فتوح البلدان

أبوالحسن البلاذري

فتوح البلدان

المؤلف:

أبوالحسن البلاذري


المحقق: لجنة تحقيق التراث
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

عين الرومية وماؤها للوليد بن عقبة بن أبى معيط فأعطاها أبا زبيد الطائي ثم صارت لأبى العباس أمير المؤمنين فأقطعها ميمون بن حمزة مولى على بن عبد الله بن عباس ثم ابتاعها الرشيد من ورثته وهي من أرض الرقة ، قالوا : وكان بن هبيرة أقطع غابة ابن هبيرة فقبضت وأقطعها بشر بن ميمون صاحب الطاقات ببغداد بناحية باب الشام ثم ابتاعها الرشيد وهي من أرض سروج ، وكان هشام أقطع عائشة ابنته قطيعة برأسكيفا تعرف بها فقبضت وكانت لعبد الملك وهشام قرية تدعى سلعوس ونصف قرية تدعى كفر جدا من الرها وكانت بحران للغمر بن يزيد تل عفراء وأرض تل مذابا (كذا) وأرض المصلى وصوافي فى ربض حران أو مستغلاتها ، وكان مرج عبد الواحد حمى المسلمون قبل أن تبنى الحدث وزبطرة فلما بنيتا استغنى بهما فعمر ، فضمه الحسين الخادم إلى الأحواز فى خلافة الرشيد ثم توثب الناس على مزارعه حتى قدم عبد الله بن طاهر الشام فرده إلى الضياع ، وقال أبو أيوب الرقى : سمعت أن عبد الواحد الذي نسب المرج إليه عبد الواحد بن الحارث ابن الحكم بن أبى العاصي وهو ابن عم عبد الملك كان المرج له فجعله حمى للمسلمين وهو الذي مدحه القطامي فقال :

أهل المدينة لا يحزنك شأنهم

إذا تخطأ عبد الواحد الأجل

أمر نصارى بن تغلب بن وائل

حدثنا شيبان بن فروخ ، قال : حدثنا أبو عوانة عن المغيرة عن السفاح الشيبانى ، أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أراد أن يأخذ الجزية من نصارى بنى تغلب فانطلقوا هاربين ولحقت طائفة منهم ببعد من الأرض ، فقال النعمان ابن زرعة أو زرعة بن النعمان : أنشدك الله فى بنى تغلب فإنهم قوم من العرب

١٨١

نائفون من الجزية وهم قوم شديدة نكايتهم فلا يغن عدوك عليك بهم فأرسل عمر فى طلبهم فردهم وأضعف عليهم الصدقة.

حدثنا شيبان ، قال : حدثنا عبد العزيز بن مسلم ، قال : حدثنا ليث عن رجل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : لا تؤكل ذبائح نصارى بنى تغلب ولا تنكح نساؤهم : ليسوا منا ولا من أهل الكتاب.

حدثنا عباس بن هشام عن أبيه عن عوانة بن الحكم وأبى مخنف ، قالا : كتب عمير بن سعد إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه يعلمه أنه أتى شق الفرات الشامي ففتح عانات وسائر حصون الفرات وأنه أراد من هناك من بنى تغلب على الإسلام فأبوه وهموا باللحاق بأرض الروم وقبلهم ما أراد من فى الشق الشرقي على ذلك فامتنعوا منه وسألوه أن يأذن لهم فى الجلاء واستطلع رأيه فيهم فكتب إليه عمر رضى الله عنه يأمره أن يضعف عليهم الصدقة التي تؤخذ من المسلمين فى كل سائمة وأرض وإن أبوا ذلك حاربهم حتى يبيدهم أو يسلموا فقبلوا أن يؤخذ منهم ضعف الصدقة ، وقالوا : أما إذ لم تكن جزية كجزية الاعلاج فإنا نرضى ونحفظ ديننا.

حدثني عمرو الناقد ، قال : حدثني أبو معاوية عن الشيبان عن السفاح عن داود بن كردوس ، قال : صالح عمر بن الخطاب بنى تغلب بعد ما قطعوا الفرات وأرادوا اللحاق بأرض الروم على أن لا يصبغوا صبيا ولا يكرهوه على دينهم وعلى أن عليهم الصدقة مضعفة ، قال : وكان داود بن كردوس يقول : ليست لهم ذمة لأنهم قد صبغوا فى دينهم يعنى المعمودية فحدثني الحسين بن الأسود قال : حدثنا يحيى بن آدم عن ابن المبارك عن يونس بن يزيد الأيلى عن الزهري ، قال : ليس فى مواشى أهل الكتاب صدقة إلا نصارى بنى تغلب أو قال نصارى العرب الذين عامة أموالهم المواشي فإن عليهم ضعف ما على المسلمين.

١٨٢

حدثنا سعيد بن سليمان سعدويه : حدثنا هشيم عن مغيرة عن السفاح ابن المثنى عن زرعة بن النعمان أنه كان كلم عمر فى نصارى بنى تغلب وقال قوم عرب نائفون من الجزية وإنما هم أصحاب حروث ومواش وكان عمر قد هم أن يأخذ الجزية منهم فتفرقوا فى البلاد فصالحهم على أن أضعف عليهم ما يؤخذ من المسلمين من صدقاتهم فى الأرض والماشية ، واشترط عليهم أن لا ينصروا أولادهم ، قال مغيرة : فكان على عليه‌السلام يقول : لئن تفرغت لبنى تغلب ليكونن لى فيهم رأى لأقتلن مقاتلهم ولأسبين ذريتهم فقد نقضوا العهد وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم.

وحدثني أبو نصر التمار ، قال : حدثنا شريك بن عبد الله عن ابراهيم بن مهاجر عن زياد بن حدير الأسدى ، قال : بعثني عمر إلى نصارى بنى تغلب آخذ منهم نصف عشر أموالهم ونهاني أن أعشر مسلما أو ذميا يؤدى الخراج.

