فتوح البلدان

أبوالحسن البلاذري

فتوح البلدان

المؤلف:

أبوالحسن البلاذري


المحقق: لجنة تحقيق التراث
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

الكتاب لنا وان انقطع برجل من المسلمين عندكم فعليكم أداؤه إلى أدنى فئة من المؤمنين إلا أن يحال دونهم وإن أنبتم وأقمتم الصلاة فإخواننا فى الدين وإلا فالجزية عليكم ، وإن عرض للمسلمين شغل عنكم فقهركم عدوكم فغير مأخوذين بذلك ولا هو ناقض عهدكم ، هذا لكم وهذا عليكم شهد الله وملائكته (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً).

وكتب الجراح بن عبد الله الحكمي لأهل تفليس كتابا نسخته

بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من الجراح بن عبد الله لأهل تفليس من رستاق منجليس من كورة جرزان أنه أتونى بكتاب أمان لهم من حبيب بن مسلمة على الإقرار بصغار الجزية وأنه صالحهم على أرضين لهم وكروم وأرحاء يقال لها وارى ، وسابينا من رستاق منجليس وعن طعام وديدونا من رستاق قحويط من جرزان على أن يؤدوا عن هذه الأرحاء والكروم فى كل سنة مائة درهم بلا ثانية فأنفذت لهم أمانهم وصلحهم وأمرت الإيراد عليهم فمن قرئ عليه كتابي فلا يتعد ذلك فيهم إن شاء الله وكتب ، قالوا : وفتح حبيب حوارح وكسفربيس وكسال وخنان وسمسخى والجردمان وكستسجى وشوشت وبازليت صلحا على حقن دماء أهلها واقرار مصلياتهم وحيطانهم وعلى أن يؤدوا أتاوة عن أرضهم ورؤسهم وصالح أهل قلرجيت وأهل ثرياليت وخاخيط وخوخيط وأرطهال وباب اللال وصالح الصنارية والدودانية على اتاوة ، قالوا وسار سلمان بن ربيعة الباهلي حين أمره عثمان بالمسير إلى أران ففتح مدينة البيلقان صلحا على أن أمنهم على دمائهم وأموالهم وحيطان مدينتهم واشترط عليهم أداء الجزية والخراج ثم أتى سلمان برذعة فعسكر على الثرثور وهو نهر منها على أقل من فرسخ فأغلق أهلها دونه أبوابهم فعاناها أياما وشن الغارات فى قراها ، وكانت زروعها مستحصدة

٢٠١

فصالحوه على مثل صلح البيلقان وفتحوا له أبوابها فدخلها وأقام بها ووجه خيله ففتحت شفشين والمسفوان وأود والمصريان والهرحليان وتبار وهي رساتيق وفتح غيرها من أران ، ودعا أكراد البلاسجان إلى الإسلام فقاتلوه فظفر بهم فأقر بعضهم بالجزية وأدى بعض الصدقة وهم قليل.

وحدثني جماعة من أهل برذعة ، قالوا : كانت شمكور مدينة قديمة فوجه سلمان بن ربيعة الباهلي من فتحها فلم تزل مسكونة معمورة حتى أخربها الساوردية وهم قوم تجمعوا فى أيام انصرف يزيد بن أسيد عن أرمينية فغلظ أمرهم وكثرت نوائبهم ثم أن بغا مولى المعتصم بالله رحمه‌الله عمرها فى سنة أربعين ومائتين وهو والى أرمينية وأذربيجان وشمشاط وأسكنها قوما خرجوا إليه من الخزر مستأمنين لرغبتهم فى الإسلام ونقل إليها التجار من برذعة وسماها المتوكلية ، قالوا : وسار سلمان إلى مجمع الرس والكر خلف برديج فعبر الكر ففتح قبلة وصالحه صاحب شكن والقميبران على أتاوة وصالحه أهل خيزان وملك شروان وسائر ملوك الجبال وأهل مسقط والشابران ومدينة الباب ثم أغلقت بعده ولقيه خاقان فى خيوله خلف نهر البلنجر فقتل رحمه‌الله فى أربعة آلاف من المسلمين فكان يسمع فى مأزقهم التكبير ، وكان سلمان بن ربيعة أول من استقضى بالكوفة أقام أربعين يوما لا يأتيه خصم ، وقد روى عن عمر بن الخطاب ، وفى سلمان وقتيبة بن مسلم يقول ابن جمانة الباهلي :

وإن لنا قبرين قبر بلنجر

وقبر بصين استان يا لك من قبر

فذاك الذي بالصين عمت فتوحه

وهذا الذي يسقى به سبل القطر

وكان مع سلمان ببلنجر قرظة بن كعب الأنصارى وهو جاء بنعيه إلى عثمان ، قالوا : ولما فتح حبيب ما فتح من أرض أرمينية كتب به إلى عثمان بن عفان فوفاه كتابه وقد نعى إليه سلمان فهم أن يوليه جميع أمينية ، ثم رأى أن

