فتوح البلدان

أبوالحسن البلاذري

فتوح البلدان

المؤلف:

أبوالحسن البلاذري


المحقق: لجنة تحقيق التراث
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

فتلطف حتى دخل عليه متنكرا فأظهر الممالأة له وتقرب إليه بذم عبد الملك وشتمه وتوهين أمره حتى أمنه واغتر به ثم أنه انكفى عليه بقوم من موالي عبد الملك وجنده كان أعدهم لمواقعته ورتبهم بمكان عرفه فقتله ومن كان معه من الروم ونادى فى سائر من ضوى إليه بالأمان فتفرق الجراجمة بقرى حمص ودمشق ورجع أكثرهم إلى مدينتهم باللكام وأتى الأنباط قراهم فرجع العبيد إلى مواليهم ، وكان ميمون الجرجمانى عبدا روميا لبنى أم الحكم أخت معاوية بن أبى سفيان وهم ثقفيون ، وإنما نسب إلى الجراجمة لاختلاطه بهم وخروجه بجبل لبنان معهم فبلغ عبد الملك عنه بأس وشجاعة فسأل مواليه أن يعتقوه ففعلوا وقوره على جماعة من الجند وصيره بأنطاكية فغزا مع مسلمة بن عبد الملك الطوانة وهو على ألف من أهل انطاكية فاستشهد بعد بلاء حسن وموقف مشهود فغم عبد الملك مصابه وأغزى الروم جيشا عظيما طلبا بثاره.

قالوا : ولما كانت سنة تسع وثمانين اجتمع الجراجمة إلى مدينتهم وأتاهم قوم من الروم من قبل الاسكندرونة وروسس ، فوجه الوليد بن عبد الملك إليهم مسلمة بن عبد الملك فأناخ عليهم فى خلق من الخلق فافتتحها على أن ينزلوا بحيث أحبوا من الشام ويجرى على كل امرئ منهم ثمانية دنانير وعلى عيلاتهم القوت من القمح والزيت وهو مدان من قمح وقسطان من زيت ، وعلى أن لا يكرهوا ولا أحد من أولادهم ونسائهم على ترك النصرانية ، وعلى أن يلبسوا لباس المسلمين ولا يؤخذ منهم ولا من أولادهم ونسائهم جزية وعلى أن يغزوا مع المسلمين فينفلوا اسلاب من يقتلونه مبارزة وعلى أن يؤخذ من تجاراتهم وأموال موسريهم ما يؤخذ من أموال

__________________

ـ عليه ، وينقض تعهداته له. وهكذا فعل عبد الملك مقتديا بمعاوية بن أبي سفيان عند ما صالح أهل العراق.

١٦١

المسلمين فأخرب مدينتهم وأنزلهم فأسكنهم جبل الحوار وسنح اللولون وعمق تيزين وصار بعضهم إلى حمص ونزل بطريق الجرجومة فى جماعة معه انطاكية ثم هرب الى بلاد الروم ، وقد كان بعض العمال ألزم الجراجمة بأنطاكية جزية رؤسهم فرفعوا ذلك إلى الواثق بالله رحمه‌الله وهو خليفة فأمر بإسقاطها عنهم.

وحدثني بعض من أثق به من الكتاب : أن المتوكل على الله رحمه‌الله أمر بأخذ الجزية من هؤلاء الجراجمة وأن يجرى عليهم الأرزاق إذ كانوا ممن يستعان به فى المسالح وغير ذلك ، وزعم أبو الخطاب الأزدى : أن أهل الجرجومة كانوا يغيرون فى أيام عبد الملك على قرى انطاكية والعمق وإذا غزت الصوائف قطعوا على المتخلف واللاحق ومن قدروا عليه ممن فى أواخر العسكر وغالوا فى المسلمين فأمر عبد الملك ففرض لقوم من أهل انطاكية وانباطها وجعلوا مسالح وأردفت بهم عساكر الصوائف ليؤذنوا الجراجمة عن أواخرها فسموا الرواديف ، وأجرى على كل امرء منهم ثمانية دنانير : والخبر الأول أثبت.

وحدثني أبو حفص الشامي عن محمد بن راشد عن مكحول ، قال : نقل معاوية فى سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين إلى السواحل قوما من زط البصرة والسباتجة وأنزل بعضهم انطاكية ، قال أبو حفص فبانطاكية محلة تعرف بالزط وببوقا من عمل انطاكية قوم من أولادهم يعرفون بالزط. وقد كان الوليد بن عبد الملك نقل إلى انطاكية قوما من الزط السند ممن حمله محمد بن القاسم إلى الحجاج فبعث بهم الحجاج إلى الشام.

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي ، قال : خرج بجبل لبنان قوم شكوا عامل خراج بعلبك ، فوجه صالح بن على بن عبد الله بن عباس من قتل

١٦٢

مقاتلتهم وأقر من بقي منهم على دينهم وردهم إلى قراهم وأجلى قوما من أهل لبنان. فحدثني القاسم بن سلام أن محمد بن كثير حدثه ، أن الأوزاعى : كتب إلى صالح رسالة طويلة حفظ منها ، وقد كان من أجلاء أهل الذمة من جبل لبنان ممن لم يكن ممالئا لمن خرج على خروجه ممن قتلت بعضهم ورددت باقيهم الى قراهم ما قد علمت فكيف تؤخذ عامة بذنوب خاصة حتى يخرجوا من ديارهم وأموالهم ، وحكم الله تعالى (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) وهو أحق ما وقف عنده واقتدى به ، وأحق الوصايا أن تحفظ وترعى وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنه قال : «من ظلم معاهدا وكلفه فوق طاقته فأنا حجيجه» ثم ذكر كلاما.

