فتوح البلدان

أبوالحسن البلاذري

فتوح البلدان

المؤلف:

أبوالحسن البلاذري


المحقق: لجنة تحقيق التراث
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

فقالت سهمنا بخيبر وصدقتنا فدك ، فقال يا بنت رسول الله سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول «إنما هي طعمة أطعمنها الله حياتي فإذا مت فهي بين المسلمين».

حدثنا عثمان بن أبى شيبة ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن مغيرة أن عمر بن عبد العزيز جمع بنى أمية فقال : إن فدك كانت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكان ينفق منها ، ويأكل ، ويعود على فقراء بنى هاشم ، ويزوج أيمهم وأن فاطمة سألته أن يهبها لها فلب ، فلما قبض عمل أبو بكر فيها كعمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم ولى عمر فعمل فيها بمثل ذلك ، وإنى أشهدكم أنى قد رددتها إلى ما كانت عليه.

حدثنا سريج بن يونس ، قال : أخبرنا إسماعيل بن ابراهيم عن أيوب عن الزهري فى قول الله تعالى ((فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ)) ، قال هذه قرى عربية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدك وكذا وكذا.

حدثنا أبو عبيد ، قال : حدثنا سعيد بن عفير ، عن مالك بن أنس ، قال أبو عبيد لا أدرى ذكره عن الزهري أم لا ، قال أجلى عمر يهود خيبر فخرجوا منها ، فأما يهود فدك فكان لهم نصف الثمرة ونصف الأرض لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صالحهم على ذلك ، فأقام لهم عمر نصف الثمرة ونصف الأرض من ذهب وورق واقتاب ثم أجلاهم. وحدثني عمرو الناقد ، قال حدثني الحجاج بن أبى منيع الرصافي ، عن أبيه عن أبى برقان ، ان عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة خطب ، فقال : ان فدك كانت مما أفاء الله على رسوله ، ولم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فسألته إياها فاطمة رحمها الله تعالى ، فقال : ما كان لك أن تسألينى وما كان لى أن أعطيك فكان يضع ما يأتيه منها فى أبناء السبيل ، ثم ولى أبو بكر وعمرو عثمان وعلى

٤١

رضى الله عنهم فوضعوا ذلك بحيث وضعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم ولى معاوية فأقطعها مروان بن الحكم فوهبها مروان لأبى ولعبد الملك فصارت لى وللوليد وسليمان ، فلما ولى الوليد سألته حصته منها فوهبها لى وسألت سليمان حصته منها فوهبها لى فاستجمعتها وما كان لى من مال أحب إلى منها ، فاشهدوا أنى قد رددتها إلى ما كانت عليه ، ولما كانت سنة عشر ومائتين أمر أمير المؤمنين المأمون ، عبد الله بن هارون الرشيد فدفعها إلى ولد فاطمة وكتب بذلك إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة ، أما بعد ، فإن أمير المؤمنين بمكانه من دين الله. وخلافة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرابة به أولى من استن سنته ، ونفذ أمره وسلم لمن منحه منحة وتصدق عليه بصدقة منحته وصدقته ، وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته ، وإليه فى العمل بما يقربه إليه رغبته ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطى فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدك وتصدق بها عليها ، وكان ذلك أمرا ظاهرا معروفا لاختلاف فيه بين آل رسول الله صلى الله عليه ، ولم تزل تدعى منه ما هو أولى به من صدق عليه فرأى أمير المؤمنين أن يردها إلى ورثتها ويسلمها إليهم تقربا إلى الله تعالى باقامة حقه وعدله وإلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتنفيذ أمره وصدقته ، فأمر بإثبات ذلك فى دواوينه والكتاب به إلى عماله ، فلأن كان ينادى فى كل موسم بعد أن قبض الله نبيه صلى الله عليه أن يذكر كل من كانت له صدقة أو وهبة أو عدة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدته ، أن فاطمة رضى الله عنها لأولى بأن يصدق قولها فيما جعل رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لها ، وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين يأمره برد فدك على ورثة فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها وما فيها من الرقيق

٤٢

والغلات وغير ذلك وتسليمها الى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب ، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن على بن الحسين ابن على بن أبى طالب لتولية أمير المؤمنين إياهما القيام بها لأهلها فاعلم ذلك من رأى أمير المؤمنين وما ألهمه الله من طاعته ووفقه له من التقرب إليه وإلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واعلمه من قبلك ، وعامل محمد بن يحيى ومحمد ابن عبد الله بما كنت تعامل به المبارك الطبري ، وأعنهما على ما فيه عمارتها ومصلحتها ووفور غلاتها إن شاء الله والسلام» وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذى القعدة سنة عشر ومائتين ، فلما استخلف المتوكل على الله رحمه‌الله أمر بردها إلى ما كانت عليه قبل المأمون رحمه‌الله.

أمر وادي القرى وتيماء

قالوا : أتى رسول الله عليه وسلم منصرفه من خيبر وادي القرى فدعى أهلها إلى الإسلام فامتنعوا من ذلك وقاتلوا ، ففتحها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنوة وغنمه الله أموال أهلها وأصاب المسلمون منهم أثاثا ومتاعا فخمس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك وترك النخل والأرض فى أيدى اليهود وعاملهم على نحو ما عامل عليه أهل خيبر ، فقيل أن عمر أجلى يهودها وقسمها بين من قاتل عليها ، وقيل : أنه لم يجلهم لأنها خارجة من الحجاز ، وهي اليوم مضافة إلى عمل المدينة وأعراضها.

