فتوح البلدان

أبوالحسن البلاذري

فتوح البلدان

المؤلف:

أبوالحسن البلاذري


المحقق: لجنة تحقيق التراث
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

حدثني الحسن بن محمد الزعفراني عن الشافعي عن أبى عبد الرحمن هشام بن يوسف قاضى صنعاء ، أن أهل خفاش أخرجوا كتابا من أبى بكر الصديق رضى الله عنه فى قطعة أديم يأمرهم فيه أن يؤدوا صدقة الورس ، وقال مالك ، وابن أبى ذئب ، وجميع أهل الحجاز من الفقهاء ، وسفيان الثوري ، وأبو يوسف : لا زكاة فى الورس ، والوسمة ، والقرط ، والكتم ، والحناء ، والورد ، وقال أبو حنيفة : فى قليل ذلك وكثيره الزكاة ، وقال مالك فى الزعفران. إذا بلغ ثمنه مائتي درهم وبيع خمسة دراهم ، وهو قول أبى الزناد ، وروى عنه أيضا أنه قال : لا شيء فى الزعفران ، وقال أبو حنيفة وزفر فى قليله وكثيره الزكاة ، وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن. إذا بلغ ثمنه أدنى ثمن خمسة أوسق تمر أو حنطة أو شعير أو ذرة أو صنف من أصناف الحبوب ففيه الصدقة ، وقال ابن أبى ليلى ليس فى الخضر شيء ، وهو قول الشعبي ، وقال عطاء ، وابراهيم النخعي : فيما أخرجت أرض العشر من قليل وكثير العشر أو نصف العشر.

وحدثني الحسين بن الأسود ، قال : حدثنا يحيى بن آدم عن سعيد بن سالم ، عن الصلت بن دينار ، عن ابن أبى رجاء العطاردي ، قال : كان ابن عباس بالبصرة يأخذ صدقاتنا حتى دساتج الكراث. وحدثنا الحسين ، قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا ابن المبارك. عن معمر ، عن طاوس ، وعكرمة أنهما قالا : ليس فى الورس والعطب ـ وهو القطن ـ زكاة ، وقال أبو حنيفة وبشر فى الذمة يملكون الأرضين من الأراضى العشر مثل اليمن التي أسلم عليها أهلها والبصرة التي أحياها المسلمون وما أقطعته الخلفاء من القطائع التي لا حق فيها لمسلم ولا معاهد أنهم يلزمون الجزية فى رقابهم ، ويوضع الخراج على أرضهم بقدر احتمالها ، ويكون مجرى ما يجتبى منهم مجرى مال الخراج ، فإن أسلم منهم مسلم وضعت عنه الجزية ، والزم الخراج فى أرضه أبدا على قياس السواد ، وهو قول ابن ابى ليلى.

٨١

وقال ابن شبرمة ، وأبو يوسف : توضع عليهم الجزية فى رقابهم وعليهم الضعف مما على المسلمين فى أرضهم. وهو الخمس أو العشر ، وقاسا ذلك على أمر نصارى بنى تغلب ، وقال أبو يوسف : ما أخذ منهم فسبيله الخراج ، فان أسلم الذمي أو خرجت أرضه إلى مسلم صارت عشرية ، وقد روى ذلك عن عطاء ، والحسن ، وقال ابن أبى ذئب ، وابن أبى سبرة ، وشريك بن عبد الله النخعي ، والشافعي : عليهم الجزية فى رقابهم ولا خراج ولا عشر فى أرضهم ، لأنهم ليسوا ممن تجب عليه الزكاة وليست أرضهم بأرض خراج ، وهو قول الحسن بن صالح بن حي الهمدانى ، وقال سفيان الثوري ، ومحمد بن الحسن : عليهم العشر غير مضعف ، لأن الحكم حكم الأرض ولا ينظر إلى مالكها.

وقال الأوزاعى ، وشريك بن عبد الله ، إن كانوا ذمة مثل يهود اليمن التي أسلم أهلها وهم بها : لم تؤخذ منهم شيئا غير الجزية ولا تدع الذمي يبتاع أرضا من أراضى العشر ولا يدخل فيها ـ يعنى يملكها به ـ وقال الواقدي : سألت مالكا عن اليهودي من يهود الحجاز يبتاع أرضا بالجرف فيزرعها ، قال : يؤخذ منه العشر ، قلت أو لست تزعم إنه لا عشر على أرض ذمي إذا ملك أرض عشر ، فقال : ذاك إذا أقاموا ببلادهم فأما إذا خرجوا من بلادهم فإنها تجارة ، وقال أبو الزناد ، ومالك بن أنس ، وابن أبى ذئب ، والثوري ، وأبو حنيفة ويعقوب ، فى التغلبي يزرع أرضا من أرض العشر إنه يؤخذ منه ضعف العشر وإذا اكترى رجل مزرعة عشرية فإن مالكا. والثوري وابن أبى ذئب ، ويعقوب ، قالوا : العشر على صاحب الزرع ، وقال أبو حنيفة : هو على رب الأرض ، وهو قول زفر ، وقال أبو حنيفة إذا لم يؤد رجل عشر أرضه سنتين فإن السلطان يأخذ منه العشر لما يستأنف ، وكذلك أرض الخراج ، وقال أبو شمر : يأخذ ذلك منه لما مضى لأنه حق وجب فى ماله.