حدثني محمد بن سهم الأنطاكى ، قال : حدثني معاوية بن عمرو عن أبى إسحاق الفزاري ، قال : كانت بنو أمية تغزو الروم بأهل الشام والجزيرة صائفة وشاتية مما يلي ثغور الشام والجزيرة وتنيم للراكب الغزو وترتب الحفظة فى السواحل ويكون الإغفال والتفريط خلال الحزر والتيقظ فلما ولى أبو جعفر المنصور تتبع حصون السواحل ومدنها فعمرها وحصنها وبنى ما احتاج إلى البناء منها وفعل مثل ذلك بمدن الثغور ، ثم لما استخلف المهدى استتم ما كان بقي من المدن والحصون وزاد فى شحنها ، قال معاوية ابن عمرو : وقد رأينا من اجتهاد أمير المؤمنين هارون فى الغزو نفاذ بصيرته فى الجهاد أمرا عظيما أقام من الصناعة ما لم يقم قبله وقسم الأموال فى الثغور والسواحل وأشجى الروم وقمعهم وأمر المتوكل على الله بترتيب المراكب فى جميع السواحل وأن تشحن بالمقاتلة وذلك فى سنة سبع وأربعين ومائتين.

* * *

١٦٣

فتح الثغور الشامية

حدثني مشايخ من أهل انطاكية وغيرهم ، قالوا : ثغور المسلمين الشامية أيام عمر وعثمان رضى الله عنهما وما بعد ذلك انطاكية وغيرها من المدن التي سماها الرشيد عواصم ، فكان المسلمون يغزون ما وراءها كغزوم اليوم ما وراء طرسوس ، وكان فيما بين الاسكندرونة وطرسوس حصون ومسالح للروم كالحصون والمسالح التي يمر بها المسلمون اليوم فربما أخلاها أهلها وهربوا إلى بلاد الروم خوفا وربما نقل إليها من مقاتلة الروم من تشحن به ، وقد قيل : إن هرقل أدخل أهل هذه المدن معه عند انتقاله من انطاكية لئلا يسير المسلمون فى عمارة ما بين انطاكية وبلاد الروم والله أعلم :

وحدثني ابن طسون (١) البغراسى عن أشياخهم أنهم قالوا : الأمر المتعالم عندنا أن هرقل نقل أهل هذه الحصون معه وشعثها فكان المسلمون إذا غزوا لم يجدوا بها أحدا وربما كمن عندها القوم من الروم فأصابوا غرة المتخلفين عن العسكر والمنقطعين عنها ، فكان ولاة الشواتى والصوائف إذا دخلوا بلاد الروم خلفوا بها جندا كثيفا إلى خروجهم (١).

وقد اختلفوا فى أول من قطع الدرب وهو درب بغراس ، فقال بعضهم : قطعه ميسرة بن مسروق العبسي وجهه أبو عبيدة بن الجراح فلقى جمعا للروم ومعهم مستعربة من غسان وتنوخ وإياد يريدون اللحاق بهرقل فأوقع بهم وقتل منهم مقتلة عظيمة ، ثم لحق به مالك الأشتر النخعي مددا من قبل أبى عبيدة وهو بأنطاكية ، وقال بعضهم : أول من قطع الدرب عمر بن سعد الأنصارى حين توجه فى أمر جبلة بن الأيهم وقال أبو الخطاب الأزدى : بلغني أن أبا

__________________

(١) أي ليمثلونهم أثناء غيابهم ، ويحافظوا على السلطة ، والأمن في البلاد.

١٦٤

عبيدة نفسه غزا الصائفة فمر بالمصيصة وطرسوس وقد جلا أهلها وأهل الحصون التي تليها فأدرب فبلغ فى غزاته زندة ، وقال غيره : إنما وجه ميسرة بن مسروق فبلغ زندة.

حدثني أبو صالح الفراء عن رجل من أهل دمشق يقال له عبد الله بن الوليد بن هشام بن الغاز عن عبادة بن نسى فيما يحسب أبو صالح ، قال : لما غزا معاوية غزوة عمورية فى سنة خمس وعشرين وجد الحصون فيما بين انطاكية وطرسوس خالية فوقف عندها جماعة من أهل الشام والجزيرة وقنسرين حتى انصرف من غزاته ، ثم أغزى بعد ذلك بسنة أو سنتين يزيد ابن الحر العبسي الصائفة وأمره ففعل مثل ذلك ، وكانت الولاة تفعله ، وقال هذا الرجل : ووجدت فى كتاب مغازي معاوية أنه غزا سنة إحدى وثلاثين من ناحية المصيصة فبلغ درولية فلما خرج جعل لا يمر بحصن فيما بينه وبين انطاكية إلا هدمه.

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي وغيره ، قال ، لما كانت سنة أربع وثمانين غزا على الصائفة عبد الله بن عبد الملك بن مروان فدخل من درب انطاكية وأنى المصيصة فبنى حصنها على أساسه القديم ووضع بها سكانا من الجند فيهم ثلاثمائة رجل انتخبهم من ذوى البأس والنجدة المعروفين ولم يكن المسلمون سكنوها قبل ذلك وبنى فيها مسجدا فوق تل الحصن ثم سار فى جيشه حتى غزا حصن سنان ففتحه ووجه يزيد بن حنين الطائي الأنطاكي فأغار ثم انصرف إليه ، وقال أبو الخطاب الأزدي : كان أول من ابتنى حصن المصيصة فى الإسلام عبد الملك بن مروان على يد ابنه عبد الله بن عبد الملك فى سنة أربع وثمانين على أساسها القديم فتم بناؤها وشحنها فى سنة خمس وثمانين وكانت فى الحصن كنيسة جعلت هريا وكانت الطوالع من انطاكية تطلع عليها فى كل عام فتشتو بها ثم تنصرف وعدة من كان يطلع إليها ألف وخمسمائة إلى الألفين ،

