العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٤

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٤

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٦٢

وقال الذهبى فى التهذيب : ولى الكوفة والبصرة لعبد الملك بن مروان قبل الحجاج ، وولى قضاء المدينة فى حياة جابر بن عبد الله. انتهى.

ولم يذكر الذهبى ، ولا ابن حزم ، ولاية عبد الله بن قيس هذا لمكة ، وكلام ابن جرير ، يقتضى أن الوالى على مكة فى خلافة عمر بن عبد العزيز ، غير عبد الله بن قيس ؛ لأنه ذكر أن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبى العيص ، كان عامل عمر ابن عبد العزيز على مكة فى سنة تسع وتسعين ، وفى سنة مائة من الهجرة ، وأنه كان فى سنة إحدى ومائة ، عاملا على مكة ، ليزيد بن عبد الملك. والله أعلم بالصواب.

ولعبد الله بن قيس صحبة على ما قيل. قال الذهبى : ولم يصح. وقال : روى عن أبى هريرة وزيد بن خالد ، وأبيه ، وغيرهم. وعنه : ابناه محمد ومطلب ، أخوا حكيم بن عبد الله ، وأبو بكر بن حزم ، وغيرهم. وثقه النسائى ، ثم قال : له فى الكتب حديثان ، وعلم له علامة مسلم ، وأصحاب السنن. وقال فى تعريفه : المطلبى المدنى.

١٦٠٣ ـ عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار القحطانى ، أبو موسى الأشعرى :

ذكر الواقدى : أنه قدم مكة ، ومعه إخوته وطائفة الأشعريين ، فحالف أبا أحيحة سعيد بن العاص بن أمية ، ثم أسلم وهاجر إلى أرض الحبشة. والصحيح على ما قال أبو عمر : أنه رجع من مكة بعد محالفته لمن حالف من بنى عبد شمس ، إلى بلاد قومه ، وأقام بها ، حتى قدم مع الأشعريين فى سفينة ، فألقتهم الريح إلى النجاشى بأرض الحبشة ، وأقاموا بها ، حتى قدموا على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مهاجرين عند فتح خيبر ، مع جعفر بن أبى طالب ، وولاه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم زبيد وذواتها إلى الساحل وعدن ، وولاه عمر : البصرة والكوفة ، وأمر أن يقر على ولايته أربع سنين ، دون عماله كلهم. فإنه أمر أن يقروا سنة ، ثم عزله عثمان فى صدر من خلافته ، بعبد الله بن عامر بن كريز ، فنزل أبو موسى وسكنها ، فلما دفع أهلها سعيد بن العاص ، ولوا أبا موسى ، وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يوليه ، فأقره عثمان على الكوفة إلى أن مات.

وولى علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه ، فعزله. فوجد عليه أبو موسى. فلما كان يوم التحكيم ، أشار بخلعه وخلع معاوية ، فوافقه على ذلك ، عمرو بن العاص خديعة منه ، وأمره أن يخطب الناس بذلك. فلما خطب ، وافقه عمرو على خلع علىّ وأقر معاوية. فغضب أبو موسى ، وتوجه إلى مكة ، وسكنها حتى مات بها. وقيل : مات بالكوفة فى ذى الحجة سنة أربع وأربعين ، وهو ابن ثلاث وستين سنة.

__________________

١٦٠٣ ـ انظر ترجمته فى : (الإصابة ٤ / ٢١١ ، الجرح والتعديل ٥ / ١٣٨).

٤٠١

وما ذكرناه فى وفاته بمكة ، ذكره النووى بخطه فى حواشيه على الكمال ، وحكاه الذهبى فى تاريخ الإسلام.

وما ذكرناه من تاريخ موته هو الصحيح. وقيل : مات سنة اثنتين وأربعين ، قاله الواقدى والهيثم. وقيل : سنة خمسين ، وقيل : سنة إحدى وخمسين ، وقيل : سنة اثنتين وخمسين.

وسئل علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه ، عن موضعه فى العلم ، فقال : صبغ فى العلم صبغة. وكان من أطيب أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صوتا بالقرآن ، قرأ عليه جماعة.

وروى عنه : بنوه ، وأنس بن مالك ، وخلق ، وفتحت على يده فتوحات.

١٦٠٤ ـ عبد الله بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف المطلبى :

أمير مكة. ذكر ولايته عليها الفاكهى. وذكر أنه وليها لعمر بن عبد العزيز. ذكره ابن قدامة ، وقال : كان من الفضلاء النجباء.

وذكره الذهبى ، وقال : أسلم يوم الفتح مع أبيه. وقال المزى : يقال : إن له صحبة.

روى عن أبيه ، وزيد بن خالد الجهنى ، وأبى هريرة ، وعبد الله بن عمرو. وروى عنه ابناه : محمد ، ومطلب ، وغيرهما. قال النسائى : ثقة.

واستعمله عبد الملك على الكوفة والبصرة ، واستقضاه الحجاج على المدينة ، فى سنة ثلاث وسبعين ، وبقى على القضاء بها إلى سنة ست وسبعين ، على ما قال خليفة.

وما ذكره الفاكهى من ولاية عبد الله بن قيس هذا على مكة لعمر بن عبد العزيز ، يخالف ما ذكره ابن جرير ؛ لأنه ذكر ما يقتضى أن عبد الله بن عبد العزيز بن خالد بن أسيد ، كان على مكة فى مدة خلافة عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه. والله أعلم.

١٦٠٥ ـ عبد الله بن كثير بن مخرمة الخزاعى ، وقيل الأسلمى :

روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه ابتاع من رجل من بنى غفار سهمه من خيبر ببعير. وله حديث آخر. روى عنه شريح بن عبيد.

١٦٠٦ ـ عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله بن زاذان بن فيروزان بن هرمز :

الإمام أبو معبد ـ وهذا هو الأقوى والأشهر فى كنيته. وقيل أبو بكر. وقيل أبو

٤٠٢

الصلت. وقيل أبو محمد ، الفارسى الأصل ، المكى ، الدارى ، المقرى ، أحد الأئمة القراء السبعة.

سمع من عبد الله بن الزبير ، وأبى المنهال ، وعبد الرحمن بن مطعم المكى ، وعكرمة ، ومجاهد بن جبر ، وقرأ عليه القرآن ، وعلى درباس ، مولى ابن عباس.

وذكر أبو عمرو الدانى ، أنه قرأ على عبد الله بن السائب المخزومى ، وذلك ممكن.

قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء ، وخلق ، منهم : إسماعيل القسط ، وشبل بن عباد ، ومعروف بن مشكان.

وروى عنه أيضا : ابن جرير ، وعبد الله بن أبى نجيح ، وجرير بن حازم ، وغيرهم.

روى له الجماعة : حديث السلف فى الثمار ، ولا شىء له فى الكتب الستة سواه على النزاع فيه. ووثقه ابن المدينى والنسائى.

وقال ابن عيينة : رأيت ابن كثير حسن السمت يصفر لحيته بالحناء ، وكان إمام أهل مكة وقرائهم.

وقال البخارى : قال على ـ لعله ابن المدينى ـ : قيل لابن عيينة : رأيت عبد الله بن كثير؟ قال : رأيته سنة اثنتين وعشرين ومائة ، أسمع قصصه وأنا غلام ، كان قاص الجماعة. وقال ابن سعد : كان ثقة. له أحاديث صالحة.

توفى سنة اثنتين وعشرين ومائة. وقال البخارى : حدثنا الحميدى عن سفيان بن عيينة قال : سمعت مطرفا بمكة فى جنازة عبد الله بن كثير ، وأنا غلام سنة عشرين ومائة.