وأخبرنى عدة من أهل العلم : أن رفاعة بن زيد الجذامي كان أهدى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غلاما يقال له مدعم ، فلما كانت غزاة وادي القرى أصابه سهم غرب وهو يحط رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقيل : يا رسول الله هنيئا لغلامك أصابه سهم فاستشهد فقال : كلا ان الشعلة التي أخذها من المغانم يوم خيبر لتشتمل عليه نارا.

٤٣

حدثنا شيبان بن فروخ ، قال : حدثنا أبو الأشهب ، عن الحسن ، أنه قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم استشهد فتاك فلان ، فقال : انه يجر إلى النار فى عباءة غلها.

وحدثني عبد الواحد بن غياث ، قال : حدثنا حماد بن سلمة عن الجريري عن عبد الله بن سفيان ، قال : وحدثنا حبيب بن الشهيد ، عن الحسن أنه قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هنيئا لك استشهد فتاك فلان فقال بل هو يجر إلى النار فى عباءة غلها.

قالوا : ولما بلغ أهل تيماء ما وطئ به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل وادي القرى صالحوه على الجزية فأقاموا ببلادهم وأرضهم فى أيديهم وولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمرو بن سعيد بن العاصي بن أمية وادي القرى ، وولى يزيد بن أبى سفيان بعد الفتح ، وكان إسلامه يوم فتح تيماء وحدثني عبد الأعلى بن حماد النرسي ، قال : حدثنا حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن حكيم عن عمر بن عبد العزيز أن عمر بن الخطاب أجلى أهل فدك وتيماء وخيبر ، قال وكان قتال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل وادي القرى فى جمادى الآخر سنة سبع.

حدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده ، قال : أقطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حمزة بن النعمان بن هوذة العذرى رمية سوطه من وادي القرى ، وكان سيد بنى عذرة ، وهو أول أهل الحجاز قدم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصدقة بنى عذرة وحدثني على بن محمد بن عبد الله مولى قريش عن العباس بن عامر عن عمه ، قال أتى عبد الملك بن مروان يزيد بن معاوية فقال يا أمير المؤمنين ان أمير المؤمنين معاوية كان ابتاع من بعض اليهود أرضا وادي القرى ، وأحيا إليها أرضا. وليست لك بذلك المال عناية. فقد ضاع وقلت

٤٤

غلته فاقطعنيه فانه لا خطر له ، فقال يزيد : انا لا نبخل بكبير ولا نخدع عن صغير فقال يا أمير المؤمنين : غلته كذا ، قال : هو لك ، فلما ولى قال يزيد : هذا الذي يقال انه بلى بعدنا فان بكن ذلك حقا فقد صانعناه وان يكن باطلا فقد وصلناه

فتح مكة المكرمة

قالوا : لما قاضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قريشا عام الحديبية وكتب القضية على الهدنة ، وأنه من أحب أن يدخل فى عهد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل ومن أحب أن يدخل فى عهد قريش دخل وانه من أتى قريشا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يردوه ومن أتاه منهم ومن حلفائهم رده قام من كان من كنانة فقالوا ندخل فى عهد قريش ومدتها وقامت خزاعة فقالت ندخل فى عهد محمد وعقده وقد كان بين عبد المطلب وخزاعة حلف قديم فلذلك قال عمرو بن سالم بن حصيرة الخزاعي.

لاهم انى ناشد محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

ثم ان رجلا من خذاعة سمع رجلا من كنانة ينشد هجاء فى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوثب عليه فشجه فهاج ذلك بينهم الشر والقتال ، وأعانت قريش بنى كنانة ، وخرج منهم رجال معهم فبيتوا خزاعة فكان ذلك مما نقضوا العهد والقضية ، وقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمرو بن سالم بن حصيرة الخزاعي يستنصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدعاه ذلك إلى غزو مكة.

وحدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ، قال : حدثنا عثمان بن صالح ، عن بن لهيعة عن أبى الأسود ، عن عروة فى حديث طويل ، قال : فهادنت قريش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن يأمن بعضهم بعضا على الأغلال والإسلال ـ أو قال إرسال ـ فمن قدم مكة حاجا أو معتمرا أو مجتازا الى اليمن والطائف فهو آمن

