العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٤

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٤

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٦٢

وروى عنه : قيس بن سعد المكى ، وابن جريج ، وعبد الله بن عثمان بن خيثم ، وسفيان بن عبد الرحمن الثقفى ، وقتادة بن دعامة ، وغيرهم.

وروى له البخارى تعليقا ، وأبو داود (١) والنسائى (٢) ، ووثقه أبو زرعة ، وأبو داود والنسائى.

١١٥٧ ـ داود بن عبد الرحمن العبدىّ المكى ، أبو سليمان العطار :

روى عن عمرو بن دينار ، والقاسم بن أبى بزّة ، وابن خيثم ، وابن جريج ، وغيرهم.

__________________

(١) أخرجه أبو داود فى سننه ، كتاب الجنائز ، حديث رقم (٢٧٤٥) من طريق : أحمد بن حنبل ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبى عن ابن إسحاق ، حدثنى نوح بن حكيم الثقفى ـ وكان قارئا للقرآن ـ عن رجل من بنى عروة بن مسعود يقال له داود قد ولدته أم حبيبة بنت أبى سفيان زوج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن ليلى بنت قانف الثقفية قالت : كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند وفاتها ..... فذكره.

(٢) الحديث الأول أخرجه النسائى فى الكبرى ، باب ما استثنى من عدة الحامل ، حديث رقم (٥٦٨٤) من طريق : إسحاق بن إبراهيم ، قال : أنبأنا عبد الرزاق ، قال : أنبأنا ابن جريج ، قال : أخبرنى داود بن أبى عاصم أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره قال : بينما أنا وأبو هريرة عند ابن عباس إذ جاءته امرأة فقالت : توفى عنها زوجها وهى حامل فولدت لأدنى من أربعة أشهر من يوم مات ... فذكره.

الحديث الثانى فى سنن النسائى الكبرى ، باب ذكر الاختلاف على قتادة فيه ، حديث رقم (٧٣٩٩) من طريق : محمد بن المثنى ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : حدثنى أبى ، عن قتادة ، عن سعيد بن يزيد ، عن سعيد بن المسيب أن امرأة من بنى مخزوم استعارت حليا على لسان أناس فجحدتها فأمر بها النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقطعت.

وقال النسائى : أخبرنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا همام ، قال : حدثنا قتادة ، عن داود بن أبى عاصم أن سعيد بن المسيب حدثه نحوه.

١١٥٧ ـ انظر ترجمته فى : (طبقات ابن سعد ١ / ٦٨ ، ٣١٢ ، ٢ / ١٢٩ ، ١٣٠ ، ٤ / ٢١ ، ٢٤٩ ، ٥ / ٩٨ ، ٣٩١ ، ٦ / ٤٢ ، ٨ / ١٠٧ ، تاريخ الدارمى ، رقم ٣١٣ ، الدورى ٢ / ٢١٦ ، طبقات خليفة ٢٨٤ ، تاريخ البخارى الكبير الترجمة ٨٢٤ ، المعرفة والتاريخ ١ / ١٦٥ ، ٣٢٢ ، ٣ / ١٥٩ ، أبى زرعة الرازى ٥٩٠ ، ٦٤٤ ، تاريخ واسط ٢٠٢ ، الجرح والتعديل الترجمة ١٩٠٧ ، مشاهير علماء الأمصار الترجمة ١١٧٨ ، أسماء الدارقطنى الترجمة ٢٩٤ ، السابق واللاحق ٢٥٣ ، الجمع لابن القيسرانى ١ / ١٢٩ ، العبر ١ / ٢٦٧ ، الكاشف ١ / ٢٩٠ ، الميزان الترجمة ٢٦٢٥ ، المغنى الترجمة ٢٠٠٧ ، ديوان الضعفاء الترجمة ١٣٢٥ ، تهذيب ابن حجر ٣ / ١٩٢ ، مقدمة الفتح ٣٩٩ ، خلاصة الخزرجى الترجمة ١٩٣ ، شذرات الذهب ١ / ٢٨٦ ، تهذيب الكمال ١٧٧١).

٦١

وروى عنه ابن المبارك ، وابن وهب ، والإمام الشافعى ، وابن عمه إبراهيم بن محمد الشافعى ، وأحمد بن محمد بن الوليد الأزرقى ، وخالد بن يزيد العمرى المكى ، وقتيبة ، ويحيى بن يحيى النيسابورى ، وغيرهم. وروى له الجماعة.

قال الأزدى : يتكلمون فيه. وقال أبو حاتم : لا بأس به ، صالح. وقال إسحاق عن يحيى بن معين : ثقة.

ونقل الحاكم عن يحيى ، أنه ضعيف فى الحديث. وقال العجلى : مكى ثقة. وذكره ابن حبان فى الثقات.

وقال إبراهيم بن محمد الشافعى : ما رأيت أحدا أعبد من الفضيل بن عياض ، ولا رأيت أحدا أورع من داود بن عبد الرحمن العطار ، ولا رأيت أحدا أفرس فى الحديث من سفيان بن عيينة. انتهى.

وقال المزى : وكان متقنا ، من فقهاء أهل مكة. انتهى. مات بمكة سنة خمس وسبعين ومائة ، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. وقال ابن حبان : مات سنة أربع وسبعين ومائة. انتهى. ونقل صاحبنا الحافظ ابن حجر عن ابن حبان ، أنه قال : مولد داود العطار سنة مائة بمكة. ونقل أيضا عن ابن سعد ، أنه ذكر وفاته ، كما ذكر ابن حبان.

وذكر الكلاباذى عن أبى داود عن ولد لداود ، أنه ولد سنة مائة ، وتوفى سنة خمس وسبعين ومائة ، وكان ورعا.

١١٥٨ ـ داود بن عثمان بن على القرشى الهاشمى ، المعروف بالنظام العدنى :

كان يسافر من عدن للتجارة إلى مكة ، ثم انقطع بها قريبا من عشرين سنة ، وسافر لمصر مرتين ، وكان يقيم بجدة كثيرا لخدمة أصحابه من التجار ، وفيها مات فى ليلة الخميس الثامن عشر من صفر سنة سبع وعشرين وثمانمائة ، ودفن بجدة. وكان فيه خير وأمانة.

١١٥٩ ـ داود بن عجلان المكى ، أبو سليمان البزار :

أصله خراسانى. روى عن إبراهيم بن أدهم ، عن أبى عقال ، عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ حديث الطواف فى المطر.

__________________

١١٥٩ ـ انظر ترجمته فى : (تاريخ يحيى برواية الدورى ٢ / ١٥٣ ، الجرح والتعديل الترجمة ١٩٢٠ ، المجروحين لابن حبان ١ / ٢٨٩ ـ ٢٩٠ ، المدخل للحاكم الترجمة ٥٣ ، الضعفاء لأبى نعيم الترجمة ٦٣ ، الكاشف ١ / ٢٩٠ ، ميزان الاعتدال الترجمة ٢٦٣٠ ، المغنى الترجمة ٢٠١٠ ، ديوان الضعفاء الترجمة ١٣٢٧ ، تهذيب ابن حجر ١ / ١٩٣ ، خلاصة الخزرجى الترجمة ١٩٣٢ ، تهذيب الكمال ١٧٧٤).

٦٢

روى عنه : ابن أبى عمر العدنى ، وأحمد بن عبدة الضبى ، ومحمد بن يحيى بن محمد بن حرب المكى ، والعباس بن الوليد النّرسىّ. الحديث المذكور.

روى له ابن ماجة (١) ، وضعفه ابن معين. وقال أبو داود : ليس بشىء.

