فتوح البلدان

أبوالحسن البلاذري

فتوح البلدان

المؤلف:

أبوالحسن البلاذري


المحقق: لجنة تحقيق التراث
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

فتح سجستان وكابل

حدثني على بن محمد وغيره أن عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس توجه يريد خراسان سنة ثلاثين فنزل بعسكره شق الشيرجان من كرمان ووجه الربيع بن زياد بن أنس بن الديان الحارثي إلى سجستان فسار حتى نزل الفهرج ، ثم قطع المفازة ، وهي خمسة وسبعون فرسخا ، فأتى رستاق زالق وبين زالق وبين سجستان خمسة فراسخ وزالق حصن ، فأغار على أهله فى يوم مهرجان فأخذ دهقانه فافتدى نفسه بأن ركز عنزة ثم غمرها ذهبا وفضة وصالح الدهقان على حقن دمه.

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى صالحه على أن يكون بلده كبعض ما افتتح من بلاد فارس وكرمان ، ثم أتى قرية يقال لها : كركويه على خمسة أميال من زالق فصالحوه ولم يقاتلوه ، ثم نزل رستاقا يقال له هيسون فأقام له أهله النزل وصالحوه على غير قتال ، ثم أتى زالق وأخذ الأدلاء منها إلى زرنج وسار حتى نزل الهندمند ، وعبر واديا يترع منه يقال له نوق وأتى ذوشت وهي من زرنج على ثلثي ميل فخرج إليه أهلها فقاتلوه قتالا شديدا وأصيب رجال من المسلمين ، ثم كر المسلمون وهزموهم حتى اضطروهم إلى المدينة بعد أن قتلوا منهم مقتلة عظيمة ، ثم أتى الربيع ناشروز وهي قرية فقاتل أهلها وظفر بهم وأصاب بها عبد الرحمن أبا صالح بن عبد الرحمن الذي كتب للحجاج مكان زادانفروخ ابن نيرى ، وولى خراج العراق لسليمان بن عبد الملك وأمه فاشترته امرأة من بنى تميم ثم من بنى مرة بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد ابن زيد مناة بن تميم يقال لها عبلة ، ثم مضى من ناشروذ إلى شرواذ وهي قرية فغلب عليها وأصاب بها جد إبراهيم بن بسام فصار لابن عمير

٣٨١

الليثي ، ثم حاصر مدينة زرنج بعد أن قاتله أهلها فبعث إليه أبرويز مرزبانها يستأمنه ليصالحه فأمر بجسد من أجساد القتلى فوضع له فجلس عليه واتكأ على آخر وأجلس أصحابه على أجساد القتلى ، وكان الربيع آدم أفوه طويلا فلما رآه المرزبان هاله فصالحه على ألف وصيف مع كل وصيف جام من ذهب ودخل الربيع المدينة ثم أتى سناروذ وهو واد فعبره وأتى القريتين ، وهناك مربط فرس رستم فقاتلوه فظفر ، ثم قدم زرنج فأقام بها سنتين ، ثم أتى ابن عامر واستخلف بها رجلا من بنى الحارث بن كعب فأخرجوه وأغلقوها ، وكانت ولاية الربيع سنتين ونصفا ، وسبى فى ولايته هذه أربعين ألف رأس ، وكان كاتبه الحسن البصري ، ثم ولى ابن عامر عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس سجستان ، فأتى زرنج فحصر مرزبانها فى قصره فى يوم عيد لهم فصالحه على ألفى ألف درهم وألفى وصيف وغلب ابن سمرة على ما بين زرنج وكش من ناحية الهند وغلب من ناحية طريق الرخج على ما بينه وبين بلاد الدوار ، فلما انتهى إلى بلاد الدوار حصرهم فى حبل الزور ثم صالحهم فكانت عدة من معه من المسلمين ثمانية آلاف فأصاب كل رجل منهم أربعة آلاف ، ودخل على الزور وهو صنم من ذهب عيناه ياقوتتان فقطع يده وأخذ الياقوتتين ، ثم قال للمرزبان : دونك الذهب والجوهر ، وإنما أردت أن أعلمك أنه لا يضر ولا ينفع وفتح بست وزابل بعهد.

حدثني الحسين بن الأسود قال : حدثنا وكيع عن حماد بن زيد عن يحيى ابن عتيق عن محمد بن سيرين أنه كره سبى زابل وقال : أن عثمان ولث لهم ولثا ، قال وكيع : عقد لهم عقدا وهو دون العهد ، قالوا : وأتى عبد الرحمن زرنج فأقام بها حتى اضطرب أمر عثمان ، ثم استخلف أمير بن أحمر اليشكري وانصرف من سجستان ، لأمير يقول ، زياد الأعجم :

لو لا أمير هلكت يشكر

ويشكر هلكى على كل حال

٣٨٢

ثم أن أهل زرنج أخرجوا أميرا وأغلقوها ، ولما فرغ على بن أبى طالب عليه‌السلام من أمر الجمل خرج حسكة بن عتاب الحبطى وعمران بن الفصيل البرجمي فى صعاليك من العرب حتى نزلوا زالق وقد نكث أهلها ، فأصابوا منها مالا ، وأخذوا جد البختري الأصم بن مجاهد مولى شيبان ، ثم أتوا زرنج وقد خافهم مرزبانها فصالحهم ودخلوها وقال الراجز :

بشر سجستان بجوع وحرب

بابن الفصيل وصعاليك العرب

لا فضة يغنيهم ولا ذهب

وبعث على بن أبى طالب عبد الرحمن بن جزء الطائي إلى سجستان فقتله حسكة ، فقال على : لأقتلن من الحبطات أربعة آلاف ، فقيل له : أن الحبطات لا يكونون خمسمائة.

