العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٤

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٤

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٦٢

فى سنة ثمان وسبعمائة ، وشكيا إلى الأمراء ، من أخويهما حميضة ورميثة ؛ لأنهما كانا اعتقلا أبا الغيث وعطيفة ، ثم هربا من اعتقالهما ، وحضرا عند الأمراء كما ذكرنا ، فاقتضى رأى الأمراء القبض على حميضة ورميثة تأديبا لهما ، وحملا إلى القاهرة ، واستقر عوضهما فى الإمرة بمكة أبو الغيث وعطيفة ، هكذا ذكر ما ذكرناه من سبب القبض على حميضة ورميثة ، وتولية أبى الغيث وعطيفة فى هذا التاريخ ، صاحب نهاية الأرب ، وإلا فالأمير بيبرس الداوادار فى تاريخه ، وهو الغالب على ظنى.

وذكر ذلك صاحب بهجة الزمن فى تاريخ اليمن ، إلا أنه خالف فى بعض ذلك ؛ لأنه قال فى ترجمة أبى نمى : واختلف القواد والأشراف بعد موته على أولاده ، فطائفة مالت إلى رميثة وحميضة على أخويهما فلزماهما ، وأقاما فى حبسهما مدة ، ثم احتالا فخرجا وركبا إلى بعض الأشراف والقواد ، فمنعوا منها.

ولما وصل الحاج المصرى ، تلقاهم أبو الغيث ، فمالوا إليه ، ولما انفصل الموسم ، لزم الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير ، حميضة ورميثة ، وسار بهما إلى مصر مقيدين ، وأمر بمكة أبا الغيث ، ومحمد بن إدريس ، وحلفهما لصاحب مصر. انتهى.

وكان من خبر رميثة ، أنه وأخاه حميضة ، وليا إمرة مكة فى سنة أربع وسبعمائة ، وهذه ولايته الثانية ، التى شارك فيها أخاه حميضة ، ودامت ولايتهما لمكة إلى زمن الموسم ، من سنة ثلاث عشرة وسبعمائة ، وما ذكرناه من ولايته لإمرة مكة ، مع أخيه حميضة فى هذا التاريخ ، ذكره صاحب بهجة الزمن ، وأفاد فى ذلك ما لم يفده غيره ، مع شىء من خبرهما. ولذلك رأيت أن أذكره.

قال فى أخبار سنة أربع وسبعمائة : وحج من مصر خلق كثير ، وفى جملتهم الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير ، فى أمراء كثيرين ، ووصل معهم الشريفان رميثة وحميضة ، ولدا أبى نمى المقدما الذكر فى القبض عليهما ، فلما انقضى الحج ، أحضر الأمير ركن الدين أبا الغيث وعطيفة ، وأعلمهما أن ملك مصر قد أعاد أخويهما إلى ولايتهما ، فلم يقابلا بالسمع والطاعة ، وحصلت منها المنافرة ، ثم قال : واستمر حميضة ورميثة فى الإمرة يظهران حسن السيرة وجميل السياسة ، وأبطلا شيئا من المكوس فى السنة المذكورة والتى قبلها. انتهى.

ووجدت فى بعض التواريخ ، ما يقتضى أن رميثة وحميضة ، وليا مكة فى سنة ثلاث وسبعمائة ، وهذا يخالف ما ذكره صاحب بهجة الزمن ، وما سبق قبله ، والله أعلم.

وذكر صاحب البهجة فى أخبار سنة ثمان وسبعمائة : أنه ظهر منهما من العسف ما لا يمكن شرحه.

١٠١

وذكر أن فى سنة عشر وسبعمائة ، حج من الديار المصرية عسكر قوى ، فيه من أمراء الطبلخانات ، يريدون لزم الشريفين حميضة ورميثة ، فلما علما بذلك نفرا من مكة ، ولم يحصل العسكر على قبضهما. فلما توجه العسكر إلى الديار المصرية ، عادا إلى مكة ، شرفها الله تعالى.

وقال فى أخبار سنة اثنتى عشرة وسبعمائة : وفعل فيها حميضة ورميثة ما لا ينبغى من نهب التجار ؛ لأنهما خافا أن يقبض عليهما الملك الناصر ، فعدلا عن مكة وعادا إليها بعد ذهاب الملك الناصر ، وذلك أنه حج فى هذه السنة ، فى مائة فارس وستة آلاف مملوك على الهجن.

وقال فى أخبار سنة ثلاث عشرة وسبعمائة : وفى السنة المذكورة ، وصل الشريف أبو الغيث بن أبى نمى من الديار المصرية إلى مكة المشرفة ، ومعه عسكر جرّار ، فيهم من المماليك الأتراك ثلاثمائة وعشرون فارسا ، وخمسمائة فارس من أشراف المدينة ، خارجا عما يتبع هؤلاء من المتخطفة ، والحرامية ، ولما علم حميضة ورميثة بأمرهم ، هربوا إلى صوب حلى بن يعقوب ، واستولى أبو الغيث على مكة.

وقال فى أخبار سنة أربع عشرة وسبعمائة : ففى المحرم سار أبو الغيث وطقصبا إلى صوب حلى بن يعقوب ، لطلب حميضة ورميثة ، فسارا قدر مرحلتين ، ولم يجدا خبرا عن الشريفين المذكورين ؛ لأنهما لحقا ببلاد السّراة ، ووصلا إلى حلى بن يعقوب ، ولم يدخلها طقصبا ، وقال : هذه أوائل بلاد السلطان الملك المؤيد ، ولا ندخلها إلا بمرسوم السلطان الملك الناصر ، فعاد على عقبه. انتهى.

وولى رميثة مكة فى سنة خمس عشرة وسبعمائة ، وهذه ولايته الثالثة ، ودامت ولايته عليها إلى انقضاء الحج ، من سنة سبع عشرة وسبعمائة ، أو إلى أوائل سنة ثمان عشرة ، واستقل بإمرة مكة فيها.

قال صاحب نهاية الأرب فى أخبار سنة خمس عشرة : وفى هذه السنة فى ثالث جمادى الآخرة ، وصل الشريف أسد الدين أبو عرادة رميثة بن أبى نمى ، من الحجاز إلى الأبواب السلطانية ، وأظهر التوبة والتنصل والاعتذار بسالف ذنوبه ، وأنهى أنه استأنف الطاعة ، وسأل العفو عنه ، وإنجاده على أخيه عز الدين حميضة ، فقبل السلطان عذره وعفا عن ذنبه ، وجرد طائفة من العسكر ، مقدمهم الأمير سيف الدين دمرخان بن قرمان ، والأمير سيف الدين طيدمر الجمدار ، فتوجها هما والأمير أسد الدين إلى الحجاز الشريف ، فى ثانى شعبان ، ورحلوا من بركة الحاج فى رابعه.

١٠٢

فلما وصلوا إلى مكة شرفها الله تعالى ، كان بها حميضة ، فقصدوه وكبسوا أصحابه وهم على غرّة ، فقتلوا وسبوا ونهبوا ، وفرّ هو فى نفر يسير من أصحابه إلى العراق ، والتحق بخربندا ملك التتار ، واستنصر به ، فمات خربندا قبل إعانته. انتهى.

وفى هذا ما يوهم أن رميثة والعسكر الذى كان معه ، واقعوا حميضة بمكة ، وليس كذلك ؛ لأنهم لم يواقعوه إلا بالخلف والخليف ، لهروبه منهم إليه مستجيرا بصاحبه ، كما ذكر البرزالى فى تاريخه ، وقد تقدم ذلك فى ترجمة حميضة.

