عمر بن الخطاب البصرة بعد المغيرة ، فافتتح سوق الأهواز عنوة وفتح نهرتيرى عنوة ، وولى ذلك بنفسه فى سنة سبع عشرة.

وقال أبو مخنف والواقدي فى روايتهما : قدم أبو موسى البصرة فاستكتب زيادا ، واتبعه عمر بن الخطاب بعمران بن الحصين الخزاعي وصيره على تعليم الناس الفقه والقرآن ، وخلافة أبى موسى إذا شخص عن البصرة ، فسار أبو موسى إلى الأهواز ، فلم يزل يفتح رستاقا رستاقا ونهرا نهرا ، والأعاجم تهرب من بين يديه فغلب على جمع أرضها إلا السوس ، وتستر ومناذر ، ورامهرمز.

وحدثني الوليد بن صالح ، قال : حدثني مرحوم العطار عن أبيه عن شويس العدوى ، قال : أتينا الأهواز وبها ناس من الزط والأساورة فقاتلناهم قتالا شديدا فظفرنا بهم فأصبنا سبيا كثيرا اقتسمناهم ، فكتب إلينا عمر أنه لا طاقة لكم بعمارة الأرض فخلوا ما فى أيديكم من السبي واجعلوا عليهم الخراج فرددنا السبي ولم نملكهم.

قالوا : وسار أبو موسى إلى مناذر ، فحاصر أهلها فاشتد قتالهم فكان المهاجر بن زياد الحارثي أخو الربيع بن زياد بن الديان فى الجيش فأراد أن يشرى نفسه وكان صائما ، فقال الربيع لأبى موسى : أن المهاجر عزم على أن يشرى نفسه وهو صائم ، فقال أبو موسى : عزمت على كل صائم أن يفطر

٣٦٦

أولا يخرج إلى القتال ، فشرب المهاجر شربة ماء ، وقال : قد أبررت عزمة أميرى والله ما شربتها من عطش ، ثم راح فى السلاح فقاتل حتى استشهد أخذ أهل مناذر رأسه ونصبوه على قصرهم بين شرفتين ، وله يقول القائل :

وفى مناذر لما جاش جمعهم

راح المهاجر فى حل بأجمال

والبيت بيت بنى الديان نعرفه

فى آل مذحج مثل الجوهر الغالي

واستخلف أبو موسى الأشعرى الربيع بن زياد على مناذر وسار إلى السوس ، ففتح الربيع مناذر عنوة ، فقتل المقاتلة ، وسبى الذرية وصارت مناذر الكبرى والصغرى فى أيدى المسلمين ، فولاهما أبو موسى عاصم بن قيس بن الصلت السلمى ، وولى سوق الأهواز سمرة بن جندب الفزاري حليف الأنصار وقال قوم : أن عمر كتب إلى أبى موسى وهو محاصر مناذر يأمره أن يخلف عليها ويسير إلى السوس فخلف الربيع بن زياد.

حدثني سعدويه ، قال : حدثنا شريك عن أبى إسحاق عن المهلب بن أبى صفرة ، قال حاصرنا مناذر فأصبنا سبيا ، فكتب عمر : أن مناذر كقرية من القرى السواد فردوا عليهم ما أصبتم.

قالوا. وسار أبو موسى إلى السوس فقاتل أهلها ثم حاصرهم حتى نفد ما عندهم من الطعام فضرعوا إلى الأمان ، وسأل مرزبانهم أن يؤمن ثمانون منهم على أن يفتح باب المدينة ويسلمها فسمى الثمانين وأخرج نفسه منهم فأمر به أبو موسى فضربت عنقه ولم يعرض للثمانين ، وقتل من سواهم من المقاتلة وأخذ الأموال وسبى الذرية ، ورأى أبو موسى فى قلعتهم بيتا وعليه ستر فسأل عنه فقيل أن فيه جثة دانيال النبي عليه‌السلام وعلى أنبياء الله ورسله ، فأنهم كانوا أقحطوا فسألوا أهل بابل دفعه إليهم ليستسقوا به ففعلوا ، وكان بختنصر سبى دانيال وأتى به بابل فقبض بها ، فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر

٣٦٧

فكتب إليه عمر أن كفنه وأدفنه فسكر أبو موسى نهرا حق إذا انقطع دفنه ثم أجرى الماء عليه.

