العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٤

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٤

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٦٢

والحديث مخرج فى الكتب المشهورة : الصحيحان ، والسيرة لابن إسحاق ، وفيها زيادة فى خبر سراقة ، فنذكر ذلك لما فيه من الفائدة.

قال : فحدثنى محمد بن مسلم ، عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم ، عن عمه سراقة ابن جعشم ، قال : لما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة إلى المدينة مهاجرا ، جعلت فيه قريش مائة ناقة ، لمن رده عليهم ، وذكر حديث طلبه وما أصاب فرسه ، وأنه سقط عنه ثلاث مرات ، قال : فلما رأيت ذلك ، علمت أنه ظاهر ، فناديت : أنا سراقة بن مالك بن جعشم ، أنظرونى أكلمكم ، فو الله لا أريبكم ولا يأتيكم منى ما تكرهونه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأبى بكر ـ رضى الله عنه : «قل له ما تبتغى منا؟» فقال لى أبو بكر ، فقلت :تكتب لى كتابا يكون آية بينى وبينك ، فكتب لى كتابا ، فى عظم أو فى رقعة أو فى خرقة ، فألقاه وأخذته فجعلته فى كنانتى ، فرجعت ولم أذكر شيئا مما كان ، حتى إذا فتح الله على رسوله مكة ، وفرغ من حنين والطائف ، خرجت ومعى الكتاب لألقاه ، فلقيته بالجعرانة ، فدخلت فى كتيبة من خيل الأنصار ، فجعلوا يقرعوننى بالرماح ، ويقولون : إليك ، ما ذا تريد؟ حتى إذا دنوت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو على ناقته ، والله لكأنى أنظر إلى ساقه فى غرزه كأنها جمارة ، فرفعت يدى بالكتاب ، ثم قلت : يا رسول الله هذا كتابك ، وأنا سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذا يوم وفاء وبرّ ، ادنه ، فدنوت منه ، فأسلمت. وذكر حديث سؤاله عن ضالة الإبل. انتهى.

وخبر لبس سراقة سوارى كسرى ، وإخبار النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك ، ذكره ابن عبد البر بزيادة فائدة ، قال : وروى سفيان بن عيينة ، عن أبى موسى ، عن الحسن ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال لسراقة بن مالك : «كيف بك إذا لبست سوارى كسرى؟» فلما أتى عمر ـ رضى الله عنه ـ بسوارى كسرى ومنطقته وتاجه ، دعا سراقة بن مالك ـ رضى الله عنه ـ فألبسه إياهما. وكان سراقة رجلا أزبّ ، كثير شعر الساعدين. وقال له : «ارفع يديك».

فقال : «الله أكبر ، الحمد لله الذى سلبهما كسرى بن هرمز ، الذى كان يقول : أنا ربّ الناس». وكان سراقة بن مالك بن جعشم ، شاعرا مجيدا ، وهو القائل لأبى جهل(١)[من الطويل] :

أبا حكم والله لو كنت شاهدا

لأمر جوادى إذ تسوخ قوائمه

علمت ولم تشكك بأن محمدا

رسول ببرهان فمن ذا يقاومه

عليك بكف القوم عنه فإننى

أرى أمره يوما ستبدو معالمه

بأمر يود الناس فيه بأسرهم

بأن جميع الناس طرّا تسالمه

__________________

(١) انظر الأبيات فى الاستيعاب ترجمة ٩٢١.

١٨١

قال : ومات سراقة بن مالك بن جعشم ، سنة أربع وعشرين ، فى صدر خلافة عثمان ، رضى الله عنه. وقد قيل : إنه مات بعد عثمان. انتهى.

وذكر هذين القولين فى وفاته : ابن الأثير ، والنووى ، قال : والصحيح الأول ، يعنى سنة أربع وعشرين ، فإنه صدر به ، والله أعلم بالصواب.

١٢٥٩ ـ سراقة بن المعتمر بن أداة بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب القرشى العدوى :

والد عمرو ، شهد سراقة بدرا ، قاله الكلبى. ذكره هكذا ابن الأثير ، ولم أر عليه علامة أحد ممن يعلم له.

١٢٦٠ ـ السرى بن عبد الله بن الحارث بن العباس بن عبد المطلب العباسى :

أمير مكة ، هكذا نسبه ابن حزم فى الجمهرة. وذكر أنه ولى مكة للمنصور ، بعد عزل الهيثم بن معاوية ، سنة ثلاث وأربعين ومائة وأتاه عهده وهو باليمامة ، ووليها مع مكة.

وذكر ابن جرير الطبرى ، أنه كان والى مكة فى سنة أربع وأربعين ومائة ، وفى سنة خمس وأربعين ومائة ، وحج بالناس فيها.

وذكر ابن الأثير فى كامله : أن السرى هذا ، لقى ببطن أذاخر ، عامل مكة للنفس الزكية محمد بن عبد الله بن الحسن ، الذى خرج على المنصور فى سنة خمس وأربعين ومائة ، مع عاملها على اليمن ، وأن السرى هزم ، ودخل مكة العاملان المشار إليهما. انتهى بالمعنى.

وذكر الزبير بن بكار ، أن أم السرى حمال بنت النعمان بن أبى أخرم بن عتيك بن النعمان بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن مبذول ، وهو عامر بن مالك النجار ، وهو تيم اللّات. قال الزبير : فى ذلك يقول إبراهيم بن على بن هرمة ، فى مدحه للسّرىّ بن عبد الله [من البسيط] :

فأنت من هاشم فى بيت مكرمة

ينمى إلى كل ضخم المجد صنديد

ومن بنى الخزرج الأخيار والده

بين العتيكين والبهلول مسعود

قوم هموا أيدوا الإسلام إذ صبروا

بالسيف والله ذو نصر وتأييد

ذاك السرى الذى لو لا تدفقه

بالعرف بدنا حليف المجد والجود

وقال الزبير أيضا : وكان السرى جوادا ممدحا ، وله يقول حسين بن شوذب الأسدى ، حين عزل عن اليمامة [من السبيط] :

__________________

١٢٥٩ ـ انظر ترجمته فى : (الإصابة ٢ / ١٩ ، أسد الغابة ٢ / ٢٦٦).

١٢٦٠ ـ انظر ترجمته فى : (جمهرة الأنساب لابن حزم ١٨ ، الكامل لابن الأثير ٥ / ٧).

١٨٢

راح السّرىّ وراح الجود يتبعه

وإنما الناس مذموم ومحمود

لقد تروح إذ راحت ركائبه

من أهل حجر ورب الكعبة الجود

من كان يضمن للسّؤّال حاجتهم

ومن يقول إذا أعطاهم عودوا

وقال بعض الشعراء يمدحه [من الخفيف] :

أيها الناس قد برزت وطوّفت

وأعملت فى البلاد المطيّا

لم أجد كالسرى كهل قريش

حين لا ينفع الحياء الحيّيا

وقال له الحنفى [من البسيط] :

إن السرى بن عبد الله قال لنا

خيرا وكان وفيّا بالذى وعدا

وما رأيتك فى قوم وإن كثروا

إلا تبينت فى عرنينك الكرما

نلقاك فى الأمر حمالا أخا ثقة

وفى الهزاهز ليثا يضرب البهما

انتهى من كتاب الزبير.

١٢٦١ ـ السرى بن يحيى بن إياس بن حرملة بن إياس الشيبانى ، أبو الهيثم ، ويقال أبو يحيى البصرى :

سمع الحسن البصرى ، وثابتا البنانىّ ، وعبيد الله بن عبيد بن عمير ، وعمرو بن دينار ، وغيرهم.

روى عنه حماد بن زيد ، وابن المبارك ، وابن وهب ، وأبو داود الطيالسى. وروى له البخارى فى الأدب ، والنسائى (١).

قال يحيى بن معين : ثقة ثبت. ووثقه أحمد ، ويحيى القطان ، وأبو زرعة.