٢٠٢

يجعله غازيا بثغور الشام والجزيرة لغنائه فيما كان ينهض له من ذلك فولى ثغر أرمينية حذيفة بن اليمان العبسي فشخص إلى برذعة ووجه عماله على ما بينها وبين قاليقلا وإلى خيزان فورد عليه كتاب عثمان يأمره بالانصراف وتخليف صلة بن زفر العبسي ، وكان معه فخلفه وسار حبيب راجعا إلى الشام وكان يغزو الروم ونزل حمص فنقله معاوية إلى دمشق فتوفى بها سنة اثنتين وأربعين وهو ابن خمس وثلاثين سنة ، وكان معاوية وجه حبيبا فى جيش لنصرة عثمان حين حوصر ، فلما انتهى إلى وادي القرى بلغه مقتل عثمان فرجع ، قالوا : وولى عثمان المغيرة بن شعبة أذربيجان وأرمينية ، ثم عزله وولى القاسم بن ربيعة ابن أمية بن أبى الصلت الثقفي أرمينية ويقال : ولاها عمرو بن معاوية بن المنتفق العقيلي ، وبعضهم يقول وليها رجل من بنى كلاب بعد المغيرة خمس عشرة سنة ثم وليها العقبلى وولى الأشعث بن قيس لعلى بن أبى طالب رضى الله عنه أرمينية وأذربيجان ثم وليها عبد الله بن حاتم بن النعمان بن عمرو الباهلي من قبل معاوية فمات بها فوليها عبد العزيز بن حاتم بن النعمان أخوه فبنى مدينة دبيل وحصنها وكبر مسجدها وبنى مدينة النشوى ورم مدينة برذعة ويقال : أنه جدد بناءها وأحكم حفر الفارقين حولها وجدد بناء مدينة البيلقان ، وكانت هذه المدن متشعثة مستهدمة ، ويقال أن الذي جدد بناء برذعة محمد بن مروان فى أيام عبد الملك بن مروان ، وقال الواقدي : بنى عبد الملك مدينة برذعة على يد حاتم بن النعمان الباهلي أو ابنه ، وقد كان عبد الملك ولى عثمان بن الوليد بن عقبة بن أبى معيط ، أرمينية ، قالوا : ولما كانت فتنة ابن الزبير انتقضت أرمينية وخالف أحرارها وأتباعهم فلما ولى محمد بن مروان من قبل أخيه عبد الملك أرمينية حاربهم فظفر بهم فقتل وسبى وغلب على البلاد ، ثم وعد من بقي منهم أن يعرض لهم فى الشرف فاجتمعوا لذلك فى كنائس من عمل خلاط فأغلقها عليهم

٢٠٣

ووكل بأبوابها ثم خوفهم ، وفى تلك الغزاة سبيت أم يزيد بن أسيد من السيسجان وكانت بنت بطريقها ، قالوا : وولى سليمان بن عبد الملك أرمينية عدى بن عدى بن عميرة الكندي ، وكان عدى بن عميرة ممن نزل الرقة مفارقا لعلى بن أبى طالب ثم ولاه إياها عمر بن عبد العزيز وهو صاحب نهر عدى بالبيلقان ، وروى بعضهم أن عامل عمر كان حاتم بن النعمان ، وليس ذلك بثبت ، ثم ولى يزيد بن عبد الملك معلق بن صفار البهراني ثم عزله وولى الحارث بن عمرو الطائي فغزا أهل اللكز ففتح رستاق حسمدان ، وولى الجراح بن عبد الله الحكمي من مذحج أرمينية فنزل برذعة فرفع إليه اختلاف مكاييلها وموازينها فأقامها على العدل والوفاء واتخذ مكيالا يدعى الجراحي فأهلها يتعاملون به إلى اليوم ، ثم أنه عبر الكر وسار حتى قطع النهر المعروف بالسمور وصار إلى الخزر فقتل منهم مقتلة عظيمة وقاتل أهل بلاد حمزين ، ثم صالحهم على أن نقلهم إلى رستاق خيزان وجعل لهم قريتين منه وأوقع بأهل غوميك وسبى منهم ، ثم قفل فنزل شكى وشتا جنده ببرذعة والبيلقان وجاشت الخزر وعبرت الرس فحاربهم فى صحراء ورثان ، ثم انحازوا إلى ناحية أردبيل فواقعهم على أربعة فراسخ مما يلي أرمينية فاقتلوا ثلاثة أيام فاستشهد ومن معه فسمى ذلك النهر نهر الجراح ونسب جسر عليه إلى الجراح أيضا ، ثم أن هشام بن عبد الملك ولى مسلمة بن عبد الملك أرمينية ووجه على مقدمته سعيد بن عمروا بن أسود الحرشي ومعه إسحاق بن مسلم العقيلي وأخوته وجعونة بن الحارث بن خالد أحد بنى عامر بن ربيعة بن صعصعة وذفافة وخالد أبنا عمير بن الحباب السلمى والفرات بن سلمان الباهلي والوليد بن القعقاع العبسي فواقع الخزر وقد حاصروا ورثان فكشفهم عنها وهزمهم فأتوا ميمذ من عمل أذربيجان ، فلما تهيأ لقتالهم أتاه كتاب مسلمة بن عبد الملك يلومه على قتاله الخزر قبل قدومه ويعلمه أن قد

٢٠٤

ولى أمر عسكره عبد الملك بن مسلم العقيلي ، فلما سلم العسكر أخذه رسول مسلمة فقيده وحمله إلى برذعة فحبس فى سجنها وانصرف الخزر فاتبعهم مسلمة وكتب بذلك إلى هشام فكتب إليه :