١٦٥

قال : وشخص عمر بن عبد العزيز حتى نزل هرى المصيصة وأراد هدمها وهدم الحصون بينها وبين انطاكية ، وقال : اكره أن يحاصر الروم أهلها فاعلمه الناس أنها إنما عمرت ليدفع من بها من الروم عن انطاكية وأنه إن أخربها لم يكن للعدو ناحية دون انطاكية فأمسك وبنى لأهلها مسجدا جامعا من ناحية كفربيا واتخذ فيه صهريجا وكان اسمه عليه مكتوبا ، ثم أن المسجد خرب فى خلافة المعتصم بالله وهو يدعى مسجد الحصن ، قال : ثم بنى هشام بن عبد الملك الربض ثم بنى مروان بن محمد الخصوص فى شرقى جيحان وبنى عليها حائطا وأقام عليه باب خشب وخندق خندقا فلما استخلف أبو العباس فرض بالمصيصة لأربعمائة رجل زيادة فى شحنتها وأقطعهم ، ثم لما استخلف المنصور فرض بالمصيصة لأربعمائة رجل ثم لما دخلت سنة تسع وثلاثين ومائة أمر بعمران مدينة المصيصة ، وكان حائطها متشعثا من الزلازل وأهلها قليل فى داخل المدينة فبنى سور المدينة وأسكنها أهلها سنة أربعين ومائة وسماها المعمورة وبنى فيها مسجدا جامعا فى موضع هيكل كان بها وجعله مثل مسجد عمر مرات ، ثم زاد فيه المأمون أيام ولاية عبد الله بن طاهر بن الحسين المغرب وفرض المنصور فيها لألف رجل ، ثم نقل أهل الخصوص وهم فرس وصقالبة وأنباط نصارى ، وكان مروان أسكنهم إياها وأعطاهم خططا فى المدينة عوضا عن منازلهم على ذرعها ونقض منازلهم وأعانهم على البناء وأقطع الفرض قطائع ومساكن ، ولما استخلف المهدى فرض بالمصيصة لألفى رجل ولم يقطعهم لأنها قد كانت شحنت من الجند والمطوعة ، ولم تزل الطوالع تأتيها من أنطاكية فى كل عام حتى وليها سالم البرلسى وفرض موضعه لخمسمائة مقاتل على خاصة عشرة دنانير عشرة دنانير فكثر من بها وقووا وذلك فى خلافة المهدى.

وحدثني محمد بن سهم عن مشايخ الثغر ، قالوا : ألحت الروم على أهل

١٦٦

المصيصة فى أول أيام الدولة المباركة حتى جلوا عنها فوجه صالح بن على جبريل بن يحيى البجلي إليها فعمرها وأسكنها الناس فى سنة أربعين ومائة وبنى الرشيد كفربيا ويقال بل كانت ابتدئت فى خلافة المهدى ثم غير الرشيد بناءها وحصنها بخندق ثم رفع إلى المأمون فى أمر غلة كانت على منازلها فابطلها وكانت منازلها كالخانات وأمر فجعل لها سور فرفع فلم يستتم حتى توفى فأمر المعتصم بالله بإتمامه وتشريفه ، قالوا : وكان الذي حصن المثقب هشام بن عبد الملك على يد حسان بن ماهويه الأنطاكى ، ووجد فى خندقه حين حضر ساق مفرط الطول فبعث به إلى هشام ، وبنى هشام حصن قطر غاش على يدي عبد العزيز بن حيان الأنطاكى ، وبنى هشام حصن مورة على يدي رجل من أهل انطاكية وكان سبب بنائه إياه أن الروم عرضوا لرسول له فى درب اللكام عند العقبة البيضاء ورتب فيه أربعين رجلا وجماعة من الجراجمة وأقام ببغراس مسلحة فى خمسين رجلا وابنتى لها حصنا وبنى هشام حصن يوقا من عمل انطاكية ثم جدد وأصلح حديثا ، وبنى محمد بن يوسف المروزي المعروف بأبى سعيد حصنا بساحل انطاكية بعد غارة الروم على ساحلها فى خلافه المعتصم بالله رحمه‌الله.

حدثني داود بن عبد الحميد قاضى الرقة عن أبيه عن جده أن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه أراد هدم المصيصة ونقل أهلها عنها لما كانوا يلقون من الروم فتوفى قبل ذلك.

وحدثني بعض أهل انطاكية وبغراس : أن مسلمة بن عبد الملك لما غزا عمورية حمل معه نساءه وحمل ناس ممن معه نساءهم وكانت بنو أمية تفعل ذلك ارادة الجد فى القتال للغيرة على الحرم فلما صار فى عقبة بغراس عند الطريق المستدقة التي تشرف على الوادي سقط محمل فيه امرأة إلى الحضيض