__________________

١٢٦١ ـ انظر ترجمته فى : (طبقات ابن سعد ٣ / ١٣٢ ، ٤ / ٢٠٢ ، ٧ / ٣٠ ، ٢٠٥ ، تاريخ يحيى برواية الدورى ٢ / ١٩٠ ، ابن طهمان الترجمة ١٨٢ ، طبقات خليفة ٢٢٣ ، تاريخه ٤٤٥ ، تاريخ البخارى الكبير الترجمة ٢٣٩٧ ، المعرفة ليعقوب ١ / ٥٧٧ ، ٦٢٩ ، ٢ / ٣٣ ، ٤٢ ، ٥٣ ، ٦٣ ، ٦٤ ، ٧٥ ، ٣ / ٢٦ ، ٢٧٧ ، تاريخ أبى زرعة الدمشقى ٦٣٢ ، تاريخ واسط ٢٠٧ ، الجرح والتعديل الترجمة ١٢١٧ ، ثقات ابن شاهين ، الترجمة ٤٨٥ ، السابق واللاحق ٣٤٣ ، الكاشف الترجمة ١٨٣٢ ، ميزان الاعتدال الترجمة ٣٠٩٣ ، تهذيب ابن حجر ٣ / ٤٦٠ ، خلاصة الخزرجى الترجمة ٢٣٦٧ ، تهذيب الكمال ٢١٩٥).

(١) فى السنن الصغرى ، حديث رقم (٥٦٠٩) من طريق : سويد قال : أنبأنا عبد الله عن السرى بن يحيى قال : حدثنا أبو حفص إمام لنا وكان من أسنان الحسن عن أبى رافع أن عمر بن الخطاب رضى اللهم عنهم قال : إذا خشيتم من نبيذ شدته فاكسروه بالماء. قال : عبد الله من قبل أن يشتد.

١٨٣

قال صاحب الكمال : قال أبو سعيد بن يونس : قدم مصر ، وكتبت عنه ، وخرج يريد الحج ، فتوفى بمكة ، فى ذى الحجة سنة تسع وستين ومائة.

وقال الذهبى : قال ابن أبى عاصم : مات سنة سبع وستين. انتهى.

١٢٦٢ ـ سعادة المغربى :

ذكره ابن فرحون فى كتابه «نصيحة المشاور» قال : كان لنا شيخ عظم القدر ، كاشف لأسرار الحقيقة ، كانت إقامته بمكة والمدينة ، يتردد بينهما ، وكان قد اشتهر فى زمانه بين إخوانه ، أنه من أرباب الحظوة ، وممن تطوى له الأرض ، كان يتأهب لصلاة الجمعة بمكة ، فيرى فى المدينة يصليها ، ثم يرجع ، فربما أدرك الصلاة ، وربما يوافق دخوله المسجد الحرام وخروج الناس من الصلاة ، فيقال له : يا سيدى ، فاتتك الجمعة ، فيقول : نصليها إن شاء الله ، يريد الجمعة المستقبلة. وخرج معه خادمه مرة ، فقال له لما أن قربا من المدينة : يا سيدى قد يسألنى بعض الفقراء عن مدة سفرنا ، فما يكون جوابى؟ فقال له الشيخ : اكتم ما رأيت ، ولا تقل إلا حقا. فلما دخلوا المدينة الشريفة ، سلم عليهم الفقراء ، وقالوا للخادم : متى خرجتم من مكة؟ فقال : يوم الجمعة ، وتخلص منهم بذلك ، فكتم الحال ، وصدق فى المقال.

وله حكاية غريبة ، فى خروجه من بلده من المغرب ، ووصوله إلى الحرمين الشريفين من هذا النوع ، شاهده من لا يتّهم ، وحكى عنه ذلك من له فى المجاهدة قدم وحالة وحكاياته عند أهلها مشهورة. وكان إذا قدم المدينة ، احتفل الجماعة به ، وتبركوا بدعائه وبكلامه ، وأكثر إقامته بمكة فى رباط الموفق.

توفى بمكة سنة ثلاثين وسبعمائة ـ رضى الله عنه.

١٢٦٣ ـ سعد الله بن عمر بن محمد بن على الإسفرايينىّ ، الشيخ سعد الدين أبو السعادات الصوفى :

نزيل مكة. سمع على الميدومىّ المسلسل بالأوليّة ، وسمعه على محمود بن خليفة المنبجى ، وسمعه مع المسلسل بالمشابكة ، على أبى العباس أحمد بن محمد بن أحمد ، المعروف بابن الزقاق وبابن الجوخىّ ، ومشيخته وسنن النسائى ، رواية ابن السّنّى ، وعليه وعلى الشهاب أحمد والأمين عبد الله ، ابنى على بن محمد بن غالب الأنصارى ، من

__________________

١٢٦٢ ـ انظر ترجمته فى : (التحفة اللطيفة ٢ / ١٤٥).

١٢٦٣ ـ انظر ترجمته فى : (المنهل الصافى ٥ / ٣٨٦).

١٨٤

حرف الغين المعجمة ، فى معجم ابن جميع ، إلى آخر المعجم. وحدث على ما ذكر شيخنا ابن سكر ، بمشيخة ابن الجوخى ، وذكر أنه سمعها عليه ، ولبس منها خرقة التصوف ، بالكعبة المعظمة ، وبمنزله من رباط رامشت. انتهى.

وبلغنى أنه مات سنة ست وثمانين وسبعمائة ، بعد الحج من هذه السنة بمكة ، ودفن بالمعلاة.

* * *

من اسمه سعد

١٢٦٤ ـ سعد بن خولة العامرى ، من بنى عامر بن لؤى ، من أنفسهم ، وقيل مولى لهم :

لأن بعضهم قال : هو مولى أبى رهم بن عبد العزى العامرى ، وقيل حليف لهم ؛ لأن ابن هشام قال : هو من اليمن ، حليف لبنى عامر. وقيل كان من عجم الفرس ، هاجر إلى أرض الحبشة ، فى الثانية ، فى قول الواقدى وابن إسحاق ، وقيل لم يهاجر ، وغلط قائل ذلك ؛ لأنه روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال فى عيادته لسعد بن أبى وقاص من المرض الذى أصابه بمكة : لكن سعد بن خولة البائس ، قد مات فى الأرض التى هاجر منها ، يعنى مكة. وشهد سعد بن خولة بدرا ، على ما ذكر ابن إسحاق وابن عقبة وسليمان التيمى.

وتوفى بمكة فى حجة الوداع. وقيل توفى سنة سبع ، قاله محمد بن جرير الطبرى ، وانفرد بذلك. ذكره بمعنى هذا ابن عبد البر.

وقال : رثى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم له ، أن مات بمكة ، يعنى فى الأرض التى هاجر منها ، ويدلك على ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم أمض لأصحابى هجرتهم ، ولا تردهم على أعقابهم»(١).

__________________

١٢٦٤ ـ انظر ترجمته فى : (الاستيعاب ترجمة ٩٣٣ ، أسد الغابة ترجمة ١٩٨٤ ، الثقات ٣ / ١٥١ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ٢١٣ ، الجرح والتعديل ٤ / ٣٥٩ ، شذرات الذهب ١ / ١١ ، الوافى بالوفيات ١٥ / ٢١٢ ، المعرفة والتاريخ ١ / ٣٦٩ ، طبقات ابن سعد ٣ / ٣١١ ، المنتظم ٣ / ١٣١).

(١) الحديث أخرجه البخارى فى صحيحه (٣ / ١٠٣ ، ٥ / ٨٧ ، ٢٢٥ ، ٨ / ٩٩). ومسلم فى صحيحه (٣ / ١٢٥٠ ، ١٢٥١) ، كتاب الوصية (٢٥) ، باب الوصية بالثلث ١ ، حديث رقم (١٦٢٨). وأبو داود فى سننه (٢ / ١٢٥) ، كتاب الوصايا ١٢ ، باب ما جاء فيما يجوز للموصين فى ماله ، حديث رقم (٢١٦٤). والترمذى فى سننه (٤ / ٣٧٤). وأحمد فى المسند (١ / ١٧٦ ، ١٨٠). والبيهقى فى السنن (٦ / ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٩ / ١٨).

١٨٥

وذكر أن قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لكن سعد بن خولة البائس ، قد مات فى الأرض التى هاجر منها». يرد قول من يقول : إنه إنما رثى له ، قبل أن يهاجر. وذلك غلط واضح ؛ لأنه لم يشهد بدرا إلا بعد هجرته. وهذا لا يشك فيه ذو لبّ. انتهى.

ولما مات سعد بن خولة ، كانت زوجته سبيعة الأسلميّة حاملا ، فوضعت بعد وفاته بليال ، فأفتاها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحلها من عدته ، ونكاح من شئت.

وقد اختلف فيما بين وضعها وموت زوجها ، فقيل شهر ، وقيل خمس وعشرون ليلة ، وقيل أقل من ذلك. والله أعلم.

