العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ١

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ١

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-2553-2
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٣٠

١
٢

بسم الله الرّحمن الرحيم

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، الحمد لله الذى منّ علينا بالأنبياء والرسل ، ليرسموا لنا معا لم الطريق إلى النجاة ، فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد.

وصلاة وسلاما على خير من أشرقت عليه الشمس منذ أن خلقها الله ، خاتم الأنبياء والمرسلين ، محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم المبعوث رحمة للعالمين.

أما بعد :

فإن أخبار السابقين وآثارهم ما تزال تحتل رأس الموضوعات الأكثر جاذبية لجموع الباحثين ؛ لشغفهم بمعرفة ما كان فى حياتهم من جلائل الأعمال وما صادفهم فى حياتهم من معضلات ، علّهم يهتدون بهم فى كيفية تعاملهم معها وتغلبهم عليها .. ولا يمل السّمّاع فى كل عصر من سماع تلك الأحداث ، وبما فيها من أخبار الأجداد.

ومن هذا القبيل الكتاب الذى بين أيدينا :

«العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين»

لمؤلفه ، الإمام تقى الدين أبى الطيب محمد بن أحمد الفاسى الحسنى المكى ، إمام الحرم ، المتوفى (سنة ٨٣٢ ه‍) رحمه‌الله.

يعد هذا الكتاب المرجع الوافى لتراجم أعيان أهل مكة ، ومن سكنها أو مات بها ، من الصحابة والرواة والفقهاء والولاة والأعيان وغيرهم ، فى مدة ثمانية قرون.

نهج المؤلف فى كتابه نهج السابقين من العلماء الذين أفردوا مصنفات خاصة لتراجم أهل بلد بذاته ، كالخطيب البغدادى فى «تاريخ بغداد» وأبى القاسم بن عساكر فى «تاريخ دمشق» وأبى نعيم الأصفهانى فى «أخبار أصفهان» وعبد الكريم القزوينى فى «التدوين فى أخبار قزوين» والحاكم النيسابورى فى «تاريخ نيسابور» والشمس السخاوى فى «التحفة اللطيفة فى أخبار المدينة الشريفة» وغيرهم.

وللمؤلف ـ تقى الدين الفاسى ـ عناية خاصة بالتأريخ لمكة المشرفة ، وترجمة أعلامها ، ومن حلّ بها من أهل العلم والفضل مستكملا ما بدأه ـ عمدة مؤرخى البلد

٣

الحرام ـ أبو الوليد الأزرقى ، المتوفى نحو سنة ٢٥٠ ه‍ ، فى كتابه «أخبار مكة» وأبو عبد الله الفاكهى ، المتوفى نحو سنة ٢٨٠ ه‍ ، فى كتابه «تاريخ مكة» ومن تبعهما من المؤرخين فى هذا الموضوع ، حتى عصر المؤلف.

فقد استفاد أبو الطيب محمد بن أحمد الفاسى من جميع هؤلاء المؤرخين ، وما تلقاه من الأخبار عن الثقات ، وما شاهده مسجلا على الرخام والأخشاب وغير ذلك ، وأمكنه أن ينسق هذا التراث تنسيقا علميّا مرتبا ظهر واضحا فيما تركه لنا من مصنفات فى تاريخ مكة ، وهى :

شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ، وتحفة الكرام بأخبار البلد الحرام (مختصر شفاء الغرام) والزهور المقتطفة من تاريخ مكة المشرفة ، وعجالة القرى للراغب فى تاريخ أم القرى ، والعقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين ، كتابه الذى بين أيدينا اليوم.

وقد جعله المؤلف أساس كتبه المذكورة ، وهى منه بمثابة المختصرات أو المستخرجات ، وقسمه على أربعة مجلدات ، وهى :

الأول : الكلام على مكة وتاريخها وفضائلها وآثارها ومعالمها وتحديدها ومساحتها ، ورتب ذلك على أربعين بابا ، ثم بدأ بعد ذلك بسيرة موجزة للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم سماها الجواهر السنية فى السيرة النبوية ، أتبعها بتراجم الكتاب ، مبتدئا بالمحمدين ، تبركا باسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الثانى : التراجم من حرف الألف إلى نهاية حرف الظاء.

الثالث : التراجم من حرف العين إلى نهايته.

الرابع : التراجم من حرف الغين إلى حرف الياء ... ثم ذيل الكتاب بأبواب فى الكنى والألقاب والأنساب وتراجم النساء.

نسخ الكتاب : يوجد من هذا الكتاب نسخ متعددة ، أعتمدنا فى عملنا على مخطوطتين منها :

الأولى : مخطوط ، يرجع تاريخه إلى عام ٨٦٧ ه‍ ، بخط جيد ، ترجع ملكيتها إلى عالم مكة فى عصره سراج الدين أبى القاسم محمد ، الشهير بابن فهد الهاشمى المكى (المتوفى سنة ٨٨٥ ه‍). وكان من أقرب تلااميذ تقى الدين الفاسى وألصقهم به ، روى عنه هذا

٤

الكتاب ، وأجاز بروايته عنه. وقد علق ابن فهد على حواشى هذا النسخة كثيرا من التعليقات المفيدة والاستدراكات ، وكلها بخطه.

الثانية : نسخة أخرى جيدة محفوظة بدار الكتب المصرية ، تحت رقم ٦ تاريخ ق. وتقع فى أربعة مجلدات مكتوبة بخط جيد ، وعناوين الأبواب والفصول وبداية أسماء التراجم مكتوبة باللون الأحمر ، ولم يذكر فيها اسم الناسخ أو تاريخ النسخ ، ومن المرجع أنها كتبت فى القرن العاشر الهجرى ، وقد نسخت من أصل كتبه العلامة أبو الخير عبد العزيز ابن عمر بن محمد بن محمد بن فهد المكى الهاشمى الشافعى سنة ٨٧٤ ه‍ ، نجل سراج الدين صاحب النسخة السابقة. وعدد أوراقها : ٢١٤ ، و ٢٤٩ ، و ٢٠٤ ، و ١٥٧ ، وعدد الأسطر فى كل صفحة ٢٥ سطرا.