١١٦٠ ـ داود بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمى العباسى ، أبو سليمان :

أمير مكة والمدينة واليمن ، واليمامة والكوفة. ولى ذلك لابن أخيه أبى العباس السفاح ، وأول ما ولاه الكوفة وسوادها ، ثم عزله عن ذلك ، وولاه ما ذكر من البلاد ، فى سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وفيها بويع السفاح بالخلافة. وولى عمه مع ما ذكر الحج فى هذه السنة ، فقدم مكة ، وأقام للناس الحج.

__________________

(١) الحديث فى سنن ابن ماجة ، باب الطواف فى مطر ، حديث رقم (٣١٩٠) حدثنا محمد بن أبى عمر العدنى ، حدثنا داود بن عجلان ، قال : طفنا مع أبى عقال فى مطر. فلما قضينا طوافنا ، أتينا خلف المقام ، فقال : طفت مع أنس بن مالك فى مطر ، فلما قضينا الطواف ، أتينا المقام فصلينا ركعتين ، فقال لنا أنس : ائتنفوا العمل ، فقد غفر لكم. هكذا قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وطفنا معه فى مطر.

قال فى مصباح الزجاجة : هذا إسناد ضعيف ، داود بن عجلان ضعفه ابن معين ، وأبو داود ، والحاكم ، والنقاش ، وقال : روى عن أبى عقال أحاديث موضوعة انتهى. وشيخ أبو عقال اسمه هلال بن زيد ضعفه أبو حاتم والبخارى والنسائى وابن عدى وابن حبان ، وقال : يروى عن أنس أشياء موضوعة ما حدث بها أنس قط ، لا يجوز الاحتجاج به بحال ، رواه محمد بن يحيى بن أبى عمر فى مسنده عن داود بن عجلان به كما رواه ابن ماجة وزيادة ، ورواه أبو يعلى الموصلى من هذا الوجه.

قلت : وأورد ابن الجوزى هذا الحديث فى الموضوعات من طريق داود بن عجلان ، وقال : لا يصح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

١١٦٠ ـ انظر ترجمته فى : (المحبر ٣٣ ، تاريخ الدارمى رقم ٣١٧ ، تاريخ خليفة ٤٠٤ ، ٤٠٩ ـ ٤١٤ ، تاريخ البخارى الكبير الترجمة ٧٩٥ ، المعرفة والتاريخ ١ / ٥٤١ ، ٢ / ٢٨ ، ٤٧٩ ، ٧٠٠ ، تاريخ الطبرى ٥ / ٣٩٧ ، ٧ / ١٦٠ ، ١٦٢ ، ١٦٧ ، ١٦٨ ، ١٨٨ ، ٢٠٢ ، ٤٢٦ ، ٤٣١ ، ٤٤٩ ، ٤٥٢ ، ٤٥٩ ، ٨ / ٨٩ ، ٩٣ ، ١٩٠ ، العقد الفريد ٤ / ١٠٠ ، ١٠١ ، الجرح والتعديل الترجمة ١٩١٤ ، جمهرة ابن حزم ٢٠ ، ٣٤ ، ٥٢ ، ٧٦ ، ٨٢ ، ١٥٢ ، تاريخ دمشق (تهذيبه ٥ / ٢٠٦) ، الكامل فى التاريخ ٥ / ٢٢٩ ، ٢٣٥ ، ٤٠٩ ، ٤١٦ ، ٤٤٥ ، ٤٤٨ ، ٦ / ٢٨ ، ٨٩ ، تاريخ الإسلام ٥ / ٢٤٢ ، سير أعلام النبلاء ٥ / ٤٤٤ ، العبر ٢ / ٤٥ ، ١٦٨ ، الكاشف ١ / ٢٩٠ ، الميزان الترجمة ٢٦٣٣ ، المغنى الترجمة ٢٠١٤٣ ، ديوان الضعفاء الترجمة ١٣٣٠ ، تهذيب ابن حجر ٣ / ١٩٤ ، خلاصة الخزرجى الترجمة ١٩٣٤ ، شذرات الذهب ١ / ١٩١).

٦٣

وأول أحداثه بمكة ، أنه هدم البركة التى عمرها خالد القسرى عند زمزم ، وساق إليها الماء العذب من الثقبة ، ليحاكى بذلك زمزم ، ويصرف الناس عنها ، وفعل داود بالحرمين أفعالا ذميمة ؛ لأن ابن الأثير قال فى أخبار سنة ثلاث وثلاثين ومائة : وفيها قتل داود بن على من ظفر به من بنى أمية بمكة والمدينة ، ولما أراد قتلهم ، قال له عبد الله بن الحسن ابن الحسن : يا أخى ، إذا قتلت هؤلاء ، فمن تباهى بملكك؟ أما يكفيك أن يروك غاديا ورائحا فيما يسرك ويسوءهم؟ فلم يقبل منه وقتلهم.

قال : وفيها مات داود بن على بالمدينة ، فى شهر ربيع الأول ، واستخلف حين حضرته الوفاة ابنه موسى. انتهى.

وعلى ابن الأثير اعتمدت ، فيما ذكرته من ولايته للبلاد المذكورة ، وتاريخ ولايته لذلك. وقد ذكر غير ولايته لبعض ذلك ؛ لأن فى تهذيب الكمال للمزّى ، كلاما عن ابن عدى ، فيما رواه داود بن عدى ، هذا من الحديث : وولى مكة والموسم ، واليمن ، واليمامة. ذكر ذلك من غير فصل. والظاهر أنه من كلام ابن عدى ، والله أعلم.

وذكر يعقوب بن سفيان ولايته على المدينة ، وأنه توفى وهو وال عليها ، ليلة هلال ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين ومائة. وهذا لا يفهم من كلام ابن الأثير ، أعنى كونه توفى ليلة هلال ربيع الأول.

وذكر ابن سعد ، أنه توفى فى هذه السنة ، وهو ابن اثنتين وخمسين سنة. وقيل فى سنّه أكثر من ذلك ؛ لأن فى تهذيب الكمال للمزّى ، قال : وقالوا : ولد سنة ثمان وسبعين ، وتوفى سنة اثنتين وثلاثين. وهذا غريب فى تاريخ وفاته. وهو بعيد من الصحة. وقد عقب على ذلك المزى بقوله. وقالوا : سنة ثلاث وثلاثين. وذكر المزى ، أن داود روى عن أبيه ، عن جده.

وروى عنه الثورى والأوزاعى ، وابن جريج وغيرهم ، قال : روى له البخارى فى «الأدب» حديثا ، والترمذى آخر (١).

__________________

(١) روى له أبو داود حديثين : الأول : فى باب ما جاء فى الإيلاء ، حديث رقم (١١٩٨) من طريق : حدثنا الحسن بن قزعة البصرى ، أنبأنا مسلمة بن علقمة ، أنبأنا داود بن على ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : آلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من نسائه ، وحرم ، فجعل الحرام حلالا ، وجعل فى اليمين كفارة.

قال : وفى الباب عن أنس وأبى موسى. قال أبو عيسى : حديث مسلمة بن علقمة عن داود ، رواه على بن مسهر وغيره عن داود ، عن الشعبى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مرسلا. وليس فيه ـ

٦٤

وساق له حديثا من رواية ابن أبى ليلى ، عن داود بن علىّ ، عن أبيه ، عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «علقوا السوط حيث يراه أهل البيت».

قال المزى : وذكره ابن حبان فى كتاب الثقات ، وقال : يخطئ. قال عثمان بن سعيد

__________________

ـ (عن مسروق عن عائشة) وهذا أصح من حديث مسلمة بن علقمة. والإيلاء هو أن يحلف الرجل أن لا يقرب امرأته أربعة أشهر فأكثر.