ويشكل على قول من قال : إنه مات فى حجة الوداع ، أن الترمذى قال : حدثنا ابن أبى عمر ، قال : حدثنا سفيان عن الزهرى عن عامر بن سعد بن أبى وقاص ، عن أبيه ، قال : مرضت عام الفتح مرضا أشفيت منه على الموت ، فأتانى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعودنى. الحديث. وفى آخره. لكن البائس سعد بن خولة! يرثى له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن مات بمكة. انتهى.

وقال الترمذى بعد إخراجه لهذا الحديث : وفى الباب عن ابن عباس : هذا حديث حسن صحيح. انتهى.

ورواه أحمد بن حنبل فى مسنده فقال : حدثنا سفيان ، عن الزهرى ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : مرضت بمكة عام الفتح. فذكره بمعناه ، إلى أن قال : لكن البائس سعد بن خولة! يرثى له النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن مات بمكة. وفى هذا الحديث حجة على أن سعد ابن خولة لم يمت فى حجة الوداع ؛ لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رثى له فى عام الفتح لموته بمكة. والفتح هو فتح مكة ، وبينه وبين حجة الوداع ، سنتان وشهران وأيام. ولم أر من نبه على هذا الإشكال فى وفاة سعد بن خولة ، ولا يعارض هذا الإشكال ما فى الصحيحين وغيرهما ، عن سعد بن أبى وقاص ، قال : جاءنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعودنى عام حجة الوداع ، من وجع اشتد بى. فذكر حديث الوصية. وفى آخره : لكن البائس سعد بن خولة! يرثى له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن مات بمكة. انتهى. لأن هذا الحديث يقتضى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رثى فى حجة الوداع ، لسعد بن خولة لموته بمكة ، وذلك لا يلتزم موته فى حجة الوداع ، لإمكان أن يكون مات قبل حجة الوداع ، بعام أو عامين أو أكثر ، أو أقل من عام ، وإنما رثى له النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حجة الوداع لأنه عاد فيها سعد بن أبى وقاص ، ورأى منه كراهية للموت بمكة ، لكونه هاجر منها.

١٨٦

١٢٦٥ ـ سعد بن خولى :

حليف لبنى عامر بن لؤى ، من أهل اليمن ، ذكره بمعنى هذا ، إبراهيم سعد ، عن ابن إسحاق ، فيمن ذكر أنه شهد بدرا من بنى عامر بن لؤى. نقل ذلك عن ابن سعد ، ابن عبد البر ، وقال : من المهاجرين الأولين. انتهى.

وقال ابن الأثير : سعد بن خولى العامرى ، من عامر بن لؤى ، هاجر مع جعفر بن أبى طالب إلى أرض الحبشة ، الهجرة الثانية ، ونزل فيه وفى أصحابه قوله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الأنعام : ٧٢] الآية. قاله ابن مندة وأبو نعيم.

ثم ذكر ما ذكره فيه ابن عبد البر ، ثم قال : أخرجه الثلاثة. وقال أبو نعيم : هو سعد ابن خولة الذى أخرجه قبل ، ذكره بعض المتأخرين ـ يعنى ابن مندة ـ بترجمة. ثم قال ابن الأثير : قلت : الحق مع أبى نعيم ، فإنهما واحد ، ولا أدرى لم جعلوه ترجمتين ، وعاداتهم فى أمثاله ، أن يقولوا : قيل كذا ، وقيل كذا ، فى النسب وغيره ، وإن كان ابن مندة وأبو عمر ظناه اثنين ، فهذا غريب ، فإنه ظاهر. انتهى.

١٢٦٥ ـ مكرر ـ سعد بن عبد بن قيس بن لقيط الفهرى :

وقيل اسمه سعيد ، وسيأتى فى بابه بزيادة بيان ، إن شاء الله.

١٢٦٦ ـ سعد بن على بن محمد بن على بن الحسين ، الحافظ الزاهد ، أبو القاسم الزنجانى :

شيخ الحرم بمكة. سمع بزنجان (١) محمد بن أبى عبيد ، وبدمشق عبد الرحمن بن ناشر ، وبمصر أبا عبد الله بن نظيف ، والحسن بن ميمون ، وغيرهم.

روى عنه جماعة منهم : الخطيب ـ وهو أكبر منه ـ وأبو المظفر السمعانى ، وأبو الفضل محمد بن طاهر المقدسى الحافظ ، وقال : كان لما عزم على المجاورة ، عزم على نيف وعشرين عزيمة ، أنه يلزمها نفسه من المجاهدات والعبادات ، ومات بعد ذلك بأربعين سنة ، ولم يخل منها بعزيمة واحدة. انتهى.

قلت : هذا يدل على أنه جاور بمكة أربعين سنة ، والله أعلم.

__________________

١٢٦٥ ـ انظر ترجمته فى : (الجرح والتعديل ٢ : ٨٢ ، الاستيعاب ٩٣١ ، الإصابة ٣١٥٤).

١٢٦٦ ـ انظر ترجمته فى : (شذرات الذهب ٥ / ٣٠٧ ، العبر ٣ / ٢٧٦).

(١) زنجان : فى خراسان ، بينها وبين النهر خمسة عشر فرسخا. قالوا : أذربيجان وقزوين وزنجان كور تلى الزعفرانية فى الجبل ، بينها وبين همذان ثلاثة فراسخ ، سميت بذلك لأن بها زعفرانا كثيرا يسافر به إلى البلدان. انظر : الروض المعطار ٢٩٤ ، ابن حوقل ٣٢٣ ، الكرخى ١٢٤ ، نزهة المشتاق ٢٠٥.

١٨٧

وقد ذكره الحافظ أبو سعد السمعانى ، فى ذيله على تاريخ بغداد للخطيب البغدادى ، فقال : طاف البلاد ، ثم جاور مكة ، وصار شيخ الحرم ، وكان حافظا متقنا ثقة ورعا ، كثير العبادة ، صاحب كرامات وآيات.

وكان إذا خرج إلى الحرم ، يخلو الطواف ، فيقبلون يده أكثر مما يقبلون الحجر الأسود.

سمعت إسماعيل بن محمد بن الفضل يقول ذلك. وسئل عنه أيضا إسماعيل فقال : إمام كبير عارف بالسّنّة. وقال ابن طاهر مثله ، وقال : سمعت أبا إسحاق الحبال يقول : لم يكن فى الدنيا مثل سعد بن على الزّنجانىّ فى الفضل. انتهى.

قال الذهبى : ولد سعد فى حدود سنة ثمانين وثلاثمائة ، أو قبلهما ، وتوفى فى آخر سنة إحدى وسبعين ، أو فى آخر سنة سبعين وأربعمائة بمكة.

ولسعد الزنجانى قصيدة مشهورة فى السنة.

١٢٦٧ ـ سعد بن قيس العنزى ، وقيل القرشى :

سماه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سعد الخير. ذكره هكذا ابن الأثير ، وذكر شيئا من روايته ، وعزاه لابن مندة وأبى نعيم ، وقال : قال أبو نعيم : العنسىّ ، عوض العنزىّ. انتهى. وذكره الذهبى مختصرا.

١٢٦٨ ـ سعد بن أبى وقاص ، واسم أبى وقاص مالك بن أهيب ، وقيل وهيب ، ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشى الزهرى ، أبو إسحاق :

أحد العشرة الذين شهد لهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجنة ، وتوفى وهو عنهم راض ، وأحد الستة

__________________

١٢٦٧ ـ انظر ترجمته فى : (أسد الغابة ٢ / ٢٨٩ ، الإصابة ٢ / ٣٢).