إلى جانب نسخة مطبوعة من الكتاب ، طبعت بالقاهرة ، ١٣٧٩ ه‍ ، بتحقيق الأستاذ محمد الطيب حامد الفقى ، والتى جاءت فى ثمانية أجزاء ، وتابعناها فى التبويب غير أن نسختنا تأتى فى ستة أجزاء.

وقد حرصنا حين العرض لهذا المرجع بالتحقيق على ما يلى :

* تخريج آيات القرآن الكريم.

* تخريج الأحاديث الشريفة على كتب السنة.

* مطابقة النسخ ، والمقارنة بين النصوص التى أوردها المصنف نقلا عن مؤرخين سبقوه ، ومقارنتها بالأصل المنقولة عنه ، وبيان الاختلاف بينهما ، إن وجد.

* ضبط الأبيات الشعرية ، التى جاءت كثيرة فى هذا المرجع ، وذكر الميزان العروضى لها.

* ترجمة الأعلام الذين وردت أسماؤهم ، غير من ذكرهم المصنف.

* ترجمة البلدان ، التى ربما خفيت على الكثيرين منا الآن بسبب تغير أسماؤها الآن.

* عمل فهارس مفصلة ، تسهل على جميع من يلتمس هذا الكتاب مرجعا له ، أن يصل إلى ما يريد دون أدنى قدر من الجهد.

* أوردنا بعد ختم هذا المدخل فصلا فيه بعض مقتطفات مما جاء ب «أخبار مكة» وملحقاته ، بتحقيق الأستاذ رشدى الصالح ملحس ، طبعة دار الثقافة ، مكة

٥

المكرمة ، ١٤٠٤ ه‍ ، ورسالة صغيرة للمؤرخ الكبير المقريزى ، بشأن من حج من الخلفاء والملوك.

وما أوردناه من مقتطفات بعضها مما أغفله تقى الدين الفاسى وبعضها مما لم يخصه بكبير عناية ، وأورده فى عجالة لا تفى بالمقصود ، فأتينا به زيادة فى الفائدة.

أما ما لا يمكن أن ننساه ، فهو ذلك الدور الرائد الذى تلعبه دار الكتب العلمية ـ بيروت ، وعلى رأسها السيد الأستاذ محمد على عبد الحفيظ بيضون ، ذلك الرجل الذى آلى على نفسه منذ زمن بعيد أن يحفظ للأجيال القادمة تراث أجدادها العرب وأن يضعه بين أيديهم فى أبهى صوره وأدقها ، فله كل الشكر ، ليس منا فحسب ، ولكن من كل عربى ومسلم.

والله العلى الرحيم يهدينا سواء السبيل ، وهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير.

محمد عبد القادر عطا

القاهرة فى : العشرين من شوال ١٤١٩ ه‍.

السابع عشر من فبراير ١٩٩٨ م.

 * * *

٦

ذكر الأبار التى بمكة قبل زمزم

قال الأزرقى : حدثنا أبو الوليد وحدثنى محمد بن يحيى ، قال : سمعت عبد العزيز بن عمران ، يقول :

بئر كر آدم : بلغنى أن آدم عليه‌السلام حين أهبط إلى مكة حفر بيرا تسمى كر آدم المفجر فى شعب حواء. وأخبرنى عن الثقة عن ابن عباس رضى الله عنه قال : لما انتشرت قريش بمكة وكثر ساكنها ، قلّت عليهم المياه ، واشتدت المؤنة فى الماء حفرت بمكة ، آبارا :

بئر رم : فحفر مرة بن كعب بن لؤى بيرا يقال لها : رم ، وبلغنى أن موضعها عند طرف الموقف بعرنة قريبا من عرفة.

بئر خم : قال إسحاق : وحفر كلاب بن مرة بيرا يقال لها : خمّ ، كانت مشربا للناس فى الجاهلية ، ويقال : إنها كانت لبنى مخزوم.

وقال بعض أهل العلم : كان قصى بن كلاب حفر بيرا بمكة.

بئر العجول : لم يحفر أول منها ، وكان يقال لها : العجول ، كان موضعها فى دار أم هانى بنت أبى طالب بالحزورة ، وهى البير التى دفع هاشم بن عبد مناف أخا بنى ظويلم ابن عمرو النضرى فيها فمات ، وكانت العرب إذا قدموا مكة يردونها ويتراجزون عليها فقال قايل فيها :



أروى من العجول ثمت انطلق

إن قصيا قد وفى وقد صدق

بالشبع للحى روى المغتبق

بئر: وبيرا عند الردم الأعلى ، ردم عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى أصل الردم فى أعلى الوادى ، خلف دار آل جحش بن رياب الأسدى ، التى يقال لها : دار أبان بن عثمان يقال : إن قصيّا حفرها ، فدثرت ، وإن جبير بن مطعم بن عدى نثلها وأحياها ، وعندها مسجد يقال : إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه ، بناه عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد.

بئر بذر: قال ابن إسحاق : وحفر هاشم بن عبد مناف «بذر» وقال حين حفرها: لأجعلنها للناس بلاغا ، وهى البير التى فى حق المقوم بن عبد المطلب فى ظهر دار طلوب مولاة زبيدة فى أصل المستنذر ويقال إن قصيّا حفرها ، فنثلها أبو لهب ، وهى التى تقول فيها بعض بنات عبد المطلب :

نحن حفرنا بذر

بجانب المستنذر

نسقى الحجيج الأكبر

٧

بئر سجلة : وذكروا أيضا إن هاشما حفر سجلة ، وهى البير التى يقال لها : بير جبير ابن مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف ، دخلت فى دار أمير المؤمنين التى بين الصفا والمروة فى أصل المسجد الحرام التى يقال لها : دار القوارير ، أدخلها حماد البربرى حين بنى الدار للرشيد هارون أمير المؤمنين ، وكانت البير شارعة فى المسعى يقال : إن جبير بن مطعم ابتاعها من ولد هاشم ، وقال بعض المكيين : وهبها له أسد بن هاشم حين ظهرت زمزم ، ويقال : وهبها عبد المطلب حين حفر زمزم ، واستغنى عنها للمطعم بن عدى وأذن له أن يضع حوضا عند زمزم من أدم ، يسقى فيه منها ويسقى الحاج ، وهو أثبت الأقاويل عندنا.