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابن أبى سبرة عن عبد الملك بن نوفل عن محمد بن ابراهيم بن الحارث : أن عثمان أمر أن لا يقبل من بنى تغلب فى الجزية إلا الذهب والفضة فجاءه الثبت أن عمر أخذ منهم ضعف الصدقة فرجع عن ذلك ، قال الواقدي ، وقال سفيان الثوري ، والأوزاعى ، ومالك بن أنس ، وابن أبى ليلى ، وابن أبى ذئب ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف يؤخذ من التغلبي ضعف ما يؤخذ من المسلم فى أرضه وماشيته وماله ، فأما الصبى والمعتوه منهم فإن أهل العراق يرون أن يؤخذ ضعف الصدقة من أرضه ولا يأخذون من ماشيته شيئا ، وقال أهل الحجاز يؤخذ ذلك من ماشيته وأرضه ، وقالوا جميعا : أن سبيل ما يؤخذ من أموال بنى تغلب سبيل مال الخراج لأنه بدل من الجزية.

غزو الثغور الجزرية

قالوا : لما استخلف عثمان بن عفان رضى الله عنه كتب إلى معاوية بولايته

١٨٣

الشام وولى عمير بن سعد الأنصارى الجزيرة ثم عزله وجمع لمعاوية الشام والجزيرة وثغورهما وأمره يغزو شمشاط وهي أرمينية الرابعة أن يغزيها فوجه إليها حبيب بن مسلمة الفهري وصفوان بن معطل السلمى : ففتحاها بعد أيام من نزولهما عليها على مثل صلح الرها وأقام صفوان بها ، وبها توفى فى آخر خلافة معاوية ويقال بل غزاها معاوية نفسه وهذان معه فولاها صفوان فاوطنها وتوفى بها قالوا : وقد كان قسطنطين الطاغة أناخ عليها بعد نزوله فى ملطية فى سنة ثلاث وثلاثين ومائة فلم يمكنه فيها شيء فأغار على ما حولها ثم انصرف ولم تزل شمشاط خراجية حتى صيرها المتوكل على الله رحمه‌الله عشرية أسوة غيرها من الثغور ، وقالوا : أغزى حبيب بن مسلمة حصن كمخ بعد فتح شمشاط فلم يقدر عليه وغزاه صفوان فلم يمكنه فتحه ثم غزاه فى سنة تسع وخمسين وهي السنة التي مات فيها ومعه عمير بن الحباب السلمى فعلا عمير سوره ولم يزل يجالد عليه وحده حتى كشف الروم وصعد المسلمون ففتحه لعمير بن الحباب وبذلك كان يفخر ويفخر له ، ثم أن الروم غلبوا عليه ففتحه مسلمة بن عبد الملك ولم يزل يفتح وتغلب الروم عليه فلما كانت سنة تسع وأربعين ومائة شخص المنصور عن بغداد حتى نزل حديثه الموصل ، ثم أغزى منها الحسن بن قحطبة وبعده محمد بن الأشعث وجعل عليهما العباس بن محمد وأمره أن يغزو بهم كمخ فمات محمد بن الأشعث بآمد وسار العباس والحسن حتى صار إلى ملطية فحملا منها الميرة ثم أناخ على كمخ ، وأمر العباس بنصب المناجنيق عليه فجعلوا على حصنهم خشب العرعر لئلا يضربه حجارة المنجنيق ، ورموا المسلمين فقتلوا منهم بالحجارة مائتي رجل فاتخذ المسلمون الدبابات وقاتلوا قتالا شديدا حتى فتحوه ، وكان مع العباس ابن محمد بن على فى غزاته هذه مطر الوراق ، ثم أن الروم أغلقوا كمخ فلما كانت سنة سبع وسبعين ومائة غزا محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى

١٨٤

عمرة الأنصارى وهو عامل عبد الملك بن صالح على شمشاط ففتحه ودخله لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر من هذه السنة فلم يزل مفتوحا حتى كان هيج محمد بن الرشيد فهرب أهله وغلبت عليه الروم ، ويقال أن عبد الله بن الأقطع دفعه إليهم وتخلص ابنه وكان أسيرا عندهم ، ثم أن عبد الله بن طاهر فتحه فى خلافة المأمون فكان فى أيدى المسلمين حتى لطف قوم من نصارى شمشاط وقاليقلا وبقراط بن أشوط بطريق خلاط فى دفعه إلى الروم والتقرب إليهم بذلك بسبب ضياع لهم فى عمل شمشاط.

فتح ملطية

وقالوا : وجه عياض بن غنم حبيب بن مسلمة الفهري من شمشاط إلى ملطية ففتحها ثم أغلقت ، فلما ولى معاوية الشام والجزيرة وجه إليها حبيب ابن مسلمة ففتحها عنوة ورتب فيها رابطة من المسلمين مع عاملها وقدمها معاوية وهو يريد دخول الروم فشحنها بجماعة من أهل الشام والجزبرة وغيرهما فكانت طريق الصوائف ، ثم أن أهلها انتقلوا عنها فى أيام عبد الله ابن الزبير وخرجت الروم فشعثتها ثم تركها فنزلها قوم من النصارى من الأرمن والنبط.

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي فى اسناده ، : قال كان المسلمون نزلوا طرندة بعد أن غزاها عبد الله بن عبد الملك سنة ثلاث وثمانين وبنوا بها مساكن وهي من ملطية على ثلاث مراحل واغلة فى بلاد الروم وملطية يومئذ خراب ليس بها إلا ناس من أهل الذمة من الأرمن وغيرهم فكانت تأتيهم طالعة من جند الجزيرة فى الصيف فيقومون بها إلى أن ينزل الشتاء وتسقط الثلوج فإذا كان ذلك قفلوا ، فلما ولى عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه

١٨٥

رحل أهل طرندة عنها وهم كارهون ، وذلك لاشفافه عليهم من العدو واحتملوا فلم يدعوا لهم شيئا حتى كسروا خوابى الخل والزيت ، ثم أنزلهم مطلية وأخرب طرندة وولى مطلية جعونة بن الحارث أحد بنى عامر بن صعصعة.

