فتوح البلدان

أبوالحسن البلاذري

فتوح البلدان

المؤلف:

أبوالحسن البلاذري


المحقق: لجنة تحقيق التراث
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الكتاب والمؤلف

* هذا الكتاب :

كتاب فتوح البلدان ، لمؤلفه المؤرخ ، الرحالة ، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري (١) ويظهر أنه مختصر عن كتاب أطول منه ، سماه «كتاب البلدان الكبير» ولم يكمله.

ويتحدث هذا الكتاب عن أخبار الفتوح الإسلامية بلدا بلدا من أيام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. كما يضم فضلا عن الفتوح أبحاثا عمرانية وسياسية لم يتطرق إليها أي من كتب التاريخ : كأحكام الخراج ، والعطاء ، وأمر الخاتم ، والنقود ، وغيرها ...

ويعتبر هذا الكتاب من أجمع كتب الفتوح وأصحها ، وقد طبع عدة طبعات منها : طبعة ليدن عام ١٨٧٠ م بعناية المستشرق «دي غويه».

والطبعة العربية عام ١٩٠١ م طبع مصر.

* المؤلف :

هو المؤرخ ، النسابة ، الرحالة ، الرواية الثقة ، المحدث ، الأديب ،

__________________

(١) نسبة إلى بلاذر (بضم الذال) وهو نبات كان يتعاطاه المؤلف ثمره شبيه بنوى التمر. قيل يقوي الحفظ.

٥

الشاعر أبو الحسن (٢) أحمد بن يحيى بن جابر بن داود المعروف بالبلاذري.

مولده وتحصيله :

ولد البلاذري في أواخر القرن الثاني للهجرة ، نشأ في بغداد ، ووقف حياته على العلم والأدب والمعرفة ، وجاب البلدان وطوّف في أنحاء المعمورة باحثا ومنقبا ودارسا.

مشايخه :

نشأ البلاذري في بغداد ، وتقرب من المتوكل ، والمستعين ، والمعتز وكانت بغداد في هذا العصر منهلا دفقا من مناهل العلم والمعرفة ، يرتادها طلبة العلم من مختلف أنحاء العالم الإسلامي ، ويستقر في كنفها العلماء والشعراء والأدباء والفقهاء ، ينشرون المعرفة والفقه والأدب.

وقد تلقى البلاذري العلم على جمهرة من علماء هذا العصر ذكرهم ياقوت في المعجم نقلا عن ابن عساكر في تاريخ دمشق فقال :

«سمع بدمشق هشام بن عمار ، وأبا حفص بن عمر بن سعيد ، وبحمص محمد بن مصفى ، وبأنطاكية محمد بن عبد الرحمن بن سهم ، وأحمد بن برد الأنطاكي ، وبالعراق عفان بن مسلم ، وعبد الأعلى بن حماد ، وعلي بن المديني ، وعبد الله بن صالح العجلي ، ومصعبا الزبيري ، وأبا عبد القاسم بن سلام ، وعثمان بن أبي شيبة ، وأبا الحسن علي بن محمد المدائني ، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي. وجماعة ...».

كما درس على شيبان بن فروخ ، وأحمد بن إبراهيم الدورقي ، ومحمد بن الصباح الدولابي ، ومحمد بن حاتم السمين ، وعباس بن الوليد النرسي ، وعبد الواحد بن غياث ، وأبي الربيع الزهراني ، وإسحاق بن إسرائيل ، وعمرو الناقد ، والحسن بن علي بن الأسود العجلي ، وخلف البزار ، وغيرهم ...

__________________

(٢) وقيل أبو بكر.

٦

تلاميذه ورواته :

افتتح البلاذري ندوة علمية ارتادها طلاب العلم والمعرفة وتخرج منها علماء وفقهاء وأدباء منهم : عبد الله ابن الخليفة المعتز الشاعر والكاتب والمترجم (عن الفارسية) ، ومحمد بن إسحاق النديم مصنف كتاب الفهرست الذي جود فيه مما يدل على اطلاعه وتبحره في فنون من العلم ، وجعفر بن قدامة صاحب كتاب الخراج ، ويعقوب بن نعيم ، وعبد الله بن سعد الوراق ، ومحمد بن خلف ، ووكيع القاضي.