بئر الطوى : وحفر عبد شمس بن عبد مناف بيرا يقال لها : الطوى ، وموضعها فى دار ابن يوسف بالبطحاء.

بئر الجفر : وحفر أمية بن عبد شمس بيرا يقال لها : الجفر ، وهى فى وجه المسكن الذى كان لبنى عبد الله بن عكرمة بن خالد بن عكرمة المخزومى بطرف أجياد الكبير واشترى ذلك المسكن ياسر خادم زبيدة ، فأدخله فى المتوضأة التى عملها على باب أجياد الكبير.

بئر أم جعلان : وكانت لبنى عبد شمس بير يقال لها : أم جعلان ، موضعها دخل فى المسجد الحرام.

بئر العلوى : وكانت لهم أيضا بير يقال لها : العلوق بأعلى مكة عند دار أبان بن عثمان.

بئر شفية : وكانت لبنى أسد بن عبد العزى بير يقال لها : شفية ، موضعها فى دار أم جعفر يقال لها : بئر الأسود.

بئر السنبلة : وكانت لبنى جمح بير يقال لها : السنبلة كانت لخلف بن وهب فى خط الحزامية بأسفل مكة ، قبالة دار الزبير بن العوام ، يقال لها اليوم : بئر أبى ويقال : أن النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم بصق فيها ، وأن ماءها جيد من الصداع.

بئر أم حردان : وكانت عند ردم بنى جمح بير يقال لها : أم حردان ، ذكر أنه لا يدرى من حفرها ثم صارت لبنى جمح.

بئر رمرم : وكانت لبنى سهم بير يقال لها : رمرم ، يقال : أنها دخلت فى المسجد الحرام حين وسعه أبو جعفر أمير المؤمنين فى ناحية بنى سهم.

بئر الغمر : وكانت لبنى سهم أيضا بير يقال لها : الغمر لم يذكر موضعها.

٨

وقد سمعنا فى البيار حديثا جامعا ، حدثنا أبو الوليد قال : حدثنى محمد بن يحيى عن الواقدى عن هشام بن عمارة عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم ، قال : أخبرنى أبى قال : سألنى عبد الملك بن مروان : من أين كانت أولية قريش تشرب الماء قبل قصى ، وكعب بن لوى ، وعامر بن لوى ، قال : فقال أبى : لا تسأل عن هذا أحدا أبدا أعلم به منى ، سألت عن ذلك مشيخة جلة دخل الإسلام على أحدهم.

بئر السيرة : وقد أفند فقال : كان أول من حفر بيرا مرة ، حفر بيرا يقال لها : السيرة خارجة من الحرام ، فكانوا يشربون منها دهرا إذا كثرت الأمطار شربوا ، وإذا أقحطوا ذهب ماؤها ، وكانوا يشربون من أغادير فى رءوس الجبال ، ثم كان مرة حفر :

بئر الروا : بيرا أخرى يقال لها : بير الروا ، وهما خارجتان من مكة ، وهما فى بواديهما مما يلى عرفة وهم يومئذ حول مكة ، وخزاعة تلى البيت وأمر مكة ، ثم حفر كلاب بن مرة : خم ورم والجفر ، وهذه أبيار كلاب بن مرة كلها خارجا من مكة ، ثم كان قصى حين جمع قريشا وسميت قريش لتقرشها ، وهو التجمع بعد التفرق وأهل مكة على ما كان عليه الآباء من الشرب من رءوس الجبال ، ومن هذه الآبار التى خارج من مكة فلم يزل الأمر على ذلك حتى هلك قصى ثم ولده من بعده يفعلون ذلك حتى هلك أعيان بنى قصى : عبد الدار ، وعبد مناف ، وعبد العزى ، وعبد بنو قصى فخلف أبناؤهم فى قومهم على ما كان من فعلهم ، فلما انتشرت قريش وكثر ساكن مكة قلت عليهم المياه واشتدت عليهم المؤنة ، وعطش الناس بمكة أشد العطش فكان أول من حفر عبد شمس بن عبد مناف بن قصى فحفر الطوى وهى التى بأعلى مكة عند الببضاء دار محمد بن يوسف ، وحفر هاشم بن عبد مناف بذر وهى البير التى عند المستنذر فى خطم الخندمة على فم شعب أبى طالب وقال حين حفرها : لأجعلنها بلاغا للناس ، وحفر هاشم سجلة وهى بير مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف التى يسقنى عليها اليوم ، قال عبد الملك : والله القديم ، ما تحريت الصدق لك وعليك ، قال : ثم ماذا؟ قال : ثم ابتاعها مطعم بن عدى من أسد بن هاشم وبنو هاشم ، تزعم أن عبد المطلب بن هاشم وهبها له حين حفر زمزم واستغنى عنها ، وسأله مطعم بن عدى أن يضع حوضا من آدم إلى جنب زمزم يسقى فيه من ماء بيره ، فإذن له فى ذلك ، وكان يفعل ذلك.

قال محمد بن جبير : فكثرت المياه بمكة بعد ما حفرت زمزم حتى روى القاطن والبادى ، ودنت لها بكر وخزاعة ، فارتووا منها لا تنزح ، قال عبد الملك :

بئر الجفر: ثم ماذا؟ قال محمد بن جبير : ثم حفر أمية بن عبد شمس الجفر لنفسه.