١٦٧

فأمر مسلمة أن تمشى سائر النساء فمشين فسميت تلك العقبة عقبة النساء ، وقد كان المعتصم بالله رحمه‌الله بنى على حد تلك الطريق حائطا قصيرا من حجارة وقال أبو النعمان الأنطاكى : كان الطريق فيما بين انطاكية والمصيصة مسبعة يعترض للناس فيها الأسد ، فلما كان الوليد بن عبد الملك شكا ذلك إليه فوجه أربعة آلاف جاموسة وجاموس فنفع الله بها ، وكان محمد بن القاسم الثقفي عامل الحجاج على السند بعث منها بألوف جواميس فبعث الحجاج إلى الوليد منها بما بعث من الأربعة آلاف والقى باقيها فى آجام كسكر ، ولما خلع يزيد بن المهلب فقتل وقبض يزيد بن عبد الملك أموال بنى المهلب أصاب لهم أربعة آلاف جاموسة كانت بكور دجلة وكسكر فوجه بها يزيد بن عبد الملك إلى المصيصة أيضا مع زطها فكان أصل الجواميس بالمصيصة ثمانية آلاف جاموسة وكان أهل انطاكية وقنسرين قد غلبوا على كثير منها واختاروه لأنفسهم فى أيام فتنة مروان بن محمد بن مروان ، فلما استخلف المنصور أمر بردها إلى المصيصة وأما جواميس انطاكية فكان أصلها ما قدم به الزط ، معهم وكذلك جواميس بوقا ، وقال أبو الخطاب بنى الجسر الذي على طريق أذنة من المصيصة وهو على تسعة أميال من المصيصة سنة خمس وعشرين ومائة ويدعى جسر الوليد وهو الوليد بن يزيد بن عبد الملك المقتول ، وقال أبو النعمان الأنطاكى وغيره : بنيت أذنة فى سنة إحدى وأربعين ومائة أو اثنتين وأربعين ومائة والجنود من أهل خراسان معسكرون عليها مع مسلمة بن يحيى البجلي ومن أهل الشام بن مالك بن أدهم الباهلي ووجههما صالح بن على.

قالوا : ولما كانت سنة خمس وستين ومائة أغزى المهدى ابنه هارون الرشيد بلاد الروم فنزل على الخليج ثم خرج فرم المصيصة ومسجدها وزاد فى شحنتها وقوى أهلها وبنى القصر الذي عند جسر أذنة على سيحان ، وقد كان

١٦٨

المنصور أغزى صالح بن على بلاد الروم فوجه هلال بن ضيغم فى جماعة من أهل دمشق والأردن وغيرهم فبنى ذلك القصر ولم يكن بناؤه محكما فهدمه الرشيد وبناه ثم لما كانت سنة أربع وتسعين ومائة بنى أبو سليم فرج الخادم أذنة فاحكم بناءها وحصنها وندب إليها رجالا من أهل خراسان وغيرهم على زيادة فى العطاء وذلك بأمر محمد بن الرشيد فرم قصر سيحان وكان الرشيد توفى سنة ثلاث وتسعين ومائة وعامله على أعشار الثغور أبو سليم فأقره محمد وأبو سليم هذا هو صاحب الدار بأنطاكية.

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي ، قال : غزا الحسن بن قحطبة الطائي بلاد الروم سنة اثنتين وستين ومائة فى أهل خراسان وأهل الموصل والشام وأمداد اليمن ومطوعة العراق والحجاز خرج مما يلي طرسوس فأخبر المهدى بما فى بنائها وتحصينها وشحنتها بالمقاتلة من عظيم الغناء عن الإسلام والكبت العدو والوقم له فيما يحاول ويكيد. وكان الحسن قد أبلى فى تلك الغزاة بلاء حسنا ودوخ أرض الروم حتى سموه الشيتن ، وكان معه فى غزاته مندل العنزي المحدث الكوفي ومعتمر بن سليمان البصري.

وحدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني سعد بن الحسن ، قال لما خرج الحسن من بلاد الروم نزل مرج طرسوس فركب إلى مدينتها وهي خراب فنظر إليها وأطاف بها من جميع جهاتها وحزر عدة من يسكنها فوجدهم مائة ألف فلما قدم على المهدى وصف له أمرها وما فى بنائها وشحنتها من غيظ العدو وكبته وعز الإسلام وأهله وأخبره فى الحدث أيضا بخبر رغبه فى بناء مدينتها فأمره ببناء طرسوس وأن يبدأ بمدينة الحدث فبنيت وأوصى المهدى ببناء طرسوس.

فلما كانت سنة إحدى وسبعين ومائة بلغ الرشيد أن الروم ائتمروا

١٦٩

بينهم بالخروج إلى طرسوس لتحصينها وترتيب المقاتلة فيها فأغزى الصائفة فى سنة إحدى وسبعين ومائة هرثمة بن أعين وأمره بعمارة طرسوس وبنائها وتمصيرها ففعل وأجرى أمرها على يد فرج بن سليم الخادم بأمر الرشيد فوكل فرج ببنائها وتوجه أبو سليم إلى مدينة السلام فأشخص الندبة الأولى من أهل خراسان وهم ثلاثة آلاف رجل فوردوا طرسوس ثم أشخص الندبة الثانية وهم ألفا رجل ألف من أهل المصيصة وألف من أهل انطاكية على زيادة عشرة دنانير عشرة دنانير لكل رجل فى أصل عطائه فعسكروا مع الندبة الأولى بالمدائن على باب الجهاد فى مستهل المحرم سنة اثنتين وسبعين ومائة إلى أن استتم بناء طرسوس وتحصينها وبناء مسجدها ومسح فرج ما بين النهر إلى النهر فبلغ ذلك أربعة آلاف خطة كل خطة عشرون ذراعا فى مثلها وأقطع أهل طرسوس الخطط وسكنتها الندبتان فى شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين ومائة.

قالوا : وكان عبد الملك بن صالح قد استعمل يزيد بن مخلد الفزاري على طرسوس فطرده بها من أهل خراسان واستوحشوا منه للهبيرية فاستخلف أبا الفوارس فأقره عبد الملك بن صالح وذلك فى سنة ثلاث وسبعين ومائة.

قال محمد بن سعد حدثني الواقدي ، قال : جلا أهل سيسية ولحقوا بأعلى الروم فى سنة أربع وتسعين ومائة أو ثلاث وتسعين ومائة وسيسية مدينة تل عين زربة وقد عمرت فى خلافة المتوكل على الله على يدي على بن يحيى الأرمنى ثم أخربتها الروم. قالوا : فكان الذي أحرق انطاكية المحترقة ببلاد الروم عباس بن الوليد بن عبد الملك.