وذكر صاحب نهاية الأرب ما يقتضى أن ولاية رميثة بمكة ، زالت بعد انقضاء الحج من سنة سبع عشرة ، أو فى أول سنة ثمان عشرة ؛ لأنه قال فى أخبار سنة ثمان عشرة وسبعمائة : وفى صفر من هذه السنة ، وردت الأخبار من مكة ـ شرفها الله تعالى ـ أن الأمير عز الدين حميضة بن أبى نمى ، بعد عود الحاج من مكة ، وثب على أخيه الأمير أسد الدين رميثة ، بموافقة العبيد وأخرجه من مكة ، فتوجه رميثة إلى نخلة (١) ، وهى التى كان حميضة بها ، واستولى حميضة على مكة ـ شرفها الله تعالى ـ وقيل إنه قطع الخطبة السلطانية ، وخطب لملك العراقين ، وهو أبو سعيد بن خربند ابن أرغون بن أبغا بن هولاكو.

وذكر تجريد صاحب مصر فى سنة ثمان عشرة ، للعسكر الذى تقدم ذكره فى ترجمة حميضة لإحضاره ، وذكر أيضا ما يقضى أن رميثة كان أميرا على مكة فى سنة ثمان عشرة ، وهذه ولايته الرابعة التى استقل فيها ، لأنه قال فى أخبار سنة تسع عشرة :

وفى يوم الخميس السابع من المحرم ، وصل الأمير شمس الدين آق سنقر الناصرى ، أحد الأمراء ، من الحجاز الشريف ، إلى قلعة الجبل ، ووردت الأخبار معه ، أنه قبض على الأمير أسد الدين رميثة أمير الحجاز الشريف ، وعلى الأمير سيف الدين بهادر الإبراهيمى أحد الأمراء ، وهو الذى كان قد جرّد بسبب الأمير عز الدين حميضة. والذى ظهر لنا فى سبب القبض عليهما ، أن رميثة نسب إلى مباطنة أخيه حميضة ، وأن الذى يفعله من التشعيث باتفاق رميثة ، وأن الأمير لما توجه لمحاربة حميضة والقبض عليه ، ركب إليه وتقاربا من بعضهما بعضا ، وباتا على ذلك ، ولم يقدم الإبراهيمى على مهاجمته والقبض عليه ، فاقتضى ذلك سجنه ، واتصل بالسلطان أيضا ، أن الإبراهيمى ارتكب فواحش عظيمة بمكة ـ شرفها الله تعالى ـ فرسم بالقبض عليهما ، ووصل الأمير أسد الدين

__________________

(١) نخلة : موضع على ليلة من مكة. انظر : الروض المعطار ٥٧٦ ، معجم ما استعجم ٤ / ١٣٠٤.

١٠٣

رميثة ، ورسم عليه بالأبواب السلطانية أياما ، ثم حصلت الشفاعة فيه ، فرفع عن الترسيم ، وأقام يتردد إلى الخدمة السلطانية مع الأمراء ، إلى أثناء ربيع الآخر من السنة ، فحضر إلى الخدمة فى يوم الاثنين رابع عشره ، ثم ركب فى عشية النهار على هجن أعدت له وهرب نحو الحجاز ، فعلم السلطان بذلك فى يوم الثلاثاء ، فجرد خلفه جماعة من عربان العابد ، فتوجهوا خلفه ، وتقدم الأميران المبدأ بذكرهما ، ومن معهما من العربان ، فوصلوا إلى منزلة حقل ، وهى بقرب أيلة مما يلى الحجاز ، فأدركوه فى المنزلة ، فقبضوا عليه وأعادوه إلى الباب السلطانى ، فكان وصولهم فى يوم الجمعة الخامس والعشرين من الشهر ، فرسم السلطان باعتقاله بالجب ، فاعتقل واستمر فى الاعتقال إلى يوم الخميس ، الثانى من صفر سنة عشرين وسبعمائة ، فرسم بالإفراج عنه. انتهى.

وذكر البرزالى ما يوافق ما ذكره النويرى فى نهاية الأرب ، فى القبض على رميثة بمكة ، وذكر أن ذلك فى يوم الثلاثاء رابع عشر ذى الحجة ، بعد انقضاء أيام التشريق ، وحمل إلى مصر تحت الاحتفاظ.

فلما وصل ، أكرمه السلطان وأجرى عليه فى كل شهر ألف درهم ، فبقى يجرى ذلك عليه نحو أربعة أشهر ، وهرب من القاهرة إلى الحجاز ، وعلم السلطان بهزيمته فى اليوم الثانى ، فكتب إلى الشيخ آل حرب يقول له : هذا هرب على بلادك معتمدا عليك ، ولا أعرفه إلا منك ، فركب شيخ آل حرب بالهجن السبق ، وسار خلفة مجدّا ، فأدركه نائما تحت عقبة أيلة ، فجلس عند رأسه ، وقال : اجلس يا أسود الوجه ، فانتبه رميثة ، فقال : صدقت ، والله لو لم أكن أسود الوجه ، لما نمت هذه النومة المشئومة حتى أدركتنى ، فقبض عليه وحمله إلى حضرة السلطان ، فألقاه فى السجن وضيق عليه ، فقيل له : إنه وجع يرمى الدم. وكان قبض عليه شيخ آل حرب ، فى شهر جمادى الأولى سنة تسع عشرة وسبعمائة. انتهى.

وإنما ذكرنا ما ذكره البرزالى ؛ لأنه يخالف ما ذكره النويرى فى أمرين ، أحدهما : فى تاريخ القبض على رميثة ؛ لأنه على ما ذكر البرزالى ، كان فى جمادى الأولى ، وعلى ما ذكر النويرى ، كان فى ربيع الآخر ، والآخر : أن ما ذكره النويرى ، يقتضى أن رميثة لما وصل إلى مصر أهين ، وما ذكره البرزالى ، أنه أكرم عند وصوله إلى مصر. وفيما ذكر البرزالى فائدة ليست تفهم من كلام النويرى ، وهى تاريخ القبض على رميثة وغير ذلك ، وكان من أمر رميثة أنه أطلق فى سنة عشرين وسبعمائة ، وتوجه إلى مكة ، ولكن أمر مكة إلى أخيه عطيفة ، على ما ذكر البرزالى ؛ لأنه قال فى تاريخه :

١٠٤

وفى الثالث والعشرين من ذى القعدة ، وصل نائب السلطنة الأمير سيف الدين أرغون ، هو وبيته وأولاده ومماليكه ، ومعه الأمير رميثة بن أبى نمى ، وتألم لذلك أهل مكة ، لكن ولى أمر مكة إلى أخيه عطيفة.

وذكر أيضا ما يقضى أن أمر مكة فى بعض سنى عشر الثلاثين وسبعمائة ، كان إلى أخيه عطيفة ، وسيأتى ذلك فى ترجمته.

وذكر أيضا ، ما يقتضى أنه كان أمير مكة فى سنة إحدى وعشرين وسبعمائة ؛ لأنه قال فى أخبار هذه السنة : ورد كتاب موفق الدين عبد الله الحنبلى ، إمام المدرسة الصالحية من القاهرة ، وهو مؤرخ بمستهل جمادى الآخرة ، يذكر فيه أنه جاء فى هذا القرب ، كتاب من جهة عطيفة أمير مكة ، يذكر فيه أن رميثة قد حلف له بنو حسن ، وقد أظهر مذهب الزيدية.

