فتوح البلدان

أبوالحسن البلاذري

فتوح البلدان

المؤلف:

أبوالحسن البلاذري


المحقق: لجنة تحقيق التراث
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

بعضهم من العجم الأرضين وألجئت إليهم القرى للخفارة فصار أهلها مزارعين لهم ، وقال الحسين كانت ورثان قنطرة كقنطرتى وحش وأرشق التين اتخذتا حديثا أيام بابك فبناها مروان بن محمد بن مروان بن الحكم وأحيى أرضها وحصنها فصارت ضيعة له ثم قبضت مع ما قبض من ضياع بنى أمية لأم جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور أمير المؤمنين ، وهدم وكلاؤها سورها ثم رم وجدد قريبا ، وكان الورثاني من مواليها ، قال : وكانت برزند قرية فعسكر فيها الأفشين حيدر بن كاوس عامل أمير المؤمنين المعتصم بالله على أذربيجان وأرمينية والجبل أيام محاربته الكافر بابك الخرمى وحصنها.

قالوا : وكانت المراغة تدعى اقراهروذ فعسكر مروان بن محمد وهو والى أرمينية وأذربيجان منصرفة من غزوة موقان وجيلان بالقرب منها ، وكان فيها سرجين كثير فكانت دوابه ودواب أصحابه تمرغ فيها فجعلوا يقولون : ايتوا قرية المراغة ، ثم حذف الناس قرية وقالوا : المراغة ، وكان أهلها ألجئوها إلى مروان فابتناها وتالف وكلاؤه الناس فكثروا فيها للتعزز وعمروها ، ثم إنها قبضت مع ما قبض من ضياع بنى أمية وصارت لبعض بنات الرشيد أمير المؤمنين ، فلما عاث الوجناء الأزدى وصدقة بن على مولى الأزد فأفسدا وولى خزيمة بن خازم بن خزيمة أرمينية وأذربيجان فى خلافة الرشيد بنى سورها وحصنها ومصرها وأنزلها جندا كثيفا ، ثم لما ظهر بابك الخرمى بالبذ لجأ الناس إليها فنزلوها وتحصنوا فيها ورم سورها فى أيام المأمون عدة من عماله منهم أحمد بن الجنيد بن فرزندى ، وعلى بن هشام ، ثم نزل الناس ربضها وحصنها ، وأما مرند فكانت قرية صغيرة فنزلها حلبس أبو البعيث ثم ابنه محمد بن البعيث وبنى بها محمد قصورا ، وكان قد خالف فى خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله فحاربه بغا الصغير مولى أمير المؤمنين حتى ظفر به وحمله إلى سر من رأى وهدم حائط مرند وذلك القصر والبعيث

٣٢١

من ولد عتيب بن عمر بن وهب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة ، ويقال إنه عتيب بن عوف بن سنان والعتبيون يقول ذلك والله أعلم.

وأما أرمية فمدينة قديمة يزعم المجوس أن زردشت صاحبهم كان منها وكان صدقة بن على بن صدقة بن دينار مولى الأزد حارب أهلها حتى دخلها وغلب عليها وبنى وأخوته بها قصورا ، وأما تبريز فنزلها الرواد الأزدى ثم الوجناء بن الرواد وبنى بها وأخوته بناء وحصنها بسور فنزلها الناس معه ، وأما الميانج وخلباثا فمنازل الهمدانيين ، وقد مدن عبد الله بن جعفر الهمداني محلته بالميانج وصبر السلطان بها منبرا ، وأما كورة برزة فللأود وقصبتها لرجل منهم جمع الناس إليها وبنى بها حصنا وقد اتخذ بها فى سنة تسع وثلاثين ومائتين منبر على كره من الأودى ، وأما نريز فكانت قرية لها قصر قديم متشعث فنزلها مر بن عمرو الموصلي الطائي فبنى بها وأسكنها ولده ، ثم أنهم بنوا بها قصورا ومدنوها وبنوا سوق جابروان وكبروه وأفرده السلطان لهم فصاروا يتولونه دون عامل أذربيجان فأما سراة فإن فيها من كندة جماعة أخبرنى بعضهم أنه من ولد من كان مع الأشعث بن قيس الكندي.

* * *

٣٢٢

فتح الموصل

قالوا : ولى عمر بن الخطاب عتبة بن فرقد السلمى الموصل سنة عشرين فقاتله أهل نينوى فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوة وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الآخر على الجزية والإذن لمن أراد الجلاء فى الجلاء ، ووجد بالموصل ديارات فصالحه أهلها على الجزية ثم فتح المرج وقراه وأرض باهذرى وباعذرى وحبتون والحيانة والمعلة وداسير وجميع معاقل الأكراد وأتى بانعاثا من حزة ففتحها وأتى تل الشهارجة والسلق الذي يعرف ببني الحرين صالح بن عبادة الهمداني صاحب رابطة الموصل ففتح ذلك كله وغلب عليه.

وأخبرنى معافى بن طاوس عن مشايخ من أهل الموصل قال كانت أرمية من فتوح الموصل فتحها عتبة بن فرقد وكان خراجها حينا إلى الموصل وكذلك الحور وخوى وسلماس ، قال معافى : وسمعت أيضا أن عتبة فتحها حين ولى أذربيجان والله أعلم.

وحدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده قال : أول من اختط الموصل وأسكنها العرب ومصرها هرثمة بن عرفجة البارقي.