والحديث الثانى : فى سننه ، حديث رقم (٣٥٤٧) من طريق : عبد الله بن عبد الرحمن ، أخبرنا محمد بن عمران بن أبى ليلى ، قال : حدثنى أبى ، قال : حدثنى ابن أبى ليلى عن داود ابن على ، هو ابن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ليلة حين فرغ من صلاته : «اللهم إنى أسألك رحمة من عندك تهدى بها قلبى ، وتجمع بها أمرى ، وتلم بها شعثي ، وتصلح بها غائبى ، وترفع بها شاهدى ، وتزكى بها عملى ، وتلهمنى بها رشدى ، وترد بها ألفتى ، وتعصمنى بها من كل سوء. اللهم أعطنى إيمانا ويقينا ليس بعده كفر ورحمة أنال بها شرف كرامتك فى الدنيا والاخرة. اللهم إنى أسألك الفوز فى العطاء ونزل الشهداء وعيش السعداء والنصر على الأعداء. اللهم إنى أنزل بك حاجتى وإن قصر رأيى وضعف عملى افتقرت إلى رحمتك فأسألك يا قاضى الأمور ، ويا شافى الصدور ، كما تجير بين البحور ، أن تجيرنى من عذاب السعير ، ومن دعوة الثبور ، ومن فتنة القبور. اللهم ما قصر عنه رأيى ولم تبلغه نيتى ولم تبلغه مسألتى من خير وعدته أحدا من خلقك أو خير أنت معطيه أحدا من عبادك فإنى أرغب إليك فيه وأسألكه برحمتك رب العالمين. اللهم ذا الحبل الشديد ، والأمر الرشيد ، أسألك الأمن يوم الوعيد ، والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود ، الركع السجود ، الموفين بالعهود. أنت رحيم ودود ، وإنك تفعل ما تريد. اللهم اجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ولا مضلين ، سلما لأوليائك وعدوا لأعدائك ، نحب بحبك من أحبك ونعادى بعداوتك من خالفك اللهم هذا الدعاء وعليك الاستجابة وهذا الجهد وعليك التكلان. اللهم اجعل لى نورا فى قبرى ، ونورا فى قلبى ، ونورا من بين يدى ، ونورا من خلفى ، ونورا عن يمينى ، ونورا عن شمالى ، ونورا من فوقى ، ونورا من تحتى ، ونورا فى سمعى ، ونورا فى بصرى ، ونورا فى شعرى ، ونورا فى بشرى ، ونورا فى لحمى ، ونورا فى دمى ، ونورا فى عظامى. اللهم أعظم لى نورا وأعطنى نورا واجعل لى نورا. سبحان الذى تعطف العز وقال به ، سبحان الذى لبس المجد وتكرم به ، سبحان الذى لا ينبغى التسبيح إلا له. سبحان ذى الفضل والنعم. سبحان ذى المجد والكرم ، سبحان ذى الجلال والإكرام».

قال أبو عيسى : هذا حديث غريب. لا نعرف مثل هذا من حديث ابن أبى ليلى إلا من هذا الوجه. وقد روى شعبة وسفيان الثورى عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعض هذا الحديث ولم يذكره بطوله.

٦٥

الدارمى : سألت يحيى بن معين عنه ـ يعنى داود ـ فقال : شيخ هاشمى ، إنما يحدث بحديث واحد.

قال أبو أحمد بن عدى : أظن أن الحديث فى عاشوراء. وقد روى غير هذا الحديث الواحد ، بضعة عشر حديثا ، ثم قال : وولى مكة ، فذكر ما سبق.

وذكر الفاكهى ، أن داود بن علىّ لما قدم مكة ، أطلق سديف بن ميمون من الحبس ؛ لأنه كان يجلد كل سبت لتقريبه ولاية بنى العباس ، وأن داود صعد المنبر فخطب فأرتج عليه ، فقام إليه سديف ، فخطب بين يديه ، الخطبة التى ذكرناها ، وهى مذكورة فى كتاب الفاكهى. وكان داود فصيحا مفوّها.

وذكر ابن سعد ، أن أبا العباس السفاح ، لما ظهر ، صعد ليخطب ، فحصر فلم يتكلم ، فوثب عمه داود بن على بين يدى المنبر ، فخطب ، وذكر أمرهم وخروجهم ، ومنّى الناس ووعدهم بالعدل ، فتفرقوا عن خطبته.

وذكر صاحب العقد له خطبتين بليغتين ، إحداهما خطب بها فى المدينة ، فقال : أيها الناس ، حتى م يهتف بكم صريخكم ، أما آن لراقدكم أن تهب من نومه (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين : ١٤]. أغركم الإمهال حتى حسبتموه الإهمال. هيهات منكم ، وكيف بكم والسوط لقا ، والسيف نسيم.

حتى تبيد قبيلة وقبيلة

ويعض كل مثقف بالهام

والثانية ، خطب بها فى مكة ، وهى : شكرا شكرا. والله ما خرجنا لنحفر فيكم نهرا ، ولا لنبنى فيكم قصرا ، أظن عدو الله أن لن نظفر به إذ مد له فى عنانه ، حتى عثر فى فضل زمانه.

فالآن عاد الحق فى نصابه ، وأطلعت الشمس من مشرقها ، والآن تولى القوس باريها ، وعادت النبل إلى النزعة ، ورجع الأمر إلى مستقره فى أهل بيت نبيكم ، أهل الرأفة والرحمة ، فاتقوا الله واسمعوا وأطيعوا ، ولا تجعلوا النعم التى أنعم الله عليكم ، سببا إلى أن تبيح هلكتكم ، وتزيل النعمة عنكم. انتهى.

وقد مدحه إبراهيم بن على هرمة على ما ذكر الزبير بن بكار بقوله (٢) [بحر المنسرح]:

__________________

(٢) انظر : (تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر ٥ / ٢٠٨ ، تهذيب الكمال ١٧٧٦).

٦٦

يا أيها الشاعر المكارم بالمد

ح رجالا ككنه (٣) ما فعلوا

حسبك من قولك الخلاف كما

نجا خلافا ببوله الجمل

الآن فانطق بما تريد فقد

أبدت نهاجا وجوهها السبل (٤)

وقل لداود منك ممدحة

لها زهاء وخلفها نفل (٥)

أروع لا يخلف العدات ولا

يمنع من سؤاله العلل (٦)

لكنه سابغ عطيته

يدرك منه السؤال ما سألوا (٧)

لا عاجز عارب (٨) مروءته

ولا ضعيف فى رأيه زلل

يحمده الجار والمعصب (٩) وال

أرحام تثنى بحسن ما يصل

يسبق بالفعل ظن صاحبه (١٠)

ويقلل الريث عرفه العجل

بحل من المجد والمكارم فى

خير محل يحله رجل

انتهى.

١١٦١ ـ داود بن عيسى بن فليتة بن قاسم بن محمد بن جعفر ، المعروف بابن أبى هاشم ، الحسنى المكى :

أمير مكة ، وجدت ـ فيما أحسب ـ بخط الفقيه جمال الدين بن البرهان الطبرى ، أن

__________________

(٣) فى تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر ٥ / ٢٠٨ :

يا أيها الشاعر المكارم بالمد

ح رجالا لكنهم ما فعلوا

(٤) فى تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر ٥ / ٢٠٨ :

الآن فانطلق بما أردت فقد

أبدت بهاجا وجوها السبل

(٥) فى تهذيب تاريخ دمشق :

وقل لداود منك ممدحة

لها زها من خلفها نغل

(٦) فى تاريخ تهذيب دمشق :

أروع لا يخلف العدات ولا

تمنع منه سؤاله العلل

(٧) فى تاريخ تهذيب دمشق :

لكنه سابغ عطيته يد

رك منه السآل ما سألوا

(٨) فى تهذيب دمشق :

لا عاجز عازب مرؤته

ولا ضعيف فى رأيه زلل

(٩) فى تاريخ تهذيب دمشق :

بحمده الجر والمعقب وال

أرحام تثنى بحسن ما يصل

(١٠) فى تهذيب دمشق :

يسبق بالفضل ظن صاحبه

ويقبل الريث عرفه العجل

٦٧

داود هذا ، ولى إمرة مكة بعد أبيه بعهد منه ، فى أوائل شعبان سنة سبعين وخمسمائة ، فأحسن السيرة وعدل فى الرعية.