وجاء معه كتاب آخر ، من جهة مملوك هنالك لنائب السلطنة ، فيه مثل ما فى كتاب عطيفة. وقد انجرح السلطان من هذا الأمر ، واشتد غضبه على رميثة.

وذكر أنه فى سنة ست وعشرين وسبعمائة ، قدم إلى الديار المصرية. انتهى.

وذكر ابن الجزرى فى تاريخه ، ما يقتضى أن رميثة كان أميرا على مكة فى بعض سنى عشر الثلاثين وسبعمائة ؛ لأنه ذكر أنه سأل المحدث شهاب الدين أبا عبد الله محمد بن على بن أبى بكر الرّقّىّ المعروف والده بابن العديسة ، بعد قدومه إلى دمشق من الحج ، فى سنة خمس وعشرين وسبعمائة ، عن أمور تتعلق بالحجاز وغيره. وأنه قال له : والحكام يومئذ على مكة ، الأميران أسد الدين رميثة ، وسيف الدين عطيفة ، ولدا الشريف نجم الدين بن أبى نمى الحسنى المقدم ذكره. انتهى.

وقال ابن الجزرى : فى أخبار سنة ثلاثين وسبعمائة : وحضر الأمير عطيفة على العادة ، ولبس خلعة السلطان ، ولم يحضر أخوه رميثة ، ولا اجتمع بالأمراء ، ولكنه حضر الموقف مع أخيه. انتهى.

ورأيت فى بعض التواريخ : أنه لما قدم مكة فى سنة عشرين وسبعمائة ، كان أميرا على مكة ، وولايته فى هذا التاريخ إن صحت هذه ، ولايته الخامسة ، وإلا فهى ما ذكره ابن الجزرى من ولايته فى عشر الثلاثين كما سبق تعيينه ، وولايته السادسة هى أطول ولاياته ؛ لأنها دامت اثنتى عشرة سنة أو أزيد.

وفى تاريخ ابن الجزرى شىء من خبر ابتدائها ؛ لأنه ذكر أنه لما وصل العسكر المجرد

١٠٥

إلى مكة ، فى سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة ، بسبب قتل ألدمر ، وجدوا الأشراف والعبيد جميعهم قد هربوا ، وجاء المشايخ والصلحاء إليهم ، وتشفعوا إليهم واستحلفوا الأمراء للشريف رميثة ، على أنه إذا جاء إلى مكة لا يؤذونه ، فحضر عند ذلك إلى مكة ، واجتمع بالأمراء ، وبذل الطاعة ، وحلفوا له ، وكسوه الخلعة السلطانية ، وولوه إمرة مكة ، وقرئ تقليده ، وأمان السلطان عز نصره ، وانفصل الحال ، وأخبره أن أخاه وأولاده والعبيد هربوا إلى اليمن ، وأقام العسكر بمكة إحدى وثلاثين يوما ، ثم توجهوا منها إلى المدينة الشريفة ، بعد أن تأخر منهم خمسون نفسا بسبب الحج ، ويعودون مع الركب ، وحصل خير كثير ، فالحمد لله لم يرق بسببهم ، محجمة دم ، ولا آذوا أحدا من الخلق.

وذكر أن المقدم على هذا العسكر ، الأمير سيف الدين أيدغمش أمير مائة مقدم ألف ، وكان فيهم أربعة أمراء ، ولم يروا فى طريقهم أحدا من العرب ولا غيرهم ، ووجدوا الأشراف والعبيد جميعهم قد هربوا. وذكر أن وصولهم إلى مكة كان فى العشر الأول من ربيع الآخر ، سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة ، وأنه وصل إلى السلطان رسول من أمير مكة رميثة ، وتوجه من القاهرة فى سادس عشر جمادى الآخرة من السنة.

وذكر ابن محفوظ شيئا من خبر ولاية رميثة السادسة ، وبعض حاله فيها مع أخيه عطيفة وغير ذلك ؛ لأنه ذكر ما معناه ، أن الشريفين عطيفة ورميثة ، لما سمعا بوصول العسكر إلى مكة ، الذى مقدمه أيتمش ، ولّيا منهزمين إلى جهة اليمن ، وهرب الناس من مكة إلى نخلة وغيرها ، ودخل العسكر مكة ، فأقام بها مدة شهر ، ثم بعد ذلك سيروا للشريف رميثة أمانا ، وهو خاتم ومنديل ؛ لأنه لم يكن متهما فى قتل الأمير ـ يعنى ألدمر ـ وقالوا : ما قتله إلا مبارك بن عطيفة ، فلما أن جاءه الأمان ، تقدم إليهم فخلعوا عليه ، وأعطوه البلاد وحده دون أخيه عطيفة ، وأعطوه خيرا كثيرا ، من الدقيق والكعك والشعير والسكر ، وأعطوه أربعين ألف درهم ، وارتحلوا عنه إلى مصر.

وذكر أيضا ما معناه : أن فى سنة أربع وثلاثين ، جاء الشريف عطيفة من مصر ، ونزل أم الّدمن ، ثم جاء إلى مكة وأخذ نصف البلاد من أخيه الشريف رميثة.

فلما كان ليلة النزول من منى ، أخرجه رميثة بلا قتال ، فتوجه إلى مصر صحبة الحاج ، وأقام بها إلى أن جاء مع الحاج المصرى ، فى سنة خمس وثلاثين ، متوليا لنصف البلاد ، وأخذ ذلك بلا قتال.

وذكر أيضا ما معناه : أن رميثة وعطيفة ، كانا متوليين البلاد فى سنة ست وثلاثين ، وأن بعد مدة ، جرت بينهما وحشة ومباعدة ، فأقام الشريف عطيفة بمكة ومعه المماليك ، ورميثة بالجديد إلى شهر رمضان.

١٠٦

فلما كان فى اليوم الثامن والعشرين منه ، ركب الشريف رميثة فى جميع عسكره ، ودخل مكة على الشريف عطيفة ، بين الظهر والعصر. وكان الشريف عطيفة برباط أم الخليفة ، الخيل والدروع والتجافيف فى العلقميّة ، فلم يزالوا قاصدين إلى باب العلقميّة ، ولم يكن معهم رجاجيل ، فوقف على باب العلقميّة من حماها إلى أن أغلقت ، والموضع ضيق لا مجال للخيل فيه ، وحمت ذلك الغزو العبيد ، فلم يحصل فى ذلك اليوم للشريف رميثة ظفر ، وقتل فى ذلك اليوم من أصحاب رميثة ، وزيره واصل بن عيسى الزباع ـ بزاى معجمة وباء موحدة وألف وعين مهملة ـ وخشيعة بن عم الزباع ، ويحيى بن ملاعب ، وولّوا راجعين إلى الجديد ، ولم يقتل من أصحاب عطيفة غير عبد واحد أو اثنين ، والله أعلم.

وذكر أن فى هذه السنة ، لم يحج الشريفان رميثة وعطيفة ؛ لأن رميثة أقام بالجديد وعطيفة بمكة.

وذكر ما معناه : أن رميثة وعطيفة اصطلحا فى سنة سبع وثلاثين ، وأقاما مدة ، ثم توجها إلى ناحية اليمن بالواديين ، وترك عطيفة ولده مباركا بمكة ، وترك رميثة ولده مغامسا بالجديد ، وحصل بين مبارك ومغامس وحشة وقتال ظفر فيه مبارك.

وذكر أن فى هذه السنة ، استدعى صاحب مصر الشريفين عطيفة ورميثة ، فذهبا إلى مصر ، فلزم عطيفة ، وأعطى رميثة البلاد ، وجاء إلى مكة.