حدثني أبو موسى الهروي عن أبى الفضل الأنصارى عن أبى المحارب الضبي أن عمر بن الخطاب عزل عتبة عن الموصل وولاها هرثمة بن عرفجة البارقي وكان بها الحصن وبيع النصارى ومنازل لهم قليلة عند تلك البيع ومحلة اليهود فمصرها هرثمة فأنزل العرب منازلهم واختط لهم ثم بنى المسجد الجامع.

وحدثني المعافى بن طاوس ، قال : الذي فرش الموصل بالحجارة ابن تليد

٣٢٣

صاحب شرطة محمد بن مروان بن الحكم ، وكان محمد والى الموصل والجزيرة وأرمينية وأذربيجان. قال الواقدي : ولى عبد الملك بن مروان ابنه سعيد ابن عبد الملك بن مروان صاحب نهر سعيد الموصل وولى محمدا أخاه الجزيرة أرمينية فبنى سعيد سور الموصل وهو الذي هدمه الرشيد حين مر بها ، وقد كانوا خالفوا قبل ذلك وفرشها سعيد بالحجارة

وحدثت عن بعض أهل بابغيش أن المسلمين كانوا طلبوا غرة أهل ناحية منها مما يلي دامير يقال لها زران فأتوهم فى يوم عيد لهم وليس معهم سلاح فحالوا بينهم وبين قلعتهم وفتحوها ، قالوا ولما اختط هرثمة الموصل وأسكنها العرب أتى الحديثة وكانت قرية قديمة فيها بيعتان وأبيات النصارى فمصرها وأسكنها قوما من العرب فسميت الحديثة لأنها بعد الموصل ، وبنى نحوه حصنا ويقال أن هرثمة نزل الحديثة أولا فمصرها واختطها قبل الموصل وأنها إنما سميت الحديثة حين تحول إليها من تحول من أهل الأنبار لما وليهم ابن الرفيل أيام الحجاج ابن يوسف فعسفها ، وكان فيهم قوم من أهل حديثة الأنبار فبنوا بها مسجدا وسموا المدينة الحديثة.

قالوا : وافتتح عتبة بن فرقد الطيرهان وتكريت ، وآمن أهل حصن تكريت على أنفسهم وأموالهم ، وسار فى كورة باجرمى ، ثم صار إلى شهرزور وحدثني شيخ من أهل تكريت أنه كان معهم كتاب أمان وشرط لهم فخرقه الجرشى حين أخرب قرى الموصل نرساباذ وهاعلة وذواتها ، وزعم الهيثم بن عدى أن عياض بن غنم لما فتح بلدا أتى الموصل ففتح أحد الحصنين والله تعالى أعلم.

* * *

٣٢٤

فتح شهرزور والصامغان ودراباذ

حدثني إسحاق بن سليمان الشهرزوري ، قال : حدثنا أبى عن محمد بن مروان عن الكلبي عن بعض آل عزرة البجلي أن عزرة بن قيس حاول فتح شهرزور وهو وال على حلوان فى خلافة عمر فلم يقدر عليها فغزاها عتبة بن فرقد ففتحها بعد قتال على مثل صلح حلوان ، وكانت العقارب تصيب الرجل من المسلمين فيموت.

وحدثني إسحاق عن أبيه عن مشايخهم ، قال : صالح أهل الصامغان ودراباذ عتبة على الجزية والخراج على أن لا يقتلوا ولا يسبوا ولا يمنعوا طريقا يسلكونه.

حدثني أبو رجاء الحلواني عن أبيه عن مشايخ شهرزور ، قالوا : شهرزور والصامغان ودراباذ من فتوح عتبة بن فرقد السلمى فتحها وقاتل الأكراد فقتل منهم خلقا ، وكتب إلى عمر : أنى قد بلغت بفتوحى أذربيجان فولاه إياه وولى هرثمة بن عرفجة الموصل.

قالوا : ولم تزل شهرزور. وأعمالها مضمومة إلى الموصل حتى فرقت فى آخر خلافة الرشيد فولى شهرزور والصامغان ودراباذ رجل مفرد وكان رزق عامل كل كورة من كور الموصل مائتي درهم فخط لهذه الكور ستمائة درهم.

* * *

٣٢٥

فتح جرجان وطبرستان ونواحيها

قالوا : ولى عثمان بن عفان رحمه‌الله سعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي ابن أمية الكوفة فى سنة تسع وعشرين فكتب مرزبان طوس إليه والى عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وهو على البصرة يدعوهما إلى خراسان على أن يملكه عليها أيهما غلب وظفر فخرج ابن عامر يريدها وخرج سعيد فسبقه ابن عامر فغزا سعيد طبرستان ، ومعه فى غزاته فيما يقال الحسن والحسين ابنا على بن أبى طالب عليهم‌السلام ، وقيل أيضا أن سعيدا غزا طبرستان بغير كتان أتاه من أحد وقصد إليها من الكوفة والله أعلم. ففتح سعيد طميسة ونامنة ، وهي قرية وصالح ملك جرجان على مائتي ألف درهم ، ويقال على ثلاثمائة ألف بغلية وافته ، فكان يؤديها إلى غزاة المسلمين وافتتح سعيد سهل طبرستان والرويان ودنباوند وأعطاه أهل الجبال مالا ، وكان المسلمون يغزون طبرستان ونواحيها فربما أعطوا الأتاوة عفوا وربما أعطوها بعد قتال.