كما روى عنه يحيى بن النديم ، وأحمد بن عبد الله بن عمار ، وأبو يوسف ، يعقوب بن نعيم قرقارة الأزني.

رحلته :

بعد أن شبّ البلاذري عن الطوق ، وغرف بشغف من رحيق العلم ، وتضلع من معين العلم والعلماء في بغداد ، تاقت نفسه للقيام برحلة إلى الشرق لزيادة علمه ومعارفه وثقافته. فكانت رحلته الميمونة التي انطلق بها مغادرا بغداد بإيمان عميق فاتجه إلى حلب ، ودمشق ، وحمص ، والعراق ، ومنبج ، وأنطاكيه والثغور. وزار جميع المدن الواقعة شمال الشام ، ثم تحوّل منها إلى بلاد ما بين النهرين وساح تكريب ، فكان يجمع خلال رحلته هذه الروايات التي حفظها الخلف عن السلف ويقارنها بما حفظه عن علماء بغداد.

وتعتبر رحلة البلاذري الإنجاز الكبير في حياته الأدبية والعلمية الحافلة وهي من أسباب نبوغه في العلم.

كتبه ومصنفاته :

اهتم البلاذري اهتماما كبيرا بالكتابة والتصنيف وانصرف بعقل نابغ وجهد مجد بلا كلل ولا خمول ، وورد من مناهل العلوم فسطر ببراعة ما خلد ذكره ووضعه في مصاف الخالدين برغمه خاتمة المؤرخين. وقد وضع عدة مؤلفات منها :

٧

١ ـ فتوح البلدان الكبير أو «كتاب البلدان الكبير» وهو لم يتم.

٢ ـ فتوح البلدان أو «كتاب البلدان الصغير» وهو كتابنا هذا الذي قال فيه المستشرق «دي غويه» : «اشتغل البلاذري منذ نعومة أظفاره بتأليف كتاب جامع لتاريخ الدول الإسلامية ، أتى فيه على الحقائق التاريخية دون أن يغضب خليفة وقته ...».

٣ ـ أنساب الأشراف. ويسمى أيضا الأخبار والأنساب وهو كتاب مطول في عشرين مجلدا لم يتمه وكان ضائعا. وقد عثر المستشرق الألماني «أهلوارد» في. مكتبة «شيفر» على الجزء الحادي عشر من كتاب في التاريخ ليس عليه اسم ، فرجح أنه أحد أجزاء كتاب أنساب الأشراف فطبعه في «غريز ولد» عام ١٨٨٣ م. ويقع في أربعمائة وخمسين صفحة ، وفيه كثير من أخبار بني أمية وأخبار الخوارج.

٤ ـ عهد أردشير : الذي ترجمه عن اللغة الفارسية دون الاكتفاء بالترجمة بل صاغه شعرا رقيقا.

٥ ـ كتاب الأخبار.

٦ ـ قال بعض المؤرخين أن البلاذري قد جمع قبيل وفاته مواد كثيرة ومفيدة بقصد وضع كتاب جامع يقع في أربعين مجلدا.

مكانة البلاذري العلمية :

الرحلة التي قام بها البلاذري حيث تجول في الأقطار والأمصار جعلته بعد عودته إلى بغداد مزودا بالعلوم والمعارف ، يفضل الاستقرار والاعتكاف في خلوته ليلقي دروسه ومحاضراته على الطلاب ، الذين كانوا يرتادون مجلسه ليرتشفوا من علمه وأدبه ، ورغم انشغاله بالتدريس فقد خصص الكثير من وقته للتأليف والتصنيف ، حتى جاءت مؤلفاته آية في الدقة والروعة والسلاسة ، مما جعله محط أنظار الأمراء والعلماء والحكام.