وقال أبو مخنف : وبعث على رضى الله عنه عون بن جعدة بن هبيرة المخزومي إلى سجستان فقتله بهدالى اللص الطائي فى طريق العراق ، فكتب على إلى عبد الله بن العباس يأمره أن يولى سجستان رجلا فى أربعة آلاف فوجه ربعي بن الكاس العنبري فى أربعة آلاف وخرج معه الحصين بن أبى الحر واسم أبى الحر مالك بن الخشخاش العنبري ، وثات بن ذى الحرة الحميري ، وكان على مقدمته ، فلما وردوا سجستان قاتلهم حسكة فقتلوه وضبط ربعي البلاد فقال راجزهم.

نحن الذين اقتحموا سجستان

على بن عتاب وجند الشيطان

يقدمنا الماجد عبد الرحمن

إنا وجدنا فى منير الفرقان

أن لا نوالى شيعة ابن عفان

وكان ثابت يسمى عبد الرحمن ، وكان فيروز حصين ينسب إلى حصين ابن أبى الحر وهذا هو من سبى سجستان ، ثم لما ولى معاوية بن أبى سفيان

٣٨٣

استعمل ابن عامر على البصرة ، فولى عبد الرحمن بن سمرة سجستان فأتاها وعلى شرطته عباد بن الحصين الحبطى ومعه من الأشراف عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي ، وعبد الله بن خازم السلمى وقطري بن الفجاءة ، والمهلب بن أبى صفرة فكان يغزو البلد قد كفر أهلها فيفتحه عنوة أو يصالح أهله حتى بلغ كابل ، فلما صار إليها نزل بها فحاصر أهلها أشهرا وكان يقاتلهم ويرميهم بالمنجنيق حتى ثلث ثلثة عظيمة ، فبات عليها عباد بن الحصين ليلة يطاعن المشركين حتى أصبح فلم يقدروا على سدها ، وقاتل بن خازم معه عليها فلما أصبح الكفرة خرجوا يقاتلون المسلمين فضرب بن خازم فيلا كان معهم فسقط على الباب الذي خرجوا منه فلم يقدروا غلقه فدخلها المسلمون عنوة ، وقال أبو مخنف : الذي عقر الفيل المهلب وكان الحسن البصري يقول : ما ظنت أن رجلا يقوم مقام ألف حتى رأيت عباد بن الحصين.

قالوا : ووجه عبد الرحمن بن سمرة ببشارة الفتح عمر بن عبيد الله بن معمر والمهلب بن أبى صفرة ، ثم خرج عبد الرحمن فقطع وادي نسل ، ثم أتى خواش وقوزان بست ففتحها عنوة ، وسار إلى رزان فهرب أهلها غلب عليها ، ثم سار إلى خشك فصالحه أهلها ، ثم أتى الرخج فقاتلوه فظفر بهم وفتحها ، ثم سار إلى ذابلستان فقاتلوه وقد كانوا نكثوا ففتحها وأصاب سبيا ، وأتى كابل وقد نكث أهلها ففتحها ، ثم ولى معاوية عبد الرحمن بن سمرة سجستان من قبله وبعث إليه بعهده فلم يزل عليها حتى قدم زياد البصرة فأقره أشهرا ثم ولاها الربيع بن زياد ومات ابن سمرة بالبصرة سنة خمسين وصلى عليها زياد وهو الذي قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا تسأل الأمارة فإنك أوتيتها عن غير مسئلة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسئلة وكلت إليها وإذا حلفت على يمين فرأيت خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك» وكان عبد الرحمن قدم بغلمان من سبى كابل فعملوا له مسجدا فى قصره بالبصرة على بناء كابل.

٣٨٤

قالوا : ثم جمع كابل شاه للمسلمين وأخرج من كان منهم بكابل وجاء رتبيل فغلب على ذابلستان والرخج حتى انتهى إلى بست ، فخرج الربيع بن زياد فى الناس فقاتل رتبيل ببست ، وهزمه واتبعه حتى أتى الرخج فقاتله بالرخج ومضى ففتح بلاد الداور ، ثم عزل زياد بن أبى سفيان الربيع بن زياد الحارثي وولى عبيد الله بن أبى بكرة سجستان فغزا ، فلما كان برزان بعث إليه رتبيل يسأله الصلح عن بلاده وبلاد كابل على ألف ألف ومائتي ألف ، فأجابه إلى ذلك وسأله أن يهب له مائتي ألف تفعل فتم الصلح على ألف ألف درهم ، ووفد عبيد الله على زياد فأعلمه ذلك فأمضى الصلح ، ثم رجع عبيد الله بن أبى بكرة إلى سجستان فأقام بها إلى أن مات زياد ، وولى سجستان بعد موت زياد عباد بن زياد من قبل معاوية ، ثم لما ولى يزيد بن معاوية ولى سلم بن زياد خراسان وسجستان فولى سلم أخاه يزيد بن زياد سجسان ، فلما كان موت يزيد أو قبل ذلك بقليل غدر أهل كابل ونكثوا وأسروا أبا عبيدة بن زياد فسار إليهم يزيد بن زياد فقاتلهم وهم بجنزة فقتل يزيد بن زياد وكثير ممن كان معه وانهزم سائر الناس ، وكان فيمن استشهد زيد بن عبد الله بن أبى مليكة بن عبد الله بن جدعان القرشي ، وصلة بن أشيم أبو الصهباء العدوى زوج معاذة العدوية ، فبعث سلم بن زياد طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي الذي يعرف بطلحة الطلحات ففدى أبا عبيدة بخمسمائة ألف درهم ، وسار طلحة من كابل إلى سجستان واليا عليها من قبل سلم بن زياد فجبى وأعطى زواره ومات بسجستان واستخلف رجلا من بنى يشكر فأخرجته المضرية ووقعت العصبية وغلب كل قوم على مدينتهم فطمع فيهم رتبيل ، ثم قدم عبد العزيز بن عبد الله بن عامر واليا على سجستان من قبل القباع ، وهو الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة المخزومي فى أيام ابن الزبير فأدخلوه مدينة زرنج وحاربوا رتبيل فقتله أبو عفراء

٣٨٥

عمير المازني وانهزم المشركون ، وأرسل عبد العزيز بن ناشرة التميمي إلى عبد العزيز أن خذ جميع ما فى بيت المال وانصرف ففعل ، وأقبل ابن ناشرة حتى دخل زرنج ومضى وكيع بن أبى سود التميمي فرد عبد العزيز وأدخله المدينة حين فتحت للحطابين وأخرج بن ناشرة فجمع جمعا فقاتله عبد العزيز ابن عبد الله ومعه وكيع فعثر بابن ناشرة فرسه فقتل ، فقال أبو حزابة ، ويقال حنظلة بن عرادة.