٤٥

ومن قدم المدينة من المشركين عامدا إلى الشام والمشرق فهو آمن ، قال : فادخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى عهده بنى كعب ، وأدخلت قريش فى عهدها حلفاءها من بنى كنانة وحدثنا عبد الواحد بن غياث ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : أخبرنا أيوب ، عن عكرمة أن بنى بكر من كنانة كانوا فى صلح قريش وكانت خزاعة فى صلح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاقتتلت بنو بكر وخزاعة بعرفة ، فامدت قريش بنى بكر بالسلاح وسقوهم الماء وظللوهم ، فقال بعضهم لبعض : نكثتم العهد فقالوا ما نكثنا والله ما قاتلنا انما مددناهم وسقيناهم وظللناهم ، فقالوا لأبى سفيان بن حرب : انطلق فأجد الحلف وأصلح بين الناس فقدم أبو سفيان المدينة فلقى أبا بكر فقال له : يا أبا بكر أجد الحلف وأصلح بين الناس فقال عمر : قطع الله منه ما كان متصلا ، وأبلى ما كان جديدا ، فقال أبو سفيان تالله ما رأيت شاهد عشيرة شرا منك ، فانطلق إلى فاطمة فقالت : الق عليا فلقيه فذكر له مثل ذلك ، فقال على : أنت شيخ قريش وسيدها فأجد الحلف وأصلح بين الناس ، فضرب أبو سفيان يمينه على شماله ، وقال : قد جددت الحلف وأصلحت بين الناس ، ثم انطلق حتى أتى مكة ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إن أبا سفيان قد أقبل وسيرجع راضيا بغير قضاء حاجة فلما رجع إلى أهل مكة أخبرهم الخبر ، فقالوا تالله ما رأينا أحمق منك ما جئتنا بحرب فنحذر ولا بسلم فتأمن ، وجاءت خزاعة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فشكوا ما أصابهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنى قد أمرت بإحدى القريتين مكة أو الطائف وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمسير فخرج فى أصحابه وقال «اللهم اضرب على آذانهم فلا يسمعوا حتى نبغتهم بغتة» وأغذ المسير حتى نزل مر الظهران ، وقد كانت قريش قالت لأبى سفيان : ارجع ، فلما بلغ مر الظهران ورأى النيران والأخبية ،

٤٦

قال : ما شأن الناس ، كأنهم أهل عشية عرفة ، وغشيته خيول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذوه أسيرا فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجاء عمر فأراد قتله فمنعه العباس وأسلم ، فدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلما كان عند صلاة الصبح تحشحش الناس وضوءا للصلاة ، فقال أبو سفيان للعباس بن عبد المطلب : ما شأنهم يريدون قتلى. قال : لا ولكنهم قاموا إلى الصلاة ، فلما دخلوا فى صلاتهم رآهم إذا ركع رسول الله عليه وسلم ركعوا ، وإذا سجد سجدوا فقال : تالله ما رأيت كاليوم طواعية قوم جاءوا من ههنا وههنا ولا فارس الكرام ولا الروم ذات القرون ، فقال العباس : يا رسول الله ابعثني إلى أهل مكة أدعهم إلى الإسلام ، فلما بعثه أرسل فى أثره وقال : ردوا على عمى لا يقتله المشركون ، فأبى أن يرجع حتى أتى مكة ، فقال أى قوم اسلموا تسلموا أتيتم أتيتم واستبطنتم بأشهب بازل ، هذا خالد بأسفل مكة ، وهذا الزبير بأعلى مكة ، وهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المهاجرين والأنصار وخزاعة ، فقال قريش : وما خزاعة المجدعة الأنوف.

وحدثنا عبد الواحد بن غياث ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبى هريرة أن قائل خزاعة ، قال للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

لاهم انى ناشد محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

فانصر هداك الله نصرا أيدا

وادع عباد الله يأتوا مددا

قال حماد : فحدثني على بن زيد ، عن عكرمة أن خزاعة نادوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو يغتسل فقال لبيكم ، وقال الواقدي وغيره ، تسلح قوم من قريش يوم الفتح ، وقالوا : لا يدخلها محمد إلا عنوة ، فقاتلهم خالد بن الوليد ، وكان أول من أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالدخول ،

٤٧

فقتل أربعة وعشرين رجلا من قريش ، وأربعة نفرا من هذيل ، ويقال : قتل يومئذ ثلاثة وعشرين رجلا من قريش ، وانهزم الباقون فاعتصموا برءوس الجبال وتوغلوا فيها واستشهد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ كرز بن جابر الفهري ، وخالد الأشعر الكعبي ، وقال هشام ابن الكلبي : هو حبيشّ الأشعر ابن خالد الكعبي من خزاعة.

وحدثنا شيبان بن أبى شيبة الأبلى ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، قال : حدثنا ثابت البناني ، عن عبد الله بن رباح ، قال ، وفدت إلى وفود معاوية وذلك فى شهر رمضان ، وكان بعضنا يصنع لبعض الطعام ، وكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحله ، قال : فصنعت لهم طعاما ودعوتهم ، فقال : أبو هريرة ألا أعللكم بحديث من حديثكم معشر الأنصار ثم ذكر فتح مكة ، فقال أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى قدم مكة ، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين ، وبعث خالد بن الوليد على الأخرى ، وبعث أبا عبيدة بن الجراح على الحصر ، فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى كتيبته فرآني ، فقال : يا أبا هريرة قلت لبيك يا رسول الله ، قال : ناد الأنصار فلا يأت إلا انصارى ، قال : فناديتهم فأطافوا به وجمعت قريش أوباشها وأتباعها ، وقالوا نقدم هؤلاء ، فإن أصابوا ظفرا كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي يسأل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أترونا أوباش قريش قالوا نعم فقال بإحدى يديه على الأخرى يشير. ان اقتلوهم ، ثم قال : وافونى بالصفا ، قال فانطلقنا فما يشاء أحد أن يقتل أحدا إلا يقتله ، فجاء أبو سفيان ، فقال يا رسول الله أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن القى السلاح فهو آمن ، فقال بعض الأنصار لبعض ، أما الرجل فأدركته رغبة فى قرابته ورأفة بعشيرته ، وجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الوحى ، وكان إذا جاءه لم يخف علينا ،