٩

بئر ميمون : وحفر ميمون بن الحضرمى حليفك بيره ، وكانت آخر بير حفرت من هذه الآبار فى الجاهلية ، قال : رأيت قول الله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) قال : يعنى تلك الآبار التى كانت تغور فيذهب ماؤها (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) زمزم ماؤها معين ، قال غير محمد بن جبير : مجاهد وعطاء وغيرهما من أهل العلم فى قوله تعالى : (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) قالوا : زمزم ، وبير ميمون بن الحضرمى ، قال محمد ابن جبير : فلما حفرت بنو عبد مناف آبارها سقوا الناس واستقوا الناس عليها ، فشق ذلك على قبايل قريش ورأوا أنهم لا ذكر لهم فى تلك الآبار ، حفرت قريش آبارا وجعلوا يبتارون بها فى الرى والعذوبة حتى كاد أن يكون فى ذلك شر طويل ، فمشت فى ذلك كبراء قريش فاقصر الشر ، وحفرت بنو أسد بن عبد العزى «شفية» بير بنى أسد ابن عبد العزى.

بئر أم احراد : وحفرت بنو عبد الدار «أم احراد» وحفرت بنو جمح «السنبلة» وهى بير خلف بن وهب ، وحفرت بنو سهم «الغمر».

بئر السقيا : وحفرت بنو مخزوم «السقيا» بير هشام بن المغيرة.

بئر الثريا : وحفرت بنو تيم «الثريا» وهى بير عبد الله بن جدعان.

بئر النقع : وحفرت بنو عامر بن لؤى النقع قال عبد الملك : يأبا سعيد إن هذا العلم لو سألت عنه جميع قومك ما عرفوه.

قال محمد بن جبير : ليأتين عليهم زمان لا يعرفون ما هو أظهر من هذا ، قال عبد الملك : أى والله.

* * *

باب الآبار التى حفرت بعد زمزم فى الجاهلية

قال أبو الوليد : الآبار التى حفرت فى الجاهلية بعد زمزم بير فى دار محمد بن يوسف البيضاء ، حفرها عقيل بن أبى طالب ويقال : حفرها عبد شمس بن عبد مناف ونثلها عقيل بن أبى طاب يقال لها : الطوى.

بنو الأسود : وبير الأسود بن البخترى كانت على باب دار الأسود عند قايمة فى أسفل الدار إلى اليوم.

ركايا قدامة : وركايا قدامة بن مظعون حذاء أضاة النبط بعرنة فى شقها الذى يلى مكة قريبا من السيرة.

١٠

بئر حويطب : وبير حويطب بن عبد العزى فى بطن وادى مكة بفناء دار حويطب.

بئر خالصة : والبير التى نثلت خالصة مولاة الخيزران بالسقيا فى المسيل الذى يفرغ بين مازمى عرفة ومسجد إبراهيم إلى هنا.

بئر زهير : وبير بأجياد فى دار زهير بن أبى أمية بن المغيرة المخزومى.

* * *

ذكر الآبار الإسلامية

بئر الياقوتة : قال أبو الوليد : الياقوتة التى بمنى حفرها أبو بكر الصديق رضى الله عنه فى خلافته فعملها الحجاج بن يوسف بعد مقتل ابن الزبير وضرب فيها وأحكمها.

بئر عمرو : وبير عمر بن عثمان بن عفان التى بمنى فى شعب آل عمرو.

بئر الشركاء : بئر الشركاء بأجياد لبنى مخزوم.

بئر عكرمة : وبير عكرمة بإجياد الصغير فى الشعب الذى يقال له : الأيسر.

بئر الصلا : وبيار الأسود بن سفيان بن عبد الأسد المخزومى «الصلا» فى أصل ثنية أم قردان.

بئر الطلوب : وبير يقال لها : الطلوب كانت لعمرو بن عبد الله بن صفوان الجمحى فى شعب عمرو بالرمضة دون الميثب.

بئر أبى موسى : وبير أبى موسى الأشعرى بالمعلاة على قم أبى دب بالحجون حفرها حين انصرف من الحكمين إلى مكة.

بئر شوذب : وبير شوذب كانت عند باب المسجد عند باب بنى شيبة ، فدخلت فى المسجد الحرام حين وسعه المهدى فى خلافته فى الزيادة الأولى سنة إحدى وستين ومائة وشوذب مولى لمعاوية بن أبى سفيان.

بئر البرود : والبرود بفخ حفرها خراش بن أمية الخزاعى الكعبى وله يقول الشاعر :

بين البرود وبين بلد نلتقى

بئر بكار : بير بكار بذى طوى عند ممادر بكار ، وبكار رجب من أهل العراق كان سكن مكة وأقام بها.

١١

بئر وردان : وبير وردان ، ووردان مولى المطلب بن أبى وداعة بذى طوى عند سقاية سراج بفخ ، وسراج مولى بنى هاشم.

بئر الصلاصل : وبير الصلاصل بفم شعب البيعة عند العقبة ، عن منى ، ولها يقول أبو طالب :

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلايل

وينهض قوم فى الحديد إليكم

نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل

بئر السقيا : وبير السقيا عند المازمين ، مازمى عرفة ، عملها عبد الله بن الزبير بن العوام رحمه‌الله تعالى.

* * *

ما جاء فى العيون التى أجريت فى الحرم

قال أبو الوليد : كان معاوية بن أبى سفيان ، رحمه‌الله ، قد أجرى فى الحرم عيونا ، وأتخذها أخيافا فكانت حوايط.

حايط الحمام : وفيها النخل والزرع ، منها حايط الحمام ، وله عين وهو من حمام معاوية الذى بالمعلاة إلى موضع بركة أم جعفر ، وذلك الموضع الساعة يقال له : حايط الحمام ، وإنما سمى حايط الحمام ؛ لأن الحمام كان فى أسفله.

حدثنا أبو الوليد قال : وحدثنى جدى حدثنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم عن أبيه عن علقمة بن نضلة قال : قال رجل من بنى سليم لعمر بن الخطاب بمكة : يا أمير المؤمنين أقطعنى خيف الأرين حتى أملأه عجوة ، فقال له عمر : نعم ، فبلغ ذلك أبا سفيان بن حرب ، فقال : دعوه فليملأه ، ثم لينظر أينا يأكل جناه ، فبلغ ذلك السلمى فتركه ، وكان أبو سفيان يدعيه ، فكان معاوية بعد هو الذى عمله وملأه عجوة ، قال : وكان له مشرع يرده الناس.