ألا لا فتى بعد ابن ناشرة الفتى

ولا شيء إلا قد تولى وأدبرا

أكان حصادا للمنايا ازدرعنه

فهلا تركن النبت ما كان أخضرا

فتى حنظلى ما تزال يمينه

تجود بمعروف وتنكر منكرا

لعمري : لقد هدت قريش عروشنا

بأروع نفاح العشيات أزهرا

واستعمل عبد الملك بن مروان أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبى العيص على خراسان فوجه ابنه عبد الله بن أمية على سجستان وعقد له عليها وهو بكرمان ، فلما قدمها غزا رتبيل الملك بعد رتبيل الأول المقتول ، وقد كان هاب المسلمين فصالح عبد الله حين نزل بست على ألف ألف ففعل وبعث إليه بهدايا ورقيق فأبى قبول ذلك ، وقال : ان ملأ لى هذا الرواق ذهبا وإلا فلا صلح بيني وبينه ، وكان غزاء فخلى له رتبيل البلاد حتى إذا أو غل فيها أخذ عليه الشعاب والمضايق وطلب إليهم أن يخلوا عنه ولا يأخذ منهم شيئا فأبى ذلك وقال : بل تأخذ ثلاثمائة ألف درهم صلحا وتكتب لنا بها كتابا ولا تغزو بلاد ناما كنت اليا ولا تحرق ولا تخرب ففعل ، وبلغ عبد الملك بن مروان ذلك فعزله ، ثم ولما ولى الحجاج بن يوسف العراق وجه عبيد الله بن أبى بكرة إلى سجستان فحار ووهن ، وأتى الرخج وكانت البلاد مجدبة فسار حتى نزل بالقرب من كابل وانتهى إلى شعب فأخذه عليه العدو ولحقهم رتبيل فصالحهم عبيد الله على أن

٣٨٦

يعطوه خمسمائة ألف درهم ويبعث إليه بثلاثة من ولده نهار والحجاج وأبى بكرة رهناء ويكتب لهم كتابا أن لا يغزوهم ما كان واليا ، فقال له شريح بن هانئ الحارثي : اتق الله وقاتل هؤلاء القوم فإنك إن فعلت ما تريد أن تفعله أوهنت الإسلام بهذا الثغر ، وكنت قد فررت من الموت الذي إليه مصيرك فاقتتلوا وحمل شريح فقتل وقاتل الناس فأفلتوا وهم مجهودون وسلكوا مفازة بست فهلك كثير من الناس عطشا وجوعا ومات عبيد الله بن ابى بكرة كمدا لما نال الناس وأصابهم ، ويقال أنه اشتكى أذنه فمات واستخلف على الناس ابنه أبا برذعة ، ثم أن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث خلع وخرج إلى سجستان مخالفا لعبد الملك بن مروان والحجاج فهادن رتبيل وصار إليه ، ثم أن رتبيل أسلمه خوفا من الحجاج ، وذلك أنه كتب إليه يتوعده فألقى نفسه فوق جبل ويقال من فوق سطح وسقط معه الذي كان يحفظه وكان قد سلسل نفسه معه فمات ، فأتى الحجاج برأسه فصالح الحجاج رتبيل على أن لا يغزوه سبع سنين ، ويقال تسع سنين على أن يؤدى بعد ذلك فى كل سنة بتسعمائة ألف درهم عروضا ، فلما انقضت السنون ولى الحجاج الأشهب بن بشر الكلبي سجستان فعاسر رتبيل فى العرض التي أداها فكتب إلى الحجاج يشكوه إليه فعزله الحجاج.

قالوا : ثم لما ولى قتيبة بن مسلم الباهلي خراسان وسجستان فى أيام الوليد ابن عبد الملك ولى أخاه عمرو بن مسلم سجستان فطلب الصلح من رتبيل دراهم مدرهمة فذكر أنه لا يمكنه إلا ما كان فارق عليه الحجاج من العروض ، فكتب عمرو بذلك إلى قتيبة فسار قتيبة إلى سجستان ، فلما بلغ رتبيل قدومه أرسل إليه أنا لم نخلع يدا من الطاعة وإنما فارقتمونا على عروض فلا تظلمونا ، فقال قتيبة للجند : أقبلوا منه العروض فانه ثغر مشئوم فرضوا بها ، ثم انصرف قتيبة إلى خراسان بعد أن ذرع زرعا فى أرض زرنج لييأس العدو من

٣٨٧

انصرافه فيذعن له فلما حصد ذلك الزرع منعت منه الأفاعى فأمر به فأحرق واستخلف قتيبة على سجستان ابن عبد الله بن عمير الليثي أخى عبد الله بن عامر لأمه ، ثم ولى سليمان بن عبد الملك وولى يزيد بن المهلب العراق فولى يزيد مدرك بن المهلب أخاه سجستان فلم يعطه رتبيل شيئا ، ثم ولى معاوية بن يزيد فرضخ له ثم ولى يزيد بن عبد الملك فلم يعط رتبيل عماله شيئا ، قال ما فعل قوم كانوا يأتونا خماص البطون سود الوجوه من الصلاة نعالهم خوص ، قالوا : انقرضوا ، قال : أولئك أو فى منكم عهدا وأشد بأسا ، وإن كنتم أحسن منهم وجوها ، وقيل له ما بالك كنت تعطى الحجاج الأتاوة ولا تعطيناها ، فقال : كان الحجاج رجلا لا يظفر فيما أنفق إذا ظفر ببغيته ولو لم يرجع إليه درهم وأنتم لا تنفقون درهما إلا إذا طمعتم فى أن يرجع إليكم مكانه عشرة ، ثم لم يعط أحدا من عمال بنى أمية ولا عمال أبى مسلم على سجستان من تلك الأتاوة شيئا.