١٢٦٨ ـ انظر ترجمته فى : (طبقات ابن سعد ١ / ٣٢١ ، ٣٣٤ ، ٢ / ٤ ، ٣١ ، ١١٤ ، ٣ / ٣٨ ، ٨٨ ، ١٠١ ، ٢٧١ ، ٣٢١ ، ٤ / ٢٦٤ ، ٦ / ٩٢ ، ٩٨ ، ٧ / ٣ ، تاريخ يحيى برواية الدورى ٢ / ١٩٣ ، نسب قريش ٩٤ ، ٢٥١ ، ٢٦٣ ، ٢٦٩ ، ٣٩٣ ، ٤٢١ ، طبقات خليفة ١٥ ، ١٢٦ ، تاريخ خليفة ٢٢٣ ، فضائل الصحابة ٢ / ٧٤٨ ، تاريخ البخارى الكبير الترجمة ١٩٠٨ ، وتاريخه الصغير ١ / ٢٦ ، ٥١ ، ٦٩ ، ٧٢ ، ٨٣ ، ٩١ ، ١٠٠ ـ ١٠١ ، ١٠٤ ، ١٠٨ ، ١١٤ ، المعارف ٥٥٠ ، الكنى للدولابى ١ / ٦٣ ، الجرح والتعديل الترجمة ٤٠٥ ، مشاهيره الترجمة ١٠ ، حلية الأولياء ١ / ٩٢ ، جمهرة ابن حزم ، ٧٩ ، ١٢٩ ، ١٦٧ ، ٢٧٣ ، ٣٦٥ ، الاستيعاب ترجمة ٩٦٨ ، تاريخ بغداد ١ / ١٤٤ ، الجمع لابن القيسرانى ١ / ١٥٧ ، تلقيح ابن الجوزى ٤٨ ، ١١٨ ، التبيين ١٢٧ ، ١٥٨ ، ١٨٢ ، ٢٠٢ ، ٢٢٣ ، ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ، ٢٦٩ ـ ٢٧٠ ، ٢٨٣ ، ٣٤٨ ، ٣٩٧ ، ٤٥٢ ، ٤٥٩ ، أسد الغابة ٢ / ٢٩٠ ، تهذيب الأسما واللغات ١ / ٢١٣ ، تاريخ الإسلام ٢ / ٢٨١ ، العبر ١ / ٦٠ ، الكاشف الترجمة ١٨٦٤ ـ التجريد الترجمة ٢٢٧٢ ، تذكرة الحفاظ ١ / ٢٢ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٩٢ ، نكت الهميان ١٥٥ ، غاية النهاية ١ / ٣٠٤ ، تهذيب ابن حجر ٣ / ٤٨٣ ، الإصابة ٣٢٢٢ ، خلاصة الخزرجى الترجمة ٢٤٠٣ ، تهذيب الكمال ٢٢٢٩).

١٨٨

الذين جعل عمر ـ رضى الله عنه ـ الخلافة فيهم شورى ، وأحد الأربعة من الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة بعد عثمان بن عفان ـ رضى الله عنهم ـ وأحد الرجلين اللذين جمع لهما النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أبويه ، لرميهما بين يديه ، وأحد الفرسان الشجعان من قريش ، الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى سفره.

أسلم بعد ستة ، فكان سبع الإسلام ، ذكره ابن عبد البر وغيره ، وقيل : بعد أربعة.

ذكره ابن الأثير ، وقال : روت عنه ابنته عائشة أنه قال : رأيت فى المنام قبل أن أسلم ، كأنى فى ظلمة لا أبصر شيئا ، إذ أضاء لى قمر ، فاتبعته ، فكأنى أنظر إلى من سبقنى إلى ذلك القمر ، فأنظر إلى زيد بن حارثة ، وإلى علىّ بن أبى طالب ، وإلى أبى بكر ـ رضى الله عنهم ـ وكأنى أسائلهم : متى انتهيتم إلى هاهنا؟ قالوا : الساعة. وبلغنى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يدعو إلى الإسلام مستخفيا ، فلقيته فى شعب أجياد ، قد صلى العصر فأسلمت ، فما تقدمنى أحدا إلا هم. انتهى.

وقال ابن المسيب ، عن سعد : ما أسلم أحد إلا فى اليوم الذى أسلمت فيه ، ولقد مكثت سبعة أيام ، وإنى لثالث الإسلام. انتهى. نقله الحافظ ابن حجر وهو يدل على أنه أسلم بعد اثنين ، والله أعلم.

وكان عمره لما أسلم ، سبع عشرة سنة ، كذا ذكره غير واحد من المتأخرين ، منهم : ابن الأثير والنووى ، وجزم بأنه أسلم بعد أربعة.

ونقل ابن عبد البر ، عن الواقدى ، عن سلمة ، عن عائشة بنت سعد ، عن سعد قال : أسلمت وأنا ابن تسع عشرة سنة ، كذا وجدته فى الاستيعاب ، التاء مقدمة على السين وفوقها نقطتان ، ولعل ذلك تصحيف من الناسخ ، فإنى رأيته فى تذهيب الكمال بتقديم السين ، ورأيته فى نسخة من مختصره للذهبى ، بتقديم التاء. والله أعلم.

قال ابن عبد البر : وروى عنه أنه قال : أسلمت قبل أن تفرض الصلوات. ثم قال : وهو أول من رمى بسهم فى سبيل الله عزوجل ، وذلك فى سرية عبيدة بن الحارث ، وذكر له شعرا فى ذلك ، منه [من الوافر] :

فما يعتدّ رام من معد

بسهم مع رسول الله قبلى

انتهى. وهو أول من أراق دما فى سبيل الله تعالى ؛ لأن ابن إسحاق قال فى رواية يونس بن بكير : كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إذا صلوا ذهبوا إلى الشّعاب ، فاستخفوا بصلاتهم من قومهم ، فبينا سعد بن أبى وقاص ـ رضى الله عنه ـ فى نفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فى شعب من شعاب مكة ، ظهر عليهم نفر من المشركين ، فناكروهم

١٨٩

وعابوا عليهم دينهم ، حتى قاتلوهم فاقتتلوا ، فضرب سعد رجلا من المشركين بلحى جمل فشجّه ، فكان أول دم أهريق فى الإسلام. انتهى.

وهو آخر المهاجرين موتا على ما قال ابنه عامر ، فيما نقله عن ابن الأثير. وهو آخر العشرة ـ رضى الله عنهم ـ موتا. وهو الذى كوّف الكوفة ، وهذان الأمران مشهوران من خبره.

وروى عن علىّ بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ قال : ما جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أباه وأمه لأحد ، إلا لسعد بن أبى وقاص ، قال له يوم أحد : ارم فداك أبى وأمى ، ارم أيها الغلام الحزور. وهذا فى الترمذى بهذا اللفظ (١).

وفى الصحيحين بمعناه (٢) ، وقد شارك سعدا فى هذه الفضيلة الزبير بن العوام ـ رضى الله عنه.

فإن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، جمع له بين أبويه ، يوم بنى قريظة وهذا فى الصحيحين أيضا (٣) ، من حديث عبد الله بن الزبير عن أبيه ، قال الزهرى : رمى سعد يوم أحد ألف سهم. انتهى.

وكان سعد رضى الله عنه ، مسدّدا فى رميه ، مجابا فى دعائه ؛ لأنه روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «اللهم أجب دعوته وسدد رميته».

رواه ابن عيينة ، عن إسماعيل بن خالد ، عن قيس بن أبى حازم ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسعد ، فذكره.

وفى الترمذى (٤) عن سعد ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اللهم استجب لسعد إذا دعاك» انتهى.

ولسعد ـ رضى الله عنه ـ أخبار مشهورة فى إجابة دعائه.

__________________

(١) فى سننه ، كتاب الأدب ، حديث رقم ٢٧٥٥ ، ٢٧٥٦ ، وفى المناقب ، حديث رقم ٣٦٨٦ ، ٣٦٨٨.

(٢) أخرجه البخارى فى صحيحه ، فى كتاب الجهاد والسير ، حديث رقم (٢٦٩٠) ، وفى المغازى ، حديث رقم (٣٧٤٩ ، ٣٧٥٣) ، وفى الأدب ، حديث رقم (٥٧١٦) ، ومسلم فى فضائل الصحابة ، حديث رقم (٤٤٢٩ ، ٤٤٣١).

(٣) أخرجه البخارى فى صحيحه ، فى كتاب المناقب ، حديث رقم (٣٤٤٢ ، ٣٤٤٦) ، وفى المغازى ، حديث (٣٧٥٠ ، ٣٧٥١ ، ٣٧٥٢ ، ٣٧٥٣) ، ومسلم فى صحيحه ، كتاب فضائل الصحابة (٤٤٢٩ ، ٤٤٣٠ ، ٤٤٣١ ، ٤٤٣٧).

(٤) فى سننه ، فى كتاب المناقب ، حديث رقم (٣٦٨٤).

١٩٠

وفى الترمذى (٥) عن جابر ـ رضى الله عنه ـ قال : أقبل سعد ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذا خالى فليرينى امرؤ خاله» انتهى.

قال ابن الأثير : وإنما قال هذا ؛ لأن سعدا زهرى ، وأم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم زهريّة ، وهو ابن عمها ، فإنها آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ، يجتمعان فى عبد مناف بن زهرة ، وأهل الأم الأخوال. انتهى.