حايط عوف : ومنها حايط عوف موضعه من زقاق خشبة دار مبارك التركى ودار جعفر بن سليمان وهما اليوم من حق أم جعفر ، ودار مال الله ، وموضع الماجلين ماجلى أمير المؤمنين هارون الذى بأصل الحجون ، فهذا كله موضع حايط عوف إلى الجبل وكانت له عين تسقيه ، وكان فيه النخل ، وكان له مشرع يرده الناس.

حايط الصفى : ومنها حايط يقال له : الصفى موضع ، من دار زينب بنت سليمان

١٢

التى صارت لعمرو بن مسعدة ، والدار التى فوقها إلى دار العباس بن محمد التى بأصل نزاعة المشوى ، وكانت له عين ، وكان له مشرع يرده الناس ، يقول فيه الشاعر :

سكنوا الجزع جزع بيت أبى مو

سى إلى النخل من صفى السباب

حايط مورس : ومنها حايط يقال له : حايط مورش ، ومورش كان قيّما عليه فى موضع دار محمد بن سليمان بن على ، ودار لبابة بنت على ، ودار ابن قثم ، اللواتى بفم شعب الخوز ، وكان فيه النخل ، وكانت له عين ومشرع يرده الناس إلى اليوم ، وكان فيه النخل والزرع حديثا من الدهر على طريق منى وطريق العراق.

حايط خرمان : منها حايط وهو من ثنية أذاخر إلى بيوت جعفر العلقمى وبيوت ابن أبى الرزام وما جله قايم إلى اليوم ، وكان فيه النخل والزرع حديثا من الدهر ، وكانت له عين ومشرع يرده الناس.

حايط مقيصرة : ومنها حايط مقيصرة وكان موضعه نحو بركتى سليمان بن جعفر إلى قصر أمير المؤمنين المنصور أبى جعفر ، وكانت له عين ومشرع ، وكان فيه النخل.

حايط حراء : ومنها حايط حراء وضفيرته قائمة إلى اليوم ، وكان فيه النخل ، وكان له مشرع يرده الناس.

حايط ابن طارق : ومنها حايط ابن طارق بأسفل مكة ، وكانت له عين تمر فى بطن وادى مكة تحت الأرض وكانت له عين ومشرع وكان فيه النخل.

حايط فخ : ومنها حايط وهو قايم إلى اليوم.

حايط بلدح : ومنها حايط بلدح.

فهذه العيون العشرة أجراها معاوية ، رحمه‌الله تعالى ، واتخذها بمكة ، واتخذت بعد ذلك ببلدح عيون سواها منها.

حايط ابن العاص : عين سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص ببلدح ، وهى قايمة إلى اليوم.

حايط سفيان : وحايط سفيان والخيف الذى أسفل منه ، وهما اليوم لأم جعفر.

وكانت عيون معاوية تلك قد انقطعت وذهبت فأمر أمير المؤمنين الرشيد بعيون منها فعملت وأحييت وصرفت فى عين واحدة يقال لها : الرشا تسكب فى الماجلين اللذين

١٣

أحدهما لأمير المؤمنين الرشيد بالمعلاة ثم تسكب فى البركة التى عند المسجد الحرام ثم كان الناس بعد يقطع هذه العيون فى شدة من الماء ، وكان أهل مكة والحاج يلقون من ذلك المشقة حتى إن الراوية لتبلغ فى الموسم عشرة دراهم وأكثر وأقل الماء ، فبلغ ذلك أم جعفر بنت أبى الفضل جعفر بن أمير المؤمنين المنصور ، فأمرت فى سنة أربع وتسعين وماية بعمل بركتها التى بمكة فأجرت لها عينا من الحرم فجرت بماء قليل لم يكن فيه رى لأهل مكة ، وقد غرمت فى ذلك غرما عظيما فبلغها فأمرت جماعة من المهندسين أن يجروا لها عيونا من الحل.

وكان الناس يقولون : إن ماء الحل لا يدخل الحرم ، لأنه يمر على عقاب وجبال ، فأرسلت بأموال عظام ثم أمرت من يزن عينها الأولى فوجدوا فيها فسادا ، فانشأت عينا أخرى إلى جانبها وأبطلت تلك العيون ، فعملت عينها هذه بأحكم ما يكون من العمل ، وعظمت فى ذلك رغبتها وحسنت نيتها فلم تزل تعمل فيها حتى بلغت ثنية خل ، فإذا الماء لا يظهر فى ذلك الجبل ، فأمرت بالجبل فضرب فيه ، وانفقت فى ذلك من الأموال ما لم يكن تطيب به نفس كثير من الناس حتى أجراها الله عزوجل لها.

وأجرت فيها عيونا من الحل منها عين من المشاش واتخذت لها بركا تكون السيول إذا جاءت تجتمع فيها ، ثم أجرت لها عيونا من حنين واشترت حايط حنين فصرفت عينه إلى البركة وجعلت حايطه سدا يجتمع فيه السيل ، فصارت لها مكرمة لم تكن لأحد قبلها وطابت نفسها بالنفقة فيها بما لم تكن تطيب نفس أحد غيرها به ، فأهل مكة والحاج إنما يعيشون بها بعد الله عزوجل.

ثم أمر أمير المؤمنين المأمون صالح بن العباس فى سنة عشر ومايتين أن يتخذ له بركا فى السوق خمسا لئلا يتعنى أهل أسفل مكة والثنية وأجيادين والوسط إلى بركة أم جعفر فأجرى عينا من بركة أم جعفر من فضل مائها فى عين تسكب فى بركة البطحاء عند شعب ابن يوسف فى وجه دار ابن يوسف ، ثم يمضى إلى بركة عند الصفا ثم يمضى إلى بركة عند الحناطين ثم يمضى إلى بركة بفوهة سكة الثنية دون دار أويس ثم يمضى إلى بركة عند سوق الحطب بأسفل مكة ثم يمضى فى سرب ذلك إلى ماجل أبى صلاية ثم إلى الماجلين اللذين فى حايط ابن طارق بأسفل مكة ، وكان صالح بن العباس لما فرغ منها ركب بوجوه الناس إليها ، فوقف عليها حين جرى فيها الماء ونحر عند كل بركة جزورا ، وقسم لحمها على الناس.