وقال سليمان : حدثنا أبو يحيى بن أبى مسرة ، قال : حدثنا الحميدى ، قال : حدثنا ابن عيينة ، قال : حدثنى قاسم الرحال ، فى جنازة عبد الله بن كثير الدارى ، سنة عشرين ومائة ، وله يومئذ ثلاث عشرة سنة.

فتلخص من هذا : أنه اختلف فى وفاته ، فقيل سنة عشرين. وبه جزم الذهبى فى الكاشف والعبر. وقيل : سنة اثنتين عشرين.

واختلف أيضا فى الدارى. فقيل : هو العطار ، مأخوذ من عطر دارين ، وهى موضع بنواحى الهند. وقيل فى نسبه الدارى ، إنه من بنى عبد الدار ، قاله البخارى. وقال ابن أبى داود والدارقطنى : من لخم ، وهم رهط تميم الدارى.

وعند الأصمعى ، قال : الدارى ، هو الذى لا يبرح داره ، ولا يطلب معاشا. وعنه

٤٠٣

قال : كان عبد الله عطارا. قال الذهبى : وهذا هو الحق ، لا يبطله اشتراك الأنساب.

قال : وبلغنا أنه كان فصيحا بليغا مفوها ، أبيض اللحية ، طويلا جسيما ، أسمر أشهل العينين ، يخضب بالحناء ، عليه سكينة. وقال : انتهت إليه الإمامة بمكة فى تجويد الأداء ، وعاش خمسا وتسعين سنة. لخصت هذه الترجمة من طبقات القراء للذهبى.

١٦٠٧ ـ عبد الله بن كثير بن المطلب بن أبى وداعة ، السهمى ، المكى :

هكذا نسبه غير واحد ، وقال البخارى فى تاريخه : عبد الله بن كثير بن المطلب ، من بنى عبد الدار القرشى المكى. سمع من مجاهد. وعنه : ابن جريج.

قال الذهبى : وهم البخارى ، بل الذى اسمه هكذا واسم جده المطلب ، هو : سهمى ، وهو أخو كثير بن كثير ، وهو الذى روى عن محمد بن قيس بن مخرمة وغيره.

وقال أيضا فى طبقات القراء ، فى ترجمة عبد الله بن كثير المقرى : قال أبو على الغسانى فى كتاب «تقييد المهمل» وذكر حديث السلف ، يرويه ابن أبى نجيح ، عن عبد الله بن كثير ، عن أبى المنهال عبد الرحمن ، عن ابن عباس.

وقال : قال أبو الحسن القابسى وغيره : هو ابن كثير المقرى. قال : وهذا ليس بصحيح ، بل هو عبد الله بن كثير بن المطلب بن أبى وداعة السهمى. كذا نسبه أبو نصر الكلاباذى. وهو أخو كثير بن كثير ، ليس له فى الصحيح سوى هذا فى السلم ، ولمسلم فى الجنائز ، من رواية ابن جريج عن عبد الله بن كثير بن المطلب ، يعنى : السهمى. فذكر البخارى ، أن هذا توفى سنة عشرين ومائة ، فحول ابن مجاهد فى سبعته هذه الوفاة ، فجعلها لابن كثير القارئ.

وقال الذهبى فى التذهيب : له حديث مختلف فى إسناده ، رواه ابن وهب ، عن ابن جريج عنه ، عن محمد بن قيس بن مخرمة ، عن عائشة ، فى استغفار النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأهل البقيع. وأخرجه النسائى أيضا من حديث حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، فقال : عن عبد الله بن أبى مليكة ، عن محمد بن قيس. قال النسائى : وحجاج أثبت.

وذكره ابن حبان فى الثقات.

١٦٠٨ ـ عبد الله بن كيسان المدنى ، أبو عمرو ، مولى أسماء بنت الصديق :

سمع مولاته أسماء ، وابن عمر ، روى عنه : ختنه عطاء بن أبى رباح ، وعمرو بن دينار ،

__________________

١٦٠٧ ـ انظر ترجمته فى : (تاريخ البخارى الكبير ترجمة ٥٦٧ ، تاريخ الصغير ، ١ / ٣٠٤ ، ٣٠٥ ، الجرح والتعديل ترجمة ٦٧٣ ، ثقات ابن حبان ٧ / ٥٣ ، الكاشف ترجمة ٢٩٥٧ ، ميزان الاعتدال ترجمة ٤٥٢ ، تهذيب التهذيب ٢ / ١٧٥ ، التقريب ١ / ٤٤٢).

٤٠٤

وابن جريج ، وعبد الملك بن أبى سليمان ، والمغيرة بن زياد.

روى له الجماعة ، قال أبو داود : ثبت. وذكره مسلم فى الطبقة الثانية من الثقات ، من أهل مكة.

* * *

من اسمه عبد الله بن محمد

١٦٠٩ ـ عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد المعطى الأنصارى الخزرجى المكى :

سمع [......](١) وسكن اليمن مدة سنين ، ثم عاد إلى مكة ، وأقام بها. ثم عاد إلى اليمن. وبه توفى فى أوائل سنة ثلاث وثمانمائة. وقد بلغ الخمسين أو جاوزها فيما أظن ، وهو أخو قطب الدين محمد السابق ، ويعرف والدهما بابن الصفى ؛ لأنه ابن بنت الصفى الطبرى.

١٦١٠ ـ عبد الله بن محمد بن أحمد بن قاسم العمرى عفيف الدين ، بن القاضى تقى الدين ، بن الشيخ شهاب الدين الحرازى ، المكى :

سمع على والده : الشمائل للترمذى ، وغير ذلك ، وعلى الشيخ خليل المالكى [....](١) وعلى ابن الزين القسطلانى بعض الموطأ ، ومن القاضى عز الدين بن جماعة وغيرهم. وقرأ بنفسه على عمته ، وله اشتغال ونظر كثير فى كتب العلم. قرأت عليه ب «ليّة» من بلاد الحجاز : أحاديث من الموطأ. وسمع منه : أخى عبد اللطيف وغيره من أصحابنا.

وتوفى ليلة الخميس سابع عشر ذى القعدة سنة ست عشرة وثمانمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة ، وهو فى أثناء عشر السبعين.

١٦١١ ـ عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن يعقوب بن أبى بكر الطبرى المكى ، المعروف بابن البرهان :

سمع من الرضى الطبرى : سداسيات الرازى ، التى روتها فاطمة بنت نعمة الحزام ، وحدث بها عنه ، وأجاز له مع ابن عمه جمال الدين بن البرهان من دمشق : الدشتى ، والقاضى سليمان ، وابن مكتوم ، وابن عبد الدايم ، وجماعة.

__________________

١٦٠٩ ـ (١) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

١٦١٠ ـ (١) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

٤٠٥

وكان خيرا صالحا. ولم أدر متى مات ؛ إلا أنه كان حيا فى سنة تسع وستين وسبعمائة بمكة. وبها توفى فى هذا التاريخ ، أو قريبا منه عن سنّ عالية.

١٦١٢ ـ عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن صدقة المصرى ، أبو محمد ، المعروف بابن الغزال :

نزيل مكة ، سمع بمصر : أبا عبد الله القضاعى ، وعبد العزيز بن الحسن الضراب ، وأبا محمد المحاملى ، وغيرهم. وبدمشق : أبا القاسم الحنائى ، وأبا الحسن بن صصرى. وسمع بمكة من كريمة : صحيح البخارى. وحدث.

سمع منه بمكة جماعة ، منهم : الحافظ أبو القاسم بن عساكر حديثا واحدا تلقينا ، لصمم شديد له. وقد رويناه من طريقه فى أربعينه البلدانية. وقال : قال : لو صنع لى أبو الرواح بن الأنصارى ، لسمعت جيدا! فقلنا : وكيف كان يصنع بك؟ قال : كان يتخذ لى عصيدة التمر. فعلمت أنه محتاج. قال : وذكر لى أن جده لقّب بالغزال لسرعة عدوه ، ولم يسمع منه الحافظ أبو طاهر السلفى مع كونه قدم مكة ، وهو حى ؛ لأنه لم يعلم به ، لكنه أجاز له.