أتتركهم بميمذ قد تراهم

وتطلبهم بمنقطع التراب

وأمر بإخراج الحرشي من السجن ، قالوا : وصالح مسلمة أهل خيزان وأمر بحصنها فهدم واتخذ لنفسه به ضياعا وهي اليوم تعرف بحوز خيزان وسالمه ملوك الجبال فصار إليه شروانشاه وليرانشاه وطبرسرانشاه وفيلانشاه وخرشا خرشانشاه وصار إليه صاحب مسقط وصمد لمدينة الباب ففتحها وكان فى قلعتها ألف أهل بيت من الخزر فحاصرهم ورماهم بالحجارة ثم بحديد اتخذه على هيئة الحجارة فلم ينتفع بذلك ، فعمد إليه العين التي كان أنوشروان أخرى منها الماء إلى صهريجهم فذبح البقر والغنم وألقى فيه الفرث والحلتيت فلم يمكث ماؤهم إلا ليلة حتى دود وأنتن وفسد ، فلما جن عليهم الليل هربوا وأخلوا القلعة وأسكن مسلمة بن عبد الملك مدينة الباب والأبواب أربعة وعشرين ألفا من أهل الشام على العطاء فأهل الباب اليوم لا يدعون عاملا يدخل مدينتهم إلا ومعه مال يفرقه بينهم ، وبنى هريا للطعام وهريا للشعير وخزانة للسلاح وأمر بكبس الصهريج ورم المدينة وشرفها ، وكان مروان بن محمد مع مسلمة وواقع معه الخزر فأبلى وقاتل قتالا شديدا ، ثم ولى هشام بعد مسلمة سعيد الحرشي فأقام بالثغر سنتين ثم ولى الثغر مروان بن محمد فنزل كسال وهو بنى مدينتها وهي من برذعة على أربعين فرسخا ومن تفليس على عشرين فرسخا ثم دخل أرض الخزر مما يلي باب اللان وأدخلهما أسيد بن زافر السلمى أبا يزيد ومعه ملوك الجبال من ناحية الباب والأبواب فأغار مروان على صقالبة كانوا بأرض الخزر فسبى منهم عشرين ألف أهل بيت فأسكنهم خاخيط ثم أنهم

٢٠٥

قتلوا أميرهم وهربوا فلحقهم وقتلهم ، قالوا : ولما بلغ عظيم الخزر كثرة من وطئ به مروان بلاده من الرجال وما هم عليه فى عدتهم وقوتهم نخب ذلك قلبه وملاه رعبا ، فلما دنا منه أرسل إليه رسولا يدعوه إلى الإسلام أو الحرب فقال : قد قبلت الإسلام فأرسل إلى من يعرضه على ففعل فأظهر الإسلام ووادع مروان على أن أقره فى مملكته وسار مروان معه بخلق من الخزر فأنزلهم ما بين السمور والشابران فى سهل أرض اللكز ، ثم أن مروان دخل أرض السرير فأوقع بأهلها وفتح قلاعا فيها ودان له ملك السرير وأطاعه فصالحه على ألف رأس خمسمائة غلام وخمسمائة جارية سود الشعور والحواجب وهدب الأشفار فى كل سنة وعلى مائة ألف مدى تصب فى اهراء الباب وأخذ منه الرهن وصالح مروان أهل تومان على مائة رأس خمسين جارية وخمسين غلاما خماسيين سود الشعور والحواجب وهدب الأشفار وعشرين ألف مدى للاهراء فى كل سنة ، ثم دخل أرض زريكران فصالحه ملكها على خمسين رأسا وعشرة آلاف مدى للاهراء فى كل سنة ثم أتى أرض حمزين فأبى حمزين أن يصالحه فافتتح حصنهم بعد أن حاصرهم فيه شهرا فأحرق وأخرب وكان صلحه إياه على خمسمائة رأس يؤدونها دفعة واحدة ثم لا يكون عليه سبيل وعلى أن يحمل ثلاثين ألف مدى إلى إهراء الباب فى كل سنة ، ثم أتى سدان فافتتحها صلحا على مائة رأس يعطيه إياها صاحبها دفعة ثم لا يكون عليه سبيل فيما يستقبل وعلى أن يحمل فى كل سنة إلى اهراء الباب خمسة آلاف مدى ، ووظف على أهل طبرسرانشاه عشرة آلاف مدى فى كل سنة تحمل إلى اهراء الباب ، ولم يوظف على فيلانشاه شيئا ، وذلك لحسن غنائه وجميل بلائه واحماده أمره ، ثم نزل مروان على قلعة اللكز وقد امتنع من أداء شيء من الوظيفة وخرج يريد صاحب الخرز فقتله راع بسهم رماه به وهو لا يعرفه

٢٠٦

فصالح أهل اللكز على عشرين ألف مدى تحمل إلى الإهراء ، وولى عليهم خشرما السلمى وسار مروان إلى قلعة صاحب شروان وهي تدعى خرش وهي على البحر فأذعن بالطاعة والانحدار إلى السهل وألزمهم عشرة آلاف مدى فى كل سنة وجعل على صاحب شروان أن يكون فى المقدمة إذا بدأ المسلمون بغزو الخزر وفى الساقة إذا رجعوا وعلى فيلانشاه أن يغزو معهم فقط وعلى طبرسرانشاه أن يكون فى الساقة إذا بدءوا وفى المقدمة إذا انصرفوا ، وسار مروان إلى الدودنية فأوقع بهم ، ثم جاءه قتل الوليد بن يزيد وخالف عليه ثابت بن نعيم الجذامي وأتى مسافر القصاب وهو ممن مكنه بالباب الضحاك الخارجي فوافقه على رأيه وولاه أرمينية وأذربيجان ، وأتى أردبيل مستخفيا فخرج معه قوم من الشراة منها وأتوا باجروان فوجدوا بها قوما يرون رأيهم فانضموا إليهم فأتوا ورثان فصحبهم من أهلها بشر كثير كانوا على مثل رأيهم وعبروا إلى البيلقان فصحبتهم منهم جماعة كثيرة كانوا على مثل رأيهم ثم نزل يونان ، وولى مروان بن محمد إسحاق بن مسلم أرمينية فلم يزل يقاتل مسافرا وكان فى قلعة الكلاب بالسيسجان.

ثم لما جاءت الدولة المباركة وولى أبو جعفر المنصور الجزيرة وأرمينية فى خلافة السفاح أبى العباس رحمه‌الله وجه إلى مسافر وأصحابه قائدا من أهل خراسان فقاتلهم حتى ظفر بهم وقتل مسافرا ، وكان أهل البيلقان متحصنين فى قلعة الكلاب ورئيسهم قدد بن أصفر البيلقانى فاستنزلوا بأمان.