٨٢

فتح عمان

قالوا : كان الأغلبين على عمان الأزد وكان بها من غيرهم بشر كثير فى البوادي فلما كانت سنة ثمان بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا زيد الأنصارى أحد الخزرج ، وهو أحد من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واسمه فيما ذكر الكلبي : قيس بن سكن بن زيد بن حرام ، وقال بعض البصريين اسمه عمرو بن أخطب ، جد عروة بن ثابت بن عمرو ابن أخطب ، وقال سعيد بن أوس الأنصارى : اسمه ثابت بن زيد ، وبعث عمرو بن العاصي السهمي إلى عبيد ، وجيفر ابني الجلندى بكتاب منه يدعوهما فيه إلى الإسلام ، وقال : إن أجاب القوم إلى شهادة الحق ، وأطاعوا الله ورسوله فعمرو الأمير وأبو زيد على الصلاة ، وأخذ الإسلام على الناس وتعليمهم القرآن والسنن ، فلما قدم أبو زيد ، وعمرو عمان وجدا عبيدا ، وجيفرا بصحار على ساحل البحر ، فأوصلا كتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهما فأسلما ودعوا العرب هناك إلى الإسلام فأجابوا إليه ورغبوا فيه ، فلم يزل عمرو وأبو زيد بعمان حتى قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقال : إن أبا زيد قدم المدينة قبل ذلك.

قالوا : ولما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ارتدت الأزد وعليها لقيط بن مالك ذو التاج وانحازت إلى دبا وبعضهم يقول دما فى دبا فوجه أبو بكر رضى الله عنه إليهم حذيفة بن محصن البارقي من الأزد ، وعكرمة ابن أبى جهل ابن هشام المخزومي ، فواقعا لقيطا ومن معه فقتلاه وسبيا من أهل دبا سبيا بعثا به إلى أبى بكر رحمه‌الله ، ثم أن الأزد راجعت الإسلام وارتدت طوائف من أهل عمان ولحقوا بالشحر فسار إليهم عكرمة فظفر بهم وأصاب منهم مغنما وقتل بشرا ، وجمع قوم من مهرة بن حيدان بن

٨٣

عمرو بن الحاف بن قضاعة جمعا فأتاهم عكرمة فلم يقاتلوه وأدوا الصدقة ، وولى أبو بكر رضى الله عنه حذيفة بن محصن عمان ، فمات أبو بكر وهو عليها ، وصرف عكرمة ووجه إلى اليمن.

ولم تزل عمان مستقيمة الأمر يؤدى أهلها صدقات أموالها ، ويؤخذ ممن بها من الذمة جزية رؤسهم حتى كانت خلافة الرشيد صلوات الله عليه فولاها عيسى بن جعفر بن سليمان بن على بن عبد الله بن العباس ، فخرج إليها بأهل البصرة فجعلوا يفجرون بالنساء ويسلبونهم ويظهرون المعازف فبلغ ذلك أهل عمان وجلهم شراة ، فحاربوه ومنعوه من دخولها ، ثم قدروا عليه فقتلوه وصلبوه وامتنعوا على السلطان فلم يعطوه طاعة ، وولوا أمرهم رجلا منهم ، وقد قال قوم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان وجه أبا زيد بكتابه إلى عبيد ، وجيفر ابني الجلندى الأزديين فى سنة ست ووجه عمرا فى سنة ثمان بعد إسلامه بقليل ، وكان إسلامه ، وإسلام خالد بن الوليد ، وعثمان بن طلحة العبدى فى صفر سنة ثمان أقبل من الحبشة حتى أتى إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأبى زيد : خذ الصدقة من المسلمين والجزية من المجوس حدثني أبو الحسن المدائني عن المبارك بن فضالة ، قال : كتب عمر ابن عبد العزيز إلى عدى بن أرطاة الفزاري عامله على البصرة.

«أما بعد» فإنى كنت كتبت إلى عمرو بن عبد الله أن يقسم ما وجد بعمان من عشور التمر والحب فى فقراء أهلها ، ومن سقط إليها من أهل البادية ، ومن إضافته إليها الحاجة والمسكنة وانقطاع السبيل ، فكتب إلى أنه سأل عاملك قبله عن ذلك الطعام والتمر فذكر أنه قد باعه وحمل إليك ثمنه ، فأردد إلى عمرو ما كان حمل إليك عاملك على عمان من ثمن التمر والحب ليضعه فى المواضع التي أمرته بها ويصرفه فيها إن شاء الله والسلام.

٨٤

غزوة البحرين

قالوا : وكانت أرض البحرين من مملكة الفرس ، وكان بها خلق كثير من العرب من عبد القيس ، وبكر بن وائل وتميم مقيمين فى باديتها وكان على العرب بها من قبل الفرس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المنذر بن ساوى أحد بنى عبد الله بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة ، وعبد الله بن زيد هذا هو الأسبذى نسب إلى قرية بهجر يقال لها الأسبذ ، ويقال : أنه نسب إلى الأسبذيين وهم قوم كانوا يعبدون الخيل بالبحرين فلما كانت سنة ثمان وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم العلاء بن عبد الله بن عماد الحضرمي حليف بنى عبد الشمس إلى البحرين ليدعو أهلها إلى الإسلام أو الجزية ، وكتب معه إلى المنذر بن ساوى وإلى سيبخت مرزبان هجر يدعوهما إلى الإسلام أو الجزية فأسلما وأسلم معهما جميع العرب هناك وبعض العجم. فأما أهل الأرض من المجوس واليهود والنصارى فإنهم صالحوا العلاء وكتب بينه وبينهم كتابا نسخته.

بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما صالح عليه العلاء بن الحضرمي أهل البحرين صالحهم على أن يكفونا العمل ويقاسمونا التمر ، فمن لم يف فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وأما جزية الرءوس فإنه أخذ لها من كل حالم دينارا. حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس قال : كتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى البحرين.

«أما بعد» فإنكم إذا أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة ونصحتم لله ورسوله وآتيتم عشر النخل ونصف عشر الحب ولم تمجسوا أولادكم فلكم ما أسلمتم عليه غير أن بيت النار لله ورسوله ، وأن أبيتم فعليكم الجزية.

٨٥

فكره المجوس واليهود الإسلام وأحبوا أداء الجزية ، فقال منافقو العرب : زعم محمد إنه لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب وقد قبلها من مجوس هجر وهم غير أهل كتاب فنزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) ، وقد قيل أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجه العلاء حين وجه رسله إلى الملوك فى سنة ست.

وحدثني محمد بن مصفى الحمصي ، قال : حدثنا محمد بن المبارك ، قال : حدثنا عتاب بن زياد قال : حدثني محمد بن ميمون عن مغيرة الأزدى عن محمد بن زيد بن حيان الأعرج عن العلاء بن الحضرمي ، قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى البحرين ـ أو قال هجر ـ وكنت آتى الحائط بين الأخوة قد أسلم بعضهم فأخذ من المسلم العشر ومن المشرك الخراج.

وحدثنا القاسم ابن سلام ، قال : حدثنا عثمان ابن صالح عن عبد الله بن لهيعة عن أبى الأسود عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتب إلى أهل هجر.

بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد النبي إلى أهل هجر سلم أنتم فإنى أحمد إليكم الله الذي لا إله إلّا هو ، أما بعد فإنى أوصيكم بالله وبأنفسكم ألا تضلوا بعد إذا هديتم ولا تنووا بعد إذ رشدتم ، أما بعد فإنه قد أتانى الذي صنعتم وأنه من يحسن منكم لا يحمل عليه ذنب المسيء ، فإذا جاءكم أمرائى فأطيعوهم وانصروهم وأعينوهم على أمر الله وفى سبيله ، فإنه من يعمل منكم عملا صالحا فلن يضل له عند الله وعندي ، وأما بعد فقد جاءني وفدكم فلم آت إليهم إلا ما سرهم وإنى لو جهدت حقي فيكم كله أخرجتكم من هجر فشفعت غائبكم وأفصلت على شاهدكم «فاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ».

حدثني الحسين بن الأسود ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن شيبان النحوي عن قتادة ، قال : لم يكن بالبحرين فى أيام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٨٦

قتال ، ولكن بعضهم أسلم وبعضهم صالح العلاء على انصاف الحب والتمر ، وحدثني الحسين ، قال : حدثني يحيى بن آدم ، قال : حدثنا الحسن بن صالح عن أشعث عن الزهري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر. وحدثني الحسين ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، قال : حدثنا قيس بن الربيع عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد ، قال : كتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى مجوس هجر يدعوهم إلى الإسلام ، فان أسلموا فلهم مالنا وعليهم ما علينا ، ومن أبى فعليه الجزية فى غير أكل لذبائحهم ولا نكاح لنسائهم. وحدثني الحسين ، قال : حدثنا يحيى بن آدم عن ابن المبارك عن يونس بن يزيد الأيلى عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، قال : أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الجزية من مجوس هجر ، وأخذها عمر من مجوس فارس ، وأخذها عثمان من بربر. وحدثنا الحسين ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس عن مالك بن أنس عن الزهري بمثله.

وحدثنا عمرو الناقد ، قال : أخبرنا عبد الله بن وهب عن يحيى بن عبد الله ابن سالم بن عبد الله بن عمر عن موسى بن عقبة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتب إلى منذر بن ساوى.

من محمد النبي إلى منذر بن ساوى سلم أنت فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد فإن كتابك جاءني وسمعت ما فيه ، فمن صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم ، ومن أبى ذلك فعليه الجزية. وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده عن أبى صالح عن ابن عباس قال : كتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المنذر بن ساوى فأسلم ودعا أهل هجر فكانوا بين راض وكاره ، أما العرب فأسلموا ، وأما المجوس واليهود فرضوا بالجزية فأخذت منهم.

٨٧

وحدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، قال : حدثنا حميد بن هلال قال : بعث العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مالا من البحرين يكون ثمانين ألفا أتاه أكثر منه قبله ولا بعده فأعطى منه العباس عمه.

حدثني هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى وضائع كسرى بهجر فلم يسلموا فوضع عليهم الجزية دينارا على كل رجل منهم. قالوا : وعزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم العلاء ثم ولى البحرين أبان بن سعيد بن العاصي بن أمية ، وقوم يقولون : إن العلاء كان على ناحية من البحرين منها القطيف وإن أبان كان على ناحية أخرى فيها الخط : والأول أثبت.

قالوا : ولما توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج أبان من البحرين فأتى المدينة ، فسأل أهل البحرين أبا بكر رضى الله عنه أن يرد العلاء عليهم ففعل ، فيقال : إن العلاء لم يزل واليا حتى توفى بها سنة عشرين ، فولى عمر مكانه أبا هريرة الدوسي ، ويقال أيضا : إن عمر رضى الله عنه ولى أبا هريرة قبل موت العلاء فأتى العلاء توج من أرض فارس وعزم على المقام بها ، قال : ثم رجع إلى البحرين فمات هناك وكان أبو هريرة يقول : دفنا العلاء ثم احتجنا إلى رفع لبنة فرفعناها فلم نجده فى اللحد.