قالوا : ولما استخلف المنصور أمير المؤمنين ولى معن بن زائدة الشيبانى سجستان فقدمها وبعث عماله عليها وكتب إلى رتبيل يأمره بحمل الأتاوة التي كان الحجاج صالح عليها ، فبعث بابل وقباب تركية ورقيق وزاد فى قيمة ذلك للواحد ضعفه ، فغضب معن وقصد الرخج وعلى مقدمته يزيد بن مزيد فوجد رتبيل قد خرج عنها ومضى إلى ذابلستان ليصيف بها ، ففتحها وأصاب سبايا كثيرة ، وكان فيهم فرج الرخجي وهو صبي وأبوه زياد فكان فرج يحدث أن معنا رأى غبارا ساطعا أثارته حوافر حمير وحشية فظن أن جيشا قد أقبل نحوه ليحاربه ويتخلص السبي والأسرى من يده فوضع السيف فيهم فقتل منهم عدة كثيرة ثم أنه تبين أمر الغبار ورأى الحمير فأمسك ، وقال فرج : لقد رأيت أبى حين أمر معن بوضع السيف فينا وقد حنى على وهو يقول اقتلوني ولا تقتلوا ابني.

قالوا : وكانت عدة من سبى وأسر زهاء ثلاثين ألفا فطلب ماوند خليفة

٣٨٨

رتبيل الأمان على أن يحمله إلى أمير المؤمنين ، فآمنه وبعث به إلى بغداد مع خمسة آلاف من مقاتلهم فأكرمه المنصور وفرض له وقوده ، قالوا : وخاف معن الشتاء وهجومه فانصرف إلى بست ، وأنكر قوم من الخوارج سيرته فاندسوا مع فعلة كانوا يبنون فى منزله بناء ، فلما بلغوا التسقيف احتالوا لسيوفهم فجعلوها فى حزم القصب ثم دخلوها عليه قبته وهو يحتجم ففتكوا به وشق بعضهم بطنه بخنجر كان معه ، وقال أحدهم وضربه على رأسه أبو الغلام الطاقي والطاق رستاق بقرب زرنج فقتلهم يزيد بن مزيد فلم ينج منهم أحد ، ثم أن يزيد قام بأمر سجستان ، واشتدت على العرب والعجم من أهلها وطأته فاحتال بعض العرب فكتب على لسانه إلى المنصور كتابا يخبره فيه إن كتب المهدى إليه قد حيرته وأدهشته ويسأله أن يعفيه من معاملته ، فأغضب ذلك المنصور وشتمه وأقر المهدى كتابه فعزله وأمر بحبسه وبيع كل شيء له ، ثم أنه كلم فيه فأشخص إلى مدينة السلام فلم يزل بها مخبوءا حتى لقيه الخوارج على الجسر فقاتلهم فتحرك أمره قليلا ، ثم توجه إلى يوسف البرم بخراسان فلم يزل فى ارتفاع ولم يزل عمال المهدى والرشيد رحمهما‌الله يقبضون الأتاوة من رتبيل سجستان على قدر قوتهم وضعفهم ويولون عمالهم النواحي التي قد غلب عليها الإسلام ولما كان المأمون بخراسان أديت إليه الأتاوة مضعفة وفتح كابل وأظهر ملكها الإسلام والطاعة وأدخلها عامله واتصل إليها البريد فبعث إليه منها بأهليلج غض ثم استقامت بعد ذلك حينا.

وحدثني العمرى عن الهيثم بن عدى ، قال : كان فى صلحات سجستان القديمة أن لا يقتل لهم ابن عرس لكثرة الأفاعى عندهم قال ، وقال : أول من دعا أهل سجستان إلى رأى الخوارج رجل من بنى تميم يقال له عاصم أو ابن عاصم.

٣٨٩

فتوح خراسان

قالوا : وجه أبو موسى الأشعرى عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي غازيا فأتى كرمان ومضى حتى بلغ الطبسين وهما حصنان يقال لأحدهما طبس وللآخر كرين ، وهما جرم فيهما نخل وهما بابا خراسان ، فأصاب مغنما وأتى قوم من أهل الطبسين عمر بن الخطاب فصالحوه على ستين ألفا ، ويقال خمسة وسبعين ألفا وكتب لهم كتابا.

ويقال : بل توجه عبد الله بن بديل من أصبهان من تلقاء نفسه ، فلما استخلف عثمان بن عفان ولى عبد الله بن عامر بن كريز البصرة فى سنة ثمان وعشرين ويقال فى سنة تسع وعشرين وهو ابن خمس وعشرين سنة فافتتح من أرض فارس ما افتتح ثم غزا خراسان فى سنة ثلاثين واستخلف على البصرة زياد بن أبى سفيان وبعث على مقدمته الأحنف بن قيس ، ويقال عبد الله ابن حازم بن أسماء بن الصلت بن حبيب السلمى ، فأقر صلح الطبسين ، وقدم ابن عامر الأحنف بن قيس إلى قوهستان ، وذلك أنه سأل عن أقرب مدينة إلى الطبسين فدل عليها فلقيته الهياطلة وهم أتراك ، ويقال بل هم قوم من أهل فارس كانوا يلوطون فنفاهم فيروز إلى هراة فصاروا مع الأتراك فكانوا معاونين لأهل قوهستان فهزمهم وفتح قوهستان عنوة ، ويقال بل ألجأهم إلى حصنهم ثم قدم عليه ابن عامر فطلبوا الصلح فصالحهم على ستمائة ألف درهم.