ولما استخلف المنصور رحمه‌الله ولى يزيد بن أسيد السلمى أرمينية ففتح باب اللان ورتب فيه رابطة من أهل الديوان ودوخ الصنارية حتى أدوا الخراج فكتب إليه المنصور يأمره بمصاهرة ملك الخزر ففعل ، وولدت له ابنته منه ابنا فمات ومانت فى نفاسها وبعث يزيد إلى نفاطة أرض شروان

٢٠٧

وملاحاتها فجباها ووكل به وبنى يزيد مدينة أرجيل الصغرى ومدينة أرجيل الكبرى وأنزلهما أهل فلسطين.

حدثني محمد بن إسماعيل عن جماعة من مشايخ أهل برذعة ، قالوا الشماخية التي فى عمل شروان نسبت إلى الشماخ بن شجاع فكان ملك شروان فى ولاية سعيد بن سالم الباهلي أرمينية.

وحدثني محمد بن إسماعيل عن المشيخة أن أهل أرمينية انتقضوا فى ولاية الحسن بن قحطبة الطائي بعد عزل بن أسيد وبكار بن مسلم العقيلي وكان رئيسهم موشائيل الأرمنى فبعث إليه المنصور رحمه‌الله الأمداد وعليهم عامر بن إسماعيل فواقع الحسن موشائيل فقتل وفضت جموعه واستقامت له الأمور ، وهو الذي نسب إليه نهر الحسن بالبيلقان والباغ الذي يعرف بباغ الحسن ببرذعة والضياع المعروفة بالحسنية ، وولى بعد الحسن بن قحطبة عثمان بن عمارة بن خريم ، ثم روح بن حاتم المهلبي ، ثم خزيمة بن خازم ، ثم يزيد بن مزيد الشيبانى ، ثم عبيد الله بن المهدى ، ثم الفضل بن يحيى ، ثم سعيد بن سالم ، ثم محمد بن يزيد بن مزيد ، وكان خزيمة أشدهم ولاية وهو الذي سن المساحة بدبيل والنشوى ولم يكن قبل ذلك ، ولم يزل بطارقة أرمينية مقيمين فى بلادهم يحمى كل واحد منهم ناحيته فإذا قدم الثغر عامل من عماله داروه فإن رأوا منه عفة وصرامة وكان فى قوة وعدة أدوا إليه الخراج وأذعنو له بالطاعة وإلا اغتمزوا فيه واستخفوا بأمره ، ووليهم خالد ابن يزيد بن مزيد فى خلافة المأمون فقبل هداياهم وخلطهم بنفسه فأفسدهم ذلك من فعله وجرأهم على من بعده من عمال المأمون.

ثم ولى المعتصم بالله الحسن بن على الباذغيسى المعروف بالمأمونى الثغر فأهمل بطارقته وأحراره ولان لهم حتى ازدادوا فسادا على السلطان وكلبا على

٢٠٨

من يليهم من الرعية ، وغلب إسحاق بن إسماعيل بن شعيب مولى بنى أمية على جرزان ، ووثب سهل بن سنباط البطريق على عامل حيدر بن كاوس الأفشين على أرمينية فقتل كاتبه وأفلت بحشاشة نفسه ثم ولى أرمينية عمال كانوا يقبلون من أهلها العفو ويرضون من خراجها بالميسور.

ثم ان أمير المؤمنين المتوكل على الله ولى يوسف بن محمد بن يوسف المروزي أرمينية لسنتين من خلافته ، فلما صار بخلاط أخذ بطريقها بقراط ابن أشوط فحمله إلى سر من رأى فأوحش البطارقة والأحرار والمتغلبة ذلك منه ثم أنه عمد عامل له يقال له العلاء بن أحمد إلى دير بالسيسجان يعرف بدير الأقداح لم تزل نصارى أرمينية تعظمه وتهدى إليه فأخذ منه جميع ما كان فيه وعسف أهله فأكبرت البطارقة ذلك وأعظمته وتكاتبت فيه وحض بعضها على بعض على الخلاف والنقض ودسوا إلى الخويثية وهم علوج يعرفون بالأرطان فى الوثوب بيوسف وحرضوهم عليه لما كان من حمله بقراط بطريقهم ووجه كل امرئ منهم ومن المتغلبة خيلا ورجالا ليؤيدوهم على ذلك فوثبوا به بطرون ، وقد فرق أصحابه فى القرى فقتلوه واحتووا على ما كان فى عسكره فولى أمير المؤمنين المتوكل على الله بغا الكبير أرمينية فلما صار إلى بدليس أخذ موسى بن زرارة ، وكان ممن هوى قتل يوسف وأعان عليه غضبا لبقراط وحارب الخويثية فقتل منهم مقتلة عظيمة وسبى سبيا كثيرا ، ثم حاصر أشوط بن حمزة بن جاجق بطريق البسفرجال وهو بالبلق فاستنزله من قلعته وحمله إلى سر من رأى وسار إلى جرزان فظفر بإسحاق بن إسماعيل فقتله صبرا وفتح جرزان وحمل من بأران وظاهر أرمينية من بالسيسجان من أهل الخلاف والمعصية من النصارى وغيرهم حتى صلح ذلك الثغر صلاحا لم يكن على مثله ثم قدم سر من رأى فى سنة إحدى وأربعين ومائتين.

٢٠٩

فتوح مصر والمغرب

قالوا : وكان عمرو بن العاصي حاصر قيسارية بعد انصراف الناس من حرب اليرموك ثم استخلف عليها ابنه حين ولى يزيد بن أبى سفيان ومضى إلى مصر من تلقاء نفسه فى ثلاثة آلاف وخمسمائة ، فغضب عمر لذلك وكتب إليه يوبخه ويعنفه على افتتانه عليه برأيه وأمره بالرجوع إلى موضعه إن وافاه كتابه دون مصر ، فورد الكتاب عليه وهو بالعريش ، وقيل أيضا : إن عمر كتب إلى عمرو بن العاصي يأمره بالشخوص إلى مصر فوافاه كتابه وهو محاصر قيسارية وكان الذي أتاه شريك بن عبدة فأعطاه ألف دينار فأبى شريك قبولها فسأله أن يستر ذلك ولا يخبر به عمر.