فلما كانت ليلة منتصف رجب من سنة إحدى وسبعين ، أخرجه منها ليلا أخوه مكثر ، ولحق داود بوادى نخلة ، ثم عاد إلى مكة ، واصطلح مع أخيه فى نصف شعبان من هذه السنة ، وكان الذى أصلح بينهم ، شمس الدولة أخو السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب ، لما قدم من اليمن ، متوجها إلى الشام. فلما انقضى ـ الحج من هذه السنة ، سلمت مكة إلى داود هذا ، بعد أن أخرج منها أخوه مكثّر ، لما وقع بينه وبين طاشتكين أمير الحاج العراقى من محاربة ، وأسقط داود جميع المكوس بها ، ورحل الحاج بعد أن أخذوا العهود والمواثيق على داود ، أن لا يغير شيئا مما شرط عليه من إسقاط المكوس وغير ذلك من الأرفاق. وكانت مكة سلمت قبله للأمير قاسم بن مهنا الحسينى أمير المدينة ؛ لأنه كان قد ورد مع طاشتكين ، وأقامت معه ثلاثة أيام ، قبل أن تسلم لداود. وسبب تسليم مكة لداود ، عجز قاسم بن مهنا عن إمرة مكة ؛ لأن ابن الجوزى قال فى المنتظم ، فى أخبار سنة إحدى وسبعين وخمسمائة : «فيها عقدت الولاية لأمير المدينة على مكة ، فخرج على خوف شديد من قتال صاحب مكة مكثّر بن عيسى ، ثم قال بعد أن ذكر شيئا من خبر الفتنة التى كانت بمكة فى هذه السنة : ثم إن أمير مكة المشرفة ، الذى كان ولاه الخليفة المستضىء بأمر الله ، قال لأمير الحاج وللحجاج : إنى لا أتجاسر أن أقيم بمكة بعد خروج الحاج ، فأمروا غيره ورحلوا. انتهى.

ولم تطل ولاية داود بن عيسى لمكة ؛ لأنى وجدت ما يقتضى أن أخاه مكثّرا ، كان أميرا بمكة فى سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة ، كما سيأتى فى ترجمة مكثّر ، ثم عاد داود إلى إمرة مكة ، وما عرفت متى كان عوده إليها ؛ إلا أنه كان واليا بها فى سنة سبع وثمانين وخمسمائة ، وفيها عزل عنها ؛ لأن الذهبى قال فى تاريخ الإسلام : فيها أخذ داود أمير مكة ما فى الكعبة من الأموال ، وطوقا كان يمسك الحجر الأسود لتشعثه ، إذ ضربه ذاك الباطنى بعد الأربعمائة بالدبوس.

فلما قدم الركب ، عزل أمير الحاج داود ، وولى أخاه مكثّرا ، وأقام داود بنخلة ، إلى أن توفى فى رجب سنة تسع وخمسين وثمانين ، وهو وآباؤه الخمسة أمراء مكة. انتهى.

والذين ولوا مكة من آبائه أربعة : أبوه عيسى ، وجده فليتة ، وجد عيسى قاسم ، وجد فليتة محمد بن جعفر. فلا يستقيم قول الذهبى إنهم خمسة (١). والله أعلم.

__________________

١١٦١ ـ (١) على هامش إحدى النسخ بخط السيد محمد مرتضى الزبيرى شارح القاموس : ـ

٦٨

ولداود ابن اسمه أحمد ، رأيته مترجما فى حجر قبره : بالشاب الشريف الأمير السعيد ، وليس فى الحجر تاريخ وفاته ، وما عرفت من حاله سوى هذا.

١١٦٢ ـ داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس الهاشمى العباسى :

أمير الحرمين ، ذكر ابن الأثير ، أنه كان أمير مكة فى سنة ثلاث وتسعين ومائة ، وحج بالناس فيها.

وذكر فى أخبار سنة خمس وتسعين ومائة : أنه كان عاملا على مكة والمدينة لمحمد الأمين.

وذكر فى سنة ست وتسعين : أنه كان عاملا على مكة والمدينة للأمين ، وأنه خلع الأمين فيها وبايع للمأمون ، وكان سبب ذلك ، أنه لما بلغه ما كان بين الأمين والمأمون ، وما فعل طاهر ، وكان الأمين قد كتب إلى داود بن عيسى ، يأمره بخلع المأمون ، وبعث أحد الكتابين من الكعبة.

فلما فعل هذا ذلك جمع داود وجوه الناس ، ومن كان شهد فى الكتابين ، وكان داود أحدهم ، فقال : وقد علمتم ما أخذ الرشيد عليكم وعلينا من العهود والميثاق عند بيت الله الحرام لابنيه ، لنكونن مع المظلوم منهما على الظالم ، ومع المغدور به على الغادر. وقد رأينا وأنتم ، أن محمدا قد بدأ بالظلم والبغى والغدر والمكر ، على أخويه : المأمون والمؤتمن ، وخلعهما عاصيا لله تعالى ، وبايع لابنه طفل صغير رضيع لم يفطم ، وأخذ الكتابين من الكعبة فحرقهما ظالما ، وقد رأيت خلعه ، والبيعة للمأمون ، إذ كان مظلوما ، مبغيّا عليه ، فأجابوه إلى ذلك ، فنادى فى شعاب مكة ، فاجتمع الناس ، فخطبهم بين الركن والمقام ، وخلع محمدا وبايع للمأمون ، وكتب إلى ابنه سليمان ـ وهو عامله على المدينة ـ يأمره أن يفعل ما فعل ، فخلع سليمان الأمين وبايع للمأمون.

فلما أتاه الخبر بذلك ، سار من مكة على طريق البصرة ، ثم إلى فارس ، ثم إلى

__________________

ـ «قلت : قول الذهبى صحيح ، فإن جده الأكبر جعفرا ويكنى أبا الفضل ، ويلقب مجد المعالى ، أول من أزال خطبة الفاطميين بمكة ، وخطب للعباسى ، ولبس السواد. وصرح تاج الشرف النسابة فى ترجمة ابنه محمد بن جعفر أن أباه وجده كانا أسرى بمكة ، فتأمل ذلك» كتبه محمد مرتضى غفر له.

١١٦٢ ـ انظر ترجمته فى : (المنتظم ١٠ / ٢٦ ، الكامل فى التاريخ لابن الأثير ٥ / ١٣٧ ـ ١٥٤).

٦٩

كرمان (١) ، حتى صار إلى المأمون بمرو ، فأخبره بذلك ، فسر بذلك سرورا شديدا وتيمن ببركة مكة والمدينة ، وكانت البيعة لهما فى رجب سنة ست وتسعين ومائة ، واستعمل داود على مكة والمدينة. وأضاف إليه ولاية عكّ (٢) ، وأعطاه خمسمائة ألف درهم معونة ، وسير معه ابن أخيه العباس بن موسى بن عيسى بن موسى ، وجعله على الموسم ، فسارا حتى أتيا طاهرا ببغداد ، فأكرمهما وقربهما.

وذكر ابن الأثير فى أخبار سنة تسع وتسعين ومائة ، أن أبا السّرايا ـ داعية ابن طباطبا ، بعد استيلائه على الكوفة ـ ولى مكة الحسين بن الحسن ، الذى يقال له الأفطس ، وجعل إليه الموسم. ولما بلغ داود بن عيسى توجيه أبى السرايا الحسين بن الحسن إلى مكة ، لإقامة الموسم ، جمع أصحاب بنى العباس ومواليهم ، وكان مسرور الكبير ، قد حج فى مائتى فارس ، فتعبأ للحرب ، وقال لداود : أقم لى شخصك أو شخص بعض ولدك ، وأنا أكفيك ، فقال : لا أستحل القتال فى الحرم ، والله لئن دخلوها من هذا الفج ، لأخرجن من هذا الفجّ.