حدثني أبو عبيد القاسم بن سلام ، قال : حدثنا مروان بن معاوية عن حميد الطويل عن حبيب عن خالد بن زيد المزني ، وكانت عينه أصيبت بالسوس قال : حاصرنا مدينتها ، وأميرنا أبو موسى فلقينا جهدا ثم صالحه دهقانها على أن يفتح له المدينة ويؤمن له مائة من أهله ففعل ، وأخذ عهد أبى موسى ، فقال له : أعزلهم فجعل يعزلهم وأبو موسى يقول لأصحابه : إنى لأرجو أن يغلبه الله على نفسه فعزل المائة وبقي عدو الله ، فأمر به أبو موسى أن يقتل فنادى : رويدك أعطيك مالا كثيرا فأبى وضرب عنقه.

قالوا : وهادن أبو موسى أهل رامهرمز ، ثم انقضت هدنتهم فوجه إليهم أبا مريم الحنفي فصالحهم على ثمانمائة ألف درهم.

حدثني روج بن عبد المؤمن ، قال : حدثني يعقوب عن أبى عاصم الرامهرمزي ، وكان قد بلغ المائة أو قاربها ، قال : صالح أبو موسى أهل رامهرمز على ثمانمائة ألف أو تسعمائة ألف ، ثم أنهم غدروا ففتحت بعد عنوة ففتحها أبو موسى فى آخر أيامه.

قالوا : وفتح أبو موسى سرق على مثل صلح رامهرمز ، ثم أنهم غدروا فوجه إليها حارثة بن بدر الغدانى فى جيش كثيف فلم يفتحها ، فلما قدم عبد الله بن عامر فتحها عنوة ، وقد كان حارثة ولى سرق بعد ذلك ، وفيه يقول أبو الأسود الدؤلي :

أحار بن بدر قد وليت أمارة

فكن جرزا فيها تخون وتسرق

فإن جميع الناس : اما مكذب

يقول بما تهوى : واما مصدق

يقولون أقوالا بظن وشبهة

فإن قيل هاتوا حققوا لم يحققوا

ولا تعجزن فالعجز أسوء عادة

فحظك من مال العراقين سرق

٣٦٨

فلما بلغ الشعر حارثة قال :

جزاك اله الناس خير جزائه

فقد قلت معروفا وأوصيت كافيا

أمرت بحزم لو أمرت بغيره

لألفيتنى فيه لأمرك عاصيا

قالوا : وسار أبو موسى إلى تستر وبها شوكة العدو وحدهم ، فكتب إلى عمر يستمده ، فكتب عمر إلى عمار بن ياسر يأمره بالمسير إليه فى أهل الكوفة فقدم عمار جرير بن عبد الله البجلي ، وسار حتى تستر ، وعلى ميمنته يعنى ميمنة أبى موسى البراء بن مالك أخو أنس بن مالك ، وعلى ميسرته مجزاة بن ثور السدوسي ، وعلى الخيل أنس بن مالك ، وعلى ميمنة عمار البراء بن عازب الأنصارى ، وعلى ميسرته حذيفة بن اليمان العبسي ، وعلى خيله قرظة بن كعب الأنصارى ، وعلى رجالته النعمان بن مقرن المزني ، فقاتلهم أهل تستر قتالا شديدا ، وحمل أهل البصرة وأهل الكوفة حتى بلغوا ناب تستر فضاربهم البراء بن مالك على الباب حتى استشهد رحمه‌الله ودخل الهرمزان وأصحابه المدينة بشر حال ، وقد قتل منهم فى المعركة تسعمائة وأسر ستمائة ضربت أعناقهم بعد وكان الهرمزان من أهل مهرجا نقذف ، وقد حضر وقعة جلولاء مع الأعاجم ، ثم أن رجلا من الأعاجم استأمن إلى المسلمين على أن يدلهم على أن يدلهم على عورة المشركين فأسلم واشترط أن يفرض لولده ويفرض له ، فعاقده أبو موسى على ذلك ، ووجه رجلا من شيبان يقال له أشرس بن عوف فخاض به دجيل على عرق من حجارة ثم علا به المدينة وأراه الهرمزان ، ثم رده إلى العسكر ، فندب أبو موسى أربعين رجلا مع مجزاة بن ثور وأتبعهم مائتي رجل وذلك فى الليل والمستأمن يقدمهم فأدخلهم المدينة ، فقتلوا الحرس وكبروا على سور المدينة فلما سمع ذلك الهرمزان هرب إلى قلعته وكانت موضع خزانته وأمواله ، وعبر أبو موسى حين أصبح حتى دخل المدينة فاحتوى عليها ، وقال الهرمزان