وحدث عنه : إسماعيل بن محمد الحافظ بأصبهان ، قبل رحلته سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة. وسمع السلفى بمصر ، من أخيه أبى إسحاق إبراهيم ، ووصفهما بصلاح.

وذكر أن أبا محمد جاور بمكة سنين. وبها مات سنة أربع وعشرين وخمسمائة ، على ما قال لى أبو محمد [.....](١).

وقال الذهبى فيما انتخبه من تاريخ دمشق : إنه توفى فى صفر سنة أربع وعشرين.

وقال : طال عمره وكف بصره.

١٦١٣ ـ عبد الله بن محمد بن إسحاق بن العباس ، مسند مكة ، أبو محمد الفاكهى المكى :

وله مصنف «أخبار مكة». سمع أبا يحيى بن أبى مسرة. روى عنه : أبو عبد الله الحكيم ، وأبو القاسم بن مروان ، وأبو محمد بن النحاس.

١٦١٤ ـ عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن عباس العباسى ، أبو العباس :

أمير مكة ، ذكر ابن جرير فى أخبار سنة تسع وثلاثين ومائتين : أن عبد الله بن محمد ابن داود هذا ، حج بالناس فى هذه السنة ، وهو والى مكة.

__________________

١٦١٢ ـ انظر ترجمته فى : (سير أعلام النبلاء ١٩ / ٥٥٧).

(١) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

٤٠٦

وذكر أنه حج بالناس سنة أربعين ومائتين ، وسنة إحدى وأربعين ومائتين ، وسنة اثنتين وأربعين ومائتين. وقال لما ذكر حجه بالناس فى هذه السنة : وهو والى مكة. ولم يذكر ذلك فى السنين قبلها ، والظاهر أنه كان واليا فيها ، فإنى رأيت ما يدل لذلك ؛ لأن الأزرقى ذكر أن ظلة المؤذنين التى كانت على سطح المسجد ، هدمت وعمرت ، وزيد فيها فى خلافة المتوكل فى سنة أربعين ومائتين.

وذكر الفاكهى الظلة القديمة ، ثم قال : فكانت تلك الظلة على حالها حتى كانت سنة أربعين ومائتين ، فغيرها عبد الله بن محمد بن داود ، وبناها بناء محكما ، وجعلها بطاقات خمس ، وإنما كانت قبل ذلك ظلة. انتهى.

وذكر الأزرقى : أن رخام الحجر الذى عمل فى خلافة المهدى العباسى ، قلع فى سنة إحدى وأربعين لرثاثته ، وألبس رخاما حسنا.

وقال إسحاق الخزاعى ـ بعد كلام لأبى الوليد الأزرقى ، يتعلق بالحجر ـ : قد كان على ما ذكره أبو الوليد ، ثم كان رخامه قد تكسر من وطء الناس ، فعمل فى خلافة الموكل على الله ، وأمير مكة ـ يومئذ ـ أبو العباس عبد الله بن محمد بن داود. انتهى.

فاستفدنا مما ذكره الأزرقى والفاكهى ، فى خبر ظلة المؤذنين ، ومما ذكره الأزرقى والخزاعى فى رخام الحجر ، أن محمد بن داود ، كان أمير مكة فى سنة أربعين ، وفى سنة إحدى وأربعين ومائتين. ورأيت ما يدل لذلك غير هذا.

وذكر الفاكهى ما يقتضى أن اسمه كان مكتوبا فى حجرة زمزم ، وذكر صفة الكتابة التى كانت فى ذلك ، وفيها ما يقتضى أنه : عامل المتوكل على مكة ومخاليفها وعلى جميع أعمالها.

وذكر الخزاعى : أنه عمر مسجد عائشة بالتنعيم ، وجعل على بئره قبة ، وهو أمير مكة. انتهى.

وذكر العتيقى : أنه حج بالناس فى الأربع سنين التى ذكرها ابن جرير ، وأن لقبه ترنجة.

وذكر ابن الأثير أن عبد الله بن محمد بن داود هذا ، حج بالناس فى سنة ثمان وثلاثين. وكان والى مكة.

وذكر فى أخبار سنة اثنتين وأربعين : أن عبد الصمد بن موسى حج بالناس فيها ، وهو على مكة.

٤٠٧

وهذا يخالف ما ذكره ابن جرير ، فى ابتداء ولاية عبد الله بن محمد هذا ، وفى انقضائها. والله أعلم بالصواب.

وذكر الفاكهى أمورا صنعها بمكة ؛ لأنه قال : وأول من أخذ الناس بالحريق بمكة ليلة هلال رجب ، وأن يحرسوا عمار اليمن : عبد الله بن محمد بن داود فى سنة إحدى وأربعين ومائتين ، ثم ترك الناس ذلك بعده ، وأول من استخف بأصحاب البرد بمكة عبد الله بن محمد بن داود ، ثم الولاة على ذلك إلى اليوم. وأول من زاد الأذان الآخر للفجر ، عبد الله بن محمد بن داود ، والناس على ذلك إلى اليوم. انتهى.

١٦١٥ ـ عبد الله بن محمد بن صيفى القرشى المخزومى :

والد يحيى. روى عن حكيم بن حزام ، روى عنه صفوان بن وهب ، روى له النسائى ، وذكره ابن حبان فى الثقات ، وذكره مسلم بن الحجاج فى الطبقة الأولى من تابعى أهل مكة.

١٦١٦ ـ عبد الله بن محمد بن الضياء محمد بن عبد الله بن محمد بن أبى المكارم الحموى المكى ، يلقب بالعفيف :

حضر فى الرابعة فى [....](١) على الإمامين سراج الدين الدمنهورى ، وفخر الدين النويرى : الموطأ ، رواية يحيى بن بكير.

وسمع فى سنة سبع وأربعين ، على الفخر عثمان بن الصفى الطبرى : سنن أبى داود ، وعلى الجمال إبراهيم بن محمد بن النحاس الدمشقى : مشيخة العشارى ، عن ابن شيبان ، وغير ذلك على غيرهم. وما علمته حدث.

وقرأ القرآن على الشيخ ناصر الدين العقيبى ، وحفظ التنبيه ، والحاوى ، وألفية ابن مالك ، والمقامات الحريرية ، ورحل إلى الشام ، وقرأ فى الفقه على القاضى أبى البقاء السبكى وغيره ، وكان يحبه ، ويثنى عليه ، ما بلغنى ، وانقطع إلى ولده القاضى ولى الدين ، ثم توجه إلى الرحبة (٢) واستوطنها حتى مات.

__________________

١٦١٥ ـ انظر ترجمته فى : (الجرح والتعديل ٥ / ١٥٥).

(١) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

(٢) الرحبة : هى مدينة فى شرقى الفرات حصينة عامرة عليها سور تراب ولها أسواق وعمارات وكثير من التمر ، ومنها مع الفرات إلى الخابورى مرحلتان. انظر : معجم البلدان ٢ / ٧٦٤ ، الروض المعطار ٢٦٨.

٤٠٨

وبلغنى خبر موته فى ذى الحجة من سنة ثمان وتسعين وسبعمائة ، وأنا بدمشق فى الرحلة الأولى ، من ابن أخيه العفيف عبد الله بن محمد بن الضياء الحموى المكى.

١٦١٧ ـ عبد الله بن محمد بن عبد الله ، يلقب بالعفيف ، ويعرف بالأرسوفى :

صاحب المدرسة التى بقرب باب العمرة ، والرباط الذى بقربها ، المعروف برباط أبى رقيبة.