وولى معاوية بن أبى سفيان مصقلة بن هبيرة بن شبل أحد بنى ثعلبة ابن شيبان بن ثعلبة بن عكابة طبرستان وجميع أهلها حرب وضم إليه عشرة آلاف ، ويقال عشرين ألفا فكاده العدو وأروه الهيبة له حتى توغل بمن معه فى البلاد ، فلما جاوروا المضايق أخذها العدو عليهم وهددوا الصخور من الجبال على رؤوسهم فهلك ذلك الجيش أجمع وهلك مصقلة فضرب الناس به المثل فقالوا حتى يرجع مصقلة من طبرستان ، ثم أن عبيد الله بن زياد بن أبى سفيان ولى محمد بن الأشعث بن قيس الكندي طبرستان فصالحهم وعقد لهم عقدا ثم أمهلوا له حتى دخل فأخذوا عليه المضايق وقتلوا

٣٢٦

ابنه أبا بكر وفضحوه ، ثم نجا فكان المسلمون يغزون ذلك الثغر وهم حذرون من التوغل فى أرض العدو.

وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن أبى مخنف وغيره ، قالوا : لما ولى سليمان بن عبد الملك بن مروان الأمر ولى يزيد بن المهلب بن أبى صفرة العراق فخرج إلى خراسان لسبب ما كان من التواء قتيبة بن مسلم وخلافه على سليمان وقتل وكيع بن أبى سود التميمي إياه ، فعرض له صول التركي فى طريقه وهو يريد خراسان ، فكتب إلى سليمان يستأذنه فى غزوه فأذن له فغزا جيلان وسارية ، ثم أتى دهستان وبها صول فحصرها وهو فى جند كثيف من أهل المصرين وأهل الشام وأهل خراسان ، فكان أهل دهستان يخرجون فيقاتلونهم فألح عليهم يزيد وقطع المواد عنهم ثم أن صول أرسل إلى يزيد يسأله الصلح على أن يؤمنه على نفسه وماله وأهل بيته ويدفع إليه المدينة وأهلها وما فيها فقبل يزيد ذلك وصالحه عليه ووفى له وقتل يزيد أربعة عشر ألفا من الترك واستخلف عليها وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى : أن صول قتل ، والخبر الأول أثبت.

وقال هشام بن الكلبي : أتى يزيد جرجان فتلقاه أهلها بالأتاوة التي كان سعيد بن العاصي صالحهم عليها فقبلها ، ثم أن أهل جرجان نقضوا وغدروا فوجه إليهم جهم بن زحر الجعفي ففتحها ، قال ويقال ، أنه سار إلى مرو فأقام بها شتوته ثم غزا جرجان فى مائة ألف وعشرين ألفا من أهل الشام والجزيرة والمصرين وخراسان.

وحدثني على بن محمد المدائني قال ، أقام يزيد بن المهلب بخراسان شتوة ثم غزا جرجان وكان عليها حائط من آجر قد تحصنوا به من الترك وأحد طرفيه فى البحر ، ثم غلبت الترك عليه وسموا ملكهم صول فقال يزيد قبح الله

٣٢٧

قتيبة ترك هؤلاء وهم فى بيضة العرب وأراد غزو الصين أو قال وغزا الصين وخلف يزيد على خراسان مخلد بن يزيد.

قال : فلما صار إلى جرجان وجد صول قد نزل فى البحيرة فحصره ستة أشهر وقاتله مرارا فطلب الصلح على أن يؤمنه على نفسه وماله وثلاثمائة من أهل بيته ويدفع إليه البحيرة بما فيها فصالحه ، ثم سار إلى طبرستان واستعمل دهستان والبياسان عبد الله بن معمر اليشكري وهو فى أربعة آلاف ، ووجه ابنه خالد بن يزيد وأخاه أبا عيينة بن المهلب إلى الأصبهبذ وهزمهما حتى ألحقهما بعسكر يزيد وكتب الأصبهبذ إلى المرزبان ـ ويقال المروزبان ـ إنا قد قتلنا أصحاب يزيد فاقتل من قبلك من العرب فقتل عبد الله بن معمر اليشكري ومن معه وهم غارون فى منازلهم ، وبلغ الخبر يزيد فوجه حيان مولى مصقلة وهو من سبى الديلم فقال للأصبهبذ : إنى رجل منك وإليك وأن فرق الدين بيننا ولست بآمن أن يأتيك من قبل أمير المؤمنين ومن جيوش خراسان مالا قبل لك به ولا قوام لك معه ، وقد رزت لك يزيد فوجدته سريعا إلى الصلح فصالحه ، ولم يزل يخدعه حتى صالح يزيد على سبعمائة ألف درهم وأربعمائة وقر زعفرانا ، فقال له الأصبهبذ : العشرة وزن ستة فقال : لا ، ولكن وزن سبعة فأبى ، فقال حيان : أنا أتحمل فضل ما بين الوزنين فتحمله وكان حيان من أنبل الموالي وسرواتهم وكان يكنى أبا معمر.

قال المدائني : بلغ يزيد نكث أهل جرجان وغدرهم فسار يريدها ثانية ، فلما بلغ المرزبان مسيره أتى وجاه فتحصن بها وحولها غياض واشب فنزل عليها سبعة أشهر لا يقدر منها على شيء وقاتلوه مرارا ونصب المنجنيق عليها ، ثم أن رجلا دلهم على طريق إلى قلعتهم وقال : لا بد من سلم جلود فعقد يزيد لجهم بن زحر الجعفي ، وقال : إن غلبت على الحياة فلا تغلبن على الموت ، وأمر

٣٢٨

يزيد أن تشعل النار فى الحطب فهالهم ذلك وخرج قوم منهم ثم رجعوا وانتهى جهم إلى القلعة فقاتله قوم ممن كان على بابها فكشفهم عنه ولم يشعر العدو بعيد العصر إلا بالتكبير من ورائهم ، ففتحت القلعة وأنزلوا على حكم يزيد فقادهم جهم إلى وادي جرجان وجعل يقتلهم حتى سالت الدماء فى الوادي وجرت وهو بنى مدينة جرجان ، وسار يزيد إلى خراسان فبلغته الهدايا ، ثم ولى ابنه مخلدا خراسان وانصرف إلى سليمان فكتب إليه أن معه خمسة وعشرين ألف ألف درهم فوقع الكتاب فى يدي عمر بن عبد العزيز فأخذ يزيد به وحبسه.

وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن أبى مخنف أو عوانة بن الحكم قال : سار يزيد إلى طبرستان فاستجاش الأصبهبذ الديلم فأنجدوه فقاتله يزيد ، ثم أنه صالحه على نقد أربعة آلاف درهم وعلى سبعمائة ألف درهم مثاقيل فى كل سنة ووقر أربعمائة جماز زعفرانا وأن يخرجوا أربعمائة رجل على رأس كل رجل منهم ترس وطيلسان وخام فضة ونمرقة حرير ، وبعض الرواة يقول : برنس ، وفتح يزيد الرويان ودنباوند على مال وثياب وآنية ، ثم مضى إلى جرجان وقد غدر أهلها وقتلوا خليفته وقدم أمامه جهم بن زحر بن قيس الجعفي فدخل المدينة وأهلها غارون وغافلون ، ووافاه ابن المهلب فقتل خلقا من أهلها وسبى ذراريهم وصلب من قتل عن يمين الطريق ويساره واستخلف عليها جهما فوضع الجزية والخراج على أهلها وثقلت وطأته عليهم.

قالوا : ولم يزل أهل طبرستان يؤدون الصلح مرة ويمتنعون من أدائه أخرى فيحاربون ويسالمون ، فلما كانت أيام مروان بن محمد بن مروان بن الحكم غدروا ونقضوا حتى إذا استخلف أبو العباس أمير المؤمنين وجه إليهم عامله فصالحوه ثم أنهم نقضوا وغدروا وقتلوا المسلمين فى خلافة أمير

٣٢٩

المؤمنين المنصور فوجه إليهم خازم بن خزيمة التميمي وروح بن حاتم المهلبي ومعهما مرزوق أبو الخصيب مولاه الذي نسب إليه قصر أبى الخصيب بالكوفة فسألهما مرزوق حين طال عليها الأمر وصعب أن يضرباه ويحلقا رأسه ولحيته ففعلا ، فخلص إلى الأصبهبذ فقال له : أن هذين الرجلين استغشانى وفعلا بى ما ترى وقد هربت إليك فان قبلت انقطاعي وأنزلتنى المنزلة التي أستحقها منك دللتك على عورات العرب وكنت يدا معك عليهم ، فكساه وأعطاه وأظهر الثقة به والمشاورة له فكان يريه أنه له ناصح وعليه مشفق ، فلما اطلع على أموره وعوراته كتب إلى خازم وروح بما احتاجا إلى معرفته من ذلك واحتال للباب حتى فتحه فدخل المسلمون المدينة وفتحوها وساروا فى البلاد فدوخوها.

وكان عمر بن العلاء جزارا من أهل الري فجمع جمعا وقاتل سنفاذ حين خرج بها فأبلى ونكى فأوفده جهور بن مرار العجلى على المنصور فقوده وحضنه وجعل له مرتبة ، ثم أنه ولى طبرستان فاستشهد بها فى خلافة المهدى أمير المؤمنين.

وافتتح محمد بن موسى بن حفص بن عمر بن العلاء ومايزديار بن قارن جبال شروين من طبرستان ، وهي أمنع جبال وأصعبها وأكثرها أشبا وغياضا فى خلافة المأمون رحمه‌الله ، ثم أن المأمون ولى مايزديار أعمال طبرستان والرويان ودنباوند وسماه محمدا وجعل له مرتبة الأصبهبذ فلم يزل واليا حتى توفى المأمون ، ثم استخلف أبو إسحاق المعتصم بالله أمير المؤمنين فأقره على عمله ثم أنه كفر وغدر بعد ست سنين وأشهر من خلافته ، فكتب إلى عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب عامله على خراسان والري وقومس وجرجان يأمره بمحاربته فوجه عبد الله إليه الحسن بن الحسين عمه فى رجال خراسان ، ووجه المعتصم بالله محمد بن ابراهيم بن

٣٣٠

مصعب فيمن ضم إليه من جند الحضرة فلما توافت الجنود فى بلاده كاتب أخ له يقال له فوهيار بن قارن الحسن ومحمدا وأعلمهما أنه معهما عليه وقد كان يحقد أشياء يناله بها من استخفاف وكان أهل عمله قد ملوا سيرته لتجبره وعسفه ، فكتب الحسن يشير عليه بأن يكمن فى موضع سماه له ، وقال لمايزديار : أن الحسن قد أتاك وهو بموضع كذا وذكر غير ذلك الموضع وهو يدعوك إلى الأمان ويريد مشافهتك فيما بلغني ، فسار مايزديار يريد الحسن ، فلما صار بقرب الموضع الذي الحسن كامن فيه آذنه فوهيار بمجيئه فخرج عليه فى أصحابه وكانوا متقطعين فى العياض فجعلوا ينتامون إليه وأراد مايزديار الهرب فآخذ فوهيار بمنطقته وانطوى عليه أصحاب الحسن فأخذوه سلما بغير عهد ولا عقد فحمل إلى سر من رأى فى سنة خمس وعشرين ومائتين فضرب بالسياط بين يدي المعتصم بالله ضربا مبرحا ، فلما رفعت السياط عنه مات فصلب بسر من رأى مع بابك الخرمى على العقبة التي بحضرة مجلس الشرطة ، ووثب بفوهيار بعض خاصة أخيه فقتل بطبرستان وافتتحت طبرستان سهلها وجبلها ، فتولاها عبد الله بن طاهر وطاهر بن عبد الله من بعده.