ولسعد ـ رضى الله عنه ـ أحاديث كثيرة ، عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقد ذكر النووى عددها فقال : روى له عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مائتان وسبعون حديثا ، اتفق البخارى ومسلم منها على خمسة عشر ، وانفرد البخارى بخمسة ، ومسلم بثمانية عشر. روى له الجماعة. وقال النووى : وهو من المهاجرين الأولين ، هاجر إلى المدينة قبل قدوم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : وكان يقال له فارس الإسلام. انتهى.

شهد سعد ـ رضى الله عنه ـ مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدرا وسائر المشاهد ، وأمره النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على سرية الخرار ، وأمره عمر ـ رضى الله عنه ـ على الجيوش التى أنفذها لقتال الفرس ، ففتح القادسية ، وجلولاء ، ومدائن كسرى. وكان بعضهم يسمى جلولاء فتح الفتوح ، وسميت جلولاء ، لما تجللها من الشر ، وبلغت الغنائم عشر ألف ألف ، وقيل ثلاثين ألف ألف. وكلام ابن الأثير يقتضى أنه ولى العراق لعمر ـ رضى الله عنه ـ وفيما ذكره إيضاح لما ذكرناه من خبره وغير ذلك. فنذكر ذلك لما فيه من الفائدة ، قال : واستعمل عمر بن الخطاب سعدا على الجيوش الذين سيرهم لقتال الفرس ، وهو كان أمير الجيش ، الذين هزموا الفرس بالقادسية ، وبجلولاء. أرسل بعض الذين عنده فقاتلوا الفرس بجلولاء وهزموهم ، هو الذى فتح المدائن ـ مدائن كسرى ـ بالعراق. وهو الذى بنى الكوفة وولى العراق ، ثم عزله. ولما حضرت عمر ـ رضى الله عنه ـ الوفاة ، جعله أحد أصحاب الشورى ، وقال : إن ولى سعد الإمارة فذاك ، وإلا فأوصى الخليفة بعدى أن يستعمله ، فإنى لم أعزله من عجز ولا خيانة. فولاه عثمان ـ رضى الله عنه ـ الكوفة ثم عزله ، واستعمل الوليد بن عقبة بن أبى معيط. انتهى.

ولم يذكر ابن عبد البر لسعد بن أبى وقاص ولاية إلا الكوفة. ولم يذكر أن عمرا أوصى باستعماله ، وإنما ذكر وصيته بالاستعانة به. وفيما ذكره نكت من خبره يحسن

__________________

(٥) فى سننه ، كتاب المناقب ، حديث رقم ٣٦٨٥ ، وقال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مجالد وكان سعد بن أبى وقاص من بنى زهرة وكانت أم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بنى زهرة فلذلك قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا خالى.

١٩١

ذكرها ، لتأييدها لما سبق ، وبعضها لم يسبق ، قال : وكان أحد الفرسان الشجعان من قريش ، الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مغازيه ، وهو الذى كوّف الكوفة ، ونفى الأعاجم ، وتولى قتال فارس ، أمره على ذلك عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ ففتح الله على يديه أكثر فارس. وله كان فتح القادسية وغيرها. وكان أميرا على الكوفة ، فشكاه أهلها ، ورموه بالباطل ، فدعا على الذى واجهه بالكذب ، دعوة ظهرت عليه إجابتها. والخبر بذلك مشهور ، تركت ذكره لشهرته.

وعزله عمر ـ رضى الله عنه ـ وذلك فى سنة إحدى وعشرين ، حين شكاه أهل الكوفة ، وولى عمار بن ياسر الصلاة ، وعبد الله بن مسعود بيت المال ، وعثمان بن حنيف مساحة الأرض ، ثم عزل عمارا ، وأعاد سعدا على الكوفة ثانية ، ثم عزله وولى جبير بن مطعم ، ثم عزله قبل أن يخرج إليها ، وولى المغيرة بن شعبة ، فلم يزل عليها ، حتى قتل عمر ـ رضى الله عنه ـ فأقره عثمان يسيرا ، ثم عزله وولى سعدا ، ثم عزله وولى الوليد بن عقبة. وقد قيل : إن عمر ـ رضى الله عنه ـ لما أراد أن يعيد سعدا على الكوفة ، أبى عليه ، وقال : أتأمرنى أن أعود إلى قوم يزعمون أنهم يحسنون ، وإننى لا أحسن أصلى ، فتركه ، فلما طعن عمر ـ رضى الله عنه ـ وجعله أحد الشورى ، قال : إن وليها سعد فذاك ، وإلا فليستعن به الوالى ، فإنى لم أعزله عن عجز ولا خيانة. ورامه عمر بن سعد ـ ابنه ـ أن يدعو إلى نفسه بعد قتل عثمان ـ رضى الله عنه ـ فأبى ، وكذلك رامه ابن أخيه أيضا هاشم بن عتبة ، فلما أبى عليه ، صار هاشم إلى علىّ بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ وكان سعد ممن قعد ولزم بيته فى زمن الفتنة ، وأمر أهله ألا يخبروه بشىء من أخبار الناس ، حتى تجتمع الأمة على إمام ، فطمع معاوية فيه ، وفى عبد الله بن عمر ، وفى محمد بن مسلمة ، فكتب إليهم يدعوهم إلى عونه على الطلب بدم عثمان ـ رضى الله عنه ، يقول لهم : إنهم لا يكفرون ما أتوه من قتله وخذلانه إلا بذلك ، ويقول : إن قاتله وخاذله سواء ، فى نظم ونثر كتب به إليهم ، تركت ذكره ، فأجابه كل واحد منهم ، يرد عليه ما جاء به من ذلك ، وينكر عليه مقالته ، ويعرفه أنه ليس بأهل لما يطلبه. وكان فى جواب سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه [من الوافر] :

معاوى داؤك الداء العياء

وليس لما تجىء به دواء

أيدعونى أبو حسن على

فلم أردد عليه ما يشاء

وقلت له اعطنى سيفا قصيرا

تميز به العداوة والولاء

فإن الشر أصغره كبير

وإن الظهر تثقله الدماء

أتطمع فى الذى أعيى عليّا

على ما قد طمعت به العفاء

ليوم منه خير منك حيّا

وميتا أنت للمرء الفداء

١٩٢

فأما أمر عثمان فدعه

فإن الرأى أذهبه البلاء

قال أبو عمر : سئل علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه ، عن الذين تعذروا عن بيعته والقيام معه. فقال : أولئك قوم خذلوا الحق ولم ينصروا الباطل. انتهى.

وقال ابن الأثير : قال أبو المنهال : سأل عمر بن الخطاب عمرو بن معدى كرب ، عن خبر سعد بن أبى وقاص ، فقال : متواضع فى خبائه ، عربى فى نمرته ، أسد فى تامورته ، يعدل فى القضية ، ويقسم بالسوية ، ويبعد فى السرية ، ويعطف علينا عطف الأم البرة ، وينقل إلينا حقنا نقل الذرة. انتهى.

قال ابن الأثير : التامور : عرين الأسد ، وهو بيته الذى يأوى إليه. انتهى.

ومن أخبار سعد رضى الله عنه فى إجابة دعائه ، أن بعض أهل الكوفة شكوه إلى عمر رضى الله عنه ، وقالوا : لا يحسن يصلى ، فبعث عمر رضى الله عنه رجالا يسألون عنه فى مجالس الكوفة ، فكانوا لا يأتون مجلسا إلا أثنوا خيرا ، وقالوا معروفا ، حتى أتوا مسجدا من مساجدهم ، فقام رجل يقال له أبو سعدة فقال : اللهم إذ سألتمونا ، فإنه كان لا يعدل فى القضية ، ولا يقسم بالسوية ، ولا يسير بالسرية. فقال سعد رضى الله عنه : اللهم إن كان كاذبا ، فأعم بصره ، وأطل فقره ، وعرضه للفتن. قال عبد الملك ـ وهو ابن عمير راوى هذا الحديث ـ عن جابر بن سمرة : فأنا رأيته يتعرض للإماء فى السكك ، فإذا قيل له : كيف أنت يا أبا سعدة؟ قال : كبير فقير مفتون ، أصابتنى دعوة سعد. انتهى.

واسم أبى سعدة : أسامة بن قتادة ، فيما قال الخطيب. وهذا الحديث فى الصحيحين وغيرهما.