٤٨

فقال. يا معشر الأنصار قلتم كذا وكذا قالوا قد كان ذلك يا رسول الله ، قال ،. كلا انى عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم ، فجعلوا يبكون ويقولون ، والله ما قلنا الذي قلنا إلا للضن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال ، وأقبل الناس إلى دار أبى سفيان وأغلقوا أبوابها ووضعوا سلاحهم : وأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت وأتى على صنم كان إلى جنب الكعبة وفى يده قوس قد أخذ بسيتها فجعل يطعن فى عين الصنم ويقول (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) قال ، فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلاه حتى نظر إلى البيت ثم رفع يده يحمد الله ويدعو.

حدثنا محمد بن الصباح ، قال. أخبرنا هشيم ، عن أبى حصين ، عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة لا تجهزن على جريح ، ولا يتبعن مدبر. ولا يقتلن أسير ، ومن أغلق بابه فهو آمن.

قال الواقدي. كانت غزوة الفتح فى شهر رمضان سنة ثمان فأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة إلى الفطر. ثم توجه لغزوة حنين. وولى مكة عتاب ابن أسيد بن أبى العيص بن أمية ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهدم الأصنام ومحو الصور التي كانت فى الكعبة وقال : اقتلوا بن خطل ولو كان متعلقا بأستار الكعبة ، فقتله أبو برزة الأسلمى. قال أبو اليقظان. واسم ابن خطل قيس ، وقتله أبو شرياب الأنصارى ، وكان لابن خطل قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقتلت إحداهما وبقيت الأخرى حتى كسرت لها ضلع أيام عثمان فماتت ، وقتل نميلة بن عبد الله الكناني مقيس بن صبابة الكبانى ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أمر من وجده أن يقتله

٤٩

وذلك لأن أخاه هاشم بن صبابة بن حزن أسلم وشهد غزوة المريسيع مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقتله رجل من الأنصار خطأ وهو يظنه مشركا فقدم مقيس على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقضى له بالدية على عاقلة القاتل ، فأخذها وأسلم ، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله وهرب مرتدا ، وقال :

شفى النفس أن قد بات بالقاع مسندا

يضرج ثوبيه دماء الأخادع

ثأرت به قهرا وحملت عقله

سراة بنى النجار أرباب فارع

حالت به وترى وأدركت ثورتى

وكنت عن الإسلام أول راجع

وقتل على بن أبى طالب رضى الله عنه الحويرث بن نقيذ بن بجير بن عبد بن قصى ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر أن يقتله من وجده وحدثني بكر بن الهيثم ، عن عبد الرزاق ، عن مغمر ، عن الكلبي ، قال : جاءت قينة لهلال بن عبد الله ، وهو ابن خطل الأردمى من بنى تيم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم متنكرة فأسلمت وبايعت وهو لا يعرفها فلم يعرض لها وقتلت قينة له أخرى ، وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : وأسلم ابن الزعبرى السهمي قبل أن يقدر عليه ، ومدح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان قد أباح دمه يوم الفتح ولم يعرض له.

حدثنا محمد بن الصباح البزار ، ، قال : حدثنا هشيم ، قال أخبرنا خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطب يوم مكة فقال «الحمد لله الذي صدق وعده ونصر جنده ، وهزم الأحزاب وحده ألا أن كل مأثرة كانت فى الجاهلية وكل دم ودعوى موضوعة تحت قدمي إلا سدانة البيت ، وسقاية الحاج».

وحدثنا خلف البزار ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أشياخه ، قالوا : «لما كان يوم فتح مكة قال النبي صلى الله عليه

٥٠

وسلم لقريش ما تظنون ، قالوا : نظن خيرا ونقول خيرا أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت قال : فانى أقول كما قال أخى يوسف عليه‌السلام (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ألا كل دين ومال ومأثرة كانت فى الجاهلية فهي تحت قدمي الاسدانة البيت وسقاية الحاج».

حدثنا شيبان ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، قال حدثنا عبد الله بن عبيد ابن عمير ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى خطبته «ألا أن مكة حرام ما بين أخشبيها لم يحل لأحد قبلي ولا يحل لأحد بعدي ، ولم تحل لى إلا ساعة من نهار لا يختلى خلاها ولا تعضد عضاهها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها إلا أن يعرف ـ أو يعرف ـ فقال العباس رحمه‌الله إلا الإذخر فإنه لصاغتنا وقيوننا وطهور بيوتنا ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا الإذخر».

حدثنا يوسف بن موسى القطان ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «لا يختلى خلا مكة ولا يعضد شجرها ، فقال العباس : الا الإذخر فإنه القيون وطهور البيوت فرخص فى ذلك».