وقال أبو مخنف : كتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى العلاء بن الحضرمي وهو عامله على البحرين يأمره بالقدوم عليه ، وولى عثمان بن أبى العاصي الثقفي البحرين وعمان فلما قدم العلاء المدينة ولاه البصرة مكان عتبة بن غزوان ، فلم يصل إليها حتى مات وذلك فى سنة أربعة عشر أو فى أول سنة خمسة عشر ثم أن عمر ولى قدامة بن مظعون الجمحي جباية البحرين ، وولى أبا هريرة

٨٨

الأحداث والصلاة ، ثم عزل قدامة وحده على شرب الخمر ، وولى أبا هريرة الصلاة والاحداث ، ثم عزله وقاسمه ماله ، ثم ولى عثمان بن أبى العاصي البحرين وعمان.

حدثني العمرى عن الهيثم ، قال : كان قدامة بن مظعون على الجباية والاحداث ، وأبو هريرة على الصلاة والقضاء ، فشهد على قدامة بما شهد به ثم ولاه عمر البحرين بعد قدامة ثم عزله وقاسمه وأمره بالرجوع فأبى فولاها عثمان بن أبى العاص فمات عمر وهو واليه عليها ، وكان خليفته على عمان والبحرين وهو بفارس أخوه مغيرة بن أبى العاصي ، ويقال : حفص بن أبى العاصي حدثنا شيبان بن فروخ ، قال حدثنا أبو هلال الراسبي ، قال : حدثنا محمد بن سيرين عن أبى هريرة ، قال استعملني عمر بن الخطاب رضى الله عنه على البحرين فاجتمعت لى اثنا عشر ألفا فلما قدمت على عمر قال لى يا عدو الله وعدو المسلمين ـ أو قال وعدو كتابه ـ سرقت مال الله ، قال : قلت لست بعدو لله ولا للمسلمين ـ أو قال لكتابه ـ ولكنى عدو من عاداهما ولكن خيلا تناتجت وسهامها اجتمعت ، قال فأخذ منى اثنا عشر ألفا فلما صليت الغداة قلت. اللهم اغفر لعمر ، قال. فكان يأخذ منهم ويعطيهم أفضل من ذلك حتى إذا كان بعد ذلك ، قال : ألا تعمل يا أبا هريرة ، قلت. لا قال ولم قد عمل من هو خير منك يوسف (قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) فقلت يوسف نبى ابن نبى وأنا أبو هريرة بن أمية وأخاف منكم ثلاثا واثنتين ، قال فهلا قلت خمسا ، قلت. أخشى أن تضربوا ظهري وتشتموا عرضي وتأخذوا مالي وأكره أن أقول بغير حلم وأحكم بغير علم.

حدثنا القاسم بن سلام وروح بن عبد المؤمن ، قال حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي عن يزيد بن ابراهيم التستري عن ابن سيرين عن أبى هريرة أنه لما قدم من البحرين ، قال له عمر يا عدو الله وعدو كتابه أسرقت مال الله.

٨٩

قال لست عدو الله ولا عدو كتابه ولكنى عدو من عاداهما ولم أسرق مال الله قال فمن أين اجتمعت لك عشرة ألف درهم. قال خيل تناسلت وعطاء تلاحق وسهام اجتمعت فقبضها منه وذكر من باقى الحديث نحو الذي روى أبو هلال.

قالوا. ولما مات المنذر بن ساوى بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقليل ارتد من البحرين من ولد قيس بن ثعلبة بن عكابة مع الحطم وهو شريح بن ضبيعة بن عمر بن مرثد أحد بنى قيس بن ثعلبة وانما سمى الحطم بقوله :

قد لفها الليل بسواق حطم

وارتد سائر من بالبحرين من ربيعة خلا الجارودي وهو بشر بن عمرو العبدى ومن تابعه من قومه. وأمروا عليهم ابنا للنعمان بن المنذر يقال له المنذر فصار الحطم حتى لحق بربيعة فانضم إليها بمعن معه. وبلغ العلاء بن الحضرمي الخبر فسار بالمسلمين حتى نزل جواثا. وهو حصن البحرين فدلفت إليه ربيعة فخرج إليها بمن معه من العرب والعجم فقاتلها قتالا شديدا. ثم إن المسلمين لجأوا إلى الحصن فحصرهم فيه عدوهم. ففي ذلك يقول عبد الله ابن حذف الكلابي؟

ألا أبلغ أبا بكر ألوكا

وفتيان المدينة أجمعينا

فهل لك فى شباب منك أمسوا

أسارى فى جواثا محصرينا

ثم إن العلاء خرج بالمسلمين ذات ليلة فبيت ربيعة فقاتلوا قتالا شديدا وقتل الحطم. وقال غير هشام بن الكلبي : أتى الحطم ربيعة وهو بجواثا وقد كفر أهلها جميعا وأمروا عليهم المنذر بن النعمان فأقام معهم فحصرهم العلاء حتى فتح جواثا وفض ذلك الجمع وقتل الحطم : والخبر الأول أثبت. وفى قتل الحطم يقول مالك بن ثعلبة العبدري

تركنا شريحا قد علته بصيرة

كحاشية البرد اليماني المحبر

٩٠

«البصيرة من الدم ما وقع فى الأرض»