ومما قاله عنه صاحب كتاب «إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب» : «كان أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري عالما فاضلا ، شاعرا ، راوية ،

٨

نسابة متقنا». وقال ابن النديم في تاريخ حلب : «كاتب ، شاعر مجيد ، راوية الأخبار والآداب». وقال عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر : «كاتب ، شاعر ، راوية ، أحد البلغاء».

ووصفه المستشرق «دي غويه» فقال : «وكما أن البلاذري قد عرف له قدره معاصروه ومواطنوه ، فنحن كذلك لا يسعنا إلا الإقرار له بالجميل ، إذ يؤخذ من كثير من رواياته في مؤلفه أنه لم يقصر قط في جعل هذه الروايات مكانا للثقة ، جديرة بالتصديق ، فإنه لم يكتف بسماعه إياها من أوثق علماء بغداد ، بل كان يتكبد الأسفار ، ويجوب البحار ، بحثا عن الحقيقة التي هي ضالته المنشودة».

ووصفه أحد المستشرقين الألمان فقال : «إن البلاذري من المؤرخين الذين يمتازون بسلامة الذوق في انتقاء ما يستحق الرواية من بين ما يجمعونه من المواد».

ومما يلفت النظر في كتاب البلاذري الحقائق التاريخية الهامة الدقيقة التي أوردها ، والتي يتعذر العثور عليها في كتاب آخر ، خاصة ما يتعلق منها بوصف المدن القديمة التي اندثرت ، ولم يبق من معالمها إلا الأطلال البالية ، ورغم ذلك فقد اتصل بمن عاصر تلك المدن أثناء مجدها وحضارتها وأخذ عنهم كل ما يعرفونه عن تلك الأطلال.

أما معلوماته الدقيقة التي أوردها عن تاريخ الأقاليم والأمصار والدساكر التي فتحها العرب فقد جاءت موجزة مفيدة صادقة ، باعتبار كتابه موجزا عن الكتاب الكبير الذي كان ينوي تأليفه قبل أن يتوفاه الله.

وهنا لا بد لنا من الاشارة إلى أن البلاذري رغم أنه نشأ في كنف خلفاء الدولة العباسية ، واستفاد من خيراتهم ، واختص به بعض الخلفاء ، كالمتوكل ، والمستعين ، اللذين كانت لهما عليه الأيادي البيضاء لما يقدماه له من مساعدات مادية ، ومعنوية ، فقد حرص في مؤلفه على إيراد الحقائق المجردة دون أن يعمد كغيره من المؤرخين إلى النفاق والمدح ،

٩

وأخبرنى داود بن حبال الأسدى عن أشياخ من قومه : أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لطليحة : أنت الكذاب على الله حين زعمت أنه أنزل عليك إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم شيئا فاذكروا الله أعفة قياما فإن الرغوة فوق الصريح ، فقال يا أمير المؤمنين : ذلك من فتن الكفر الذي هدمه الإسلام كله ، فلا تعنيف على ببعضه فأسكت عمر ، قالوا : وأتى خالد بن الوليد رمان وأبانين وهناك فل بزاخة فلم يقاتلوه وبايعوه لأبى بكر ، وبعث خالد بن الوليد هشام بن العاصي بن وائل السهمي وأخا عمرو بن العاصي ، وكان قديم الإسلام وهو من مهاجرة الحبشة إلى بنى عامر بن صعصعة فلم يقاتلوه وأظهروا الإسلام والأذان فانصرف عنهم ، وكان قرة بن هبيرة القشيري امتنع من أداء الصدقة وأمد طليحة فأخذه هشام بن العاصي وأتى به خالدا فحمله إلى أبى بكر ، فقال : والله ما كفرت مذ آمنت ولقد مر بى عمرو بن العاصي منصرفا من عمان فأكرمته وبررته فسأل أبو بكر عمرا رضى الله عنهما عن ذلك فصدقه فحقن أبو بكر دمه ، ويقال : أن خالدا كان سار إلى بلاد بنى عامر فأخذ قرة وبعث به إلى أبى بكر.