فتوح كور دجلة

قالوا : كان سويد بن قطبة الذهلي ، وبعضهم يقول قطبة بن قتادة يغير فى ناحية الخريبة من البصرة على العجم كما كان المثنى بن حارثة الشيبانى يغير بناحية الحيرة ، فلما قدم خالد بن الوليد البصرة يريد الكوفة سنة اثنتي عشرة أعانه على حرب أهل الأبلة وخلف سويدا ، ويقال أن خالدا لم يسر من البصرة حتى فتح الخريبة وكانت مسلحة للأعاجم فقتل وسبى وخلف بها رجلا من بنى سعد بن بكر بن هوازن يقال له شريح بن عامر ، ويقال

٣٣١

أنه أتى نهر المرأة ففتح القصر صلحا صالحه عنه النوشجان بن جسنسما والمرأة صاحبة القصر كامن دار بنت نرسى وهي ابنة عم النوشجان ، وإنما سميت المرأة لأن أبا موسى الأشعرى كان نزل بها فزودته خبيصا فجعل يقول : أطعمونا من دقيق المرأة ، وكان محمد بن عمر الواقدي ينكر أن يكون خالد بن الوليد أتى البصرة حين فرغ من أمر أهل اليمامة والبحرين ويقول : قدم المدينة ثم سار منها إلى العراق على طريق فيد والثعلبية والله أعلم.

قالوا : فلما بلغ عمر بن الخطاب خبر سويد بن قطبة وما يصنع بالبصرة رأى أن يوليها رجلا من قبله ، فولاها عتبة بن غزوان بن جابر ابن وهب بن نسيب أحد بنى مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة وهو حليف بنى نوفل بن عبد مناف ، وكان من المهاجرين الأولين ، وقال له : أن الحيرة قد فتحت وقتل عظيم من العجم يعنى مهران ووطئت خيل المسلمين أرض بابل فصر إلى ناحية البصرة وأشغل من هناك من أهل الأهواز وفارس وميسان عن إمداد إخوانهم على إخوانك ، فأتاها عتبة وانضم إليه سويد بن قطبة ومن معه من بكر بن وائل وبنى تميم ، وكانت بالبصرة سبع دساكر اثنتان بالخريبة واثنتان بالزابوقة ، وثلاث فى موضع دار الأزد اليوم ، ففرق عتبة أصحابه فيها ونزل هو بالخريبة وكانت مسلحة للأعاجم ففتحها خالد بن الوليد فخلت منهم وكتب عتبة إلى عمر يعلمه نزوله وأصحابه بحيث نزلوا ، فكتب إليه يأمره بأن ينزلهم موضعا قريبا من الماء والمرعى فأقبل إلى موضع البصرة ، قال أبو مخنف وكانت ذات حصى وحجارة سود فقيل أنها بصرة ، وقيل أنهم إنما سموها بصرة لرخاوة أرضها.

قالوا : وضربوا بها الخيام والقباب والفساطيط ولم يكن لهم بناء وأمد

٣٣٢

عمر عتبة بهرثمة بن عرفجة البارقي وكان بالبحرين ، ثم أنه صار بعد إلى الموصل قالوا : فغزا عتبة بن غزوان الابلة ففتحها عنوة ، وكتب إلى عمر يعلمه ذلك ويخبره أن الابلة فرضة البحرين وعمان والهند والصين وأنفذ الكتاب مع نافع بن الحارث الثقفي.

وحدثني الوليد بن صالح ، قال : حدثنا مرحوم العطار عن أبيه عن شويس العدوى ، قال : خرجنا مع أمير الابلة فطفرنا بها ثم عبرنا الفرات فخرج إلينا أهل الفرات بمساحيهم فظفرنا بهم وفتحنا الفرات.

وحدثني عبد الواحد بن غياث ، قال : حدثنا حماد بن سلمة عن أبيه عن حميرى بن كراثة الربعي ، قال : لما دخلوا الابلة وجدوا خبيز الحوارى فقالوا هذا الذي كان يقال أنه يسمن ، فلما أكلوا منه جعلوا ينظرون إلى سواعدهم ويقولون والله ما نرى سمنا ، قال : وأصبت قميصا مجيبا من قبل صدره أخضر فكنت أحضر فيه الجمعة.

وحدثني المدائني عن جهم بن حسان ، قال : فتح عتبة الابلة ووجه مجاشع ابن مسعود على الفرات وأمر المغيرة بالصلاة وشخص إلى عمر وحدثني المدائني عن أشياخه : أن ما بين الفهرج إلى الفرات صلح وسائر الابلة عنوة.

وحدثني عبد الله بن صالح المقري ، قال : حدثني عبدة بن سليمان عن محمد ابن إسحاق بن يسار قال : وجه عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان حليف بنى نوفل فى ثمانمائة إلى البصرة وأمده بالرجال فنزل بالناس فى خيم ، فلما كثروا بنى رهط منهم سبع دساكر من لبن منها بالخريبة اثنتان : وبالزابوقة واحدة ، وفى الأزد اثنتان ، وفى تميم اثنتان ، ثم أنه خرج إلى الأبلة فقاتل أهلها ففتحها عنوة ، وأتى الفرات وعلى مقدمته مجاشع بن مسعود السلمى ففتحه

٣٣٣

عنوة ، وأتى المذار فخرج إليه مرزبانها فقاتله فهزمه الله وغرق عامة من معه وأخذ سلما فضرب عتبة عنقه ، وسار عتبة إلى دستميسان وقد جمع أهلها للمسلمين وأرادوا المسير إليهم فرأى أن يعالجهم بالغزو ليكون ذلك أفت فى أعضادهم وأملا لقلوبهم فلقيهم فهزمهم الله وقتل دهاقينهم وانصرف عتبة من فوره إلى أبرقباذ ففتحها الله عليه.