وذكر فى أخبار سنة ثمان وثلاثين : أن الشريف رميثة كان متوليا مكة وحده إلى أن مات.

وذكر أن فى سنة أربع وأربعين وسبعمائة ؛ اشترى عجلان وثقبة البلاد ، من والدهما الشريف رميثة بستين ألف درهم ؛ لأنه كان ضعف وكبر وعجز عن البلاد وعن أولاده ، وبقى كل منهم له حكم.

وبعد ذلك توجه الشريف ثقبة إلى مصر ، باستدعاء من صاحبها الصالح إسماعيل بن الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وبقى عجلان وحده فى البلاد ، إلى ذى القعدة ، ثم وصل مرسوم من سلطان مصر ، برد البلاد على الشريف رميثة ، ولزم الشريف ثقبة فى مصر. فلما علم الشريف عجلان بذلك ، خرج إلى ناحية اليمن.

ثم قال : وبعد رواح الحاج ، وصل الشريف عجلان من جهة اليمن ونزل الزاهر ، وأقام به أياما ، ثم بعد ذلك اصطلح هو وأبوه ، وأخذ من التجار مالا جزيلا ، وما ذكره

١٠٧

من وصول مرسوم سلطان مصر ، برد البلاد على الشريف رميثة ، هى ولايته السابعة.

ثم قال : فى سنة خمس وأربعين وسبعمائة ، كان المتولى لمكة ، الشريف رميثة.

ثم قال : فى سنة ست وأربعين وسبعمائة ، توجه الشريف عجلان إلى ديار مصر ، فأعطاه السلطان الملك الصالح البلاد ، دون أبيه رميثة. انتهى.

ووجدت بخط غيره ، أن فى ليلة الثامن عشر من جمادى الآخرة ، من سنة ست وأربعين وسبعمائة ، بعد المغرب منها ، دعى للشريف عجلان على زمزم ، وقطع دعاء والده رميثة.

ومات يوم الجمعة الثامن من ذى القعدة ، سنة ست وأربعين وسبعمائة بمكة ، وطيف به وقت صلاة الجمعة ، والخطيب على المنبر قبل أن يفتتح الخطبة ، وسكت الخطيب حتى فرغوا من الطواف به. وكان ابنه عجلان يطوف معه ، وجعله فى مقام إبراهيم ، وتقدم أبو القاسم بن الشقيف الزّيدى للصلاة عليه ، فمنعه من ذلك قاضى مكة شهاب الدين الطبرى ، وصلى عليه بحضرة عجلان ولم يقل شيئا ، ودفن بالمعلاة عند القبر الذى يقال إنه قبر خديجة بنت خويلد ـ رضى الله عنها ـ زوج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولما مرض لم يكن بمكة ، وأتى به إليها. وقد دخل فى النزع فى نصف ليلة الخميس ، السابع من ذى القعدة. انتهى بالمعنى.

وللأديب موفق الدين علىّ بن محمد الحنديدىّ من قصيدة يمدح بها الشريف رميثة بن أبى نمى أولها [من الكامل](٢) :

بالله هات عن اللوى وطلوله

وعن الغضا وحلاله وحلوله

أطل الحديث فإن تقصير الذى

يلقى من التبريح فى تطويله

علل بذكر العامرية قلبه

فشفاء غلة ذاك فى تعليله

وإذا عليل الريح أهدى نحوه

نشرا فنشر عليله بعليله

رشأ دنا فرمى فؤاد محبه

عن قوس حاجبه بسهم كحيله

وحوى القلوب بأسرها فى أسره

وسبا النهى برسيله وأسيله

وبياضه وسواده وقويه

وضعيفه وخفيفه وثقيله

ومنها :

وتفيأ الظل الذى ضمنت له ال

أيام بين مبيته ومقيله

__________________

(٢) الأبيات فى تاريخ العصامى ٤ / ٢٣٦ ـ ٢٣٨.

١٠٨

حط الرحال بمكة وأقام فى

حرم الخلافة بعد طول رحيله

جلب المديح بمنجد بن محمد ب

ن نبيه بن وصيه بن بتوله

وأغر أنجبه البطين ومجه اب

راهيمة فى صلب إسماعيله

ومنها :

ما بين شبره وبين شبيره

شرف يطول لهاشم وعقيله

نسب كمشتق الشموس ومفخر

باع الكواكب قاصر عن طوله

أما الفروع فليس مثل فروعه

وكذا الأصول فليس مثل أصوله

يا ابن المظلل بالغمامة والذى

قد أنزل القرآن فى تفضيله

ما ذا عسى مدحى وقد نزل الثنا

فيكم من الرحمن فى تنزيله

فى هل أتاك وهل أتى وحديده

حقّا وغافره وفى تنزيله

قالوا مدحت رميثة فأجبتهم

ليس المديح ينال غير منيله

ولكيف لا أثنى على من عمنى

دون الورى من خيره بجزيله

بنضاره ولجينه وثوابه

وثيابه وركابه وخيوله

وللأديب أبى عامر منصور بن عيسى بن سحبان الزيدى فى الشريف رميثة مدائح كثيرة ، منها قصيدة أولها [من الكامل] :

ما أومضت سحرا بروق الأبرق

إلا شرقت بدمعى المترقرق

ومنها :

صنم شغفت به وغصن شبابه

غض وبرد شبيبتى لم يخلق

شقت عرى كبدى شقائق خده

وبكأس فتنته سقيت وما سقى

ومنها :

ما فات من عمرى فللغيد الدما

لا أرش فيه وللصبابة ما بقى

ومن مديحها :

رجل إذا اشتبه الرجال عرفته

بجلال صورته وحسن المنطق

ومظفر الحملات يرقص منه قل

ب المغرب الأقصى وقلب المشرق

علم يدل على كمال صفاته

كرم الفروع له وطيب المعرق

يلقى بوجه البشر طارق بابه

كرما ويرزق منه من لم يرزق

عزت بنو حسن بدولته التى

عز الذليل بها وأمن المفرق

هو صبح ليلتها وبدر ظلامها

ولسان حكمتها وصدر الفيلق

١٠٩

لا يتقى من كل حادثة بها

وبه بمكروه الحوادث تتقى

وله من قصيدة أولها [من الخفيف] :

حفظ العهد بعدنا أم أضاعه

وعصى لإتمامه أم أطاعا

ورعى حرمة الجوار وراعى

أم دهى بالفراق قلبى وراعا

من يكن يحمد الوداع فإنى

بعد يوم النوى أذم الوداعا

جيرتى ما لنا حفظنا هواكم

وغدا حبنا لديكم مضاعا

إن من قدر الفراق علينا

قادر أن يقدر الاجتماعا

قل لذات القناع هل جئت ذنبّا

فيك حتى أسبلت دونى القناعا

إن من أشبع السوار بزي

ك لمجرى الوشاح منك أجاعا

ومنها :

خالط الناس بالخداع فما أك

ثر أهل الزمان هذا خداعا

قل لأهل الزمان لست وإن ري

ع سواى بكيدكم مرتاعا

نحن فى دولة إذا ما مدت النا

س إلينا شبرا مددنا ذراعا

إن يكن قبلها نزاع فقد أص

بح حتى الصغير منها يراعى

ومنها :