قالوا : وكان مسير عمرو إلى مصر فى سنة تسع عشرة فنزل العريش ثم أتى الفرماء وبها قوم مستعدون للقتال فحاربهم فهزمهم وحوى عسكرهم ومضى قدما إلى الفسطاط فنزل جنان الريحان وقد خندق أهل الفسطاط ، وكان اسم المدينة اليونة فسماها المسلمون فسطاطا لأنهم قالوا : هذا فسطاط القوم ومجمعهم ، وقوم يقولون : إن عمرا ضرب بها فسطاطا فسميت بذلك.

قالوا : ولم يلبث عمرو بن العاصي وهو محاصر أهل الفسطاط أن ورد عليه الزبير بن العوام بن خويلد فى عشرة آلاف ، ويقال : فى اثنى عشر ألفا فيهم خارجة بن حذافة العدوى وعمير بن وهب الجمحي ، وكان الزبير قد هم بالغزو وأراد إتيان انطاكية فقال له عمر : يا أبا عبد الله هل لك فى ولاية مصر ، فقال : لا حاجة لى فيها ولكنى أخرج مجاهدا وللمسلمين معاونا فإن وجدت عمرا قد فتحها لم أعرض لعمله وقصدت إلى بعض السواحل فرابطت به وإن وجدته فى جهاد كنت معه فسار على ذلك.

٢١٠

قالوا : وكان الزبير يقاتل من وجه وعمرو بن العاصي من وجه ، ثم أن الزبير أتى بسلم فصعد عليه حتى أوفى على الحصن وهو مجرد سيفه فكبر وكبر المسلمون واتبعوه ففتح الحصن عنوة واستباح المسلمون ما فيه وأفر عمرو أهله على أنهم ذمة موضع عليهم الجزية فى رقابهم والخراج فى أرضهم وكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فأجازه واختط الزبير بمصر وابنتى دارا معروفة ، وإياها نزل عبد الله بن الزبير حين غزا إفريقية مع ابن أبى سرح وسلم الزبير باق فى مصر.

وحدثنا عفان بن مسلم ، قال حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة أن الزبير بن العوام بعث إلى مصر فقيل له أن بها الطعن والطاعون ، فقال : إنما جئنا للطعن والطاعون ، قال : فوضعوا السلاليم فصعدوا عليها.

وحدثني عمرو الناقد ، قال : حدثني عبد الله بن وهب المصري عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب : أن عمرو بن العاصي دخل مصر ومعه ثلاثة آلاف وخمسمائة ، وكان عمر بن الخطاب قد أشفق لما أخبر به من أمرها فأرسل الزبير بن العوام فى اثنى عشر ألفا فشهد الزبير فتح مصر واختط بها.

وحدثني عمرو الناقد ، عن عبد الله بن وهب المصري عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن عبد الله بن المغيرة بن أبى بردة عن سفيان بن وهب الخولاني ، قال : لما فتحنا مصر بغير عهد قام الزبير فقال : أقسمها يا عمرو فأبى فقال الزبير : والله لتقسمنها كما قسم رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيبر : فكتب عمرو إلى عمر فى ذلك فكتب إليه عمر أقرها حتى يغزو منها حبل الحبلة ، قال : وقال عبد الله بن وهب : وحدثني ابن لهيعة عن خالد بن ميمون عن عبد الله ابن المغيرة عن سفيان بن وهب بنحوه.

وحدثني القاسم بن سلام ، قال : حدثنا أبو الأسود عن ابن لهيعة عن يزيد

٢١١

ابن أبى حبيب أن عمرو بن العاصي دخل مصر فى ثلاثة آلاف وخمسمائة ، وكان عمر قد أشفق من ذلك فأرسل الزبير بن العوام فى أثنى عشر ألفا فشهد معه فح مصر ، قال : فاختط الزبير بمصر والإسكندرية خطتين.

وحدثني إبراهيم بن مسلم الخوارزمي ، عن عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى فراس عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : اشتبه على الناس أمر مصر ، فقال قوم : فتحت عنوة ، وقال آخرون : فتحت صلحا ، والثلج فى أمرها أن أبى قدمها فقاتله أهل اليونة ففتحها قهرا وأدخلها المسلمين وكان الزبير أول من على حصنها ، فقال صاحبها لأبى : أنه قد بلغنا فعلكم بالشام ووضعكم الجزية على النصارى واليهود وإقراركم الأرض فى أيدى أهلها يعمرونها ويؤدون خراجها فإن فعلتم بنا مثل ذلك كان أرد عليكم من قتلنا وسبينا وإجلائنا ، قال : فاستشار أبى المسلمين فأشاروا عليه بأن يفعل ذلك إلا نفر منهم سألوا أن يقسم الأرض بينهم فوضع على كل حالم دينارين جزية إلا أن يكون فقيرا وألزم كل ذى أرض مع الدينارين ثلاثة أرادب حنطة وقسطى زيت وقسطى عسل وقسطى خل رزقا للمسلمين تجمع فى دار الرزق وتقسم فيهم ، وأحصى المسلمون ، فألزم جميع أهل مصر لكل رجل منهم جبة صوف وبرنسا أو عمامة وسراويل وخفين فى كل عام أو عدل الجبة الصوف ثوبا قبطيا وكتب عليهم بذلك كتابا وشرط لهم إذا وفوا بذلك أن لا تباع نساؤهم وأبناؤهم ولا يسبوا وأن تقر أموالهم وكنوزهم فى أيديهم ، فكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر فأجازه وصارت الأرض أرض خراج إلا أنه لما وقع هذا الشرط والكتاب ظن بعض الناس أنها فتحت صلحا ، قال : ولما فرغ ملك اليونة من أمر نفسه ومن معه فى مدينته صالح عن جميع أهل مصر على مثل صلح اليونة فرضوا به ، وقالوا هؤلاء الممتنعون قد رضوا وقنعوا بهذا فنحن به

٢١٢

أقنع لأننا فرش لا منعة لنا ، ووضع الخراج على أرض مصر فجعل على كل جريب دينارا وثلاثة أرادب طعاما وعلى رأس كل حالم دينارين وكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه.