قالوا : وخرج عشرون ألفا من الروم فى سنة ثلاث وعشرين ومائة فنزلوا على ملطية فأغلق أهلها أبوابها وظهر النساء على السور عليهن العمائم فقاتلن ، وخرج رسول لأهل ملطية مستغيثا فركب البريد وسار حتى لحق بهشام بن عبد الملك وهو بالرصافة فندب هشام الناس إلى ملطية ثم أتاه الخبر بأن الروم قد رحلت عنها فدعا الرسول فأخبره وبعث معه خيلا ليرابط بها وغزا هشام نفسه ، ثم نزل ملطية وعسكر عليها حتى بنيت فكان ممره بالرقة دخلها متقلدا سيفا ولم يتقلده قبل ذلك فى أيامه.

قال الواقدي : لما كانت سنة ثلاث وثلاثين ومائة أقبل قسطنطين الطاغية عامدا لملطية وكمخ يومئذ فى أيدى المسلمين وعليها رجل من بنى سليم فبعث أهل كمخ الصريخ إلى أهل ملطية فخرج إلى الروم منهم ثمانمائة فارس فواقعهم خيل الروم فهزمتهم ومال الرومي فأناخ على ملطية فحصر من فيها والجزيرة يومئذ مفتونة وعاملها موسى بن كعب بحران فوجهوا رسولا لهم إليه فلم يمكنه إغاثتهم وبلغ ذلك قسطنطين فقال لهم : يا أهل ملطية إنى لم آتيكم إلا على علم بأمركم وتشاغل سلطانكم عنكم انزلوا على الأمان واخلوا المدينة واخربها وأمضى عنكم فأبوا عليه فوضع عليها المجانيق فلما جهدهم البلاء واشتد عليهم الحصار سألوه أن يوثق لهم ففعل ، ثم استعدوا للرحلة وحملوا ما استدق لهم وألقوا كثيرا مما ثقل عليهم فى الآبار والمخابي ثم خرجوا وأقام لهم الروم صفين من باب المدينة إلى منقطع آخرهم مخترطى السيوف ظرف سيف كل واحد منهم مع طرف سيف الذي يقابله حتى كأنها عقد قنطرة

١٨٦

ثم شيعوهم حتى بلغوا مأمنهم وتوجهوا نحو الجزيرة فتفرقوا فيها ، وهدم الروم ملطية فلم يبقوا منها إلا هريا فإنهم شعثوا منه شيئا يسيرا وهدموا حصن قلوذية ، فلما كانت سنة تسع وثلاثين ومائة كتب المنصور إلى صالح ابن على يأمره ببناء ملطية وتحصينها ، ثم رأى أن يوجه عبد الوهاب بن إبراهيم الامام واليا على الجزيرة وثغورها ، فتوجه فى سنة أربعين ومائة ومعه الحسن بن قحطبة فى جنود أهل خراسان فقطع البعوث على أهل الشام والجزيرة فتوافى معه سبعون ألفا فعسكر على ملطية وقد جمع الفعلة من كل بلد فأخذ فى بنائها وكان الحسن بن قحطبة ربما جمل الحجر حتى يناوله البناء وجعل يغدى الناس ويعشيهم من ماله مبرزا مطابخه فغاظ ذلك عبد الوهاب فكتب إلى أبى جعفر يعلمه أنه يطعم الناس وأن الحسن يطعم أضعاف ذلك التماسا لأن يطوله ويفسد ما يصنع ويهجنه بالإسراف والرياء وأن له منادين ينادون الناس إلى طعامه ، فكتب إليه أبو جعفر يا صبي يطعم الحسن من ماله وتطعم من مالي ما أتيت إلا من صغر خطرك وقلة همتك وسفه رأيك ، وكتب إلى الحسن أن أطعم ولا تتخذ مناديا فكان الحسن يقول من سبق إلى شرفة فله كذا فجد الناس فى العمل حتى فرغوا من بناء ملطية ومسجدها فى ستة أشهر ، وبنى للجند الذين أسكنوها لكل عرافة بيتان سفليان وعليتان فوقهما وإصطبل ، والعرافة عشرة نفر إلى خمسة عشر رجلا وبنى لها مسلحة على ثلاثين ميلا منها ، ومسلحة على نهر يدعى قباقب يدفع فى الفرات وأسكن المنصور ملطية أربعة آلاف مقاتل من أهل الجزيرة لأنها من ثغورهم على زيادة عشرة دنانير فى عطاء كل رجل ومعونة مائة دينار سوى الجعل الذي يتجاعله القبائل بينها ووضع فيها شحنتها من السلاح وأقطع الجند المزارع ، وبنى حصن قلوذية وأقبل قسطنطين الطاغية فى أكثر من مائة ألف فنزل جيحان فبلغه كثرة العرب

١٨٧

فأحجم عنها ، وسمعت من يذكر أنه كان مع عبد الوهاب فى هذه الغزاة نصر ابن مالك الخزاعي ونصر بن سعد الكاتب مولى الأنصار فقال الشاعر :

تكنفك النصران نصر بن مالك

ونصر بن سعد عز نصرك من نصر

وفى سنة إحدى وأربعين ومائة أغزى محمد بن إبراهيم ملطية فى جند من أهل خراسان وعلى شرطته المسيب بن زهير فرابط بها لئلا يطمع فيها العدو فتراجع إليها من كان باقيا من أهلها ، وكانت الروم عرضت لملطية فى خلافة الرشيد فلم تقدر عليها وغزاهم الرشيد رحمه‌الله فأشجاهم وقمعهم.