وانحاز داود إلى ناحية ، وافترق الجمع الذى كان جمعهم ، وخاف مسرور أن يقاتلهم ، فخرج فى إثر داود راجعا إلى العراق ، وبقى الناس بعرفة ، فصلى بهم رجل من عرض الناس بغير خطبة ، ودفعوا من عرفة بغير إمام. انتهى.

وذكر الذهبى شيئا من خبر داود فى هذه السنة بزيادة فوائد ؛ لأنه ذكر أن مسرورا

__________________

(١) كرمان : أرض كرمان متصلة بأرض فارس وبأرض مكران. قالوا وهى ثمانون فرسخا فى مثلها ، وحدها فى الشرق أرض مكران ، وفى الغرب أرض فارس ، وفى الشمال مفازة خراسان وسجستان وفى الجنوب بحر فارس. انظر : معجم البلدان ٤ / ٤٥٤ ، الروض المعطار ٤٩١ ، ٤٩٢ ، اليعقوبى ٢٨٦ ، الكرخى ٢٦٦ ، المقدسى ٤٥٩ ، ابن الفقيه ٢٠٥.

(٢) عكّ : بفتح أوله ، والعكّ فى اللغة : الحبس ، والعكّ : ملازمة الحمىّ ، والعكّ : استعادة الحديث مرّتين ، وعك : قبيلة يضاف إليها مخلاف باليمن ومقابله مرساها فهلك ، قال أبو القاسم الزجاجى : سميت بعكّ حين نزولها ، واشتقاقها فى اللغة جائز أن يكون من العكّ وهو شدّة الحرّ ، يقال : يوم عكّ أى أكّ شديد الحرّ ، وقال الفرّاء : يقال عكّ الرجل إبله عكّا إذا حبسها فهى معكوكة ، وقال الأصمعى : عكّة بشرّ عكّا إذا كرره عليه ، وقال ابن الأعرابى : عكّ فلان الحديث إذا فسره ، وقال : سألت القنانى عن شىء فقال : سوف أعكه لك أى أفسره ، والعك : أن تردّ قول الرجل ولا تقبله ، والعكّ : الدقّ ، وقد اختلف فى نسب عكّ فقال ابن الكلبى : هو عكّ بن مالك بن زيد بن كهلان بن سليم بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، وهو قول من نسبه فى اليمن ، وقال آخرون : هو عك بن عدنان بن أدد أخو معدّ بن عدنان. انظر : معجم البلدان (عك).

٧٠

قال لداود : تسلم مالك وولايتك إلى عدوك؟ فقال داود : أى مال لى؟ ، والله لقد أقمت معكم حتى شخت ، فما وليت ولاية حتى كبرت وفنى عمرى ، فولّونى من الحجاز ما فيه الفوت. وإنما هذا الملك لك ولأشباهك ، فقاتل عليه أو دع ، ثم انحاز داود إلى جهة المشاش بأثقاله ، وتوجه منها على درب العراق ، وافتعل كتابا من المأمون ، بتولية ابنه محمد بن داود على صلاة الموسم ، وقال له : أخرج فصل بالناس بمنى ، الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وبت بمنى وصل الصبح ، ثم اركب دوابك فانزل طريق عرفة ، وخذ على يسارك فى شعب عمرو ، حتى تأخذ طريق المشاش ، حتى تلحقنى ببستان ابن عامر ؛ ففعل ذلك فخاف مسرور ، فخرج فى إثر داود راجعا إلى العراق ، وبقى الوفد بعرفة ، فلما زالت الشمس ، حضرت الصلاة ، فتدافعها قوم من أهل مكة. فقال أحمد بن الوليد الأزرقى ـ وهو المؤذن : إذا لم يحضر الولاة يا أهل مكة ، فليصل قاضى مكة محمد ابن عبد الرحمن المخزومى ، وليخطب بهم ، فقال : فلمن أدعو؟. وقد هرب هؤلاء ، وأظل هؤلاء على الدخول. قال : لا تدع لأحد. قال : بل تقدم أنت ، فأبى الأزرقى ، حتى قدموا رجلا صلى الصلاتين بلا خطبة ، ثم مضوا فوقفوا بعرفة ، ثم دفعوا بلا إمام ، وحسين بن علىّ ـ يعنى الأفطس ـ متوقف بسرف (٣). فلما بلغه خلوّ مكة ، وهرب داود ، دخلها قبل المغرب فى نحو عشرة. انتهى.

وذكر ابن الأثير أيضا ما ذكره الذهبى ، من توقف الحسين الأفطس بسرف تخوفا ، وأن دخوله إليها فى عشرة أنفس ، لما خرج إليهم قوم أخبروهم أن مكة قد خلت من بنى العباس. وقد ذكرنا فى ترجمة حسين الأفطس ، ما فعله هو وأصحابه من القبائح بمكة ، فأغنى ذلك عن إعادته.

١١٦٣ ـ داود بن موسى الغمارىّ الفاسى المالكى :

نزيل الحرمين ، عنى فى شبابه بفنون من العلم ، وتنبه فى ذلك ، وصار على ذهنه فوائد ونكت حسنة يذاكر بها ، ثم أقبل على التصوف والعبادة وجد فيها كثيرا ، وسكن الحرمين مدة سنين ، نحو عشرين سنة ، وإقامته بالمدينة أكثر من مكة بيسير.

وكانت وفاته بالمدينة ، فى يوم الخميس مستهل المحرم سنة عشرين وثمانمائة ، على

__________________

(٣) سرف : قال الحميرى : أظنه بكسر الراء ، قال البكرى : هو بإسكان الثانى ، ماء على ستة أميال من مكة. انظر : الروض المعطار ٣١٢ ، معجم ما استعجم ٣ / ٧٣٥ ، رحلة الناصرى ٢٣٣.

١١٦٣ ـ انظر ترجمته فى : (التحفة اللطيفة ٢ / ٣٩ ، الضوء اللامع ٣ / ٢١٦).

٧١

مقتضى رؤية الناس لهلال المحرم فى غير الحرمين ، وعلى مقتضى رؤيته فيهما ، سلخ الحجة من سنة تسع عشرة ، والأول أصوب ، والله أعلم.

وله بمكة ابنة وملك ، وكان كثير الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر ، وله فى ذلك إقدام على الولاة وغيرهم ، وبينى وبينه مودة ومحبة ، تغمده الله تعالى برحمته ، وأظنه مات فى عشر الستين.

١١٦٤ ـ دهمش بن وهّاس بن عثور بن حازم بن وهّاس الحسنى السليمانى ، الأمير :

ذكره العماد الكاتب فى الخريدة فى شعراء مكة ، وذكر أنه وفد إلى الملك الناصر ، يعنى صلاح الدين يوسف بن أيوب ، وكان على حلب ، فى رابع عشرى ذى الحجة سنة إحدى وسبعين وخمسمائة ، قال : أنشدنى لنفسه فى الأمير مالك بن فليتة ، وقد وفد إلى الشام سنة سبع وستين ، ومات فى الطريق بوادى العضاد ، ودفن بالأحولية من مرثية فيه ، أولها [من الطويل] :

فمنع دموعى الجامدات الصلائب

مصاب فتى آها له فى المصائب

فأورث قلبى حر نار كأنما

لظى الجمر ما بين الحشا والترائب

كأن جفونى يوم واريت شخصه

شآبيب مزن من ثقال السحائب

تعجب صحبى كيف لم تجر مقلتى

مع الدمع واعتدوا بها فى العجائب

ولم يعلموا أن المدامع أصلها

من القلب لا من مقلة ذات حاجب

بنفسى من بالأحولية قبره

تمر به الريح الصبا والجنائب

وهى طويلة ، أوردها العماد الكاتب فى الخريدة.