٣٦٩

ما دل العرب على عورتنا إلا بعض من معنا ممن رأى إقبال أمرهم وأدبار أمرنا ، وجعل الرجل من الأعاجم يقتل أهله وولده ويلقيهم فى دجيل خوفا من أن يظفر بهم العرب ، وطلب الهرمزان الأمان وأبى أبو موسى أن يعطيه ذلك إلا على حكم عمر فنزل على ذلك ، وقتل أبو موسى من كان فى القلعة ممن لا أمان له وحمل الهرمزان إلى عمر فاستحياه وفرض له ، ثم أنه اتهم بممالأة أبى لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة على قتل عمر رضى الله عنه فقال عبيد الله بن عمر أمض بنا ننظر إلى فرس لى فمضى وعبيد الله خلفه فضربه بالسيف وهو غافل فقتله.

حدثنا أبو عبيد ، قال : حدثنا مروان بن معاوية عن حميد عن أنس ، قال حاصرنا تستر فنزل الهرمزان فكنت الذي أتيت به إلى عمر بعث بى أبو موسى فقال له عمر : تكلم فقال : أكلام حي أم كلام ميت ، فقال : تكلم لا بأس فقال الهرمزان : كنا معشر العجم ما خلى الله بيننا وبينكم نقضيكم ونقلتكم فلما كان الله معكم لم يكن لنا بكم يدان ، فقال عمر : ما تقول يا أنس ، قلت تركت خلفي شوكة شديدة وعدوا كلبا ، فإن قتلته بئس القوم من الحياة فكان أشد لشوكتهم وأن استحييته طمع القوم فى الحياة ، فقال عمر : يا أنس سبحان الله ، قاتل البراء بن مالك ، ومجزاة بن ثور السدوسي ، قلت : فليس لك إلى قتله سبيل ، قال : ولم أعطاك أصبت منه ، قلت : ولكنك قلت له لا بأس فقال : متى لتجيئن معك بمن شهد وإلا بدأت بعقوبتك ، قال : فخرجت من عنده فإذا الزبير بن العوام قد حفظ الذي حفظت فشهد لى فخلى سبيل الهرمزان فأسلم وفرض له عمر.

وحدثني اسحاق بن أبى إسرائيل ، قال : حدثنا ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء الخراساني ، قال : كفيتك أن تستر كانت صلحا فكفرت فسار إليها المهاجرون فقتلوا المقاتلة وسبوا الذراري فلم يزالوا فى أيدى سادتهم حتى كتب عمر خلوا ما فى أيديكم.

٣٧٠

قال : وسار أبو موسى إلى جنديسابور وأهلها منخوبون فطلبوا الأمان فصالحهم على أن لا يقتل منهم أحدا ولا يسبيه ولا يعرض لأموالهم سوى السلاح ثم أن طائفة من أهلها توجهوا إلى الكلبانية ، فوجه إليهم أبو موسى الربيع بن زياد فقتلهم وفتح الكلبانية ، واستأمنت الأساوره فأمنهم أبو موسى فأسلموا ، ويقال ، أنهم استأمنوا قبل ذلك فلحقوا بأبى موسى وشهدوا تستر والله أعلم.

وحدثني عمر بن حفص العمرى عن أبى حذيفة عن أبى الأشهب عن أبى رجاء ، قال : فتح الربيع بن زياد الثيبان من قبل أبى موسى عنوة ثم غدروا ففتحها منجوف بن ثور السدوسي ، قال : وكان مما فتح عبد الله بن عامر سنبيل والزط ، وكان أهلهما قد كفروا ، فاجتمع إليهم أكراد من هذه الأكراد ، وفتح أيذج بعد قتال شديد ، وفتح أبو موسى السوس وتستر ودورق عنوة ، وقال المدائني : فتح ثات ابن ذى الحرة الحميري قلعة ذى الرناق.