ونحن فجعنا أم غضبان بابنها

ونحن كسرنا الرمح فى عين حبتر

ونحن تركنا مسمعا متجدلا

رهينة ضبع تعتريه وأنسر

قالوا : وكان المنذر بن النعمان يسمى الغرور فلما ظهر المسلمون ، قال : لست بالغرور ولكنى المغرور ولحق هو وفل ربيعة بالخط فأتاها العلاء ففتحها وقتل المنذر ومن معه ، ويقال : إن المنذر نجا فدخل إلى المشقر وأرسل الماء حوله فلم يوصل إليه حتى صالح الغرور على أن يخلى المدينة فخلاها ولحق بمسيلمة فقتل معه ، وقال قوم : قتل المنذر يوم جواثا ، وقوم يقولون : أنه استأمن ثم هرب فلحق فقتل ، وكان العلاء كتب إلى أبى بكر يستمده فكتب إلى خالد بن الوليد يأمره بالنهوض إليه من اليمامة وانجاده مقدم عليه وقد قتل الحطم فحصر معه الخط ، ثم أتاه كتاب أبى بكر بالشخوص إلى العراق فشخص إليه من البحرين وذلك فى سنة اثنى عشر ، وقال الواقدي يقول أصحابنا : إن خالدا قدم المدينة ثم توجه منها إلى العراق.

واستشهد بحواثا عبد الله بن سهيل بن عمرو أحد بنى عامر بن لؤي ويكنى أبا سهيل وأمه فأخته بنت عامر بن نوفل بن عبد مناف ، وكان عبد الله أقبل مع المشركين يوم بدر ثم إلى المسلمين مسلما وشهد بدرا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما بلغ أباه سهيل بن عمرو خبره ، قال : عند الله أحتسبه ، ولقيه أبو بكر وكان بمكة حاجا فعزاه به ، فقال سهيل : أنه بلغني أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يشفع الشهيد فى سبعين من أهله وأنى لأرجو أن لا يبدأ ابني بأحد قبلي ، وكان يوم استشهد ابن ثمان وثلاثين سنة. واستشهد عبد الله بن عبد الله بن أبى يوم جواثا ، وقال غير الواقدي. استشهد يوم اليمامة ، قالوا : وتحصن المكعبر الفارسي صاحب كسرى الذي

٩١

كان وجهه لقتل بنى تميم حين عرضوا لعيره واسمه فيروز بن جشيش بالزارة وانضم إليه مجوس كانوا تجمعوا بالقطيف وامتنعوا من أداء الجزية فأقام العلاء على الزارة فلم يفتحها فى خلافة أبى بكر وفتحها فى أول خلافة عمر ، وفتح العلاء السابون ودارين فى خلافة عمر عنوة وهناك موضع يعرف بخندق العلاء.

وقال معمر بن المثنى. غزا العلاء بعبد القيسر قرى من السابون فى خلافة عمر بن الخطاب ففتحها ، ثم غزا مدينة الغابة فقتل من بها من العجم ، ثم أتى الزارة وبها المكعبر فحصره ، ثم أن مرزبان الزارة دعا إلى البراز فبارزه البراء بن مالك فقتله وأخذ سلبه فبلغ أربعين ألفا ، ثم خرج رجل من الزارة مستأمنا على أن يدل على شرب القوم فدله على العين الخارجة من الزارة فسدها العلاء فلما رأوا ذلك صالحوه على أن له ثلث المدينة وثلث ما فيها من ذهب وفضة وعلى أن يأخذ النصف مما كان لهم خارجها ، وأتى الأخنس العامري العلاء ، فقال له. إنهم لم يصالحوك على ذراريهم وهم بدارين ودله كراز النكرى على المخاضة إليهم فتقحم العلاء فى جماعة من المسلمين البحر فلم يشعر أهل دارين إلا بالتكبير فخرجوا فقاتلوهم من ثلاثة أوجه فقتلوا مقاتلهم وحووا الذراري والسبي ، ولما رأى المكعبر ذلك أسلم وقال كراز.

هاب العلاء حياض البحر مقتحما

فخضت قدما إلى كفار دارينا

حدثنا خلف البزار وعفان ، قالا. حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا ابن عون ويونس ، عن محمد بن سيرين ، قال بارز البراء بن مالك مرزبان الزارة فطعنه فوق صلبه وصرعه ثم نزل فقطع يديه وأخذ سواريه ويلمقا كان عليه ومنطقة فخمسه عمر لكثرته ، وكان أول سلب خمس فى الإسلام.

٩٢

دعوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل اليمامة إلى الإسلام

قالوا : وكانت اليمامة تدعى جو فصلبت امرأة من جديس يقال لها اليمامة بنت مر على بابها فسميت باسمها والله أعلم ، وقالوا. ولما كتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ملوك الآفاق فى أول سنة سبع ويقال فى سنة ست كتب إلى هوزة بن على الحنفي وأهل اليمامة يدعوهم إلى الإسلام وأنفذ كتابه بذلك مع سليط بن قيس بن عمرو الأنصارى ثم الخزرجي فبعثوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفدهم وكان فى الوفد مجاعة بن مرارة فأقطعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرضا مواتا سأله إياها وكان فيها أيضا الرجال بن عنفوة فاسلم وقرأ سورة البقرة وسورا من القرآن ألا أنه ارتد بعد ، وكان فيهم مسيلمة الكذاب ثمامة بن كبير بن حبيب ، فقال مسيلمة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أن شئت خلينا لك الأمر وبايعناك على أنه لنا بعدك ، فقال له رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. لا ولا نعمة عين ولكن الله قاتلك.