طلبت بى أبا عرادة عيس

لا تمل الإرقال والإيضاعا

عرست من رميثة بعراص

لم يزل نبت روضها ممراعا

نزلت سوحه عطاشا جياعا

فأقامت به رواء شباعا

رجل لا تراه بالمال مفرا

حا ولا من ملمة مجزاعا

وعليه بكر الخلافة ألقت

إذ رأته رداءها والقناعا

ليس بالنازل الوهاد من الأر

ض ولكنه يحل البقاعا

موقدا ناره على نشز الأر

ض إذا الناس لبسوها القفاعا

نم هنيئا يا جاره ملء عيني

ك ولا تخش ثانيا أن تراعا

وله فيها من أخرى أولها [من الطويل] :

جنانك أمضى من عطاش القنا عزما

وأرجح من رضوى ومن يذبل حلما

وكل له ضد يساميه فى العلا

ولست تسامى لا ومن علم الأسما

فما للمعالى يا رميثة غاية

تفوت الورى إلا أحطت بها علما

١١٠

تعد رسول الله جدا وحيدرا

أبا والبتول الطهر[....](٣) أما

وتندب إبراهيم خالا وتعتزى

إلى جعفر الطيار منتسبا عما

وله فيه من أخرى [من الطويل] :

ومجدولة جدل العناة تباعدت

مزارا وما أشهى إلى مزارها

تقول حمتنى أن أميط لثامها

وكان بودى أن أحل إزارها

مهاة إذا ما أفرشتنى يمينها

وهوم طرفى أفرشتنى يسارها

يساور قلبى باعث والوجد والشجا

إذا ركبت فى ساعديها سوارها

ومنها فى المدح :

مليك أقام الحق بعد اعوجاجه

وسيد من سمك المعالى منارها

متى بطرت قوم أذل عزيزها

وإن عثرت جهلا أقال عثارها

إذا جاد يوما لم يشق غباره

وإن شهد الهيجاء شق غبارها

أشم قيادى الأبوة برده

حوى حلم آل المصطفى ووقارها

وأبلج مخضور الخوان يمينه

تزيل عن المسترفدين افتقارها

جمال يحار الطرف فيه وعزمه

كسا فخرها قحطانها ونزارها

وما برحت إن صحت فوا لمنجد

كبار أياديه تؤم صغارها

وللأديب عفيف الدين على بن عبد الله بن على بن جعفر ، قصيدة فائقة يمدحه بها ، فمن غزلها [من الكامل] :

فتن القلوب هواكم حتى لقد

كاد الهوى بهواكم أن يفتنا

حيا الغمام ديار قوم طبعهم

أن لا يخاف الجار فيهم ما جنى

أميمّم الحرم الشريف وقاصدا

آل النبى ظفرت غايات المنى

لا تحسبن أبى نمى غائبا

فرميثة بن أبى نمى هاهنا

ضرب السرادق حول كعبة مكة

وغدا لها ركنا وكان الأيمنا

وحمى الذى قد كان والده حمى

وبنى الذى قد كان والده بنى

خيل تقاد إلى العطاء ومثلها

تغزو وأخرى فى المرابط صفنا

وطما خلال النقع مثل جداول

بسكونه غسلت قميصا أدكنا

وفتى يسابق فى الطعان قرانه

فبه تكاد قناته أن تطعنا

يكنونه أسدا وحيدر جده

والقوم فعلهم دليل بالكنى

ابن الذبيحين الذبيح بمكة

والمفتدى بالذبح فى وادى منى

__________________

(٣) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

١١١

فهو التمام لبيت آل محمد

وهو الحسام بل السنام بل السنا

وحسامه سبق القضا وخوانه

ملأ الفضا وطعانه أفنى القنا

ما زال يفنى المعتدين بسيفه

حتى لقد لقى القنا منه الفنا

ويجود بالأموال حتى إنه

ليرى ذهاب المال مالا يقتنى

فإذا وردت إلى خضم نواله

فابسط يديك فقد أصبت المعدنا

تأبى سوائمه الربيع لما رأت

أن ليس يذبح منه إلا الأسمنا

ويظن خازنه الحفيظ لماله

أن الضياع لماله أن يخزنا

قيل يضم إلى عظيم مهابة

خلقا أرق من النسيم وألينا

تقف المنية والأمانى حيث ما

يومى وليس تسير حتى يأذنا

ما ذا يقول المدح فيمن مدحه

جعل الإله به كتابا بينا

طوقتنى وأخوك طوقى منة

أحسنت فيها حيث شئت وأحسنا

لما حططت الرحل فى ساحاتكم

أوليتم النعم الفرادى والثنا

قد صرت تعرفنا لديك فإن ترد

يوم المعاد لحوض جدك فاسقنا

ليس اللسان يطيق أن يحصى لكم

شكرا فكونى يا جوارح ألسنا

فلأشكرن وفوق شكرى أنتما

ولأثنين وأنتما فوق الثنا

١١٩٧ ـ روزبة بن القاسم بن إبراهيم الأرجانى الصّوفىّ :

ذكره هكذا السلفى فى معجم السفر له ، وقال : جاور بمكة سنين ، وصحب عزيزا الأصبهانى ، وأقرانه من شيوخ الحرم. وكان يحفظ القرآن ويقرؤه قراءة جيدة ، بقراءة ابن عامر. قال : وقد دخلت أصبهان وأقمت بها ، وقرأت القرآن بمكة على أبى معشر الطبرى ، وعلى أبى غلام الهرّاس بواسط ، وعلى غيرهما من الشيوخ. وكان من دعائه : اللهم ردّنى بكرمك إلى حرمك. رأيته عند قبر ذى النّون المصرى ، فجاء معى ودلنى على قبور الصالحين. وكان له شأن بمصر مدة مديدة.

قال السلفى : سمعته بمصر يقول : سمعت عبد الله بن موسى الصعيدى يقول : سمعت عبد الرحمن بن عتيق الصقلى يقول : احذر أن تكون ممن يسأل الناس إلحافا وينفق إسرافا.

١١٩٨ ـ ريحان بن عبد الله ، المعروف بالرّميدىّ العدنى :

كان ذا ملاءة وعبادة ، وفيه خير وديانة. تردد إلى مكة غير مرة ، وجاور بها ثلاث سنين أو نحوها متصلة بوفاته.

__________________

١١٩٨ ـ انظر ترجمته فى : (تاريخ ثغر عدن ٧٨ ، الضوء اللامع ٣ / ٢٣١).

١١٢

توفى يوم الاثنين ، ثالث ذى الحجة ، سنة عشر وثمانمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة.

١١٩٩ ـ ريحان بن عبد الله الحبشى ، المعروف بالعينى المكى :

ولى أمر المكس بجدة ، فى دولة السيد على بن عجلان ، وحصل دنيا وأملاكا ، ثم ذهب غالب ذلك منه ، وفيه مروءة. ومات بزبيد ، فى شوال أو رمضان ، سنة ست عشرة وثمانمائة.

والعينى : بعين مهملة وياء مثناة من تحت ونون ثم ياء للنسبة.

* * *

__________________

١١٩٩ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٣ / ٢٣١).

١١٣

حرف الزاى

١٢٠٠ ـ زاهر بن رستم بن أبى الرجاء بن محمد الأصبهانى الأصل البغدادى المولد ، مكين الدين أبو شجاع :

إمام المقام الشريف بالمسجد الحرام ، قرأ بالروايات على أبى محمد عبد الله بن على سبط الخياط ، وأبى الكرم الشهرزورى ، وسمع منهما ومن أبى الفتح الكروخىّ ، سمع عليه جامع الترمذى ، ومن أبى الفضل الأرموىّ ، وأبى غالب بن الداية ، وأبى سعد أحمد بن محمد بن أبى سعد البغدادى ، ومفلح الدومى ، وأبى الحسن بن عبد السلام ، وسعيد بن البنا ، وأحمد بن طاهر الميهنى وغيرهم. وحدث ببغداد وواسط ومكة.