حدثني المدائني عن أشياخه وعمر بن شبة عن مجالد بن يحيى أن مصعب بن الزبير : ولى مطرف بن سيدان الباهلي أحد بنى جآوة شرطته فى بعض أيام ولايته العراق لأخيه عبد الله بن الزبير فأتى مطرف بالنابى بن زياد بن ظبيان أحد بنى عائش بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة بن عكابة وبرجل من بنى نمير قطعا الطريق فقتل النابى وضرب النميري بالسياط وتركه ، فلما عزل مطرف عن الشرطة وولى الأهواز جمع عبيد الله بن زياد بن ظبيان له جمعا وخرج يريده فالتقيا فتواقفا وبينهما نهر فعبر مطرف بن سيدان فعاجله ابن ظبيان فطعنه فقتله فبعث مصعب مكرم بن مطرف فى طلبه ، فسار حتى صار إلى الموضع الذي يعرف اليوم بعسكر مكرم فلم يلق بن ظبيان ولحق بن ظبيان بعبد الملك بن مروان وقاتل معه مصعبا فقتله واحتز رأسه ، ونسب

٣٧١

عسكر مكرم إلى مكرم بن مطرف هذا ، قال البعيث السكرى.

سقينا ابن سيدان بكأس روية

كفتنا وخير الأمر ما كان كافيا

ويقال أيضا أن عسكر مكرم إنما نسب إلى مكرم بن الفزر أحد بنى جعونة بن الحارث بن نمير وكان الحجاج وجهه لمحاربة خرزاد بن باس حين عصى ولحق بإيذج وتحصن فى قلعة تعرف به ، فلما طال عليه الحصار نزل مستخفيا متنكرا ليلحق بعبد الملك ، فظفر به مكرم ومعه درتان فى قلنسوته فأخذه وبعث به إلى الحجاج فضرب عنقه.

وذكروا : أنه كانت عند عسكر مكرم قرية قديمة وصل بها البناء بعد ، ثم لم يزل يزاد فيه حتى كثر فسمى ذلك أجمع عسكر مكرم وهو اليوم مصر جامع.

وحدثني أبو مسعود عن عوانة ، قال ولى عبد الله بن الزبير البصرة حمزة ابن عبد الله بن الزبير فخرج إلى الأهواز ، فلما رأى جبلها قال : كأنه قيقعان ، وقال الثوري الأهواز سمى بالفارسية هو زمسير ، وإنما سميت الأخواز فغيرها الناس ، فقالوا : الأهواز ، وأنشد الأعرابى:

لا ترجعني إلى الأخواز ثانية

وقعقعان الذي فى جانب السوق

ونهر بط الذي أمسى يؤرقنى

فيه البعوض بلسب غير تشفيق

فما الذي وعدته نفسه طمعا

من الحصيني أو عمرو بمصدوق

وقال نهر البط نهر كانت عنده مراع للبط فقالت العامة : نهر بط كما قالوا : دار بطيخ ، وسمعت من يقول : أن النهر كان لامرأة تسمى البطئة فنسب إليها ثم حذف.

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن محمد بن الله عن الزهري ، قال : افتتح عمر السواد والأهواز عنوة فسئل عمر قسمة ذلك ، فقال : فما لمن جاء من المسلمين بعدنا فأقرهم على منزلة أهل الذمة.

٣٧٢

وحدثني المدائني عن على بن حماد وسحيم بن حفص وغيرهما ، قالوا قال أبو المختار يزيد بن قيس بن يزيد بن الصعق كلمة رفع فيها على عمال الأهواز وغيرهم إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه.