* * *

__________________

١١٦٤ ـ انظر ترجمته فى : (خريدة القصر ٣ / ٣٥).

٧٢

حرف الذال المعجمة

١١٦٥ ـ ذاكر بن عبد المؤمن بن أبى المعالى بن أبى الحسن بن ذاكر بن أحمد بن حسن بن شهريار ـ جار سلمان الفارسى ـ الكازرونى المكى :

مؤذن الحرم الشريف ، موفق الدين أبو الثناء. يروى عن ابن البنا شيئا من الترمذى. ولعله سمعه كله.

قرأ عليه الدمياطى بمكة ، وأخرج عنه فى معجمه ، ولم أدر متى مات ، إلا أنه كان حيّا فى سنة تسع وأربعين وستمائة.

١١٦٦ ـ ذو الشّمالين :

من أهل مكة ، ذكره هكذا ، الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسى فى مختصره لألقاب الشيرازى.

وهو ذو الشمالين ابن عبد عمرو بن نضلة بن غبشان الخزاعى. انتهى.

وقد أخل ابن طاهر بذكر اسم ذى الشمالين ، وأسقط من نسبه عمرا بين نضلة وغبشان ؛ لأن ابن عبد البر قال : ذو الشمالين ، واسمه عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن عمرو بن غبشان بن سليم بن مالك بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر. انتهى.

وذكر ابن الأثير ، أن ابن عبد البر خولف فيما ذكره من نسبه بعد غبشان ، واسمه الحارث بن عبد عمرو بن نوى بن ملكان بن أفصى ، ثم قال : فجعله من ولد ملكان بن أفصى ، وهو أخو خزاعة وأسلم.

ونقل ابن الأثير عن ابن إسحاق ، ما يوافق ما ذكره ابن طاهر فى ذى الشمالين ؛ لأنه قال : ابن إسحاق : ذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة بن غبشان. انتهى.

وذكر ابن إسحاق شيئا من حاله ؛ لأن ابن عبد البر قال : وقال ابن إسحاق : هو خزاعى ، يكنى أبا محمد ، حليف لبنى زهرة ، كان أبوه عبد عمرو بن نضلة ، قدم مكة فحالف عبد بن الحارث بن زهرة ، وزوجه ابنته نعما ، فولدت له عميرا ذا الشمالين ،

__________________

١١٦٦ ـ انظر ترجمته فى : (المنتظم ٣ / ٧٢ ، ١٣٠ ، ١٤١ ، الاستيعاب ترجمة ٧١٧ ، الإصابة ترجمة ٢٤٦٤ ، أسد الغابة ترجمة ١٥٤٦).

٧٣

كان يعمل بيديه جميعا. شهد بدرا ، وقتل يوم أحد شهيدا ، قتله أسامة الجشمىّ. انتهى.

قوله : وقتل يوم أحد ، غلط من ناسخ كتاب الاستيعاب ؛ لأنه قتل يوم بدر ، على ما ذكر غير واحد من العلماء ، منهم ابن عبد البر. والله أعلم.

وهو غير ذى اليدين القائل للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لما سلم من الصلاة ساهيا : أقصرت الصلاة أم نسيت؟.

وذو اليدين اسمه الخرباق بن عمرو من بنى سليم. وكان على ما ذكر ابن الأثير والكاشغرى ، ينزل بذى خشب من ناحية المدينة. وكان الزهرى على علمه بالمغازى يقول : إن ذى اليدين هو ذو الشمالين المقتول ببدر.

قال ابن عبد البر : وذلك وهم منه عند أكثر العلماء. انتهى.

وإنما كان ذلك وهما ؛ لأن ذا الشمالين من خزاعة ، وذا اليدين من بنى سليم ، وذا الشمالين استشهد يوم بدر باتفاق ، وذا اليدين عاش على ما ذكر ابن عبد البر ، وابن الأثير والنووى ، بعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم زمنا ، حتى روى عنه المتأخرون من التابعين.

ومما يؤيد أنه غيره ، كون أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ شهد قصة السهو على ما فى الصحيحين ، وإسلامه كان عام خيبر باتفاق ، وهى بعد بدر بخمس سنين ، لكن الزهرى ذكر أن قصة ذى اليدين فى الصلاة ، كانت قبل يوم بدر ، ثم أحكمت الأمور بعد. انتهى.

قال النووى : وتابعه على ذلك أصحاب أبى حنيفة ، وادعوا أن كلام الناس فى الصلاة يبطلها ، وادعوا أن هذا الحديث منسوخ. والصواب ما سبق. انتهى بالمعنى ، والله أعلم.

١١٦٧ ـ ذؤيب بن حلحلة ، ويقال ذؤيب بن حبيب بن حلحلة بن عمرو بن كليب بن أصرم بن عبد الله بن قمير بن حبشيّة بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة الخزاعى الكعبى ، أبو قبيصة :

شهد الفتح مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وله رواية عنه. روى عنه عبد الله بن عباس. روى له

__________________

١١٦٧ ـ انظر ترجمته فى : (طبقات ابن سعد ٤ / ٢٤١ ، تاريخ البخارى الكبير الترجمة ٩٠٠ ، الجرح والتعديل الترجمة ٢٠٣٤ ، جمهرة ابن حزم ٢٣٦ ، الاستيعاب ترجمة ٧٠٨ ، أسد الغابة ترجمة ١٥٦٥ ، الكاشف ١ / ٢٩٨ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ١٧١ ، تهذيب ابن حجر ٣ / ٢٢ ، الإصابة ترجمة ٢٤٩٥ ، خلاصة الخزرجى الترجمة ١٩٧٨ تهذيب الكمال ١٨١٨).

٧٤

مسلم ، وأبو داود وابن ماجة حديثا واحدا ، وهو أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان يبعث معه بالبدن ، ثم يقول : «إن عطب منها شىء قبل محله ، فخشيت عليه موتا فانحرها ، ثم اغمس نعلها فى دمها ، ثم اضرب به صفحتها ، ولا تطعم أنت ولا أحد من أهل رفقتك» (١).

وقال صاحب الكمال : روى له عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أربعة أحاديث. وقال ابن البرقى ، فيما نقل عنه المزّى : جاء عنه حديث واحد.

وذكر أبو عمر بن عبد البر ، أنه شهد الفتح مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان يسكن قديدا ، وله دار بالمدينة ، وعاش إلى زمن معاوية ، قال : وجعل أبو حاتم الرازى ، ذؤيب بن حبيب ، غير ذؤيب بن حلحلة. ثم قال ابن عبد البر ، بعد أن ذكر كلام أبى حاتم فى التفرقة بينهما : ومن جعل ذؤيبا هذا رجلين ، فقد أخطأ ولم يصب ، والصواب ما ذكرناه ، والله أعلم. انتهى.

ونقل صاحبنا الحافظ ابن حجر ، عن ابن سعد والبغوى ، أنهما قالا : إن ذؤيبا هذا ، بقى إلى زمن معاوية.

ولكن ذكر عن ابن معين ما يخالف ذلك ؛ لأن فى تهذيب الكمال للمزّى : وقال المفضل بن غسان الغلّابىّ ، عن يحيى بن معين ، أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بقبيصة بن ذؤيب الخزاعى ، ليدعو له بالبركة بعد وفاة أبيه ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذا رجل نساء». انتهى.

وهذا يدل على أن ذؤيبا مات فى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والله أعلم بالصواب.