وقالوا : وجه أبو عبيدة بن الجراح وهو بمنبج خالد بن الوليد إلى ناحية مرعش ففتح حصنها على أن جلا أهله ثم أخربه ، وكان سفيان بن عوف الغامدى لما غزا الروم فى سنة ثلاثين رحل من قبل مرعش فساح فى بلاد الروم وكان معاوية بنى مدينة مرعش وأسكنها جندا فلما كان موت يزيد بن معاوية كثرت غارات الروم عليهم فانتقلوا عنها وصالح عبد الملك الروم بعد موت أبيه مروان بن الحكم وطلبه الخلافة على شيء كان يؤديه إليهم ، فلما كانت سنة أربع وسبعين غزا محمد بن مروان الروم وانتقض الصلح ، ولما كانت سنة خمس وسبعين غزا الصائفة أيضا محمد بن مروان وخرجت الروم فى جمادى الأولى من مرعش إلى الأعماق فزحف إليهم المسلمون وعليهم أبان بن الوليد بن عقبة بن أبى معيط ومعه دينار بن دينار مولى عبد الملك بن مروان ، وكان على قنسرين وكورها فالتقوا بعمق مرعش فاقتتلوا قتالا شديدا فهزمت الروم واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون ، وكان دينار لقى فى هذا العام جماعة من الروم بجسر يغرا ، وهو من شمشاط على نحو من عشرة أميال فظفر بهم ، ثم أن العباس بن الوليد بن عبد الملك صار إلى مرعش فعمرها وحصنها ونقل الناس إليها وبنى لها

١٨٨

مسجدا جامعا كان يقطع فى كل عام على أهل قنسرين بعثا إليها ، فلما كانت أيام مروان بن محمد وشغل بمحاربة أهل حمص خرجت الروم وحصرت مدينة مرعش حتى صالحهم أهلها على الجلاء فخرجوا نحو الجزيرة وجند قنسرين بعيالاتهم ثم أخربوها وكان عامل مروان عليها يومئذ الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي ، وكان الطاغية يومئذ قسطنطين بن اليون ، ثم لما فرغ مروان من أمر حمص وهدم سورها بعث جيشا لبناء مرعش فبنيت ومدنت فخرجت الروم فى قتلته فأخربتها فبناها صالح بن على فى خلافه أبى جعفر المنصور وحصنها وندب الناس إليها على زيادة العطاء واستخلف المهدى فزاد فى شحنتها وقوى أهلها.

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي ، قال : خرج ميخائيل من درب الحدث فى ثمانين ألفا فأتى عمق مرعش فقتل وأحرق وسبى من المسلمين خلقا وصار إلى باب مدينة مرعش وبها عيسى بن على ، وكان قد غزا فى تلك السنة فخرج إليه موالي عيسى وأهل المدينة ومقاتلتهم فرشقوه بالنبل والسهام فاستطرد لهم حتى إذا نحاهم عن المدينة كر عليهم فقتل من موالي عيسى ثمانية نفر واعتصم الباقون بالمدينة فأغلقوها فحاصرهم بها ثم انصرف حتى نزل جيحان ، وبلغ الخبر ثمامة بن الوليد العبسي وهو بدابق ، وكان قد ولى الصائفة سنة إحدى وستين ومائة فتوجه إليه خيلا كثيفة فأصيبوا إلا من نجا منهم فاحفظ ذلك المهدى واحتفل لاغزاء الحسن بن قحطبة فى العام المقبل وهو سنة اثنتين وستين ومائة. قالوا : وكان حصن الحدث مما فتح أيام عمر فتحه حبيب بن مسلمة من قبل عياض بن غنم وكان معاوية يتعهده بعد ذلك ، وكان بنو أمية يسمون درب الحدث السلامة للطيرة لأن المسلمين كانوا أصيبوا به فكان ذلك الحدث فيما يقول بعض الناس ، وقال قوم : لقى المسلمين غلام حدث على الدرب فقاتلهم فى أصحابه فقيل درب

١٨٩

الحدث ، ولما كان زمن فتنة مروان بن محمد خرجت الروم فهدمت مدينة الحدث وأجلت عنها أهلها كما فعلت بملطية ، ثم لما كانت سنة إحدى وستين ومائة خرج ميخائيل إلى عمق مرعش ووجه المهدى الحسن بن قحطبة ساح فى بلاد الروم فتقلت وطأته على أهلها حتى صوروه فى كنائسهم ، وكان دخوله من درب الحدث فنظر إلى موضع مدينتها فأخبر أن ميخائيل خرج منه فارتاد الحسن موضع مدينته هناك فلما انصرف كلم المهدى فى بنائها وبناء طرسوس فأمر بتقديم بناء مدينة الحدث ، وكان فى غزاة الحسن هذه مندل العنزي المحدث الكوفي ومعتمر بن سليمان البصري فأنشأها على بن سليمان ابن على وهو على الجزيرة وقنسرين وسميت المحمدية ، وتوفى المهدى مع فراغهم من بنائها فهي المهدية والمحمدية ، وكان بناؤها باللبن ، وكانت وفاته سنة تسع وستين ومائة واستخلف موسى الهادي ابنه فعزل على بن سليمان وولى الجزيرة وقنسرين محمد بن ابراهيم بن محمد بن على ، وقد كان على بن سليمان فرغ من بناء مدينة الحدث وفرض محمد لها فرضا من أهل الشام والجزيرة وخراسان فى أربعين دينارا من العطاء وأقطعهم المساكن وأعطى كل امرئ ثلاثمائة درهم ، وكان الفراغ منها فى سنة تسع وستين ومائة ، وقال ابو الخطاب : فرض على بن سليمان بمدينة الحدث لأربعة آلاف فأسكنهم إياها ونقل إليها من ملطية وشمشاط وسميساط كيسوم ودلوك ورعبان ألفى رجل.