أبلغ أمير المؤمنين رسالة

فأنت أمين الله فى النهى والأمر

وأنت أمين الله فينا ، ومن يكن

أمينا لرب العرش يسلم له صدري

فلا تدعن أهل الرساتيق والقرى

يسيغون مال الله فى الآدم الوفر

فأرسل إلى الحجاج فاعرف حسابه

وأرسل إلى جزء وأرسل إلى بشر

ولا تنسين النافعين كليهما

ولا ابن غلاب من سراة بنى نصر

وما عاصم منها بصفر عيابه

وذاك الذي فى السوق مولى بنى بدر

وأرسل إلى النعمان واعرف حسابه

وصهر بنى غزوان أنى لذو خبر

وشبلا فسله المال وابن محرش

فقد كان فى أهل الرساتيق ذا ذكر

فقاسمهم أهلى فداؤك أنهم

سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر

ولا تدعوني للشهادة : أننى

أغيب ولكنى أرى عجب الدهر

نؤوب إذا آبوا ونغزوا إذا غزوا

فإنى لهم وفر : ولسنا أولى وفر

إذا التاجر الداري جاء بفارة

من المسك راحت فى مفارقهم تجرى

فقاسم عمر هؤلاء الذين ذكرهم أبو المختار شطر أموالهم حتى أخذ نعلا وترك نعلا ، وكان فيهم أبو بكرة ، فقال : أنى لم آل لك شيئا ، فقال له : أخوك على بيت المال وعشور الابلة وهو يعطيك المال تتجر به فأخذ منه عشرة آلاف ، ويقال : قاسمه شطر ماله ، وقال الحجاج الذي ذكره الحجاج بن عتيك الثقفي وكان على الفرات وجزء بن معاوية عم الأحنف كان على سرق ، وبشر ابن المحتفز كان على جنديسابور ، والنافعان نفيع أبو بكرة ونافع بن الحرث ابن كلدة أخوه ، وابن غلاب خالد بن الحرث من بنى دهمان كان على بيت

٣٧٣

المال بأصبهان وعاصم بن قيس بن الصلت السلمى كان على مناذر والذي فى السوق سمرة بن جندب على سوق الأهواز ، والنعمان بن عدى بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان أحد بنى عدى بن كعب بن لؤي كان على كور دجلة ، وهو الذي يقول :

من مبلغ الحسناء أن خليلها

بميسان يسقى فى زجاج وحنتم

إذا شئت غنتنى دهاقين قرية

وصناجة تجذو على كل منسم

لعل أمير المؤمنين يسوءه

تنادمنا بالجوسق المنهدم

فلم بلغ عمر شعره ، قال : إى والله إنه ليسوءنى ذلك وعزله ، وصهر بنى غزوان مجاشع بن مسعود السلمى كانت عنده بنت عتبة بن غزوان وكان على أرض البصرة وصدقاتها ، وشبل بن معبد البجلي ثم الأحمسى كان على قبض المغانم ، وابن محرش أبو مريم الحنفي كان على رام هرمز ، قال عوسجة ابن زياد الكاتب أقطع الرشيد أمير المؤمنين عبيد الله بن المهدى مزارعة الأهواز فدخل فيها شبهة فرفع فى ذلك قوم إلى المأمون فأمر بالنظر فيها والوقوف عليها ، فما لم تكن فيه شبهه أنفذ وما شك فيه سمى المشكوك فيه وذلك معروف بالأهواز.

فتح كور فارس وكرمان

قالوا : كان العلاء بن الحضرمي وهو عامل عمر بن الخطاب على البحرين وجه هرثمة بن عرفجة البارقي من الأزد ، ففتح جزيرة فى البحر مما يلي فارس ، ثم كتب عمر إلى العلاء أن يمد به عتبة بن فرقد السلمى ففعل ، ثم لما ولى عمر عثمان بن أبى العاصي الثقفي البحرين وعمان فدوخهما واتسقت له طاعة أهلهما وجه أخاه الحكم بن أبى العاصي فى البحر إلى فارس فى جيش عظيم من عبد القيس والأزد وتميم وبنى ناجية وغيرهم ، ففتح جزيرة أبر كاوان ، ثم صار إلى