قال : ثم سار خالد بن الوليد إلى الغمر وهناك جماعة من بنى أسد وغطفان وغيرهم وعليهم خارجة بن حصن بن حذيفة ، ويقال انهم كانوا متسايدين قد جعل كل قوم عليهم رئيسا منهم قالوا خالدا والمسلمين فقتلوا منهم جماعة وانهزم الباقون ، وفى يوم الغمر يقول الحطيئة العبسي :

ألا كل أرماح قصار أذلة* فداء لارماح الفوارس بالغمر ثم أتى خالد جو قراقر ، ويقال أتى النقرة وكان هناك جمع لبنى سليم عليهم أبو شجرة عمرو بن عبد العزى السلمى وأمه الخنساء فقاتلوه فاستشهد رجل من المسلمين ثم فض الله جمع المشركين ، وجعل خالد يومئذ يحرق

١٠

تتعرض لأحد ليبقى بها وجهك عليك ، ولك عليّ ألا تحتاج ما عشت إلى شيء من أمر دنياك ، كبير ولا صغير ، على حسب حكمك وشهوتك.

قال : ثم أجرى لي الجرايات والأرزاق السنية ، وتابع جوائزه فما احتجت منذ ذلك وإلى الآن إلى غير جوائزه والسبعة آلاف ، فأنا أنفق من جميع ذلك ولا أخلق نفسي بالتعرض ، وأترحم عليه.

أدب البلاذري وشعره :

كان البلاذري في طليعة العلماء والأدباء ، ينظم الشعر الحسن ، ويصوغ البيان الدقيق ، يتصف بالشجاعة والزهد والصفاء ، وصفه التاريخ بالأديب الزاهد المنقطع النظير ، قال عنه الشافعي في تاريخ دمشق : قال أحمد بن جابر البلاذري قال لي محمود الوراق : قل من الشعر ما يبقى ذلك ذكره ، ويزول عنك إثمه ، فقلت :

استعدي يا نفسي للموت واسعي

لنجاة فالحازم المستعد

قد تثبت أنه ليس للحي خلود

ولا من الموت بد

إنما أنت مستعيره ما سو

ف تردين ، والعواري ترد

أنت تسهين والحوادث لا تسهو

وتلهين ، والمنايا تجد

لا ترجى البقاء في معدن المو

ت ، ودار حقوقها لك ورد

أي ملك في الأرض أم أي حظ

لامرئ حظه من الأرض لحد

كيف تهوى امرؤ لداره رأيا

ما عليه الأنفاس فيها تعد

ومن شعره :

لما رأيتك زاهيا

ورأيتني أجفى ببابك

عديت رأس مصليتي

وحجبت نفسي عن حجابك

انتقاله إلى دار البقاء :

ظل البلاذري في عطاء مستمر ، وإنتاج ضخم ، حتى توفاه الله سنة

١١

٢٧٩ هجرية ، مخلفا العديد من المؤلفات التاريخية القيمة التي احتلت فيما بعد مكانا مرموقا في كافة الأوساط العلمية والأدبية ، فخلدته شامخا إلى أبد الآبدين.

لجنة تحقيق التراث

في دار ومكتبة الهلال

١٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

هجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة إلى المدينة المنورة

ـ قال أحمد بن يحيى بن جابر : أخبرني جماعة من أهل العلم بالحديث والسيرة وفتوح البلدان ـ سقت حديثهم واختصرته ورددت من بعضه على بعض ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما هاجر إلى المدينة من مكة نزل على كلثوم ابن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن عبيد بن أمية ابن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس بقباء ، وكان يتحدث عنده سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك أحد بنى السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس حتى ظن قوم إنه نزل عنده.