وهذا الرباط ، وقفه ـ عن نفسه ، وعن موكله شريكه فيه القاضى الفاضل عبد الرحيم بن علىّ البيسانى ـ على الفقراء والمساكين ، العرب والعجم ، الرجال دون النساء ، القادمين إلى مكة ، والمجاورين بها ، على أن لا يزيد الساكن فى السكنى فيه على ثلاث سنين ، إلا أن تقطع أقدامه ، وسكناه فى السفر إلى مسافة تقصر فيها الصلاة.

نقلت هذا من حجر الرباط المذكور ، وتاريخه سنة إحدى وتسعين وخمسمائة.

١٦١٨ ـ عبد الله بن محمد بن علىّ بن الحسين بن عبد الملك الطبرى ، أبو النضر المكى :

سبط سليمان بن خليل ، سمع من أبى الحسن بن المقير : اليقين لابن أبى الدنيا ، ومن أبى حرمى : نسخة أبى مسهر الغسانى ، ويحيى بن صالح الوحاظى ، وما معهما ، وغير ذلك على جده وغيره. وحدث.

سمع منه : جد أبى ، أبو عبد الله الفاسى ، بقراءة ابن عبد الحميد ، فى يوم عاشوراء ، سنة سبع وثمانين وستمائة بالحرم الشريف. ولم أدر متى مات ، غير أنا استفدنا حياته فى هذا التاريخ.

١٦١٩ ـ عبد الله بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمى ، أبو جعفر المنصور العباسى ، ثانى خلفاء بنى العباس :

ولى الخلافة بعد أخيه أبى العباس السفاح ، حتى مات.

وكانت مدة خلافته : اثنتين وعشرين سنة ، إلا ثمانية أيام ـ على ما ذكر صاحب العقد.

وذكر أنه بويع بالخلافة فى اليوم الذى توفى فيه أخوه ، لثلاث عشرة ليلة خلت من ذى الحجة ، سنة ست وثلاثين ومائة. انتهى.

__________________

١٦١٩ ـ انظر ترجمته فى : (ابن الأثير ٥ / ١٧٢ ، ٦ / ٦ ، الطبرى ٩ / ٢٩٢ ـ ٣٢٢ ، البدء والتاريخ ٦ / ٩٠ ، اليعقوبى ٣ / ١٠٠ ، تاريخ الخميس ٢ / ٣٢٤ ، ٣٢٩ ، الأعلام ٤ / ١١٧).

٤٠٩

وذكر غيره : أن الذى أخذ له البيعة : عمه عيسى ؛ لأنه غائبا فى الحج فى هذه السنة ، وهو الذى حج بالناس فيها.

وفى سنة أربعين ومائة ، على ما ذكر خليفة بن خياط ؛ والفسوى فى سنة أربع وأربعين ، وفى سنة اثنتين وخمسين.

وذكر الفسوى : أنه حج بالناس أيضا سنة سبع وأربعين.

وفى سنة سبع وثلاثين : أمر بالزيادة فى المسجد الحرام. فزيد فيه من جانبه الشامى ، ومن جانبه الغربى ، ضعف ما كان عليه. وفرغ من ذلك ، فى سنة أربعين ومائة.

وكان المنصور كاملا فى الرأى ، والعقل ، والدهاء ، والحزم ، والعزم ، ذا هبية وجبروت ، وسطوة وظلم ، وعلم وفقه وشجاعة ، يخالط آية الملك بزى ذوى النسك ، كأن عينيه لسانان ناطقان ، بخيلا بالمال إلا عند النوائب.

كان عمه عبد الله ـ بعد موت السفاح ـ زعم أن السفاح عهد إليه فى حياته بالخلافة بعده ، وأنه على ذلك حارب مروان ، حتى هزمه واستأصله ، وأقام بذلك شهودا ، ودعا إلى نفسه ، وبايعه جيشه وعسكره بدابق (١). فجهز المنصور لحربه أبا مسلم الخراسانى ، فالتقى الجيشان بنصيبين (٢) ، وتمت وقعة هائلة ، انهزم فيها الشاميون ، وفر عبد الله إلى البصرة ، فاختفى فيها عند نائبها أخيه سليمان واستولى أبو مسلم الخراسانى على خزانته وكانت عظيمة ، لما فيها من ذخائر بنى أمية ونعمتهم ، التى استولى عليها عبد الله حين قاتل بنى أمية.

وأمر المنصور أبا مسلم الخراسانى بالاحتفاظ بها ، فعظم ذلك عليه ، وعزم على خلع المنصور. وتوجه إلى خراسان فى جيوشه ، ليقيم بها علويّا خليفة. فبعث إليه المنصور يستعطفه ويعتذر إليه ، ولم يزل يتحيل على أبى مسلم ، حتى حضر إلى خدمته ، فبالغ فى تعظيمه.

__________________

(١) دابق : مدينة فى أقاصى فارس يذكر ويؤنث ، وهو مذكور فى حديث مسلم بن الحجاج : «ينزل الروم بدابق أو الأعماق» أو ما هذا معناه قال عياض : بفتح الباء جاء فى كتاب مسلم. انظر : معجم البلدان ٤ / ٧٢ ، الروض المعطار ٢٣١.

(٢) نصيبين : مدينة فى ديار ربيعة العظمى ، وهى من بلاد الجزيرة بين دجلة والفرات.

انظر : الروض المعطار ٥٧٧ ، معجم البلدان ٢٨٨ / ٥ وما بعدها ، اليعقوبى ٣٦٢ ، نزهة المشتاق ١٩٩ ، رحلة ابن جبير ٢٣٩ ، الكرخى ٥٢ ، ابن حوقل ١٩٣ ، ١٩٤ ، المقدسى ١٤٠ ، آثار البلاد ٤٦٧ ، ابن الوردى ٢٨.

٤١٠

ثم إن أبا مسلم ، دخل على المنصور يوما ، وقد أعد له عشرين نفرا بالسلاح فى مجلسه من وراء الستر ، فأخذ المنصور يعنفه ويعدد عليه ذنوبه ، فبقى أبو مسلم يعتذر ، وهو لا يقبل له عذرا ، وصفق المنصور بيده ، وكان ذلك إشارة بينه وبين من أحضرهم لقتل أبى مسلم فى الإذن فى قتله. فخرجوا إليه ، فقطعوه فى الحال ، ولف فى بساط ، وألقى رأسه إلى أصحابه مع ذهب عظيم ، فاشتغلوا بذلك.

ثم خرج على المنصور ، محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علىّ بن أبى طالب بالمدينة فى سنة خمس وأربعين ومائة. وكان خرج وهو راكب حمارا فى مائتين وخمسين رجلا ، ووثبوا على رباح أمير المدينة ، فسجنوه ، وبويع محمد بالخلافة طوعا وكرها. وقال : إنه خرج غضبا لله ورسوله. وبعث بعض أعوانه إلى مكة واليمن ، فملكوا ذلك ، وبعث بعضهم إلى الشام فلم يمكنوا من ذلك.

ولما بلغ المنصور خروجه ، ندب لقتاله ، ولى العهد عيسى بن موسى العباسى ، وقال:لا أبالى أيهما قتل الآخر ، يعنى : إن قتل عيسى محمدا فبها ونعمت ، وإن قتل محمد عيسى ، استراح منه ليعهد إلى ابنه المهدى. فسار عيسى فى أربعة آلاف فارس ، وكتب إلى أشراف المدينة يستميلهم ويمنيهم ، فتفرق عن محمد بعض جمعه ، فأشير عليه بأن يلحق بمصر ليتقوى منها ، فأبى وحصن المدينة ، وعمق الخندق.