٣٧٤

توج وهي من أرض أردشير خره ، ومعنى أردشير خره بهاء أردشير ، وفى رواية أبى مخنف : أن عثمان بن أبى العاصي نفسه قطع البحر إلى فارس فنزل توج ففتحها وبنى بها المساجد وجعلها دارا للمسلمين وأسكنها عبد القيس وغيرهم فكان يغير منها على أرجان وهي متاخمة لها ، ثم أنه شخص عن فارس إلى عمان والبحرين لكتاب عمر إليه فى ذلك واستخلف أخاه الحكم ، وقال غير أبى مخنف : أن الحكم فتح توج وأنزلها المسلمين من عبد القيس وغيرهم سنة تسع عشرة ، وقالوا : أن شهرك مرزبان فارس وواليها أعظم ما كان من قدوم العرب فارس واشتد عليه وبلغته نكايتهم وبأسهم وظهورهم على كل من لقوه من عدوهم فجمع جمعا عظيما وسار بنفسه حتى أتى راشهر من أرض سابور وهي بقرب توج ، فخرج إليه الحكم بن أبى العاصي وعلى مقدمته سوار بن همام العبدى فاقتتلوا قتالا شديدا وكان هناك واد قد وكل به شهرك رجلا من نقابه فى جماعة وأمره أن لا يجتازه هارب من أصحابه إلا قتله فأقبل رجل من شجعاء الأساورة موليا من المعركة ، فأراد الرجل قتله ، فقال له : لا تقتلني فإنما نقاتل قوما منصورين : الله معهم ، ووضع حجرا فرماه ففلقه ، ثم قال : أترى هذا السهم الذي فلق الحجر والله ما كان ليخدش بعضهم لو رمى به ، قال : لا بد من قتلك : فبينا هو فى ذلك إذ أتاه الخبر بقتل شهرك وكان الذي قتله سوار ابن همام العبدى حمل عليه فطعنه فأرداه عن فرسه وضربه بسيفه حتى فاضت نفسه وحمل ابن شهرك على سوار فقتله ، وهزم الله المشركين وفتحت راشهر عنوة ، وكان يومها فى صعوبته وعظيم النعمة على المسلمين فيه كيوم القادسية وتوجه بالفتح إلى عمر بن الخطاب عمرو بن الأهتم التميمي ، فقال :

جئت الإمام باسراع لأخبره

بالحق من خبر العبدى سوار

أخبار أروع ميمون نقيبته

مستعمل فى سبيل الله مغوار

٣٧٥

وقال بعض أهل توج : أن توج مصرت بعد مقتل شهرك والله أعلم ، قالوا : ثم أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كتب إلى عثمان بن أبى العاصي فى إتيان فارس فخلف على عمله أخاه المغيرة ، ويقال : هو حفص بن أبى العاصي وكان جزلا وقدم توج فنزلها فكان يغزو منها ثم يعود إليها ، وكتب عمر إلى أبى موسى وهو بالبصرة يأمره أن يكانف عثمان بن أبى العاصي ويعاونه فكان يغزو فارس من البصرة ثم يعود إليها ، وبعث عثمان بن أبى العاصي هرم بن حيان العبدى إلى قلعة يقال لها شبير ففتحها عنوة بعد حصار وقتال. وقال بعضهم : فتح هرم قلعة الستوج عنوة وأتى عثمان جره من سابور ففتحها وأرضها بعد ان قاتله أهلها صلحا على أداء الجزية والخراج ونصح المسلمين ، وفتح عثمان بن أبى العاصي كازرون من سابور وغلب على أرضها ، وفتح عثمان النوبندجان من سابور أيضا وغلب عليها واجتمع أبو موسى وعثمان بن أبى العاصي فى آخر خلافة عمر رضى الله عنه ففتحا أرجان صلحا على الجزية والخراج وفتحا شيراز وهي من أرض أردشير خره على أن يكونوا ذمة يؤدون الخراج إلا من أحب منهم الجلاء ولا يقتلوا ولا يستعبدوا ، وفتحا سينيز من أرض أردشير خره وترك أهلها عمارا للأرض ، وفتح عثمان حصن جنابا بأمان ، وأتى عثمان بن أبى العاصي درابجرد ، وكانت شادر وأن علمهم ودينهم وعليها الهربذ فصالحه الهربذ على مال أعطاه إياه وعلى أن أهل درابجرد كلهم أسوة من فتحت بلاده من أهل فارس ، واجتمع له جمع بناحية جهرم ففضهم ، وفتح أرض جهرم ، وأتى عثمان فصالحه عظيمها على مثل صلح درابجرد ، ويقال أن الهربذ صالح عليها أيضا ، وأتى عثمان بن أبى العاصي مدينة سابور فى سنة ثلاث وعشرين ويقال فى سنة أربع وعشرين قبل أن تأنى أبا موسى ولايته البصرة من قبل عثمان بن عفان فوجد أهلها هائبين للمسلمين ورأى أخو شهرك

٣٧٦

فى منامه كأن رجلا من العرب دخل عليه فسلبه قميصه فنخب ذلك قلبه فامتنع قليلا ثم طلب الأمان والصلح ، فصالحه عثمان على أن لا يقتل أحدا ولا يسبيه ، وعلى أن تكون له ذمة ويعجل مالا. ثم أن أهل سابور نقضوا وغدروا ففتحت فى سنة ست وعشرين فتحها عنوة أبو موسى وعلى مقدمته عثمان ابن أبى العاصي.