وكان المتقدمون فى الهجرة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومن نزلوا عليه من الأنصار بنوا بقباء مسجدا يصلون فيه ، والصلاة يومئذ إلى بيت المقدس ، فلما ورد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قباء صلى بهم فيه ، فأهل قباء يقولون إنه المسجد الذي يقول الله تعالى فيه (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ)(١) ، وروى أن المسجد الذي أسس على التقوى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. حدثنا عفان بن مسلم الصفار ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، قال أخبرنى هشام بن عروة عن عروة أنه قال فى هذه الآية (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ)(٢) قال كان سعد بن خيثمة بنى مسجد قباء ، وكان موضعه للبة تربط فيه حمارها ، فقال أهل الشقاق أنحن نسجد فى موضع كان يربط فيه حمار لبة لا ولكنا نتخذ مسجدا نصلى فيه حتى يجيئنا أبو عامر

__________________

(١) سورة التوبة : الآية ١٠٨.

(٢) سورة التوبة : الآية ١٠٧.

١٣

فيصلى بنا فيه ، وكان أبو عامر قد فر من الله ورسوله إلى أهل مكة ثم لحق بالشام فتنصر فأنزل الله تعالى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ)(١) يعنى أبا عامر. وحدثنا روح بن عبد المؤمن المقري ، قال حدثني بهز بن أسد ، قال حدثنا حماد بن زيد ، قال أخبرنا أيوب عن سعيد بن جبير ، أن بنى عمرو بن عوف ابتنوا مسجدا فصلى بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه ، فحسدهم أخوتهم بنو غنم بن عوف ، فقالوا لو بنينا أيضا مسجدا وبعثنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلى فيه كما صلى فى مسجد أصحابنا ، ولعل أبا عامر أن يمر بنا إذا أتى من الشام فيصلى بنا فيه ، فبنوا مسجدا وبعثوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسألونه أن يأتيه فيصلى فيه فلما قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لينطلق إليهم أتاه الوحى فنزل عليه فيهم (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ) قال هو أبو عامر (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ)(٢) قال هذا مسجد قباء. وحدثنا محمد بن حاتم بن ميمون قال حدثنا يزيد بن هارون ، عن هشام عن الحسن ، قال : لما نزلت هذه الآية (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) أرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أهل مسجد قباء ، فقال : ما هذا الطهور الذي ذكرتم به ، قالوا يا رسول الله انا نغسل أثر الغائط والبول. وحدثنا محمد بن حاتم ، قال : حدثنا وكيع عن ابن أبى الليل عن عامر ، قال كان ناس من أهل قباء يستنجون بالماء ، فنزلت فيهم (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) الآية. حدثني عمرو بن محمد الناقد وأحمد بن هشام بن بهرام ، قالا حدثنا وكيع بن الجراح ، قال أخبرنا ربيعة بن عثمان عن عمران بن

__________________

(١) سورة التوبة : الآية ١٠٧.

(٢) سورة التوبة : الآية ١٠٨.

١٤

أبى أنس عن سهل بن سعد ، قال : اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المسجد الذي أسس على التقوى ، فقال أحدهما هو مسجد الرسول ، وقال الآخر هو مسجد قباء ، فأتيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسألاه فقال هو مسجدى هذا. حدثنا عمرو بن محمد ومحمد بن حاتم بن ميمون ، قالا حدثنا وكيع عن ربيعة بن عثمان التيمي عن عثمان بن عبيد الله بن أبى رافع عن ابن عمر قال المسجد الذي أسس على التقوى مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. حدثنا محمد بن حاتم ، قال حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال : حدثنا عبد الله بن عامر الأسلمى ، عن عمران بن أبى أنس عن سهل بن سعد عن أبى بن كعب ، قال : سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى ، فقال هو مسجدى هذا. قال حدثني هدبة بن خالد. قال حدثنا أبو هلال الراسبي ، قال أخبرنا قتادة عن سعيد بن المسيب فى قوله (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى)(١) قال هو مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأعظم. حدثنا على بن عبد الله المديني ، قال حدثنا سفيان بن عيينة عن أبى الزناد عن خارجة ابن زيد بن ثابت ، قال المسجد الذي أسس على التقوى مسجد الرسول عليه‌السلام. حدثنا عفان ، قال : حدثنا وهيب ، قال حدثنا داود بن أبى هند عن سعيد بن المسيب ، قال المسجد الذي أسس على التقوى مسجد المدينة الأعظم حدثنا محمد بن حاتم ابن ميمون السمين قال حدثنا وكيع ، حدثنا أسامة بن زيد عن عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدري عن أبيه ، قال : هو مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعنى الذي أسس على التقوى قالوا وقد وسع مسجد قباء بعد وزيد فيه وكان عبد الله بن عمر إذا دخله صلى إلى الاسطوانة المخلقة وكان ذلك مصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا وأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقباء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وركب منها يوم الجمعة يريد المدينة فجمع فى مسجد كان بنو سالم بن عوف