قالوا : وتل جبير نسبت إلى رجل من فرس انطاكية كانت له عنده وقعة وهو من طرسوس على أقل من عشرة أميال ، قالوا : والحصن المعروف بذي الكلاع إنما هو الحصن ذو القلاع لأنه على ثلاث قلاع فحرف اسمه

١٧٠

وتفسير اسمه بالرومية الحصن الذي مع الكواكب ، وقالوا : سميت كنيسة الصلح لأن الروم لما حملوا صلحهم إلى الرشيد نزلوها ، ونسب مرج حسين إلى حسين بن مسلم الأنطاكي ، وذلك أنه كانت له به وقعة ونكاية فى العدو قالوا. وأغزى المهدى ابنه هارون الرشيد فى سنة ثلاث وستين ومائة فحاصر أهل ضمالو وهي التي تدعوها العامة سمالو فسألوا الأمان لعشرة أهل أبيات فيهم القومس فأجابهم إلى ذلك ، وكان فى شرطهم أن لا يفوق بينهم فانزلوا ببغداد على باب الشماسية فسموا موضعهم سمالو فهو معروف ، ويقال بل نزلوا على حكم المهدى فاستحياهم وجمعهم بذلك الموضع وأمر أن يسمى سمالو وأمر الرشيد فنودي على من بقي فى الحصن فبيعوا وأخذ حبشي كان يشتم الرشيد والمسلمين فصلب على برج من أبراجه.

وحدثني أحمد بن الحارث الواسطي عن محمد بن سعد عن الواقدي ، قال : لما كانت سنة ثمانين ومائة أمر الرشيد بابتناء مدينة عين زربة وتحصينها وندب إليها ندبة من أهل خراسان وغيرهم فأقطعهم بها المنازل ثم لما كانت سنة ثلاث وثمانين ومائة أمر ببناء الهارونية فبنيت وشحنت أيضا بالمقاتلة ومن نزح إليها من المطوعة ونسبت إليه ، ويقال إنه بناها فى خلافة المهدى ثم أنمت فى خلافته ، قالوا : وكانت الكنيسة السوداء من حجارة سود بناها الروم على وجه الدهر ، ولها حصن قديم أخرب فيما أخرب فأمر الرشيد ببناء مدينة الكنيسة السوداء وتحصينها وندب إليها المقاتلة فى زيادة العطاء.

وأخبرنى بعض أهل الثغر عزون بن سعد : أن الروم أغارت عليها والقاسم بن الرشيد مقيم بدابق فاستاقوا مواشى أهلها وأسروا عدة منهم فنفر إليهم أهل المصيصة ومطوعتها فاستنقذوا جميع ما صار إليهم وقتلوا منهم بشرا ورجع الباقون منكوبين مفلولين ، فوجه القاسم من حصن المدينة

١٧١

وزمها وزاد فى شحنتها ، وقد كان المعتصم بالله نقل إلى عين زربة ونواحيها بشرا من الزط الذين قد كانوا غلبوا على البطائح بين واسط والبصرة فانتفع أهلها بهم.

حدثني أبو صالح الأنطاكى ، قال : كان أبو إسحاق الفزاري يكره شراء أرض بالثغر ، ويقول غلب عليه قوم فى بدء الأمر وأجلوا الروم عنه فلم يقسموه وصار إلى غيرهم وقد دخلت فى هذا الأمر شبهة العاقل حقيق بتركها.

وكانت بالثغارات قد تحيفت ما يرتفع من أعشاره حتى قصرت عن نفقائه فأمر المتوكل فى سنة ثلاث وأربعين ومائتين بإبطال تلك الايغارات فأبطلت.

فتوح الجزيرة

حدثني داود بن عبد الحميد قاضى الرقة عن أبيه عن جده عن ميمون ابن مهران ، قال : الجزيرة كلها فتوح عياص بن غنم بعد وفاة أبى عبيدة ولاه إياها عمر بن الخطاب وكان أبو عبيدة استخلفه على الشام فولى عمر ابن الخطاب يزيد بن أبى سفيان ثم معاوية من بعده الشام وأمر عياضا بغزو الجزيرة وحدثني الحسين بن الأسود ، قال : حدثنا يحيى بن آدم عن عدة من الجزريين عن سليمان بن عطاء القرشي ، قال : بعث أبو عبيدة عياض بن غنم إلى الجزيرة فمات أبو عبيدة وهو بها فولاه عمر إياها بعد.

وحدثني بكر بن الهيثم ، قال : حدثنا النفيلى عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا سليمان بن عطاء ، قال : لما فتح عياض بن غنم الرها وكان أبو عبيدة وجهه وقف على بابها على فرس له كميت فصالحوه على أن لهم هيكلهم وما حوله وعلى أن لا يحدثوا كنيسة إلا ما كان لهم وعلى معونة المسلمين على عدوهم فإن تركوا شيئا

١٧٢

مما شرط عليهم فلا ذمة لهم ودخل أهل الجزيرة فيما دخل فيه أهل الرها.

وقال محمد بن سعد ، قال الواقدي : أثبت ما سمعنا فى أمر عياض أن أبا عبيدة مات فى طاعون عمواس سنة ثماني عشرة ، واستخلف عياضا فورد عليه كتاب عمر بتوليته حمص وقنسرين والجزيرة : فسار إلى الجزيرة يوم الخميس للنصف من شعبان سنة ثماني عشرة فى خمسة آلاف وعلى مقدمته ميسرة بن مسروق العبسي وعلى ميمنته سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي وعلى ميسرته صفوان بن المعطل السلمى ، وكان خالد بن الوليد على ميسرته ، ويقال : إن خالدا لم يسر تحت لواء أحد بعد أبى عبيدة ولزم حمص حتى توفى بها سنة إحدى وعشرين وأوصى إلى عمر : وبعضهم يزعم أنه مات بالمدينة وموته بحمص أثبت.