قالوا ثم استأذن عتبة عمر بن الخطاب فى الوفادة عليه والحج فأذن له فاستخلف مجامع بن مسعود السلمى ، وكان غائبا عن البصرة وأمر المغيرة بن شعبة أن يقوم مقامه إلى قدومه ، فقال : أتولى رجلا من أهل الوبر على رجل من أهل المدر واستعفى عتبة من ولاية البصرة فلم يعفه وشخص فمات فى الطريق فولى عمر البصرة المغيرة بن شعبة ، وقد كان الناس سألوا عتبة عن البصرة فأخبرهم بخصبها فسار إليها خلق من الناس.

وحدثني عباس بن هشام عن أبيه عن عوانة ، قال : كانت عند عتبة بن غزوان أزدة بنت الحارث بن كلدة ، فلما استعمل عمر عتبة بن غزوان قدم معه نافع وأبو بكرة وزياد ، ثم أن عتبة قاتل أهل مدينة الفرات فجعلت امرأته أزدة تحرض الناس على القتال وهي تقول:

أن يهزموكم تولجوا فينا الغلف

ففتح الله على المسلمين تلك المدينة ، وأصابوا غنائم كثيرة ، ولم يكن فيهم أحد يكتب ويحسب إلا زياد ، فولى قسم ذلك المغنم ، وجعل له كل يوم درهمان وهو غلام فى رأسه ذؤابة ، ثم أن عتبة شخص إلى عمر ، وكتب إلى مجاشع بن مسعود يعلمه أنه قد خلفه وكان غائبا ، وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلى بالناس إلى قدوم مجاشع ، ثم أن دهقان ميسان كفر ورجع عن الإسلام ، فلقيه المغيرة بالمنعرج ، فقتله وكتب المغيرة إلى عمر بالفتح منه فدعا عمر عتبة فقال ألم تعلمني

٣٣٤

انك استخلفت مجاشعا ، قال نعم ، قال فإن المغيرة كتب إلى بكذا فقال أن مجاشعا كان غائبا فأمرت المغيرة أن يخلفه ويصلى بالناس إلى قدومه ، فقال عمر : لعمري لأهل المدر كانوا أولى بأن يستعملوا من أهل الوبر ، ثم كتب إلى المغيرة بعهده على البصرة وبعث به إليه ، فأقام المغيرة ما شاء الله ، ثم أنه هوى المرأة.

وحدثني عبد الله بن صالح عن عبدة عن محمد بن إسحاق قال : غزا المغيرة ميسان ففتحها عنوة بعد قتال شديد وغلب على أرضها ، ثم أن أهل أبرقباذ غدروا ففتحها المغيرة عنوة.

وحدثني روح بن عبد المؤمن ، قال : حدثني وهب بن جرير بن حازم عن أبيه ، قال : فتح عتبة بن غزوان الأبلة والفرات وأبرقباذ ودستميسان وفتح المغيرة ميسان وغدو أهل أبر قباذ ففتحها المغيرة ، وقال على بن محمد المدائني : كان الناس يسمون ميسان ودستميسان والفرات وأبرقباذ ميسان قالوا : وكان من سبى ميسان أبو الحسن البصري وسعيد بن يسار أخوه وكان اسمه يسار فيروز ، فصار أبو الحسن لامرأة من الأنصار يقال لها الربيع بنت النضر عمة أنس بن مالك ، ويقال كان لامرأة من بنى سلمة يقال لها جميلة امرأة أنس بن مالك.

وروى الحسن ، قال : كان أبى وأمى لرجل من بنى النجار فتزوج امرأة من بن سلمة فساقهما إليها فى صداقها فأعتقتهما تلك المرأة فولاؤنا لها ، وكان مولد الحسن بالمدينة لسنتين بقيتا من خلافة عمر وخرج منها بعد صفين بسنة ومات بالبصرة سنة عشر ومائة وهو ابن تسع وثمانين.

قالوا : أن المغيرة جعل يختلف إلى امرأة من بنى هلال يقال لها أم جميل بنت محجن بن الأفقم بن شعيثة بن الهزن ، وقد كان لها زوج من ثقيف يقال له الحجاج بن عتيك فبلغ ذلك أبا بكرة بن مسروح مولى النبي صلى الله

٣٣٥

عليه وسلم من مولدي ثقيف ، وشبل بن معبد بن عبيد البجلي ، ونافع بن الحارث بن كلدة الثقفي ، وزياد بن عبيد ، فرصدوه حتى إذا دخل عليها هجموا عليه فإذا هما عريانان وهو متبطنها ، فخرجوا حتى أتوا عمر بن الخطاب فشهدوا عنده بما رأوا فقال عمر لأبى موسى الأشعرى : إنى أريد أن أبعثك إلى بلد قد عشش فيه الشيطان ، قال : فأعني بعدة من الأنصار فبعث معه البراء ابن مالك ، وعمران بن الحصين أبا نجيد الخزاعي ، وعوف بن وهب الخزاعي فولاه البصرة وأمره باشخاص المغيرة فأشخصه بعد قدومه بثلاث.