وقال معمر بن المثنى : كان المتوجه إلى قوهستان أمير بن أحمر اليشكري وهي بلاد بكر بن وائل إلى اليوم ، وبعث ابن عامر يزيد الجرشى أبا سالم بن يزيد إلى رستاق زام من نيسابور ففتحه عنوة ، وفتح باخرز وهو رستاو من نيسابور ، وفتح أيضا جوبن وسبى سبيا ووجه ابن عامر الأسود بن كلثوم

٣٩٠

العدوى عدى الرباب وكان ناسكا إلى بيهق وهو رستاق من نيسابور فدخل بعض حيطان أهله من ثلمة كانت فيه ودخلت معه طائفة من المسلمين وأخذ العدو عليهم تلك الثلمة فقاتل الأسود حتى قتل ومن معه ، وقام بأمر الناس بعده أدهم بن كلثوم فظفر وفتح بيهق ، وكان الأسود يدعو ربه أن يحشره من بطون السباع والطير فلم يواره أخوه ودفن من استشهد من أصحابه ، وفتح ابن عامر بشت من نيسابور وأشبندورخ وزاوة وخواف واسبرائن وأرغيان من نيسابور ، ثم أتى أبر شهر وهي مدينة نيسابور فحصر أهلها أشهرا وكان على كل ربع منها رجل موكل به. وطلب صاحب ربع من تلك الأرباع الأمان على أن يدخل المسلمين المدينة فأعطيه وأدخلهم إياها ليلا ففتحوا الباب وتحصن مرزبانها فى القهندز ومعه جماعة فطلب الأمان على أن يصالحه من جميع نيسابور على وظيفة يؤديها فصالحه على ألف ألف درهم ويقال سبعمائة ألف درهم. وولى نيسابور حين فتحها قيس بن الهيثم السلمى ووجه ابن عامر عبد الله بن خازم السلمى إلى حمراتدز من نسا وهو رستاق ففتحه ، وأتاه صاحب نسا فصالحه على ثلاثمائة ألف درهم ، ويقال على احتمال الأرض من الخراج على أن لا يقتل أحدا ولا يسبيه.

وقدم بهمنة عظيم أبيورد على ابن عامر فصالحه على أربعمائة ألف ويقال وجه إليها ابن عامر عبد الله بن خازم فصالح أهلها على أربعمائة ألف درهم ، ووجه عبد الله بن عامر عبد الله بن خازم إلى سرخس فقاتلهم ، ثم طلب زاذويه مرزبانها الصلح على إيمان مائة رجل ، وأن يدفع إليه النساء فصارت ابنته فى سهم ابن خازم واتخذها وسماها ميثاء ، وغلب ابن خازم على أرض سرخس ، ويقال أنه صالحه على أن يؤمن مائة نفس فسمى له المائة ولم يسم نفسه فقتله ودخل سرخس عنوة ، ووجه ابن خازم من سرخس يزيد بن

٣٩١

سالم مولى شريك بن الأعور إلى كيف وبينة ففتحها ، وأنى كنازتك مرزبان طوس ابن عامر فصالحه عن طوس على ستمائة ألف درهم ، ووجه ابن عامر جيشا إلى هراة عليه أوس بن ثعلبة بن رقى ، ويقال خليد بن عبد الله الحنفي فبلغ عظيم هراة ذلك فشخص إلى ابن عامر وصالحه عن هراة وبادغيس وبوشنج غير طاغون وباغون فإنهما فتحا عنوة ، وكتب له ابن عامر :

بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما أمر به عبد الله بن عامر عظيم هراة وبوشنج وبادغيس ، أمره بتقوى الله ، ومناصحة المسلمين ، وإصلاح ما تحت يديه من الأرضين ، وصالحه عن هراة سهلها وجبلها على أن يؤدى من الجزية ما صالحه عليه ، وأن يقسم ذلك على الأرضين عدلا بينهم ، فمن منع ما عليه فلا عهد له ولا ذمة ، وكتب ربيع بن نهشل وختم ابن عامر.

ويقال أيضا : أن ابن عامر سار بنفسه فى الدهم إلى هراة فقاتل أهلها ثم صالحه مرزبانها عن هراة وبوشنج وبادغيس على ألف ألف درهم ، وأرسل مرزبان مرو الشاهجان يسأل الصلح فوجه ابن عامر إلى مرو حاتم بن النعمان الباهلي فصالحه على ألفى ألف ومائتي ألف درهم ، وقال بعضهم ألف ألف درهم ومائتي ألف جريب من بر وشعير ، وقال بعضهم ألف ألف ومائة ألف أوقية وكان فى صلحم أن يوسعوا للمسلمين فى منازلهم وأن عليهم قسمة المال وليس على المسلمين إلا قبض ذلك وكانت مرو صلحا كلها إلا قرية منها يقال لها السنج فإنها أخذت عنوة.

وقال أبو عبيدة صالحه على وصائف ووصفاء ودواب ومتاع ، ولم يكن عند القوم يومئذ عين وكان الخراج كله على ذلك حتى ولى يزيد بن معاوية فصيره مالا ، ووجه عبد الله بن عامر الأحنف بن قيس نحو طخارستان ، فأتى الموضع الذي يقال له قصر الأحنف وهو حصن من مرو الروذ ، وله رستاق

٣٩٢

عظيم يعرف برستاق الأحنف ويدعى بشق الجرذ فحصر أهله فصالحوه على ثلاثمائة ألف ، فقال الأحنف أصالحكم على أن يدخل رجل منا القصر فيؤذن فيه ويقيم فيكم حتى انصرف فرضوا ، وكان الصلح عن جميع الرستاق ومضى الأحنف إلى مرو الروذ فحصر أهلها وقاتلوهم قتالا شديدا فهزمهم المسلمون فاضطروهم إلى حصنهم ، وكان المرزبان من ولد باذام صاحب اليمن أو ذا قرابة له ، فكتب إلى الأحنف : انه دعاني إلى الصلح إسلام باذام فصالحه على ستين ألفا ، وقال المدائني : قال قوم ستمائة ألف ، وقد كانت للأحنف خيل سارت وأخذت رستاقا يقال له بغ واستاقت منه مواشى فكان الصلح بعد ذلك.