روى عنه الحفاظ : الزكى البرزالى ، والضياء المقدسى ، ويوسف بن خليل الحلبى ، وغيرهم من الأعيان ، منهم : سليمان بن خليل العسقلانى ، ويعقوب بن أبى بكر الطبرى ـ ومن طريقه روينا جامع الترمذى ـ والنجيب الحرانى ، وهو خاتمة أصحابه بالسماع ، وأما بالإجازة ، فالفخر بن البخارى.

ذكره ابن الدبيثى فى تاريخ بغداد ، وقال : تفقه على مذهب الشافعى ، وصحب الصوفية برباط شيخ الشيوخ مدة ، وكان يسكن فى بغداد بدرب صالح من سوق الثلاثاء ، وكان خيرا ، خرج قبل موته بسنين إلى مكة ، زادها الله شرفا ، وأقام بها إلى أن توفى ، وأم بالناس فى مقام إبراهيم عليه‌السلام أعواما ، إلى أن عجز وانقطع فى منزله.

وذكره ابن مسدى فى معجمه ، وقال : كان جمالا لمنصبه ، جلالا لأهل مذهبه. انتهى.

توفى بمكة يوم الأربعاء ، تاسع ذى القعدة من سنة تسع وستمائة.

وذكر وفاته فى ذى القعدة : ابن نقطة ، والمنذرى ، وابن مسدى. وذكر أنه ولد فى سنة إحدى وعشرين وخمسمائة ببغداد ، وفى ذلك نظر ؛ لأن ابن الدّبيثىّ قال : إنه سئل عن مولده فقال : مولدى سنة ست وعشرين وخمسمائة.

وذكر مولده هكذا : ابن نقطة والمنذرى ، وقال : فى جمادى الأولى منها.

* * *

__________________

١٢٠٠ ـ انظر ترجمته فى : (شذرات الذهب ٧ / ٧٠).

١١٤

من اسمه الزبير

١٢٠١ ـ الزبير بين بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ابن العوام القرشى الأسدى الزبيرى المدنى ، يكنى أبا عبد الله بن أبى بكر :

قاضى مكة ، مؤلف كتاب «النسب لقريش» ، روى عنه : إبراهيم بن المنذر ، وإسماعيل ابن أبى أويس ، وأبى ضمرة أنس بن عياض الليثى ، وسفيان بن عيينة ، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبى رواد ، وعبد الله بن نافع الصائغ ، وعبد الملك بن الماجشون ، وجماعة غيرهم.

روى عنه : ابن ماجة (١) ، وابن أبى الدنيا ، وأبو حاتم الرازى ، وأبو القاسم البغوى ، وابن صاعد ، والقاضى المحاملى ، وإبراهيم بن عبد الصمد الهاشمى ، ومن طريقيهما وقع لنا حديثه عاليا.

وقال أبو القاسم البغوى : كان ثبتا عالما ثقة ، وقال أحمد بن على السليمانى فى كتاب «الضعفاء» له : منكر الحديث.

قال الحافظ بن حجر ، بعد ذكره لكلام البغوى والسّليمانى : وهذا جرح مردود. انتهى.

__________________

١٢٠١ ـ انظر ترجمته فى : (القضاة لوكيع ١ / ٢٦٩ ، الجرح والتعديل الترجمة ٢٦٦٠ ، الأغانى ٩ / ٤١ ـ ٤٣ ، طبقات النحويين واللغويين للزبيدى ٢٠٥ ، الفهرس لابن النديم ١٢٣.١٢٤ ، تاريخ بغداد ٨ / ٤٦٧ ـ ٤٧١ ، السابق واللاحق ٢٥٧ ، ٢٥٨ ، موضح أوهام الجمع والتفريق ٢ / ١١٣ ـ ١١٤ ، مصارع العشاق ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ، المعجم المشتمل الترجمة ٣٤٥ ، إرشاد الأريب ٤ / ٢١٨ ـ ٢٢٠ ، الكامل فى التاريخ ٧ / ٢١٧ ، وفيات الأعيان ٢ / ٣١١ ـ ٣١٢ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٣١١ ـ ٣١٥ ، تذكرة الحفاظ ٢ / ٥٢٨ ، العبر ٢ / ١٢ ، دول الإسلام ١ / ١٢١ ، ميزان الاعتدال الترجمة ٢٨٣٠ ، المغنى الترجمة ٢١٦٣ ، الكاشف ١ / ٣١٨ ، مرآة الجنان ٢ / ١٦٧ ، البداية والنهاية ١١ / ٢٤ ، الديباج المذهب ٢ / ٢٥ ، الكشف الحثيث ٢٩٢ ، تهذيب ابن حجر ٣ / ٣١٢ ـ ٣١٣ ، النجوم الزاهرة ٣ / ٢٥ ، التحفة اللطيفة للسخاوى ٢ / ٨٥ ـ ٨٦ ، خلاصة الخزرجى الترجمة ٢١١٥ ، شذرات الذهب ٢ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، تهذيب الكمال ١٩٥٩).

(١) فى سننه حديثين : الأول فى كتاب الزكاة ، حديث رقم (١٨٠٩) من طريق : عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقى والزبير بن بكار قالا : حدثنا ابن نافع حدثنا محمد بن صالح التمار عن الزهرى عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم.

والثانى : فى كتاب الزهد ، حديث رقم (٤٢٤٩) من طريق : الزبير بن بكار حدثنا أنس بن عياض حدثنا نافع بن عبد الله عن فروة بن قيس عن عطاء بن أبى رباح عن ابن عمر أنه قال : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجاءه رجل من الأنصار فسلم على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : يا رسول الله ، أى المؤمنين أفضل؟ قال : أحسنهم خلقا. قال : فأى المؤمنين أكيس؟ قال : أكثرهم للموت ذكرا ، وأحسنهم لما بعده استعدادا ، أولئك الأكياس.

١١٥

وصدق أبقاه الله ؛ لأن الدار قطنى قال : إنه ثقة. وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادى : كان ثقة ثبتا عالما بالنسب ، عارفا بأخبار المتقدمين ، ومآثر الماضين. وله الكتاب المصنف فى نسب قريش وأخبارها ، ولى القضاء بمكة ، وورد بغداد وحدث بها.

وقال أبو بكر محمد بن عبد الملك التاريخى : أنشدنى ابن أبى طاهر لنفسه فى الزبير ابن بكار (٢) [من البسيط] :

ما قال «لا» قط إلا فى تشهده

ولا جرى فى لفظه إلا على «نعم»

بين الحوارى والصديق نسبته

وقد جرى ورسول الله فى رحم

قال أحمد بن سليمان الطوسى : توفى أبو عبد الله الزبير قاضى مكة ، ليلة الأحد لتسع ليال بقين من ذى القعدة سنة ست وخمسين ومائتين ، وقد بلغ أربعا وثمانين سنة ، وتوفى بمكة ، وحضرت جنازته ، وصلى عليه ابن مصعب. وكان سبب وفاته ، أنه وقع من فوق سطحه ، فمكث يومين لا يتكلم ، ومات. قال : وتوفى الزبير بعد فراغنا من قراءة ، كتاب «النسب» عليه بثلاثة أيام. انتهى.