ومنها أن امرأة كانت تطلع على سعد ، فنهاها فلم تنته ، فاطلعت يوما وهو يتوضأ فقال : شاه وجهك ، فعاد وجهها فى قفاها.

ومنها أنه نهى ابنة له عن الخروج مع زوجها إلى الشام ، فلم تنته ، فقال سعد : اللهم لا تبلغها ما تريد ، فأدركها الموت فى الطريق.

ومنها أنه نهى رجلا عن نيله من علىّ ، رضى الله عنه ، فلم ينته ، وخوفه بالدعاء عليه ، فلم ينته ، فدعا عليه ، فما برح حتى جاء بعير نادّ أو ناقة نادة ، فخبطته حتى مات.

ومنها أن ابنه عمر ، ضرب غلاما لأبيه سعد ، حتى سال دمه على عقبه ، فقال سعد : اللهم اقتل عمر وأسل دمه على عقبه ، فقتل المختار عمر بن سعد. وهذه الأخبار رويناها

١٩٣

فى «مجابى الدعوة» لابن أبى الدنيا ، وذكرنا أكثرها بالمعنى والاختصار.

قال ابن عبد البر : وروى الليث بن سعد ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، أن سعد بن أبى وقاص ـ رضى الله عنه ـ لما حضره الموت ، دعا بخلق ، جبّة له من صوف ، فقال: كفنونى فيها ، فإنى كنت لقيت المشركين فيها يوم بدر وهى علىّ. وإنما كنت أخبؤها لهذا اليوم ، فكفن فيها.

وقال ابن عبد البر : ومات سعد بن أبى وقاص ـ رضى الله عنه ـ فى قصره بالعقيق ، على عشرة أميال من المدينة ، وحمل إلى المدينة على رقاب الرجال ، ودفن بالبقيع ، وصلى عليه مروان بن الحكم. انتهى.

وقد اختلف فى تاريخ موته ، فقيل سنة خمس وخمسين ، نقله ابن عبد البر وابن الأثير عن الواقدى. ونقله صاحبنا الحافظ ابن حجر ، عن إبراهيم بن المنذر ، وابن سعد ، وأبى بكر بن حفص بن عمر بن سعد.

وقيل سنة أربع وخمسين ، نقله ابن عبد البر ، عن الزبير والحسن بن عثمان وعمرو بن على الفلّاس. وقيل سنة ثمان وخمسين ، نقله ابن عبد البر ، عن أبى سعد ، على ستة أقوال. ونقله ابن الأثير عن أبى نعيم الفضل بن دكين. وقيل توفى سنة إحدى وخمسين. وقيل سنة سبع وخمسين. حكى هذه الأقوال الثلاثة المزى فى التهذيب ولم يعزها. وذكر أن القول بوفاته سنة خمس وخمسين هو المشهور ، ولم يذكر فى وفاته القول بأنها فى سنة أربع وخمسين.

واختلف فى سنّة على أربعة أقوال ، فقيل توفى وهو ابن أربع وسبعين ، قاله الفلاس. وقيل توفى وهو ابن ثلاث وثمانين ، ذكره أبو زرعة ، عن أحمد بن حنبل. نقل هذين القولين ، ابن عبد البر والمزى ، إلا أن المزى لم يعز واحدا منهما. وقيل توفى وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. نقله المزى ولم يعزه. وقيل توفى وهو ابن ثلاث وسبعين ، نقله الحافظ ابن حجر ، وكلامه يوهم أن المزى ذكره. ولم أره فى كتابه ، وإنما فيه بعد الأقوال فى تاريخ وفاته : وهو ابن بضع وسبعين ، وقيل أربع وسبعين. انتهى.

والبضع لا يلتزم الثلاث وإن صدق عليها ، والله أعلم.

واختلف فى صفته ، فقال ابن الأثير : قال إسماعيل بن محمد : كان سعد آدم طوالا أفطس. وقيل : كان قصيرا دحداحا غليظا ، ذا هامة ، شثن الأصابع ، قالته ابنته عائشة. انتهى.

ونقل القول الأخير فى صفته ، الحافظ ابن حجر عن إبراهيم بن المنذر ، وزاد فى

١٩٤

آخره : وكان هو وعلىّ وطلحة والزبير رضى الله عنهم عذار يوم واحد. انتهى.

واختلف فيما بين العقيق والمدينة ، فقيل عشرة أميال ، وقيل سبعة ، حكاهما النووى ، ولم يعزهما. وعلى الأول اقتصر ابن عبد البر ، وعلى الثانى اقتصر ابن الأثير ، وقال : فأدخل المسجد ، فصلى عليه مروان ، وأزواج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

١٢٦٩ ـ سعد بن مسعود الثقفى :

عم المختار بن أبى عبيد. له صحبة. ذكره ابن عبد البر هكذا. وذكره ابن الأثير أفود من هذا ؛ لأنه قال : قال البخارى : هو عم المختار بن أبى عبيد. وقال الطبرانى : له صحبة. وساق له حديثا لفظه : كان نوح عليه‌السلام ، إذا لبس ثوبا حمد الله تعالى ، وإذا أكل أو شرب ، شكر ، فلذلك سمى عبدا شكورا. وقال : أخرجه أبو نعيم وأبو موسى وأبو عمر ، وعلم عليه : «ب د ع» ، وهذه العلامة تخالف ما أسماه ، فإن الدال علامة ابن مندة ، والنسخة سقيمة ، والله أعلم بالصواب.

١٢٧٠ ـ سعد ، مولى قدامة بن مظعون الجمحى :

قتلته الخوارج سنة إحدى وأربعين ، مع عبادة بن قرص ، فى صحبته نظر. ذكره ابن عبد البر وابن الأثير ، وعزاه لابن عبد البر وحده.

١٢٧١ ـ سعد المكى :

روى عن ابن عمر. روى عنه واصل ، مولى أبى عيينة. مات بعد المائة ، ذكره هكذا ابن حبان فى الطبقة الثالثة من الثقات.

وقال المزى : سعد مولى طلحة ، ويقال سعيد ، ويقال طلحة مولى سعد ، روى عن عبد الله بن عمر بن الخطاب. روى عنه عبد الله بن عبد الله الرازى.

قال أبو حاتم : لا يعرف إلا بحديث واحد. وذكره ابن حبان فى «كتاب الثقات» روى له الترمذى. وقد وقع لنا حديثه عاليا ، وسياقه من مسند ابن حنبل حديث الكفل ، من بنى إسرائيل ، مع المرأة التى أراد وطأها ، وإعراضه عن وطئها. وعن الدنانير التى أعطاها له ، وتوبته.

* * *

__________________

١٢٦٩ ـ انظر ترجمته فى : (التاريخ الكبير ٢ / ٥٠ ، الاستيعاب ترجمة ٩٦١ ، الإصابة ترجمة ٣٢١١ ، أسد الغابة ترجمة ٢٠٤٤ ، تجريد أسماء الصحابة ١ / ٢١٩ ، الجرح والتعديل ٤ / ٤١٤ ، ٤١٧ ، طبقات ابن سعد ٣ / ٣٠١ ، التحفة اللطيفة ١٣٧).

١٢٧٠ ـ انظر ترجمته فى : (الاستيعاب ترجمة ٩٧٨ ، الإصابة ترجمة ٣٢٤٥ ، أسد الغابة ترجمة ٢٠٣٢).

١٢٧١ ـ انظر ترجمته فى : (الجرح والتعديل ٤ / ٩٩ ، تهذيب الكمال ٢٢٢٣ ، تهذيب التهذيب ٣ / ٤٨٥).

١٩٥

من اسمه سعيد

١٢٧٢ ـ سعيد بن أحمد الأنصارى الحنفى :

إمام الحنفية بالمسجد الحرام. لا أعلم من حاله سوى ما ذكرته ، وهو مما استفدته من نسخة كتاب وقف رباط رامشت بمكة ؛ لأنه ممن شهد على رامشت لوقفه بذلك. وقال فى تعريف نفسه : سعيد بن أحمد الأنصارى المصلى بالحنفية.

وكتاب وقف رامشت ، مؤرخ بشهر رمضان سنة تسع وعشرين وخمسمائة ، فاستفدنا من ذلك حياة صاحب الترجمة فى هذا التاريخ. والله أعلم.