وقال أبو عبيدة : قاتل الأحنف أهل مرو الروذ مرات ، ثم أنه مر برجل يطبخ قدرا لأصحابه أو يعجن عجينا فسمعه يقول : إنما نبتغى للأمير أن يقاتلهم من وجه واحد من داخل الشعب ، فقال فى نفسه : الرأى ما قاله الرجل فقاتلهم وجعل المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره ، والمرغاب نهر يسيح بمرو الروذ ثم يغيض فى رمل ثم يخرج بمرو الشاهجان فهزمهم ومن معهم من الترك ثم طلبوا الأمان فصالحه.

وقال غير أبى عبيدة : جمع أهل طخارستان للمسلمين فاجتمع أهل الجوزجان والطالقان والفارياب ومن حولهم فبلغوا ثلاثين ألفا وجاءهم أهل الصغانيان وهم فى الجانب الشرقي من النهر فرجع الأحنف إلى قصره فوفى له أهله وخرج ليلا فسمع أهل خباء يتحدثون ورجلا يقول. الرأى للأمير أن يسير إليهم فيناجزهم حيث لقيهم فقال رجل يوقد تحت خزيرة أو يعجن. ليس هذا برأى ولكن الرأى أن ينزل بين المرغاب والجبل فيكون المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره فلا يلقى من عدوه وان كثروا

٣٩٣

إلا مثل عدة أصحابه ، فرأى ذلك صوابا ففعله وهو فى خمسة آلاف من المسلمين أربعة آلاف من العرب وألف من مسلمي العجم فالتقوا وهز رايته وحمل وحملوا فقصد ملك الصغانيان للأحنف ، فأهوى له بالرمح فانتزع الأحنف الرمح من يده ، وقاتل قتالا شديدا ، فقتل ثلاثة ممن معهم الطبول منهم كان يقصد قصد صاحب الطبل فيقتله ، ثم أن الله ضرب وجوه الكفار فقتلهم المسلمون قتلا ذريعا ووضعوا السلاح أنى شاءوا منهم ورجع الأحنف إلى مرو الروذ ، ولحق بعض العدو بالجوزجان فوجه إليهم الأحنف الأقرع بن حابس التميمي فى خيل : وقال : يا بنى تميم تحابوا وتبادلوا تعتدل أموركم وابدءوا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم دينكم ، ولا تغلوا يسلم لكم جهادكم ، فسار الأقرع فلقى العدو بالجوزجان فكانت فى المسلمين جولة ، ثم كروا فهزموا الكفرة ، وفتحوا الجوزجان عنوة ، وقال ابن الغريزة النهشلي :

سقى صوب الصحاب إذا استهلت

مصارع فتية بالجوزجان

إلى القصرين من رستاق حوف

أفادهم هناك الأقرعان

وفتح الأحنف مطالقان صلحا وفتح الفارياب ، ويقال بل فتحها أمير ابن أحمر ، ثم سار الأحنف إلى بلخ وهي مدينة طخارى فصالحهم أهلها على أربعمائة ألف ويقال سبعمائة ألف ، وذلك أثبت ، فاستعمل على بلخ أسيد ابن المتشمس ، ثم سار إلى خارزم وهي من سقى النهر جميعا ومدينتها شرقية فلم يقدر عليها فانصرف إلى بلخ وقد جبى أسيد صلحها.

وقال أبو عبيدة : فتح ابن عامر ما دون النهر ، فلما بلغ أهل ما وراء النهر أمره طلبوا إليه أن يصالحهم ففعل ، فيقال أنه عبر النهر حتى أتى موضعا موضعا وقيل بل أتوه فصالحوه وبعث من قبض ذلك ، فأتته الدواب والوصفاء والوصائف والحرير والثياب ، ثم أنه أحرم شكر الله ولم يذكر غيره عبوره

٣٩٤

النهر ومصالحته أهل الجانب الشرقي ، وقالوا : أنه أهل بعمرة وقدم على عثمان واستخلف قيس بن الهيثم فسار قيس بعد شخوصه فى أرض طخارستان فلم يأت بلدا منها إلا صالحه أهله فأذعنوا له حتى أتى سمنجان فامتنعوا فحصرهم حتى فتحها عنوة ، وقد قيل أن ابن عامر جعل خراسان بين ثلاثة الأحنف ابن قيس وحاتم بن النعمان الباهلي وقيس بن الهيثم ، والأول أثبت ، ثم أن ابن خازم افتعل عهدا على لسان بن عامر وتولى خراسان فاجتمعت بها جموع الترك ففضهم ثم قدم البصرة قبل قتل عثمان.

وحدثني الحسين بن الأسود ، قال : حدثنا وكيع بن الجراح عن ابن عون عن محمد بن سيرين أن عثمان بن عفان عقد لمن وراء النهر ، قالوا وقدم ماهويه مرزبان مرو على بن أبى طالب فى خلافته وهو بالكوفة فكتب له إلى الدهاقين والأساورة والدهشلارين أن يؤدوا إليه الجزية فانتقضت عليهم خراسان فبعث جعدة بن هبيرة المخزومي وأمه أم هانئ بنت أبى طالب فلم يفتحها ولم تزل خراسان ملتاثة حتى قتل على عليه‌السلام ، قال أبو عبيدة أول عمال على خرسان عبد الرحمن بن أبزى مولى خزاعة ثم جعدة بن هبيرة بن أبى وهب ابن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم.

قالوا : واستعمل معاوية بن أبى سفيان قيس بن الهيثم بن قيس بن الصلت السلمى على خراسان فلم يعرض لأهل النكث ، وجبى أهل الصلح فكان عليها سنة أو قريبا منها ، ثم عزله وولى خالد بن المعمر فمات بقصر مقاتل أو بعين التمر ، ويقال أن معاوية ندم على توليته فبعث إليه بثوب مسموم ويقال بل دخلت فى رجله زجاجة فنزف منها حتى مات ، ثم ضم معاوية إلى عبد الله بن عامر مع البصرة خراسان ، فولى بن عامر قيس بن الهيثم السلمى خراسان وكان أهل بادغيس وهراة وبوشنج وبلخ على نكثهم

٣٩٥

فسار إلى بلح فأخرب نوبهارها ، وكان الذي تولى ذلك عطاء بن السائب مولى بنى الليث وهو الخشل ، وإنما سمى عطاء الخشل واتخذ قناطر على ثلاثة أنهار من بلخ على فرسخ فقيل قناطر عطاء ، ثم أن أهل بلخ سألوا الصلح ومراجعة الطاعة فصالحهم قيس ثم قدم على ابن عامر فضربه مائة وحبسه.