فلما قرب منه عيسى ، حارب ، فولى محمد ، وقال لمن معه : أنتم من مبايعتى فى حل ، فانسلوا عنه ، وبقى فى طائفة ، فبعث إليه عيسى يدعوه إلى الإنابة ، وبذل له الأمان ، فلم يقبل ، ثم إن عيسى أنذر أهل المدينة وخوفهم ، وناشدهم الله أياما ، فأبوا ، فزحف عليهم ، ولام محمد بن عبد الله ، ومحمد لا يرعوى.

فالتحم القتال ، فقتل محمد ، بعد أن قتل بيده من عسكر العراق سبعين نفرا. وحمل رأسه إلى المنصور. وكان معه حين قاتل ثلاثمائة مقاتل. وكان أسود ، ضخما ، فى حديثه تتمة وفيه فضيلة.

وذكر صاحب العقد ، كتابا كتبه المنصور إليه ، وجوابا إلى المنصور ، وجوابا من المنصور إليه عن جوابه. وقد رأيت أن أثبت ذلك لما فيه من بيان فضلهما.

قال صاحب العقد ، بعد أن ذكر شيئا من تحيل المنصور على معرفة مكان محمد بن عبد الله بن الحسن ، وأخيه إبراهيم ، وقبضه على أبيهما وغيره من آل أبى طالب بالمدينة ، فى سنة أربع وأربعين ومائة. فلما انصرف أبو جعفر إلى العراق ، وخرج محمد بن عبد الله بالمدينة ، فكتب إليه أبو جعفر :

٤١١

من عبد الله أمير المؤمنين ، إلى محمد بن عبد الله : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة : ٣٣ ، ٣٤] ولك عهد الله وميثاقه ، وذمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إن أنتما أنبتما ورجعتما ، من قبل أن أقدر عليكما ، وأن يقع بينى وبينكما سفك الدماء ، أن أؤمنكما وجميع ولديكما ، ومن يتابعكما أو يبايعكما على دمائكم وأموالكم ، وأوسعكما ما أصبتما من دم أو مال ، وأعطيكما ألف ألف درهم لكل واحد منكما ، وما سألتما من الحوائج ، ولكما من البلاد حيث شئتما ، وأطلق من الحبس جميع ولد أبيكما ، ثم لا أتعقب واحدا منكما بذنب سلف منه أبدا. فلا تشمت بنا وبكم أعداؤنا من قريش. فإن أحببت الأخذ لك من الأمان والمواثيق والعهود ما تأمن به وتطمئن إليه ، إن شاء الله تعالى.

فأجابه محمد بن عبد الله : من محمد بن محمد بن عبد الله أمير المؤمنين ، إلى عبد الله ابن محمد (طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص : ١ ـ ٦] وأنا أعرض عليك من الأمان ما عرضت علىّ ، فإن الحق معنا ، وإنما دعيتم بهذا الأمر بنا ، وخرجتم إليه بشيعتنا ، وحظيتم بفعلنا ، وإن أبانا عليا كان الإمام ، فكيف ورثتم ولاية ولده ، وقد علمتم أنه لم يطلب هذا الأمر أحد له مثل نسبنا ولا شرفنا ، وأنا لسنا من أبناء الطوار ، ولا من أبناء الطلقاء ، وأنه ليس يمت أحد بمثل ما نمت به من القرابة والسابقة والفضل. وأنا بنو أم أبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فاطمة ابنة عمرو فى الجاهلية ، وبنو فاطمة ابنته فى الإسلام دونكم ، وأن الله تعالى اختارنا ، واختار لنا ، فولدنا من النبيين أفضلهم ، ومن السلف أولهم إسلاما : علىّ بن أبى طالب.

ومن النساء : خديجة بنت خويلد ، وأول من صلى إلى القبلة منهم.

ومن البنات : فاطمة ، سيدة نساء العالمين ، ونساء أهل الجنة ، ولدت الحسن والحسين ، سيدى أهل الجنة ، صلوات الله عليهما ، وأن هاشما ولد عليّا مرتين ، وأن عبد المطلب ولد حسنا مرتين ، وأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولدنى مرتين ، وأنى من أوسط بنى هاشم نسبا ، وأشرفهم أبا وأما ، لم تعرق فى العجم ، ولم تنازع فى أمهات الأولاد ، فمازال الله بمنه

٤١٢

وفضله ، يختار لى فى الأمهات والآباء فى الجاهلية والإسلام ، حتى اختار لى فى النار. فآبائى أرفع الناس درجة فى الجنة ، وأهونهم عذابا فى النار ، وإنى خير أهل الجنة ، وأبى خير أهل النار ، فأنا ابن خير الأخيار ، وابن خير الأشرار ، ولك والله إن دخلت فى طاعتى ، وأجبت دعوتى ، أن أؤمنك على نفسك ومالك ، ودمك وكل أمر أحدثته ، إلا حدّا من حدود الله تعالى ، أو حق امرئ مسلم أو معاهد. فقد علمت ما يزيلك من ذلك. فأنا أولى بالأمر منك ، وأوفى بالعهد ؛ لأنك لا تعطى من العهد أكثر ما أعطيت رجالا قبلى ، فأى الأمانات تعطى؟. أمان ابن هبيرة ، أو أمان عمك عبد الله بن علىّ ، أو أمان أبى مسلم؟ والسلام.

فكتب إليه أبو جعفر : من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله بن حسن.

أما بعد : فقد بلغنى كتابك ، وفهمت كلامك ، فإذا جل فخرك بقرابة النساء ، لتضل به الغوغاء ، ولم يجعل الله النساء كالعمومة والآباء ، ولا كالعصبة الأولياء ؛ لأن الله تعالى جعل العم أبا ، وبدأ به فى القرآن على الولد الأدنى. ولو كان اختيار الله تعالى لهن على قدر قرابتهن ؛ لكانت آمنة أقربهن رحما ، وأعظمهن حقا ، وأول من يدخل الجنة غدا ، ولكن الله اختار لخلقه على قدر علمه الماضى لهن.

فأما ما ذكرت من فاطمة جدته عليه‌السلام ، وولادتها لك ، فإن الله تعالى لم يرزق واحد من ولدها دين الإسلام ، ولو أن أحدا من ولدها رزق الإسلام بالقرابة ، لكان عبد الله بن عبد المطلب ، أولاهم بكل خير فى الدنيا والآخرة ، ولكن الأمر لله ، يختار لدينه من يشاء (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [الأنعام : ١١٧].

ولقد بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وله عمومة أربعة ، فأنزل الله عليه : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) فدعاهم فأنذرهم ، فأجابه اثنان ، أحدهما أبى ، وأبى عليه اثنان ، أحدهما أبوك. فقطع الله ولايتهما منه ، ولم يجعل بينهما إلا ولا ذمة ولا ميراثا. وقد زعمت أنك ابن أخف أهل النار عذابا ، وابن خير الأشرار ، وليس فى الشر خيار ، ولا فخر فى النار ، وسترد ، فتعلم (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٧].

وأما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلم يلده هاشم إلا مرة واحدة ، وزعمت أنك أوسط بنى هاشم نسبا ، وأكرمهم أما وأبا ، وأنك لم تلدك العجم ، ولم تعرق فيك أمهات الأولاد ، فقد رأيتك فخرت على بنى هاشم طرا ، فانظر أين أنت؟ ويحك من الله غدا! فإنك قد تعديت طورك ، وفخرت على من هو خير منك نفسا وأبا وأولا وآخرا فخرت على إبراهيم ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهل خيار ولد أبيك خاصة ، وأهل الفضل منهم إلا بنو

٤١٣

أمهات أولاد؟ وما ولد منكم بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل من على بن الحسين ، وهو لأم ولد ، وهو خير من جدك حسن بن حسن ، وما كان فيكم بعده مثل ابنه محمد بن علىّ ، وهو خير منك ، ولدته أم ولد.