وكان هوزة بن على الحنفي قد كتب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسأله أن يجعل الأمر له من بعده على أن يسلم ويصير إليه فينصره ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. لا ولا كرامة اللهم اكفنيه فمات بعد قليل ، فلما انصرف وفد بنى حنيفة إلى اليمامة أدعى مسيلمة الكذاب النبوة وشهد له الرجال بن عنفوة بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أشركه فى الأمر معه فاتبعه بنو حيفة وغيرهم ممن باليمامة وكتب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع عبادة بن الحارث أحد بنى عامر بن حنيفة وهو ابن النواحة الذي قتله عبد الله بن مسعود بالكوفة وبلغه أنه وجماعة معه يؤمنون بكذب مسيلمة ، من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، أما بعد فإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريشا لا ينصفون والسلام عليك ، وكتب

٩٣

عمرو بن الجارود الحنفي فكتب إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد النبي إلى مسيلمة الكذاب ، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين والسلام على من اتبع الهدى ، وكتب أبى بن كعب.

فلما توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستخلف أبو بكر فأوقع بأهل الردة من أهل نجد وما والاه فى أشهر يسيرة بعث خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي إلى اليمامة وأمره بمحاربة الكذاب مسيلمة فلما شارفها ظفر بقوم من بنى حنيفة فيهم مجاعة بن مرارة بن سلمى فقتلهم واستبقى مجاعة وحمله معه موثقا ، وعسكر خالد على ميل من اليمامة فخرج إليه بنو حنيفة وفيهم الرجال ومحكم بن الطفيل بن سبيع الذي يقال له محكم اليمامة فرأى خالد البارقة فيهم ، فقال ، يا معشر المسلمين قد كفاكم الله مؤنة عدوكم ألا ترونهم وقد شهر بعضهم السيوف على بعض وأحسبهم قد اختلفوا ووقع بأسهم بينهم ، فقال مجاعة وهو فى حديدة. كلا ولكنها الهندوانية خشوا تحطمها فابرزوها للشمس لتلين متونها ثم التقى الناس فكان أو من لقيهم الرجال بن عنفوة فقتله الله ، واستشهد وجوه الناس وقراء القرآن ، ثم أن المسلمين فاءوا وثابوا فأنزل الله عليهم نصره وهزم أهل اليمامة فأتبعوهم يقتلونهم قتلا ذريعا ، ورمى عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق أخو عائشة لأبيها محكما بسهم فقتله وألجئوا والكفرة إلى الحديقة فسميت يومئذ حديقة الموت ، وقتل الله مسيلمة فى الحديقة ، فبنو عامر بن لؤي بن غالب يقولون قتله خداش بن بشير بن الأصم أحمد بنى معيص بن عامر بن لؤي ، وبعض الأنصار يقولون. قتله عبد الله بن زيد بن ثعلبة أحد بنى الحارث بن الخزرج وهو الذي أرى الأذان ، وبعضهم يقول. قتله أبو دجانة سماك بن خرشة ثم استشهد ، وقال بعضهم. بل قتله عبد الله بن زيد بن عاصم أخو حبيب

٩٤

ابن زيد من بنى مبذول من بنى النجار ، وقد كان مسيلمة قطع يدي حبيب ورجليه ، وكان وحشى بن حرب الحبشي قاتل حمزة رضى الله عنه يدعى قتله ويقول : قتلت خير الناس وشر الناس ، وقال قوم : أن هؤلاء جميعا شركوا فى قتله وكان معاوية بن أبى سفيان يدعى أنه قتله ويدعى ذلك له بنو أمية.

حدثني أبو حفص الدمشقي ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم عن خالد بن دهقان عن رجل حضر عبد الملك بن مروان سأل رجلا من بنى حنيفة ممن شهد وقعة اليمامة عن قاتل مسيلمة فقال : قتله رجل من صفته كذا وكذا ، فقال عبد الملك : قضيت والله لمعاوية بقتله ، قال : وجعل الكذاب يقول حين أخذ منه بالمخنق يا بنى حنيفة : قاتلوا عن أحسابكم فلم يزل يعيدها حتى قتله الله. وحدثني عبد الواحد بن غياث ، قال : حدثنا حماد بن سلمة عن هشام عن عروة عن أبيه ، قال : كفرت العرب فبعث أبو بكر خالد بن الوليد فلقيهم ثم قال والله لا أنتهي حتى اناطح مسيلمة فقالت الأنصار : هذا رأى تفردت به لم يأمرك به أبو بكر ارجع إلى المدينة حتى نريح كراعنا ، فقال : والله لا أنتهي حتى أناطحه فرجعت عنه الأنصار ، ثم قالوا. إذا صنعنا لئن ظهر أصحابنا لقد خسسنا ولئن هربوا لقد خذلناهم ، فرجعوا ومضوا معه فالتقى المسلمون والمشركون ، فولى المسلمون مدبرين حتى بلغوا الرحال ، فقام السائب بن العوام ، فقال : أيها الناس قد بلغتم الرحال فليس لامرئ مفر بعد رحله فهزم الله المشركين وقتل مسيلمة ، وكان شعارهم يومئذ يا أصحاب سورة البقرة. وحدثني بعض أهل اليمامة أن رجلا كان مجاورا فى بنى حنيفة فلما قتل محكم أنشأ يقول :

فإن أنج منها أنج منها عظيمة

وإلا فإنى شارب كأس محكم

قالوا : وكانت الحرب قد نهكت المسلمين وبلغت منهم ، فقال مجاعة لخالد أن أكثر أهل اليمامة لم يخرجوا لقتالكم وإنما قتلتم منهم القليل وقد بلغوا