واستعمل عبد الله بن خازم فأرسل إليه أهل هراة وبوشنج وبادغيس ، فطلبوا الأمان والصلح فصالحهم ، وحمل إلى بن عامر مالا وولى زياد بن أبى سفيان البصرة فى سنة خمس وأربعين ، فولى أمير بن أحمر مرو ، وخليد بن عبد الله الحنفي أبر شهر ، وقيس بن الهيثم مرو الروذ ، والطالقان ، والفارياب ونافع بن خالد الطاحي من الأزدهراة ، وبادغيس ، وبوشنج وقادس من أنواران فكان أمير أول من أسكن العرب مرو ، ثم ولى زياد الحكم ابن عمرو الغفاري ، وكان عفيفا وله صحبة وإنما قال لحاجبه فيل ايتني بالحكم وهو يريد الحكم بن أبى العاصي الثقفي ، وكانت أم عبد الله بنت عثمان بن أبى العاصي عنده فأتاه بالحكم بن عمرو ، فلما رآه تبرك به ، وقال رجل صالح من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فولاه خراسان فمات بها فى سنة خمسين وكان الحكم أول من صلى من وراء النهر.

وحدثني أبو عبد الرحمن الجعفي ، قال : سمعت عبد الله بن المبارك يقول لرجل من أهل الصغانيان كان يطلب معنا الحديث أتدرى من فتح بلادك قال لا. قال : فتحها الحكم بن عمرو الغفاري ، ثم ولى زياد بن أبى سفيان الربيع ابن زياد الحارثي سنة إحدى وخمسين خراسان ، وحول معه من أهل المصريين زهاء وخمسين ألفا بعيالاتهم ، وكان فيهم بريدة بن الحصيب الأسلمى أبو عبد الله وبمرو توفى أيام يزيد بن معاوية ، وكان أيضا أبو برزة الأسلمى عبد الله ابن نضلة وبهامات وأسكنهم دون النهر ، والربيع أول من أمر الجند بالتناهد

٣٩٦

ولما بلغه مقتل حجر بن عدى الكندي غمه ذلك ، فدعا بالموت فسقط من يومه فمات ، وذلك سنة ثلاث وخمسين واستخلف عبد الله ابنه فقاتل أهل آمل وهي آمويه وزم ، ثم صالحهم ورجع إلى مرو فمكث بها شهرين ثم مات ، ومات زياد فاستعمل معاوية عبيد الله بن زياد على خراسان وهو ابن خمس وعشرين سنة فقطع النهر فى أربعة وعشرين ألفا فأتى بيكند ، وكانت خاتون بمدينة بخارى ، فأرسلت إلى الترك تستمدهم فجاءها منهم دهم فلقيهم المسلمون فهزموهم وحووا عسكرهم وأقبل المسلمون يخربون ويحرقون ، فبعث إليهم خاتون تطلب الصلح والأمان فصالحها على ألف ألف ودخل المدينة ، وفتح رامدين وبيكند وبينهما فرسخان ، ورامدين تنسب إلى بيكند ، ويقال إنه فتح الصغانيان وقدم معه البصرة بخلق من أهل بخارى ففرض لهم ثم ولى معاوية سعيد بن عثمان بن عفان خراسان فقطع النهر ، وكان أول من قطعه بجنده فكان معه رفيع أبو العالية الرياحي وهو مولى لامرأة من بنى رياح فقال رفيع أبو العالية رفعة وعلو.

فلما بلغ خاتون عبوره النهر حملت إليه الصلح وأقبل أهل السغد والترك وأهل كش ونسف وهي نخشب إلى سعيد فى مائة ألف وعشرين ألفا فالتقوا ببخارى وقد ندمت خاتون على أدائها الأتاوة ونكثت العهد ، فحضر عبد لبعض أهل تلك الجموع فانصرف بمن معه فانكسر الباقون ، فلما رأت خاتون ذلك أعطته الرهن وأعادت الصلح ودخل سعيد مدينة بخارى ، ثم غزا سعيد ابن عثمان سمرقند فأعانته خاتون بأهل بخارى ، فنزل على باب سمرقند وحلف أن لا يبرح أو يفتحها ويرمى قهندزها ، فقاتل أهلها ثلاثة أيام وكان أشد قتالهم فى اليوم الثالث ففقئت عينه وعين المهلب بن أبى صفرة ، ويقال أن عين المهلب فقئت بالطالقان ، ثم لزم العدو المدينة وقد فشت فيهم الجراح ، وأتاه رجل فدله على قصر فيه أبناء ملوكهم وعظمائهم فسار إليهم وحصرهم ،

٣٩٧

فلما خاف أهل المدينة أن يفتح القصر عنوة ويقتل من فيه طلبوا الصلح فصالحهم على سبعمائة ألف درهم وعلى أن يعطوه رهنا من أبناء عظمائهم ، وعلى أن يدخل المدينة ومن شاء ويخرج من الباب الآخر فأعطوه خمسة عشر من أبناء ملوكهم ، ويقال أربعين ، ويقال ثمانين ورمى القهندز فثبت الحجر فى كوته ثم انصرف ، فلما كان بالترمذ حملت إليه خاتون الصلح وأقام على الترمذ حتى فتحها صلحا ، ثم لما قتل عبد الله بن خازم السلمى أتى موسى ابنه ملك الترمذ فأجاره وألجأه وقوما كانوا معه فأخرجه عنها وغلب عليها وهو مخالف ، فلما قتل صارت فى أيدى الولاة ثم انتقض أهلها ففتحها قتيبة بن مسلم ، وفى سعيد يقول مالك ابن الريب :