وأما قولك : إنا بنو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإن الله تعالى يقول : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [الأحزاب : ٤٠] ولكنكم بنو ابنته ، وهى امرأة ولا تحوز ميراثا ، ولا ترث الولاء ، ولا يحل لها أن تؤم ، فكيف تورث بها إمامة. ولقد ظلمها أبوك بكل وجه ، فأخرجها نهارا ، ومرضها سرا ، ودفنها ليلا. فأبى الناس إلا تقديم الشيخين وتفضيلهما. ولقد كانت السنة التى لا اختلاف فيها : أن الجد أب الأم والخال والخالة ، لا يرثون ولا يورثون.

وأما ما فخرت به من علىّ وسابقته ، فقد حضرت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الوفاة ، فأمر غيره بالصلاة ، ثم أخذ الناس رجلا بعد رجل ، فما أخذوه. وكان فى الستة من أصحاب الشورى ، فتركوه كلهم : رفضه عبد الرحمن بن عوف ، وقاتله طلحة والزبير ، وأبى سعد بيعته وأغلق بابه دونه ، وبايع معاوية بعده ، ثم طلبها علىّ بكل وجه. فقاتل عليها ، ثم حكم الحكمين ، ورضى بهما ، وأعطاهما عهد الله وميثاقه ، فاجتمعا على خلعه. واختلفا فى معاوية ، وسالمه الحسن ، وباع الخلافة بخرق ودراهم ، وأسلم شيعته بيد معاوية ، ودفع الأموال إلى غير أهلها ، وأخذ مالا من غير ولاته. فإن كان لكم فيها حق ، فقد بعتموه وأخذتم ثمنه ، ثم خرج عمك الحسين بن علىّ على ابن مرجانة. وكان الناس معه عليه ، حتى قتلوه وأتوه برأسه ، ثم خرجتم على بنى أمية ، فقتلوكم وصلبوكم على جذوع النخل ، وأحرقوكم بالنيران ، ونفوكم من البلدان ، حتى قتل يحيى بن زيد بأرض خراسان ، وقتلوا رجالكم ، وأسروا الصبية والنساء ، وحملوهم كالسبى المجلوب إلى الشام ، حتى خرجنا عليهم ، فطلبنا بثأركم ، وأدركنا بدمائكم ، وأورثناكم أرضهم وديارهم وأموالهم ، وأردنا إشراككم فى ملكنا فأبيتم إلا الخروج علينا ، وأنزلت ما رأيت من ذكرنا أباك ، وتفضيلنا إياه ، أنا نقدمه على العباس وحمزة وجعفر ، وليس كما ظننت ، ولكن هؤلاء سالمون ، مسلم منهم ، مجتمع بالفضل عليهم ، وابتلى أبوك بالحرب ، فكانت بنو أمية تلعنه على المنابر ، كما تلعن أهل الكفر فى الصلاة المكتوبة ، فاحتججنا له ، وذكرنا فضله ، وعنفناهم ، وطلبناهم فيما نالوا منه.

وقد علمت أن المكرمة فى الجاهلية سقاية الحاج الأعظم ، وولاية بئر زمزم ، فصارت للعباس من بين إخوته. وقد نازعه فيها أبوك ، فقضى بها لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلم نزل نليها فى الجاهلية والإسلام.

٤١٤

وقد علمت أنه لم يبق أحد من بعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من بنى عبد المطلب ، غير العباس وحده ، وارثه مرتين ، ثم طلب هذا الأمر غير واحد من بنى هاشم ، فلم ينله إلا ولده ، فالسقاية سقايتنا ، وميراث النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ميراثنا ، والخلافة فى أيدينا ، فلم يبق فضل ولا شرف فى الجاهلية والإسلام ، إلا والعباس وارثه ومورثه والسلام. انتهى.

وفى سنة خمس وأربعين ومائة ، خرج على المنصور أيضا ، إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ، أخو محمد بن عبد الله بن الحسن المقدم ذكره بالبصرة. وكان قدمها فى عشرة أنفس ، واختفى بها ، واتفق له فى اختفائه أمور يتعجب منها ، وحاصل الأمر ، أنه بايعه نحو أربعة آلاف.

فلما بلغ المنصور خروجه ، اشتد قلقه لكثرة خوفه ووجله ، فنزل بالكوفة ليأمن غائلة الشيعة بها ، وألزم الناس حينئذ بلبس السواد حتى العوام ، وجعل يسجن ويقتل كل من اتهمه ، والشيعة يعلون بها ، ويبايعون سرّا لإبراهيم ، حتى اتسع الخرق ، وعظم الخطب ، وخرج إبراهيم والخلائق مقبلة إليه ، فتحصن منه نائب البصرة ، ثم نزل إليه نائب البصرة بأمان ، وأنفق إبراهيم فى عسكره ما وجده فى الخزانة ، وكان ستمائة ألف ، وبعث سراياه إلى الأهواز(٣) وفارس وواسط (٤) وبعث المنصور لحربه عامرا المكى فى خمسة آلاف فارس ، فالتقوا أياما. فقتل من جموع إبراهيم خلق كثير ، ثم التقى عسكره مع عسكر عيسى بن موسى بعد رجوعه من المدينة مظفرا ، والمنصور فى ذلك كله لا يقر ولا ينام ، لما حصل فى نفسه من الخور ، وإلا حوله بالكوفة مائة ألف سيف كامنة مضمرة للشر ، ولو لا سعادته لزال ملكه ، ولو هجم إبراهيم الكوفة لاستولى على الأمر ، وظفر بالمنصور ، ولكنه ترك ذلك تدينا. وقال : أخشى إن هجمنا الكوفة أن يستباح الصغار والنساء. وكان جنده يختلفون عليه ، وكل واحد يشير برأى ، إلى أن التقى

__________________

(٣) الأهواز : آخره زاى وهى جمع هوز وأصله حوز فلما كثر استعمال الفرس لهذه اللفظة غيرتها حتى أذهبت أصلها جملة. وكان اسمها فى أيام الفرس خوزستان وفى خوزستان مواضع يقال لكل واحد منها خوز كذا منها خوز بنى أسد وغيرها فالأهواز اسم للكورة بأسرها ، وأما البلد الذى يغلب عليه هذا الاسم عند العامة اليوم فإنما هو سوق الأهواز.

انظر : معجم البلدان (الأهواز).

(٤) واسط : مدينتان على جانبى دجلة ، والمدينة القديمة فى الجانب الشرقى ، وابتنى الحجاج مدينة فى الجانب الغربى ، وجعل بينهما جسرا بالسفين. انظر : الروض المعطار ٥٩٩ ، اليعقوبى ٣٢٢ ، معجم ما استعجم ٤ / ١٣٦٣ ، نزهة المشتاق ١٢٠ ، الكرخى ٥٨ ، ابن حوقل ٢١٤.