__________________

(١) سورة التوبة : الآية ١٠٧.

١٥

ابن عمرو بن عوف بن الخزرج بنوه ، وكانت تلك أول جمعة جمع فيها ثم مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمنازل الأنصار منزلا منزلا وكلهم يسأله النزول عليه حتى إذا انتهى إلى موضع مسجده بالمدينة بركت ناقته فنزل عنها وجاء أبو أيوب ، خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد ابن عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج فأخذ رحله فنزل صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند أبى أيوب وأراده قوم من الخزرج على النزول عندهم فقال : المرء مع رحله فكان مقامه فى منزل أبى أيوب سبعة أشهر ونزل عليه تمام الصلاة بعد مقدمه بشهر ووهبت الأنصار لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كل فضل كان فى خططها وقالوا يا نبى الله إن شئت فخذ منازلنا فقال لهم خيرا ، قالوا : وكان أبو أمامة أسعد بن زرارة ابن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار نقيب النقباء يجمع يمن يليه من المسلمين فى مسجد له فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلى فيه ثم أنه سأل أسعد أن يبيعه أرضا متصلة بذلك المسجد كانت فى يده ليتيمين فى حجره يقال لهما سهل وسهيل ، ابنا رافع ابن أبى عمرو بن عابدين ثعلبة بن غنم ، فعرض عليه أن يأخذها ويغرم عنه اليتيمين ثمنها ، فأبى رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك ، وابتاعها منه بعشرة دنانير أداها من مال أبى بكر الصديق رضى الله عنه ، ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر باتخاذ اللبن ، فاتخذ وبنى به المسجد ورفع أساسه بالحجارة وسقف بالجريد وجعلت عمده جذوعا ، فلما استخلف أبو بكر رضى الله عنه لم يحدث فيه شيئا ، واستخلف عمر رضى الله عنه فوسعه وكلم العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه فى بيع داره ليزيدها فيه فوهبها العباس لله والمسلمين فزادها عمر رضى الله عنه فى المسجد ، ثم أن عثمان بن عفان رضى الله عنه بناه