قال الواقدي : ولما بنيت مدينة الحدث هجم الشتاء والثلوج وكثرت الأمطار ، ولم يكن بناؤها بمستوثق منه ولا محتاط فيه فتثلمت المدينة وتشعثت ونزل بها الروم فتفرق عنها من كان فيها من جندها وغيرهم ، وبلغ الخبر موسى فقطع بعثا مع المسيب بن زهير وبعثا مع روح بن حاتم وبعثا مع حمزة بن

١٩٠

مالك فمات قبل أن ينفذوا. ثم ولى الرشيد الخلافة فأمر ببنائها وتحصينها وشحنتها وإقطاع مقاتلتها المساكن والقطائع.

وقال غير الواقدي : أناخ بطريق من عظماء بطارقة الروم فى جمع كثيف على مدينة الحدث حين بنيت وكان بناؤها بلبن قد حمل بعضه على بعض وأضرت به الثلوج وهرب عاملها ومن فيها ودخلها العدو فحرق مسجدها وأخربها واحتمل أمتعة أهلها فبناها الرشيد حين استخلف.

وحدثني بعض أهل منبج ، قال : إن الرشيد كتب إلى محمد بن إبراهيم بإقراره على عمله فجرى أمر مدينة الحدث وعمارتها من قبل الرشيد على يده ثم عزله.

قالوا : وكان مالك بن عبد الله الخثعمي الذي يقال له مالك الصوائف وهو من أهل فلسطين غزا بلاد الروم سنة ست وأربعين وغنم غنائم كثيرة ، ثم قفل : فلما كان من درب الحديث على خمسة عشر ميلا بموضع يدعى الرهوة أقام فيها ثلاثا فباع الغنائم وقسم سهام الغنيمة فسميت تلك الرهوة رهوة مالك.

قالوا : وكان مرج عبد الواحد حمى لخيل المسلمين فلما بنى الحدث وزبطرة استغنى عنه فازدرع ، قالوا : وكانت زبطرة حصنا قديما روميا ففتح مع حصن الحدث القديم فتحه حبيب بن مسلمة الفهري ، وكان قائما إلى أن أخربته الروم فى أيام الوليد بن يزيد فبنى بناء غير محكم فأناخت الروم عليه فى أيام فتنة مروان بن محمد فهدمته فبناه المنصور ، ثم خرجت إليه فشعثته فبناه الرشيد على يدي محمد بن ابراهيم وشحنه ، فلما كانت خلافة المأمون : طرقه الروم فشعثوه وأغاروا على سرح أهله فاستاقوا لهم مواشى فأمر المأمون بمرمته وتحصينه ، وقدم وفد طاغية الروم فى سنة عشر ومائتين يسأل الصلح فلم يجبه إليه وكتب إلى عمال الثغور فساحوا فى بلاد الروم فأكثروا فيها

١٩١

القتل ودوخوها وظفروا ظفرا حسنا إلا أن يقظان بن عبد الأعلى بن أحمد بن يزيد بن أسيد السلمى أصيب ، ثم خرجت الروم إلى زبطرة فى خلافة المعتصم بالله أبى إسحاق بن الرشيد فقتلوا الرجال وسبوا النساء وأخربوها فأحفظه ذلك وأغضبه ، فغزاهم حتى بلغ عمورية وقد أخرب قبلها حصونا فأناخ عليتها حتى فتحها فقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية ثم أخربها وأمر ببناء زبطرة وحصنها وشحنها فرامها الروم بعد ذلك فلم يقدروا عليها.

وحدثني أبو عمرو الباهلي وغيره ، قالوا : نسب حصن منصور إلى منصور بن جعونة بن الحارث العامري من قيس ، وذلك أنه تولى بناءه ومرمته ، وكان مقيما به أيام مروان ليرد العدو ومعه جند كثيف من أهل الشام والجزيرة وكان منصور هذا على أهل الرها حين امتنعوا فى أول الدولة فحصرهم المنصور وهو عامل أبى العباس على الجزيرة وأرمينية ، فلما فتحها هرب منصور ثم أو من فظهر ، فلما خلع عبد الله بن على أبا جعفر المنصور ولاه شرطته فلما هرب عبد الله إلى البصرة استخفى فدل عليه فى سنة إحدى وأربعين ومائة فأتى المنصور به فقتله بالرقة منصرفه من بيت المقدس ، وقوم يقولون : أنه أو من بعد هرب ابن على فظهر ، ثم وجدت له كتب إلى الروم بغش الإسلام فلما قدم المنصور الرقة من بيت المقدس سنة إحدى وأربعين ومائة وجه من أتاه به فضرب عنقه بالرقة ثم انصرف إلى الهاشمية بالكوفة. وكان الرشيد بنى حصن منصور وشحنه فى خلافة المهدى.

نقل ديوان الرومية

قالوا : ولم يزل ديوان الشام بالرومية حتى ولى عبد الملك بن مروان ، فلما كانت سنة إحدى وثمانين أمر بنقله وذلك أن رجلا من كتاب الروم احتج أن

١٩٢

يكتب شيئا فلم يجد ماء فبال فى الدواة ، فبلغ ذلك عبد الملك فأدبه ، وأمر سليمان بن سعد بنقل الديوان فسأله أن يعينه بخراج الأردن سنة ففعل ذلك ، وولاه الأردن فلم تنقض السنة حتى فرغ من نقله وأتى به عبد الملك فدعا بسرجون كاتبه فعرض ذلك عليه فغمه وخرج من عنده كثيبا فلقيه قوم من كتاب الروم ، فقال : اطلبوا المعيشة من غير هذه الصناعة فقد قطعها الله عنكم ، قال : وكانت وظيفة الأردن التي قطعها معونة مائة ألف وثمانين ألف دينار ووظيفة فلسطين ثلاثمائة ألف خمسين ألف دينار ووظيفه دمشق أربعمائة ألف دينار ووظيفة حمص مع قنسرين والكور التي تدعى اليوم العواصم ثمانمائة ألف دينار ، ويقال : سبعمائة ألف دينار.