٤١٥

الفريقان بباخمرا (٥) على يومين من الكوفة ، فالتحم القتال. فاستظهر أصحاب إبراهيم ، وانهزم حميد بن قحطبة ، مقدم جيش المنصور ، وثبت عيسى بن موسى فى نحو مائة ، وقال : لا أزول ولو قتلت ، لما أشير عليه بالفرار ، ثم إن ابنى سليمان بن علىّ ، عطفا مع جماعة من الفرسان ، وحملوا على عسكر إبراهيم حملة صادقة ، من وراء إبراهيم. فانهزم أصحاب إبراهيم ، حتى بقى فى نحو من سبعين مقاتل ، وتراجع المنهزمون من أصحاب المنصور ، وحمى الحرب ، وأصاب إبراهيم سهم غرب فى حلقه ، فأنزل وهو يقول : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) [الأحزاب : ٣٨] ، أردنا أمرا وأراد الله غيره ، وحف به أصحابه يحمونه ، فحمل عليهم حميد بن قحطبة ، فنزل إليه جماعة ، واحتزوا رأسه ، وحمل إلى المنصور على رمح ، فخر ساجدا ، وذلك فى الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة خمس وأربعين ، ولما جاءه الرأس ، تمثل بقول معقر [من الطويل] :

فألقت عصاها واستقر بها النوى

كما قر عينا بالإياب المسافر

وكان لما وصل إليه المنهزمون من أصحابه ، قد هيأ النجائب للهرب إلى الرى (٦) وكان بها ولده فى أكثر جيش ، وتمثل حين اشتد قلقه بقول القائل [من الكامل] :

ونصبت نفسى للرماح دريئة

إن الرئيس لمثل ذاك فعول

وفى سنة خمسين ومائة ، خرجت جيوش خراسان عن طاعته ، فبعث لحربهم حازم ابن خزيمة فى جيش عرمرم يسد الفضاء ، فالتقى الجيشان ، وصبر الفريقان. فانهزم الملك أستاذ سيس (٧) الذى انضم إليه جيش خراسان ، ثم حوصر مدة ، فسلم نفسه وقتل.

وفى سنة ثلاث وخمسين ، غلبت الخوارج الأباضية على مملكة أفريقية ، وقتلوا نائب المنصور بها ، وهزموا عسكره ، وكان رءوس الخوارج ثلاثة : أبو قرة فى أربعين ألفا من الصفرية ، وأبو حاتم فى مائتى ألف من الفرسان ، وأبو عاد ، وبويع أبو قرة بالخلافة.

ولما بلغ المنصور خبرهم أهمه ذلك ، وبعث فى سنة أربع وخمسين ، يزيد بن حاتم فى خمسين ألف فارس ، وأنفق على الجيش ثلاثة وستين ألف ألف درهم.

__________________

(٥) باخمرا : بالراء ، موضع بين الكوفة وواسط وهو إلى الكوفة أقرب ، قالوا : بين باجرا والكوفة سبعة عشر فرسخا. انظر : معجم البلدان (باخمرا).

(٦) الرى : بفتح أوله ، وتشديد ثانيه .. وهى مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن.

انظر : معجم البلدان ٣ / ١١٦ وما بعدها.

(٧) سيس : بلد هو اليوم من أعظم مدن الثغورا الشامية بين أنطاكية وطرسوس. انظر : معجم البلدان ٣ / ٢٩٧.

٤١٦

قال الذهبى : وهذه نفقة لم يسمع بمثلها أبدا ، فهزم يزيد الخوارج ، وقتل أبا عاد ، وأبا حاتم ، واستعاد أفريقية ، ومهد البلاد. وذلك فى سنة خمس وخمسين.

وأخبار المنصور كثيرة. وقد أتينا على جملة منها فيها مقنع.

وكان فى سنة ثمان وخمسين ومائة ، خرج إلى مكة يريد الحج ، فأدركه الأجل ، على ما قال صاحب العقد ، قبل التروية بيوم ، لسبع خلون من ذى الحجة وهو محرم ، قال : ودفن بالحجون ، وصلى عليه إبراهيم بن محمد بن علىّ.

وقال الصولى : إنه دفن ما بين الحجون (٨) وبئر ميمون بن الحضرمى. انتهى.

١٦٢٠ ـ عبد الله بن محمد بن علىّ بن محمد بن عبد الرحمن الحسنى الفاسى المكى :

سمع بمكة من القاضى عز الدين بن جماعة وغيره ، وذكر لى ولدى ـ وهو عمه ـ أن له نظما ، وأنه توفى فى سنة أربع وثمانين وسبعمائة بالقاهرة.

١٦٢١ ـ عبد الله بن محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد السجاد بن طلحة ابن عبيد الله القرشى التيمى :

أمير مكة ، وقاضى مكة والمدينة. ذكره الزبير بن بكار ، وذكر ولايته لقضاء مكة والمدينة ، وغير ذلك من خبره ، وقال : ولاه أمير المؤمنين المهدى قضاء المدينة ، ثم صرفه عن القضاء ، ثم ولاه أمير المؤمنين الرشيد قضاء المدينة ، ثم صرفه عن القضاء وولاه مكة ، ثم صرفه عن مكة ، ورده إلى قضاء المدينة ، ثم صرفه عن قضاء المدينة. وكان معه حين هلك بطوس (١) ، مخرج أمير المؤمنين الرشيد إلى خراسان ، الذى هلك فيه أمير المؤمنين الرشيد. انتهى.

وذكر الأزرقى ولايته لمكة وما صنعه فيها ؛ لأنه قال : أول من عمل الظلة للمؤذنين التى على سطح المسجد ، يؤذن فيها المؤذنون يوم الجمعة والإمام على المنبر : عبد الله بن محمد بن عمران الطلحى ، وهو أمير مكة ، فى خلافة الرشيد هارون أمير المؤمنين.

__________________

(٨) الحجون : بفتح الحاء ، موضع بمكة عند المحصب ، وهو الجبل المشرف بحذاء المسجد الذى يلى شعب الجزارين إلى ما بين الحوضين اللذين فى حائط عوف ، وقيل الحجون مقبرة أهل مكة تجاه دار موسى الأشعرى رضى الله عنه. انظر : الروض المعطار ١٨٨ ، معجم ما استعجم ٢ / ٤٢٧.

(١) طوس : مدينة من نيسابور على مرحلتين ، وقيل على ستة عشر فرسخا ، وطوس يقال لها نوقان. انظر : الروض المعطار ٣٩٨ ، ٣٩٩ ، معجم البلدان ٤٩ / ٤ ، نزهة المشتاق ٢٠٩.

٤١٧

وكان المؤذنون يجلسون هناك يوم الجمعة ، فى الشمس فى الصيف والشتاء ، فلم تزل تلك الظلة على حالها ، حتى عمر المسجد في خلافة المتوكل على الله جعفر أمير المؤمنين ، فى سنة أربعين ومائتين ، فهدمت تلك الظلة ، وعمرت وزيد فيها. فهى قائمة إلى اليوم. انتهى.

وذكر الفاكهى ولايته لإمرة مكة وغير ذلك من خبره فيها ؛ لأنه قال فى الترجمة التى ترجم عليها بقوله «ذكر منبر مكة» بعد أن ذكر المنبر الذى أهدى الرشيد : فرقا عليه عبد الله بن محمد بن عمران الطلحى ، وهو أمير مكة لهارون ، فمال به المنبر ، فحدثنى عبد الله بن أحمد بن أبى مسرة ، قال : خرج عبد الله بن محمد بن عمران يوم الجمعة ـ وهو أمير مكة ـ يريد المنبر.

فلما رقيه ولم يكن نصبه صوابا ، مال المنبر به مما يلى الركن ، فتلقاه الجند والحرس بأيديهم حتى سووه ، وخطب وصلى بالناس ، فقال أبو عثمان خباب مولى الهاشميين [من الطويل] :

بكى المنبر الحرمى واستبكت له

منابر آفاق البلاد من الحزن

وحن إلى الأخيار من آل هاشم

ومل من التيمى واعتاذ بالركن

انتهى.

١٦٢٢ ـ عبد الله بن محمد بن الفرح الزطنى المكى ، أبو الحسن :

حدث عن بحر بن نصر بن سابق الخولانى ، سمع منه ابن المقرى بمكة فى دار الندوة. وروى عنه فى معجمه.

١٦٢٣ ـ عبد الله بن محمد بن كثير ، صلاح الدين المصرى :

سمع من عبد الله بن على بن عمر الصنهاجى وغيره ؛ ولا أدرى ، هل حدث أم لا؟.