١٢٧٣ ـ سعيد بن جبير بن هشام الأسدى ، أسد خزيمة ، مولاهم ، أبو محمد ، ويقال أبو عبد الله الكوفى :

روى عن أبى موسى الأشعرى ، وأبى هريرة ، وأبى سعيد الخدرى ، والضحاك بن قيس الفهرى ، والعبادلة : ابن عباس ، وابن الزبير ، وابن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن معقل ، وعدى بن حاتم ، وعائشة الصديقة ، وغيرهم.

روى عنه الزهرى والأعمش ، وعمرو بن دينار ، وأيوب السختيانى ، وخلق. روى له الجماعة.

__________________

١٢٧٣ ـ انظر ترجمته فى : (طبقات ابن سعد ١ / ٢١ ، ٢٣ ، ٢٥ ، ٢٦ ، ٧٢ ، ١٣٢ ، ٣٠٢ ، ٢ / ١٢٩ ، ٣ / ١٧ ، ٦ / ١٤٢ ، ٢٦٧ ، ٨ / ١٠٧ ، تاريخ يحيى برواية الدورى ٢ / ١٩٦ ، ابن طهمان الترجمة ٣٥٥ ، تاريخ الدارمى الترجمة ٣٥٧ ، ٣٥٨ ، طبقات خليفة ٢٨٠ ، تاريخه ٢٤٧ ، ٢٨٧ ، ٣٠٧ ، الزهد لأحمد ٣٧٠ ، تاريخ البخارى الكبير الترجمة ١٥٣٣ ، تاريخه الصغير ١ / ٢١٠ ـ ٢٢١ ، ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٢٨٤ ، سؤالات الآجرى لأبى داود الترجمة ١٢٨ ، ١٩٢ ، المعارف ٤٤٥ ، المعرفة ليعقوب ١ / ٧١٢ ، تاريخ أبى زرعة الدمشقى ١٤٢ ، ٣٠٧ ، ٤٥٦ ، ٥١٥ ، ٥٢٧ ، ٦١٩ ، ٦٥٤ ، ٦٧١ ، ٦٧٧ ، تاريخ واسط ٨٥ ـ ٨٧ ، ٩٢ ، ٩٩ ـ ١٠١ ، ١٣٤ ، ١٤٧ ، ١٦٦ ، ١٧٨ ـ ١٨٠ ، ١٩١ ، ٢٠١ ، أخبار القضاة لوكيع ٢ / ٤١١ ، الكنى للدولابى ٢ / ٥٦ ، الجرح والتعديل الترجمة ٢٩ ، المراسيل ٧٤ ، ثقات ابن شاهين الترجمة ٤٤١ ، حلية الأولياء ٤ / ٢٧٢ ، أخبار أصبهان ١ / ٣٢٤ ، طبقات الفقهاء للشيرازى ٨٢ ، الجمع لابن القيسرانى ١ / ١٦٤ ، أنساب السمعانى ٣ / ١٨٨ ، تهذيب الأسماء واللغات ، ١ / ٢١٦ ، وفيات الأعيان ٢ / ٣٧١ ، تاريخ الإسلام ٤ / ٢ ، سير أعلام النبلاء ٤ / ٣١٢ ، الكاشف الترجمة ١٨٨٠ ، تذكرة الحفاظ ١ / ٧٦ ، العبر ١ / ٦١٢ ، مراسيل العلائى ٢٣٣ ، البداية والنهاية ٩ / ٩٦ ، ٩٨ ، غاية النهاية ١ / ٣٠٥ ، تهذيب ابن حجر ٤ / ١١ ، طبقات المفسرين ١ / ١٨١ ، خلاصة الخزرجى الترجمة ٢٤٢٥ ، شذرات الذهب ١ / ١٠٨ ، تهذيب الكمال ٢٢٤٥ ، المنتظم لابن الجوزى ١ / ١٢٢ ، ١٢٦ ، ١٧٧ ، ٧١ ، ٢٣٣ ، ٣١٨ ، ٧ / ٣ ، ٤ ، ٦ ، ٧ ، ٨ ، ٠ ، ١٠).

١٩٦

وذكره ابن عبد البر فى فقهاء مكة ، من أصحاب ابن عباس وقال : كان فقيها خيرا نبيلا فاضلا ، إلا أنه سكن الكوفة ، وهو معدود فى الكوفيين. انتهى.

وروى عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال : لقد مات سعيد بن جبير ، وما على وجه الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه. انتهى.

وقد أثنى عليه ابن عباس بالعلم ؛ لأنه روى عن جعفر بن أبى المغيرة : كان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه ، يقول : أليس فيكم ابن أم الدهماء؟ يعنى سعيد بن جبير.

وكان مع ما رزقه من وفور العلم ، وافر الحظ فى العبادة.

روى عن هلال بن يساف ، قال : دخل سعيد الكعبة ، فقرأ القرآن فى ركعة. وروى الحسن بن صالح عن وفا ، قال : كان سعيد بن جبير ، يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء ، فى شهر رمضان. زاد غيره : وكانوا يؤخرون العشاء. وروى عبد الملك بن أبى سليمان ، عن سعيد بن جبير ، أنه كان يختم القرآن فى كل ليلتين ، ورويت له كرامات.

منها : أنه قال لديك له : قطع الله صوتك ، فما سمع له صوت. وإنما قال له ذلك ؛ لأنه كان يقوم من الليل بصياح الديك ، فلم يصح فى بعض الليالى حتى أصبح. فلم يصل سعيد تلك الليلة ، فشق عليه ، فقال ما سبق.

ومنها : أن رسل الحجاج لما أخذوه ، أتوا به دير راهب ، دلّهم على سعيد ؛ لأن الليل أدركهم ، فسألوه أن يصعد معهم فأبى ، فتركوه بعد أن التزم لهم أن لا يهرب. وكان يأوى إلى الدير فى الليل ، لبؤة وأسد ، ولأجلهما نام فى الدير رسل الحجاج. فلما دنت اللّبؤة من سعيد ، تحككت به وتمسحت به ، ثم ربضت قريبا منه. وأقبل الأسد فصنع مثل ذلك.

ومنها : أن الحجاج حين أمر بذبح سعيد ، قال سعيد : اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدى ، فلم يقتل بعده إلا واحدا ، على ما قال سفيان بن عيينة.

ومنها : أنه لما بان رأسه قال : لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله ، ثم قالها الثالثة فلم يتمها.

ومنها على ما قيل : إن الحجاج عاش بعده خمس عشرة ليلة ، ووقعت الأكلة فى بطنه ، فدعا بالطبيب لينظر إليه ، فنظر إليه ، ثم دعا بلحم منتن فعلقه فى خيط ، ثم أرسله فى حلقة ، فتركه ساعة ثم استخرجه ، وقد لزق به من الدم ، فعلم أنه ليس بناج. ويقال إنه كان ينادى بقية حياته : ما لى ولسعيد بن جبير ، كلما أردت النوم أخذ برجلى.

١٩٧

وقد جرى بين سعيد جبير ، والحجاج حين أراد قتله ، محاورات وسؤالات ، قال فيها سعيد للحجاج : إنى لأعلم أنك مخالف لكتاب الله تعالى ، ترى من نفسك أمورا تريد بها الهيبة ، وهى تقحمك الهلكة.

ولسعيد ـ رضى الله عنه ـ فضائل أخر ، منها : أنه تمكن من النجاة من رسل الحجاج فلم يفعل ، وفاء بما عاهدهم عليه ، وذلك أنهم لما وصلوا به واسط ، سألهم أن يدعوه تلك الليلة ، ليأخذ أهبة الموت ، ويأتيهم إذا أصبحوا بالمكان الذى يريدون ، فتوقفوا فى ذلك ، ثم أجابوه لما رأوا منه من الوفاء ، ليلة باتوا بالدير عند الراهب ، ولما رأوه من حاله مع اللّبؤة والأسد. فلما انشق عمود الصبح ، أتاهم فذهبوا به إلى الحجاج ، وعرفوه بما رأوه من حاله ، فصرف وجهه عنهم.

وآخر أمره أنه ذبح بين يديه ، على نطع فى شعبان سنة خمس وتسعين من الهجرة ، ومات الحجاج فى رمضان من السنة المذكورة. وما يقال من أن الحجاج عاش بعد سعيد بن جبير ستة أشهر ، فيه نظر. وهذا فى تهذيب الكمال. وما ذكرناه من أحواله ذكره المزى فى التهذيب. ونقل كثيرا منه عن أبى نعيم الأصبهانى من كتابه «الحلية» إلا قضية الدير فإنها فى «مجابى الدعوة» لابن أبى الدنيا ، وإلا ما ذكرناه عن ابن عبد البر ، فإن المزى لم يذكره.