١٢٠٢ ـ الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب القرشى الأسدى ، أبو عبد الله :

هذا هو المشهور فى كنيته ، وذلك أنه كنى بابنه عبد الله بن الزبير ، وكنى أيضا بأبى

__________________

(٢) انظر البيتين تاريخ بغداد ٨ / ٤٦٨.

١٢٠٢ ـ انظر ترجمته فى : (الاستيعاب ترجمة ٨١١ ، الإصابة ترجمة ٢٧٩٦ ، أسد الغابة ترجمة ١٧٣٢ ، طبقات ابن سعد ١ / ١٦٠ ، ١٩١ ، ٢ / ٣١ ، ٣ / ٧٣ ، ١١٢ ، ٢٣٦ ، ٨ / ١٨٤ ، المصنف لابن أبى شيبة رقم ١٥٧٨ ، تاريخ يحيى برواية الدورى ٢ / ١٧٢ ، طبقات خليفة ١٣ ، ١٨٩ ، ٢٩١ ، تاريخه ٦٧ ، ٨٢ ، ٩٩ ، ١١٢ ، ١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٨٠ ـ ١٨٧ ، ٢٠١ ، علل أحمد ١ / ٦٩ ـ ٣٧٩ ، الزهد لأحمد ١٤٤ ، فضائل الصحابة لأحمد ٢ / ٧٣٣ ، نسب قريش ٢٠ ، ٢٢ ، ١٠٣ ، ١٠٦ ، تاريخ البخارى الكبير الترجمة ١٣٥٩ ، تاريخه الصغير ١ / ٧٥ ، البيان والتبيين ١ / ١٠٠ ، ١٨٠ ، ٣٠٢ ، ٤٠٦ ، ٢ / ٣١٦ ، ٣١٧ ، ٣ / ١٠١ ، ١٥٤ ، ٢١١ ، ٢٢١ ، ٣٤٥ ، ٣٤٦ ، سؤالات الآجرى لأبى داود الترجمة ١١٤ ، الجرح والتعديل الترجمة ٢٦٢٧ ، مشاهير علماء الأمصار الترجمة ٩ ، الحلية لابن نعيم ١ / ٨٩ ـ ٩٢ ، جمهرة ابن حزم ١٤ / ٨١ ، ١١٥ ، ١٢٠ ـ ١٢٧ ، الجمع لابن القيسرانى ١ / ١٤٩ ، تاريخ دمشق تهذيبه ٥ / ٣٥٨ ، صفوة الصفوة ١ / ١٣٢ ، التبيين فى أنساب القرشيين ٧٤ ، ١٤٠ ، ١٦١ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، ٢٢٣ ، ٢٥٣ ، ٢٧٠ ، ٣١٠ ، ٢٧٠ ، ٣١٠ ، ٣٨٣ ، ٣٨٩ ، تهذيب الأسماء واللغات ١ / ١٩٤ ـ ١٩٦ ، الكاشف ١ / ٣٢٠ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٤١ ، العبر ١ / ٣٧ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ١٨٨ ، تهذيب ابن حجر ٣ / ٣١٨ ، تهذيب الكمال ١٩٧١).

١١٦

الطاهر. قال ابن الأثير : كانت أمه تكنيه أبا الطاهر ، بكنية أخيها الزبير بن عبد المطلب. انتهى.

وأمه صفية بنت عبد المطلب ، عمة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهو ابن عمة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحواريه ، ومعنى الحوارى الخليل ، وقيل الصاحب المستخلص ، وقيل الحوارى الناصر ، وقيل غير ذلك. وهو أحد العشرة الذين شهد لهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجنة ، وتوفى وهو عنهم راض ، وأحد الستة أصحاب الشورى ، الذين جعل عمر ـ رضى الله عنه ـ الخلافة فى أحدهم ، وهم على ما ذكر النووى : عثمان بن عفان ، وعلى بن أبى طالب ، والزبير بن العوام ، وطلحة ابن عبيد الله التيمى ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبى وقاص ـ رضى الله عنهم.

قال ابن الأثير : وكان إسلامه بعد أبى بكر ـ رضى الله عنه ـ بيسير ، قيل : كان رابعا أو خامسا فى الإسلام ، وهاجر إلى الحبشة ، وإلى المدينة. انتهى.

ذكر ذلك النووى ، وقال : شهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر ، وفتح مكة ، وحصار الطائف ، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشهد اليرموك ، وفتح مصر. انتهى.

وذكر ذلك ابن الأثير ، إلا أنه لم يذكر اليرموك ، ولم يقل : والمشاهد كلها ، وليس تركه لذلك لعدم وقوعه ، وإنما هو لعدم حضوره بالبال وقت التأليف ، وزاد : وحنينا ، وهو صحيح.

وكان الزبير فى فتح مكة ، على المجنبة اليسرى ، ومعه راية النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمره أن يدخل مكة من أعلاها.

واختلف فى سنه حين أسلم ، فقيل : ابن ثمان سنين ، وقيل : ابن اثنتى عشرة سنة ، وقيل : ابن خمس عشرة سنة ، وقيل : ابن ست عشرة سنة.

حكى هذه الأقوال ابن عبد البر ، عن عروة بن الزبير ، إلا القول الأول ، فعن أبى الأسود محمد بن عبد الرحمن ، يتيم عروة. وقال بعد أن ذكر القول الأخير : وقول عروة أصح من قول أبى الأسود. ونقل غيره عن أبى الأسود ، زيادة فى خبر إسلامه ؛ لأن المزى قال : وقال عبد الله بن وهب ، عن الليث بن سعد ، عن أبى الأسود : أسلم الزبير وهو ابن ثمانى سنين ، وهاجر وهو ابن ثمان عشرة. وكان عم الزبير يعلق الزبير فى حصير ، ويدخن عليه بالنار ، ويقول : ارجع. فيقول الزبير : لا أكفر أبدا. انتهى.

والزبير ـ رضى الله عنه ـ أول من سلّ سيفا فى سبيل الله عزوجل ، على ما روى

١١٧

عن سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، فيما نقله عنهما ابن عبد البر ؛ وذلك أنه نفحت نفحة من الشيطان ، أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأقبل الزبير يشق الناس بسيفه ، والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأعلا مكة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مالك يا زبير؟» قال : أخبرت أنك أخذت ، قال: فصلى عليه ودعا له ولسيفه. انتهى. وهذا الخبر نقله ابن عبد البر عن الزبير.

وقال ابن عبد البر : لم يتخلف الزبير عن غزوة غزاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : وشهد الزبير بدرا ، وكانت عليه يومئذ عمامة صفراء ، وكان معتجرا بها ، فيقال : إنها نزلت الملائكة يوم بدر على سيماء الزبير. وروى بمعنى ذلك ، عن ابن إسحاق الفزارى ، عن هشام بن عروة ، عن عباد بن حمزة بن الزبير. قال ابن عبد البر : وثبت عن الزبير أنه قال : جمع لى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أبويه مرتين ، يوم أحد ، ويوم قريظة ، فقال : ارم فداك أبى وأمى(١). انتهى.

وفى الترمذى ، حديث جمع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبويه للزبير يوم قريظة ، وهو فى الصحيحين أيضا ، وفيهما : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن لكل نبى حواريّا ، وحواريى الزبير ، وذلك فى يوم الأحزاب ، بعد أن ندب أصحابه للإتيان بخبر القوم ، فانتدب الزبير ثلاث مرات ، وذلك من حديث جابر ـ رضى الله عنه (٢).