قالوا : فانتهت طليعة عياض إلى الرقة فأغاروا على حاضر كان حولها للعرب وعلى قوم من الفلاحين فأصابوا مغنما وهرب من نجا من أولئك فدخلوا مدينة الرقة ، وأقبل عياض فى عسكرة حتى نزل باب الرها وهو أحد أبوابها فى تعبئة فرمى المسلمون ساعة حتى جرح بعضهم ثم أنه تأخر عنهم لئلا تبلغه حجارتهم وسهامهم وركب فطاف حول المدينة ووضع على أبوابها روابط ثم رجع إلى عسكره وبث السرايا فجعلوا يأتون بالأسرى من القرى وبالأطعمة الكثيرة وكانت الزروع مستحصدة ، فلما مضت خمسة أيام أو ستة وهم على ذلك أرسل بطريق المدينة إلى عياض يطلب الأمان فصالحه عياض على أن أمن جميع أهلها على أنفسهم وذراريهم وأموالهم ومدينتهم ، وقال عياض : الأرض لنا قد وطئناها وأحرزناها فأقرها فى أيديهم على الخراج ودفع منها ما لم يرده أهل الذمة فرفضوه إلى المسلمين على العشر ووضع الجزية على رقابهم فألزم كل رجل منهم دينارا فى كل سنة وأخرج النساء والصبيان ووظف عليهم مع الدينار أقفزة من قمح وشيئا من

١٧٣

زيت وخل وعسل ، فلما ولى معاوية جعل ذلك جزية عليهم ثم أنهم فتحوا أبواب المدينة وأقاموا للمسلمين سوقا على باب الرها فكتب لهم عياض.

بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما أعطى عياض بن غنم أهل الرقة يوم دخلها أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم لا تخرب ولا تسكن إذا أعطوا الجزية التي عليهم ولم يحدثوا مغيلة وعلى أن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة ولا يظهروا ناقوسا ولا باعوثا ولا صليبا شهد الله (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) وختم عياض بخاتمه.

ويقال : إن عياضا ألزم كل حالم من أهل الرقة أربعة دنانير والثبت أن عمر كتب بعد إلى عمير بن سعد وهو واليه ان ألزم كل امرئ منهم أربعة دنانير كما ألزم أهل الذهب.

قالوا : ثم سار عياض إلى حران فنزل بأجدى وبعث مقدمته فأغلق أهل حران أبوابها دونهم ثم اتبعهم ، فلما نزل بها بعث إليه الحرنانية من أهلها يعلمونه أن فى أيديهم طائفة من المدينة ويسئلونه أن يصير إلى الرها فما صالحوه عليه من شيء قنعوا به وخلوا بينه وبين النصارى حتى يصيروا إليه وبلغ النصارى ذلك فأرسلوا إليه بالرضى بما عرض الحرنانية وبذلوا فأتى الرها وقد جمع له أهلها فرموا المسلمين ساعة ، ثم خرجت مقاتلتهم فهزمهم المسلمون حتى ألجئوهم إلى المدينة فلم ينشبوا إن طلبوا الصلح والأمان ، فأجابهم عياض إليه وكتب لهم كتابا نسخته.

بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من عياض بن غنم لأسقف الرها إنكم إن فتحتم لى باب المدينة على أن تؤدوا إلى عن كل رجل دينارا ومدى قمح فأنتم آمنون عن أنفسكم وأموالكم ومن تبعكم وعليكم إرشاد الضال وإصلاح الجسور والطرق ونصيحة المسلمين «شهد الله وكفى بالله شهيدا».

١٧٤

وحدثني داود بن عبد الحميد عن أبيه عن جده ، إن كتاب عياض لأهل الرها : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من عياض بن غنم ومن معه من المسلمين لأهل الرها أنى أمنتهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم ومدينتهم وطواحينهم إذا أدوا الحق الذي عليهم ، ولنا عليهم أن يصلحوا جسورنا ويهدوا ضالنا شهد الله وملائكته والمسلمون.

قال : ثم أتى عياض حران ووجه صفوان بن المعطل وحبيب بن مسلمة الفهري إلى سميساط فصالح عياض أهل حران على مثل صلح الرها وفتحوا له أبوابها وولاها رجلا ، ثم سار إلى سميساط فوجد صفوان بن المعطل ، وحبيب بن مسلمة مقيمين عليها وقد غلبا على قرى وحصون من قراها وحصونها فصالحه أهلها على مثل صلح أهل الرها ، وكان عياض يغزو من الرها ثم يرجع إليها.

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن معمر عن الزهري ، قال : لم يبق بالجزيرة موضع قدم إلا فتح على عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه على يد عياض بن غنم فتح حران ، والرها ، والرقة ، وقرقيسيا ، ونصيبين ، وسنجار.

وحدثني محمد عن الواقدي عن عبد الرحمن بن مسلمة عن فرات بن سلمان عن ثابت بن الحجاج ، قال : فتح عياض الرقة وحران والرها ونصيبين وميافارقين وقرقيسيا وقرى الفرات ومدائنها صلحا وأرضها عنوة وحدثني محمد عن الواقدي عن ثور بن يزيد عن راشد بن سعد أن عياضا افتتح الجزيرة ومدائنها صلحا وأرضها عنوة.

وقد روى : أن عياضا لما أتى حران من الرقة وجدها خالية قد انتقل أهلها إلى الرها فلما فتحت الرها صالحوه عن مدينتهم وهم بها وكان صلحهم مثل صلح الرها.