وتوفى فى يوم السبت خامس ذى القعدة ، سنة ثلاث وستين وسبعمائة بمكة. ودفن بالمعلاة ، ذكره شيخنا الحافظ أبو زرعة فى تاريخه.

١٦٢٤ ـ عبد الله بن محمد بن أبى بكر عبد الله بن خليل بن إبراهيم بن يحيى العسقلانى ، يكنى أبا محمد ، ويلقب بهاء الدين بن الرضى ، ويعرف بابن خليل المكى ، ثم المصرى :

سمع بمكة من يحيى بن محمد بن على الطبرى المكى : الأربعين من رواية المحمدين ، تخريج الجيانى ، مع الزيادة الملحقة بها ، وعلى التوزرى [....](١) والشفاء ، والفوائد المدنية ، تخريج ابن مسدى لابن الجميزى وغير ذلك ، وعلى الصفى والرضى الطبريين :

__________________

٦٢٤ ـ (١) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

٤١٨

صحيح البخارى ، وعلى الرضى : اختلاف الحديث للشافعى ، وصحيح ابن حبان ، وغير ذلك ، وعلى المجد أحمد بن ديلم الشيبى ، مع التوزرى ، والرضى : الأربعين لابن مسدى ، وعلى علىّ بن بحير الشيبى [....](٢) وعلى الصدر إسماعيل بن يوسف بن مكتوم القيسى الدمشقى : جزء أبى الجهم ، ومشيخته ، بمنى سنة إحدى عشرة وسبعمائة ، ثم سمع عليه فى رحلته بدمشق سنة ثلاث عشرة ، الأول والثانى من حديث ابن أبى ثابت ، والمنتقى من ذم الكلام للهروى ، والمائة الشريحية ، وعلى الدشتى : المنتقى من تاريخ أصبهان لأبى نعيم ، انتقاء الذهبى ، وعلى القاضى سليمان بن حمزة : كتاب فضائل القرآن لابن الضريس ، والأول والثانى من حديث ابن بشران ، والبعث لابن أبى داود ، والمنتقى من ذم الكلام للهروى ، والرخصة لابن المقرئ وعوالى سعدان بن منصور لأبى نعيم ، والثانى من المحامليات ، وجزء السفنى ، وعلى عيسى بن عبد الرحمن المطعم : المنتقى من ذم الكلام ، والمائة الشريحية ، وعلى أبى بكر بن عبد الدايم : اليقين لابن أبى الدنيا ، والتصديق بالنظر إلى الله فى الآخرة ، وعلى أبى الفتح محمد بن عبد الرحيم بن النشو القرشى : مجلس ابن ميلة ، ونسخة وكيع بن الجراح وغير ذلك ، وعلى أبى نصر محمد بن محمد بن القاضى أبى نصر بن الشيرازى : كتاب ذم الكلام للهروى عن [....](٣) ومشيخة جده عنه ، وعلى أحمد ناصر الدين محمد بن يوسف بن المهتار : كتاب علوم الحديث لابن الصلاح عنه ، وعلى أحمد بن على بن الزبير الجيلى : المجلد الأول من سنن البيهقى الكبير ، وينتهى إلى جماع أبواب الاستقبال ، وغير ذلك عليهم وعلى غيرهم بدمشق.

وسمع بحلب فى سنة ثلاث عشرة وسبعمائة بقراءته غالبا ، على أبى سعيد بيبرس بن عبد الله العديمى : أسباب النزول للواحدى ، وجزء البانياسى ، وجزء هلال الحفار ، وجزء عباس الترقفى ، وعلى أبى بكر أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن العجمى : المواعظ لأبى عبيد ، وجزء الأصم ، والسرائر للعسكرى ، وجزء المخرمى والمروزى. وعليه وعلى أخيه شرف الدين عبد الرحيم بن عبد العديم : جزء السقطى ، وعلى القاضى تاج الدين محمد ابن أحمد النصيبى : جزء أسيد بن عاصم.

ثم رحل إلى مصر سنة إحدى وعشرين ، فسمع بها من جماعة ، وأخذ العلم بها عن جماعة من كبار علمائهم ، منهم الشيخ علاء الدين القونوى والشيخ أبو حيان ، والشيخ شمس الدين الأصبهانى ، شارح ابن الحاجب ، والشيخ تقى الدين السبكى ، وقرأ بها على التقى الصائغ بالروايات. وكان قرأ قبل ذلك بالروايات على الدلاصى بمكة. وعاد إليها بعد سبع سنين ، ثم توجه إلى الديار المصرية.

__________________

(٢) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

(٣) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

٤١٩

وفى سنة ثلاث وسبعمائة : صحب العارف الكبير ياقوت ، مولى الشيخ أبى العباس المرسى ، وتلميذه مدة. فعادت بركته عليه ، ثم تجرد ، وساح بديار مصر مدة سنين ، لا يعرف أين موضعه. ثم عاد إلى القاهرة وقد حصل على خير عظيم ، وانقبض عن الناس كثيرا ، ثم لوطف حتى أسمع كثيرا من مسموعاته. وجلس لذلك بأخرة يومين فى الجمعة ، غالبا هما يوم الجمعة ، ويوم الثلاثاء. وكانت تعتريه بحضرة الناس حالة ينال فيها كثيرا من شخص يقال له : إبراهيم الجعبرى ، ومن أحمد بن إبراهيم الجعبرى ، ويلعن إبراهيم ويديم لعنه ، حتى ينقطع نفسه. وبلغنى أنه سئل عن ذلك ، فقال : ما ترونه يدق فوق رأسى!.

وكان يلعن القطب الهرماس ، إمام جامع الحاكم بالقاهرة ، لكونه أدخل شيئا من طريق العامة فى دار بناها ، ثم هدمت هذه الدار.

وبلغنى : أن الشيخ عبد الله المذكور ، أخذ حصى وقرأ عليه ، ورمى به إلى جهة دار الهرماس ، فى اليوم الذى هدمت فيه قبل هدمها.

وكان يتقوت من معاليم ووظائف وليها ، ومن الوظائف التى وليها مشيخة الخانقاة الكريمة بالقرافة ، وإعادة تدريس درس القلعة ، وإعادة درس الحديث بالمنصورية بالقاهرة.

وكان محدثا ، وحافظا فقيها ، حفظ المحرر للرافعى ، مقرئا نحويا صالحا ، كبير القدر ، عجيبا فى الزهد والانقطاع عن الناس ، وحب الخمول.

وقد أثنى عليه غير واحد من الحفاظ ، منهم : الحافظ الذهبى ، وكتب عنه ، وذكره فى معجمه وقال : المقرئ المحدث ، الإمام القدوة الربانى. قرأ بالروايات ، وأتقن المذهب ، وعنى بالحديث ورحل فيه ، ثم قال : وكان حسن القراءة ، جيد المعرفة ، مليح المذاكرة ، متين الديانة ، ثخين الورع ، يؤثر الانقطاع والخمول ، كبير القدر ، ثم قال : قرأ المنطق ، وحصل جامكية ، ودخل فى [......](٤).

وذكره الشريف أبو المحاسن محمد بن على الحسينى فى ذيل طبقات الحفاظ للحافظ الذهبى ، وترجمه : بالشيخ الإمام العالم الحافظ القدوة البارع الربانى. ثم قال : المقرئ الشافعى ، ثم قال : قال الذهبى : كان حسن القراءة ، جيد المعرفة ، قوى المذاكرة فى الرجال ، كثير العلم ، متين الديانة ثخين الورع يؤثر الانقطاع والخمول ، كبير القدر ، انقطع بزاوية بظاهر الإسكندرية مرابطا. قلت : ثم استوطن القاهرة ، وساءت أخلاقه ، والله يغفر له. انتهى.

__________________

(٤) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

٤٢٠