وذكر ابن الأثير فى نسبه ، غير ما ذكرناه عن ابن عبد البر ؛ لأنه قال : ذؤيب بن حلحلة ، وقيل ذؤيب بن قبيصة ، أبو قبيصة بن ذؤيب الخزاعى ، ثم ذكر فى نسبه ما ذكرنا ، فوقعت المخالفة فى اسم أبى ذؤيب ، هل هو حلحلة أو قبيصة؟ على أن النسخة التى رأيتها من كتاب ابن الأثير سقيمة ، والله أعلم بصحة ذلك.

ثم قال ابن الأثير : وقد روى فى بدن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعثها مع ناجية

__________________

(١) أخرجه مسلم فى صحيحه ، كتاب الحج ، حديث رقم (٢٣٤٩) من طريق : أبو غسان المسمعى ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سنان بن سلمة ، عن ابن عباس أن ذؤيبا أبا قبيصة حدثه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول : إن عطب منها شىء فخشيت عليه موتا فانحرها ثم اغمس نعلها فى دمها ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك.

وأخرجه الترمذى فى سننه ، كتاب الحج ، حديث رقم (٨٣٤). أخرجه أبو داود فى سننه ، كتاب المناسك ، حديث رقم (١٤٩٩).

٧٥

الخزاعى ، وسيذكر فى بابه إن شاء الله تعالى.

وكان ابن الأثير ذكر مستدركا على أبى عمر ، فإنه قال : كان ذؤيب هذا ، صاحب بدن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان يبعث معه الهدى. انتهى.

ويمكن نفى المعارضة ، بأن يكون صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعث هديه مع ذؤيب وناجية. وكان ذؤيب مقدما فى أمرها ، والله أعلم.

وفى النسخة التى رأيتها من الكمال ، فى نسبه : طليب ، عوض كليب. والصواب بالكاف ، وكذا ذكره غير واحد ، والله أعلم.

١١٦٨ ـ [ذو النون ، يونس بن يحيى بن أبى الحسن بن أبى البركات بن أحمد بن عبد الله القصار البغدادى الهاشمى الفقيه :

كان إماما بارعا ، عارفا بالحديث وبطرقه ورجاله ، أقام بمدينة زبيد مدة ، وأخذ عنه بها جمع كبير ، وأقام بمكة مدة ، إماما بالمقام ، وأخذ عنه بها القاضى إسحاق الطبرى وغيره ، وممن أخذ عنه : الفقيه الإمام العلامة إسماعيل بن محمد الحضرمى ، قال الجندى : ولم أتحقق ما آل أمره إليه ، رحمه‌الله تعالى.

وقد قيل إنه توفى سنة ثلاث وستين وستمائة ، فيما حكاه ابن نقطة وغيره ، وقد قيل إن الذى أخذ عنه هو الفقيه محمد بن إسماعيل الحضرمى ، والد الفقيه إسماعيل ، وصحح هذا بعض العلماء ، وقال : هو الصواب ؛ لأن تاريخ الخزرجى ذكره فى حرف الذال المعجمة ، ولم يذكره تقى الدين الفاسى ، فى حرف الذال ، ولا فى حرف الياء ، آخر الحروف.

والعجيب أنه قد ذكر فى ترجمة القاضى إسحاق بن أبى بكر الطبرى أنه ولد بمكة وسمع بها من زهران بن رستم : جامع الترمذى ومن يونس بن يحيى الهاشمى : صحيح البخارى. انتهى](١).

* * *

__________________

١١٦٨ ـ (١) هذه الترجمة جاءت على هامش الأزهرية بخط مغاير للنسخة.

٧٦

حرف الراء

من اسمه راجح

١١٦٩ ـ راجح بن أبى بكر بن إبراهيم بن محمد القرشى العبدرىّ ، أبو محمد ، وأبو الوفا الميورقىّ ، الملقب بمخلص الدين :

ذكره المهدوىّ ، وقال بعد أن عرفه بما ذكرنا : أحد فضلاء ميور(١) وساداتها ، نشأ ببلاد المشرق ، وكان من أحسن الناس خلقا ، وألينهم عريكة ، وأكثرهم تواضعا وخشوعا ، وأحبهم فى الصالحين ، وأكثرهم إيثارا.

دخل حلب ، فكان شيخ الصوفية بها ، ثم ارتحل إلى بغداد ، فاهتزت لدخوله ، وبعث له الخليفة ضيافة وصلة عظيمة ، ومع ذلك فلا يبقى شيئا لكثرة إيثاره. وكان كثير العبادة ، لا تكثر عنده البتة ، ولا لنفسه عنده حظ ، دخلت إليه فى مرضه الذى توفى فيه ، يوم الأحد سابع شوال من سنة ثلاث وأربعين وستمائة ، وهو فى بيت سكناه فى الحرم الشريف ، فسألته عن حاله ، فنظر إلىّ وضحك وقال : غدا أدخل الحمام ، وبعد غد أستريح إن شاء الله تعالى ، فكان كما قال ـ رضى الله عنه ـ فاشتد عليه المرض فى غد ، فأدخل المارستان ، وفى بعد غد مات ، رضى الله عنه ، بعد صلاة الصبح ، وقد صلى الصبح ومات فى إثرها ، وارتج له الحرم.

وذكر أنه قرأ على أبى زكريا يحيى بن على المغيلىّ : كتاب الموطأ ، عن ابن الرّمّانة ، عن أبى البحر ، عن ابن عبد البر ، وكتب له بالإجازة أبو القاسم بن الحرستانىّ ، وأبو اليمن الكندى ، وعبد العزيز بن منينا ، وجماعة.

وذكره ابن منصور بن سليم فى تاريخه ، فقال : شيخ حسن ، كان من العلماء والمشايخ الصلحاء ، قدم الإسكندرية قبل الستمائة ، فسمع بها الحديث من أبى القاسم عبد الرحمن بن موقا الأبيارى ، وأبى زكريا يحيى بن على المغيلىّ وغيرهما ، وتفقه بها ، ثم انتقل إلى الشام مدة ، وتقدم على الصوفية بحلب ، وصحبته إلى بغداد ، ثم قدم الثغر زائرا ، فسمعت منه. وكان ثبتا صالحا ثقة.

__________________

(١) ميور : جزيرة فى البحر الشامى وهى قريبة من نابل الساحلية وهى جزيرة خصيبة تسمى ميور ، ويقال للجزيرة شكلة ميور. انظر : الروض المعطار ٣٤٢ ، الإدريسى ١٧ ، ٣٠.

٧٧

وذكر الشريف أبو القاسم الحسينى فى وفياته ، فقال بعد أن ذكر شيئا من روايته : وكان من الصالحين المشهورين ، وجاور بالحرم مدة. وذكر أنه توفى فى تاسع شوال سنة ثلاث وأربعين وستمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة ، وأن مولده ـ على ما ذكر ـ بميور ، فى رجب سنة ثمان ، أو أوائل سنة تسع وثمانين وخمسمائة.

١١٧٠ ـ راجح بن أبى سعد بن أبى نمى محمد بن أبى سعد حسن بن على بن قتادة ، الحسنى المكى :

كان من أعيان الأشراف آل أبى نمى ، حسن الشكالة ، يحفظ شعرا للأشراف آل أبى نمى ، ويذاكر به ، وفيه خير. وكان يطمع فى إمرة مكة ، فاخترمته المنيّة دون ذلك.

وكانت وفاته بالمحرم سنة خمس وثمانمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة.

١١٧١ ـ راجح بن على بن مالك بن حسن بن حسين بن كامل بن أحمد بن يحيى بن حسين بن محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن محمد ابن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب الحسنى المكى :

توفى يوم السبت رابع المحرم سنة خمس وأربعين وسبعمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة. ومن حجر قبره نقلت نسبه ووفاته.

١١٧٢ ـ راجح بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم الحسنى المكى :

أمير مكة ، ولى إمرتها أوقاتا كثيرة كما سيأتى بيانه ، وجرى له فى ذلك أمور نشير إليها ؛ لأنه لما مات أبوه ، رام الإمرة بمكة ، فلم تتهيا له لغلبة أخيه حسن بن قتادة على ذلك.