١٦

فى خلافته بالحجارة والقصة وجعل عمده حجارة وسقفه بالساج وزاد فيه ونقل اليه الحصباء من العقيق ، وكان أول من اتخذ فيه المقصورة مروان بن الحكم ابن العاص بن أمية ، بناها بحجارة منقوشة ثم لم يحدث فيه شيء إلى أن ولى الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد أبيه فكتب إلى عمر بن عبد العزيز وهو عامله على المدينة يأمره بهدم المسجد وبنائه ، وبعث إليه بمال وفسيفساء ورخام وثمانين صانعا من الروم والقبط من أهل الشام ومصر فبناه وزاد فيه وولى القيام بأمره والنفقة عليه صالح بن كيسان مولى سعدى مولاة آل معيقيب ابن أبى فاطمة الدوسي وذلك فى سنة سبع وثمانين ، ويقال فى سنة ثمان وثمانين ثم لم يحدث فيه أحد من الخلفاء شيئا حتى استخلف المهدى أمير المؤمنين صلاة الله عليه ، قال الواقدي بعث المهدى عبد الملك بن شبيب الغساني ورجلا من ولد عمر بن عبد العزيز إلى المدينة لبناء مسجدها والزيادة فيه وعليها يومئذ جعفر بن سليمان بن على ، فمكثا فى عمله سنة وزادا فى مؤخره مائة ذراع فصار طوله ثلاثمائة ذراع وعرضه مائتي ذراع ، وقال على بن محمد المدائني ولى المهدى أمير المؤمنين جعفر بن سليمان مكة والمدينة واليمامة فزاد فى مسجد مكة ومسجد المدينة ، فتم بناء مسجد المدينة فى سنة اثنين وستين ومائة ، وكان المهدى أتى المدينة فى سنة ستين قبل الحج فأمر بقلع المقصورة وتسويتها مع المسجد ، ولما كانت سنة سبع وأربعين ومائتين أمر أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله رحمه‌الله بمرمة مسجد المدينة ، فحمل اليه فسيفساء كثير وفرغ منه فى سنة سبع وأربعين ومائتين. حدثني عمر بن حماد بن أبى حنيفة قال حدثنا مالك بن أنس ، قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ما يفتح من مصر أو مدينة عنوة فان المدينة فتحت بالقرآن». حدثنا شيبان بن أبى شيبة الابلى قالت : حدثنا أبو الأشهب قال أخبرنا الحسن أن

١٧

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «أن لكل نبى حرما ، وأنى حرمت المدينة كما حرم إبراهيم عليه‌السلام مكة ما بين حرتيها لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا يحمل فيها السلاح لقتال ، فمن أحدث حدثا ، أو آوى محدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل» وحدثني روح بن عبد المؤمن البصري المقري ، قال حدثنا أبو عوانة «عن عمر بن أبى سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبيه عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «اللهم ان إبراهيم عبدك ورسولك ، وأنا عبدك ورسولك ، وإنى قد حرمت ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم مكة ، فكان أبو هريرة يقول : والذي نفسي بيده لو أجد الظباء ببطحان ما عانيتها» وحدثنا سيبان بن أبى شيبة قال : حدثنا القاسم بن الفضل الحدانى عن محمد بن زياد عن جده ، وكان مولى عثمان بن مظعون ، وكانت فى يده أرض لآل مظعون بالحرة ، قال. كان عمر بن الخطاب ربما أتانى نصف النهار واضعا ثوبه على رأسه فيجلس إلى ويتحدث عندي فأجيئه من القثاء والبقل ، فقال لى يوما لا تبرح فقد استعملتك على ما ههنا ولا تدعن أحدا يخبط شجرة ولا يعضدها يعنى من شجر المدينة ، فان وجدت أحدا يفعل ذلك فخذ حبله وفأسه ، قال قلت آخذ ثوبه قال لا.

وحدثني أبو مسعود بن القتات ، قال حدثنا ابن أبى يحيى المدني عن جعفر بن محمد عن أبيه ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حرم من الشجر ما بين أحد إلى عير «وأذن لصاحب الناضح فى الغضا وما يصلح به محارثه وعربه.

وحدثني بكر بن الهيثم ، قال حدثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث بن سعد عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم عن أبيه ، قال سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول لرجل استعمله عن حمى الربذة نسى بكر اسمه اضمم جناحك عن كل مسلم ، واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة ، وأدخل رب الصريمة والغنيمة ، ودعني من نعم ابن عفان وابن عوف فإنهما أن تهلك ماشيتهما

١٨

ترجعا إلى زرع ، وإن هذا البائس ان تهلك ماشيته يجيء فيصرخ يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين ، فالكلاء أهون على المسلمين من غرم المال ذهبه وورقه ، والله انها لأرضهم قاتلوا عليها فى الجاهلية وأسلموا عليها فى الإسلام وانهم ليرون أنى أظلمهم ، ولولاء النعم التي تحمل عليها فى سبيل الله ما حميت عن الناس من بلادهم شيئا أبدا.