فتوح أرمينية

حدثني محمد بن إسماعيل من ساكني برذعة وغيره عن أبى براء عنبسة ابن بحر الأرمنى ، وحدثني محمد بن بشر القالي عن أشياخه ، وبرمك بن عبد الله الديلي ، ومحمد بن المخيس الخلاطى وغيرهم عن قوم من أهل العلم بأمور أرمينية ، سقت حديثهم ورددت من بعضه على بعض ، قالوا : كانت شمشاط وقاليقلا وخلاط وأرجيش وباجنيس تدعى أرمينية الرابعة : وكانت كورة البسفرجان ودبيل وسراج طير وبغروند تدعى أرمينية الثالثة وكانت جرزان تدعى ارمينية الثانية ، وكانت السيسجان وأران تدعى أرمينية الأولى ويقال كانت شمشاط وحدها أرمينية الرابعة ، وكانت قاليقلا وخلاط وأرجيش وباجنيس تدعى أرمينية الثالثة ، وسراج طير وبغروند ودبيل والبسفرجان تدعى أرمينية الثانية ، وسيسجان وأراد وتفليس تدعى أرمينية الأولى وكانت جرزان وأران فى أيدى الخزر وسابر أرمينية فى أيدى الروم يتولاها صاحب

١٩٣

أرمنياقس ، وكانت الخزر تخرج فتغير وربما بلغت الدينور فوجه قباذ بن فيروز الملك قائد من عظماء قواده فى اثنى عشر ألفا فوطئ بلاد أران وفتح ما بين النهر الذي يعرف بالرس إلى شروان ، ثم أن قباذ لحق به فبنى بأران مدينة البيلقان ، ومدينة برذنة ، وهي مدينة الثغر كله ، ومدينة قبله ، وهي الخزر ثم بنى سد اللبن فيما بين أرض شروان وباب اللان ، وبنى على سد اللبن ثلاثمائة وستين مدينة خربت بعد بناء الباب والأبواب ، ثم أن ملك بعد قباذ ابنه أنوشروان كسرى بن قباذ فبنى مدينة الشابران ومدينة مسقط ، ثم بنى مدينة الباب والأبواب ، وإنما سميت أبوابا لأنها بنيت على طريق فى الجبل وأسكن ما بنى من هذه المواضع قوما سماهم السياسيجين ، وبنى بأرض أران أبواب شكن والقميبران وأبواب الدودانية ، وهم أمة يزعمون أنهم من بنى دودان بن أسد بن خزيمة وبنى الدرذوقية وهي اثنا عشر بابا كل باب منها قصر من حجارة وبنى بأرض جرزان مدينة ، يقال لها. سغدبيل وأنزلها قوما من السغد وأبناء فارس وجعلها مسلحة ، وبنى مما يلي الروم فى بلاد جرزان قصرا يقال له باب فيروز قباذ ، وقصرا يقال له. باب لاذقة ، وقصرا يقال له ، باب بارقة وهو على بحر طرابزندة ، وبنى باب اللان ، وباب سمسخى ، وبنى قلعة الجردمان وقلعة سمشلدى ، وفتح أنوشروان جميع ما كان فى أيدى الروم من أرمينية وعمر مدينة دبيل وحصنها ، وبنى مدينة النشوى وهي مدينة كورة البسفرجان ، وبنى حصن ويص ، وقلاعا بأرض السيسجان ، منها قلعة الكلاب ، وساهيونس وأسكن هذه الحصون والقلاع ذوى البأس والنجدة من سياسجية ، ثم أن أنوشروان كتب إلى ملك الترك يسأله الموادعة والصلح وأن يكون أمرهما واحدا وخطب إليه ابنته ليؤنسه بذلك وأظهر له الرغبة فى صهره وبعث إليه بأمة كانت تبنتها امرأة من نسائه وذكر أنها ابنته ، فهدى التركي ابنته إليه ، ثم قدم عليه فالتقيا بالبرشلية

١٩٤

وتنادما أياما وأنس كل واحد منهما بصاحبه وأظهر بره ، وأمر أنوشروان جماعة من خاصته وثقاته أن يبيتوا طرفا من عسكر التركي ويحرقوا فيه ففعلوا فلما أصبح شكا ذلك إلى أنوشروان فأنكر أن يكون أمر به أو علم أن أحدا من أصحابه فعله ، ولما مضت لذلك ليالي أمر أولئك القوم بمعاودة مثل الذي كان منهم ففعلوا فضج التركي من فعلهم حتى رفق به أنوشروان واعتذر إليه فسكن ثم أن أنوشروان أمر فألقيت النار فى ناحية من عسكره لم يكن بها إلا أكواخ قد اتخذت من حشيش وعيدان فلما أصبح ضج أنوشروان إلى التركي ، وقال : كاد أصحابك يذهبون بعسكرى وقد كافأتنى بالظنة فحلف أنه لم يعلم بشيء مما كان سببا فقال أنوشروان : يا أخى جندنا وجندك قد كرهوا صلحنا لانقطاع ما انقطع عنهم من النيل فى الغارات والحروب التي كانت تكون بيننا ولا أمن أن يحدثوا أحداثا يفسد قلوبنا بعد تصافينا وتخالصنا حتى نعود إلى العداوة بعد الصهر والمودة ، والرأى أن تأذن لى فى بناء حائط يكون بيني وبينك ونجعل عليه بابا فلا يدخل إليك من عندنا وإلينا من عندك إلا من أردت وأردنا ، فأجابه إلى ذلك فانصرف إلى بلاده وأقام أنوشروان لبناء الحائط فبناه وجعله من قبل البحر بالصخر والرصاص وجعل عرضه ثلاثمائة ذراع وألحقه برءوس الجبال وأمر أن تحمل الحجارة فى السفن وتغريقها فى البحر حتى إذا ظهرت على وجه الماء بنى عليها فقاد الحائط فى البحر ثلاثة أميال ، فلما فرغ من بنائه علق على المدخل منه أبواب حديد ووكل به مائة فارس يحرسونه بعد أن كان موضعه يحتاج إلى خمسين ألفا من الجند ، وجعل عليه دبابة فقيل لخاقان بعد ذلك انه خدعك وزوجك غير ابنته وتحصن منك فلم يقدر على حيلة.