٩٥

منكم ما أرى وأنا مصالحك عنهم فصالحه على نصف السبي ونصف الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع ، ثم أن خالدا توثق منه وبعثه إليهم فلما دخل اليمامة أمر الصبيان والنساء ومن باليمامة من المشايخ أن يلبسوا السلاح ويقوموا على الحصون ففعلوا ذلك ، فلم يشك خالد والمسلمون حين نظروا إليهم أنهم مقاتلة ، فقالوا : لقد صدقنا مجاعة ثم أن مجاعة خرج حتى أتى عسكر المسلمين فقال : أن القوم لم يقبلوا مصالحتك عليه عنهم واستعدوا لحربك وهذه حصون العرض مملوءة رجالا ولم أزل بهم حتى رضوا بأن يصالحوا على ربع السبي ونصف الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع فاستقر الصلح على ذلك ورضى خالد به وأمضاه وأدخل مجاعة خالدا اليمامة ، فلما رأى من بقي بها قال خدعتني يا مجاع وأسلم أهل اليمامة فأخذت منهم الصدقة ، وأتى خالدا كتاب أبى بكر رضى الله عنه بإنجاد العلاء بن الحضرمي ، فسار إلى البحرين واستخلف على اليمامة سمرة ابن عمرو العنبري ، وكان فتح اليمامة سنة اثنى عشرة.

حدثني أبو رياح اليمامي ، قال. حدثني أشياخ من أهل اليمامة أن مسيلمة الكذاب كان قصيرا شديد الصفرة أخنس الأنف أفطس ، يكنى أبا ثمامة وقال غيره : كان يكنى أبا ثمالة وكان له مؤذن يسمى حجيرا فكان إذا أذن يقول أشهد أن مسيلمة يزعم أنه رسول الله ، فقال ، أفصح حجير فمضت مثلا ، وكان ممن استشهد باليمامة أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس واسمه هشيم ويقال مهشم ، وسالم مولى أبى حذيفة ويكنى أبا عبد الله وهو مولى ثبيتة بنت يعار الأنصارية ، وبعض الرواة يقول نبيثة وهي امرأة ، وخالد بن أسيد ابن أبى العيص بن أمية ، وعبد الله وهو الحكم بن سعيد بن العاصي بن أمية ويقال. أنه قتل يوم موته ، وشجاع بن وهب الأسدى حليف بنى أمية ، يكنى أبا وهب ، والطفيل بن عمرو الدوسي من الأزد ، ويزيد بن رقيش الأسدى

٩٦

حليف بنى أمية ، ومخرمة بن شريح الحضرمي حليف بنى أمية ، والسائب بن العوام أخو الزبير بن العوام ، والوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومي ، والسائب بن عثمان بن مظعون الجمحي ، وزيد بن الخطاب بن نفيل أخو عمر ابن الخطاب يقال قتله أبو مريم الحنفي واسمه صبيح بن محرش ، وقال ابن الكلبي قتله لبيد بن برغث العجلى فقدم بعد ذلك على عمر رضى الله عنه فقال : أنت الجوالق «واللبيد» : هو الجوالق ، وكان زيد يكنى أبا عبد الرحمن وكان أسن من عمر.

وقال بعضهم اسم أبى مريم إياس بن صبيح وهو أول من قضى بالبصرة زمن عمر وتوفى بسنبيل من الأهواز وأبو قيس بن الحارث بن عدى بن سهم ، وعبد الله بن الحارث بن قيس ، وسليط بن عمرو أخو سهيل بن عمرو أحد بنى عامر بن لؤي ، وإياس بن البكير الكناني ، ومن الأنصار عباد بن الحارث بن عدى أحد بنى جحجبى من الأوس ، وعباد بن بشر بن وقش الأشهلى من الأوس وبكنى أبا الربيع ويقال أنه كان يكنى أبا بشر ، ومالك بن أوس بن عتيك الأشهلى ، وأبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة بن بيحان البلوى حليف بنى جحجبى كان اسمه عبد العزى فسماه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الرحمن عدو الأوثان وسراقة بن كعب بن عبد العزى النجاري من الخزرج ، وعمارة بن حزم بن زيد بن لوذان النجاري ، ويقال أنه مات زمن معاوية ، وحبيب بن عمرو بن محصن النجاري ، ومعن بن عدى بن الجد بن العجلان البلوى من قضاعة حليف الأنصار ، وثابت بن قيس بن شماس بن أبى زهير خطيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحد بنى الحارث بن الخزرج ويكنى أبا محمد وكان على الأنصار يومئذ وأبو حنة بن غزية بن عمرو احد بنى مازن بن النجار والعاصي بن ثعلبة الدروسى من الأزد حليف الأنصار ، وأبو دجانة سماك بن أوس بن خرشة بن لوذان الساعدي من

٩٧

الخزرج ، وأبو أسيد مالك بن ربيعة الساعدي ، ويقال أنه مات سنة ستين بالمدينة ، وعبد الله بن عبد الله بن أبى بن مالك وكان اسمه الحباب فسماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم باسم أبيه ، وكان أبوه منافقا : وهو الذي يقال له ابن أبى بن سلول ، وسلول أم أبى وهي خزاعية نسب إليها ، وأبوه مالك بن الحارث أحد بنى الخزرج ، ويقال أنه استشهد يوم جواثا من البحرين ، وعقبة بن عامر نابي من بنى سلمة من الخزرج ، والحارث بن كعب بن عمرو أحد بنى النجار.