حدثنا شيبان ، قال : حدثنا أبو هلال الراسبي عن الحسن ، قال. أراد عمر أن يأخذ كنز الكعبة فينفقه فى سبيل الله ، فقال له أبى بن كعب الأنصارى ، يا أمير المؤمنين قد سبقك صاحباك ، ولو كان هذا فضلا لفعلاه وحدثنا عمرو الناقد ، قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «مكة حرام لا يحل بيع رباعها ولا أجور بيوتها».

حدثنا محمد بن حاتم المروزي ، قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى عن إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن يوسف بن ماهك عن أبيه عن عائشة

٥١

قالت قلت يا رسول الله. ابن لك بناء يظلك من الشمس بمكة ، فقال ، «إنما هي مناخ من سبق».

حدثنا خلف بن هشام البزار ، حدثنا إسماعيل عن ابن جريح ، قال قرأت كتاب عمر بن عبد العزيز ينهى عن كراء بيوت مكة. حدثنا أبو عبيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر ، قال الحرم كله مسجد.

حدثنا عمرو الناقد ، قال : حدثنا إسحاق الأزرق عن عبد الملك بن أبى سليمان ، قال. كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمير مكة أن لا تدع أهل مكة يأخذون على بيوت مكة أجرا فإنه لا يحل لهم.

حدثنا عثمان بن أبى شيبة ، قال. حدثنا جرير عن يزيد بن أبى زياد عن عبد الرحمن بن سابط فى قوله (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) ، قال البادي من يخرج من الحجاج والمعتمرين ، هم سواء فى المنازل ، ينزلون حيث شاءوا ، غير ألا يخرج أحد من بيته.

حدثنا عثمان ، قال حدثنا جرير ، عن منصور عن مجاهد فى هذه الآية ، قال أهل مكة وغيرهم فى المنازل سواء. وحدثنا عثمان وعمرو ، قالا. حدثنا وكيع عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد أن عمر بن الخطاب ، قال لأهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث شاء. وحدثنا عثمان بن أبى شيبة ، وبكر بن الهيثم ، قالا. حدثنا يحيى بن ضريس الرازي عن سفيان ، عن أبى حصين قال قلت لسعيد بن جبير وهو بمكة إنى أريد أن أعتكف ، فقال : أنت عاكف ثم قرأ (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ).

حدثنا عثمان ، قال : حدثنا حفص بن غياث عن عبد الله بن مسلم عن سعيد بن جبير فى قوله (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) قال : خلق الله فيه سواء أهل مكة وغيرها ، وحدثني محمد بن سعيد عن الواقدي ، قال. كان يتخاصم إلى أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فى أجور الدور بمكة فيقضى بها على من

٥٢

اكتراها وهو قول مالك وابن أبى ذئب ، قال وقال ربيعة ، وأبو الزناد ، لا بأس بأكل كراء بيوت مكة وبيع رباعها ، وقال الواقدي ، رأيت ابن أبى ذئب يأتيه كراء داره بمكة بين الصفا والمروة ، وقال الليث بن سعيد ما كان من دار فاجرها طيب لصاحبها ، فاما القاعات ، والسكك ، والأفنية والخرابات ، فمن سبق نزل ذلك بغير كراء وأخبرنى عبد الرحمن الأودى ، عن الشافعي بمثل ذلك ، وقال سفيان ابن سعيد الثوري ، كراء بيوت مكة حرام ، وكان يشدد فى ذلك. وقال الأوزاعى وابن أبى ليلى. وأبو حنيفة أن كراها فى ليالي الحج فالكراء باطل ، وإن كان فى غير ليالي الحج ، وكان المكترى مجاورا أو غير ذلك فلا بأس ، وقال بعض أصحاب أبى يوسف كراؤها حل طلق ، وإنما يستوى العاكف والبادي فى الطواف بالبيت.

حدثنا الحسين بن على بن الأسود ، قال حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن الحسن بن صالح عن العلاء بن المسيب ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، أنه كان لا يرى ببقل مكة ولا بالزرع الذي يزرع فيها ولا بشيء مما أنبته الناس بها من شجر أو نخل بأسا أن تقطعه وتأكله وتصنع فيه ما شئت ، قال وإنما كره ما أنبتت الأرض بمكة من شجر وغيره مما لم يعمله الناس إلا الإذخر ، قال الحسن بن صالح. وقد رخص فى الشجر البالي الذي قد يبس وتكسر. وقال محمد بن عمر الواقدي. قال مالك. وابن أبى ذئب فى محرم أو حلال قطع شجرا من الحرم أنه قد أساء. فإن كان جاهلا علم ولا شيء عليه. وإن كان عالما خالعا عوقب ولا قيمة عليه. ومن قطع من ذلك شيئا فلا بأس أن ينتفع انه قال وقال سفيان الثوري وأبو يوسف. عليه فى الشجرة لقطعها قيمة ولا ينتفع بذلك. وهو قول أبى حنيفة. وقال مالك بن أنس. وابن أبى ذئب. لا بأس بالضغابيس. وأطراف السنا. تؤخذ من الحرم للدواء والسواك. وقال سفيان بن سعيد. وأبو حنيفة

٥٣

وأبو يوسف : كل شيء أنبته الناس فى الحرم أو كان مما ينبتون فلا شيء على قاطعه وكل شيء مما لا ينبته الناس فعلى قاطعه قيمته ، وقال الواقدي سألت الثوري ، وأبا يوسف عن رجل أنبت فى الحرم ما لا ينبته الناس ، فقام عليه حتى نبت له أله أن يقطعه ، قالا نعم ، قلت فان نبتت فى بستانه شجرة مما لا ينبت الناس من غير أن يكون أنبتها ، قالا يصنع بها ما شاء.