وملك أنوشروان ملوكا رتبهم وجعل لكل امرئ منهم شاهية ناحية فمنهم خاقان الجبل ، وهو صاحب السرير ويدعى وهرارزانشاه ، ومنهم ملك

١٩٥

فيلان وهو فيلان شاة ، ومنهم طبرسرانشاه وملك اللكز ويدعى جرششانشاه وملك مسقط وقد بطلت مملكته ، وملك ليران ويدعى ليرانشاه ، وملك شروان ويدعى شروانشاه ، وملك صاحب بخ على بخ وصاحب زريكران عليها وأقر ملوك جبل القبق على ممالكهم وصالحهم على الاوتاوة فلم تزل أرمينية فى أيدى الفرس حتى ظهر الإسلام فرفض كثير من السياسيجين حصونهم ومدائنهم حتى خربت وغلب الخزر والروم على ما كان فى أيديهم بديا.

قالوا : وقد كانت أمور الروم تستب فى بعض الأزمنة وصاروا كملوك الطوائف فملك أرمنياقس رجل منهم ، ثم مات فملكتها بعده امرأته وكانت تسمى قالى فبنت مدينة قاليقلا وسمتها قاليقاله ، ومعنى ذلك احسان قالى ، قال : وصورت على باب من أبوابها فأعربت العرب قاليقاله فقالوا قاليقلا.

قالوا : ولما استخلف عثمان بن عفان كتب إلى معاوية وهو عامله على الشام والجزيرة وثغورها يأمره أن يوجه حبيب بن مسلمة الفهري إلى أرمينية وكان حبيب ذا أثر جميل فى فتوح الشام وغزو الروم. قد علم ذلك منه عمر ثم عثمان رضى الله عنهما ثم من بعده.

ويقال : بل كتب عثمان إلى حبيب يأمره بغزو أرمينية وذلك أثبت ، فنهض إليها فى ستة آلاف ويقال فى ثمانية آلاف من أهل الشام والجزيرة فأت ى قاليقلا فأناخ عليها وخرج إليه أهلها فقاتلهم ثم ألجأهم إلى المدينة فطلبوا الأمان على الجلاء والجزية فجلا كثير منهم فلحقوا ببلاد الروم ، وأقام حبيب بها فيمن معه أشهرا ، ثم بلغه أن بطريق أرمنياقس قد جمع للمسلين جمعا عظيما وانضمت إليه أمداد أهل اللان وأفخاز وسمندر من الخزر فكتب إلى عثمان يسأله المدد فكتب إلى معاوية يسأله أن يشخص إليه من أهل الشام والجزيرة قوما ممن يرغب فى الجهاد والغنيمة فبعث إليه

١٩٦

معاوية ألفى رجل أسكنهم قاليقلا وأقطعهم بها القطائع وجعلهم مرابطة بها ولما ورد على عثمان كتاب حبيب كتب إلى سعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي بن أمية وهو عامله على الكوفة يأمره بإمداده بجيش عليه سلمان بن ربيعة الباهلي وهو سلمان الخيل ، وكان خيرا فاضلا غزاء فسار سلمان الخيل إليه فى ستة آلاف رجل من أهل الكوفة ، وقد أقبلت الروم ومن معها فنزلوا على الفرات ، وقد أبطأ على حبيب المدد فبيتهم المسلمون فاجتاحوهم وقتلوا عظيمهم وقالت أم عبد الله بنت يزيد الكلبية امرأة حبيب ليلتئذ له أين موعدك ، قال : سرادق الطاغية أو الجنة ، فلما انتهى إلى السرادق وجدها عنده قالوا : ثم أن سلمان ورد وقد فرغ المسلمون من عدوهم فطلب أهل الكوفة إليهم أن يشركوهم فى الغنيمة فلم يفعلوا حتى تغالظ حبيب وسلمان فى القول وتوعد بعض المسلمين سلمان بالقتل قال الشاعر :

ان تقتلوا سلمان نقتل حبيبكم

وإن ترحلوا نحو ابن عفان ترحل

وكتب إلى عثمان بذلك فكتب : أن الغنيمة باردة لأهل الشام ، وكتب إلى سلمان يأمره بغزو أران ، وقد روى بعضهم : أن سلمان بن ربيعة توجه إلى أرمينية فى خلافة عثمان فسبى وغنم وانصرف إلى الوليد بن عقبة وهو بحديثة الموصل سنة خمس وعشرين فأتاه كتاب عثمان يعلمه أن معاوية كتب يذكر أن الروم قد أجلبوا على المسلمين بجموع عظيمة يسأل المدد ويأمره أن يبعث إليه ثمانية آلاف رجل فوجه بهم وعليهم سلمان بن ربيعة الباهلي ووجه معاوية حبيب بن مسلمة الفهري معه فى مثل تلك العدة فافتتحا حصونا وأصابا سبيا وتنازعا الامارة وهم أهل الشام بسلمان فقال الشاعر : إن تقتلوا «البيت».

والخبر الأول أثبت. حدثني به عدة من مشايخ أهل قاليقلا وكتب إلى به العطاف بن سفيان أبو الأصبغ قاضيها.

١٩٧

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال : حاصر حبيب بن مسلمة أهل دبيل فأقام عليها فلقيه الموريان الرومي فبيته وقتله وغنم ما كان فى عسكره ، ثم قدم سلمان عليه ، والثبت عندهم أنه لقيه بقاليقلا.