فلما صار إلى عمر جمع بينه وبين الشهود ، فقال نافع بن الحارث : رأيته على بطن المرأة يحتفر عليها ورأيته يدخل ما معه ويخرجه كالميل فى المكحلة ، ثم شهد شبل بن معبد على شهادته ، ثم أبو بكرة ، ثم أقبل زياد رابعا فلما نظر إليه عمر قال : أما إنى أرى وجه رجل أرجو أن لا يرجم رجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على يده ولا يخزى بشهادته.

وكان المغيرة قدم من مصر فأسلم وشهد الحديبية مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال زياد رأيت منظرا قبيحا وسمعت نفسا عاليا وما أدرى أخالطها أم لا ، ويقال لم يشهد بشيء فأمر عمر بالثلاثة فجلدوا ، فقال شبل أتجلد شهود الحق وتبطل الحد ، فلما جلد أبو بكرة ، قال : أشهد أن المغيرة زان. فقال عمر ، حدوه ، فقال على أن جعلتها شهادة فارجم صاحبك ، فحلف أبو بكرة ان لا يكلم زيادا أبدا ، وكان أخاه لأمه سمية ثم أن عمر ردهم إلى مصرهم ، وقد روى قوم أن أبا موسى كان بالبصرة فكتب إليه عمر بولايتها وأشخاص المغيرة ، والأول أثبت ، وروى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان امر سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه أن يبعث عتبة ابن غزوان إلى البصرة ففعل ، وكان نائف من مكاتبته إياه فلذلك استعفى

٣٣٦

وأن عمر رضى الله عنه رده واليا فمات فى الطريق ، وكانت ولاية أبى موسى البصرة فى سنة ست عشرة ويقال سنة سبع عشرة فاستقرى كور دجلة فوجد أهلها مذعنين بالطاعة فأمر بمساحتها ووضع الخراج عليها على قدر احتمالها ، والثبت أن أبا موسى ولى البصرة فى سنة ست عشرة.

حدثني شيبان بن فروخ الأبلى ، قال : حدثنا أبو هلال الراسبي ، قال : حدثنا يحيى بن أبى كثير أن كاتبا لأبى موسى كتب إلى عمر بن الخطاب من أبو موسى فكتب إليه عمر إذا أتاك كتابي هذا فاضرب كاتبك سوطا وأعزله عن عملك.

تمصير البصرة

حدثني على بن المغيرة الأثرم عن أبى عبيدة ، قال : لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة كتب إلى عمر بن الخطاب يعلمه نزوله إياها وأنه لا بد للمسلمين من منزل يشتون به إذا شتوا ، ويكنسون فيه إذا انصرفوا من غزوهم ، فكتب إليه أجمع أصحابك فى موضع واحد وليكن قريبا من الماء والرعي واكتب إلى بصفته ، فكتب إليه إنى وجدت أرضا كثيرة القصبة فى طرف البر إلى الريف ودونها مناقع ماء فيها قصباء ، فلما قرأ الكتاب ، قال : هذه أرض نضرة قريبة من المشارب والمراعى والمختطب وكتب إليه أن أنزلها الناس ، فأنزلهم إياها ، فبنوا مساكن بالقصب وبنى عتبة مسجدا من قصب ، وذلك فى سنة أربع عشرة فيقال أنه تولى اختطاط المسجد بيده ويقال اختطه محجر بن الأدرع البهزى من سليم ، ويقال اختطه نافع بن الحارث بن كلدة حين خط داره ، ويقال بل اختطه الأسود بن سريع التميمي ، وهو أول من قضى فيه ، فقال له مجاشع ومجالد ابنا مسعود رحمك الله شهرت نفسك فقال : لا أعود ، وبنى عتبة دار الأمارة دون المسجد فى الرحبة التي يقال لها اليوم رحبة بنى هاشم ، وكانت تسمى الدهناء وفيها

٣٣٧

السجن والديوان فكانوا إذا غزوا نزعوا ذلك القصب وحزموه ووضعوه حتى يرجعوا من العزو ، فإذا رجعوا أعادوا بناءه فلم تزل الحال كذلك ، ثم أن الناس اختطوا وبنوا المنازل ، وبنى أبو موسى الأشعرى المسجد ودار الأمارة بلين وطين وسقفها بالعشب وزاد فى المسجد ، وكان الإمام إذا جاء للصلاة بالناس تخطاهم إلى القبلة على حاجر ، فخرج عبد الله بن عامر ذات يوم من دار الأمارة يريد القبلة وعليه جبة خز دكناء فجعل الأعراب يقولون على الأمير جلد دب.

وحدثني أبو محمد الثوري عن الأصمعى ، قال : لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة ، ولد بها عبد الرحمن بن أبى بكرة ، وهو أول مولود بالبصرة فنحر أبوه جزورا أشبع منها أهل البصرة ، ثم لما استعمل معاوية بن أبى سفيان زيادا على البصرة زاد فى المسجد زيادة كثيرة وبناء بالآجر والجص وسقفه بالساج ، وقال : لا ينبغي للإمام أن يتخطى الناس فحول دار الإمارة من الدهناء إلى قبلة المسجد فكان الإمام يخرج من الدار فى الباب الذي فى حائط القبلة ، وجعل زياد حين بنى المسجد ودار الإمارة يطوف فيها وينظر إلى البناء ثم يقول لمن معه من وجوه أهل البصرة أترون خللا فيقولون ما نعلم بناء أحكم منه فقال بلى هذه الأساطين التي على كل واحدة منها أربعة عقود لو كانت أغلظ من سائر الأساطين ، وروى عن يونس بن حبيب النحوي ، قال : لم يؤت من تلك الأساطين فقط تصديع ولا عيب ، وقال حارثة بن بدر الغدانى ، ويقال بل قال ذلك البعيث المجاشعي :