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث حبيب بن زيد بن عاصم أحد بنى مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار ، وعبد الله بن وهب الأسلمى إلى مسيلمة فلم يعرض لعبد الله وقطع يدي حبيب ورجليه ، وأم حبيب نسيبة بنت كعب.

وقال الواقدي : إنما أقبل مع عمرو بن العاصي من عمان فكفتهما مسيلمة فنجا عمرو ومن معه غير هذين فأخذا وقاتلت نسيبة يوم اليمامة فانصرفت وبها جراحات وهي أم حبيب ، وعبد الله البنى زيد ، وقد قاتلت يوم أحد أيضا وهي إحدى المرأتين المبايعتين يوم العقبة ، واستشد يوم اليمامة عائذ بن ما عص الزرقي من الخزرج ، ويزيد بن ثابت الخزرجي أخو زيد بن ثابت صاحب الفرائض ، وقد اختلفوا فى عدة من استشهد باليمامة فأقل ما ذكروا من مبلغها سبعمائة ، وأكثر ذلك ألف وسبعمائة ، وقال بعضهم : إن عدتهم ألف ومائتان. وحدثنا القاسم بن سلام ، قال : حدثنا الحارث بن مرة الحنفي عن هشام بن إسماعيل. أن مجاعة اليمامي أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأقطعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكتب له كتابا.

بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب كتبه محمد رسول الله لمجاعة بن مرارة بن سلمى انى اقطعتك الغورة وغرابة والحبل فمن حاجك فإلى «الغورة»

٩٨

قرية الغرابات تلت قارات ، قال : ثم وفد بعد ما قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أبى بكر فأقطعه الخضرمة ، ثم قدم على عمر فأقطعه الرياء ، ثم قدم على عثمان فأقطعه قطيعة ، قال الحارث: لا أحفظ اسمها.

وحدثنا القاسم بن سلام ، قال : حدثنا أبو أيوب الدمشقي عن سعدان ابن يحيى عن صدقه بن أبى عمران عن أبى إسحاق الهمداني «عن عدى بن حاتم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقطع فرات بن حيان العجلى أرضا باليمامة» حدثني محمد بن ثمال اليمامي عن أشياخهم ، قال : سميت الحديقة حديقة الموت لكثرة من قتل بها ، قال : وقد بنى إسحاق بن أبى خميصة مولى قيس فيها أيام المأمون مسجدا جامعا ، وكانت الحديقة تسمى أباض ، وقال محمد بن ثمال : قصر الورد نسب إلى الورد بن السمين بن عبيد الحنفي ، وقال غيره سمى الحصن معتقا لحصانته يريدون أن من لجأ إليه عتق من عدوه ، وقال الريا عين منها شرب الصعفوقة وهي ضيعة نسبت إلى وكيل كان عليها يقال له صعفوق وشرب الخييبة والخضرمة منها.

خبر ردة العرب

في خلافة أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه

قالوا : لما استخلف أبو بكر رحمه‌الله ارتدت طوائف من العرب ومنعت الصدقة ، وقال قوم منهم : نقيم الصلاة ولا نؤدي الزكاة ، فقال أبو بكر رضى الله عنه : لو منعونى عقالا لقاتلتهم ، وبعض الرواة يقول : لو منعونى عناقا. «والعقال» صدقة السنة. وحدثني عبد الله بن صالح العجلى عن يحيى بن آدم عن عوانة ابن الحكم عن جرير بن يزيد عن الشعبي ، قال : قال عبد الله ابن مسعود : لقد قمنا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقاما كدنا نهلل

٩٩

فيه لو لا إن الله من علينا بأبى بكر اجتمع رأينا جميعا عن أن لا نقاتل على بنت مخاض وابن لبون وان نأكل قرى عربية ونعبد الله حتى يأتينا اليقين ، وعزم الله لأبى بكر رضى الله عنه على قتالهم فو الله ما رضى منهم إلا بالخطة المخزية أو الحرب المجلية : فأما الخطة المخزية فإن أقروا بأن من قتل منهم فى النار وإن ما أخذوا من أموالنا مردود علينا ، وأما الحرب المجلية فإن يخرجوا من ديارهم.

حدثنا ابراهيم بن محمد عن عرعرة ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مه قدم وفد بزاخة على أبى بكر فخيرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية ، فقالوا قد عرفنا الحرب المجلية فما السلم المخزية ، قال : أن ننزع منكم الحلقة والكراع ونغنم ما أصبنا منكم وتردوا إلينا ما أصبتم منا وتدوا قتلانا ويكون قتلاكم فى النار.

حدثنا شجاع بن مخلد الفلاس ، قال. حدثنا بشر بن المفضل مولى بنى رقاش قال. حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبى سلمة الماجشوش عن عبد الواحد عن القاسم بن محمد بن أبى بكر عن عمته عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها أنها قالت. توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزل بأبى ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها اشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العرب فو الله ما اختلفوا فى واحدة الإطار أبى بحظها وغنائها عن الإسلام ، قالوا. فخرج أبو بكر رضى الله عنه إلى القصة من أرض محارب لتوجيه الزحوف إلى أهل الردة ومعه المسلمون فصار إليهم خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ومنظور بن زبان ابن سيار الفزاري أحد بنى العشراء فى غطفان فقاتلوهم قتالا شديدا فانهزم المشركون واتبعهم طلحة بن عبيد الله التيمي فلحقهم بأسفل ثنايا عوسجة فقتل منهم رجلا وفاته الباقون فأعجزوه هربا فجعل خارجة بن حصن يقول : ويل

١٠٠