* * *

١٤

ما ذكر من أمر الرباع : رباع قريش وحلفائها

أولها : رباع بنى عبد المطلب بن هاشم

قال أبو الوليد : الدار التى صارت لابن سليم الأزرق وهى إلى جنب دار بنى مرحب صارت لإسماعيل بن إبراهيم الحجى وهى قبالة دار حويطب بن عبد العزى إلى منتهى دار إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله فلولده الحارث بن عبد المطلب أول ذلك الحق وهى الدار التى اشتراها ابن أبى الكلوح البصرى ، والحق الذى يليه وهو الشعب شعب ابن يوسف وبعض دار ابن يوسف لأبى طالب ، والحق الذى يليه ، وبعض دار ابن يوسف المولد مولد النى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما حوله لأبى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله بن عبد المطلب ، والحق الذى يليه حق العباس بن عبد المطلب ، وهى دار خالصة مولاة الخيزران ، ثم حق المقوم ابن عبد المطلب وهى دار الطلوب مولاة زبيدة ثم حق أبى لهب وهى دار أبى يزيد اللهبى.

فهذا آخر حقهم فى هذا الموضع ، وذكر غير واحد من المكيين إن الشعب الذى يقال له : شعب ابن يوسف كان لهاشم بنى عبد مناف دون الناس ، قالوا : وكان عبد المطلب قد قسم حقه بين ولده ودفع إليهم ذلك فى حياته حين ذهب بصره فمن ثم صار للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حق أبيه عبد الله بن عبد المطلب ، وللعباس بن عبد المطلب أيضا الدار التى بين الصفا والمروة التى بيد ولد موسى بن عيسى التى إلى جنب الدار التى بيد جعفر ابن سليمان ودار العباس هى الدار المنقوشة التى عندها العلم الذى يسعى منه من جاء من المروة إلى الصفا بأصلها ويزعمون أنها كانت لهاشم بن عبد مناف ، وفى دار العباس هذه حجران عظيمان يقال لهما : أساف ونائلة صنمان كانا يعبدان فى الجاهلية هما فى ركن الدار ، ولهم أيضا دار أم هانى بنت أبى طالب التى كانت عند الحناطين عند المنارة فدخلت فى المسجد الحرام حين وسعه المهدى الهدم الآخر سنة سبع وستين وماية.

* * *

رباع حلفاء بنى هاشم

دار الأسود بن خلف الخزاعى وهى دار طلحة الطلحات باعها عبد الله بن القاسم ابن عبيدة بن خلف الخزاعى من جعفر بن يحيى البرمكى بماية ألف دينار : وهى دار الإمارة التى عند الحذائين بناها حماد البريرى للرشيد هارون أمير المؤمنين ، ولهم أيضا دار القدر التى هى فى زقاق أصحاب الشيرق ، باعها عبد الرحمن بن القاسم بن عبيدة بن

١٥

خلف الخزاعى من الفضل بن الربيع بعشرين ألف دينار ، ولآل حكيم بن الأوقص السلمى حلفاء بنى هاشم دار حمزة فى السويقة ودار درهم فى السويقة ، وللملحيين الخزاعيين أيضا دار أم إبراهيم التى فى زقاق الحذائين اشتراها معاوية منهم ، وكان يقال لها : دار أوس ، وللملحيين أيضا دار ابن ماهان فى زقاق الحذائين.

ولبنى عتوارة من بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة ، دار عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق ، ومن دار الطلحيين التى بالبطحاء إلى باب شعب بن عامر ، فذلك الربع لهم أيضا.

* * *

رباع بنى عبد المطلب بن عبد مناف

الدار التى بفوهة شعب ابن عامر يقال لها : دار قيس بن مخرمة كانت لهم جاهلية ، وزعم بعض الناس أن دار عمرو بن سعيد بن العاص التى فى ظهر دار سعيد كانت لهم فخرجت من أيديهم ؛ وقال غير هؤلاء : بل كانت هذه الدار لقوم من بنى بكر وهم أخوال سعيد بن العاص فاشتراها منهم وهو أشهر القولين.

* * *

رباع حلفائهم

لآل عتبة بن فرقد السلمى دراهم وربعهم التى عند المروة ، وهو شق المروة السوداء دار الحرشى المنقوشة وزقاق آل أبى ميسرة يقال لها : دار ابن فرقد.

* * *

رباع بنى عبد شمس بن عبد مناف

لآل حرب بن أمية بن عبد شمس دار أبى سفيان بن حرب التى بين الدارين يقال لها: دار ريطة ابنة أبى العباس ، وهى الدار التى قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح : من دخل دار أبى سفيان فهو آمن.

حدثنا أبو الوليد قال : حدثنى جدى عبد الرحمن بن حسن بن القاسم عن أبيه عن علقمة بن نضلة قال : أصعد عمر بن الخطاب رضى الله عنه المعلاة فى بعض حاجته فمر بأبى سفيان بن حرب يهنى جملا له فنظر إلى أحجار قد بناها أبو سفيان شبه الدكان فى

١٦

وجه داره يجلس عليه فى فىء الغداة ، فقال له عمر : يأبا سفيان ما هذا البناء الذى أحدثته فى طريق الحاج؟ فقال أبو سفيان : دكان نجلس عليه فى فىء الغداة ، فقال له عمر : لا ارجع من وجهى هذا حتى تقلعه وترفعه ، فبلغ عمر حاجته ، فجاء والدكان على حاله ، فقال له عمر : ألم أقل لك لا أرجع حتى تقلعه؟ قال أبو سفيان : انتظرت يا أمير المؤمنين أن يأتينا بعض أهل مهنتنا فيقلعه ويرفعه ، فقال عمر رضى الله عنه : عزمت عليك لتقلعنه بيدك ولتنقلنه على عنقك ، فلم يراجعه أبو سفيان حتى قلعه بيده ونقل الحجارة على عنقه وجعل يطرحها فى الدار فخرجت إليه هند ابنة عقبة ، فقالت : يا عمر أمثل أبى سفيان تكلفه هذا وتعجله عن أن يأتيه بعض أهل مهنته فطعن بمخصرة كانت فى يده فى خمارها ، فقالت هند ونقحتها بيدها : إليك عنى يا بن الخطاب فلو فى غير هذا اليوم تفعل هذا لأضطمت عليك الأخاشب. قال : فلما قلع أبو سفيان الحجارة ونقلها استقبل عمر القبلة وقال : الحمد لله الذى أعز الإسلام وأهله ، عمر بن الخطاب رجل من بنى عدى بن كعب يأمر أبا سفيان بن حرب سيد بنى عبد مناف بمكة فيطيعه ثم ولى عمر بن الخطاب رضى الله عنه.