١٧٥

وحدثني أبو أيوب الرقى المؤدب ، قال : حدثني الحجاج بن أبى منيع الرصافي عن أبيه عن جده ، قال : فتح عياض الرقة ثم الرها ثم حران ثم سميساط على صلح واحد ، ثم أتى سروج وراسكيفا والأرض البيضاء فغلب على أرضها وصالح أهل حصونها على مثل صلح الرها. ثم أن سميساط كفروا فلما بلغه ذلك رجع إليهم فحاصرها حتى فتحها وبلغه أن أهل الرها قد نقضوا فلما أناخ عليهم فتحوا له أبواب مدينتهم فدخلها وخلف بها عامله فى جماعة ثم أتى قرايات الفرات وهي جسر منبج وذواتها ففتحها على ذلك وأتى عين الوردة وهي رأس العين فامتنعت عليه فتركها وأتى تل موزن ففتحها على مثل صلح الرها وذلك فى سنة تسع عشرة ، ووجه عياض إلى قرقيسيا حبيب ابن مسلمة الفهري ففتحها صلحا على مثل صلح الرقة وفتح عياض آمد بغير قتال على مثل صلح الرها ، وفتح ميافارقين على مثل ذلك وفتح حصن كفرتوثا ، وفتح نصيبين بعد قتال على مثل صلح الرها ، وفتح طور عبدين وحصن ماردين ودارا على مثل ذلك ، وفتح قردى وبازبدى على مثل صلح نصيبين وأتاه بطريق الزوزان فصالحه عن أرضه على أتاوة وكل ذلك فى سنة تسع عشرة وأيام من المحرم سنة عشرين ، ثم سار إلى أوزن ففتحها على مثل صلح نصيبين ودخل الدرب فبلغ بدليس وجازها إلى خلاط وصلح بطريقها وانتهى إلى العين الحامضة من أرمينية فلم يعدها ثم عاد فضمن صاحب بدليس خراج خلاط وجماجمها وما على بطريقها ، ثم أنه انصرف إلى الرقة ومضى إلى حمص وقد كان عمر ولاه إياها فمات سنة عشرين. وولى عمر سعيد بن عامر بن حذيم فلم يلبث إلا قليلا حتى مات فولى عمر عمير بن سعد الأنصارى ففتح عين الوردة بعد قتال شديد.

وقال الواقدي : حدثني من سمع إسحاق بن أبى فروة يحدث عن أبى

١٧٦

وهب الجيشاني ديلم بن الموسع أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كتب إلى عياض يأمره أن يوجه عمير بن سعد إلى عين الوردة فوجهه إليها فقدم الطلائع أمامه فأصابوا قوما من الفلاحين وغنموا مواشى من مواشى العدو ثم أن أهل المدينة غلقوا أبوابها ونصبوا العرادات عليها فقتل من المسلمين بالحجارة والسهام بشر واطلع عليهم بطريق من بطارقتها فشتمهم وقال : لسنا كمن لقيتم ثم أنها فتحت بعد على صلح.

حدثني عمرو بن محمد عن الحجاج بن أبى منيع عن أبيه عن جده ، قال : امتنعت رأس العين على عياض بن غنم ففتحها عمير بن سعد وهو والى عمر على الجزيرة بعد أن قاتل أهلها المسلمين قتالا شديدا فدخلها المسلمون عنوة ، ثم صالحوهم بعد ذلك على أن دفعت الأرض إليهم ووضعت الجزية على رؤسهم على كل رأس أربعة دنانير ولم تسب نساؤهم ولا أولادهم ، وقال الحجاج : وقد سمعت مشايخ من أهل راس العين يذكرون أن عميرا لما دخلها قال لهم : لا بأس لا بأس إلى إلى فكان ذلك أمانا لهم ، وزعم الهيثم بن عدى : أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه بعث أبا موسى الأشعرى إلى عين الوردة فغزاها بجند الجزيرة بعد وفاة عياض ، والثبت أن عميرا فتحها عنوة فلم تسب وجعل عليهم الخراج والجزية ولم يقل هذا أحد غير الهيثم ، وقال الحجاج بن أبى منيع : جلا خلق من أهل رأس العين واعتمل المسلمون أراضيهم وازدرعوها باقطاع.

وحدثني محمد بن المفضل الموصلي عن مشايخ من أهل سنجار ، قالوا : كانت سنجار فى أيدى الروم ثم ان كسرى المعروف بابرويز أراد قتل مائة رجل من الفرس كانوا حملوا إليه بسبب خلاف ومعصية ، فكلم فيهم فأمر أن يوجهوا إلى سنجار وهو يومئذ يعانى فتحها فمات منهم رجلان ووصل إليها

١٧٧

ثمانية وتسعون رجلا فصاروا مع المقاتلة الذين كانوا بازائها ففتحوها دونهم وأقاموا بها وتناسلوا ، فلما انصرف عياض من خلاط وصار إلى الجزيرة بعث إلى سنجار ففتحها صلحا وأسكنها قوما من العرب ، وقد قال بعض الرواة أن عياضا فتح حصنا من الموصل وليس ذلك بثبت. قال ابن الكلبي : عمير بن سعد عامل عمر هو عمير بن سعد بن شهيد بن عمرو أحد الأوس ، وقال الواقدي : هو عمير بن سعد بن عبيد وقتل أبوه سعد يوم القادسية ، وسعد هذا هو الذي يروى الكوفيون إنه أحد من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال الواقدي : وقد روى قوم أن خالد بن الوليد ولى لعمر بعض الجزيرة فاطلى فى حمام بآمد أو غيرها بشيء فيه خمر فعزله عمر : وليس ذلك بثبت.