وقال معمر بن المثنى وغيره : كان عمر بن الخطاب أمر أن يوجه الجارود العبدى سنة اثنتين وعشرين إلى قلاع فارس فلما كان بين جره وشيراز تخلف عن أصحابه فى عقبة هناك سحرا لحاجته ومعه أدوات فأحاطت به جماعة من الأكراد فقتلوه فسميت تلك العقبة عقبة الجارود.

قالوا : ولما ولى عبد الله بن عامر بن كريز البصرة من قبل عثمان بن عفان بعد أبى موسى الأشعرى سار إلى إصطخر فى سنة ثمان وعشرين فصالحه ماهك عن أهلها ، ثم خرج يريد جور ، فلما فارقها نكثوا وقتلوا عامله عليهم ، ثم لما فتح جور كر عليهم ففتحها ، قالوا : وكان هرم بن حيان مقيما على جور وهي مدينة أردشير خره ، وكان المسلمون يعانونها ثم ينصرفون عنها فيعاونون إصطخر ويفزون نواحي كانت تنتقض عليهم ، فلما نزل ابن عامر بها قاتلوه ثم تحصنوا ففتحها بالسيف عنوة ، وذلك فى سنة تسع وعشرين وفتح ابن عامر أيضا السكاريان وفشجاتن ، وهي الفيشجان من درابجرد ولم تكونا دخلتا فى صلح الهربذ وانتقضتا.

وحدثني جماعة من أهل العلم : أن جور غزيت عدة سنين فلم يقدر عليها حتى فتحها ابن عامر ، وكان سبب فتحها أن بعض المسلمين قام يصلى ذات ليلة وإلى جانبه جراب له فيه خبز ولحم ، فجاء كلب فجره وعدا به حتى دخل المدينة من مدخل لها خفى فظاهر المسلمون بذلك المدخل حتى دخلوا منه وفتحوها ،

٣٧٧

قالوا : ولما فرغ عبد الله بن عامر من فتح جور كر على أهل إصطخر وفتحها عنوة بعد قتال شديد ورمى بالمناجيق وقتل بها من الأعاجم أربعين ألفا وأفنى أكثر أهل البيوتات ووجوه الأساورة ، وكانوا قد لجأوا إليها ، وبعض الرواة يقول أن ابن عامر رجع إلى إصطخر حين بلغه نكثهم ففتحها ثم صار إلى جور وعلى مقدمته هرم بن حيان ففتحها ، وروى الحسن بن عثمان الزيادي أن أهل إصطخر غدروا فى ولاية عبد الله بن عباس رضى الله عنهما العراق لعلى رضى الله عنه ففتحها.

وحدثني العباس بن هشام عن أبيه عن أبى مخنف ، قال : توجه ابن عامر إلى إصطخر ، ووجه على مقدمته عبيد الله بن معمر التيمي فاستقبله أهل إصطخر برامجرد فقاتلهم فقتلوه فدفن فى بستان برامجرد ، وبلغ ابن عامر الخبر فأقبل مسرعا حتى واقعهم وعلى ميمنته أبو برزة نضلة بن عبد الله الأسلمى ، وعلى ميسرته معقل بن يسار المزني ، وعلى الخيل عمران بن الحصين الخزاعي وعلى الرجال خالد بن المعمر الذهبي فقاتلهم فهزمهم حتى أدخلهم إصطخر وفتحها الله عنوة ، فقتل فيها نحوا من مائة ألف وأتى درابجرد ففتحها وكانت منتقضة ثم وجه إلى كرمان.

حدثني عمر الناقد ، قال : حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن عاصم الأحول عن فضيل بن زيد الرقاشي ، قال : حاصرنا شهرياج شهرا جرارا وكنا ظننا إنا سنفتحها فى يومنا فقاتلنا أهلها ذات يوم ورجعنا إلى معسكرنا وتخلف عبد مملوك منافرا ظنوه فكتب لهم أمانا ورمى به إليهم فى سهم ، قال : فرحنا للقتال وقد خرجوا من حصنهم ، فقالوا : هذا أمانكم ، فكتبنا بذلك إلى عمر فكتب إلينا أن العبد المسلم من المسلمين ذمته كذمتهم فلينفذ أمانه فأنفذناه.