هبت شمال خريق أسقطت ورقا

واصفر بالقاع بعد الخضرة الشيح

فارحل هديت ولا نجعل غنيمتنا

ثلجا يصفقه بالترمذ الريح

إن الشتاء عدو ما نقاتله

فاقفل هديت وثوب الدق مطروح

ويقال أن هذه الأبيات لنهار بن توسعة فى قتيبة وأولها :

كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها

فكل باب من الخيرات مفتوح

فاستبدلت قتبا جعدا أنامله

كأنما وجهه بالجل منضوح

وكان قثم بن العباس بن عبد المطلب مع سعيد بن عثمان فتوفى بسمرقند ، ويقال استشهد بها ، فقال عبد الله بن العباس حين بلغته وفاته شتان ما بين مولده ومقبره فأقبل يصلى فقيل له ما هذا ، فقال : أما سمعتم الله يقول : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) وحدثني عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا شريك عن جابر عن الشعبي ، قال : قدم قثم على سعيد بن عثمان بخراسان ، فقال له سعيد : أعطيك من المغنم ألف سهم ، فقال : لا ولكن أعطني سهما لى وسهما لفرسى ، قال : ومضى سعيد بالرهن الذين أخذهم من السند حتى ورد بهم المدينة ، فدفع ثيابهم ومناطقهم إلى

٣٩٨

مواليه وألبسهم جباب الصوف وألزمهم السقي والسواني والعمل فدخلوا عليه مجلسه ففتكوا به ثم قتلوا أنفسهم ، وفى سعيد يقول مالك بن الريب :

وما زلت يوم السغد ترعد واقفا

من الجبن حتى خفت أن تتنصرا

وقال خالد بن عقبه بن أبى معيط :

ألا إن خير الناس نفسا ووالدا

سعيد بن عثمان قتيل الأعاجم

فإن تكن الأيام أردت صروفها

سعيدا فمن هذا من الدهر سالم

وكان سعيد احتال لشريكه فى خراج خراسان فأخذ منه مالا فوجه معاوية من لقيه بحلوان فأخذ المال منه ، وكان شريكه أسلم بن زرعة ، ويقال إسحاق بن طلحة بن عبيد الله ، وكان معاوية قد خاف سعيدا على خلعه ولذلك عاجله بالعزل ، ثم ولى معاوية عبد الرحمن بن زياد خراسان ، وكان شريفا ومات معاوية وهو عليها ، ثم ولى يزيد بن معاوية سلم بن زياد فصالحه أهل خارزم على أربعمائة ألف وحملوها إليه وقطع النهر ومعه امرأته أم محمد بنت عبد الله بن عثمان بن أبى العاصي الثقفي ، وكانت أول عربية عبر بها النهر وأتى سمرقند فأعطاه أهلها ألف دية ، وولد له ابن سماه السغدى ، واستعارت امرأة من امرأة صاحب السغد حليها فكسرته عليها وذهبت به ، ووجه سلم بن زياد وهو بالسغد جيشا إلى خجندة وفيهم أعشى همدان فهزموا فقال الأعشى :

ليت خيلى يوم الخجندة لم يهزم وغودرت فى المكر سليبا

تحضر الطير مصرعي وتروحت إلى الله فى الدماء خضيبا

ثم رجع سلم إلى مرو ثم غزا منها فقطع النهر وقتل بندون السغدى ، وقد كان السغد جمعت له فقاتلها ، ولما مات يزيد بن معاوية التاث الناس على سلم وقالوا : بئس ما ظن ابن سميه أن ظن أنه يتأمر علينا فى الجماعة والفتنة كما قيل لأخيه عبيد الله بالبصرة فشخص عن خراسان وأتى عبد الله بن الزبير فأغرمه

٣٩٩

أربعة آلاف ألف درهم وحبسه ، وكان سلم يقول : ليتني أتيت الشام ولم آنف من حدمة أخى عبيد الله بن زياد ، فكنت أغسل رجله ولم آت ابن الزبير فلم يزل بمكة حتى حصر ابن الزبير الحجاج بن يوسف فنقب السجن وصار إلى الحجاج ثم إلى عبد الملك ، فقال له عبد الملك : أما والله لو أقمت بمكة ما كان لها وال غيرك ، ولا كان بها عليك أمير وولاه خراسان ، فلما قدم البصرة مات بها.

قالوا : وقد كان عبد الله بن خازم السلمى تلقى سلم بن زياد منصرفه من خراسان بنيسابور ، فكتب له سلم عهدا على خراسان وأعانه بمائة ألف درهم ، فاجتمع جمع كثير من بكر بن وائل وغيرهم ، فقالوا : على ما يأكل هؤلاء خراسان دوننا فأغاروا على ثقل ابن خازم فقاتلوهم عنه فكفوا.

وأرسل سليمان بن مرثد أحد بنى سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة ابن عكابة من المراثد بن ربيعة إلى ابن خازم أن العهد الذي معك لو استطاع صاحبه أن يقيم بخراسان لم يخرج عنها ويوجهك ، وأقبل سليمان فنزل بمشرعة سليمان ونزل ابن خازم بمرو ، واتفقا على أن يكتبا إلى ابن الزبير فأيهما أمره فهو الأمير ففعلا ، فولى ابن الزبير عبد الله بن خازم خراسان فقدم إليه بعهده عروة بن قطبة بعد ستة أشهر فأبى سليمان أن يقبل ذلك ، وقال : ما ابن الزبير بخليفة وإنما هو رجل عائذ بالبيت فحاربه ابن خازم وهو فى ستة آلاف وسليمان فى خمسة عشر ألفا فقتل سليمان قتله قيس بن عاصم السلمى واحتز رأسه وأصيب من أصحاب ابن خازم رجال ، وكان شعار ابن خازم حمر لا ينصرون ، وشعار سليمان يا نصر الله اقترب ، واجتمع فل سليمان إلى عمر بن مرثد بالطالقان ، فسار إليه ابن خازم فقاتله فقتله ، واجتمعت ربيعة إلى أوس بن ثعلبة بهراة فاستخلف ابن خازم موسى ابنه وسار إليه ، وكانت بين أصحابهما وقائع ، واغتنمت الترك ذلك فكانت تغير

٤٠٠