وذكر ابن الأثير ، أنه لما ملك أخوه حسن مكة ، كان مقيما فى العرب بظاهر مكة ، يفسد وينازع أخاه حسنا فى ملك مكة. فلما سار حجاج العراق ، كان الأمير عليهم ، مملوك من مماليك الخليفة الناصر لدين الله اسمه آقباش ، فقصده راجح بن قتادة ، وبذل له وللخليفة مالا ليساعده على ملك مكة ، فأجابه إلى ذلك. ووصلوا إلى مكة ، ونزلوا بالزاهر ، وتقدم إلى مكة مقاتلا لصاحبها حسن ، وكان قد جمع جموعا كثيرة من العرب

__________________

١١٧٠ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٣ / ٢٢٣).

١١٧٢ ـ انظر ترجمته فى : (الكامل لابن الأثير ٩ / ٣٤٥ ، المنهل الصافى ٥ / ٣٣٩ ، إتحاف الوردى ٣ / ٧٨).

٧٨

وغيرهم ، فخرج إليه من مكة وقاتله. وذكر ما سبق فى ترجمة حسن بن قتادة ، من قتل أصحابه لآقباش. وسبق ذلك أيضا فى ترجمة آقباش.

وذكر ابن محفوظ : أن راجح بن قتادة باين أخاه حسن بن قتادة ، لما ملك مكة بعد موت أبيه. فلما كان الموسم الذى مات فيه أبوه ، تعرض راجح لقطع الطريق بين مكة وعرفة ، فمسكه أمير الحاج ، وكان أمير الحاج اسمه أبا آقباش ، يعنى آقباش السابق ذكره ، وكأنه تصحف عليه ، وأقام معه الحوطة ، فأرسل إليه صاحب مكة ـ يعنى حسن بن قتادة ـ يقول له : سلّمه إلىّ وأسلم إليك مالا جزيلا ، فاتفقا على ذلك. فقال راجح للأمير : أنا أدفع إليك أكثر مما يدفع ، فأجابه إلى ذلك ، وعزم على دخول مكة وتسليمها لراجح ، فقتل الأمير آقباش على جبل الحبشى ، وهرب راجح إلى جهة اليمن ، ثم توجه راجح إلى الملك المسعود ملك اليمن. انتهى.

وذكر أيضا : أن الملك المسعود ، لما ملك مكة ، ولى راجحا حلى ونصف المخلاف. انتهى.

وولى راجح بن قتادة مكة غير مرة ، فى زمن الملك المنصور صاحب اليمن ، مع عسكر الملك المنصور ، وجرى بينهم وبين عسكر صاحب مصر الملك الكامل ، وابنه الملك الصالح أيوب ، فى ذلك أمور ، ذكرها جماعة من المؤرخين ، منهم ابن البزورى ؛ لأنه قال فى ذيل المنتظم لابن الجوزى فى أخبار سنة تسع وعشرين وسبعمائة : فى ربيع الآخر ، تغلب راجح بن قتادة العلوى الحسنى على مكة ، وأخرج عنها المتولى عليها من قبل الملك الكامل زعيم مصر. فبلغ ذلك مستنيبه ، فنفذ له عسكرا نجدة له ، فعرف ذلك راجح فخرج عنها.

وقال فى أخبار سنة ثلاثين وستمائة : فى محرم منها ، جمع راجح بن قتادة جمعا عظيما ، وقدم مكة شرفها الله تعالى ، فدخلها واستولى عليها ، وطرد عنها من كان بها من عسكر الملك الكامل زعيم مصر ، وأمده الملك المنصور عمر بن على بن رسول (١) زعيم اليمن بعساكره ، وأخرج عنها متوليها ألطغتكين ، من قبل الكامل.

وفى هذه السنة ، وصل عسكر مصر إلى مكة واستولى عليها ، وأخرج عنها أميرها راجح بن قتادة ، وعدلوا فى أهلها وأحسنوا السيرة.

__________________

(١) عمر بن على بن رسول ـ واسمه محمد ـ بن هارون بن أبى الفتح الغسانى التركمانى ، نور الدين ، الملقب بالملك المنصور : مؤسس الدولة الرسولية فى اليمن ، وأحد الدهاة الأجواد الشجعان. ولد بمصر ونشأ أديبا فاضلا ، حسن الاتصال ببنى أيوب. انظر : (العقود اللؤلؤية ١ / ٤٣ ـ ٨٨ ، الذهب المسبوك ٣٩. الأعلام ٥٦ / ٥).

٧٩

وفى أوائل صفر سنة ثلاث وثلاثين ، وصل الحاج ، وأخبروا بطيب حجهم ، وأن الملك الكامل نفذ بعض زعمائه فى ألف فارس إلى مكة ، فأخرجوا عنها راجح بن قتادة واستولى عليها.

وذكر النويرى فى كتابه نهاية الأرب ، بعض ما ذكره ابن البزورىّ من خبر راجح بن قتادة ، وأفاد فى ذلك ما لم يفده البزورىّ ؛ لأنه ذكر أن فى صفر سنة ثلاثين وستمائة ، تسلم راجح بن قتادة مكة ، وكان قصدها فى سنة تسع وعشرين ، وصحبته عسكر صاحب اليمن الملك المنصور ، وكان الأمير فخر الدين ابن الشيخ بمكة ، ففارقها.

وذكر أن فى سنة اثنتين وثلاثين ، توجه الأمير أسد الدين جفريل إلى مكة ، وصحبته سبعمائة فارس ، فتسلمها فى شهر رمضان ، وهرب منها راجح بن قتادة ، ومن كان بها من عسكر اليمن. انتهى.

فاستفدنا من هذا ، تعيين مقدار عسكر الكامل الذى أنفذه إلى مكة ، فى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ، وتعيين أميره ، وتعيين استيلائهم على مكة ، ووقت خروج راجح منها ، وكل ذلك لا يفهم مما ذكره ابن البزورىّ. واستفدنا مما ذكره فى أخبار سنة ثلاثين ، أن استيلاء راجح بن قتادة على مكة فيها ، كان فى صفر من هذه السنة ، وهو يخالف ما ذكره ابن البزورى فى تاريخ استيلاء راجح على مكة فى هذه السنة ، وأن الأمير فخر الدين ابن الشيخ ، كان بمكة في هذه السنة.

وذكر ابن محفوظ هذه الأخبار ، وأفاد فيها ما لم يفده غيره ؛ لأنه قال : سنة تسع وعشرين وستمائة ، جهز الملك المنصور فى أولها جيشا إلى مكة وراجح معه ، فأخذها ، وكان فيها أمير الملك الكامل ، يسمى شجاع الدين الدغدكينى ، فخرج هاربا إلى نخلة ، وتوجه منها إلى ينبع ، وكان الملك الكامل وجه إليه بجيش ، ثم جاء إلى مكة فى رمضان ، فأخذها من نواب الملك المنصور ، وقتل من أهل مكة ناسا كثيرا على الدرب ، وكانت الكسرة على من بمكة.

وقال أيضا فى سنة ثلاثين وستمائة : ثم جاء الشريف راجح بعسكر من اليمن ، فأخرج من كان بمكة من المصريين بالإرجاف بلا قتال ، وفى آخرها حج أمير من مصر ، يقال له الزاهد ، فى سبعمائة فرس ، فتسلم مكة وحج بالناس ، وترك فى مكة أميرا يقال له ابن المحلى ، فى خمسين فارسا ، أقام بمكة سنة إحدى وثلاثين.

وذكر بعض العصريين فى بعض تواليفه ، شيئا من خبر ولاية الأمير راجح بن قتادة لمكة ، فى زمن الملك المنصور صاحب اليمن ، وما جرى لراجح وعسكر المنصور ، مع

٨٠