وذكر المزى خبرا ، فيه أن خالدا القسرى قبض على سعيد بن جبير بمكة. وهذا الخبر ذكره المزى عن أبى نعيم ، وهو يخالف الخبر الذى ذكره أبو نعيم ، فى أخذ رسل الحجاج لسعيد بن جبير ، وما اتفق له معهم ليلة الدّير وليلة قدومهم إلى واسط ، والله أعلم بالصواب.

وغالب ما ذكرناه من حاله ، هو بالمعنى لا باللفظ ، مع الاختصار.

وكان سعيد بن جبير ـ رضى الله عنه ـ حين قتل ، ابن تسع وأربعين سنة. وفى خبر عنه ، ما يقتضى أنه حين قتل ، ابن سبع وخمسين سنة ، وقيل فى سنّه وتاريخ قتله غير ما ذكرناه لأن النووى ، قال : وقال ابن السمعانى : قتل سنة أربع وتسعين ، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة ، وقال ابن قتيبة : قتل سنة أربع وتسعين ، وهو ابن تسع وأربعين سنة. انتهى.

١٢٧٤ ـ سعيد بن الحارث بن قيس بن عدى بن سعد بن سهم القرشى السهمى :

هاجر مع إخوته إلى الحبشة ، واستشهد فيما قيل يوم اليرموك ، ذكر هذا من حاله ابن

__________________

١٢٧٤ ـ انظر ترجمته فى : (الاستيعاب ترجمة ٩٨١ ، الإصابة ترجمة ٣٢٦٠ ، أسد الغابة ترجمة ٢٠٦٤ ، طبقات ابن سعد ٤ / ١٤٩).

١٩٨

عبد البر ، وابن الأثير ، وحكى فى قتله خلاف ذلك ؛ لأنه قال : وقيل بل قتل بأجنادين ، قاله عروة وابن شهاب ، ونقل ابن الأثير القول بأنه قتل يوم اليرموك عن ابن إسحاق. وقال : قلت : يقع الاختلاف كثيرا فيمن قتل باليرموك وأجنادين والصّفر ، كلها بالشام ، وكذلك اختلفوا فى أى هذه الأيام قبل الآخر ، وسبب هذا الاختلاف قرب بعضها من بعض.

قال : لا عقب له. وقال : أخرجه أبو نعيم وأبو عمر وأبو موسى.

١٢٧٥ ـ سعيد بن حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة ابن جمح القرشى الجمحى :

ذكره البخارى فى الصحابة. روى ابن أبى زائدة ، عن أبى صالح بن صالح ، عن سعيد بن حاطب ، قال : كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يخرج فيجلس على المنبر يوم الجمعة ، ثم يؤذن المؤذن ، فإذا فرغ قام فخطب. وروى عن الحسن بن صالح عن أبيه عن سعيد بن حاطب ، أتم من هذا. أخرجه ابن مندة وأبو نعيم.

ذكره هكذا ابن الأثير. وفى كتابه سقم ، فليحرر.

١٢٧٦ ـ سعيد بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشى المخزومى ، أخو عمرو بن حريث :

له صحبة. قال الواقدى : يقولون : شهد فتح مكة مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو ابن خمس عشرة سنة ، روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. روى عنه عبد الملك بن عمير. وقيل : عن عبد الملك ، عن أخيه ، عن عمرو بن حريث ، عنه.

روى له ابن ماجة حديثا واحدا (١). ذكره هكذا المزى فى التهذيب. وأخرجه من

__________________

١٢٧٥ ـ انظر ترجمته فى : (أسد الغابة ٢ / ٣٠٤ ، الإصابة ٢ / ٤٥).

١٢٧٦ ـ انظر ترجمته فى : (طبقات ابن سعد : ١ ، طبقات خليفة ٢٠١ ، ٦٢٦ ، تاريخ البخارى الكبير الترجمة ١٥١٢ ، المعرفة ليعقوب ١ / ٢٩٤ ، الجرح والتعديل الترجمة ٣٧ ، المعجم الكبير الترجمة ٥٦٧ ، الاستيعاب ترجمة ٩٨٢ ، التبيين فى أنساب القرشيين ٣٤٦ ، أسد الغابة ترجمة ٣٢٦٦ ، الكامل فى التاريخ ٢ / ٢٤٩ ، تجريد أسماء الصحابة الترجمة ٢٣٠٥ ، تهذيب ابن حجر ٤ / ١٥ ، الإصابة ترجمة ٣٢٦٢ ، خلاصة الخزرجى الترجمة ٢٤٢٨ ، تهذيب الكمال ٢٢٤٨).

(١) فى سننه ، كتاب الأحكام ، حديث رقم (٢٤٨١) من طريق : أبو بكر بن أبى شيبة حدثنا وكيع حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن عبد الملك بن عمير عن سعيد بن حريث قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : من باع دارا أو عقارا فلم يجعل ثمنه فى مثله كان قمنا أن لا يبارك فيه. حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد حدثنى إسماعيل ـ

١٩٩

المسند لابن حنبل (٢). حديثه : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يبارك فى ثمن أرض أو دار ، إلا أن يجعل فى أرض أو دار». وهو فى ابن ماجة.

وذكره ابن عبد البر فقال : هو أسنّ من أخيه عمرو بن حريث ، شهد فتح مكة مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو ابن خمس عشرة سنة ، ثم نزل الكوفة ، وغزا خراسان ، وقتل بالجزيرة ، ولا عقب له. روى عنه أخوه عمرو بن حريث. انتهى.

وذكره ابن الأثير بمعنى هذا ، إلا أنه قال بعد قوله : وغزا خراسان : وقتل بالحيرة ، قتله عبيد له ، وقيل : بل مات بالكوفة. انتهى. وما ذكره ابن الأثير من قتله بالحيرة هو الصواب ، لا ما فى الاستيعاب ، من أنه قتل بالجزيرة ، ولعله تصحيف من الناسخ ، فإن الزبير بن بكار ، ذكر أنه قتل بظهر الحيرة.

وهذا لا يخفى على ابن عبد البر ، وجزم المزى بما ذكره ابن الأثير قولا فى موضع وفاته ؛ لأنه قال : مات بالكوفة وقبره بها. انتهى. وهو مع أبى برزة الأسلمى ، قتله عبد الله بن خطل ، على ما قاله ابن إسحاق ، وقيل : قتله الزبير بن العوام. وهذا فى خبر ذكره الفاكهى ، وفيه تسمية ابن خطل ، بهلال ، وقيل فيه غير ذلك.

١٢٧٧ ـ سعيد بن حسان المخزومى المكى القاص :

روى عن سالم بن عبد الله بن عمر ، ومجاهد بن جبر ، وعبد الله بن عبيد الله بن أبى مليكة ، وغيرهم.

روى عنه الثورى ، وابن عيينة ، وابن المبارك ، ووكيع ، وأبو نعيم وغيرهم.

روى له مسلم والترمذى والنسائى ، وابن ماجة. وثقه ابن معين ، وأبو داود ، والنسائى ، ولم يرضه أبو داود فى رواية عنه.

__________________

ـ ابن إبراهيم بن مهاجر عن عبد الملك بن عمير عن عمرو بن حريث عن أخيه سعيد بن حريث عن النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم مثله.

(٢) فى المسند برقم ١٥٦٣.

١٢٧٧ ـ انظر ترجمته فى : (طبقات ابن سعد ٦ / ١٧ ، ٣٩ ، تاريخ يحيى برواية الدورى ٢ / ١٩٨ ، طبقات خليفة ٢٨٣ ، تاريخ البخارى الكبير الترجمة ١٥٤٦ ، المعرفة ليعقوب ٣ / ٢٤٠ ، تاريخ واسط ٢٧٥ ، الجرح والتعديل الترجمة ٤٣ ، الجمع لابن القيسرانى ١ / ١٧٥ ، تاريخ الإسلام ٦ / ٧٠ ، ١٨١ ، الكاشف الترجمة ١٨٨٥ ، ميزان الاعتدال الترجمة ٣١٥٥ ، المغنى الترجمة ٢٣٦٩ ، تهذيب ابن حجر ٤ / ١٦ ، خلاصة الخزرجى الترجمة ٢٤٣٠ ، تهذيب الكمال ٢٢٥٠).

٢٠٠