وحدثني محمد بن بشر وابن ورز القاليانى عن مشايخ أهل قاليقلا قالوا : لم تزل مدينة قاليقلا مذ فتحت ممتنعة بمن فيها من أهلها حتى خرج الطاغية فى سنة ثلاث وثلاثين ومائة فحصر أهل ملطية وهدم حائطها وأجلى من بها من المسلمين إلى الجزيرة ثم نزل مرج الحصى فوجه كوسان الأرمنى حتى أناخ على قاليقلا فحصرها وأهلها يومئذ قليل وعاملها أبو كريمة فنقب إخوان من الأرمن من أهل مدينة قاليقلا ردما كان فى سورها وخرجا إلى كوسان فأدخلاه المدينة فغلب عليها فقتل وسبى وهدمها وساق ما حوى إلى الطاغية وفرق السبي على أصحابه.

وقال الواقدي : لما كانت سنة تسع وثلاثين ومائة فادى المنصور بمن كان حيا من أسارى أهل قاليقلا وبنى قاليقلا وعمرها ورد من فادى به إليها وندب إليها جندا من أهل الجزيرة وغيرهم ، وقد كان طاغية الروم خرج إلى قاليقلا فى خلافة المعتصم بالله فرمى سورها حتى كاد يسقط فأنفق المعتصم عليها خمسمائة ألف درهم حتى حصنت.

قالوا : ولما فتح حبيب مدينة قاليقلا سار حتى نزل مربالا فأناه بطريق خلاط بكتاب عياض بن غنم ، وكان عياض قد أمنه على نفسه وماله وبلاده وقاطعه على أتاوة فأنفذه حبيب له ثم نزل منزلا بين الهرك ودشت الورك فأتاه بطريق خلاط بما عليه من المال وأهدى له هدية لم يقبلها منه ونزل

١٩٨

خلاط ثم سار منها إلى الصسابه فلقيه بها صاحب مكس ، وهي ناحية من نواحي البسرجان فقاطعه على بلاده ووجه معه رجلا وكتب له كتاب صلح وأمان ووجه إلى قرى أرجيش وباجنيس من غلب عليها وجبى جزية رؤس أهلها وأتاه وجوههم فقاطعهم على خراجها ، فأما بحيرة الطريخ فلم يعرض لها ولم تزل مباحة حتى ولى محمد بن مروان بن الحكم الجزيرة وأرمينية فحوى صيدها وباعه فكان يستغلها ، ثم صارت لمروان بن محمد فقبضت عنه ، قال : ثم سار حبيب وأتى ازدساط وهي قرية القرمز وأجاز نهر الأكراد ونزل مرج دبيل فسرب الخيول إليها ، ثم زحف حتى نزل على بابها فتصحن أهلها ورموه فوضع عليها منجنيقا ورماهم حتى (١) طلبوا الأمان والصلح فأعطاهم إياه وجالت خيوله فنزلت جرنى وبلغت أشوش وذات اللجم والجبل كونتة (؟) ووادي الأحرار وغلبت على جميع قرى دبيل ووجه إلى سراج طير وبغروند فأتاه بطريقه فصالحه عنها على أتاوة يؤديها وعلى مناصحة المسلمين وقراهم ومعاونتهم على أعدائهم وكان كتاب صلح دبيل.

بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من حبيب بن مسلمة لنصارى أهل دبيل ومجوسها ويهودها شاهدهم وغائبهم : إنى أمنتكم على أنفسكم وأموالكم وكنائسكم وبيعكم وسور مدينتكم فأنتم آمنون وعلينا الوفاء لكم بالعهد ما وفيتم وأديتم الجزية والخراج شهد الله «وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً» وختم حبيب بن مسلمة.

ثم أتى حبيب النشوى ففتحها على مثل صلح دبيل وقدم عليه بطريق البسفرجان فصالحه عن جميع بلاده وأرضى هصابنه (كذا) وأفارستة (كذا) على خرج يؤديه فى كل سنة ، ثم أتى السيسجان فحاربهم أهلها فهزمهم وغلب على

__________________

(١) المنجنيق مخصص لقذف الحجارة والمواد المحرقة أثناء الحروب.

١٩٩

ويص وصالح أهل القلاع بالسيسجان على خرج يؤدونه ثم سار إلى جرزان.

حدثني مشايخ من أهل دبيل منهم برمك بن عبد الله ، قالوا ، سار حبيب ابن مسلمة بمن معه يريد جرزان فلما انتهوا إلى ذات اللجم سرحوا بعض دوابهم وجمعوا لجمها فخرج عليهم قوم من العلوج فأعجلوهم عن الألجام فقاتلوهم فكشفوهم العلوج وأخذا تلك اللجم وما قدروا عليه من الدواب ثم انهم كروا عليهم فقتلوهم وارتجعوا ما أخذوا منهم فسمى الموضع ذات اللجم ، قالوا : وأتى حبيبا رسول بطريق جرزان وأهلها وهو يريدها فأدى إليه رسالتهم وسأله كتاب صلح وأمان لهم فكتب حبيب إليهم.

«أما بعد» فإن نقلي رسولكهم قدم على وعلى الذين معى من المؤمنين فذكر عنكم أنا أمة أكرمنا الله وفضلنا ، وكذلك فعل الله وله الحمد كثيرا ، صلى الله على محمد نبيه وخيرته من خلقه وعليه‌السلام ، وذكرتم أنكم أحببتم سلمنا وقد قومت هديتكم وحسبتها من جزيتكم وكتب لكم أمانا واشترطت فيه شرطا فإن قبلتموه ووفيتم به وإلا فأذنوا بحرب من الله ورسوله والسلام على من اتبع الهدى.

ثم ورد تفليس وكتب لأهلها صلحا.

بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من حبيب بن مسلمة لأهل طفليس من منجليس من جرزان القرمز بالأمان على أنفسهم وبيعهم وصوامعهم وصلواتهم ودينهم على إقرار بالصغار والجزية على كل أهل بيت دينار وليس لكم أن تجمعوا بين أهل البيوتات تخفيفا للجزية ولا لنا أن نفرق بينهم استكثارا منها ولنا نصيحتكم وضلعكم على أعداء الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما استطعتم وقرى المسلم المحتاج ليلة بالمعروف من حلال طعام أهل

٢٠٠