وحدثني القاسم بن سلام ، قال : حدثنا أبو النضر عن شعبة عن عاصم

٣٧٨

عن الفضيل ، قال : كنا مصافى العدو بسيراف ثم ذكر نحو ذلك. وحدثنا سعدويه ، قال : حدثنا عباد بن العوام عن عاصم الأحول عن الفضيل بن زيد الرقاشي ، قال : حاصر المسلمون حصنا فكتب عبد أمانا ورمى به إليهم فى مشقص فقال المسلمون : ليس أمانه بشيء ، فقال القوم : لسنا نعرف الحر من العبد ، فكتاب بذلك إلى عمر ، فكتب أن عبد المسلمين منة ذمته ذمتهم.

وأخبرنى بعض أهل فارس : أن حصن سيراف يدعى سوريانج فسمته العرب شهرياج ، وبفسا قلعة تعرف بخرشة بن مسعود من بنى تميم ، ثم من بنى شقرة كان مع ابن الأشعث فتحصن فى هذه القلعة ، ثم أو من فمات بواسط وله عقب بفسا.

وأما كرمان فام عثمان بن أبى العاصي الثقفي لقى مرزبانها فى جزيرة ابركاوان وهو فى خف فقتله فوهن أمر أهل كرمان ونخبت قلوبهم فلما صارا ابن عامر إلى فارس وجه مجاشع بن مسعود السلمى إلى كرمان فى طلب يزدجرد ، فأتى بيمنذ فهلك جيشه بها ، ثم لما توجه ابن عامر يريد خراسان ولى مجاشعا كرمان ففتج بيمنذ عنوة واستبقى أهلها وأعطاهم أمانا وبها قصر يعرف بقصر مجاشع ، وفتح مجاشع بروخروة وأتى الشيرجان وهي مدينة كرمان وأقام عليها أياما يسيرة وأهلها متحصنون وقد خرجت لهم خيل فقاتلهم ففتحها عنوة وخلف بها رجلا ، ثم أن كثيرا من أهلها جلوا عنها ، وقد كان أبو موسى الأشعرى وجه الربيع بن زياد ففتح ما حول الشيرجان وصالح أهل بم والاندغار ، فكفر أهلها ونكثوا ، فافتتحها مجاشع بن مسعود وفتح جيرفت عنوة وسار فى كرمان فدوخها ، وأتى القفص وتجمع له بهرموز خلق ممن جلا من الأعاجم فقاتلهم فظفر بهم وظهر عليهم ، وهرب كثير من أهل كرمان فركبوا البحر ولحق بعضهم بمكران وأتى بعضهم

٣٧٩

سجستان ، فأقطعت العرب منازلهم وأرضيهم فعمروها وأدوا العشر فيها واحتفروا القنى فى مواضع منها ، وولى الحجاج قطعن بن قبيصة بن مخارق الهلالي فارس وكرمان وهو الذي انتهى إلى نهر فلم يقدر أصحابه على اجازته ، فقال : من جاز فله ألف درهم فجازوه فوفى لهم فكان ذلك أول يوم سميت الجائزة فيه ، قال الشاعر وهو الجحاف بن حكيم :

فدى للأكرمين بنى هلال

على علاتهم أهلى ومالي

هم سنوا الجوائز فى معد

فصارت سنة أخرى الليالي

رماحهم تزيد على ثمان

وعشر حين تختلف العوالي

وكان قبيصة بن مخارق من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفى قطن يقول الشاعر :

كم من أمير قد أصبت حباءه

وآخر حظى من امارته الحزن

فهل قطن إلا كمن كان قبله

فصبرا على ما جاء يوما به قطن

قالوا : وكان ابن زياد ولى شريك بن الأعور الحارثي ـ وهو شريك بن الحارث ـ كرمان ، وكتب ليزيد بن زياد بن ربيعة بن مفرغ الحميري إليه فأقطعه أرضا بكرمان فباعها بعد هرب بن زياد من البصرة ، وولى الحجاج الحكم بن نهيك الهجيمي كرمان بعد أن كان ولاه فارس فبنى مسجد أرجان ودار أمارتها.

* * *

٣٨٠