وحدثني عمرو الناقد ، قال : حدثني الحجاج بن أبى منيع عن أبيه عن جده عن ميمون بن مهران ، قال : أخذ الزيت والخل والطعام لمرفق المسلمين بالجزيرة مدة ثم خفف عنهم واقتصر بهم على ثمانية وأربعين درهما وأربعة وعشرين واثنى عشر نظرا من عمر للناس وكان على كل انسان مع جزيته مدا قمح وقسطان من زيت وقسطان من خل.

وحدثني عدة من أهل الرقة ، قالوا : لما مات عياض وولى الجزيرة سعيد ابن عامر بن حذيم بنى مسجد الرقة ومسجد الرها ثم توفى فبنى المساجد بديار مضر وديار ربيعة عمير بن سعد ، ثم لما ولى معاوية الشام والجزيرة لعثمان بن عفان رضى الله عنه أمره أن ينزل العرب بمواضع نائية عن المدن والقرى ويأذن لهم فى اعتمال الأرضين التي لا حق فيها لأحد فانزل بنى تميم الرابية وأنزل المازحين والمديبر اخلاطا من قيس وأسد وغيرهم وفعل ذلك فى جميع نواحي ديار مضر ورتب ربيعة فى ديارها على ذلك ، وألزم المدن

١٧٨

والقرى والمسالح من يقوم بحفظها ويذب عنها من أهل العطاء ثم جعلهم مع عماله.

وحدثني أبو حفص الشامي عن حماد بن عمرو النصيبي قال : كتب عامل نصيبين إلى معاوية وهو عامل عثمان على الشام والجزيرة يشكو إليه أن جماعة من المسلمين ممن معه أصيبوا بالعقارب فكتب إليه يأمره أن يوظف على أهل كل حيز من المدينة عدة من العقارب مسماة فى كل ليلة ففعل فكانوا يأتونه بها فيأمر بقتلها.

وحدثني أبو أيوب المؤدب الرقى عن أبى عبد الله القرقسانى عن أشياخه أن عمير بن سعد لما فتح رأس العين سلك الخابور وما يليه حتى أتى قرقيسيا وقد نقض أهلها فصالحهم على مثل صلحهم الأول ، ثم أتى حصون الفرات حصنا حصنا ففتحها على ما فتحت عليه قرقيسيا ولم يلق فى شيء منها كثير قتال ، وكان بعض أهلها ربما رموا بالحجارة ، فلما فرغ من تلبس وعانات أتى النأوسة وآلوسة وهيت فوجد عمار بن ياسر وهو يومئذ عامل عمر بن الخطاب على الكوفة وقد بعث جيشا يستغزى ما فوق الأنبار عليه سعد بن عمرو بن حرام الأنصارى ، وقد أتاه أهل هذه الحصون فطلبوا الأمان فأمنهم واستثنى على أهل هيت نصف كنيستهم فانصرف عمير إلى الرقة.

وحدثني بعض أهل العلم ، قال : كان الذي توجه إلى هيت والحصون التي بعدها من الكوفة مدرج بن عمرو السلمى حليف بنى عبد شمس وله صحبة فتولى فتحها وهو بنى الحديثة التي على الفرات وولده بهيت وكان منهم رجل يكنى أبا هارون باقى الذكر هناك ، ويقال : أن مدلاجا كان من قبل سعد بن عمرو بن حرام والله أعلم.

قالوا : وكان موضع نهر سعيد بن عبد الملك بن مروان ـ وهو الذي

١٧٩

يقال له سعيد الخير وكان يظهر نسكا ـ غيضة ذات سباع فأقطعه إياها الوليد فحفر النهر وعمر ما هناك ، وقال بعضهم : الذي أقطعه ذلك عمر بن عبد العزيز قالوا : ولم يكن للرافقة أثر قديم إنما بناها أمير المؤمنين المنصور رحمه‌الله سنة خمس وخمسين ومائة على بناء مدينته ببغداد ، ورتب فيها جندا من أهل خراسان وجرت على يدي المهدى وهو ولى عهد ، ثم أن الرشيد بنى قصورها فكان بين الرقة والرافقة فضاء مزارع ، فلما قدم على بن سليمان بن على واليا على الجزيرة نقل أسواق الرقة إلى تلك الأرض ، فكان سوق الرقة الأعظم فيما مضى يعرف بسوق هشام العتيق ، ثم لما قدم الرشيد الرقة استزاد فى تلك الأسواق فلم تزل تجتبى مع الصوافي ، وأمار صافة هشام فإن هشام بن عبد الملك أحدثها وكان ينزل قبلها الزيتونة وحفر الهنى والمري ، واستخرج الضيعة التي تعرف بالهنى والمري ، وأحدث فيها واسط الرقة ، ثم إن تلك الضيعة قبضت فى أول الدولة ثم صارت لأم جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور فابتنت فيها القطيعة التي تنسب إليها وزادت فى عمارتها ، ولم يكن للرحبة التي فى أسفل قرقيسيا أثر قديم إنما بناه وأحدثها مالك بن طوق بن عتاب التغلبي فى خلافة المأمون. وكانت أذرمة من ديار ربيعة قرية قديمة فأخذها الحسن بن عمرو بن الخطاب التغلبي من صاحبها وبنى بها قصرا وحصنها ، وكانت كفرتوثا حصنا قديما فاتخذها ولد أبى رمثة منزلا فمدنوها وحصنوها.

حدثني معافى بن طاوس عن أبيه ، قال : سألت المشايخ عن أعشار بلد وديار ربيعة والبرية ، فقال : هي أعشار ما أسلمت عليه العرب أو عمرته من لموات الذي ليس فى يد أحد أو رفضه النصارى فمات وغلب عليها الدغل فأقطعه العرب.

حدثني أبو عفان الرقى عن مشايخ من كتاب الرقة وغيرهم ، قالوا : كانت

١٨٠