وحدثني عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب المصري عن الليث عن يزيد ابن أبى حبيب : أن المقوقس صالح عمرو بن العاصي على أن يسير من الروم من أراد ويقر من أراد الإقامة من الروم على أمر سماه ، وأن يفرض على القبط دينارين فبلغ ذلك ملك الروم فتسخطه وبعث الجيوش ، فأغلقوا باب الإسكندرية وآذنوا عمرا بالحرب فخرج إليه المقوقس ، فقال : أسألك ثلاثا أن لا تبذل للروم مثل الذي بذلت لى فإنهم قد استغشونى وأن لا تنقض بالقبط فإن النقض لم يأت من قبلهم وإن مت فمر بدفنى فى كنيسة بالأسكندرية ذكرها ، فقال عمرو : هذه أهونهن على وكانت قرى من مصر قاتلت فسبى منهم والقرى بلهيت والخيس وسلطيس فوقع سباؤهم بالمدينة فردهم عمر بن الخطاب وصيرهم وجماعة القبط أهل ذمة وكان لهم عهد لم ينقضوه وكتب عمرو بفتح الإسكندرية إلى عمر.

«أما بعد» فإن الله فتح علينا الإسكندرية عنوة قسرا بغير عهد ولا عقد وهي كلها صلح فى قول يزيد بن أبى حبيب.

حدثني أبو أيوب الرقى عن عبد الغفار عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب قال : جبى عمرو خراج مصر وجزيتها ألفى ألف وجباها عبد الله بن سعد بن أبى سرح أربعة آلاف ألف ، فقال عثمان لعمرو : إن اللقاح بمصر بعدك قد درث ألبانها ، قال : ذاك لأنكم أعجفتم أولادها.

قال : وكتب عمر بن الخطاب فى سنة إحدى وعشرين إلى عمرو بن العاصي يعلمه ما فيه أهل المدينة من الجهد ويأمره أن يحمل ما يقبض من الطعام

٢١٣

فى الخراج إلى المدينة فى البحر فكان ذلك يحمل ويحمل معه الزيت فإذا ورد الجار تولى قبضه سعد الجار ، ثم جعل فى دار بالمدينة وقسم بين الناس بمكيال فانقطع ذلك فى الفتنة الأولى ، ثم حمل فى أيام معاوية ويزيد ثم انقطع إلى زمن عبد الملك بن مروان ثم لم يزل يحمل إلى خلافة أبى جعفر وقبيلها.

وحدثني بكر بن الهيثم ، قال : حدثني أبو صالح عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب : أن أهل الجزية بمصر صولحوا فى خلافة عمر بعد الصلح الأول مكان الحنطة والزيت والعسل والخل على دينارين دينارين ، فألزم كل رجل أربعة دنانير فرضوا بذلك وأحبوه.

وحدثني أبو أيوب الرقى ، قال : حدثني عبد الغفار الحراني عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن الجيشاني ، قال سمعت جماعة ممن شهد فتح مصر يخبرون أن عمرو بن العاصي لما فتح الفسطاط وجه عبد الله بن حذافة السهمي إلى عين شمس فغلب على أرضها وصالح أهل قراها على مثل حكم الفسطاط ، ووجه خارجة بن حذافة العدوى إلى الفيوم والأشمونين وأخميم والبشر ودات وقرى الصعيد ففعل مثل ذلك ، ووجه عمير بن وهب الجمحي إلى تنيس ودمياط وتونة (١) ودميرة وشطا ودقهلة وبنا وبوصير ففعل مثل ذلك ووجه عقبة بن عامر الجهني ، ويقال : وردان مولاه صاحب سوق وردان بمصر إلى سائر قرى أسفل الأرض ففعل مثل ذلك ، فاستجمع عمرو بن العاصي فتح مصر فصارت أرضها أرض خراج.

وحدثنا القاسم بن سلام ، قال : حدثنا عبد الغفار الحراني عن ابن لهيعة عن ابراهيم بن محمد عن أيوب بن أبى العالية عن أبيه ، قال : سمعت عمرو

__________________

(١) قرية كانت قرب دمياط وبها ولد الحافظ المحدث عبد المؤمن بن خلف الدمياطي رحمه‌الله.

٢١٤

ابن العاصي يقول على المنبر : لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر على عهد ولا عقد إن شئت قتلت وإن شئت خمست وإن شئت بعت إلا أهل انطابلس فان لهم عهدا يوفى لهم به.

وحدثني القاسم بن سلام قال : حدثني به عبد الله بن صالح عن موسى بن على بن رباح اللخمي عن أبيه ، قال : المغرب كله عنوة.

حدثنا أبو عبيد عن سعيد بن أبى مريم عن ابن لهيعة عن الصلت بن أبى عاصم كاتب حيان بن شريح أنه قرأ كتاب عمر بن عبد العزيز إلى حيان وكان عامله على مصر : أن مصر فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد.

وحدثني أبو عبيد ، قال حدثنا سعيد بن أبى مريم عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبى جعفر ، قال : كتب معاوية إلى وردان مولى عمرو أن زد على كل امرئ من القبط قيراطا ، فكتب إليه كيف أزيد عليهم وفى عهدهم أن لا يزاد عليهم.

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه ، قال : سمعت عروة بن الزبير يقول : أقمت بمصر سبع سنين وتزوجت بها فرأيت أهلها مجاهيد قد حمل عليهم فوق طاقتهم وإنما فتحها عمرو بصلح وعهد وشيء مفروض عليهم.

وحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبى علاقة عن عقبة بن عامر الجهني ، قال : كان لأهل مصر عهد وعقد كتب لهم عمرو : أنهم آمنون على أموالهم ودمائهم ونسائهم وأولادهم لا يباع منهم أحد وفرض عليهم خراجا لا يزاد عليهم ، وأن يدفع عنهم خوف عدوهم ، قال عقبة : وأنا شاهد على ذلك.

وحدثني الحسين بن الأسود قال : حدثني يحيى بن آدم عن عبد الله بن

٢١٥

المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عمن سمع عبد الله بن المغيرة ابن أبى بردة ، قال سمعت سفيان بن وهب الخولاني يقول : لما افتتحنا مصر بلا عهد قام الزبير بن العوام فقال : يا عمرو اقسمها بيننا ، فقال عمرو : لا والله لا أقسمها حتى أكتب إلى عمر ، فكتب إلى عمر فكتب إليه فى جواب كتابه أن أقرها حتى يغزو منها حبل الحبلة ، أو قال يغدو.

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي محمد بن عمر عن أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده ، قال : فتح عمرو بن العاصي مصر سنة عشرين ومعه الزبير فلما فتحها صالحه أهل البلد على وظيفة وظفها عليهم وهي ديناران على كل رجل وأخرج النساء والصبيان من ذلك ، فبلغ خراج مصر فى ولايته ألفى ألف دينار فكان بعد ذلك يبلغ أربعة آلاف ألف دينار.

حدثني أبو عبيدة ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن يزيد ابن أبى حبيب : أن المقوقس صاحب مصر صالح عمرو بن العاصي على أن فرض على القبط دينارين دينارين ، فبلغ ذلك هرقل صاحب الروم فسخط أشد السخط وبعث الجيوش إلى الاسكندرية وأغلقها ففتحها عمرو بن العاصي عنوة.

حدثني ابن القتات وهو أبو مسعود عن الهيثم عن المجالد عن الشعبي أن على بن الحسين أو الحسين نفسه كلم معاوية فى جزية أهل قرية أم ابراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمصر فوضعها عنهم ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوصى بالقبط خيرا.

حدثني عمرو عن عبد الله بن وهب عن مالك والليث عن الزهري عن ابن لكعب بن مالك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فان لهم ذمة ورحما ، وقال الليث : كانت أم إسماعيل منهم. أبو الحسن المدائني عن عبد الله بن المبارك ، قال : كان عمر بن الخطاب

٢١٦

يكتب أموال عماله إذا ولاهم ثم يقاسمهم ما زاد على ذلك وربما أخذه منهم ، فكتب إلى عمرو بن العاصي أنه قد فشت لك فاشية من متاع ورقيق وآنية وحيوان لم يكن حين وليت مصر ، فكتب إليه عمرو : أن أرضنا أرض مزدرع ومتجر فنحن نصيب فضلا عما نحتاج إليه لنقتنا ، فكتب إليه : إنى قد خبرت من عمال السوء ما كفى وكتابك إلى كتاب من قد أقلقه الأخذ بالحق وقد سؤت بك ظنا وقد وجهت إليك محمد بن مسلمة ليقاسمك مالك فأطلعه طلعه وأخرج إليه ما يطالبك بها واعفه من الغلظة عليك فإنه برح الخفاء ، فقاسمه ماله ، المدائني عن عيسى بن يزيد ، قال : لما قاسم محمد بن مسلمة عمرو بن العاصي. قال عمرو أن زمانا عاملنا فيه حنتمة هذه المعاملة لزمان سوء ، لقد كان العاصي يلبس الخز بكفاف الديباج ، فقال محمد : مه لو لا زمان ابن حنتمة هذا الذي تكرهه الفيت معتقلا عنزا بفناء بيتك يسرك غزرها ويسوءك بكاؤها ، قال : أنشدك الله أن لا تخبر عمر بقولي فإن المجالس بالأمانة ، فقال : لا أذكر شيئا مما جرى بيننا وعمر حي.

وحدثني عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الله ابن هبيرة أن مصر فتحت عنوة.

وحدثني عمرو عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن ابن أنعم عن أبيه عن جده وكان ممن شهد فتح مصر ، قال : فتحت مصر عنوة بغير عهد ولا عقد.

فتح الاسكندرية

قالوا : لما افتتح عمرو بن العاصي مصر أقام بها ثم كتب إلى عمر بن الخطاب يستأمره فى الزحف إلى الاسكندرية ، فكتب إليه يأمره بذلك فسار إليها فى سنة إحدى وعشرين واستخلف على مصر خارجة بن حذافة بن غانم بن

٢١٧

عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدى بن كعب بن لؤي بن غالب ، وكان من دون الاسكندرية من الروم والقبط قد تجمعوا له ، وقالوا : نغزوه بالفسطاط قبل أن يبلغنا ويروم الاسكندرية فلقيهم بالكريون فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وكان فيهم من أهل سخا وبلهبت والخيس وسلطيس وغيرهم قوم رفدوهم وأعانوهم ، ثم سار عمرو حتى انتهى إلى الاسكندرية فوجد أهلها معدين لقتاله إلا أن القبط فى ذلك يحبون الموادعة ، فأرسل إليه المقوقس يسأله الصلح والمهادنة إلى مدة فأبى عمرو ذلك ، فأمر المقوقس النساء أن يقمن على سور المدينة مقبلات بوجوههن إلى داخله ، وأقام الرجال فى السلاح مقبلين بوجوههم إلى المسلمين ليرهبهم بذلك ، فأرسل إليه عمرو إنا قد رأينا ما صنعت وما بالكثرة غلبنا من غلبنا فقد لقينا هرقل ملككم فكان من أمره ما كان ، فقال المقوقس لأصحابه : قد صدق هؤلاء القوم أخرجوا ملكنا من دار مملكته حتى أدخلوه القسطنطينية فنحن أولى بالإذعان ، فأغلظوا له القول وأبوا إلا المحاربة ، فقاتلهم المسلمون قتالا شديدا وحصروهم ثلاثة أشهر ، ثم أن عمرا فتحها بالسيف وغنم ما فيها واستبقى أهلها ولم يقتل ولم يسب وجعلهم ذمة كاهل اليونة ، فكتب إلى عمر بالفتح مع معاوية بن خديج الكندي ثم السكوني وبعث إليه معه بالخمس.