حدثنا أبو الوليد قال : حدثنى سليمان بن حرب بإسناد له ، قال : كان المسلمون يرون للسلطان عزمة ، فلقب أهل الكوفة سعيد بن العاص فى إمارة عثمان بن عفان أشعر بركا فقام فصعد المنبر ، فقال : عزمت على من كان لى عليه سمع وطاعة ، سمانى أشعر بركا ، إلا قام ، فقام الذى سماه ، فقال : أيها الأمير من الذى يجترئ أن يقوم فيقول : أنا الذى سميتك أشعر بركا ، وأشار إلى صدره أو إلى نفسه.

حدثنا أبو الوليد ، وحدثنى جدى ، حدثنا عبد الرحمن بن حسن بن القاسم بن عقبة عن أبيه عن علقمة بن نضلة قال : وقف أبو سفيان بن حرب على ردم الحذائين فضرب برجله فقال سنام الأرض أن لها سناما ، زعم ابن فرقد ـ يعنى عتبة بن فرقد السلمى ـ إنى لأعرف حقى من حقه ، له سواد المروة ، ولى بياضها ، ولى ما بين مقامى هذا إلى تجنى ـ وتجنى ثنية قريبة من الطايف ، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، فقال : إن أبا سفيان لقديم الظلم ليس لأحد حق إلا ما أحاطت عليه جدرانه.

حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنى جدى ، قال : ابتنى معاوية بمكة دورا منها الست المتقاطرة ليس لأحد بينهما فصل ، أولها دار البيضاء التى على المروة وبابها من ناحية المروة ووجهها شارع على الطريق العظمى بين الدارين وكانت فيها طريق إلى جبل الديلمى فلم تزل حتى أقطعها العباس بن محمد بن على فسد تلك الطريق فهى مسدودة

١٧

إلى اليوم ، ثم قبضت بعد من العباس بن محمد ، فهى فى الصوافى وإنما سميت دار البيضاء أنها بنيت بالجص ثم طليت به فكانت كلها بيضاء ، وجدر الدار الرقطاء إلى جنبها وإنما سميت الرقطاء لأنها بنيت بالآجر الأحمر والجص الأبيض فكانت رقطاء ثم كانت قد أقطعها الغطريف بن عطاء ثم قبضت منه ، فهى اليوم فى الصوافى.

ودار المراجل تلى دار الرقطاء بينهما الطريق إلى جبل الديلمى وإنما سميت دار المراجل لأنها كانت فيها قدور من صفر لمعاوية يطبخ فيها طعام الحاج ، وطعام شهر رمضان ، فصارت دار المراجل لولد سليمان بن على بن عبد الله بن عباس أقطعها ، ويقال : أنها كانت لآل المؤمل العدويين فابتاعها منهم معاوية ، ويقال : إن دار الرقطاء والبيضاء كانتا لآل أسيد بن أبى العيص بن أمية فابتاعها منهم معاوية ، ودار ببة إلى جنب دار المراجل على رأس الردم ، ردم عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وببة عبد الله ابن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وهى الدار التى صارت لعيسى بن موسى ، ودار سلمة بن زياد وهى التى إلى جنب دار ببة ، وسلم بن زياد كان قيما عليها وكان يسكنها ، ودار الحمام وهى التى إلى جنب دار سلمة بينهما زقاق النار يقال : إن دار الحمام كانت لعبد الله بن عامر بن كريز فناقله بها معاوية إلى دار ابن عامر التى فى الشعب ، شعب ابن عامر ، ودار رابغة وهى مقابل دار الحمام وهى التى فى وجهها دور بنى غزوان بأصل قرن مسقلة ، ودار أوس وهى الدار التى يدخل إليها من زقاق الحذائين يقال لها اليوم : دار سلسبيل ـ يعنى أم زبيدة ـ كانت لآل أوس الخزاعى فابتاعها منهم معاوية وبناها ، ودار سعد ، وسعد هذا هو سعد القصير غلام معاوية كان بناها سعد بالحجارة المنقوشة فيها التماثيل مصورة فى الحجارة وكانت فيها طريق تمرها المحامل والقباب من السويقة إلى المروة وكان بينهما وبين دار عيسى بن على ودار سلسبيل طريق فى زقاق ضيق فصارت لعبد الله بن مالك بن الهيثم الخزاعى فهدمها وسد الطريق التى كانت فى بطنها وأخرج للناس طريقا تمر بها المحامل والقباب فكان الزقاق الضيق بينهما وبين دار سلسبيل أم زبيدة ، ودار عيسى بن على وهى دار عبد الله بن مالك التى إلى جنب دار عيسى بن على فى زقاق الجزارين.

وقد زعم بعض الناس أنها كانت لسعد بن أبى طلحة بن عبد العزى العبدرى وكان معاوية اشتراها منهم ، ودار الشعب بالثنية عند الدارين يقال لها اليوم : دار الزنج ، ويقال : أنها كانت من حق بنى عدى ويقال : أنها كانت لبنى جمح فابتاعها منهم معاوية وبناها ، ودار جعفر بالثنية أيضا إلى جنب دار عمرو بن عثمان فيها طريق مسلوكة

١٨

يقال : أنها لبنى عدى ويقال : لبنى هاشم فابتاعها منهم وبناها ، ودار البخاتى فى خط الحزامية كانت فيها بخاتى معاوية إذا حج وفيها بير وهى اليوم لولد أبى عبد الله الكاتب ، ودار الحدادين التى بسوق الفاكهة وسوق الرطب فى الزقاق الذى بين دار حويطب ودار ابن أخى سفيان ابن عيينة التى بناها ، ودار الحدادين هذه كانت فى ما مضى يقال لها دار مال الله كان يكون فيها المرضى وطعام مال الله.