وحدثني محمد بن سعد ، عن الواقدي ، قال : روى لنا أن ابن عمر كان يأكل بمكة بقلا زرع فى الحرم ، وحدثني محمد بن سعد ، قال حدثني الواقدي ، عن معاذ بن محمد ، قال رأيت على مائدة الزهري بقلا من الحرم ، قال أبو حنيفة لا يرعى الرجل المحرم بعيره فى الحرم ولا يحتش له ، وهو قول زفر ، وقال مالك وابن أبى ذئب ، وسفيان ، وأبو يوسف ، وابن أبى سبرة. لا بأس بالرعي ولا يحتش ، وقال ابن أبى ليلى لا بأس بان يحتش. وحدثني عفان ، والعباس بن الوليد النرسي ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : حدثنا ليث ، قال كان عطاء لا يرى بأسا ببقل الحرم وما زرع فيه وبالقضيب والسواك ، قال وكان مجاهد يكرهه ، قال : ولم يكن للمسجد الحرام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبى بكر جدار يحيط به ، فلما استخلف عمر بن الخطاب وكثر الناس وسع المسجد واشترى دورا فهدمها وزادها فيه وهدم على قوم من جيران المسجد أبوا أن يبيعوا ووضع لهم الأثمان حتى أخذوها بعد ، واتخذ للمسجد جدارا قصيرا دون القامة. فكانت المصابيح توضع عليه. فلما استخلف عثمان بن عفان ابتاع منازل وسع المسجد بها وأخذ منازل أقوام ووضع لهم الأثمان فضجوا به عند البيت فقال إنما جرأكم على حلمي عنكم وليني لكم لقد فعل بكم عمر مثل هذا فأقررتم ورضيتم ، ثم أمر بهم إلى الحبس حتى كلمه فيهم عبد الله ابن خالد بن أسيد بن أبى العيص فخلى سبيلهم.

٥٤

ويقال : إن عثمان أول من اتخذ للمسجد الأروقة ، واتخذها حين وسعه قالوا : وكان باب الكعبة على عهد ابراهيم عليه‌السلام وجرهم والعماليق بالأرض حتى بنته قريش ، فقال أبو حذيفة ابن المغيرة يا قوم ارفعوا باب الكعبة حتى لا يدخل إلا بسلم فإنه لا يدخلها حينئذ إلا من أردتم ، فإن جاء أحد ممن تكرهون رميتم به فسقط فكان نكالا لمن وراءه ، فعملت قريش بذلك.

قال : ولما تحصن عبد الله بن الزبير بن العوام فى المسجد الحرام واستعاذ به ـ والحصين بن نمير السكوني إذ ذاك يقاتله فى أهل الشام ـ أخذ ذات يوم رجل من أصحابه نارا على ليفة فى رأس رمح ، وكانت الريح عاصفا ، فطارت شرارة فتعلقت بأستار الكعبة فأحرقتها ، فتصدعت حيطانها واسودت ، وذلك فى سنة أربع وستين حتى إذا مات يزيد بن معاوية ، وانصرف الحصين بن نمير إلى الشام أمر ابن الزبير بما فى المسجد من الحجارة التي رمى بها فأخرج ، ثم هدم الكعبة وبناها على أساسها وأدخل الحجر فيها وجعل لها بابين موضوعين بالأرض شرقيا وغربيا يدخل من واحد ويخرج من الآخر ، وكان قد وجد أساس الكعبة متصلا بالحجر ، وإنما التمس إعادتها إلى بناء ابراهيم عليه‌السلام على ما كانت عائشة أم المؤمنين أخبرته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجعل على بابها صفائح الذهب وجعل مفاتيحها من ذهب ، فلما حاربه الحجاج بن يوسف من قبل عبد الملك ابن مروان وقتله كتب إليه عبد الملك يأمره ببناء الكعبة والمسجد الحرام ، وقد كانت الحجارة حلحلت الكعبة فهدمها الحجاج وبناها فردها إلى بناء قريش وأخرج الحجر ، فكان عبد الملك يقول بعد ذلك : وددت أنى كنت حملت ابن الزبير أمر الكعبة وبناءها ما تحمل.