ويقال : أن المقوقس صالح عمرا على ثلاثة عشر ألف دينار على أن يخرج من الاسكندرية من أراد الخروج ويقيم بها من أحب المقام وعلى أن يفرض على كل حالم من القبط دينارين فكتب لهم بذلك كتابا ، ثم أن عمرو بن العاصي استخلف على الاسكندرية عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدى بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي فى رابطة من المسلمين وانصرف إلى الفسطاط ، وكتب الروم إلى قسطنطين بن هرقل ، وهو كان

٢١٨

الملك يومئذ يخبرونه بقلة من عندهم من المسلمين وبما هم فيه من الذلة وأداء الجزية فبعث رجلا من أصحابه يقال له منويل فى ثلاثمائة مركب مشحونة بالمقاتلة فدخل الاسكندرية وقتل من بها من روابط المسلمين إلا من لطف للهرب فنجا وذلك فى سنة خمس وعشرين وبلغ عمرا الخبر فسار إليهم فى خمسة عشر ألفا فوجد مقاتلتهم قد خرجوا يعيثون فيما يلي الاسكندرية من قرى مصر فلقيهم المسلمون فرشقوهم بالنشاب ساعة والمسلمون متترسون ثم صدقوهم الحملة فالتحمت بينهم الحرب فاقتتلوا قتالا شديدا ، ثم إن أولئك الكفرة ولوا منهزمين فلم يكن لهم ناهية ولا عرجة دون الاسكندرية فتحصنوا بها ونصبوا العرادات فقاتلهم عمرو عليها أشد قتال ونصب المجانيق فأخذت جدرها وألح بالحرب حتى دخلها بالسيف عنوة فقتل المقاتلة وسبى الذرية وهرب بعض رومها إلى الروم وقتل عدو الله منويل وهدم عمروا والمسلمون جدار الاسكندرية وكان عمرو نذر لئن فتحها ليفعلن ذلك.

وقال بعض الرواة أن هذه الغزاة كانت فى سنة ثلاث وعشرين ، وروى بعضهم أنهم نقضوا فى سنة ثلاث وعشرين وسنة خمس وعشرين والله أعلم قالوا : ووضع عمرو على أرض الاسكندرية الخراج وعلى أهلها الجزية ، وروى أن المقوقس اعتزل أهل الاسكندرية حين نقضوا فأقره عمرو ومن معه على أمرهم الأول ، وروى أيضا أنه قد كان مات قبل هذه الغزاة.

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن إسحاق بن عبد الله بن أبى فروة عن حيان بن شريح عن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه أنه قال : لم نفتح قرية من المغرب على صلح إلا ثلاثا الاسكندرية وكفرطيس ، وسلطيس ، فكان عمر يقول من أسلم من أهل هذه المواضع خلى سبيله وسبيل ماله.

حدثني عمرو الناقد ، قال حدثنا ابن وهب المصري عن ابن لهيعة عن

٢١٩

يزيد بن أبى حبيب أنه قال افتتح عمرو بن العاصي الاسكندرية فسكنها المسلمون فى رباطهم ثم قفلوا ثم غزوا وابتدروا إلى المنازل فكان الرجل يأتى المنزل الذي كان ينزله فيجد صاحبه قد نزله وبدر إليه ، فقال عمرو : إنى أخاف أن تخرب المنازل إذا كنتم تتعاودونها.

فلما غزا فصاروا عند الكريون قال لهم سيروا على بركة الله فمن ركز منكم رمحا فى دار فهي له ولبنى أبيه ، فكان الرجل يدخل الدار فيركز رمحه فى بعض بيوتها ويأتى الآخر فيركز رمحه كذلك أيضا فكانت الدار بين النفسين والثلاثة فكانوا يسكنونها فإذا قفلوا سكنها الروم ، فكان يزيد بن أبى حبيب يقول : لا يحل لأحد شيء من كرائها ولا تباع ولا تورث إنما كانت لهم سكنى أيام رباطهم ، فلما كان قتالها الآخر وقدمها منويل الرومي الخصى أغلقها أهلها ففتحها عمرو وأخرب سورها ، قالوا ولما ولى عمرو وردان مولاه الاسكندرية ورجع الفسطاط فلم يلبث إلا قليلا حتى أتاه عزله فولى عثمان بعده عبد الله بن سعد بن أبى سرح بن الحارث أحد بنى عامر ابن لؤي ، مكان أخا عثمان من الرضاعة وكانت ولايته فى سنة خمس وعشرين ويقال : أن عبد الله بن سعد كان على خراج مصر من قبل عثمان فجرى بينه وبين عمرو كلام فكتب عبد الله يشكو عمرا فعزله عثمان وجمع العملين لعبد الله بن سعد وكتب إليه يعلمه أن الاسكندرية فتحت مرة عنوة وانتقضت مرتين ويأمره أن يلزمها رابطة لا تفارقها وأن يدر عليهم الأرزاق ويعقب بينهم فى كل ستة أشهر.

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي أن ابن هرمز الأعرج القارئ كان يقول : خير سواحلكم رباطا الاسكندرية فخرج إليها من المدينة مرابطا فمات بها سنة سبع عشرة ومائة.

٢٢٠