بنى زياد لذكر الله مصنعة

من الحجارة لم تعمل من الطين

لو لا تعاون أيدى الأنس ترفعها

إذا لقلنا من أعمال الشياطين

وقال الوليد بن هشام بن قحذم لما بنى زياد المسجد جعل صفته المقدمة

٣٣٨

خمس سوارى وبنى منارته بالحجارة ، وهو أول من عمل المقصورة ونقل دار الامارة إلى قبلة المسجد ، وكان بناؤه إياها لبن وطين حتى بناها صالح بن عبد الرحمن السجستاني مولى بنى تميم فى ولايته خراج العراق لسليمان بن عبد الملك بالآجر والجص وزاد فيه عبيد بن زياد وفى مسجد الكوفة ، وقال : دعوت الله أن يرزقني الجهاد ففعل ، ودعوته أن يرزقني بناء مسجدى الجماعة بالمصرين ففعل ، ودعوته أن يجعلني خلفا من زياد ففعل.

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى : لما بنى زياد المسجد أتى بسوارية من جبل الأهواز ، وكان الذي تولى أمرها وقطعها الحجاج بن عتيك الثقفي وابنه فظهر له مال فقيل حبذا الإمارة ولو على الحجارة فذهبت مثلا ، قال وبعض الناس يقول : أن زيادا رأى الناس ينفضون أيديهم إذا تربت وهم فى الصلاة فقال : لا آمن أن يظن الناس على طول الأيام أن نفض الأيدى فى الصلاة سنة ، فأمر بجمع الحصى وإلقائه فى المسجد فاشتد الموكلون بذلك على الناس وتعنتوهم وأروهم حصى انتقوه ، فقالوا : ايتونا بمثله على مقاديره وألوانه وارتشوا على ذلك فقال القائل : حبذا الامارة ولو على الحجارة ، وقال أبو عبيدة : وكان جانب المسجد الشمالي منزويا لأنه كانت هناك دار لنافع بن الحارث بن كلدة فأبى ولده بيعها ، فلما ولى معاوية عبيد الله بن زياد البصرة قال عبيد الله لأصحابه : إذا شخص عبد الله بن نافع إلى أقصى ضيعته فأعلموني ذلك ، فشخص إلى قصره الأبيض الذي على البطيحة ، فأخبر عبيد الله بذلك فبعث الفعلة فهدموا من تلك الدار ما سوى به تربيع المسجد ، وقدم ابن نافع فضج إليه من ذلك فأرضاه بأن أعطاه بكل ذراع خمسة أذرع وفتح له فى الحائط خوخة إلى المسجد فلم تزل الخوخة فى حائطه حتى زاد المهدى أمير المؤمنين فى المسجد فأدخلت الدار كلها فيه ، وأدخلت فيه أيضا دار الامارة فى خلافة الرشيد رحمه‌الله.

٣٣٩

وقال أبو عبيدة لما قدم الحجاج بن يوسف العراق أخبر أن زيادا ابتنى دار الامارة بالبصرة فأراد أن يزيل اسمه عنها فهم ببنائها يجص وآجر فقيل له إنما تزيد اسمه فيها ثباتا وتوكدا فهدمها وتركها ، فبنيت عامة الدور حولها من طينها ولبنها وأبوابها فلم تكن بالبصرة دار إمارة حتى ولى سليمان بن عبد الملك ، فاستعمل صالح ابن عبد الرحمن على خراج العراق فحدثه صالح حديث الحجاج وما فعل فى دار الامارة فأمره بإعادتها فأعادها بالآجر والجص على أساسها ورفع سمكها ، فلما ولى عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه ، وولى عدى بن أرطاة الفزاري البصرة أراد عدى أن يبنى فوقها غرفا ، فكتب إليه عمر : هبلتك أمك يا ابن أم عدى أيعجز عنك منزل وسع زيادا وآل زياد ، فأمسك عدى عن إتمام تلك الغرف وتركها فلما ولى سليمان بن على ابن عبد الله بن العباس البصرة لأبى العباس أمير المؤمنين بنى على ما كان عدى رفعه من حيطان الغرف بناء بطين ثم تركه وتحول إلى المربد فنزله ، فلما استخلف الرشيد أدخلت الدار فى قبلة المسجد فليس اليوم للأمراء بالبصرة دار أمارة.

وقال الوليد بن هشام بن قحذم لم يزد أحد فى المسجد بعد ابن زياد حتى كان المهدى فاشترى دار نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي ، ودار عبيد الله بن أبى بكرة ، ودار ربيعة بن كلدة الثقفي ، ودار عمرو بن وهب الثقفي. ودار أم جميل الهلالية التي كان من أمرها وأمر المغيرة بن شعبة ما كان ، ودورا غيرها فزادها فى المسجد أيام ولى محمد بن سليمان بن على البصرة ، ثم أمر هارون أمير المؤمنين الرشيد عيسى بن جعفر بن المنصور أيام ولايته البصرة أن يدخل دار الامارة فى المسجد ففعل.

وقال الوليد بن هشام أخبرنى أبى عن أبيه ، وكان يوسف بن عمر ولاه ديوان جند العرب ، قال : نظرت فى جماعة مقاتلة البصرة أيام زياد فوجدتهم ثمانين

٣٤٠