__________________

(١) أخرجه مسلم فى صحيحه حديث رقم (٢٤١٦) من طريق : إسمعيل بن الخليل وسويد ابن سعيد كلاهما ، عن ابن مسهر ، قال : إسماعيل أخبرنا على بن مسهر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : كنت أنا وعمر بن أبى سلمة يوم الخندق مع النسوة فى أطم حسان فكان يطأطئ لى مرة فأنظر وأطأطئ له مرة فينظر فكنت أعرف أبى إذا مر على فرسه فى السلاح إلى بنى قريظة ، قال : وأخبرنى عبد الله بن عروة ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : فذكرت ذلك لأبى فقال : ورأيتنى يا بنى. قلت : نعم ، قال : أما والله لقد جمع لى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ أبويه ، فقال : «فداك أبى وأمى». وحدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : لما كان يوم الخندق كنت أنا وعمر بن أبى سلمة فى الأطم الذى فيه النسوة ـ يعنى نسوة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وساق الحديث بمعنى حديث ابن مسهر فى هذا الإسناد ولم يذكر عبد الله بن عروة فى الحديث ولكن أدرج القصة فى حديث هشام عن أبيه عن ابن الزبير.

وأخرجه الترمذى فى سننه برقم (٣٧٤٣) بلفظ مختلف ، من طريق : هناد ، حدثنا عبدة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير عن الزبير ، قال : جمع لى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبويه يوم قريظة فقال : «بأبى وأمى». قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح.

(٢) أخرجه البخارى فى صحيحه ، فى الجهاد والسير ، حديث رقم (٢٦٣٤). وأخرجه مسلم فى صحيحه ، فى فضائل الصحابة ، حديث رقم (٤٤٣٦). وأخرجه الترمذى فى سننه ، فى كتاب المناقب ، حديث رقم (٣٦٧٨). وأخرجه ابن ماجة فى سننه ، حديث رقم (١١٩).

١١٨

وفى البخارى أيضا ، عن عروة بن الزبير : أن أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالوا للزبير يوم اليرموك : ألا تشد فنشد معك ، فحمل عليهم ، فضربوه ضربتين على عاتقه ، بينهما ضربة ضربها يوم بدر ، قال عروة : فكنت أدخل يدى فى تلك الضربات ألعب وأنا صغير (٣).

وفى رواية البخارى : أن الزبير حمل عليهم حتى شق صفوفهم ، وجاوزهم وما معه أحد(٤).

وفى الترمذى عن هشام بن عروة بن الزبير قال : أوصى الزبير إلى ابنه عبد الله صبيحة الجمل ، فقال : وما بقى عضو إلا وقد جرح مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى انتهى إلى فرجه. قال الترمذى : حديث حسن (٥). قال النووى : وفيما قاله نظر ؛ لأنه منقطع بين هشام والزبير.

وفى البخارى : أن عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ قيل له : استخلف ، قال : فلعلهم قالوا الزبير ، قال : نعم ، قال : أما والذى نفسى بيده إنه لخيرهم ، ما علمت ، وإن كان لأحبهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٦).

وفى البخارى عن عبد الله بن الزبير : وما ولى ـ يعنى الزبير ـ إمارة ولا جباية ولا خراجا ولا شيئا ، إلا أن يكون غزوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو مع أبى بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم (٧).

وروى ابن عبد البر بسنده إلى أبى إسحاق السبيعى ، قال : سألت مجلسا فيه أكثر من عشرين رجلا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من كان أكرم الناس على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟

قالوا : الزبير وعلىّ بن أبى طالب. قال ابن عبد البر : وفضله حسّان على جميعهم ، كما فضل أبو هريرة على الصحابة أجمعين ، جعفر بن أبى طالب ، فقال يمدحه ، فذكر أبياتا منها (٨) [من الطويل] :

فما مثله فيهم ولا كان قبله

وليس يكون الدهر ما دام يذبل

__________________

(٣) أخرجه البخارى فى صحيحه ، كتاب المناقب ، حديث رقم (٣٤٤٣ ، ٣٦٧٨).

(٤) حديث رقم ٣٦٧٨.

(٥) فى سننه ، فى المناقب ، حديث رقم ٣٦٧٩.

(٦) فى صحيحه ، كتاب المناقب ، حديث رقم ٣٤٣٩ ، وأحمد فى المسند ، حديث رقم ٤٢٣.

(٧) من حديث طويل فى صحيحه ، كتاب فرض الخمس ، حديث رقم ٢٨٩٧.

(٨) الأبيات فى الاستيعاب ترجمة ٨١١.

١١٩

ومنها :

وإن امرأ كانت صفية أمه

ومن أسد فى بيته لمرقل (٩)

له من رسول الله قربى قريبة

ومن نصرة الإسلام مجد مؤثل

وكم كربة ذبّ الزبير بسيفه

عن المصطفى والله يعطى ويجزل (١٠)

وقال فيه عمر بن الخطاب ، رضى الله عنه : نعم ولى تركة المرء المسلم. ذكر هذا الخبر الزبير بن بكار ؛ لأنه قال : وحدثنى علىّ بن صالح عن جدّى عبد الله بن مصعب قال : قال مطيع بن الأسود ، حين أوصى إلى الزبير ، فأبى أن يلى تركته ، وقال : فى قومك من ترضى. فقال : إنك دخلت على عمرو أنا عنده ، فلما خرجت ، قال : نعم ولى تركة المرء المسلم ، فقبل الزبير وصيته. انتهى.

وقد أوصى إلى الزبير من الصحابة : عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ أوصى إليه بصدقته ، حتى يدرك ابنه عمرو بن عثمان ، وأوصى إليه عبد الرحمن بن عوف ، وأبو العاص بن الربيع بابنته أمامة ، فزوجها من علىّ ، وأوصى إليه عبد الله بن مسعود ، والمقداد بن عمرو. ذكر هذا الخبر الزبير عن عمه عن جده عن هشام بن عروة ، وفيه أيضا ، مطيع إلى الزبير تركناه للاستغناء عنه بما سبق.

وذكر هذين الخبرين ابن الأثير ، وأفاد فيه مكرمة للزبير ؛ لأنه قال : وقال هشام بن عروة : أوصى إلى الزبير سبعة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، منهم عثمان ، وعبد الرحمن ابن عوف والمقداد ، وابن مسعود وغيرهم ، وكان يحفظ على أولادهم مالهم وينفق عليهم من ماله. انتهى.

وكان الزبير ـ رضى الله عنه ـ كثير أفعال الخير والرزق ؛ لأن ابن عبد البر ، قال : وروى الأوزاعى عن نهيك بن يريم ، عن مغيث بن سمى ، عن كعب ، قال : كان للزبير ألف مملوك ، يؤدون إليه الخراج ، فما يدخل بيته منها درهما واحدا ، قال : يعنى أنه كان يتصدق بذلك كله.

قال ابن عبد البر : كان الزبير تاجرا مجدودا فى التجارة ، وقيل له يوما : بم أدركت فى التجارة ما أدركت؟ قال : لأنى لم أشتر عيبا ولم أرد ربحا ، والله يبارك لمن يشاء. انتهى.

وبارك الله تعالى فى تركة الزبير ، حتى قامت بدينه ، وفضل منها فضل كثير لورثته

__________________

(٩) فى الاستيعاب :

وإن امرأ كانت صفية أمه

ومن أسد فى بيته لمرفل

(١٠) فى الاستيعاب : «فكم كربة ذب الزبير بسيفه».

١٢٠