قالوا : وكانت كسوة الكعبة فى الجاهلية الأنطاع والمغافر فكساها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الثياب اليمانية ، ثم كساها عمر وعثمان رضى الله عنهما

٥٥

القباطي ، ثم كساها يزيد بن معاوية الديباج الخسروانى ، وكساها ابن الزبير والحجاج بعده الديباج ، وكساها بنو أمية فى بعض أيامهم الحلل التي كان أهل نجران يؤدونها وأخذوهم بتجريدها وفوقها الديباج ، ثم أن الوليد بن عبد الملك وسع المسجد الحرام وحمل إليه عمد الحجارة والرخام والفيسفساء ، قال الواقدي فلما كانت خلافة أمير المؤمنين المنصور رحمه‌الله زاد فى المسجد وبناه وذلك فى سنة تسع وثلاثين ومائة. وقال على بن محمد ابن عبد الله المدائني ، ولى المهدى جعفر بن سليمان بن على بن عبد الله بن العباس مكة والمدينة واليمامة فوسع مسجدى مكة والمدينة وبناهما ، وقد جدد أمير المؤمنين المتوكل على الله جعفر بن أبى إسحاق المعتصم بالله ابن الرشيد هارون بن المهدى رضوان الله عليهم رخام الكعبة وأزرها بفضة ، وألبس سائر حيطانها وسقفها الذهب. ولم يفعل ذلك أحد قبله وكسا أساطينها الديباج.

ذكر حفائر مكة

قالوا : كانت قريش قبل جمع قصى إياها وقبل دخولها مكة تشرب من حياض ومصانع على رؤوس الجبال ، ومن بئر حفرها لؤي بن غالب خارج الحرم تدعى اليسيرة ، ومن بئر حفرها مرة بن كعب تدعى الروى ، وهي مما يلي عرفة ثم حفر كلاب بن مرة خم ورم ، والجفر بظاهر مكة ، ثم أن قصى بن كلاب حفر بئرا سماها العجول واتخذ سقاية ، وفيها يقول بعد رجاز الحاج.

نروى على العجول ثم ننطلق

قبل صدور الحاج من كل أفق

ان قصيا قد وفى وقد صدق

بالشبع للناس ورى مغتبق

ثم إنه سقط فى العجول بعد ممات قصى رجل من بنى نصر بن معاوية

٥٦

فعطلت ، وحفر هاشم بن عبد مناف بذر ، وهي عند الخندمة على فم شعب أبى طالب ، وحفر هاشم أيضا سجلة فوهبها أسد بن هاشم لعدي بن نوفل بن عبد مناف بن المطعم ، ويقال : بل ابتاعها منه ، ويقال ان عبد المطلب وهبها له حين حفر زمزم وكثر الماء بمكة ، فقالت خالدة بنت هاشم :

نحن وهبنا لعدي سجله

فى تربة ذات عذاة سهله

تروى الحجيج زعلة فزعلة

وقد دخلت سجلة فى المسجد ، وحفر عبد شمس بن عبد مناف الطوى وهي بأعلى مكة ، وحفر أيضا لنفسه الجفر ، وحفر ميمون بن الحضرمي حليف بنى عبد شمس بن عبد مناف بئره وهي آخر بئر حفرت فى الجاهلية بمكة ، وعندها قبر أمير المؤمنين المنصور رحمه‌الله ، واسم الحضرمي عبد الله ابن عماد ، واحتفر عبد شمس أيضا بئرين وسماهما خم ورم ، على ما سمى كلاب بن مرة بئريه ، فأما خم فهي عند الردم ، وأما رم فعند دار خديجة بنت خويلد ، وقال عبد شمس :

حفرت خما وحفرت رما

حتى أرى المجد لنا قد تما

وقالت سبيعة بنت عبد شمس فى الطوى :

إن الطوى إذا شربتم ماءها

صوب الغمام عذوبة وصفاء

وحفرت بنو أسد بن عبد العزى بن قصى شفية بئر بنى أسد ، وقال الحويرث بن أسد:

ماء شفية كماء المزن

وليس ماؤها بطرق أجن

وحفر بنو عبد الدار بن قصى أم احراد ، فقالت أميمة بنت عميلة بن السباق بن عبد الدار :

نحر حفرنا البحر أم احراد

ليست كبذر النذر والجماد

٥٧

فأجابتها صفية بنت عبد المطلب :

نحن حفرنا بذر تروى ال

حجيج الأكبر من مقبل ومدبر

وأم أحراد بشر فيها ال

جراد والذر وقذر لا يذكر

وحفر بنو جمح السنبلة وهي بئر خلف بن وهب الجمحي فقال قائلهم :

نحن حفرنا للحجيج سنبله

صوب سحاب ذو الجلال أنزله

وحفر بنو سهم الغمر وهي بئر العاصي بن وائل فقال بعضهم :

نحن حفرنا الغمر للحجيج

تثج ماء أيما ثجيج

قال ابن الكلبي قالها ابن الربعي ، وحفرت بنو عدى الحفير فقال شاعرهم :

نحن حفرنا بئرنا الحفيرا

بحرا يجيش ماؤه غزيرا

وحفرت بنو مخزوم السقيا بئر هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وحفرت بنو تيم الثريا ، وهي بئر عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ، وحفرت بنو عامر بن لؤي النقع ، قالوا وكانت لجبير بن مطعم بئر وهي بئر بنى نوفل فأدخلت حديثا فى دار القوارير التي بناها حماد البربري فى خلافة أمير المؤمنين هارون الرشيد ، وكان عقيل بن أبى طالب حفر فى الجاهلية بئرا وهي فى دار ابن يوسف ، فكانت للأسود ابن أبى البختري ابن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بئر على باب الأسود عند الحناطين فدخلت فى المسجد ، بئر عكرمة ، نسبت إلى عكرمة ابن خالد بن العاصي بن هاشم بن المغيرة ، بئر عمرو ، نسبت إلى عمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي ، وكذلك شعب عمرو الطلوب أسفل مكة كانت لعبد الله بن صفوان ، بئر حويطب نسبت إلى حويطب بن عبد العزى بن أبى قيس من بنى عامر بن لؤي ، وهي بفناء داره ببطن الوادي ، بئر أبى موسى كانت لأبى موسى الأشعرى بالمعلاة ، بئر شوذب نسبت إلى شوذب مولى معاوية ، وقد دخلت فى المسجد ، ويقال : إن