حدثنى أبو الوليد قال : حدثنى حمزة بن عبد الله بن حمزة بن عتبة عن أبيه قال : أدركت فيها المرضى وما نعرفها إلا بدار مال الله ، وهى من رباع بنى عامر ابن عباس التى عند القواسين كانت لحنظلة بن أبى سفيان وهى لهم ربع جاهلى ، ودار زياد وكان موضعها رحبة بين دار أبى سفيان فى وجه دار سعيد بن العاص ، ودار الحكم بن أبى العاص وكانت تلك الرحبة يقال لها : بين الدارين ، يعنون دار أبى سفيان ودار حنظلة بن أبى سفيان ، وكانت إذا قدمت العير من السراة والطايف وغير ذلك ، تحمل الحنظلة والحبوب والسمن والعسل تحط بين الدارين وتباع فيها ، فلما استلحق معاوية زياد بن سمية ، خطب إلى سعيد بن العاص أخته فرده ، فشكاه إلى معاوية ، فقال معاوية لزياد بن سمية : لأقطعنك أشرف ربع مكة ولأسدن عليه وجه داره ، فأقطعه هذه الرحبة فسدت وجه دار سعيد ، ووجه دار الحكم ، فتكلم مروان فى دار الحكم حين سدوا وجهها وبقيت بغير طريق فترك له تسعة أذرع قدر ما يمر فيه حمل حطب ، ولم يترك لسعيد من الطريق إلا نحوا من ثلاثة أذرع لا يمرها حمل حطب ، وكان يقال : لدار زياد هذه دار الصرارة ، وكانت من دور معاوية دار الديلمى التى على الجبل الديلمى أن غلاما لمعاوية يقال له : الديلمى وإنما سميت دار الديلمى هو الذى بناها والدار التى فى السويقة يقال لها : دار حمزة تصل حق آل نافع بن عبد الحارث الخزاعى اشتراها من آل أبى الأعور السلمى فكانت له حتى كانت فتنة ابن الزبير فاصطفاها ووهبها لابنه حمزة بن عبد الله ابن الزبير ، فيه تعرف اليوم بدار حمزة ، وهى اليوم فى الصوافى.

* * *

رباع آل سعيد بن العاص بن أمية

قال أبو الوليد : دار أبى أحيحة سعيد بن العاص التى إلى جنب دار الحكم وهى لهم ربع جاهلى ولهم دار عمرو بن سعيد الأشدق وهى شرى ، كانت لقوم من بنى بكر ، وهم أخوال سعيد بن العاص.

* * *

١٩

ربع آل أبى العاص بن أمية

لآل عثمان بن عفان دار الحناطين التى يقال لها : دار عمرو بن عثمان ، ذكر بعض المكيين أنها كانت لآل السباق بن عبد الدار ، وقال بعضهم : كانت لآل أمية بن المغيرة ، ودار عمرو بن عثمان التى بالثنية يقال : أنها كانت لآل قدامة بن مظعون الجمحى ، ولآل الحكم بن أبى العاص دار الحكم التى إلى جنب دار سعيد بن العاص بين الدارين بنحر طريق من سلك من زقاق الحكم ، ويقال : إن دار الحكم هذه كانت لوهب بن عبد مناف بن زهرة جد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبى أمه فصارت لأمية بن عبد شمس أخذها عقلا فى ضرب إليته ، ولتلك الضربة قصة مكتوبة ، ولهم دار عمر بن عبد العزيز كانت لناس من بنى الحارث بن عبد مناف ثم اشتراها عمر ، وأمر ببنائها وهو والى على مكة والمدينة فى خلافة الوليد بن عبد الملك فمات الوليد بن عبد الملك ، قبل أن يفرغ منها فأمر عمر بن عبد العزيز بإتمام بنائها ، وكان بناؤها للوليد من ماله ، فلما أن فرغ منها عمر بن عبد العزيز ، قدم فى الموسم وهو والى الحج فى خلافة سليمان ، فلما نظر إليها لم ينزلها ثم تصدق بها على الحجاج والمعتمرين وكتب فى صدقتها كتابا وأشهد عليه شهودا ووضعه فى خزانة الكعبة عند الحجبة وأمرهم بالقيام عليها وأسكنها الحاج والمعتمرين ، فكانوا يفعلون ذلك.

حدثنا أبو الوليد قال : حدثنى جدى قال : أخبرنى عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم ابن عقبة بن أبيه بهذه القصة كلها ، وكان صديقا لعمر بن عبد العزيز عالما بأمره.

قال أبو الوليد : قال لى جدى : فلم تزل تلك الدار فى يد الحجبة يلونها ويقومون عليها حتى قبضت أموال بنى أمية ، فقبضت فيما قبض فاقطعها أبو جعفر أمير المؤمنين يزيد بن منصور الحجى الحميرى خال المهدى ، فلما استخلف المهدى قبضها من يزيد من منصور وردها على ولد عمر بن عبد العزيز فأسلموها إلى الحجبة ، فلم تزل بأيديهم على ما كانت عليه.

قال أبو الوليد : وأخبرنى جدى قال : ففيها عمل تابوت الكعبة الكبير ، وهى فى أيدى الحجبة ثم تكلم فيها ولد يزيد من منصور فى خلافة الرشيد هارون أمير المؤمنين ، فردت عليهم ثم باعوها ، فاشتراها أمير المؤمنين الرشيد ، ثم ردت أيضا فى خلافة الرشيد إلى الحجبة ، فكانت فى أيديهم حتى قبضها حماد البربرى ، فلم تزل فى الصوافى حتى ردها المعتصم بالله أبو إسحاق أمير المؤمنين على ولد عمر بن عبد العزيز فى سنة سبع

٢٠