حدثنا القاسم بن سلام أبو عبيد ، قال حدثني ابن أبى مريم ، على العمرى ، عن نافع عن ابن عمر ، قال حمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم النقيع لخيل المسلمين ، قال لى أبو عبيد بالنون وقال النقيع فيه قاع زرق وهو الخندقون. وحدثني مصعب بن عبد الله الزبيري عن أبيه ، عن ابن الدراوردي عن محمد بن ابراهيم التيمي عن أبيه عن سعد بن أبى وقاص ، أنه وجد غلاما يقطع الحمى فضربه وسلبه فأسه ، فدخلت مولاته أو امرأة من أهله على عمر رضى الله عنه فشكت إليه سعدا ، فقال عمر رد الفأس والثياب ، أبا إسحاق رحاك ، فأبى وقال لا أعطى غنيمة غنمنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سمعته يقول : من وجدتموه يقطع الحمى فاضربوه وأسلبوه ، فاتخذ من الفأس مسحاة فلم يزل يعمل بها فى أرضه حتى توفى.

وحدثنا أبو الحسن المطائنى ، عن ابن جعدبة وأبى معشر ، قال لما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بظريب التعاويل مقدمه من غزوة ذى قرد قالت له بنو حارثة من الأنصار : يا رسول الله ، ههنا مسارح ابلنا ، ومرعى غنمنا ، ومخرج نسائنا ، يعنون موضع الغابة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قطع شجرة فليغرس مكانها ودية ، فغرست الغابة. وحدثني عبد الأعلى بن حماد النرسي ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، قال أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن أبى مالك بن ثعلبة ، عن أبيه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى فى وادي مهزور أن يحبس الماء فى الأرض الى الكعبين ، فإذا بلغ الكعبين أرسل الى الأخرى ، لا يمنع الأعلى الأسفل. وحدثنا إسحاق بن

١٩

أبى إسرائيل ، قال حدثنا عبد الرحمن بن أبى الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى فى سبيل مهزور أن الأعلى يمسك على من أسفل منه حتى يبلغ الكعبين ، ثم يرسله على من أسفل منه ، وحدثني عمر بن حماد بن أبى حنيفة. قال حدثنا مالك بن أنس ، عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصارى عن أبيه ، قال قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى سيل مهزور ومذينيب أن يحبس الماء حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلى على الأسفل ، قال مالك وقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى سيل بطحان بمثل ذلك. وحدثني الحسين بن الأسود العجلى ، قال حدثنا يحيى بن آدم ، قال حدثنا يزيد بن عبد العزيز ، عن محمد بن إسحاق قال حدثنا أبو مالك بن ثعلبة بن أبى مالك عن أبيه ، قال اختصم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مهزور وادي بنى قريظة فقضى أن الماء إلى الكعبين لا يحبسه الأعلى على الأسفل ، وحدثني الحسين ، قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا حفص ابن غياث ، عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى سيل مهزور أن لأهل النخل إلى العقبين ، ولأهل الزرع إلى الشراكين. ثم يرسلون الماء إلى من هو أسفل منهم. وحدثني حفص بن عمر الدوري قال حدثنا عباد بن عباد ، قال : حدثنا هشام بن عروة عن عروة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بطحان على ترع من ترع الجنة.

وحدثني على بن محمد المدائني أبو الحسن عن ابن جعدبة وغيره ، قالوا أشرفت المدينة على الغرق فى خلافة عثمان من سيل مهزور حتى اتخذ له عثمان ردما قال أبو الحسن وجاء أيضا بماء مخوف عظيم فى سنة ست وخمسين ومائة فبعث إليه عبد الصمد بن على بن عبد الله بن العباس ، وهو الأمير يومئذ ، عبيد الله بن أبى سلمة العمرى ، فخرج وخرج الناس بعد صلاة العصر ، وقد ملأ السيل صدقات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدلتهم عجوز من أهل العالية على موضع كانت

٢٠