٥٨

شوذبا كان مولى طارق بن علقمة بن عريج بن جذيمة الكناني ، ويقال كان مولى لنافع بن علقمة بن صفوان بن أمية بن محرث بن خمل بن شق الكناني ، خال مروان بن الحكم بن أبى العاصي بن أمية ، وبئر بكار نسبت إلى رجل سكن مكة من أهل العراق ، وهي بذي طوى ، وبئر وردان نسبت إلى وردان مولى السائب بن أبى وداعة بن ضبيرة السهمي ، وسقاية سراج بفخ ، كانت لسراج مولى بنى هاشم ، وبئر الأسود نسبت إلى الأسود بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وهي بقرب بئر خالصة مولاة أمير المؤمنين المهدى ، والبرود بفخ لمخترش الكعبي من خزاعة ، وقال ابن الكلبي صاحب دار ابن علقمة بمكة طارق بن علقمة بن عريج بن خزيمة الكناني ، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى ، وعبد الملك بن قريب الأصمعى وغيرهما ، بستان ابن عامر لعمر بن عبد الله بن معمر بن عثمان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ابن كعب بن لؤي ، ولكن الناس غلطوا فيها فقالوا بستان ابن عامر وبستان بنى عامر ، وإنما هو بستان ابن معمر ، وقوم يقولون نسب إلى ابن عامر الحضرمي ، وآخرون يقولون نسب إلى ابن عامر ابن كريز وذلك ظن وترجيم.

حدثني مصعب بن عبد الله الزبير ، قال كانت فى الجاهلية مكة تدعى صلاح ، قال أبو سفيان بن حرب الحضرمي :

أبا مطر هلم إلى صلاح

لكفيك الندامى من قريش

وتنزل بلدة عزت قديما

وتأمن أن ينالك رب جيش

وحدثني العباس بن هشام الكلبي ، قال كتب بعض الكنديين إلى أبى يسأله عن سجن ابن سباع بالمدينة إلى من نسب ، وعن قصة دار الندوة ودار العجلة ودار القوارير بمكة ، فكتب إليه : أما سجن ابن سباع فإنه كان دارا لعبد الله بن سباع بن عبد العزى بن نضلة بن عمرو بن غبشان

٥٩

الخزاعي ، وكان سباع يكنى أبا نيار ، وكانت أمه قابلة بمكة فبارزه حمزة بن عبد المطلب يوم أحد فقال له هلم إلى يا ابن مقطعة البظور ثم قتله وأكب عليه ليأخذ درعه فزرقه وحشى وأم طريح بن إسماعيل الثقفي الشاعر بنت عبد الله بن سباع وهو حليف بنى زهرة.

وأما دار الندوة فبناها قصى بن كلاب. فكانوا يجتمعون إليه فتقضى فيها الأمور ، ثم كانت قريش بعده تجتمع فيها فتتشاور فى حروبها وأمورها وتعقد الألوية وتزوج من أراد التزويج ، وكانت أول دار بنيت بمكة من دور قريش ثم دار العجلة ، وهي دار سعيد بن سعد بن سهم ، وبنو سهم يدعون أنها بنيت قبل دار الندوة وذلك باطل ، فلم تزل دار الندوة لبنى عبد الدار ابن قصى حتى باعها عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى من معاوية بن أبى سفيان فجعلها دارا للامارة ، وأما دار القوارير فكانت لعتبة بنت ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ثم صارت للعباس ابن عتبة بن أبى لهب بن عبد المطلب ، وقد صارت بعد لأم جعفر زبيدة بنت أبى الفضل بن المنصور أمير المؤمنين ، واستعمل فى بعض فرشها وحيطانها شيء من قوارير فقيل دار القوارير وكان حماد البربري بناها فى خلافة الرشيد أمير المؤمنين رحمه‌الله ، وقال هشام ابن محمد الكلبي ، كان عمرو بن مضاض الجرهمي حارب رجلا من جرهم يقال له السميدع فخرج عمرو فى السلاح يتقعقع فسمى الموضع الذي خرج منه قعيقعان وخرج السميدع مقلدا خيله الأجراس فى أجيادها فسمى الموضع الذي خرج منه أجياد وقال ابن الكلبي. ويقال ، إنه خرج بالجياد المسومة فسمى الموضع أجياد وعامة أهل مكة يقولون جياد الصغير وجياد الكبير.

حدثنا الوليد ابن صالح ، عن محمد بن عمر الأسلمي ، عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده ، قال قدمنا مع عمر بن الخطاب فى عمرته سنة سبع عشرة فكلمه

٦٠